دستور الأخلاق العسكريه
لا نعجب إذا عرفنا أن المسلمين أول من وثَّقوا العلاقة بين الحرب والأخلاق، فلم يكونوا يتشبهون بقوات الفرس والروم في حروبهم، ولا شكَّ أن هذا من أفضل ما قدمته الحضارة الإسلامية للإنسانية كلها،
فقد اهتمت بتربية الضمير، ووضع الوازع الأخلاقي والإنساني في التعامل مع الآخرين سواء كانوا متحاربين أم مسالمين.
ولم تهدف الحضاره الإسلاميه في أثناء نشر الدعوة الإسلامية بين أبناء الأمم الأخرى، إلى إراقة الدماء، وقتل الأبرياء، كما فعل المتصارعون من أبناء الفرس والروم، أو التتار الذين أبادوا من أمامهم كل شيء، فقتلوا الكبير والصغير، والرجل والمرأة، وعقروا الدواب، وأجهضوا الحوامل، وفعلوا ما لا يُستساغ قبوله من بشر ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ويوجِّهَهُم فيقول لهم مربيًا:لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ.." فالمسلم بطبيعة تربيته الأخلاقية التي يتربى عليها من خلال القرآن الكريم وسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم يكره القتل والدماء، ومن ثَمَّ فهو لا يبدأ أحدًا بقتال، بل إنه يسعى بكل الطرق لتجنُّب القتال وسفك الدماء.
لا نعجب إذا عرفنا أن المسلمين أول من وثَّقوا العلاقة بين الحرب والأخلاق، فلم يكونوا يتشبهون بقوات الفرس والروم في حروبهم، ولا شكَّ أن هذا من أفضل ما قدمته الحضارة الإسلامية للإنسانية كلها،
فقد اهتمت بتربية الضمير، ووضع الوازع الأخلاقي والإنساني في التعامل مع الآخرين سواء كانوا متحاربين أم مسالمين.
ولم تهدف الحضاره الإسلاميه في أثناء نشر الدعوة الإسلامية بين أبناء الأمم الأخرى، إلى إراقة الدماء، وقتل الأبرياء، كما فعل المتصارعون من أبناء الفرس والروم، أو التتار الذين أبادوا من أمامهم كل شيء، فقتلوا الكبير والصغير، والرجل والمرأة، وعقروا الدواب، وأجهضوا الحوامل، وفعلوا ما لا يُستساغ قبوله من بشر ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ويوجِّهَهُم فيقول لهم مربيًا:لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ.." فالمسلم بطبيعة تربيته الأخلاقية التي يتربى عليها من خلال القرآن الكريم وسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم يكره القتل والدماء، ومن ثَمَّ فهو لا يبدأ أحدًا بقتال، بل إنه يسعى بكل الطرق لتجنُّب القتال وسفك الدماء.
لهذا كان من عدله صلى الله عليه وسلم في الحروب أنه كان يقتصر على قتل المحاربين،
ولا يقتل المدنيين الذين لا يشاركون في الحرب والقتال،
وقد وصَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بذلك عندما أرسله في شعبان سنة (6 هـ)
إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ فقال له صلى الله عليه وسلم :
"اغْزُوا جَمِيعًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله، لاَ تغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ تُمَثِّلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا"
ولقد كانت هذه الأخلاق دُستورًا ركينًا في حروب الجيوش الإسلامية مع غير المسلمين، وكانت الحروب الإسلامية تتميز بأنها غير دموية، وكان القواد العسكريون المسلمون ينتهزون الفرص لوقف القتال وحماية الأرواح، وكان قدوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد قمتُ بإحصاء عدد الذين ماتوا في كل الحروب النبوية، سواء من شهداء المسلمين، أو من قتلى الأعداء، ثم قمت بتحليل لهذه الأعداد، وربطها بما يحدث في عالمنا المعاصر، فوجدت عجبًا! لقد بلغ عدد شهداء المسلمين في كل معاركهم أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك على مدار عشر سنوات كاملة، 262 شهيدًا تقريبًا، وبلغ عدد قتلى أعدائه صلى الله عليه وسلم حوالي 1022 قتيلاً، وقد حرصت في هذه الإحصائية على جمع كل من قُتِل من الطرفين حتى ما تم في حوادث فردية، وليس في حروب مواجهة، كما أنني حرصت على الجمع من الروايات الموثَّقة بصرف النظر عن الأعداد المذكورة، وذلك كي أتجنب المبالغات التي يقع فيها بعض المحققين بإيراد الروايات الضعيفة التي تحمل أرقامًا أقلَّ وذلك لتجميل نتائج الحروب النبوية وبذلك بلغ العدد الإجمالي لقتلى الفريقين 1284 قتيلاً فقط! ولكي لا يتعلل أحدٌ بأن أعداد الجيوش آنذاك كانت قليلة؛ ولذا جاء عدد القتلى على هذا النحو، فإنني قمت بإحصاء عدد الجنود المشتركين في المعارك، ثم قمت بحساب نسبة القتلى بالنسبة إلى عدد المقاتلين، فوجدت ما أذهلني! إن نسبة الشهداء من المسلمين إلى الجيوش المسلمة تبلغ 1% فقط، بينما تبلغ نسبة القتلى من أعداء المسلمين بالنسبة إلى أعداد جيوشهم 2%! وبذلك تكون النسبة المتوسطة لقتلى الفريقين هي 1.5% فقط! إن هذه النسب الضئيلة في معارك كثيرة بلغت 25 أو 27 غزوة و 38 سرية أي أكثر من 63 معركة، لمن أصدق الأدلة على عدم دموية الحروب في عهده صلى الله عليه وسلم . ولكي تتضح الصورة بشكل أكبر وأظهر فقد قمت بإحصاء عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية - كمثال لحروب "الحضارات" الحديثة، وخاصَّة أن الدول التي اشتركت فيها ما زالت تدَّعي أنها رائدة للحضارة ولحقوق الإنسان! ثم قمت بحساب نسبة القتلى بالقياس إلى أعداد الجيوش المشاركة في القتال، فصُدِمْتُ بمفاجأة مذهلة! إن نسبة القتلى في هذه الحرب الحضارية بلغت 351%! ومن جديد.. إن الأرقام لا تكذب، لقد شارك في الحرب العالمية الثانية 15.600.000 جندي (خمسة عشر مليونًا وستمائة ألف)، ومع ذلك فعدد القتلى بلغ 54.800.000 قتيل (أربعة وخمسين مليونًا وثمانمائة ألف)! أي أكثر من ثلاثة أضعاف الجيوش المشاركة! وتفسير هذه الزيادة هو أن الجيوش المشاركة جميعًا -وبلا استثناء- كانت تقوم بحروب إبادة للمدنيين، وكانت تُسْقِط الآلاف من الأطنان من المتفجرات على المدن والقرى الآمنة، فتبيد البشر، وتُفني النوع الإنساني، فضلاً عن تدمير البنى التحتية، وتخريب الاقتصاد، وتشريد الشعوب! لقد كانت كارثة إنسانية بكل المقاييس، وليس خافيًّا على أحد أن المشاركين في هذه المجازر كانت الدول التي تُعرف آنذاك - والآن - بالدول المتحضرة الراقية! كبريطانيا وفرنسا وأمريكا والاتحاد السوفيتي والصين وألمانيا وإيطاليا واليابان! وسار على نهج النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون من بعده، وظهر ذلك واضحًا في كلمات أشدِّ الصحابة حرصًا على اتباع سنَّته، وهو الصِّدِّيقُ وذلك عندما وصَّى جيوشه المتجهة إلى فتح الشام، وكان مما جاء في هذه الوصية: "ولا تفسدوا في الأرض...". فهذا شمول عظيم لكل أمر حميد، فالصديق t ينهى بوضوح عن كل إفساد في الأرض أيًّا كانت صورته، وجاء أيضًا في وصيته "ولا تغرقنَّ نخلاً ولا تحرقُنَّها، ولا تعقروا بهيمة، ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة..." فهذه تفصيلات توضح المقصود من وصية عدم الإفساد في الأرض؛ لكيلا يظنُّ قائد الجيش أن عداوة القوم تُبيح بعض صور الفساد، فالفساد بشتى صوره أمر مرفوض في الإسلام. وكان عمر بن الخطاب إذا بعث أمراء الجيوش أوصاهم بتقوى الله، ثم يقول عند عقد الألوية: "باسم الله، وعلى عون الله، وامضوا بتأييد الله بالنصر، وبلزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله {وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْـمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] ، لا تجبنوا عند اللقاء، ولا تمثِّلوا عند القدرة، ولا تُسرفوا عند الظهور، ولا تقتلوا هرمًا ولا امرأة ولا وليدًا، وتوقَّوْا قتلهم إذا التقى الزحفان، وفي شنِّ الغارات. ولا تغلُّوا عند الغنائم ونزِّهوا الجهاد عن عرض الدنيا، وأبشروا بالرباح في البيع الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم" إن اهتمام الإسلام وحضارته بالجانب الأخلاقي في جميع الأنشطة: السلمية والحربية، ليُؤَكِّد على أن الحضارة الإسلامية، قاعدتُها الأخلاق، ودُعامتها الرحمة، وأغصانها العفو، وثمرتها المؤاخاة، فمع التقدم العسكري الرائع الذي وصلت إليه الحضارة الإسلامية، فإنها لم تُهن شعوب الأمم الأخرى، فاحترمت عقائدهم، وتَقَبَّلَتْهم كمواطنين أحرار داخل أرجاء الدولة الإسلامية. وليس أدلُّ على ذلك من تعامل صلاح الدين -رحمه الله- مع أسرى الصليبيين وأمرائهم، من العفو والرحمة، حتى إن الأوساط العلمية والشعبية ما زالت تتذكر صلاح الدين -رحمه الله- وأدواره الأخلاقية قبل العسكرية. المصدر / إبتكارات المسلمين في ميدان الحرب الدكتور : راغب السرجاني
دستور الأخلاق العسكريه
لا نعجب إذا عرفنا أن المسلمين أول من وثَّقوا العلاقة بين الحرب
والأخلاق، فلم يكونوا يتشبهون بقوات الفرس والروم في حروبهم، ولا شكَّ أن
هذا من أفضل ما قدمته الحضارة الإسلامية للإنسانية كلها، فقد اهتمت بتربية
الضمير، ووضع الوازع الأخلاقي والإنساني في التعامل مع الآخرين سواء كانوا
متحاربين أم مسالمين.
ولم تهدف الحضاره الإسلاميه في أثناء نشر الدعوة الإسلامية بين أبناء
الأمم الأخرى، إلى إراقة الدماء، وقتل الأبرياء، كما فعل المتصارعون من
أبناء الفرس والروم، أو التتار الذين أبادوا من أمامهم كل شيء، فقتلوا
الكبير والصغير، والرجل والمرأة، وعقروا الدواب، وأجهضوا الحوامل، وفعلوا
ما لا يُستساغ قبوله من بشر
ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ويوجِّهَهُم فيقول
لهم مربيًا:لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللهَ
الْعَافِيَةَ.." فالمسلم بطبيعة تربيته الأخلاقية التي يتربى عليها من خلال
القرآن الكريم وسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم يكره القتل والدماء، ومن
ثَمَّ فهو لا يبدأ أحدًا بقتال، بل إنه يسعى بكل الطرق لتجنُّب القتال وسفك
الدماء.
لهذا كان من عدله صلى الله عليه وسلم في الحروب أنه كان يقتصر على قتل
المحاربين، ولا يقتل المدنيين الذين لا يشاركون في الحرب والقتال، وقد
وصَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بذلك عندما أرسله
في شعبان سنة (6 هـ) إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ فقال
له صلى الله عليه وسلم :"اغْزُوا جَمِيعًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَاتِلُوا
مَنْ كَفَرَ بِالله، لاَ تغُلُّوا، وَلاَ تَغْدِرُوا، وَلاَ
تُمَثِّلُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا"
ولقد كانت هذه الأخلاق دُستورًا ركينًا في حروب الجيوش الإسلامية مع
غير المسلمين، وكانت الحروب الإسلامية تتميز بأنها غير دموية، وكان القواد
العسكريون المسلمون ينتهزون الفرص لوقف القتال وحماية الأرواح، وكان قدوتهم
في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد قمتُ بإحصاء عدد الذين ماتوا في
كل الحروب النبوية، سواء من شهداء المسلمين، أو من قتلى الأعداء، ثم قمت
بتحليل لهذه الأعداد، وربطها بما يحدث في عالمنا المعاصر، فوجدت عجبًا!
لقد بلغ عدد شهداء المسلمين في كل معاركهم أيام رسول الله صلى الله
عليه وسلم وذلك على مدار عشر سنوات كاملة، 262 شهيدًا تقريبًا، وبلغ عدد
قتلى أعدائه صلى الله عليه وسلم حوالي 1022 قتيلاً، وقد حرصت في هذه
الإحصائية على جمع كل من قُتِل من الطرفين حتى ما تم في حوادث فردية، وليس
في حروب مواجهة، كما أنني حرصت على الجمع من الروايات الموثَّقة بصرف النظر
عن الأعداد المذكورة، وذلك كي أتجنب المبالغات التي يقع فيها بعض المحققين
بإيراد الروايات الضعيفة التي تحمل أرقامًا أقلَّ وذلك لتجميل نتائج
الحروب النبوية
وبذلك بلغ العدد الإجمالي لقتلى الفريقين 1284 قتيلاً فقط!
ولكي لا يتعلل أحدٌ بأن أعداد الجيوش آنذاك كانت قليلة؛ ولذا جاء عدد
القتلى على هذا النحو، فإنني قمت بإحصاء عدد الجنود المشتركين في المعارك،
ثم قمت بحساب نسبة القتلى بالنسبة إلى عدد المقاتلين، فوجدت ما أذهلني! إن
نسبة الشهداء من المسلمين إلى الجيوش المسلمة تبلغ 1% فقط، بينما تبلغ نسبة
القتلى من أعداء المسلمين بالنسبة إلى أعداد جيوشهم 2%! وبذلك تكون النسبة
المتوسطة لقتلى الفريقين هي 1.5% فقط!
إن هذه النسب الضئيلة في معارك كثيرة بلغت 25 أو 27 غزوة و 38 سرية أي
أكثر من 63 معركة، لمن أصدق الأدلة على عدم دموية الحروب في عهده صلى الله
عليه وسلم .
ولكي تتضح الصورة بشكل أكبر وأظهر فقد قمت بإحصاء عدد القتلى في الحرب
العالمية الثانية - كمثال لحروب "الحضارات" الحديثة، وخاصَّة أن الدول التي
اشتركت فيها ما زالت تدَّعي أنها رائدة للحضارة ولحقوق الإنسان! ثم قمت
بحساب نسبة القتلى بالقياس إلى أعداد الجيوش المشاركة في القتال، فصُدِمْتُ
بمفاجأة مذهلة! إن نسبة القتلى في هذه الحرب الحضارية بلغت 351%!
ومن جديد.. إن الأرقام لا تكذب، لقد شارك في الحرب العالمية الثانية
15.600.000 جندي (خمسة عشر مليونًا وستمائة ألف)، ومع ذلك فعدد القتلى بلغ
54.800.000 قتيل (أربعة وخمسين مليونًا وثمانمائة ألف)! أي أكثر من ثلاثة
أضعاف الجيوش المشاركة! وتفسير هذه الزيادة هو أن الجيوش المشاركة جميعًا
-وبلا استثناء- كانت تقوم بحروب إبادة للمدنيين، وكانت تُسْقِط الآلاف من
الأطنان من المتفجرات على المدن والقرى الآمنة، فتبيد البشر، وتُفني النوع
الإنساني، فضلاً عن تدمير البنى التحتية، وتخريب الاقتصاد، وتشريد الشعوب!
لقد كانت كارثة إنسانية بكل المقاييس، وليس خافيًّا على أحد أن
المشاركين في هذه المجازر كانت الدول التي تُعرف آنذاك - والآن - بالدول
المتحضرة الراقية! كبريطانيا وفرنسا وأمريكا والاتحاد السوفيتي والصين
وألمانيا وإيطاليا واليابان!
وسار على نهج النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون من بعده، وظهر ذلك
واضحًا في كلمات أشدِّ الصحابة حرصًا على اتباع سنَّته، وهو الصِّدِّيقُ
وذلك عندما وصَّى جيوشه المتجهة إلى فتح الشام، وكان مما جاء في هذه
الوصية: "ولا تفسدوا في الأرض...". فهذا شمول عظيم لكل أمر حميد، فالصديق t
ينهى بوضوح عن كل إفساد في الأرض أيًّا كانت صورته، وجاء أيضًا في وصيته
"ولا تغرقنَّ نخلاً ولا تحرقُنَّها، ولا تعقروا بهيمة، ولا شجرة تثمر، ولا
تهدموا بيعة..."
فهذه تفصيلات توضح المقصود من وصية عدم الإفساد في الأرض؛ لكيلا يظنُّ
قائد الجيش أن عداوة القوم تُبيح بعض صور الفساد، فالفساد بشتى صوره أمر
مرفوض في الإسلام.
وكان عمر بن الخطاب إذا بعث أمراء الجيوش أوصاهم بتقوى الله، ثم يقول
عند عقد الألوية: "باسم الله، وعلى عون الله، وامضوا بتأييد الله بالنصر،
وبلزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله {وَلاَ تَعْتَدُوا
إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْـمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190] ، لا تجبنوا عند
اللقاء، ولا تمثِّلوا عند القدرة، ولا تُسرفوا عند الظهور، ولا تقتلوا
هرمًا ولا امرأة ولا وليدًا، وتوقَّوْا قتلهم إذا التقى الزحفان، وفي شنِّ
الغارات. ولا تغلُّوا عند الغنائم ونزِّهوا الجهاد عن عرض الدنيا، وأبشروا
بالرباح في البيع الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم"
إن اهتمام الإسلام وحضارته بالجانب الأخلاقي في جميع الأنشطة: السلمية
والحربية، ليُؤَكِّد على أن الحضارة الإسلامية، قاعدتُها الأخلاق،
ودُعامتها الرحمة، وأغصانها العفو، وثمرتها المؤاخاة، فمع التقدم العسكري
الرائع الذي وصلت إليه الحضارة الإسلامية، فإنها لم تُهن شعوب الأمم
الأخرى، فاحترمت عقائدهم، وتَقَبَّلَتْهم كمواطنين أحرار داخل أرجاء الدولة
الإسلامية. وليس أدلُّ على ذلك من تعامل صلاح الدين -رحمه الله- مع أسرى
الصليبيين وأمرائهم، من العفو والرحمة، حتى إن الأوساط العلمية والشعبية ما
زالت تتذكر صلاح الدين -رحمه الله- وأدواره الأخلاقية قبل العسكرية.
المصدر / إبتكارات المسلمين في ميدان الحرب
الدكتور : راغب السرجاني
هذه المشاركة ذات صلة بملتقى المهندسين العرب http://www.arab-eng.org/vb/eng310010/
هذه المشاركة ذات صلة بملتقى المهندسين العرب http://www.arab-eng.org/vb/eng310010/
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire