الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

dimanche 9 juin 2013

قصيدة الحاكم والعصفور للشاعر نزار قباني

قصيدة الحاكم والعصفور للشاعر نزار قبانيأتجوّل في الوطن العربي لأقرأ شعري للجمهور
فأنا مقتنعٌ أن الشعر رغيفٌ يخبز للجمهور
و أنا مقتنعٌ منذ بدأت أن الأحرف أسماكٌ .. و أنّ الماء هو الجمهور
أتجوّل في الوطن العربي و ليس معي إلا دفتر
يرسلني المخفر للمخفر .. يرسلني العسكر للعسكر
و أنا لا أحمل في جيبي إلا عصفور

لكن الضابط يوقفني .. و يريد جوازاً للعصفور
تحتاج الكلمة في وطني لجواز مرور
أبقى مرميّاً ساعاتٍ منتظراً فرمان المأمور
أتأمّل في أكياس الرمل و دمعي في عينيّ بحور
و أمامي ارتفعت لافتةٌ تتحدّث عن وطن واحد
تتحدّث عن شعب واحد .. وأنا كالجرذ هنا قاعد
أتقيّأ أحزاني و أدوس جميع شعارات الطبشور
و أظلّ على باب بلادي مرميّاً كالقدح المكسور


لو كانت تسمعني الصحراء
لطلبتُ إليها أن تتوقّف عن تفريخ ملايين الشعراء
و تحرر هذا الشعب الطّيب من سيف الكلمات
مازلنا منذ القرن السابع .. نمضغ ألياف الكلمات
نتزحلق في قشر الراءات .. نتدحرج من أعلى الهاءات
و ننام على هجو جرير .. و نفيق على حزن الخنساء
يابلدي كيف تموت الخيل .. و لا يبقى إلا الشعراء
مازلنا منذ القرن السابع .. خارج خارطة الأشياء
نترقّب عنترة العبسي .. يجيء على فرس بيضاء
ليفرّج عنّا كربتنا .. و يردّ طوابير الأعداء
مازلنا نقضم كالفئران .. مواعظ سادتنا الفقهاء
نقرأ معروف الاسكافيّ .. و نقرأ أخبار النّدماء
و نكات جحا .. و رجوع الشيخ .. و قصّة داحس و الغبراء


يا بلدي الطيّب يا بلدي ..
الكلمة كانت عصفوراً .. و جعلنا منها سوق بغاء
لو كانت نجدٌ تسمعني .. و الربع الخالي يسمعني
لختمت أنا بالشمع الأحمر سوق عكاظ
و شنقت جميع النجارين . و كل بياطرة الألفاظ
مازلنا منذ ولادتنا .. تسحقنا عجلات الألفاظ
لو أعطى السلطة في وطني .. لقلعت نهار الجمعة أسنان الخطباء
و قطعت أصابع من صبغوا بالكلمة أحذية الخلفاء
و جلدت جميع المندفعين بدينارٍ أو صحن حساء
و جلدتُ الهمزة في لغتي .. و جلدت الياء
و ذبحت السين و سوف و تاء التأنيث البلهاء
و الزخرف و الخط الكوفي .. و كل ألاعيب البلغاء
و كنست غبار فصاحتنا .. و جميع قصائدنا العصماء
يا بلدي كيف يموت الخيل و لا يبقى إلا الشعراء


لو أعطى السلطة في وطني ..
لأعدمت جميع المنبطحين على أبواب مقاهينا
و قطعت لسان مغنّينا
و فقأت عيون القمر الضاحك في أحزان ليالينا
و كسرت زجاجته الخضراء
و أرحتك يا ليل بلادي .. من هذا الوحش الآكل من لحم البسطاء

يا بلدي الطيب .. يا بلدي
لو تنشف آبار البترول و يبقى الماء
لو تلغى أجهزة التكييف من الغرف الحمراء
لو أعطى السلطة في وطني ..
جرّدت قياصرة الصحراء من الأثواب الحضاريّة
و نزعت جميع خواتمهم .. و محوت طلاء أظافرهم
و سحقت الأحذية اللّماعة .. و الساعات الذهبيّة
و أعدت حليب النّوق لهم .. و أعدت سروج الخيل لهم
و أعدت لهم حتى الأسماء العربيّة


لو يكتب في يافا الليمون .. لأرسل آلاف الكلمات
لو أنّ بحيرة طبريّا .. تعطينا بعض رسائلها
لاحترق القارئ و الصفحات
لو أنّ القدس لها شفةٌ .. لاختنقت في فمها الصلوات
لو أنّ .. و ما تجدي لو أنّ .. و نحن نسافر في المأساة
و نمدّ إلى الأرض المحتلّة .. حبلاً شعريّ الكلمات
و نمدّ إلى يافا منديلاً .. طرّز بالدمع و بالدعوات

يابلدي الطيب يا بلدي .. قتلتك سكاكين الكلمات
حين يصير الفكر في مدينة .. مسطّحاً كحدوة الحصان
و مدوّراً كحدوة الحصان .. و تستطيع أي بندقية يرفعها جبان
أن تقتل الإنسان .. أن تسحق الإنسان
حين تصير بلدة بأسرها مصيدة .. و الناس كالفئران
و تصبح الجرائد الموجهة أوراق نعي تملأ الحيطان
يموت كل شيء .. الماء و النبات و الأصوات و الألوان
تهاجر الأشجار من جذورها و يهرب من مكانه المكان .. و ينتهي الزمان
حين يصير التفكير في مدينة حشيشةً يمنعها القانون
حين يصبح التفكير في مدينة كالبغاء و اللواط و الأفيون
جريمة يطالها القانون


حين يصير الناس في مدينة .. ضفادعاً مفقوءة العيون
فلا يثورون ولا يشتكون ولا يغنون و لا يبكون
ولا يموتون ولا يحيون ..
تحترق الغابات و الأشجار .. تحترق الثمار
و يصبح الإنسان في موطنه أذلَّ من صرصار
حين يصير العدل في مدينة سفينة يركبها قرصان
و يصبح الإنسان معفّراً بالخوف و الأحزان
حين يصير الدمع في مدينة أكبر من مساحة الأجفان
يسقط كل شيء .. الشمس و النجوم .. و الجبال و الوديان
و الليل و النهار و البحار و الشطآن .. و ينتهي الإنسان

حين يصير الحبّ في مدينة نوعاً من البغاء
و يصبح التاريخ في مدينة ممسحة و الفكر كالحذاء
حين تصير نسمة الهواء تأتي بمرسوم من السلطان
و حبّة القمح تأتي بمرسوم من السلطان
و قطرة الماء التي نشربها تأتي بمرسوم من السلطان
حين تصير أمّة بأسرها .. ماشية تعلف بزريبة السلطان
يختنق الأطفال في أرحامهم و تجهض النساء
و تسقط الشمس على ساحاتنا مشنقةً سوداء

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire