الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

dimanche 9 juin 2013

بيان رأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن الكريم

بيان رأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن الكريم
المعتزلة هم أشد خصوم الحنابلة في مسألة خلق القرآن ، وهم وإنْ قالوا بخلق القرآن ، ولكنهم لم يبلغ بهم الحد إلى القول بكفر من خالف رأيهم واستباحة دمه كما هو الحال بالنسبة لأحمد بن حنبل وأتباعه ، واقتصروا على اعتبار الفكرة فكرة خاطئة وغير صحيحة ، وأنّ الفهم الصحيح للتوحيد يتناقض معها .

ولا بأس بأنْ نعرض بشكل موجز ما ذهب إليه المعتزلة في مسألة خلق القرآن الكريم بالرجوع إلى ما دونه القاضي عبد الجبّار المعتزلي ، وما كتبه هو أهم ما لدينا من مصنفات المعتزلة في بيان معتقداتهم ، وقد اندثر غالبية تراثهم المدون بهذا الشأنْ .
ولعل من المناسب عرض ما ذهبوا إليه في عدة نقاط :
118 .......................................................... الخلاف في خلق القرآن الكريم

أولاً : حقيقة الكلام : يذهب المعتزلة إلى أنّ الكلام على وجه الحقيقة ليس له إلا معنى واحد وهو الحروف المنتظمة الدالة على معنى التي تصدر للتعبير عما يراد إفهامه .

ووقع الخلاف بين محققيهم في هل أنّ الأولى تعريفه بأنه الحروف والأصوات المنتظمة أو أنه الحروف المنتظمة ، وقد ذهب القاضي عبد الجبار إلى أنه عبارة عن الحروف التي تنتظم وإنْ لم تنتظم بالفعل ، بل يكفي فيها وجود حيثية الاستعداد للانتظام في نظره ، وأنه لا داعي لتعريفه بالحروف المنظومة والأصوات المقطعة ، لأنّ الحروف هي نفس الأصوات في الواقع ، فيكون تكراراً ، على أنّ ما يتألف من حرفين أو من حرف لا يكون حروفاً منظومة .

يقول القاضي عبد الجبار في كتابه المحيط بالتكليف أثناء شرح لحقيقة الكلام : والذي عقلناه في ذلك هو : الحروف التي تنتظم .
إلى أنْ قال : وهذا الحد أولى وأسلم من قول من قال : هو الحروف المنظومة والأصوات المقطّعة ، لأنّ في ذلك إخراجاً لما يتألف من حرفين أنْ يكون كلاماً ، وفيه أيضاً ضرب من التكرار ، فإنّ الأصوات المقطعة هي الحروف لا غير ... (1)
(1) المحيط بالتكليف ج1 ص 306 ط. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر – الدار المصرية للتأليف والترجمة / القاهرة .
 
الإنصاف في مسائل الخلاف ج2 ........................................................ 119

ثانياً : في معنى كون المتكلم متكلماً : وقد ذهب المعتزلة إلى أنّ المتكلم يكون متكلماً إذا فعل الكلام ولو لم يكن قائماً به ، فلو فعل الكلام فهو متكلم وإنْ قام الكلام بغيره ، وليس كل وصف يلزم أنْ يكون قائما في الموصوف ، فالضارب صفة ولكن قائماً في غير الضارب وإنما في المضروب وإنْ صدر من الضارب ، وكذا المنعم ، فصفة النعمة صادرة من الباري عز وجل وليست قائمة به ، وهكذا الكلام أيضاً ، وعلى هذا الأساس ذهبوا إلى أنّ الكلام صفة من صفات الباري عز وجل غير أنه ليس قائماً بذاته عز وجل ، بل يخلقه عز وجل ويجعله قائماً في مخلوقاته ، يقول القاضي عبد الجبّار المعتزلي : اعلم أنّ المتكلم عندنا هو فاعل الكلام ، وإنما نعرف أنّ هذه حقيقة بمثل ما نعرف في شيء من أسماء الفاعلين أنه يُفيد فعلاً من الأفعال ، وهذا نحو الضارب والكاسر والمنعم وغيرها ، ومعلوم أنّ الطريق الذي به تثبت هذه الأوصاف مفيدة للفعلية أنك لا تعلم كذلك إلا عند وقوع هذه الأفعال بحسب أحواله ، فإنْ لم يُعرف ذلك لم يُعرف متكلماً ، ومتى عرفت هكذا عرفت متكلماً ، فجرى مجرى ما ذكرناه ... (1)
(1) المحيط بالتكليف ج1 ص 309 .
 
120 .......................................................... الخلاف في خلق القرآن الكريم

ثالثاً : في معنى الكلام الإلهي : ذهب المعتزلة كما ظهر مما تقدم أنّ الكلام من صفات الفعل وليس من صفات الذات ، وأنّ معنى كون الباري عز وجل متكلماً أنه تبارك وتعالى فاعل الكلام وخالقه وإنّ لم يكن قائماً بذاته تبارك وتعالى ، يقول القاضي عبد الجبار المعتزلي : باب في أنه تعالى متكلم بمثل هذا الكلام ، وأنّ ذلك يصح فيه .

ثم قال : اعلـم أنه إذا كـان متكلـماً يعني أنه فاعـل الكلام فقـد كفى في صحة كونه متكلماً كونه قادراً على هذا النوع ، كما أنّ سائر الأوصاف التي تتبع الفعلية يكفي في صحتها كونه قادراً عليه ، فإذا أحدث الكلام ثبت كونه متكلماً ، كما إذا أحدث النعمة كان منعماً ، وليس الذي لأجله كان أحدنا موصوفاً بأنه متكلم إلا فعله للكلام فقط دون أنْ يُقال : إنما وُصف بذلك لفعله بآلة ولسان ... (1)
(1) المحيط بالتكليف ج1 ص 315 .
 
الإنصاف في مسائل الخلاف ج2 ........................................................ 121

رابعاً : خلق القرآن الكريم : اتفقت كلمة المعتزلة على أنّ القرآن الكريم وهو كلام الله عز وجل مخلوق له عز وجل وليس بقديم ، وأنه صفة غير قائمة بذاته كما هو الحال بالنسبة للنعمة ، فهو عز وجل منعم باعتبار صدور النعمة منه ، ونعمه عز وجل كلها حادثة ومخلوقة له عز وجل ، وكذلك كلامه تعالى وإنْ كان قد صدر منه ولكنه حادث ومخلوق له تبارك وتعالى ، يقول القاضي عبد الجبار المعتزلي في المحيط بالتكليف : وقد أطلق مشايخنا كلهم في القرآن أنه مخلوق ... (1)

وقال في شرح الأصول الخمسة أثناء عرضه للآراء في موضوع خلق القرآن الكريم : فقد ذهبت الحشوية النوابت من الحنابلة إلى أنّ هذا القرآن المتلو في المحاريب والمكتوب في المصاحف غير مخلوق ولا محدث ، بل قديم مع الله تعالى .
(1) المحيط بالتكليف ج1 ص 331.
 
122 ......................................................... الخلاف في خلق القرآن الكريم

وذهبت الكلابية إلى أنّ كلام الله تعالى هو معنى أزلي قائم بذاته تعالى ، مع أنه شيء واحدٌ توراة وإنجيل وزبور وفرقان ، وأنّ هذا الذي نسمعه ونتلوه حكاية كلام الله تعالى ، وفرقوا بين الشاهد والغائب ...(1)

إلى أنْ قال : وأما مذهبنا في ذلك فهو : أنّ القرآن كلام الله ووحيه ، وهو مخلوق محدث أنزله الله على نبيه (ص) ليكون علماً ودالاً على نبوته ، وجعله دلالة لنا على الأحكام لنرجع إليه في الحلال والحرام ، واستوجب منا بذلك الحمد والتقديس ، وإذن هو الذي نسمعه اليوم ونتلوه ... (2)


(1) شرح الأصول الخمسة ص 527 ط. مكتبة وهبة / القاهرة ذو الحجة سنة 1384هـ - أبريل سنة 1965م .
(2) شرح الأصول الخمسة ص 528 .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire