الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

lundi 26 décembre 2016




رؤية اللّه تعالى بين العقل و النقل بحث حول مسألة رؤية اللّه تعالى بين النافين والمثبتين تأليف: عبد اللّه حمود درهم العزي










رؤية اللّه تعالى بين العقل و النقل

بحث حول مسألة رؤية اللّه تعالى بين النافين والمثبتين

تأليف: عبد اللّه حمود درهم العزي

الطبعة الأولى
1417هـ ـ 1996م
حقوق الطبع محفوظة للناشر

تم الصف والإخراج بمركز النور للدراسات والبحوث
اليمن ـ صعدة ص. ب (90238)

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الإهداء
إلى والدي العزيز الذي أشربني حب العلوم الشرعية وشجعني على إخراج هذا البحث المتواضع الذي يعتبر ثمرة من ثمار غرسه.
فإليه أهدي هذا البحث برًا به وعرفاناً بجميله.
ولدك مستمد دعائك
عبد اللّه حمود

بسم اللّه الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي {لا َّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(1)، الذي { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(2) ناصر الحق ومظهره، وخاذل الباطل ومبطله، وأشهد ألا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلى اللّه عليه وعلى آله الطاهرين.
أما بعد
فإن مسألة الرؤية من أهم مسائل أصول الدين التي يجب معرفتها بطريقة القطع والجزم واليقين، لا بطريقة الظن والشك والتخمين، وقد كثر فيها الخلاف بين علماء المسلمين فهم بين:ـ
1ـ قائل بإمكان الرؤية وثبوتها.
2ـ وقائل باستحالة الرؤية ونفيها.
__________
(1) ـ الأنعام: 103.
(2) ـ الشورى: 11. 
(1/1)

ومن أهم أسباب الخلاف هو عدم فهم البعض لمقاصد الكتاب المبين وسنة سيد المرسلين، وكذلك الابتعاد والتغافل عن نهج وفكر أهل البيت النبوي الكريم، الذين أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بحبهم، والتمسك بهم وعدم مخالفتهم: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ))(1). كما أنه شبَّههم بسفينة نوح التي من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى: (( أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تَخَلَّفَ عنها غرق وهوى ))(2).
ومن أهم أسبابه أيضاً: التعصب البغيض والتقليد الأعمى الذي هو طريق الغواية والردى، كما أخبر بذلك رسول الهدى: (( من أخذ دينه عن التفكر في آلاء اللّه والتدبر لكتاب اللّه والتفهم لسنتي زالت الرواسي ولم يزُل، ومن أخذ دينه من أفواه الرجال وقلدهم فيه ذهبت به الرجال من يمين إلى شمال، وكان من دين اللّه على أعظم زوال ))(3).
__________
(1) ـ هذا من الأحاديث الصحيحة المشهورة عند أئمة العترة وعلماء الأمة، أخرجه مسلم 4/1873 والحاكم في المستدرك: 3/ 148، والترمذي 5/663، وغيرهم. وفيه لفظ العترة.
(2) ـ وهذا أيضا من الأحاديث الصحيحة عند أئمة العترة والمحققين من علماء الأمة، أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 151، 2/343، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم والطبراني في الكبير 3/45 رقم 2636 وغيرهما. قال ابن حجر في الصواعق 143 ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم وعظَّمهم شكراً لنعمة مشرفهم وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلف عن ذلك غرف في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغيان.
(3) ـ أخرجه الإمام أبو طالب في الأمالي: 115. 
(1/2)

ومما لا شك فيه أن المعيار الصحيح للحق هو الحق ذاته، ولا عبرة بالرجال والأشخاص. يقول الإمام علي عليه السلام: (اعرف الحق تعرف أهله قلُّوا أو كثروا) فالكثرة ليست مقياساً للحق حيث نجد أن اللّه قد ذم الكثرة، ومدح القلة في كثير من آيات الكتاب، ومنها قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}(1)، وقوله تعالى: {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}(2)، وقال جل شأنه: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}(3)، وقوله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ}(4)، وقوله تعالى: {أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}(5)، وقوله تعالى مادحاً القلة: {وقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}(6)، وقوله تعالى حاكياً عن داود عليه السلام: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَاهُمْ}(7) إلى غير ذلك من الآيات الذامة للكثرة والمادحة للقلة.
والحق أحق بالإتباع، وهو حاكم لا محكوم، فهو الذي يحكم على معتقدات وسلوك الأفراد بالخطأ أو الصواب.
فلو تمَّ التسليم به لانزاحت أسباب الفرقة والإختلاف.
وهذه الصفحات التي تصافح أناملك تتناول في طيَّاتها مسألة الرؤية مستعرضة أدلة كلٍ من النافين والمثبتين مناقشة لها على ضوء العقل والنقل، ومن خلالهما نستلهم الحقيقة ونستبين الحق. وقرنت العقل بالنقل لما بينهما من التقاء تام، وارتباط قوي.
دوافع التأليف
والذي دفعني إلى جمعها هو تقريب وجهات النظر في المسألة بين المسلمين، وإخراجها بصورة مبسطة وشاملة للطالبين، إظهاراً للحق.
__________
(1) ـ الأنعام: 116.
(2) ـ الأعراف: 17.
(3) ـ الأعراف: 187.
(4) ـ يوسف: 38.
(5) ـ الحجرات: 4.
(6) ـ سبأ: 13.
(7) ـ ص: 24. 
(1/3)

لقد قرأت في [كتاب شرح العقيدة الواسطية(1) صـ102ـ (بأن من ينكر أحاديث الرؤية ملحد زنديق)]، فكان اندفاعي إلى تحقيق المسألة أكثر ليعلم القائل بأن المنكرين للرؤية متمسكون بأصل صريح من الكتاب والسنة. فلم الإنكار عليهم ووصفهم بالإلحاد والزندقة؟ كما أنهم لا يقصدون من ذلك إلا توحيد اللّه جل شأنه توحيداً يليق بجلاله.
وقسمت هذه الصفحات إلى ثلاثة أقسام:ـ
أـ القسم الأول: ويعتبر كتمهيد، أو مدخل ويشمل الآتي:ـ
1ـ عرض سريع لأهمية العقل.
2ـ عرض سريع للمُحكم والمتشابه.
3ـ مدلول الرؤية لغة.
4ـ توضيح الخلاف.
ب ـ القسم الثاني: ويشمل أدلة القائلين بالرؤية إمكاناً وثبوتاً.
ج ـ القسم الثالث: ويشتمل على أدلة القائلين باستحالة الرؤية ونفيها.
ولا ندّعي بأننا قد أتينا بما لا يستطيعه غيرنا، بل عملنا هو من باب تحصيل الحاصل. ونعترف مسبقاً بقلة البضاعة وقصور الباع في هذه الصناعة ومن تيقن خطأً، أو وقف على سهوٍ أو زلة قلم فليصلح وله من اللّه الأجر.
وإن تجد عيباً فسد الخللا ... فجلّ من لا عيب فيه وعلا
وأخيراً أسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يوحد صفوف الأمة الإسلامية ويلهمها رشدها، وأن يجعل جميع أعمالي خالصة لوجهه الكريم والله من وراء القصد.
عبدالله حمود درهم العزي ـ صعدة ...
11/9/1415 هـ . الموافق 10/2/1995 مـ .

تنبيهات لا بد منها
التنبيه الأول: جلّ ما في هذا البحث من ذكر الآل في الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، هو من صنيعنا تجنباً للصلاة البتراء المنهي عنها في الحديث الصحيح.
__________
(1) ـ العقيدة الواسطية، تأليف أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، وقام بشرحها محمد خليل هراس، وراجعه عبد الرزاق عفيفي، طبع ونشر الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء. الرياض المملكة العربية السعودية 
(1/4)

التنبيه الثاني: عندما أنقل من مصدر من المصادر أنقل الموضوع كما هو بدون زيادة أو نقصان، فإذا وردت ترضية أو ترحم، على من لا يستحق، فإنما هي حسب أمانة النقل.
أما إذا كان الموضوع مطولاً فإني أختصره وأرمز له في الحاشية وأقول: انتهى عن كذا صفحة كذا. بتصرف.
وقد أثبت في آخر الكتاب أهم تلك المصادر والمراجع التي اعتمدتها، ورجعت إليها.
التنبيه الثالث: أنصح القارئ الكريم أن لا يحكم على هذا البحث المتواضع إلا بعد انتهاء قراءته، وخلع ثوب التعصب المذهبي، والتقليد الجاهلي من عقيدته والنظر إليه بعين الحق والإنصاف.

القسم الأول

1ـ عرض سريع للعقل وأهميته.
2ـ عرض سريع للمحكم والمتشابه.
3ـ مدلول الرؤية.
4ـ توضيح الخلاف.

عرض سريع للعقل وأهميته
مما لا شك فيه أن العقل نور يمّيز الإنسان به بين الحق والباطل، وبين الشر والخير، وبين الممكن والمستحيل.
ويعتبر مناط التكليف وأداة النظر والتدبر {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}(1). فنجد أن اللّه سبحانه وتعالى نص في محكم كتابه العزيز على شرف العقل وأهميته ـ في آيات كثيرة ـ.
وفي الكلام التالي المأثور عن الإمام موسى بن جعفر(2) عليه السلام دراسة وافية للهدف والوسيلة اللذين مارسهما القرآن في إثارة العقل العملي، ودعوة الإنسان إليه.
__________
(1) ـ القمر: 17.
(2) ـ هو الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب عليه السلام ولد بالأبواء (سنة 128 هـ) كنيته أبو الحسن، وألقابه كثيرة وأشهرها الكاظم. كان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم، توفي رحمه اللّه ( سنة 183 هـ) وله الكثير من الكرامات. 
(1/5)

فقال عليه السلام مخاطباً أحد أصحابه: إن اللّه تبارك وتعالى بشرّ أهل العقل والفهم في كتابه فقال: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ}(1).
ثم قال: إن اللّه عزَّ وجل أكمل للناس الحجج بالعقول وأفضى إليهم بالبيان ودلّهم على ربوبيته بالأدلة فقال: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ اِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمآ أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْسَّمَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لأََيَاتٍ لِّقَومٍ يَعْقِلُونَ}(2).
ثم قال له: قد جعل اللّه عزَّ وجل ذلك دليلاً على معرفته بأن لهم مدبراً فقال: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذّلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَعْقِلُوْنَ}(3)، وقال: {حم* وَالكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(4)، وقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِ بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَومٍ يَعْقِلُوْنَ}(5).
__________
(1) ـ الزمر: 17 ـ 18.
(2) ـ البقرة: 164.
(3) ـ النحل: 12.
(4) ـ الزخرف: 24.
(5) ـ الروم: 23. 
(1/6)

ثم قال له: ثم وعظ أهل العقل، ورغبهم في الآخرة، فقال: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذِيْنَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(1).
وقال: {وَمَا أُوتِيْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(2).
ثم قال له: ثم خوف الذين لا يعقلون عذابه فقال عزَّ وجل: {ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيهِمْ مُصْبِحِيْنَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(3).
ثم قال له: ثم بيّن أنّ العقل مع العلم، فقال: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ}(4).
ثم قال له: ثم ذم الذين لا يعقلون، فقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَينَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}(5)، وقال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُمُّ البُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}(6)، ثم ذم الكثرة، فقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}(7)، وقال: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}(8)، وقال: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}(9).
__________
(1) ـ الأنعام: 32.
(2) ـ القصص: 60.
(3) ـ الصافات:136 ـ 138.
(4) ـ العنكبوت: 43.
(5) ـ البقرة: 170.
(6) ـ الأنفال: 22.
(7) ـ العنكبوت: 63.
(8) ـ الأنعام: 116.
(9) ـ الأنعام: 37. 
(1/7)

ثم قال له: ثم مدح القلة، فقال: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}(1)، وقال: {وَقَلِيلٌ مَّاهُمْ}(2) وقال: {وَمَّا ءآمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ}(3).
ثم قال له: ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر وحلاهم بأحسن الحلية، فقال: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَآءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيْراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَلْبَابِ}(4).
ثم قال له: إن اللّه يقول: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}(5) يعني العقل، وقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ}(6)، قال: الفهم والعقل.
ثم قال له: إن لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس.
يابني إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى اللّه، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل، وقيِّمُها العقل، ودليلها العلم، وسكانها الصبر.
ثم قال له: لكل شيء دليل، ودليل العقل التفكر، ودليل التفكر الصمت، ولكل شيء مطية، ومطية العاقل التواضع، وكفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه. إلى أن قال: إن على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام، والباطنة العقول (7). انتهى كلام الإمام الكاظم موسى بن جعفر.
__________
(1) ـ سبأ: 13.
(2) ـ ص: 24.
(3) ـ هود: 40.
(4) ـ البقرة: 269.
(5) ـ ق: 37.
(6) ـ لقمان: 12.
(7) ـ تحف العقول عن آل الرسول: (283ـ285). بتصرف. 
(1/8)

قلت: وكذلك نجد أن القرآن استخدم العقل في إثبات أصول الدين في مثل قوله: {لَوْ كَانَ فِيْهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (1) ، وقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (2)، وقوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}(3). ومن هنا ندرك أهمية العقل، ومكانته عند اللّه سبحانه وتعالى وأن الأخذَ به أخذٌ بالقرآن.
والمذهب الزيدي انتهج النهج القرآني في استخدام الدليل العقلي في إثبات أصول الدين، وجمع في الاستدلال على صحة معتقداته، بين صحيح النقل وصريح العقل، لذلك لم تأسره ظواهر الألفاظ المتشابهات كما أسرت بعض المذاهب التي عطلت العقل، وحصرت دوره، وقصرت فهمه، وإدراكه على فهم من قلدوه من السابقين تقليداً أعمى.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَينَا عَلَيْهِ ءآبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ ءآبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}(4).
قال الإمام القاسم الرسي(5)
__________
(1) ـ الأنبياء: 22.
(2) ـ المؤمنون: 91.
(3) ـ الطور: 35.
(4) ـ البقرة: 170.
(5) ـ هو ترجمان الدين ونجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام. يعد من كبار أئمة الزيدية ولد سنة (170 هـ) روى عنه الكثير، منهم أولاده، ومحمد بن منصور المرادي، والنيروسي وغيرهم.
... ... ... قال أبو طالب في (الإفادة): إن جعفر بن حرب المعتزلي لما حج دخل على الإمام القاسم فجاراه في دقيق علم الكلام، فلما خرج من عنده قال لأصحابه: وأين يتاه بأصحابنا عن هذا الرجل، والله ما رأيت مثله.

... ... ... له العديد من المؤلفات في الأصول والفروع منها: كتاب (العدل والتوحيد). وقد ذكر كلامه السابق فيه صفحة (126) وهو من ضمن رسائل العدل والتوحيد بتحقيق الدكتور محمد عمارة، أوردناه باختصار وتصرف، ومن مؤلفاته أيضاً: (الدليل على اللّه الكبير) وهو رد على الملاحدة الذين يطلبون الدليل على وجود اللّه، و(سياسة النفس)، و(الرد على الزنديق اللعين ابن المقفع)، و(الرد على الملحد)، وغيرها من الكتب والرسائل الكثيرة، توفي سنة (245 هـ). 
(1/9)

عليه السلام: فأول ما نذكره من ذلك معرفة اللّه عز وجل وهي عقلية منقسمة على وجهين: إثبات ونفي. أما الإثبات فهو اليقين بالله والإقرار به، وأما النفي فهو نفي التشبيه عنه تعالى وهو التوحيد، وهو ينقسم على ثلاثة أوجه:ـ
أولها: التفرقة بين ذات الخالق، وذات الخلق حتى ينفى عنه جميع ما يتعلق بالمخلوقين من معان صغيرة أو كبيرة جليلة أو دقيقة حتى لا يخطر في القلب تشبيه؛ لأن التشبيه يخرج صاحبه من اليقين إلى الشك، ومن التوحيد إلى الشرك، ولا منزلة ثالثة بينهما.
ثانيها: التفرقة بين صفات القديم وصفات المحدثين حتى لا تصفه بصفة من صفاتهم.
ثالثها: التفرقة بين فعله عزَّ وجل وبين أفعال المخلوقين، ومن شبه صفاته بصفاتهم أو فعله بأفعالهم فهو بدوره قد خرج من اليقين إلى الشك، ومن التوحيد إلى الشرك. اهـ.
المحكم والمتشابه في القرآن الكريم
حمل القرآن الكريم في طياته القواعد الأساسية، والأصول العامة لكل ما يحتاجه الإنسان من عقائد وقوانين وأحكام وأنظمة وآداب وأخلاق.
وهكذا تمر السنون وهو بين أيدينا معجزة خالدة كلما مر عليه زمن كشف عن وجه جديد من إعجازه.
قال الإمام علي عليه السلام: (ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه، وسراجاً لا يخبو توقده، وبحراً لا يدرك قعره)(1)، اهـ.
وقال أيضاً: (وإنّ القرآن ظاهره أنيق، وباطنه عميق لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه) (2). اهـ.
وبالنسبة للوضوح والخفاء ينقسم إلى قسمين:ـ محكم، ومتشابه.
__________
(1) ـ نهج البلاغة: 315.
(2) ـ نهج البلاغة: 61، تحقيق صبحي الصالح. 
(1/10)

فالآية الواضحة البينة المفهومة هي من قسم (المحكم) مثل
قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ }(1)، وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (2)، وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(3) إلى غير ذلك من الآيات البينات الواضحات اللاتي لا تختلف فيهن المقالات ولا تدخلهن التأويلات.
أما الآية التي تختلف الأنظار في فهمها فهي من قسم (المتشابه)، مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}(4)، وقوله تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}(5)، وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(6).
وينقسم المتشابه إلى أنواع منها:ـ
1ـ ما يدل لفظه على شيء يستوقف العقل ويستدعي إرجاعه إلى الآيات المحكمات، مثل قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ}(7)، و {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(8) وفي هذه الحالة يتعين التأويل وهو من اختصاص أهل العلم إذ لا بدّ للتأويل من دليل صحيح يصرف اللفظ إلى معنى صحيح.
2ـ ما يعرف معناه على سبيل الإجمال لا التفصيل، مثل قوله تعالى: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُّوحِنَا}(9) فمعرفتنا تقتصر على فهم الروح بأنها سر إلهي، ولا نستطيع أن نعرف هذا السرّ بكنهه وحقيقته فهو من أمر الله.
ولعلك تسأل: لماذا جعل اللّه سبحانه وتعالى بعض آيات القرآن محكمة يفهمها الجميع وبعضها متشابهة لا يفهمها إلا الراسخون في العلم، ولم يجعلها واضحة بكاملها يستوي فيها العالم والجاهل؟.
__________
(1) ـ الفاتحة: 2.
(2) ـ الصمد: 1.
(3) ـ الشورى: 11.
(4) ـ طه: 5.
(5) ـ التحريم: 12.
(6) ـ القيامة: 22، 23.
(7) ـ الأعراف: 54.
(8) ـ القيامة: 22 ـ 23.
(9) ـ التحريم: 12. 
(1/11)

والجواب: قد أجيب على هذا السؤال بأجوبة عدة، منها: أن هذا القرآن الذي يتحدى فصحاء العرب والعجم، وبلغاء الأمم بأنه معجز لا يبارى لا بد وأن يستكثر في آياته المجازات والاستعارات والكنايات والمحاسن البديعية صيانة لروعة إيجازه وإعجازه فتنقلب إلى المتشابهات. كما أنه كتاب أممي ومعلم عالمي له تلاميذ من كل جيل، وله قرآء من كل مكان وزمان، فهو مربي عقول متنوعة، ومغذي أذواق مختلفة وساقي حقول متفرقة، فلا بد له أن يعدّ لكل صنف طعاماً، ولكل صنف كلاماً، ولكل عقل علوماً.
فالمتشابه إذاً أتى لمصلحة كبيرة يعلمها اللّه تعالى.
أما العلامة محمد جواد مغنية (1) فقال ما نصه: أجيب على هذا السؤال بأجوبة عديدة أرجحها:ـ أن دعوة القرآن موجهة إلى العالم والجاهل، والذكي والبليد، وإن من المعاني ما هو معروف ومألوف للجميع، ولا تحتاج معرفته إلى علم ودراسة، فيكشف عنه بعبارة واضحة يفهمها كل مخاطب، ومنها عميق ودقيق لا يفهم إلا بعد الدرس والعلم، ولا يمكن فهمها من غير المؤهلات لذلك مهما كان التعبير.
فالواقع إذن هو الذي يحتم أن تكون بعض الآيات ظاهرة المعنى، دون البعض بالإضافة إلى أن الحكمة تستدعي أحياناً الإيهام كقوله تعالى على لسان نبيه: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}(2).
وهنا يبرز سؤال آخر: إن اللّه سبحانه وتعالى قد وصف كتابه بأن آياته كلها محكمة {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ}(3) كما وصفه بأنه متشابه {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً} (4)، ووصفه في آية أخرى بأن بعضه محكم وبعضه متشابه {مِنْهُ ءآيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}(5).
فكيف يمكن الجمع بين الآيات الثلاث؟
__________
(1) ـ التفسير الكاشف 2/14 إلى 15.
(2) ـ سبأ: 24.
(3) ـ هود: 1.
(4) ـ الزمر: 23.
(5) ـ آل عمران: 7. 
(1/12)

والجواب: هو أنّ المراد بقوله تعالى: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} أي أحكمت في النظم والإتقان والإعجاز. والمراد بقوله تعالى{ كِتَاباً مُتَشَابِهاً} أي يشبه بعضه بعضاً في البلاغة والهداية. والمراد بقوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} أي أن بعضه واضح المعنى وهو محكم، من جهة أنه لا يحتمل إلاَّ وجهاً واحداً لا يرتاب فيه مرتاب، وبعضه غامض متشابه يحتمل وجوهاً كثيره ويحتاج فهمه إلى رسوخ في العلم وبحث واستقصاء واجتهاد.
ومن هنا يمكن القول بأن المتشابه بالنسبة لأهل العلم من ذوي الاختصاص يكون واضحاً، وليس كل العلماء، وإنما الذين لديهم رسوخ تام في العلم.
إذ ليس من المعقول أن ينزل اللّه سبحانه وتعالى كلاماً في القرآن لا معنى له ولا يقدر على فهمه أحد. كيف وقد أمرنا اللّه سبحانه وتعالى في آيات كثيرة بتدبره ولا يمكن التدبر والتعقل إلا للمعقول.
قال الإمام علي عليه السلام: (ذاك القرآن الصامت، وأنا القرآن الناطق). وقال ابن عباس: أنا من الراسخين في العلم أنا ممن يعلم تأويله.
ولا شك في ذلك فقد دعى له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فقال: في دعائه له: (( اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل ))(1)، وهذا بين لا إشكال فيه.
__________
(1) ـ في البخاري: اللهم علمه الكتاب. (فتح 1/169). 
(1/13)

وكان في الأمة الإسلامية ـ ولم يزل ـ فريق يريدون أن يستغلوا الدين لمصالحهم الشخصية، أو يسخروه لإثبات أهوائهم المضلة، وقد أراد الإسلام تطويق هذا الفريق، فجاء في الكتاب: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَلْبَابِ}(1).
هكذا وضح القرآن الكريم نوايا هذا الفريق الفاسدة، وإنهم سيتبعون ما تشابه منه قاصدين الفتنة والإغواء.
وهنا لا بد من الإشارة إلى قضية هامة وهي ضرورة ردّ المتشابه إلى أصل الكتاب وهو المحكم وحمله عليه في حال عدم ظهوره، وضرورة تأويله مع ما يتناسب مع القرائن العقلية والصرائح النقلية القطعية القاضية بعظمة اللّه وعدم مشابهته لمخلوقاته، وقد علمنا اللّه ذلك في كثير من آياته، منها قوله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}(2) أي عن شدة، وهذا مألوف في لغة العرب. والقرآن نزل بلغتهم فهم يقولون عند اشتداد الحرب:
كشفت لهم عن ساقها ... وبدا من الشر الصراح
وكما في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} أي جاء ثوابه مثلما في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ القَرْيَةَ} أي أهل القرية.
__________
(1) ـ آل عمران: 7.
(2) ـ القلم: 42. 
(1/14)

وكذلك في قوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}(1)، وقوله تعالى: {إِنَّا نَسِينَاكُمْ}(2)، وقوله: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَومِهِمْ هَذَا}(3)، فهذه وما شابهها متشابه يجب إرجاعها إلى المحكم وهو قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً}(4)، ويكون تأويلها هو: إنهم نسوا اللّه في دار الدنيا فلم يعملوا بالطاعة ولم يؤمنوا به وبرسوله فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه نصيباً وصاروا منسيين من الخير، متروكين غير مثابين كأولئك الذين كانوا في دار الدنيا ذاكرين، أي حين آمنوا به وبرسوله وخافوه.
فلا يجوز لنا أن نقول إن لله نسياناً ولكنه ليس كنسياننا لأن اللّه تعالى قال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} أي ليس بالذي ينسى ولايغفل وهو الحفيظ العليم {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(5).
فأنصح المرضى بالتجسيم أن يتفهموا هذه الأمور الهامة ويتدبروا كلام اللّه تعالى، ويتعاملوا مع المتشابه من آياته تعاملاً سليماً خالياً من كل ما يوحي بالتجسيم والتشبيه.
ومن المناسب أن أذكر قصة الرجل الشاك في القرآن الذي أتى أمير المؤمنين عليه السلام يسأله عن ما أشكل عليه في كتاب اللّه، التي رواها السيد العلامة عبد اللّه بن أحمد بن إبراهيم الشرفي، عن محمد بن إسحاق الكوفي الأنصاري، وهذا رواها من طريقين إحداهما عن أبي معشر السعدي وقد كان أدرك علياً (ع)، والأخرى عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي (ع) قال: أتى رجل علياً (ع) فقال: يا أمير المؤمنين إني شككت في كتاب اللّه المنزل. فقال له علي (ع): ثكلتك أمك، وكيف شككت في كتاب اللّه المنزل؟!
فقال الرجل: إني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً ولايصدق بعضه بعضاً وكيف لا أشك فيما تسمع يا أمير المؤمنين؟
__________
(1) ـ التوبة: 67.
(2) ـ السجدة: 14.
(3) ـ الأعراف: 51.
(4) ـ مريم: 64.
(5) ـ الملك: 14. 
(1/15)

فقال له علي (ع): إن كتاب اللّه يصدق بعضه بعضاً، ولاينقض بعضه بعضاً، ولايكذب بعضه بعضاً، ولكنك لم تستعمل عقلاً تنتفع به فهات الذي شككت فيه.
فتلى الرجل آيات كثيرة حتى وصل إلى قوله: وأجد اللّه يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (1)، ويقول: {لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}(2)، ويقول: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}(3)، وساق بعدها آيات في مواضيع أخرى.
فبفصاحةٍ وبلباقةٍ وضَّح أمير المؤمنين (ع) جميع ما أشكل على الشاك حتى وصل هذه الآيات فقال:
__________
(1) ـ القيامة: 23.
(2) ـ الأنعام: 103.
(3) ـ النجم: 13 ـ 15. 
(1/16)

أما قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (1) فإن ذلك في موطن ينتهي بأولياء اللّه إلى نهر يقال له الحيوان بعدما يفرغ من الحساب فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم وهو الإشراق ويذهب عنهم كل قذا فينظرون إلى ربهم متى يأذن لهم في دخول الجنة، وذلك قول اللّه حين أخبر عن تسليم الملائكة حيث يستقبلونهم في ذلك الموطن: {سَلاَمٌ عَلَيكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}(2)، حيث يذهب كل قذا وأيقنوا بالجنة، ولايعني بالنظر الرؤية لأن الأبصار لاتدركه وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وذلك مدحة امتدح بها ربنا تبارك وتعالى وتقدس فأحق من لاتنقطع مدحته في الدنيا ولافي الآخرة اللّه رب العالمين، وقد قال موسى نبي الله: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوفَ تَرَانِي}(3)، فأبدى ربنا تبارك وتقدس بعض آياته فتقطع الجبل وصار رميماً وخر موسى صعقا يعني ميتاً فتاب وأحياه اللّه ولقنه: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} بأنك لاترى وإنما يعني بأول المؤمنين من أمته، وقد سأل قوم موسى فقالوا: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ}(4)، ومن سأله أو ظنه ظناً فخرج من الدنيا على ذلك فقد بري من دين اللّه، إن اللّه تبارك وتعالى وتقدس {لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}(5)، ولاينبغي أن تنقطع مدحته وكذلك {لاَتَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَنَوْمٌ}(6)، وكذلك قال: {يُطْعِمُ وَلاَيُطْعَمُ}(7).
__________
(1) ـ القيامة: 23.
(2) ـ الزمر: 73.
(3) ـ الأعراف: 143.
(4) ـ النساء: 153.
(5) ـ الأنعام: 103.
(6) ـ البقرة: 255.
(7) ـ الأنعام: 14. 
(1/17)

إلى أن قال: وأما قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}(1)، فإنما يعني محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه رأى جبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى التي لايجاوزها خلق من خلق اللّه فرأى محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم جبريل عليه السلام في صورته هذه المرة وقبلها مرة أخرى، فذلك قوله سبحانه: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} يعني مرة أخرى عند سدرة المنتهى، وقد أعلم اللّه في آخر الآية أنه رأى غير ربه حيث يقول: {مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى}(2)، وذلك أَنَّ خلق جبريل (ع) آية عظيمة وهو من الروحانيين الذين لايعلم خلقهم وصورهم إلا اللّه رب العالمين.
وذكر علي (ع) أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: رأيت جبريل في صورة له ستة أجنحة جناحان ارتدا بهما وجناحان اتزر بهما وجناح خارج في المشرق في الهوى وجناح في المغرب في الهوى قد ملأ الآفاق كلها سبحان اللّه وتعالى جل ثناؤه..
إلى أن قال: أفهمت ما ذكرت لك؟ قال الرجل الشاك: نعم فرجت عني فرج اللّه عنك كل غم وحللت عني عقدة فعظم اللّه أجرك يا أمير المؤمنين(3).
انظر في هذا التعامل العلوي الرائق وفي هذا التوضيح الفائق لأمير المؤمنين (ع)، إنه استوقف عقله ورد متشابه الكتاب إلى محكمه، ونبه على أن سبب وقوع الرجل في الشك والارتياب هو عدم الانتفاع بعقله في تدبر الكتاب، كيف لا وهو باب مدينة علم المصطفى صلى اللّه عليه وآله وسلم وهكذا علم أهل البيت (ع) قرناء الكتاب وحراس العقيدة فلنرجع إليهم وننهل من بحور علومهم فلا نجاة لنا إلا باتباعهم باعتبارهم الممثلين الحقيقيين لسنة سيد المرسلين، وقد أدركت أنه من لم يؤول الآيات المتشابهات ويستوقف عقله ويردها إلى الآيات المحكمات وقع في التشبيه والضلالة وهذا ما يحذر منه أهل البيت (ع).
__________
(1) ـ النجم: 13.
(2) ـ النجم: 17 ـ 18.
(3) ـ تفسير المصابيح ـ خ ـ. 
(1/18)

قال الإمام القاسم الرسي رضي اللّه عنه: (ولقد أنكرت الحشوية من أهل القبلة رد المتشابه إلى المحكم، وزعموا أن الكتاب لا يحكم بعضه على بعض وأن كل آية منه ثابتة واجب حكمها بوجوب تنزليها وتأوليها، ولذلك وقعوا في التشبيه).اهـ.
قلت: وعندما نريد أن نعرف قيمة رواية ما، أو على الأقل ترجيحها على رواية أخرى، فلا بد من عرضها على القرآن، ويستلزم هذا أن يكون مفهوم الآية واضحاً لدينا حتى نستطيع عرض الرواية عليه.
ويعتبر عرض الرواية على كتاب اللّه من أهم القواعد الأساسية وخصوصاً عند أهل البيت عليهم السلام.
وهكذا كان الصحابة، انظر مثلاً إلى السيدة عائشة لما سمعت حديث: (( إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ))(1) أنكرته وحلفت أن الرسول ما قاله وقالت بياناً لرفضها: أين منكم قول اللّه سبحانه: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(2).
إنها ترد ما خالف القرآن بدون خوف أو وجل، وقالت: يغفر اللّه لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ، وإنما مر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على يهودية يُبكى عليها، فقال: (( إنكم لتبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها )).
قال الحافظ النووي معلقاً على الحديث: وهذه الرواية من رواية عمر بن الخطاب وابنه عبد اللّه رضي اللّه عنهما، وأنكرت عائشة ونسبتهما إلى النسيان والإشتباه عليهما، وأنكرت أن يكون النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ذلك، واحتجت بقوله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} قالت: وإنما قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في يهودية أنها تعذب وهم يبكون عليها يعني تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها، لا بسبب البكاء(3) انتهى.
__________
(1) ـ رواه البخاري (فتح 3/151، ومسلم 2/638) .
(2) ـ الأنعام: 164.
(3) ـ شرح مسلم: 5/ 228. 
(1/19)

قلت: وهناك الكثير من الأمثلة والمواقف المتعددة الدالة على عرض الرواية على القرآن لذا يجب على المسلم أن يبني عقيدته على الدلائل القطعية مبتعداً عن الدلائل الظنية التي تحتمل الخطأ.
وقد كان الصحابة يستحلفون بعضهم البعض في قبول الروايات؛ لتأكيد صحتها مع كونهم في خير القرون وأفضل العصور، فما رأيك بالإكثار من رواية الغرائب والمناكير في زمننا مع طول الأسانيد وكثرة الأغلاط والوضع والتدليس؟!
مدلول الرؤية لغة:
جاء في كتاب المفردات في غريب القرآن:ـ
(والرؤية إدراك المرئي، وذلك أضرب بحسب قوى النفس). الأول: بالحاسة وما يجري مجراها نحو: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ}(1)، {وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ}(2)، وقوله تعالى: {فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ}(3) فإنه مما أجري مجرى الرؤية بالحاسَّة، فإن الحاسة لا تصح على اللّه تعالى عن ذلك، وقوله: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَونَهُمْ}(4).
والثاني: بالوهم والتخيل نحو أرى أن زيداً منطلق، ونحو قوله: {وَلَو تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِيْنَ كَفَرُوا}(5).
والثالث: بالتفكر نحو: {إِِنِّي أَرَى مَالاَ تَرَوْنَ}(6).
والرابع: بالعقل وعلى ذلك قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى}(7)، وعلى ذلك حُمل قوله: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}(8) انتهى(9).
__________
(1) ـ التكاثر: 6 ـ7.
(2) ـ الزمر: 60.
(3) ـ التوبة: 105.
(4) ـ الأعراف: 27.
(5) ـ الأنفال: 50.
(6) ـ الأنفال: 48.
(7) ـ النجم: 11.
(8) ـ النجم: 13.
(9) ـ المفردات في غريب القرآن: 208ـ 209، ومثله في تاج العروس 1/139. 
(1/20)

وقال ابن سيدة: الرؤية النظر بالعين والقلب، وهو تفسير للأخص بالأعم، فقد تنظر العين مع عدم تحقق الرؤية مثال ذلك: نظرت الهلال فلم أره، فإن النظر هنا محاولة للرؤية وليس إياها(1). اهـ.
قلت: وقد ذُكِرت شروط لتحقق الرؤية بالأبصار وهي:
1ـ المقابلة بين الرائي والمرئي.
2ـ المسافة الكافية.
3ـ الحجم، أي أن لا يبلغ غاية الصغر واللطف، أو أن يكون مجرداً.
4ـ كثافة الجسم.
5ـ وجود الضياء.
وكل هذه الأمور ممتنعة في حق اللّه تعالى، ومستحيلة؛ لأنه ليس كمثله شيء.
ومجيء الرؤية بمعنى العلم معهود لغة، ومن شواهده قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}[الفرقان: 45]، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ}[الفيل: 1]، وكذلك قول الشاعر(2):
... رأيت اللّه إذ سمى نزاراً وأسكنهم ببكة قاطنينا
توضيح الخلاف
اختلف العلماء في مسألة الرؤية على قولين:
1ـ قائلون بإمكان رؤية اللّه تعالى وثبوتها وهم أكثر الطوائف المنتسبة إلى أهل السنة: من المجسمة(3) والأشعرية(4)
__________
(1) ـ لسان العرب: 19/2 عن الحق الدامغ: 25.
(2) ـ هو الكميت بن يزيد الأسدي، من قصيدة يهجو فيها اليمانية ويفتخر بنزار العدنانية.
(3) ـ الصراط المستقيم صفحة (68) ـ خ ـ ، وشرحه الكبير ـ خ ـ، وسمط الجمان صفحة (40) ـ خ ـ والأساس صفحة (50) ويحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية صفحة (87) .
*المجسمة: فرقة تقول بتجسيم الخالق، فيجعلون الخالق كالمخلوق في كل شيء، فإذا نسب الخالق لنفسه صفة فهي كصفة المخلوق عندهم تماماً.
(4) ـ شرح الأساس الكبير (1/422)، والقلائد في تصحيح العقائد صفحة (55)، والصراط المستقيم صفحة (68)، والأساس صفحة (49)، وسمط الجمان صفحة (40)، والحق الدامغ صفحة (27) والينابيع الصحيحة صفحة (53) ويحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية صفحة (87).

*الأشعرية: هم أتباع أبي الحسن عمرو بن بشر الأشعري، وقيل علي بن موسى الأشعري، وقال البعض منهم: يُرَى بلا كيف، وهذا لا يعقل، وقال الرازي: معناه أي معنى أنه يُرَى بلا كيف (معرفة ضرورية وعلم نفسي بحيث لا يشك فيه) قال الإمام القاسم بن محمد عليه السلام: فالخلاف حينئذٍ لفظي. الأساس صفحة (49). 
(1/21)

والحشوية(1) والضرارية(2) والماتريدية(3) والوهابية(4) والظاهرية(5) وغيرهم.
__________
(1) ـ الأساس صفحة (49)، الصراط المستقيم صفحة (68)، وسمط الجمان صفحة (40)، يحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية صفحة (87).
*قال الشرفي ـ في شرح الأساس الكبير (1/143ـ 144): وأما الحشوية فلا مذهب لهم منفرد، وأجمعوا على الجبر والتشبيه، وجسموا، وقالوا بالأعضاء، وقدم ما بين الدفتين من القرآن، ويسمون أنفسهم بأنهم أهل الحديث، أو أصحاب الحديث، وأنهم أهل السنة، وهم بمعزل عن ذلك، وينكرون الخوض والجدل، ويقولون على التقليد في ظاهر الروايات.
(2) ـ سمط الجمان صحفة (40)، وشرح الأساس الكبير (1/435) والأساس صفحة (50) الحق الدامغ صفحة (27) والينابيع الصحيحة (53)، والقلائد في تصحيح العقائد صفحة (55).
*الضرارية: أصحاب القاضي المعتزلي ضرار بن عمرو الغطفاني، هكذا قال الذهبي في ترجمته إلا أن المعتزلة ترفضه عضواً في طبقاتها، ولذلك لم تورده. ولضرار أقوال بعضها يوافق المعتزلة وبعضها يوافق أهل السنة من ذلك قوله: في نفس نسبة الفعل إلى العباد، وقوله بأن الاستطاعة قبل الفعل. شرح الأساس الكبير 1/435. ويقولون إن الله يُرى بحاسة سادسة.
(3) ـ الحق الدامغ صفحة (27). والماتريدية: أصحاب أبي منصور الماتريدي.
(4) ـ شرح العقيدة الواسطية صفحة (3). والوهابية: هم أتباع محمد بن عبد الوهاب، للتعرف عليهم أكثر طالع كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب للسيد محمد الأمين، وهذي هي الوهابية لمحمد جواد مغنية، فتنة الوهابية لزيني دحلان.
(5) ـ الحق الدامغ صفحة (27). والظاهرية: هم الذي يعتمدون على ظواهر النصوص أصحاب داود الأصفهاني الظاهري. 
(1/22)

2ـ وقائلون باستحالة الرؤية ونفيها دنيا وأخرى وهم: الزيدية(1)
__________
(1) ـ الصراط المستقيم صفحة (59) والقلائد في تصحيح العقائد صفحة (55)، وشرح الأساس الكبير (1/433)، وخلاصة علم الكلام صفحة (221) ويحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية صفحة (87)، والأساس صفحة (49) وسمط الجمان صفحة (39) والحق الدامغ صفحة (27).
* الزيدية: تمثل طليعة تَجَمُّعٍ متقدم في عمق التاريخ الإسلامي تدعو إلى الانفتاح الفكري والإبداع الإنساني وتجعل باب الاجتهاد مفتوحاً، وتدعو إلى التفكير والاستنباط، وتجعل للعقل مكانة رفيعة إذ أنه عند الزيدية أول مصدر للعلم والمعرفة باعتباره أساساً للتكليف ولايعني هذا أن الزيدية تقدم حجة العقل على مصادر التشريع وإنما هي مجمعة مع جمهور المسلمين على أن مصادر التشريع هي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس؛ لأن من أصول الزيدية أنه لا اجتهاد مع وجود نص.
والفرق واضح بين مصدر العلم والمعرفة ومصدر التشريع.
وسميت زيدية نسبة إلى الإمام الأعظم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام الذي أعاد فتح باب الجهاد والاستشهاد في سبيل ما يؤمن به اقتداء بجده الإمام الحسين عليه السلام.
ولكن هذه النسبة ليست نسبة تقليد على النحو المعروف والمتبع في المذاهب الأخرى كالانتساب مثلاً إلى الحنفي أو الشافعي أو المالكي أو الحنبلي وإنما هي نسبة انتماء.
إذ أن المذهب الزيدي يحرم التقليد على كل مجتهد قادر على الوقوف على الأدلة واستنباط الأحكام من كتاب اللّه وسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ولايبيحه إلا للعامي وغير المتمكن من ذلك، وبذلك اتسم نهج الفكر الزيدي بطابع الأصالة والاستقلال البعيدة عن شوائب التقليد والمحاكاة. ولذلك بهر كثيراً من مفكري المذاهب الأخرى فلقد قال عنه الدكتور أحمد صبحي في كتابه المذهب الزيدي ص 6 في سياق مقدمته ما يلي:
... ... ... أولاً: المذهب الزيدي لا يعرف الدجماطيقية، أو القطعية في الرأي كما عرفت معظم المذاهب الآخرى وبخاصة الأشعرية والسلفية.
... ... ... إن دعوى ما نقوله هو وحده الإسلام والمخالف لنا مبتدع. هي دعوى لا تعرفها الزيدية، وإنما هو انفتاح الفكر وسماحة الرأي، والقصد في النقد يعرض قائلهم للأراء المختلفة في المسألة الواحدة آراء شيوخ المعتزلة، وأئمة الزيدية، وقد يتجاوزهم إلى غيرهم من علماء الفرق الأخرى، ثم يرجح الرأي الذي يراه في غير دجماطيقية كهنوتية.
ثانياً: لزم عن ذلك أن ظل باب الإجتهاد مفتوحاً لدى الزيدية فأنجب المذهب علماء أفذاذاً حتى في عصور تدهور حضارة الإسلام في زمن عقم فيه فكر معظم المذاهب. تراجع/ مقدمة الاعتصام للحسن بن الحسين حميد الدين، الزيدية للدكتور أحمد صبحي، الإمام زيد للشيخ أبو زهرة.. 
(1/23)

والمعتزلة(1) والإمامية(2)
__________
(1) ـ الصراط المستقيم صفحة (69)، والقلائد في تصحيح العقائد صفحة (55)، وشرح الأساس الكبير 1/433، والأساس صفحة (49)، وسمط الجمان صفحة (39)، والحق الدامغ صفحة (32) وخلاصة علم الكلام صفحة (221).
... ... ... *المعتزلة: هم أتباع أبي حذيفة واصل بن عطاء الغزال، كان نادرة الزمان في فصاحته وبلاغته، وكان يحضر مجلس الحسن البصري، ثم ناضره في المنزلة بين المنزلتين حيث كان الحسن ينكرها، واعتزل واصل حلقة الحسن وتبعه عمرو بن عبيدالزاهد، فقال الحسن: ما فعلت المعتزلة؟ فسموا بذلك وقد انقسموا إلى بصرية وشيخهم محمد بن الهذيل العلاف البصري. وبغدادية وشيخهم الخياط وتلميذه أبو القاسم البلخي ويجتمعون في القول بالعدل والتوحيد وتقديم أبي بكر في الإمامة، وقد اختلفوا في الفضيلة، فمنهم من فضَّل علياً، وهم أكثر البغدادية، وبعض البصرية، ومنهم من فضل أبا بكر، وهم أكثر البصرية.
(2) ـ الحق الدامغ صفحة (32)، والصراط المستقيم صفحة (69)، وعقائد الإمامية صفحة (13) والتفسير الكاشف 1/173، وخلاصة علم الكلام صفحة (221).

*الإمامية: إحدى فرق الشيعة، وهم من يقول بإمامة الإئمة الإثنى عشر، أولهم أمير المؤمنين علي كرم اللّه وجهه، وآخرهم المهدي عليه السلام، وترتيب الأئمة لديهم كالتالي: [الإمام علي بن أبي طالب (ع) استشهد داخل محراب مسجد الكوفة سنة (40 هـ)، الإمام الحسن بن علي (ع) قتل سنة (50 هـ) مسموماً، الإمام الحسين بن علي (ع) استشهد بكربلاء في العاشر من محرم سنة (61 هـ)، الإمام علي بن الحسين (ع) قتل بفعل السم سنة (94 هـ)، الإمام محمد بن علي بن الحسين الباقر (ع) قتل بفعل السم الذي دسه إليه اعداؤه سنة (114 هـ)، الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر (ع) قتل بفعل السم عام (148 هـ)، الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) توفي سنة (183 هـ)، الإمام علي بن موسى الرضا (ع) توفي عام (203 هـ)، الإمام محمد بن علي الجواد (ع) قتل عام (220 هـ)، الإمام علي بن محمد الهادي (ع) قتل عام (253 هـ)، الإمام الحسن بن علي العسكري (ع) قتل عام (260 هـ)، الإمام المهدي المنتظر عجل اللّه فرجه]. 
(1/24)

والجهمية(1) والنجارية(2) والأباضية(3). وبنفي الرؤية أيضاً قال جماعة من المتكلمين المتحررين من أسر التقليد كالغزالي(4) وصرح بها في بعض كتبه وكذلك الجصاص في أحكام القرآن(5)
__________
(1) ـ الحق الدامغ صحفة (32). والجهمية: ينسبون إلى جهم بن صفوان، ويقال إنهم مرجئة أهل خراسان، ورُوي أن جهماً كان يكفر أهل التشبيه، ويظهر القول بخلق القرآن، ويقول بالجبر. شرح الأساس 1/134.
(2) ـ رسالة أبي مرة إلى إخوانه المجبرة المسماة أيضاً برسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس للحاكم الجشمي المتوفى سنة 494هـ صفحة (84). والنجارية: هم فرقة من المعتزلة أتباع الحسين بن محمد عبدالله االنجاري الرازي المتوفى سنة220 هـ تقريباً. يوافقون المعتزلة في الصفات وخلق القرآن وعدم الرؤية، ويخالفونهم في مسألة القضاء والقدر والوعد الوعيد.
(3) ـ الحق الدامغ صفحة (32) وخلاصة علم الكلام صحفة (221). والأباضية هم إحدى فرق الخوارج، ويتواجدون في عمان وغيره من البلدان.
(4) ـ هو أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الأشعري، ثم الزيدي الملقب بحجة الإسلام قرأ على الجويني بطوس وله مؤلفات كثيرة نحو مائتي مولف كإحياء علوم الدين وغيره وكذلك في شتى الفنون، وقد كان أشعري المذهب، ثم انتقل إلى مذهب الزيدية بروايات كثيرة، ومنها رواية العلامة الشرفي شرح الأساس (1/109) وكذلك رواية الشيخ محي الدين الجيلاني، وأيضاً ذكر رجوعه السيد العلامة الحجة/ مجد الدين المؤيدي في كتابه لوامع الأنوار (1/234)، وذكر رجوعه الخليلي في كتاب الحق الدامغ صفحة (32) وله كتاب سر العالمين يشهد بذلك. توفي عام (505هـ) وكانت ولادته عام (450هـ)، وقيل (451هـ) انظر الأعلام 7/22.
(5) ـ أحكام القرآن 3/4 ـ ط ـ دار الكتاب العربي. الجصاص: هو أبو بكر أحمد بن علي الرازي المشهور بالجصاص ـ نسبة إلى العمل بالجص ـ وهو من أئمة الفقه الحنفي في القرن الرابع الهجري ويعتبر كتابه (أحكام القرآن) من أهم كتب التفسير، وقد صرح فيه بنفي الرؤية وسيأتي كلامه. 
(1/25)

.
ولا بد من الإشارة هنا أن من قال بأن المراد بالرؤية العلم فلا خلاف معه، وإنما الخلاف لفظي، ولكن الخلاف مع من يقول بأن المراد بها الرؤية البَصَرِيَّة للذات الإلهية وهذا ما يتناوله هذا البحث المتواضع.
قال الإمام يحيى بن حمزة(1) عليه السلام: واعلم أن التحقيق عندي أن الخلاف بيننا وبين المحققين من متأخري الأشعرية في هذه المسألة إنما هو من حيث اللفظ، وأما المعنى فنحن متفقون عليه، إلى أن قال: وأما المتقدمون من الأشعرية فقد أطلقوا القول بأن اللّه تعالى يُرى بالأبصار في الآخرة، وأنه يراه المؤمنون دون غيرهم، والدليل على إبطال قولهم: أن الرائي بالحاسة لا يرى إلا ما كان مقابلاً، أو في حكم المقابل، واحترزنا بقولنا: أو في حكم المقابل عن رؤية الإنسان وجهه في المرآة، فإنه وإن لم يكن مقابلاً فهو في حكم المقابل، والله تعالى ليس مقابلاً، ولا في حكمه ويستحيل أن يكون تعالى مرئياً(2).
اضطراب أقوال المثبتين للرؤية في الدنيا
__________
(1) ـ هو الإمام المجاهد يحيى بن حمزة بن علي الهاشمي الحسيني، أحد أئمة اليمن يعتبر جبلاً من العلم والتواضع والزهد وحمل الناس على السلامة، ولد بحوث سنة (667 هـ)، وقام ودعا سنة (729 هـ)، وله العديد من المؤلفات منها: الانتصار ويقع في ثمانية عشر مجلداً، والحاوي في الأصول، والطراز في البلاغة، والتصفية في الزهد وغيرها الكثير، توفي رحمه اللّه بحصن هران سنة (749 هـ).
(2) ـ ذكره في (الشامل) ونقله صاحب شرح الأساس 2/434. 
(1/26)

قال الشيخ أحمد الخليلي(1): وذهبت طائفة إلى أنها واقعة في الدنيا والآخرة، وهم مختلفون كذلك، هل هي خاصة في الدنيا برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، أو هي عامة له وللمؤمنين؟ فأكثرهم على أنها خاصة به ـ وهو قول الأشعري وغالب أتباعه، نقله عنهم الحافظ بن حجر(2) وبه قال النووي، ولم يقل بوقوعها لغيره صلى اللّه عليه وآله وسلم في الدنيا إلا غلاة الصوفية، وظاهر كلام الألوسي يدل على جنوحه إليه، وقد غالى حتى أجاز الكيفية تعالى اللّه عن ذلك.
ونص كلامه: نقل المناوي أن الكمال بن الهمام سئل عما رواه الدار قطني وغيره عن أنس من قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( رأيت ربي في أحسن صورة ))(3) بناءً على حمل الرؤية على الرؤية في اليقظة. فأجاب بأن هذا حجاب الصورة. انتهى.
قال: وهو التجلي الصوري الشائع عند الصوفية، ومنه عندهم تجلى اللّه تعالى في الشجرة لموسى عليه السلام، وتجليه جل وعلا للخلق يوم يكشف عن ساق وهو سبحانه وإن تجلى بالصورة لكنه غير متقيد بها {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ}(4).
والرؤية التي طلبها موسى عليه السلام غير هذه الرؤية، قال: وذكر بعضهم أن موسى كان يرى اللّه سبحانه إلا أنه لم يعلم أن ما رآه هو هو.
__________
(1) ـ الحق الدامغ: 27.
(2) ـ :فتح الباري 8/608 المطبعة السلفية.
(3) ـ هذا من الأحاديث الموضوعة، أورده السيوطي في كتابه اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 1/31 وغيره، وللسيد حسن السقاف رسالة سماها (أقوال الحفاظ المنثورة لبيان وضع حديث رأيت ربي في أحسن صورة) وضح فيها دلائل وضعه من ناحية سنده ومتنه وفيها من التحقيق مالايخفى.
(4) ـ البروج: 20. 
(1/27)

وعلى هذا الطراز ـ يحمل ما جاء في بعض الروايات المطعون بها: رأيت ربي في صورة شاب ـ وفي بعضها زيادة ـ له نعلان من ذهب(1).
ومن الناس من حمل الرؤية في رواية الدار قطني على الرؤية المنامية، وظاهر كلام السيوطي أن الكيفية فيها لا تضر، وهو الذي سمعته من المشائخ قدس اللّه أسرارهم ـ والمسألة خلافية ـ.
قالوا: وإذا صح ما قاله المشائخ وأفهمه كلام السيوطي، فأنا ولله الحمد قد رأيت ربي مناماً ثلاث مرات، وكانت المرة الثالثة في السنة السادسة والأربعين والمائتين والألف بعد الهجرة، ورأيته جل شأنه وله من النور ماله متوجهاً جهة المشرق كلمني بكلمات أنسيتها حتى استيقظت، ورأيت مرة في منام طويل كأني في الجنة بين يديه تعالى، وبيني وبينه ستر حبيك بلؤلؤ مختلف ألوانه، فأمر سبحانه أن يُذْهب بي إلى مقام عيسى عليه السلام، ثم إلى مقام محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، فذُهِبَ بي إليهما فرأيت ما رأيت ولله تعالى الفضل والمنة(2). انتهى كلام الألوسي.
وهذا كلام تقشعر منه الجلود، وتتصدع به الجبال، فإن فيه من الجرأة على اللّه تعالى ما ليس بعده.
كيف وقد أخذت بني أسرائيل الصاعقة بمجرد سؤال الرؤية، ونال موسى ما ناله من الصعق لا لشيء غير أنه سألها ليكفكف بما يأتي من الرد الحاسم على سؤال غلوائهم ويستأصل شأفة طمعهم، ولم يكد يفيق من الصعق، حتى قال: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}(3).
__________
(1) ـ جميع متون هذه الروايات منكرة وضعيفة جداً، وقد طعن فيها ابن حجر في تهذيب التهذيب 10/95، والبخاري في تاريخه 6/500، وأوردها ابن الجوزي في الموضوعات 1/125.
(2) ـ روح المعاني: 9/52 دار إحياء التراث.
(3) ـ الأعراف: 143. 
(1/28)

ولم يكن الألوسي هو الرجل الوحيد الذي زعم أنه رآه في المنام. بل قد روي عن غيره من مثبتي الرؤية. فقد نقل محمد صادق نجمي(1) عن الحافظ ابن عربي، ما نصه قال نجمي: يقول الحافظ ابن عربي المالكي المتوفي (543هـ) في شرحه على سنن الترمذي مايلي:
وقد كان الأستاذ أبو إسحاق الأسفرائيني شيخ العلماء والزهاد رأى الباري في المنام، فقال له: رب أسألك التوبة منذ ثلاثين سنة، أو أربعين سنة ولم تستجب لي بعد، فقال له: يا أبا إسحاق، إنك سألت في عظيم إنما سألت حبنا(2).
وأورد الشعراني(3) وابن الجوزي(4) والشبلنجي(5) عن عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: رأيت رب العزة عز وجل في المنام فقلت: يا رب، ما أفضل ما تقرب به المتقربون إليك؟ فقال: كلامي يا أحمد. فقلت: يا رب، بفهم، أو بغير فهم؟ قال: بفهم، أو بغير فهم، اهـ. (تنبهوا أيها العقلاء؟!!).
اضطراب أقوال المثبتين للرؤية في الآخرة
والقائلون برؤيته في الآخرة مضطربون كذلك لاختلافهم في من يرونه، ومتى يرونه.
الأكثر منهم يقولون بأن الرؤية خاصة بالمؤمنين إذ هي نعمة يمن اللّه بها عليهم.
ويستدلون بحديث: (( سترون ربكم ))(6). مع أنه يقتضي أن الرؤية ستكون في الموقف وأنها غير خاصة بالمؤمنين، بل المنافقون والمجرمون يشاركونهم فيها؛ لأن من نصوصه: (وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم اللّه في صورة غير التي يعرفون) ومن نصوصه أيضاً: (حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبدالله من بر وفاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها).
__________
(1) ـ تأملات في الصحيحين: 162.
(2) ـ عارضة الأحوذي لشرح سنن الترمذي 12/117.
(3) ـ طبقات الشعراني 1/44.
(4) ـ مناقب أحمد بن حنبل 434.
(5) ـ نور الأبصار: 225طبعة بيروت.
(6) ـ سيأتي الحديث بتمامه ـ وتخريجه ـ وماقيل فيه. 
(1/29)

وقال ابن القيم: لقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن المنافقين يرونه تعالى يوم القيامة بل والكفار أيضاً كما في حديث التجلي يوم القيامة، ثم قال: وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال لأهل السنة.
أحدها: أن لا يراه إلا المؤمنون.
الثاني: يراه جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم، ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك.
الثالث: يراه المنافقون دون الكفار، والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد، وهي لأصحابه(1)، انتهى.
هكذا ترى ـ أيُّها القارئ الكريم تضارب أقوال مثبتي الرؤية في هذه القضية حتى أَنهم ينسبون إلى إمام واحد من أئمتهم أقوالاً متعارضة، ومذاهب متباينة، وناهيك بذلك شاهداً ودليلاً على ضعف القاعدة التي أسسوا عليها معتقدهم وإلا فإن الحق لا يحتمل هذا الإختلاف؛ لوضوح حجته، واستقامة محجته وصدق اللّه{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}(2).
وليت شعري إذا كانت الرؤية أعظم ثواب أعده اللّه للمؤمنين ثم شاركهم فيها الكافرون والمنافقون، ماذا بقي بعدئذٍ؟
وكيف لايشاركونهم في نعيم الجنة مع أن الجنة لا تساوي شيئاً بجانب هذا الثواب العظيم في زعم هؤلاء القائلين.
حتى إنهم نسبوا إلى أحد أئمتهم أنه لو لم يوقن أنه سيرى ربه يوم القيامة لما عبده(3).
وهو يفيد أنَّ قائله يرى أن اللّه سبحانه لا يستحق من خلقه عبادة لولا رؤيته التي يعتقدونها ـ لا لعظمته ولا لنعمته ولا لثوابه ولا لعقابه ـ ولعمري ما أخطر هذا القول ونسبته إلى عالم من علماء المسلمين، فما أشبهه بقول بني إسرائيل {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(4).
خمسة استفسارات حول الرؤية:ـ
طُرِحَت على ابن حجر المكي خمسة أسئلة حول الرؤية قام بالإجابة عنها.
__________
(1) ـ حادي الأرواح264 ـ ط ـ 4.
(2) ـ الأنعام: 153.
(3) ـ حادي الأرواح 165 ـ ط ـ 4.
(4) البقرة: 55 ـ الحق الدامغ 30 ـ 31.. 
(1/30)

إليك الأسئلة والأجوبة عنها كما وردت: ـ
1ـ سُئل نفع اللّه به: ـ عن شخص اعتقد أنه رأى ربه تعالى في الدنيا وأن الرؤيا وقعت منه في الدنيا بالعين ـ فهل يجوز ذلك، كما قال جماعة: أن المختار جواز رؤيته في الدنيا في اليقظة بالعين؟
فأجاب بقوله:ـ الكلام هنا في مقامين:ـ
الأول:ـ في إمكانها عقلاً. والذي عليه أهل السنة أنها ممكنة عقلاً وشرعاً في الدنيا.
الثاني:ـ في وقوعها، فكذلك الرؤية وإن كانت ممكنة عقلاً وشرعاً عند أهل السنة لكنها لم تقع في هذه الدار لغير نبينا صلى اللّه عليه وآله وسلم، وكذا له؛ على قولٍ عليه بعض الصحابة رضي اللّه عنهم، لكن جمهور أهل السنة على وقوعها له صلى اللّه عليه وآله وسلم ليلة المعراج بالعين.
2ـ وسئل نفع اللّه به:ـ عن النساء يرين اللّه في الموقف كالرجال؟
فأجاب بقوله:ـ نعم، بل قال جمع من أهل السنة: أنها تحصل للمنافقين في الموقف، وجمع: أنها تحصل للكافرين، ثم يحجبون عنه، وأما الرؤية في الجنة فأجمع أهل السنة أنها حاصلة للأنبياء والرسل والصديقين من كل أمة ورجال المؤمنين من البشر من هذه الأمة، واختلف في نساء هذه الأمة.
3ـ وسئل نفع اللّه به:ـ عن مؤمني الأمم السابقة، هل يرون اللّه كهذه الأمة أو لا؟
فأجاب بقوله:ـ فيهم احتمالان لابن أبي حمزة المالكي، وقال: الأظهر مساواتهم لهذه الأمة في الرؤية، ومما يؤيد ذلك الحديث الصَّحيح خلافاً لمن وهم فيه (( أن اللّه يتجلى للخلائق عامة ))، وفي رواية (الخلائق) تأييد للراجح أن الملائكة يرون وكذا الجن والنساء.
4ـ وسئل نفع اللّه به: لم وقعت رؤية اللّه في الآخرة لا في الدنيا؟ فأجاب بقوله: سبب ذلك كما أفاده الإمام مالك رضي اللّه عنه، ضعف قوى أهل الدنيا عن ذلك بخلافهم في الآخرة، فإنهم خلقوا للبقاء، وخص نبينا صلى اللّه عليه وآله وسلم بالرؤية ليلة الإسراء بعين بصره على الأصح كرامة له. 
(1/31)

5ـ وسئل نفع اللّه به:ـ عن النساء أيضاً هل يرين ربهن؟
فأجاب بقوله: لا يرين، لعدم دليل خاص فيهن، وقيل يرين لدخولهن في العموم، وقيل يرين في الأعياد خاصة، ولا يرين مع الرجال في أعياد الجمع، ورجح لحديث فيه، وبه جزم ابن رجب واستثنى الجلال السيوطي سائر الصدِّيقات فقال: إنهن يرين مع الرجال كرامة لهن(1) انتهى.
ولولا أني أردت أن أوقفك أيها القارئ الكريم على هذا الخلط العجيب والإختلاف الغريب لما نقلت حرفاً واحداً وتستطيع أن تدرك ببصيرتك من خلال مطالعتك للأقوال السابقة مصدر هذه الآراء ـ ألا وهي الأحاديث التي زخرت بها صحاحهم التي جعلوا لها قداسة تفوق قداسة القرآن حتى وقفت عقبة كؤوداً أمامهم منعتهم عن تدبر القرآن الكريم، وتدفع بهم أحياناً لتأويل بعض الآيات التي لا تتفق مع ما يقولون، تأويلاً متعسفاً، والقارئ اللبيب الذي يجعل من ضميره وعقله ووجدانه حكماً في هذه المسألة حريٌّ بأن يلمس بنفسه حقيقة الجهل الفظيع ويرى بأم عينيه الدفاع المتعسف عن حمى هذه الأقوال المعتمدة فيما يسمى بالصحاح.

القسم الثاني
أدلة القائلين بالرؤية إمكاناً وثبوتاً
* أدلة الإمكان
ـ مناقشة للاستدلال العقلي والنقلي
* أدلة الوقوع
ـ مناقشة لآية النظر ـ أقسامه
ـ معنى النظر في الآية
ـ مناقشة لآية الزيادة
ـ مناقشة لآيات اللقاء ـ معنى اللقاء
ـ مناقشة لجميع الآيات التي استدل بها المثبتون للرؤية.
مناقشة لحديث الساق ـ وإن اللّه يضحك ـ وإنه يتغير
ـ مناقشة لرجال أسانيد الأحاديث التي استدلوا بها على الرؤية
ـ تفسير الرؤية بالعلم.
__________
(1) ـ ابن حجر الهيثمي من علماء السنة، وله مؤلفات كثيرة منها الصواعق المحرقة، والفتاوى الحديثية، وقد جاءت هذه الأمثلة والأجوبة في كتاب الفتاوى الحديثية متفرقة في الصفحات(147ـ 149ـ216ـ 218ـ وأوردناها باختصار عن كتاب تأملات في الصحيحين (155ـ 156). 
(1/32)

حقيقة المرءِ ليس المرءُ يدركها ... فكيف يُدْرَكُ كُنْهُ الخالقِ الأزلي

أدلة القائلين بالرؤية ـ إمكاناً وثبوتاً ـ
أولاً: أدلة الإمكان(1)
وتنقسم إلى قسمين:
أ ـ عقلي. ... ب ـ نقلي.
أما العقلي: فيتلخص في قياس وجود الحق تعالى على وجود الخلق وذلك أنهم قالوا إن سائر الموجودات مشتركة في جواز الرؤية عليها وبما أن اللّه موجود أيضاً فإن رؤيته ممكنة(2).
وأجيب عن ذلك بما ملخصه(3):
1 ـ إن كان الوجود هو العلة في رؤية الموجودات المرئية فلا مانع من أن يعتبر علة في خلقها فيترتب عليه أن يكون اللّه سبحانه ممكناً أن يشاركها في الخلق كمشاركته لها في الوجود.
أما إذا اعتبرنا علة خلقها الحدوث فيجب علينا أيضاً أن نعتبره علة في إمكان رؤيتها وأن ننزه الخالق عن قياسه عليها في الرؤية كما ننزهه عن قياسه عليها في الخلق.
2 ـ دعوى أن كل موجود تجوز رؤيته منتقضة بكثير من الموجودات غير المرئية كالروح.. العقل .. الأصوات.. الروائح.. الكهرباء.
3 ـ كما أن فتح باب القياس بين الخالق والخلق يؤدي إلى وصفه سبحانه وتعالى بكثير مما تواترت الرسالات واتفق العقلاء على استحالته في حقه تعالى.
فإن المخلوق لايمكن تصور وجوده إلا بوجود الزمان والمكان وقد كان الخالق ولازمان ولامكان وهو الآن على ما عليه كان.
لايتصف بالعوارض ولايدرك بالحواس ولايقاس بالناس، وما عرف اللّه سبحانه وتعالى من شبهه بشيء من خلقه فهو جلَّ شأنه وعظم سلطانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(4).
وأما النقلي: فبعضه من الكتاب وبعضه من السنة.
__________
(1) ـ أطلقنا عليها أدلة باعتبار ما يزعمه المثبتون وفي الحقيقة هي شبه سموها أدلة، وسميت أدلة إمكان لزعمهم أن موسى سأله الرؤية ولايمكن يسألها إلا إذا كانت ممكنة وكذلك تكلم الصحابة عنها، وستدرك بطلان ما زعموه.
(2) ـ الإبانة عن أصول الديانة 17 بتصرف.
(3) ـ الحق الدامغ ص 33 بتصرف.
(4) ـ الشورى: 11. 
(1/33)

أما من الكتاب فدليلان:
الأول: قوله تعالى حاكياً عن موسى (ع): {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}(1).
ووجه استدلالهم به هو أنهم قالوا لو كانت الرؤية مستحيلة على اللّه لما سألها موسى (ع).
وأجيب: بأن موسى (ع) كان عارفاً باستحالتها ولم يرد بسؤالها نيل المستحيل، وإنما أراد ردع قومه الذين ألحوا في طلبها وعلقوا عليها إيمانهم برسالته. فلعلهم عندما يقرعون بالرد الحاسم باستحالتها ينتهون عن غيهم ويتراجعون عن جرأتهم، وخصوصاً عندما يقترن الرد بآية بينة تزجرهم عن مثل هذا التعنت.
__________
(1) ـ الأعراف: 143. 
(1/34)

قال الهادي إلى الحق عليه السلام: (( معنى قوله تعالى: {أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ} فهو أرني آية من عظيم آياتك أنظر بها إلى قدرتك وأزداد بصيرة في عظمتك. فقال: {لَنْ تَرَانِي}. يقول: لن تقدر على نظر شيء من عظيم الآيات التي لو رأيتها لضعف جسمك، ولطوي مركبك، ولأهلكتك، ولما قدرت على النظر إليها لعجزك وضعف مركبك، ولكن انظر إلى هذا الجبل الذي هو أعظم منك خلقاً، فإن استقر مكانه إذا أريته بعض ما سألتني أن أريكه فسوف ترى ما سألت من عظيم الآية. ولن تقدر على ذلك أبداً، ولاتقوم له أصلاً. {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً}(1)، معنى تجلى: أي أظهر آيته وأبان نقمة ربه ))(2) اهـ.
شبهة: إن كان أولئك القوم مؤمنين فحسبهم جواب موسى (ع) لهم باستحالتها فإن الرسول الأمين المقرونة دعوته بآيات بينات لاتدع مجالاً للشك في صدق قوله وصحة دعوته، وإن كانوا كفاراً فلن يجديهم الجواب باستحالتها في هذا الموقف؟
__________
(1) ـ الأعراف: 143.
(2) ـ شرح الأساس الكبير 1/440. الهادي إلى الحق: هو الإمام أبو الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم الرسي رضوان اللّه عليهم إمام اليمن وعالمها، انتشر فضله في الآفاق، ترجم له الجم الغفير من العلماء والمؤرخين فما منهم أحد إلا وأشاد بفضله وعلمه وورعه وجهاده وشجاعته الباسلة وتواضعه الجم، ولد بالمدينة المنورة سنة (245 هـ)، ويعتبر مؤسس المذهب الهادوي الزيدي، له الكثير من المؤلفات العظيمة التي عم نفعها ومنها: كتاب الأحكام، كتاب المنزلة بين المنزلتين، كتاب الرد على أهل الزيغ، كتاب القياس، كتاب المسترشد، كتاب المنتخب والفنون، وكتاب تفسير القرآن، كتاب معاني القرآن وغيرها، توفي عليه السلام سنة (298 هـ). 
(1/35)

جوابها: القوم لم يكونوا على شيء من الإيمان وكيف ينطبق وصف الإيمان على الذين قالوا: {لَنْ نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}(1)، وإنما أراد موسى (ع) أن يقطع دابر شقاقهم ويستأصل شبهة عنادهم بجواب حاسم قاطع، ياتيهم من قبل اللّه عز وجل يتجلى فيه من الآيات القاطعات ما يحسم كل شبهة ويقضي على كل طمع في مطلبهم المستحيل.
ومما يؤكد أن موسى عليه السلام لم يسألها لنفسه وإنما سألها لقومه ما تكرر في القرآن الكريم من توبيخ لهم على هذا السؤال وعدَّه من أعظم جرائمهم وأبلغ كفرهم كما في قوله سبحانه وتعالى: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}(2)، وقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}(3).
كما أن موسى عليه السلام اعتذر إلى ربه بعد الرجفة مما حصل عازياً إياه إلى السفهاء حيث قال عليه السلام: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الغَافِرِينَ}(4).
__________
(1) ـ البقرة: 55.
(2) ـ النساء: 153.
(3) ـ البقرة: 55.
(4) ـ الأعراف: 155. 
(1/36)

قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ}: (( إن بعض سفهاء بني إسرائيل طلبوا من موسى أن يريهم اللّه تعالى بدليل ماحكى اللّه سبحانه عنهم من قولهم: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}(1) فأنكر عليهم موسى صلوات اللّه عليه وألزمهم الحجة ونبههم على الحق. فتمادوا وضلوا وقالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}، فأراد موسى عليه السلام أن يسمعوا النص من اللّه سبحانه باستحالة ذلك. فقال اللّه سبحانه: {لَنْ تَرَانِي} وخر موسى صلوات اللّه عليه مغشياً عليه من تلك المقالة العظيمة. فانظر إلى إِعْظام اللّه سبحانه وتعالى أمر هذه المسألة، وكيف أرجف الجبل بطالبيها وجعله دكا، وكيف أصعقتهم، ولم يخل كليمه من ذلك مبالغة في إعظام الأمر، وكيف سبح ربه ملتجئاً إليه، وتاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه، وقال: {أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} ))(2).
شبهة: موسى عليه السلام لو لم يسألها لنفسه لما تاب من سؤاله؟
جوابها: إنما سارع موسى (ع) إلى التوبة لشعوره بالتورط بما سأل وإن كانت له نية حسنة يعلمها اللّه تعالى، والمقام أيضاً يقتضي الإستئذان من اللّه قبل الإقدام على مثل هذا السؤال.
شبهة: لو أن موسى (ع) سألها لغيره لم يضفها إلى نفسه، ولقال: رب أرهم ينظروا إليك. ولم يقل: رب أرني أنظر إليك.؟
جوابها: لم يضف موسى (ع) الرؤية لنفسه إلا ليعلم قومه أنه إذا مُنِع من رؤية ربه مع علو مرتبته وصفاء سريرته، فهم بالمنع أولى.
__________
(1) ـ النساء: 153.
(2) ـ الأعراف: 143، الكشاف 2/115 بتصرف. 
(1/37)

وخلاصة القول(1): هو أن موسى (ع) ما سأل الرؤية طامعاً في حصولها وإنما سألها ليكون سؤاله وسيلة من وسائل الإقناع الذي يحرص عليه وأسلوباً من أساليب الدعوة التي يقوم بها ومثله في ذلك مثل إبراهيم (ع) الذي قال عندما رأى الكوكب والقمر والشمس: {هَذَا رَبِّي}(2). فإنه بالقطع لم يرد تأليهها لأن العقل السليم لايستسيغ بحالٍ تأليه المخلوقات فكيف بعقول النبيين الذين اصطفاهم اللّه عز وجل ليكونوا وعاءاً لهدايته وتجسيداً للحق الذي أرسلهم به.
بل كيف بعقل الخليل إبراهيم (ع) الذي أكرمه اللّه بخلته واجتباه لأن يكون أباً للنبيين وإماماً للحنفيين؟! وإنما أراد إبراهيم (ع) بما قاله ـ مما ظاهره كفر وحقيقته إيمان وتوحيد ـ إقامة الحجة على من حوله من الذين يعبدون الأجرام السماوية بأن هذه الأجرام ما هي إلا كائنات متنقلة تعتريها الأحوال ويطرأ عليها الأفول، وما كان كذلك فليس من الربوبية والألوهية في شيء، ويدل عليه قوله تعالى عقب حكاية قصته: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَينَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ}(3).
وإذا كان هذا هو محمل كلام إبراهيم (ع) مع عدم وجود نص في القرآن يدل على أن قومه كانوا يعبدون هذه الأجرام. فحمل سؤال موسى (ع) للرؤية على قصد تبكيت قومه، أولى لكثرة النصوص المتقدمة الدالة على أنهم هم الذين سألوها.
وهل يعقل أن يسأل موسى عين ما سألوه وهم الذين أصابهم ما أصابهم من التقريع والتوبيخ على ما سألوا. فتا اللَّه ما القول بذلك(4) إلا تنظير لموسى (ع) بأنذال بني إسرائيل وإنزال له (ع) من علياء النبوة التي رفعه اللّه إليها واصطفاه من أجلها إلى دركات الجهل التي انحط إليها أسلاف اليهود الذين سألوا رؤية اللّه فحقت عليهم كلمة اللّه باستحقاق هوان الدنيا وعذاب الآخرة.
__________
(1) ـ الحق الدامغ (36 ـ 37) بتصرف يسير جداً.
(2) ـ الأنعام: 76 ـ 78.
(3) ـ الأنعام: 83.
(4) ـ أي القول بأن موسى (ع) طلب الرؤية لنفسه. 
(1/38)

قال الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي عليه السلام: (( فكيف يتوهم أن يكون موسى صلى اللّه عليه سأل ربه مسألة القوم الذين أخذوا بالنقم من أجل تلك المسألة التي سألوا موسى أن يريهم اللّه جهرة، وقد علم موسى أن سؤالهم عن ذلك شرك، وقد نهى موسى قومه عن معاني الشرك كلها، ولم يكن صلى اللّه عليه ليخالفهم إلى مانهاهم عنه؛ لأن مسألة القوم له كفر لايجوز أن يتوهم على موسى أن يسأل اللّه مسألة هي كفر، ولو كانت مسألة موسى على ما توهم المشبهون لنزلت به من اللّه العقوبة مثل ما أنزلت بغيره ))(1) اهـ.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوفَ تَرَانِي}(2).
ووجه استدلالهم بهذه الآية هو أن اللّه سبحانه وتعالى علق الرؤية على استقرار الجبل وهو في ذاته ممكن، والمعلق على الممكن ممكن مثله. وأجيب: بأنه علق حصول الرؤية ووقوعها على حصول الإستقرار لاعلى إمكانه لأنه قال: فإن استقر. ولم يقل فإن أمكن استقراره، والاستقرار لم يقع فلا تقع الرؤية. وفيه دلالة على امتناع الرؤية أبداً من وجه آخر وذلك أنه علق الرؤية في المستقبل لقوله: فسوف. التي هي للإستقبال على استقرار الجبل ولم يحصل الاستقرار فلا تحصل الرؤية في الاستقبال لموسى صلوات اللّه عليه، فإذا امتنع وقوع الرؤية له في المستقبل وهو كليم اللّه فغيره بالأولى، ولأن الحاجة إلى الرؤية في الدنيا أعظم ليندفع بها المنكرون للألوهية الملحدون وليزولَ الشك والارتياب، وأما الآخرة فلا يبقى أي شك ولا ارتياب مع مشاهدة النار والجنة.
وقد يجاب: بأنه لا إمكان بعدما حصل من اندكاك الجبل وانكشف من قضاء اللّه فيه الذي لايمكن أن يكون المقضي بخلافه فإن اللّه تعالى لاتبديل لكلماته، وقد كان في علمه أنه لن يستقر الجبل، ولن يتبدل شيء عما كان في علمه تعالى.
__________
(1) ـ شرح الأساس الكبير 1/440.
(2) ـ الأعراف: 143. 
(1/39)

وفي هذا يقول ابن عاشور: (( ولما كان استقرار الجبل في مكانه معلوماً لله انتفاؤه صح تعليق الأمر المراد تعذر وقوعه عليه بقطع النظر عن دليل الانتفاء، فلذلك لم يكن في هذا التعليق حجة لأهل السنة على المعتزلة تقتضي أن رؤية اللّه تعالى جائزة عليه.
وقوله تعالى: {فَسَوْفَ تَرَانِي} ليس بوعد بالرؤية على الفرض لأنه سبق قوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي}(1) أزال طماعية الرؤية، ولكنه إيذان بأن المقصود من نظرته إلى الجبل أن يرى رأي اليقين عجز القوة البشرية عن رؤية اللّه تعالى بالأحرى مع عدم ثبات قوة الجبل، فصارت قوة الكلام أن الجبل لايستقر مكانه من التجلي الذي يحصل عليه فلست أنت بالذي تراني لأنك لاتستطيع ذلك. فمنزلة الشرط هنا منزلة الشرط الامتناعي الحاصل بحرف (( لو )) بدليل قرينة السياق ))(2).
فكما تلاحظ أن دلالة الآية بنفي الرؤية أولى من إمكانها لأن اللّه جل شأنه علق رؤيته بما يستحيل وقوعه وهو استقرار الجبل حال اندكاكه إذ من المحال سكون الشيء في حال تحركه وهذا يدل على وجوب استحالة رؤيته.
قال اللّه تعالى: {وَلاَيَدْخُلُوْنَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِيْ سَمِّ الْخِيَاطِ}(3) وهذا تعليق بالمستحيل فتعليق الرؤية بالاستقرار كتعليق ولوج الجمل في سم الخياط.
وأما السنة:
فما روي عن جماعة من الصحابة من إثبات رؤية الرسول لربه ليلة الإسراء والمعراج.
ووجه الإستدلال: هو أن الرؤية لو لم تكن ممكنة لما قال بوقوعها أحد من الصحابة، وهم أوفر عقلاً وأغزر علماً وأنور بصيرة.
ووجه اعتبار هذا الدليل من السنة: أنهم لايقولون شيئاً من نحو هذا اعتباطاً ولكن استناداً إلى ما علموه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.
والجواب: هو أن ما روي عنهم من إثبات رؤية النبي لربه لايخلو من أمرين:
الأول: كذب الرواة عنهم.
__________
(1) ـ الأعراف: 143.
(2) ـ التحرير والتنوير 7/92 ـ 93، يراجع الحق الدامغ ص 39.
(3) ـ الأعراف: 40. 
(1/40)

الثاني: سوء فهمهم لما رووه.
وكيف يمكن أن يقول أحد منهم بأن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم رأى ربه تعالى وهاهي عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تنكر من قال ذلك باعتباره قد أعظم الفرية على اللّه.
* فلقد أخرج البخاري(1) عن مسروق قال: قلت لعائشة: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، من أخبرك أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على اللّه. وتلت قوله تعالى: {لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}(2).
وروى الصدوق في كتابه (التوحيد)(3) بسنده إلى صفوان بن يحيى: قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على الإمام أبي الحسن الرضا (ع) (4) فاستأذنته في ذلك فأذن لي فأدخلته عليه فسأله عن الحلال والحرام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال أبو قرة: إنا روينا أن اللّه قسم الرؤية والكلام بين النبيين فقسم الكلام لموسى، والرؤية لمحمد.
__________
(1) ـ أخرجه البخاري (4/238)، ومسلم (1/111)، وسيأتي بقيته في أثناء هذه الصفحات.
(2) ـ الأنعام: 103.
(3) ـ كتاب التوحيد، لأبي جعفر محمد بن علي الصدوق المتوفى سنة (381 هـ).
(4) ـ هو أبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولد في المدينة المنورة عام (153 هـ) وقيل: (148 هـ)، وبها نشأ وترعرع، إتفقت الأقول على أنه كان أعلم أهل زمانه وأورعهم وأزهدهم، وكانت وفاته في طوس بخراسان تُدعى الآن (مشهد) عام (203 هـ)، وأغلب الظن أنه مات مسموماً بقطف عنب وضعت فيه الإبر المكسوة بالمادة السامة ولكن لايُعْلَمُ من سمه. 
(1/41)

فقال الإمام (ع): فمن المبلغ عن اللّه إلى الثقلين من الإنس والجن في أنه {لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}(1)، {وَلاَيُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}(2) و{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(3)؟ أليس هو محمد (ص)؟ قال: بلى. قال: كيف يجيء إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند اللّه وأنه يدعوهم إلى اللّه بأمر اللّه ويقول لهم عن اللّه: إنه {لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}، و{لاَيُحِيْطُونَ بِهِ عِلْماً}، و{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ثم يقول لهم: أنا رأيت اللّه بعيني وأحطت به علماً وهو على صورة البشر؟!! أما تستحون؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه (ص) بهذا أن يكون يأتي بشيء من عند اللّه ثم يأتي بخلافه!!
قال له أبو قرة: فإنه تعالى يقول: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}(4) فقال الإمام (ع): إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى صلى اللّه عليه وآله وسلم حيث قال تعالى: {مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى}(5)، يقول ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه ثم أخبر بما رأى فقال: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى}(6) فآيات اللّه غير اللّه تعالى.
قال: وقد قال عز من قائل: {وَلاَيُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}(7) فإذا رأته الأبصار فقد أحيط به علماً.
قال أبو قره: أفنكذب الروايات؟
قال الإمام (ع): إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها(8).
وقد ثبت عن النبي (ص) نفي رؤية اللّه تعالى نفياً صريحاً لايدع للشك مجالاً. فقد أخرج مسلم عن أبي ذر رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم سئل: هل رأيت ربك؟
__________
(1) ـ الأنعام: 103.
(2) ـ طه: 110.
(3) ـ الشورى: 11.
(4) ـ النجم: 13.
(5) ـ النجم: 11.
(6) ـ النجم: 18.
(7) ـ طه: 110.
(8) ـ كلمة حول الرؤية 305 ـ 307، خلاصة علم الكلام 231 ـ 232. 
(1/42)

فقال: (( نور أنَّى أراه ))(1)، وفي قوله: (أنَّى أراه)، استبعاد لحصول الرؤية لأن (أنَّى) بمعنى (كيف). وقد حكى عثمان بن منده الدارمي اتفاق الصحابة على انه (ص) لم يره(2).
ولقد نص عدد غير قليل من مثبتي الرؤية في الآخرة على أن الرؤية لم تقع لأحد في الدنيا حتى للنبي (ص).
ثانياً: أدلة الوقوع(3)
وهي من الكتاب والسنة.
أما الكتاب
الدليل الأول: قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(4) ففسروا (( ناظرة )) بمعنى مبصرة، وهذا الدليل يعد من أقوى الأدلة وأشفاها لدى مثبتي الرؤية وقبل الجواب لابد من الإشارة إلى:
معاني النظر
مما لاشك فيه أن النظر أعم من الرؤية فإنه يكون بمعنى محاولتها ولو لم يتحقق بجواز أن يقول القائل: نظرت إلى الهلال فلم أره. فلو كان أحدهما هو الآخر لتناقض الكلام ونزل منزلة قول القائل: رأيت الهلال وما رأيت الهلال.
وقد تكون الرؤية غاية للنظر مثل: نظرت حتى رأيت. فلو كان أحدهما هو الآخر لما صح مثل: رأيت حتى رأيت. وقد يعقب النظر بالرؤية مثل: نظرت فرأيت. فلو كان أحدهما هو الآخر لكان في ذلك تعقيب الشيء بنفسه وهو لايستقيم: مثل رأيت فرأيت. قال تعالى: {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيكَ وَهُمْ لاَيُبْصِرُونَ}(5) فنجد في هذه الآية الكريمة إثبات النظر ونفي الرؤية، فلو كان أحدهما بمعنى الآخر لتناقض الكلام ونزل منزلة قول القائل: يرونك ولايرونك.
(( فإن قيل: إن ذلك مجاز لأنه ورد في شأن الأصنام.
__________
(1) ـ أخرجه مسلم 1/111.
(2) ـ محاسن التأويل للقاسمي 15/567، ط عيسى الحلبي وشركاه، فتاوى بن تيمية المجلد السادس 507.
(3) ـ أطلقنا عليها أدلة باعتبار ما يزعمه المثبتون وفي الحقيقة هي شُبَه سموها أدلة، قال تعالى: {وأخر متشابهات..} الخ. وسميت أدلة وقوع لزعمهم أنها ستقع في الآخرة وستدرك بطلان ما زعموه.
(4) ـ القيامة: 22 ـ 23.
(5) ـ الأعراف: 198. 
(1/43)

قلنا: إنه وإن كان مجازاً فإن المجاز كالحقيقة في أنه لايصح التناقض فيه ))(1).
جاء في تاج العروس: (( والنظر أيضاً تقليب البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص، وقد يراد به التأمل والفحص )). ثم قال الشارح: (( ويقال نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه، رأيته أو لم تره ))(2) انتهى.
ومن هنا يتبين لنا أن كلمة النظر مشتركة بين أكثر من معنى فقد تكون:
1 ـ بمعنى الانتظار: بدليل قوله تعالى حاكياً عن بلقيس: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}(3). وقوله تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً}(4) أي ما ينتظرون، ومما يدل عليه أيضاً قول حسان بن ثابت:
وجوه يوم بدر ناظرات ... إلى الرحمن يأتي بالخلاص
2 ـ بمعنى المقابلة، وهو تقابل الشيئين وتواجههما من غير ساتر.
ويدل عليه قول الشاعر:
إذا نظرت إِلَيَّ جبال أحد ... أفادتني بنظرتها سروراً
3 ـ بمعنى الرحمة: وهي حصول منفعة أو دفع مضرة، مثل: نظر فلان إلى المسكين. أي رحمه ومما يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَخَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَيُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَيَنْظُرُ إِلَيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ}(5).
فالمراد بالنظر المذكور في الآية أنه لايرحمهم، ومما يدل عليه أيضاً قول الشاعر:
أنظر إليَّ بعين بِرِّكَ نظرة ... فالفقر يزري والنعيم يبجل
4 ـ بمعنى التفكر: وهو إجالة ما يخطر في القلب، من التفكير، ويدل عليه قوله تعالى: {أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيفَ رُفِعَتْ}(6).
__________
(1) ـ شرح الأصول الخمسة: 224.
(2) ـ تاج العروس للزبيدي 3/573.
(3) ـ النمل: 35.
(4) ـ يس: 49.
(5) ـ آل عمران: 77.
(6) ـ الغاشية: 17 ـ 18. 
(1/44)

5 ـ بمعنى البصر بالعين الجارحة. ويدل عليه قول الشاعر(1):
نظروا إليك بأعين مزورة ... نظر التيوس إلى شفار الجازر
ومن هنا يمكن القول بأن النظر المذكور في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(2) لايمكن حمله على الرؤية البصرية للذات القدسية، وذلك لما يلي:
__________
(1) ـ هو: علي بن عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهم، وذلك أن ابن عباس رضي اللّه عنهما بلغه أن قوماً يقعون في علي (ع) أي يسبونه، فقال لابنه علي بن عبدالله: خذ بيدي فاذهب بي إليهم. فأخذ بيده حتى انتهى إليهم فقال: أيكم الساب لله؟ قالوا: سبحان اللّه من سب اللّه فقد أشرك. فقال: أيكم الساب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم؟ فقالوا: من سب رسول اللّه فقد كفر. قال: أيكم الساب لعلي؟ قالوا: قد كان ذلك. قال: فأشهد أني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول: ( من سب علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب اللّه كبه اللّه على وجهه في النار) ثم تولى عنهم فقال لابنه علي: كيف رأيتهم؟ فأنشد يقول:
نظروا إليك بأعين مزورة ... نظر التيوس إلى شفار الجازر
فقال: زدني فداك أبوك. فقال:
خزر الحواجب ناكسوا أذقانهم ... نظر الذليل إلى العزيز القادر
فقال: زدني فداك أبوك. قال: ما أجد مزيداً. قال: لكني أجد
أحياؤهم خزي على أمواتهم ... والميتون فضيحة للغابر.
(2) ـ القيامة: 22 ـ 23. 
(1/45)

أولا: مخالفته للصرائح العقلية القاضية بأن بين المخلوق والخالق أمداً بعيداً وأن الخالق كما وصف نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(1)، فالقول برؤيته، جلت قدرته، يوجب كونه محدوداً، ولو تحدد لوقع في دائرة الحس ولأصبح شيئاً من الأشياء يحويه مكان وتفرغ منه أمكنه ويراه خلق ويغيب عن خلق، وذلك مما يذهب بجلال ذاته وينزل من قدرها ويسقط من هيبتها، والعاقل الرشيد ينكر أن يكون الإله كذلك وأنه متحيزٌ في جهة يحضر ويغيب.
وهاهو خليل اللّه إبراهيم (ع) قد نظر إلى النجم ثم القمر فلما أفلا قال: {لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ}، والمراد بالحب هنا: الإجلال والتقديس، ثم نظر إلى الشمس فلما أفلت الشمس التمس الإله في غير الكواكب والشموس: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيْءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(2).
فصفات اللّه جل شأنه وعظم سلطانه لاتتغير، وذاته لاتتحول، فهو على ما عليه كان لايغيره زمان ولايحويه مكان.
ثانياً: فإِنَّ حَمْل النظر المذكور في الآية على الرؤية يتعارض مع أدلة نفيها المحكمة الصريحة والقطعية وستأتي لك في ثنايا هذه الصفحات إن شاء اللّه.
ويحدث من هذا التعارض التناقض في كتاب اللّه، وهو {لاَيَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(3).
معنى النظر المذكور في الآية
__________
(1) ـ الشورى: 11.
(2) ـ الأنعام: 78 ـ 79.
(3) ـ فصلت: 42. 
(1/46)

من خلال ما تقدم ندرك أنه لايمكن إثبات الوحدانية المطلقة لله تعالى إلا بنفي الرؤية البصرية لذاته مطلقاً في الدنيا والآخرة. وعلى ضوئه تفسر الآية الكريمة: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} بما لايتعارض مع القرائن العقلية والأدلة النقلية القاطعة بنفي الرؤية البصرية للذات الإلهية.
ويكون معنى الآية كما تأولها النافون فقالوا: إن المراد بها واحد مما يأتي:
1 ـ النظر البصري، ولكن على تقدير حذف مضاف مثل: إلى ثواب ربها.
روي عن سعيد بن سالم، قال: سألت سعيد بن جبير(1) عن تفسير قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(2). قال: فما يقول أهل العراق؟ قلت: يزعمون أنهم يرون اللّه. قال: كذبوا أليس يقول: {لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}؟ قلت: فما تقول أنت؟ فقال: إلى ثواب ربها ناظرة، أي منتظرة، حذف المضاف وحل المضاف إليه مكانه كما في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ القَرْيَةَ}(3) أي أهل القرية(4).
__________
(1) ـ سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الكوفي، كان يسمى جهبذ العلماء، وكان معروفاً بالعفة والزهد والعبادة وعلم التفسير، قتله الحجاج صبراً سنة (95 هـ). قال ابن الأثير: لما سقط رأس سعيد إلى الأرض هلل ثلاثاً، أفصح بمرة، ولم يفصح بمرتين، ولما قتل التبس عقل الحجاج، وكان يقول: قيودنا قيودنا، وإذا نام يرى سعيداً في منامه آخذاً بمجامع ثوبه ويقول: ياعدو اللّه فيما قتلتني؟.
(2) ـ القيامة: 22 ـ 23.
(3) ـ يوسف: 82.
(4) ـ يحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية 92. 
(1/47)

قال الأمير الحسين في (الينابيع)(1): وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام إن معنى قوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: إلى ثواب ربها، ومثله عن السدي(2).
2ـ النظر القلبي: ذهب إليه السيد الطباطبائي قال في تفسير الآية(3): (( والمراد بالنظر إليه تعالى ليس هو النظر الحسي المتعلق بالعين الجسمانية المادية التي قامت البراهين القاطعة على استحالته في حقه تعالى، بل المراد النظر القلبي ورؤية القلب بحقيقة الإيمان على ما يسوق إليه البرهان وتدل عليه الأخبار المأثورة عن أهل العصمة (ع) وقد أوردنا شطراً منها في ذيل تفسير قوله تعالى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ}(4) ـ وقوله تعالى: {مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى}(5) فهؤلاء قلوبهم متوجهة إلى ربهم لايشغلهم عنه سبحانه شاغل من الأسباب لِتَقَطُّعِ الأسباب يومئذ ولايقفون موقفاً من مواقف اليوم ولايقطعون مرحلة من مراحله إلا والرحمة الإلهية شاملة لهم {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُوْنَ}(6)، ولايشهدون مشهداً من مشاهد الجنة ولايتنعمون بشيء من نعيمها إلا وهم يشاهدون ربهم به لأنهم لاينظرون إلى شيء ولايرون شيئاً إلا من حيث أنه آية اللّه سبحانه والنظر إلى الآية من حيث أنها آية ورؤيتها، نظر إلى ذي الآية
ورؤية له )). انتهى.
__________
(1) ـ الينابيع 62 ـ خ ـ، الحسين بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى الحسين الأمير الكبير الحافظ محدث العترة وله التصانيف الكثيرة منها (شفاء الأوام)، و(التقرير)، و(شرح التحرير)، و(المدخل)، و(البديعة)، و(الينابيع)، و(الإرشاد)، ومصنفاته شاهدة بفضله وتقدمه، توفي عام (662 هـ)، وعمره ثمانون وقيل ستون وقبره برغافة مشهور.
(2) ـ ينابيع النصيحة السالفة الذكر ص 62.
(3) ـ الميزان 19/112.
(4) ـ الأعراف: 143.
(5) ـ النجم: 11.
(6) ـ النمل: 89. 
(1/48)

قال الدكتور الفضلي في كتابه (خلاصة علم الكلام)(1): (( وما ذكره الطباطبائي أسلوب عربي فصيح ومنه قول الشاعر:
ويوم بذي قار كأن وجوههم ... إلى الموت من وقع السيوف نواظر
فإن الموت لايُرى ولاينظر إليه والذي عناه الشاعر بالنظر إلى الموت النظر إلى الضرب والطعن وفلق الهام وكر الأبطال وإقدامها وكل ذلك من أسباب الموت ))(2). انتهى.
3 ـ النظر بمعنى الإنتظار: وهو أحد المعاني الحقيقية لكلمة النظر كما تقدم. جاء في لسان العرب(3): (( والنظر: الانتظار، يقال: نظرت فلاناً وانتظرته بمعنى واحد ومنه قول عمرو بن كلثوم:
أبا هند فلا تعجل علينا ... وانظرنا نخبّرك اليقينا
ومن موارد استعمال كلمة النظر بمعنى الانتظار في القرآن الكريم ما يأتي:
ـ {إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}(4)، أي غير منتظرين إناه.
ـ {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}(5) أي انتظرونا.
{مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً}(6) أي ماينتظرون.
ـ {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ}(7) أي ينتظرون.
ـ {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}(8) أي منتظرة.
وقد جعل النافون للرؤية لتفسير النظر المذكور في الآية {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} بالانتظار، وجوهاً منها:
__________
(1) ـ خلاصة علم الكلام 249.
(2) ـ انظر ضوء الساري 46 ـ 47.
(3) ـ مادة: نظر، عن خلاصة علم الكلام 249.
(4) ـ الأحزاب: 53.
(5) ـ الحديد: 13.
(6) ـ يس: 49.
(7) ـ فاطر: 43.
(8) ـ النمل: 35. 
(1/49)

أ ـ الانسجام المعهود به في آي القرآن وارتباط بعضها مع بعض، وهذا ما نلاحظه في هذه الآيات حيث أنها قسمت الناس إلى قمسين او طائفتين، إحداهما وجوهها ناضرة أي مبتهجة حسنة مشرقة بما ترجوه من ثواب اللّه. إلى ربها ناظرة: أي منتظرة لرحمته ودخول جنته. والأخرى مباينة لها في أحوالها فوجوهها باسرة، أي كالحة مكفهرة لما تتوقعه من العذاب، تظن أن يفعل بها فاقرة: أي تتوقع أن ينزل بها ما يقطع فقار ظهورها. فنضارة هذه الوجوه مقابل بسور تلك، وانتظار هذه لرحمة اللّه مقابل توقع تلك للعذاب.
ب ـ إن هذا التأويل هو الذي يتفق مع ما فيه خاتمة سورة عبس وهو قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَومَئِذٍ عَلَيهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ}(1). إذ لافارق بين ما وصفت به وجوه المؤمنين هنا من الاستبشار، ووصفت به في آية القيامة من النظر بمعنى الانتظار فإن المنتظر للرحمة مستبشر بها، والمنتظر والمستبشر منتظر لما استبشر به(2).
وبالإضافة إلى ذلك فإن كثيراً من كبار الصحابة والمفسرين قد فسروا ناظرة بمعنى منتظرة.
1 ـ يقول الإمام علي (ع) : (( ينظرون إليه في الآخرة كما ينظرون إليه في الدنيا أي ينتظرون ما يأتيهم من نعمه وإحسانه ))(3). وفي رواية أخرى له: (( إذا جاء المؤمنون إلى الصراط فتحت لهم أبواب الجنة فينظرون إلى ما أعده اللّه من الثواب والكرامة وما يعطون من النعم الجزيلة ))(4).
__________
(1) ـ عبس: 38 ـ 41.
(2) ـ الحق الدامغ: 44.
(3) ـ يحيى بن حمزة: 92.
(4) ـ يحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية 92، عن الشامل. 
(1/50)

وقال عليه السلام ـ مجيباً على الرجل الشاك الذي أسمعه كثيراً من الآيات المتشابهات، ومنها قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ـ: (( وأما قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فإن ذلك في موطن ينتهي بأولياء اللّه إلى نهر يقال له الحيوان بعدما يفرغ من الحساب فيغتسلون منه فتنضر وجوههم وهو الإشراق، ويذهب عنهم كل قذا فينظرون إلى ربهم متى يأذن لهم في دخول الجنة ومنه يدخلون الجنة، وذلك قول اللّه حين أخبر عن تسليم الملائكة حيث يستقبلونهم في ذلك الموطن: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} حيث يذهب عنهم كل قذا وأيقنوا بالجنة ولايعني بالنظر الرؤية؛ لأن الأبصار لاتدركه {وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ))(1).
2 ـ قال الإمير الحسين بن بدر الدين: وروي عن الضحاك: أن عبدالله بن العباس رحمه اللّه خرج ذات يوم فإذا هو برجل يدعو ربه شاخصاً ببصره إلى السماء رافعاً يده فوق رأسه، فقال له ابن عباس بعد كلام: (( لن تراه ولن تناله. فقال الرجل: ولافي الآخرة؟ قال: نعم، ولافي الآخرة. قال الرجل: فما قول اللّه: {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}؟ فقال ابن عباس: أليس يقول: {لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}؟ ثم قال: إن أولياء اللّه تنضر وجوههم يوم القيامة وهو الإشراق، ثم ينظرون إلى ربهم، معناه ينتظرون متى يأذن لهم في دخول الجنة بعد الفراغ من الحساب. ثم قال: {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ بَاسِرَةٌ} يعني كالحة، {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} يتوقعون العذاب بعد العذاب، كذلك قوله {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، ينتظر أهل الجنة الثواب بعد الثواب، والكرامة بعد الكرامة ))(2) انتهى.
__________
(1) ـ تفسير المصابيح ـ خ ـ.
(2) ـ ينابيع النصيحة 63. 
(1/51)

3 ـ وروي أيضاً عن سعيد بن المسيب أنه قال: (( {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: ناضرة من النعم إلى ربها ناظرة بمعنى تنتظر ثواب ربها ولايرى اللّه أحد )).
قال الأمير الحسين بن بدر الدين: ومثله عن مجاهد والحسن(1).
4 ـ وقال الإمام زيد بن علي (ع) (2) في تفسير الآية: (( {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} معناه مشرقة، وناظرة منتظرة للثواب. قال الإمام زيد (ع): إنما قوله: ناظرة إلى أمر ربها ناظرة من النعيم والثواب )).
وهذا القول يكذب الرواية التي أوردها صالح أحمد الخطيب في كتابه (الإمام زيد المفترى عليه) (3)، والتي افترى فيها على الإمام زيد بأنه يقول بالرؤية.
__________
(1) ـ ينابيع النصيحة 62.
(2) ـ تفسير الغريب للإمام زيد 359. زيد بن علي هو: الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أبو الحسين، ولد بالمدينة سنة (75 هـ) على الصحيح ونشأ بها، كان مشهوراً بالعلم والتواضع الجم والفصاحة والبلاغة، حليف القرآن رحل إلى الكوفة، وناظر علمائها وأقام بها مدة ثم رجع إلى المدينة ثم عاد إلى الكوفة مرة أخرى، ثار على الظلم ودعا إلى اللّه وقاتل حتى استشهد سنة (122 هـ) عليه السلام، ثم صلب ثم أحرق ثم ذر في ماء الفرات، له العديد من المؤلفات ومنها: تفسير الغريب مطبوع بتحقيق الدكتور الحكيم، والمسند وغيرهما من المؤلفات والرسائل التي طبع منها الأغلب، كتب عنه الكثير كزيد بن إبراهيم الثقفي، وابن بابويه القمي، وأبو زهرة، وحالياً هناك دراسة شاملة عن حياة الإمام زيد (ع) يقوم بها العلامة محمد يحيى سالم عزان، وإلى هذا الإمام العظيم تنسب الزيدية.
(3) ـ منشورات المكتبة الفيصلية. 
(1/52)

5 ـ وقال الإمام القاسم الرسي في تفسير الآية: (( فأما أهل العلم والإيمان ففسروها على غير ما قاله أهل التشبيه: ثوابه وكرامته ورحمته ومايأتيهم من خيره وفوائده ))(1).
6 ـ وفي تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي ما نصه: (( وفي العيون في باب ما جاء عن الرضى (ع) من أخبار التوحيد بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال علي بن موسى الرضا (ع) في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها )). قال الطباطبائي: أقول: ورواه في التوحيد والاحتجاج، والمجمع عن علي عليه السلام (2).
وقال الخليلي(3): (( فإن تفسير النظر في الآية بالانتظار مروي عن السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فقد أخرجه الإمام الربيع بن حبيب في مسنده الصحيح عن الإمام علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه من طريق أبي معمر السعدي كما أخرجه أيضاً عن ابن عباس رضي اللّه عنهما عن طريق الضحاك بن قيس، وطريق سعيد بن جبير وعزاه إلى مجاهد وإبراهيم والزهري وسعيد بن المسيب ورواه ابن مردويه عن ابن عمر رضي اللّه عنهما من الصحابة، وعن عكرمة من التابعين ورواه عن عكرمة عبد بن حميد، كما رواه عن مجاهد وأبي صالح بإسناد صححه الحافظ ابن حجر(4)، وأخرجه الإمام ابن جرير عن مجاهد بخمسة أسانيد، وفي كلامه إنكار صريح للرؤية فقد جاء في رواية منصور عنه أنه قال: لايراه من خلقه شيء، وفي أخرى من طريقه أيضاً قال: كان الناس يقولون في حديث: (( فسيرون ربهم )) فقلت لمجاهد: إن الناس يقولون: إنه يُرى. فقال: يَرى ولايراه شيء.
وأنكر المثبتون للرؤية تفسير النظر بالانتظار وذلك لخمس شُبَه:
الأولى: ان تعدية النظر بـ(( إلى )) تمنع من حمله على الانتظار وخصوصاً إذا أسند إلى (( الوجوه )).
__________
(1) ـ العدل والتوحيد 260 ـ 261.
(2) ـ الميزان 2/116.
(3) ـ الحق الدامغ: 47.
(4) ـ فتح الباري 13/425 المطبعة السلفية. 
(1/53)

وجوابها: أنه قد ثبت مجيء النظر بمعنى الانتظار حال تعديته بـ(( إلى )) وإسناده إلى الوجوه بالنقول الثابتة والشواهد الواضحة ولاعبرة بمن أنكر ذلك.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ... وينكر الفم طعم الماء من سقم
ومن أقطع الأدلة وأوضح الشواهد على ذلك:
أ ـ قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَخَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَيُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَيَنْظُرُ إِلَيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ}(1). فكما تلاحظ مجيء النظر حال تعديته بـ(( إلى )) وهو هنا ليس بمعنى الرؤية لأننا لو حملنا النظر المذكور في هذه الآية على الرؤية لأدى ذلك إلى أن اللّه سبحانه وتعالى لايرى هؤلاء يوم القيامة وهذا محال، ولاوجه لحمل النظر هنا إلا على الرحمة والإحسان، ومن هنا نتبين أن نظر القوي إلى الضعيف هو عطفه ورحمته، ونظر الضعيف إلى القوي هو انتظار ذلك منه.
ب ـ كما إن تعدية النظر بمعنى الانتظار بإلى، مستعملة في كلام العرب، ومن ذلك قول جميل بن معمر:
وإذا نظرت إليك من ملك ... والبحر دونك زدتني نعما
أي وإذا انتظرتك.
وكذلك قول آخر:
وشعث ينظرون إلى بلال ... كما نظر الظمآء حيا الغمام
أي كما انتظر الظماء.
ومثله:
إني إليك لما وعدت لناظر ... نظر الفقير إلى العزيز الموسر
ولاوجه للتفرقة بين كونه مسنداً إلى الوجوه أو إلى غيرها فلقد جاء بهذا المعنى مع إسناده إلى الوجوه.
وجوه يوم بدر ناظرات ... إلى الرحمن يأتي بالخلاص
ج ـ قال صاحب اللسان ما نصه: (( ويقول القائل للمؤمَّل يرجوه: إنما أنظر إلى اللّه ثم إليك، أي إنما أتوقع فضل اللّه ثم فضلك ))(2).
__________
(1) ـ آل عمران: 77.
(2) ـ لسان العرب 7/72. 
(1/54)

وروى الربيع عن سفيان بن عيينة، عن الأعمش، عن أبي راشد أن مولاة لعتبة بن عمير قالت: إنما أنظر إلى اللّه وإليك. فقال لها: لا تقولي كذلك ولكن قولي: إنما أنظر إلى اللّه ثم إليك(1).
د ـ وقال الإمام يحيى بن حمزة(2): (( لاتمنع اللغة أن يقترن حرف الجر (إلى) بالنظر بمعنى الانتظار. يقول الخليل بن أحمد: تقول العرب نظرت إلى فلان أي انتظرته، وفي قول حسان بن ثابت:
وجوه يوم بدر ناظرات ... إلى الرحمن يأتي بالخلاص
ثم قال: وما الذي يمنع أن تكون (إلى) اسم مفرد (آلاء) بمعنى: نعمة. ويكون المعنى: إما لنعمة ربها منتظرة، أو لنعمة ربها شاخصة متطلعة. ويكون إعراب (إلى) مفعول به مقدم لإسم الفاعل (ناظره).
وقد ذكر (إلى) باعتبارها اسماً وليست حرفاً كلٌّ من الأزهري في تهذيبه، ورواه أبو العباس المبرد، كما حكاه ابن الأنصاري، وكذلك ابن دريد في الجمهرة، وابن السكيت في فصل المقصور والممدود ))(3). انتهى.
__________
(1) ـ جامع الربيع بن حبيب 3/228.
(2) ـ يحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية 93.
(3) ـ عن (الشامل) السفر الثاني 112 ـ 131. 
(1/55)

هـ ـ وقد أدرك صاحب العواصم والقواصم(1) ضعف هذه الشبهة وقال معترضاً عليها ما نصه: (( إن النظر قد يستعمل في غير الرؤية معدى بـ(إلى) كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَخَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَيُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَيَنْظُرُ إِلَيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ}(2)، بل النظر في اللغة وعند أهل الكلام: هو تقليب الحدقة الصحيحة في وجه المرئي طلباً لرؤيته، وإن لم تحصل رؤية ذلك، وذلك لايجوز على اللّه في كل مذهب فلا يختص نفيه عمن ذكر، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَيُبْصِرُونَ}(3).
وعلى هذا يكون قوله تعالى: {وَلاَيَنْظُرُ إِلَيهِمْ} كناية عن إهمالهم لاسوى والله أعلم )).
الشبهة الثانية: فإن قيل: إن الانتظار محله القلوب لا الوجوه.
جوابها: الرؤية كذلك لاتكون بالوجوه وإنما تكون بالعيون ولو كانت كذلك لوجب صحة قول القائل: ذقت بوجهي. أي أدركت الطعم؛ لأن آلة الذوق في الوجه كما أن آلة البصر في الوجه.
فإسناد الرؤية إلى الوجوه غير وارد أصلاً إذ لم نسمع قول أحد: رأيته بوجهي، ويتعذر جواز ذلك قطعاً على رأي الذي ينكر المجاز مطلقاً، أو في القرآن الكريم خاصة، كما هو شأن الكثير من مثبتي الرؤية(4).
__________
(1) ـ محمد بن إبراهيم الوزير 5/127، المتوفى (840 هـ).
(2) ـ آل عمران: 77.
(3) ـ الأعراف: 198.
(4) ـ الحق الدامغ 46. 
(1/56)

أما النافون للرؤية فيحملون الوجوه على أصحابها وهو الصَّحيح لأن ذلك معهود في القرآن، وفي لغة العرب، فإن العرب يقولون: قصدت وجهك. بمعنى قصدتك. فالانتظار وإن أسند إلى الوجوه لفظاً فهو لأصحابها معنى، ولذلك جاز إسناد الظن إليها في قوله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ}(1)، ومن المعلوم أن الوجوه لاتظن وإنما أصحاب الوجوه يظنون، كما جاز إسناد الخشوع والعمل والنصب إليها في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}(2)، ويؤكد قوله من بعده: {تَصَلَى نَاراً حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ}(3)، فإن الصلى غير خاص بالوجوه والسقي والطعام لأصحاب الوجوه قطعاً، ومثله إسناد النعمة والسعي والرضى إلى الوجوه في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاعِمَةٌ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ}(4).
وقد أشكل على مثبتي الرؤية إسناد النظر في آية القيامة إلى الوجوه فترددوا بين القول بأنه الرؤية بالبصر أو بالوجوه أو بالجسم كله أو بحاسة سادسة، وما هذا الإضطراب إلا دليل على أنهم غير مستندين إلى أصل فيما قالوه، ولو أنهم فهموا الآية الكريمة فهماً صحيحاً وحملوها على ما يقتضيه السياق واللغة لسلموا من هذا الاضطراب(5).
الشبهة الثالثة: فإن قيل إن في الانتظار تنغيصاً وتكديراً يتنافى مع إكرام اللّه لعباده الأوفياء يوم القيامة.
جوابها: إن الانتظار لايقتضي تنغيص العيش على كل حال وإنما يوجب ذلك متى كان المنتظر لايتيقن حصول ما ينتظره، أو يكون في حبس ولايدري متى يتخلص من ذلك وهل يتخلص أم لا؟ فإنه والحال هذه يكون في غم وحسرة فأما إذا تيقن وصوله إليه فلا يكون في غم وحسرة خاصة إذا كان حال انتظاره في أرغد عيش وأهناه.
__________
(1) ـ القيامة: 25.
(2) ـ الغاشية: 2 ـ 3.
(3) ـ الغاشية: 4 ـ 6.
(4) ـ الغاشية: 8 ـ 9.
(5) ـ الحق الدامغ 48. 
(1/57)

ألا ترى أن من كان على مائدة قوم وعليها ألوان الأطعمة اللذيذة يأكل منها ويلتذ بها وينتظر لوناً آخر ويتيقن وصوله فإنه لايكون في تنغيص وتكدير، بل يكون في سرور متضاعف. حتى لو قُدِّمت إليه الأطعمة كلها دفعة واحدة لتبرم بها.
كذلك حال أهل الجنة لايكونون في غم وتنغيص إذا كانوا يتيقنون وصولهم إلى ما ينتظرون على كل حال(1).
الشبهة الرابعة: فإن قيل: إن انتظار رحمة اللّه من قبل عباده المؤمنين أمر حاصل في الدنيا فكيف يوعدون به في الآخرة؟
جوابها: البعد ما بين الانتظارين واضح، فشتان بين حال من كان في دار الشهوات والنزغات غير عارف بخاتمته ولامتيقن بمصيره، ومن طوى المراحل وتجاوز العقبات حتى تلقته الملائكة في زمرة السعداء: {ألاَّ تَخَافُوْا وَلاَتَحْزَنُوْا وَأَبْشِرُوْا بِالْجَنَّةِ الَّتِيْ كُنْتُمْ تُوْعَدُوْنَ}(2).
الشبهة الخامسة: فإن قيل إن قول اللّه تعالى: {لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} عام وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} خاص، ومن حق العام أن يبنى على الخاص كما من حق المطلق أن يبنى على المقيد.
جوابها: إنما يبنى الخاص على العام إذا أمكن تخصيصه، وهذه الآية لاتحتمل التخصيص، لأنه تعالى تمدح بنفي الرؤية تمدحاً يرجع إلى ذاته وما كان نفيه مدحاً راجعاً إلى ذاته كان إثباته نقصاً، والنقص لايجوز على اللّه تعالى. وقد يجاب بأنه لايصح هذا إلا إذا كانت الآية دالة على الرؤية أما إذا كانت محتملة للرؤية وغيرها فالمحتمل لايحتج به فلا يصح التخصيص بها.
أي أن هذه الآية إنما تخصص تلك الآية إذا أفادت أنه تعالى يرى في حال من الأحوال وليس في الآية ما يقتضي ذلك، لأن النظر ليس هو بمعنى الرؤية البصرية للذات الإلهية كما تقدم.
__________
(1) ـ العواصم والقواصم 5/227، شرح الأصول الخمسة.
(2) ـ فصلت: 30. 
(1/58)

قال أحمد الخليلي: وقد أدرك المحققون المنصفون من معتقدي الرؤية ضعف الاستدلال على ثبوت الرؤية بهذه الحجة فصرحوا بذلك، فالسيد محمد رشيد رضا يقول في المنار(1): (( وأما رؤية الرب تعالى فربما قيل بادئ الرأي إن آيات النفي فيها أصرح من آيات الإثبات كقوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي}(2)، وقوله تعالى: {لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}(3)، فهما أصرح دلالة على النفي من قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} على الإثبات فإن استعمال النظر بمعنى الانتظار كثير في القرآن وكلام العرب، كقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغَمَامِ وَالْمَلاَئِكَةٌ}(4)، وقوله تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيحَةً وَاحِدَةً}(5)، وقوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ}(6)، وثبت أنه استعمل بهذا المعنى متعدياً بإلى، ولذلك جعل بعضهم وجه الدلالة فيه على المعنى الآخر وهو توجيه الباصرة إلى ما تراد رؤيته، إنه أسند إلى الوجوه وليس فيه ما يصحح إسناد النظر إليها إلا العيون الباصرة وهو في الدقة كما ترى ))(7).
الدليل الثاني:
__________
(1) ـ المنار 9/131 الطبعة الرابعة.
(2) ـ الأعراف: 143.
(3) ـ الأنعام: 103.
(4) ـ البقرة: 210.
(5) ـ يس: 49.
(6) ـ الأعراف: 53.
(7) ـ عن الحق الدامغ 48 ـ 49. 
(1/59)

قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}(1) فسروا الحسنى: بالجنة، والزيادة: بالرؤية، مستدلين بحديث صهيب: (( إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم عند اللّه موعداً ويريد أن ينجزكموه فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويجرنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ))(2).
الجواب: كما تلاحظ إن لفظة (الزيادة) مبهمة غير دالة على الرؤية وضعاً ولا استعمالاً، من قريب ولامن بعيد، أما الحديث الذي عولوا عليه تفسيرها فدلالته على ما قالوه ضعيفة جداً(3).
أولاً: فلأن النظر لايلزم أن يكون بمعنى الرؤية كما سبق في آية القيامة بيانه. وكشف الحجاب يجوز أن يكون كناية عن مزيد الإكرام ورفع الدرجات وفتح أبواب العطاء غير المحدود، وهو الذي يتعين أن يحمل عليه كشف الحجاب والنظر إلى اللّه في الحديث، لدفع التعارض بين آيات اللّه وأحاديث رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم.
ثانياً: فلأن حمل الزيادة على هذا المفهوم يتعارض مع ما استندوا إليه من المفهوم الذي عولوا عليه في تفسير آية القيامة، التي استندوا إليها في إثبات الرؤية فإنه يلزمهم بموجب ذلك المفهوم أن تكون الرؤية حاصلة في الموقف قبل دخول الجنة مع أنها حسب تفسيرهم لآية الزيادة وحديث صهيب لا تكون إلا بعد دخول الجنة.
ثالثاً: فلأن ذلك يتعارض مع حديث أبي هريرة وأبي سعيد الذي استندوا إليه في إثبات الرؤية في الموقف(4).
__________
(1) ـ يونس: 26.
(2) ـ وهو في مسلم بلفظ: (( إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل )). مسلم 1/112.
(3) ـ عن الحق الدامغ 49 ـ 51.
(4) ـ سياتي إن شاء الله. 
(1/60)

ولو أن الحديث كان نصاً صريحاً في تفسير النظر بالرؤية لما قامت به حجة، لأحاديته ومعارضته لما هو أقوى منه متناً ودلالة من أدلة نفيها. فكيف وهو يعتريه الإحتمال؟ وقد قيل: إن الدليل إذا اعتراه الإحتمال سقط به الإستدلال.
والقضية قضية عقيدة فلا يستدل فيها إلا بما كان قطعياً متناً ودلالة، وفي إسناد هذا الحديث حماد بن سلمة، أنكروا عليه أحاديث الصفات، ومنها هذا الخبر.
رابعاً: فقد روي عن السلف تفسيرهم الزيادة في الآية بغير الرؤية، فلو كان الحديث نصاً صريحاً صحيحاً على تفسيرها بالرؤية لما كان لهم أن يعدلوا عنه إلى غيره، ومن أمثلة ذلك ما رواه الإمامان الربيع وابن جرير عن ابن عباس(1) رضي اللّه عنه أنه فسرها: بغرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب، وروى الإمام الربيع عن ابن عباس مرفوعاً: ((إن أهل الجنة لايزالون متعجبين على ذلك مما هم فيه حتى يفتح اللّه لهم باب المزيد فإذا فتح لهم كان لايأتيهم منه شيء إلا وهو أفضل مما في جنتهم )).
وروى ابن جرير عنه وعن علقمة بن قيس أن الزيادة مضاعفة الحسنة إلى عشر امثالها، وهذا رواه الإمام الربيع عنه وعن الحسن.
__________
(1) ـ روى ذلك عنه ابن جرير بثلاثة أسانيد. 
(1/61)

وروى الإمام الربيع بإسناده إلى الإمام علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه(1) أنه فسر الزيادة بغرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب كما سبق عن ابن عباس، وروى ابن جرير عن الحسن أنه فسرها بمغفرة من اللّه ورضوان، وهو مروي عن مجاهد عن الربيع، وروى الربيع عن أبي حازم، وابن جرير عن ابن زيد: أنها عدم محاسبتهم على ما أعطاهم في الدنيا. وروى الربيع عن الشعبي أن الزيادة دخول الجنة، وعن محمد بن كعب: ما يزيدهم اللّه من الكرامة والثواب(2).
وهذه الاقوال بعضها متباين وبعضها متداخل أو متقارب، وأظهرها: أن الزيادة هي ما يمد اللّه به عباده في الجنة من فيوض عطائه الحسي والمعنوي بغير حدود؛ لأنه يدل عليه حديث ابن عباس المرفوع عند الربيع ويقتضيه حديث صهيب المرفوع عند الشيخين حسب مفهومه الصحيح(3).
قال تعالى: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}(4) فبين أن الزيادة من فضله ولم يقل من رؤيته. فتبين أن الزيادة لاتكون إلا من جنس المزيد عليه ولاتكون أرفع منه.
الدليل الثالث:
{لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَينَا مَزِيدٌ}(5)، بناءاً على ما روى بعضهم أن المزيد هو رؤية اللّه تعالى.
وما قيل لهم في الزيادة، يقال في المزيد حيث أن الآية فُسرت بأن لهم ما يشاؤون من أنواع النعم ولدينا مزيد وهو مالم يخطر ببالهم وزيادة على ما يستحقون بأعمالهم.
الدليل الرابع:
__________
(1) ـ وفي رواية الأمير الحسين (غرفة من لؤلؤة لها أربعة أبواب) الينابيع 64 ـ خ ـ.
(2) ـ الجامع الصَّحيح للإمام الربيع بن حبيب 3/232، ط مكتبة الاستقامة، وتفسير ابن جرير 11/75 ـ 76 ط دار الباز.
(3) ـ الحق الدامغ 51.
(4) ـ فاطر: 30.
(5) ـ ق: 35. 
(1/62)

قوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}(1)، ووجه استدلالهم بها أنه كما دل منطوقها على حجب الكفار عن ربهم فمفهومها دال على أن المؤمنين يرونه، لأن حجب الكفار عقاب توعدوا به فلا يليق بالمؤمنين إلا خلافه.
الجواب: إن هذا الاستدلال استدلال ساقط من عدة أوجه:
1 ـ إن الحجاب في الآية كناية عن الحرمان من رحمة اللّه والإبعاد عن دار كرامته، كما أن التقرب منه سبحانه لايكون حسياً وإنما يفسر بامتثال ما أمر به من الطاعات واجتناب ما نهى عنه من المعاصي، وكذلك تقرب اللّه من العبد لا يعني إلا إحاطته برعايته الرحمانية، وغمره بألطافه الربانية وقد وردا معاً في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم من طريق أبي هريرة: (( من تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً )) وبهذا المعنى الذي ذكرته فسر قتادة وابن أبي مليكة، الحجاب في هذه الآية، ورواه عنهما ابن جرير(2).
2 ـ إنه استدلال بمفهوم المخالفة، وهو حجة ظنية اختلف العلماء في الأخذ بها في الأمور العملية الفرعية، فكيف بالقضايا الاعتقادية الأصلية مع أن الاعتقاد ثمرة اليقين. على أن المفهوم هنا أقرب أن يكون مفهوم لقب وهو أضعف المفاهيم بإجماع الأصوليين والفقهاء وسائر أصحاب فنون العلم حتى أنهم عدوا من اخذ به من الفقهاء، شاذاً.
3 ـ إنه لو جاز الإستناد إلى هذا المفهوم في إثبات رؤية المؤمنين لله يوم القيامة لكان أحرى أن يستند إلى مفهوم يفيده التقييد بـ(( يومئذ )) في إثبات رؤية الكفار له تعالى قبل ذلك اليوم، فإن الظروف لها حكم الصفات في تقييد النسبة، ومفهوم الوصف من أقوى المفاهيم كما حرره الأصوليون، قال الإمام نور الدين السالمي في شمس الأصول:
__________
(1) ـ المطففين: 15.
(2) ـ تفسير ابن جرير 3/100. 
(1/63)

فالوصف والغاية والشرط معاً ... أقوى مفاهيم وأجلى موقعا(1)
الدليل الخامس:
قوله تعالى: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ}(2)، قالوا: ينظرون إلى اللّه.
الجواب: إنه استدلال بما لادليل فيه، فإن غاية ما في الآية وصفهم بالنظر من غير ذكرٍ للمنظور إليه، ومن المعلوم قطعاً أنهم يتمتعون بالنظر إلى أصناف النعم وأنواع الغرائب التي تبهج نفوسهم، وتقر أعينهم، ولم يقل أحد من السلف أن المراد بالنظر في الآية هو رؤية اللّه، بل روى ابن جرير وغيره عن ابن عباس وقتادة وآخرين: أنهم ينظرون إلى أعدائهم في النار ساخرين منهم، وهذا الذي يقتضيه السياق وعول عليه المفسرون إلا من شذ منهم.
الدليل السادس:
قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وُمُلْكاً كَبِيراً}(3). استدل بها الفخر الرازي في تفسيره لسورة الأنعام مدعياً أن إحدى قراءاتها: {مَلِكاً} بفتح الميم وكسر اللام، وقال: اجمع المسلمون أن ذلك الملك ليس إلا اللّه تعالى، وعندي أن التمسك بهذه الآية أقوى من التمسك بغيرها(4). انتهى.
__________
(1) ـ عن الحق الدامغ 52 ـ 53 قلت: قال الإمام يحيى بن حمزة عليه السلام: (والمختار عندنا: أن دلالة المفهوم مختلفة، وأعلاها الشرط والغاية فهذان يدلان على نفي الحكم عما عداهما وأدناها الإسم واللقب فإنهما غير دالين على نفي الحكم عما عداهما والمتوسط بينهما الصفة فكل هذه درجات المفهوم بعضها أقوى من بعض كما أشرنا إليه وكلها مأخوذة من مفهوم اللفظ دون لفظه وصريحه) مقدمة الإنتصار صف أولي.
(2) ـ المطففين: 23.
(3) ـ الإنسان: 20.
(4) ـ التفسير الكبير 13/131، الطبعة الثانية. 
(1/64)

الجواب: (( وناهيك بقوله بأن التمسك بهذه الآية أقوى من التمسك بغيرها برهاناً على ضعف الأدلة التي يتمسكون بها فإن هذا الاستدلال لايعدو أن يكون كملاحقة سراب {بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً}(1) فإن القراءة التي ادَّعاها لم تثبت. فقد راجعت كتب القراءات وكتب التفسير المعنية بنقل القراءات فلم اجد لها ذكراً بل لم يذكرها الفخر الرازي نفسه في تفسيره لهذه الآية، وعندما ذكرها في سورة الأنعام لم يعزها إلى أحد، ولو سلمنا أنها قراءة واردة فهي من القراءات الشاذة التي قال جمهرة من المحققين بأنها لاتكون حجة في المسائل الفقهية الفرعية، فكيف تكون حجة في المسائل القطعية الاعتقادية(2).
الدليل السابع:
قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَونَهُ سَلاَمٌ}(3)، وقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكُ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}(4)، إلى غير ذلك من الآيات التي ذكر فيها اللقاء، وفسروا اللقاء بالرؤية.
والجواب: إن تفسير اللقاء بالرؤية خطأ لأن اللقاء أعم من الرؤية فقد يكون في ما لايرى كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوهُ}(5).
ويقال مثلاً: هل لقيت الملك؟ فيقال: لا، لكني رأيته على القصر. ويسأل أحدنا اخاه فيقول: هل لقيت فلاناً؟ فيقول: لا لكني رأيته راكباً على السيارة داخلاً إلى السوق، والأعمى يقول مثلاً: لقيت فلاناً وجلست بين يديه، ولايقول: رأيته، ومن الكلام المعهود عند العرب أن يقول قائلهم: لقيت من هذا الأمر شدة، أو فرجاً ومخرجاً، أو عسراً، او يسراً، او خيراً، او شراً. هذا من جهة.
__________
(1) ـ النور: 39.
(2) ـ الحق الدامغ 55 بتصرف.
(3) ـ الأحزاب: 44.
(4) ـ الكهف: 110.
(5) ـ آل عمران: 143. 
(1/65)

الجهة الثانية: إننا إذا حملنا اللقاء على الرؤية كما يقولون لجاز أن يرى اللّه المنافقون كما في قوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَونَهُ}(1) وأكثرهم لايقول بذلك، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ}(2).
فإذا قيل بأن الضمير في الأول عائد إلى النفاق وفي الثاني إلى الكدح لا إلى اللّه. قلنا: وفي هذا أيضاً حجة لنا على أن اللقاء اعم من أن يكون بمعنى الرؤية فإن النفاق والكدح لايريان لأنهما من الأعراض.
الجهة الثالثة: إن اللقاء المذكور في قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَومَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ}(3) أي تحية المؤمنين يوم يلقون جزاءهم، وقيل هو سلام ملك الموت، وقيل هو سلام الملائكة كما قال في موضع آخر: {وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيكُمْ}(4).
أما قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ...} الخ، أي ثواب ربه ذكر نفسه فأراد غيره كما قال في موضع آخر: {وَجَاءَ رَبُّكَ}(5)، و{أَنَا ادْعُوكُمْ إِلَى العَزِيزِ الغَفَّارِ}(6) أي إلى طاعة العزيز الغفار، وقال: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي}(7) أي إلى حيث أمرني ربي، ونظائر هذا أكثر من أن تحصى.
وقد يفسر اللقاء أيضاً بالانتقال إلى الدار الآخرة، لما يتحقق به من وعد اللّه سبحانه ويتجلى من أسرار غيبه وقد أطلق على الموت مراعاة لهذا المعنى، ويقال فيمن مات: لقي اللّه، وفي اللسان نقلاً عن ابن الأثير في شرح حديث: (( من أحب لقاء اللّه أحب اللّه لقاءه )) المراد بلقاء اللّه المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند اللّه(8).
__________
(1) ـ التوبة: 77.
(2) ـ الانشقاق: 6.
(3) ـ الأحزاب: 44.
(4) ـ الرعد: 23.
(5) ـ الفجر: 22.
(6) ـ غافر: 42.
(7) ـ الصافات: 99.
(8) ـ عن الحق الدامغ 45 عن لسان العرب 7/72. 
(1/66)

ومن هنا يمكن القول بأن اللقاء يكون وعداً للمؤمنين بالثواب، كما في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ}، وقد يكون وعيداً للعاصين والمشركين بالعقاب كما جاء في الحديث عن جابر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: (( من لقي اللّه يشرك به دخل النار ))(1)، وكما روي عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( من حلف يميناً كاذبة ليقطع بها مال أخيه لقي اللّه وهو عليه غضبان ))(2).
وأما السنة
فقد حشر مثبتوا الرؤية كثيراً من الأحاديث التي زعم بعض البسطاء صحتها، وقالوا: قد رواها أبو بكر، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وجرير بن عبدالله البجلي، وصهيب بن سنان الرومي، وعبدالله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وأبو موسى الأشعري، وأنس بن مالك، وبريدة بن الحصيب، وأبو رزين العقيلي، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وأبو أمامة الباهلي، وزيد بن ثابت، وعائشة، وعبدالله بن عمر، وعمارة بن رويبه، وسلمان الفارسي، وحذيفة بن اليمان، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن عمرو بن العاص وحديثه موقوف، وأبي بن كعب، وكعب بن عجره، وفضالة بن عبيد وحديثه موقوف أيضاً، ورجل من أصحاب النبي غير مسمى.
هكذا يقعقعون حولها ويزعمون صحتها ولكن إذا نظر الباحث إلى هذه الروايات نظرة متفحصة سليمة من التعصب وخالية من التقليد الأعمى أدرك بعين بصيرته أنها لاتقوم بها حجة إما لوضعها .. أو ضعف وهلاك سندها .. أو شذوذ متنها، أو لما يتطرق إليها من الاحتمال. والدليل إذا تطرقه الاحتمال بطل به الإستدلال، ومهما يكن فهي أحادية، والأحادي لاتقوم به حجة في أصول الدين.
وفيما يلي نظرة خاطفة حولها من جهتين:
__________
(1) ـ الينابيع 64.
(2) ـ الينابيع 64. 
(1/67)

1 ـ جهة السند(1) ... ... 2 ـ جهة المتن(2)
تنقسم أحاديث الرؤية بعد جمعها، من جهة السند إلى ثلاثة أقسام:
أ ـ قسم متفق على سقوطه.
ب ـ قسم مختلف فيه.
ج ـ قسم معتمد عندهم.
أما المتفق على سقوطه فهو:ـ
1 ـ حديث الإمام علي بن أبي طالب
أخرجه اللالكائي(3).
وهو حديث موضوع ومن دلائل وضعه هو:
أولاً: أقوال الإمام علي (ع) وخطبه المعتمدة والثابتة بالنقول الصحيحة تنكر ذلك كما سيأتي في القسم الثالث.
ثانياً: إذا نظرنا إلى سنده وجدناه هالك ففيه سويد بن عبدالعزيز ضعفه غير واحد قال البخاري: في حديثه نظر لايحتمل، وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال أحمد وغيره: ضعيف. وروي عن أحمد أنه قال: متروك. وقال أبو حاتم: لين(4).
__________
(1) ـ السند لغة: المعتمد وسمي كذلك لأن الحديث يستند إليه ويعتمد عليه. واصطلاحاً: سلسلة الرجال الموصلة للمتن.
(2) ـ المتن لغة: ما صلب وارتفع. واصطلاحاً: هو نص الكلام المروي أو هو ما ينتهي إليه السند من الكلام وستلاحظ ما في سند هذه الأحاديث من ضعف، وما في متنها من شذوذ. وإذا أوردت جرح بعض الرواة فلا يعني ذلك الرضاء به والقبول له فإن هنالك من جرح وهو عدل، مثل عمرو بن خالد الواسطي، وعلي بن زيد بن جدعان، وإسماعيل بن عياش، وعبدالرحمن بن أبي ليلى وغيرهم، وإنما أردت عرض المسألة والنظر إلى الأدلة من منظار من استدل بها.
(3) ـ اللالكائي 852 عن هامش العواصم 5/151. ونجزم بوضعه على الإمام علي بن أبي طالب (ع).
(4) ـ ميزان الاعتدال 2/252، الضعفاء والمتروكون للنسائي 118، والضعفاء الصغير للبخاري 443. 
(1/68)

وأيضاً في سنده عمرو بن خالد الواسطي وهو مجروح من وجهة نظرهم فهم لايقبلون روايته في المسائل الفرعية الظنية فكيف بهم يقبلونها في المسائل الاعتقادية القطعية.. تنبهوا أيها العقلاء؟!! فممن تكلم فيه الدار قطني قال: كذاب عن أبي هاشم وزيد بن علي(1). وقال النسائي: متروك الحديث(2). وقال البخاري: منكر الحديث(3). وقال وكيع: كان في جوارنا يضع الحديث(4). وقال ابن معين: كذاب غير ثقة(5). وقال أحمد بن حنبل: عمرو بن خالد الواسطي كذاب(6).
2 ـ حديث أبي موسى الأشعري
أخرجه أحمد(7)، وفيه: إن اللّه يتجلى لنا ضاحكاً؟!!
إسناده ضعيف، ففيه علي بن زيد بن جدعان وهو مجروح من وجهة نظرهم. قال ابن معين: ليس بذاك القوي. وقال في موضع: ليس بشيء. وقال أحمد العجلي: كان يتشيع(8) وليس بالقوي. وقال البخاري وأبو حاتم: لايحتج به(9).
وفي سنده أيضاً عمارة القرشي. قال الأزدي: ضعيف جداً. قال الذهبي: عمارة القرشي عن أبي بردة صاحب حديث: يتجلى اللّه لنا ضاحكاً. قال الأزدي: ضعيف جداً. روى عنه علي بن زيد بن جدعان وحده(10).
__________
(1) ـ الضعفاء والمتروكون للدار قطني 348 ضمن المجموع في الضعفاء والمتروكين.
(2) ـ الضعفاء والمتروكون للنسائي 175 ضمن المجموع في الضعفاء والمتروكين.
(3) ـ كتاب الضعفاء الصغير للبخاري 465 ضمن المجموع في الضعفاء والمتروكين.
(4) ـ ميزان الاعتدال 3/257.
(5) ـ ميزان الاعتدال 3/257.
(6) ـ ميزان الاعتدال 3/257.
(7) ـ أحمد 4/407 ـ 408.
(8) ـ اعلم يرحمك الله أن أغلب أهل الحديث بنوا الجرح والتعديل على قاعدتهم المعروفة: تعديل الناصبي غالباً وجرح الشيعي مطلقاً. وهذا لعمري قاصمة الظهر وقد ألف حول هذا الموضوع العلامة محمد بن عقيل رسالة سماها [العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل]، وفيها من الإنصاف ما لايخفى. يراجع كتابنا (مباحث في علوم الحديث).
(9) ـ ميزان الاعتدال 3/127.
(10) ـ ميزان الاعتدال 3/178. 
(1/69)

قلت: وهذا الحديث تفرد بروايته أبو بردة. قال العلامة القاسمي(1): وهو أحد الشهود على حجر(2)، وورد عن أبي موسى الأشعري حديث آخر ينفي الرؤية(3)
__________
(1) ـ العلم الواصم ـ خ ـ القاسمي هو العلامة صفي الإسلام: أحمد بن الإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسمي توفي عام (1375 هـ).
(2) ـ حُجْر بن عدي بضم الحاء وسكون الجيم أحد الصحابة الأجلاء قتل بأمر معاوية وذلك لامتناعه عن لعن أمير المؤمنين والتبرؤ منه، ولانكارة على عمال معاوية وولاته. قال ابن حجر في الإصابة 1/314 من ترجمة له: وقتل بمرج عذراء بأمر معاوية!!
(3) ـ وهو ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما. وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم تبارك وتعالى إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن )) فكما نلاحظ إن هذا الحديث مخالف لما روى أحمد وهو إن صح محتمل المعنى، ووجه الاستدلال به كما قال الخليلي (الحق الدامغ 90) هو صراحته في عدم رؤيتهم له لحيلولة رداء الكبر بينهم وبين ذلك. والكبرياء صفة ذاتية لله عز وجل لايمكن أن يتخلى عنها كما لايتخلى عن القدرة، أو العلم أو الإرادة أو السمع أو البصر إذ لو تخلى عنها في أي لحظة لكان منقلباً إلى ضدها وهو الصغار المنافي لربوبيته تعالى، فمن ادعى مع هذا النفي رؤيته سبحانه لزمه سلب الكبرياء عن الذات العلية. وإضافة الرداء إلى الكبرياء في الحديث من باب إضافة المشبه به إلى المشبه كذهب الأصيل ولجين الماء في قول الشاعر:
والريح تعبث بالغصون وقد جرى ... ذهب الأصيل على لجين الماء

وفيها إشارة إلى تشبيه الكبرياء بالرداء بأسلوب التشبيه البليغ حسبما جاء في الحديث القدسي وهو قوله سبحانه: (( الكبرياء ردائي والعظمة إزاري )) ومامعناه إلا أنه تعالى مختص بهما كاختصاص أحدنا بردائه وإزاره، فليس لأحد أن يتطاول فينازعه فيهما، وقد صرح بذلك آخر الحديث وهو قوله: (( فمن نازعني فيهما أدخلته النار ولا أبالي ))، فإن قيل: مابالكم حملتم النظر في مقام النفي على الرؤية مع حملكم إياه في مقام الإثبات على الانتظار كما قلتم في آية القيامة وحديث صهيب.
فالجواب: أن حمله على الانتظار هناك لأن هذا المعنى هو الذي يتفق مع القرائن العقلية، ويتسق مع السياق في الآية والحديث، ونحن لانمنع أن يفسر النظر بالرؤية عندما تكون مرادة به، فإنه من باب اللفظ المشترك الذي يصلح لأكثر من معنى، وإنما القرائن هي التي تعين المراد.
والمقام هنا يقتضي تفسير النظر بالرؤية، فإن الحديث يفيد أن الأولياء وصلوا في دار كرامة الله من تكريمه إياهم وتقريبه لهم، ورفعه لدرجاتهم إلى حيث لم يبق شيء مما ألف من أنواع التكريم إلا وقد نالوه، ما عدا الرؤية فإنهم لم يمنعوا منها حرماناً، ولكن لكونها منافية لصفة الكبرياء الخاصة بجلال الله، وبهذا يمكن الجمع بين نصوص النفي والإثبات.
والوجه هنا بمعنى الذات عند المحققين حتى من مثبتي الرؤية.
وقد أشكل الحديث على معتقدي الرؤية فتكلفوا من أجل الدفاع عن معتقدهم تأويله بما تأباه سلامة الفطرة وينكره الذوق غير المألوف.
كقول الحافظ ابن حجر في توجيه جواب الكرماني عن هذا الإشكال: (( إن في الكلام حذفاً تقديره بعد قوله إلا رداء الكبرياء: فإنه يمن عليهم برفعه فيحصل لهم الفوز بالنظر إليه )) [فتح الباري 13/432 ط سلفية].
ولعمر الحق إن اتباع مثل هذه التأويلات البعيدة يفضي إلى عدم الاستقرار على معنى نص من النصوص لاحتمال تقدير ما يجوز نفيه إلى الإثبات وإثباته إلى النفي، وقد أجاد السيد العلامة صاحب المنار ـ حيث قال بعد أن نقل هذا التأويل ـ: (( وفيه من التكلف ما لاينبغي لحفاظ السنة الاعتداد به وهم ينكرون على الجهمية والمعتزلة مثله وما هو أمثل منه من تأويلاتهم )) [المنار: 9/139]، وحمل الحافظ الرداء في هذا الحديث على الحجاب المذكور في حديث صهيب المتقدم وبعد أخذ ورد قال: (( ومقتضى حديث الباب أن مقتضى عزة الله واستغنائه أنه لايراه أحد لكن رحمته للمؤمنين اقتضت أن يريهم وجهه كمالاً للنعمة فإذا زال المانع فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء، فكأنه رفع عنهم حجاباً كان يمنعهم )) [فتح الباري 12/423]، وقد نقل كلامه هذا صاحب المنار ولم يتعقبه بشيء مع أنه لايقل تكلفاً عن ما قبله، فإن الحديث لايفيد أن امتناع الرؤية عن الله لشيء في نفوس عباده كالهيبة التي تخشع لها أبصارهم وتوجل منها قلوبهم وإنما امتناعها لأمر خاص بالذات الإلهية وهو اتصافه تعالى بالكبرياء وصفات الله تعالى لاتتناقض ولاتناقضها أفعاله فقول الحافظ: ((فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء )) قول تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم فحاشى لله سبحانه أن يفعل ما لاتقتضيه صفاته الذاتية كيف وهي أجل المحامد المقتضية لأعظم المدائح، وقد مر بكم من القول في حديث صهيب مايغني عن إعادته هنا.اهـ 
(1/70)

.
3 ـ حديث أنس بن مالك
أخرجه ابن خزيمة(1) وغيره، وورد بألفاظ مختلفة منكرة(2)، وله طرق تنتهي إلى عثمان بن أبي حميد واسم حميد: عمير، ويقال له: عثمان بن أبي زرعة، وعثمان بن أبي قيس، ضعفوه.
قال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الدار قطني وغيره: ضعيف. وقال أحمد: ضعيف الحديث(3).
وله طريق أخرى تنتهي إلى سعيد بن أبي عروبة. وقد اختلط. قال أبو نعيم: كتبت عنه حديثين، ثم اختلط فقمت وتركته. وقال ابن معين: اختلط سعيد بعد هزيمة إبراهيم بن عبدالله. قال الذهبي: عاش بعد الهزيمة ثلاث عشرة سنة، وكانت الهزيمة في سنة خمس وأربعين ومائة(4).
وفي سنده عمر بن عبدالله المدني مولى غفره، قال الحافظ في التقريب: ضعيف كثير الإرسال(5).
كما في سنده عبدالله بن محمد بن جعفر القاضي، قال ابن المقري: رأيتهم يضعفونه وينكرون عليه أشياء. وقال الحاكم عن الدار قطني: كذاب ألف كتاب سنن الشافعي، وفيها نحو مائتي حديث لم يحدث بها الشافعي. وقال ابن يونس: ووضع أحاديث على متون معروفة، وزاد في نسخ مشهورة، فافتضح وحُرقت الكتب في وجهه(6).
قلت: المهم أن حديث أنس ظلمات بعضها فوق بعض ومتنه شاذ بالمرة. وللحافظ ابن عساكر جزء سماه: (القول في جملة الأسانيد الواردة في حديث يوم المزيد) بيَّن فيه وجوه الوهي فيها، وقال: إن لهذا الحديث عن أنس عدة طرق في جميعها مقال(7).
4 ـ حديث بريدة بن الحصيب
__________
(1) ـ ابن خزيمة في التوحيد 247 ـ 249، والبخاري ومسلم وغيرهم.
(2) ـ ألفاظه منكرة شاذة ومنها: (( فإذا كان يوم الجمعة نزل على كرسيه.. الخ ))، ألفاظ لاتحتمل التأويل مضطربة.
(3) ـ ميزان الاعتدال 3/50.
(4) ـ ميزان الاعتدال 2/151.
(5) ـ هامش العواصم 5/163.
(6) ـ ميزان الاعتدال 2/495.
(7) ـ هامش العواصم 5/160. 
(1/71)

أخرجه ابن خزيمة(1). إسناده ضعيف جداً، فيه عبدالعزيز بن أبان القرشي، قال النسائي: متروك الحديث(2). وقال البخاري: تركوه(3). وقال يحيى: كذاب خبيث حدث بأحاديث موضوعة. وقال أحمد: لايكتب حديثه(4).
وأيضاً في سنده بشير بن المهاجر، قال أحمد: منكر يجيء بالعجائب. وقال أبو حاتم: لايحتج به. وقال ابن عدي: فيه بعض الضعف(5).
5 ـ حديث جابر بن عبدالله
أخرجه أحمد(6) وغيره، وفيه: إن اللّه يتجلى ضاحكاً؟!!!
سنده ضعيف للغاية. ففيه زياد بن سعد، قال الذهبي: فيه جهالة(7). وفي متنه اضطراب، وله طريق أخرى فيها محمد بن شرحبيل الصنعاني ضعفه الدار قطني(8).
وأيضاً أحمد بن محمد بن عمر بن يونس. كذبه أبو حاتم، وابن صاعد. وقال الدار قطني: ضعيف. وقال مرة: متروك. وقال ابن عدي: حدث عن الثقات بمناكير، وكان ينسخ عجائب(9)، نقل ذلك الذهبي.
وله طريق أخرى وفيها علي بن عبده، وفيها: إن اللّه يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة. وهذا موضوع ولاشك في وضعه، ذكره ابن الجوزي في الموضوعات(10)، وقال: هو باطل.
وعلي بن عبده، قال الذهبي عنه: كذاب. وقال أيضاً معلقاً على هذا الحديث: أقطع بأنه من وضع هذا الشويخ على القطان.
وقال الدارقطني: كان يضع الحديث(11).
__________
(1) ـ ابن خزيمة في التوحيد 150 عن هامش العواصم 5/164.
(2) ـ الضعفاء والمتروكون للنسائي 157 وهو ضمن المجموع في الضعفاء والمتروكين.
(3) ـ الضعفاء الصغير للبخاري 459 وهو ضمن المجموع في الضعفاء والمتروكين.
(4) ـ ميزان الاعتدال 2/622.
(5) ـ ميزان الاعتدال 1/329.
(6) ـ أحمد في المسند 3/383.
(7) ـ ميزان الاعتدال 2/89.
(8) ـ ميزان الاعتدال 3/579.
(9) ـ ميزان الاعتدال 1/143.
(10) ـ ابن الجوزي في الموضوعات 1/306 ـ هامش العواصم 5/170.
(11) ـ ميزان الاعتدال 3/144. 
(1/72)

وله طريق أخرى فيها الفضل بن عيسى الرقاشي، قال الذهبي: ضعفوه. وقال أحمد: ضعيف. وقال أحمد بن زهير: سألت ابن معين عن الفضل الرقاشي فقال: كان قاصاً رجل سوء. قلت: فحديثه؟ قال: لاتسأل عن القدري الخبيث(1). وقال النسائي: ضعيف(2). وقال البخاري عن ابن عيينة: كان أهلاً أن لايروى عنه(3)، ونقل الذهبي عن سلام بن أبي مطيع: لو أن فضلاً الرقاشي وُلِدَ أخرس كان خيراً له(4).
6 ـ حديث أبي أمامة
أخرجه ابن خزيمة(5) وغيره.
إسناده ضعيف فيه عمرو بن عبدالله الحضرمي. لم يوثقه غير ابن حبان، وكذلك في إسناده يونس بن يزيد. قال ابن سعد: ليس بحجة. وقال وكيع: سيء الحفظ، وكذلك استنكر له أحمد بن حنبل أحاديث. وقال الأثرم: ضعف أحمد أمر يونس(6).
7 ـ حديث زيد بن ثابت
أخرجه الحاكم(7). إسناده ضعيف، فيه أبو بكر ـ وهو ابن عبدالله بن أبي مريم الغساني الشامي ـ ضعيف، قال الذهبي: ضعفه أحمد وغيره لكثرة ما يغلط. وقال ابن حبان: رديء الحفظ. وقال ابن عدي: لايحتج به(8). وقال الذهبي معلقاً على الحديث عندما رمز له الحاكم بالصحة: أبو بكر ضعيف فأين الصحة(9).
8 ـ حديث عبدالله بن عمر
أخرجه أحمد(10) وغيره.
__________
(1) ـ ميزان الاعتدال 3/356.
(2) ـ الضعفاء والمتروكون للنسائي 191 ضمن المجموع.
(3) ـ الضعفاء الصغير للبخاري 475 ضمن المجموع.
(4) ـ ميزان الاعتدال 2/356.
(5) ـ ابن خزيمة في التوحيد 185 هامش العواصم 5/172.
(6) ـ ميزان الاعتدال 4/484.
(7) ـ الحاكم في المستدرك 1/516.
(8) ـ ميزان الاعتدال 4/498.
(9) ـ تلخيص الذهبي على مستدرك الحاكم 1/516.
(10) ـ مسند أحمد 2/13 ـ 14 هامش العواصم 5/176. 
(1/73)

وفي سنده ضعف، ثوير بن أبي فاختة مجروح من وجهة نظرهم. قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم وغيره: ضعيف. وقال الدارقطني: متروك، ونقل الذهبي عن الثوري قوله: ثوير ركن من أركان الكذب. وقال البخاري: تركه يحيى وابن مهدي(1). وقال النسائي: ليس بثقة(2). وقال الدارقطني: ضعيف(3).
وله طريق أخرى فيها سعيد بن هشيم بن بشير مجهول.
وتنتهي إلى كوثر بن حكيم، ضعيف، قال البخاري: منكر الحديث(4). وقال النسائي: متروك الحديث(5). وقال أبو زرعة: ضعيف. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه بواطيل ليس بشيء. وقال الدار قطني وغيره: متروك. نقل ذلك كله الذهبي(6).
كما له طريق أخرى عن حماد بن جعفر، وحماد بن جعفر ليس له رواية عن الصحابة، إذاً الحديث غير متصل، قال الحافظ في التقريب: فيه لِيْن(7).
9 ـ حديث عمارة بن رويبه
أخرجه ابن بطه(8).
إسناده ضعيف، فيه إسماعيل بن عياش مجروح من وجهة نظرهم، قال النسائي: ضعيف(9). وقال ابن حبان: كثير الخطأ في حديثه فخرج عن حد الاحتجاج به. وقال أبو صالح الفراء: قلت لأبي إسحاق الفزاري: إني أريد مكة وأريد أن أمر بحمص فأسمع من إسماعيل بن عياش. قال: ذاك رجل لايدري ما يخرج من رأسه. نقل ذلك الذهبي(10).
وفيه عبدالرحمن بن عبدالله المسعودي. رُمي بالاختلاط(11).
10 ـ حديث ابن عباس
أخرجه أحمد(12) وغيره، وهو ضعيف ومتنه شاذ.
__________
(1) ـ ميزان الاعتدال 1/375.
(2) ـ الضعفاء والمتروكون للنسائي 72 ضمن المجموع.
(3) ـ الضعفاء والمتروكون للدار قطني 293 ضمن المجموع.
(4) ـ الضعفاء الصغير للبخاري 479 ضمن المجموع.
(5) ـ الضعفاء والمتروكون للنسائي 195 ضمن المجموع.
(6) ـ ميزان الاعتدال 3/416.
(7) ـ هامش العواصم 5/178.
(8) ـ في الإبانة عن هامش العواصم 5/179.
(9) ـ الضعفاء والمتروكون للنسائي 51 ضمن المجموع.
(10) ـ ميزان الاعتدال 1/244.
(11) ـ هامش العواصم 5/179.
(12) ـ مسند أحمد 1/281، 295. 
(1/74)

ففيه ابن جدعان، وقد تقدم ما قيل فيه، وأيضاً فيه حماد بن سلمة، أنكروا عليه أحاديث الصفات. وقال الذهبي عنه: إنه يغلط(1). وقال الحافظ: قال الحاكم: لم يخرج مسلم لحماد بن سلمة في الأصول إلا من حديثه عن ثابت، وقد خرج له في الشواهد عن طائفة، وقال البيهقي: هو أحد أئمة المسلمين إلا أنه لما كبر ساء حفظه فلذا تركه البخاري، وأما مسلم فاجتهد وأخرج من حديثه عن ثابت ما سمع منه قبل تغيره(2). قلت: وحديث ابن عباس هذا، لم يروه حماد عن ثابت؟!!
وينتهي إلى أبي نضرة، مجهول.
وله طريق أخرى عن الحسن عن ابن عباس وفيها أبو جبير، لايعرف، ومحمد بن الأشعث، اتهمه ابن عدي بالكذب(3).
11 ـ حديث حذيفة بن اليمان
أخرجه ابن بطه(4).
سنده متروك ففيه القاسم بن مطيب. قال ابن حبان: يستحق الترك، نقل ذلك الذهبي. وقال عنه: كان يخطئ مع قلة روايته(5). وفيه أيضاً الحسن بن يحيى بن كثير العنبري، قال العلامة القاسمي: تكلموا فيه(6).
12 ـ حديث عائشة
أخرجه الحاكم(7) وتعقبه الذهبي بإثره، فقال: فيض وهو ابن وثيق راويه عن الزهري كذاب(8). وقال في الميزان: قال ابن معين: كذاب خبيث(9).
13 ـ حديث عبادة بن الصامت
__________
(1) ـ الكاشف 1/252.
(2) ـ تهذيب التهذيب 3/13.
(3) ـ العلم الواصم ـ خ ـ.
(4) ـ في الإبانة عن هامش العواصم 5/180.
(5) ـ ميزان الاعتدال 3/280.
(6) ـ العلم الواصم ـ خ ـ.
(7) ـ الحاكم في المستدرك 3/203.
(8) ـ التلخيص على المستدرك للذهبي 3/203.
(9) ـ ميزان الاعتدال 3/366. 
(1/75)

أخرجه أحمد(1)، وسنده ضعيف، فيه بقية بن الوليد الكلاعي الحمصي. قال احمد: توهمت أن بقية لايحدث المناكير إلا عن المجاهيل فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير، فعلمت من أين أتى، وقال ابن حجر: أتى من التدليس. وقال ابن حبان: لم يسبر أبو عبدالله أحمد بن حنبل شأن بقية، وإنما نظر إلى أحاديث موضوعة رويت عنه عن أقوام ثقات فأنكرها ولعمري إنه موضع الإنكار، وبدون هذا تسقط عدالة الإنسان. وقال الخطيب: في حديثه مناكير. وقال القطان: بقية يدلس عن الضعفاء ويستبيح ذلك وهذا إن صح مفسد لعدالته. قال الذهبي: نعم والله صح هذا عنه إنه يفعله. وقال أبو حاتم: لايحتج به. وقال أبو مسهر: أحاديث بقية ليست نقية فكن منها على تقية. وقال الجوزجاني: ما كان يبالى إذا وجد خرافة عن من يأخذها. وقال الذهبي: بقية ذو غرائب وعجائب ومناكير. وقال عبد الحق: لايحتج به(2).
14 ـ حديث أبي رزين العقيلي
أخرجه أحمد(3)، في سنده وكيع بن عدس. قال الذهبي: لايعرف تفرد عنه يعلى بن عطاء. قلت: وقال العلامة القاسمي: وأبو رزين مختلف في صحبته(4).
15 ـ حديث عبدالله بن عمرو بن العاص
ضعيف؛ لأنه موقوف والموقوف ليس بحجة عندهم وليس فيه ما يدل على الرؤية إلا (( إنه يتجلى للملائكة )).
16 ـ حديث فضالة بن عبيد
أخرجه الطبراني(5)، وغيره.
ضعيف؛ لأنه موقوف والموقوف ليس بحجة عندهم، وكذلك في سنده ابن حلبس، قال الذهبي: أحد المجاهيل(6).
17 ـ حديث الرجل من أصحاب الرسول
أخرجه الخطيب(7).
__________
(1) ـ مسند أحمد 5/324.
(2) ـ توضيح المقال 89 عن تهذيب التهذيب 1/417 ـ 419، والميزان 1/133 ـ 238.
(3) ـ أحمد في مسنده 4/11 و 12.
(4) ـ العلم الواصم ـ خ ـ.
(5) ـ الطبراني في الكبير 18/825، عن هامش العواصم 5/186.
(6) ـ ميزان الإعتدال 4/517.
(7) ـ في تاريخه 12/306ـ 307ـ هامش العواصم 5/ 188. 
(1/76)

إسناده ضعيف، فيه عباد بن منصور، قال ابن معين: ليس بشيء. وقال الذهبي: ضعفه النسائي. وقال ابن الجيد: متروك. وقال الذهبي: وروى عباد عن يحيى: ليس حديثه بالقوي. وقال أبو حاتم: ضعيف. وقال الساجي: ضعيف مدلس. وقال أحمد: كان يدلس(1). وقال النسائي: ضعيف، وقد كان أيضاً تغير(2).
18 ـ حديث كعب بن عجرة
ضعيف، فيه إبراهيم بن المختار. قال ابن معين: ليس بذاك. وقال البخاري: فيه نظر. وقال أبو غسان: تركته(3).
وفيه أيضاً عطاء الخرساني. تُكلم فيه، قال الذهبي: وقد ذكر البخاري عطاء الخرساني في الضعفاء، ونقل عن ابن حبّان، قوله: إنه كان رديء الحفظ كثير الوهم يخطئ ولا يعلم، فيحمل عنه فلما كثر ذلك في روايته بطل الإحتجاج به(4).
19ـ حديث صهيب بن سنان الرومي
حديث ضعيف، فيه حماد بن سلمة، تقدم ماقيل فيه، وكذلك فيه عبدالرحمن بن أبي ليلى، وهو مجروح من وجهة نظرهم، قال الزيلعي: ضعيف(5)، وقال أبو الطيب الأبادي: سيء الحفظ(6)، وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: قال إبراهيم، يعني النخعي: كان صاحب مراء(7).
وأما المختلف فيه فهو:ـ
1ـ حديث عبدالله بن مسعود
أخرجه الحاكم(8).
اختلف في سنده، فيه إسماعيل بن عبيدالحراني، بعضهم وثقه، والبعض الآخر جرحه، قال الجعابي: يحدث عن ابن سلمة بعجائب، نقله عنه الذهبي(9). قلت: وفي متنه شذوذ وألفاظ منكرة وهي: إن اللّه يضحك، وفي سنده حماد بن سلمة تقدم، وقد صرح الذهبي بنكارة متنه عند تعقبه لمستدرك الحاكم.
2ـ حديث أُبيّ بن كعب
__________
(1) ـ ميزان الإعتدال 2/376.
(2) ـ الضعفاء والمتروكون للنسائي: 164 ضمن المجموع في الضعفاء والمتروكين.
(3) ـ ميزان الإعتدال 1/65.
(4) ـ ميزان الإعتدال 3/74.
(5) ـ نصب الراية 1/318.
(6) ـ المغني على الدار قطني 1/284.
(7) ـ الضعفاء الكبير 2/337، عن توضيح المقال:70.
(8) ـ الحاكم في المستدرك 4/589 ـ 592.
(9) ـ ميزان الإعتدال1/238. 
(1/77)

أخرجه اللالكائي(1).
في سنده أبو العالية رفيع بن مهران، قال ابن عدي: تُكُلِّم فيه، نقل ذلك الذهبي (2).
3ـ حديث سلمان الفارسي
وهو في مصنف ابن أبي شيبة(3).
في سنده عاصم الأحول، قال ابن معين: كان ابن القطان لا يحدث عن عاصم الأحول، يستضعفه. وقال يحيى القطان: لم يكن بالحافظ. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالحافظ عندهم، ولم يحمل عنه ابن إدريس لسوء حفظه، نقل ذلك كله الذهبي(4).
وقال العلامة القاسمي: وفيه معاوية، فإن كان الضرير، فقد تكلموا في حفظه ونسب إلى التدليس والإرجاء، ورواية المناكير، وإن كان البجلي، فهو مجهول(5).
4ـ حديث أبي بكر
أخرجه أحمد(6).
وفي سنده أبو نعامة، قال أحمد: ثقة إلا أنه اختلط قبل موته(7). وقال العلامة القاسمي: قال البيهقي: ليس بالقوي(8).
5ـ حديث أبي سعيد الخدري
أخرجه البخاري(9) ومسلم(10). وفيه سويد بن سعيد.
قال الذهبي: قال البخاري: حديثه منكر، وقال النسائي: ضعيف، وروى الترمذي عن البخاري: أنه ضعيف جداً، وقال مرة: ضعيف(11).
وقال الذهبي أيضاً: وأما ابن معين فكذبه وسبه، وروى ابن الجوزي أن أحمد قال: متروك الحديث(12).
وأما المعتمد عندهم فهو:
1ـ حديث أبي هريرة
أخرجه البخاري(13) ومسلم(14).
إسناده ضعيف، ففيه محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.
__________
(1) ـ اللالكائي 849.
(2) ـ ميزان الإعتدال 4/543.
(3) ـ مصنف ابن أبي شيبة 11/447 هامش العواصم 5/180.
(4) ـ ميزان الإعتدال 2/350.
(5) ـ العلم الواصم ـ خ ـ .
(6) ـ مسند أحمد 1/4 ـ5.
(7) ـ ميزان الإعتدال 3/283.
(8) ـ العلم الواصم ـ خ ـ .
(9) ـ البخاري (فتح 8/249 ـ 250).
(10) ـ مسلم 1/114ـ 117.
(11) ـ الميزان 2/248.
(12) ـ الميزان 2/248.
(13) ـ البخاري (فتح 2/293).
(14) ـ مسلم 1/112 ـ 114. 
(1/78)

قال الإمام القاسم بن محمد (1): وجميع أهل البيت يجرحونه(2). وفي علوم الحديث للحاكم: إن يحيى بن معين سأله إنسان: الأعمش مثل الزهري؟ فقال: برئت من الأعمش أن يكون مثل الزهري، الزهري يرى العرض والإجازة، وكان يعمل لبني أمية، وذكر الأعمش، فمدحه، فقال: فقير صبور مجانب للسلطان، وذكر علمه بالقرآن وورعه(3). وقال الذهبي في ترجمة خارجة بن مصعب: قال أحمد بن عبدويه المروزي: سمعت خارجة بن مصعب يقول: قدمت على الزهري وهو صاحب شرطة بني أمية، فرأيته ركب وفي يديه حربة، وبين يديه الناس في أيديهم الكافركُوبات (4). فقلت: قبح اللّه ذا من عالم، فلم أسمع منه(5).
قال السيد العلامة صارم الدين الوزير: وروى أبو جعفر عنه أنه قال لعلي بن الحسين عليه السلام: كان معاوية يسكته الحلم، وينطقه العلم. فقال عليه السلام: كذبت يا زهري، كان يسكته الحصر، وينطقه البَطَر، وأي حلم مع من سفه الحق، ورد الشرع، وحمل أولاد الأدعياء على بناته، وأظهرهم على أخواته(6)؟
__________
(1) ـ هو الإمام الأجل المنصور بالله أبو محمد القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي الحسني الهاشمي، أحد أئمة الإسلام، يعتبر من أهم الشخصيات اليمنية التي ظهر في القرن السابع عشر الميلادي نظراً لغزارة علمه وقوة شخصيته ولدوره الكبير في تاريخ اليمن ولد بالشاهل سنة (967 هـ)، له العديد من المؤلفات منها: الاعتصام، الإرشاد، التحذير، الأساس، وهناك دراسة متكاملة عن حياته لأميرة علي المداح، توفي سنة (1029 هـ).
(2) ـ الإعتصام 2/160.
(3) ـ علوم الحديث 54.
(4) ـ هي آلة من آلات اللهو. تمت عن سيدي العلامة المجتهد مجد الدين المؤيدي.
(5) ـ ميزان الإعتدال 1/625.
(6) ـ الفلك الدوار 226. 
(1/79)

قلت: وروى ابن أبي الحديد: أنه كان من المنحرفين عن علي عليه السلام، وأنه كان يجلس مع قوم يذكرون علياً، وينالون منه(1). وروى البلاذري: أن الإمام زيداً دعاه إلى الخروج معه، فأبى(2).
قلت: وأي عدالة لمن خالط السلطان، وحمل على علي عليه السلام، وجرحه أئمة العترة؟!!
تنبهوا أيها العقلاء.
وأما متن الحديث فشاذ عندنا بالمرة وسيأتي.
2ـ حديث جرير بن عبدالله البجلي
أخرجه أبو داود(3) وغيره وقد ورد بطرق تنتهي إلى قيس بن أبي حازم، إسناده هالك فيه قيس بن أبي حازم.
قال السيد مانكديم (4): وقيس هذا مطعون فيه من وجهين: أحدهما أنه كان يرى رأي الخوارج، ويروى أنه قال: (( منذ سمعت علياً على منبر الكوفة يقول: انفروا إلى بقية الأحزاب، يعني أهل النهروان، دخل بغضه في قلبي )). ومن دخل بغض أمير المؤمنين في قلبه فأقل أحواله أن لا يعتمد على قوله. والثاني: أنه خولط في عقله آخر عمره، والكتبة يكتبون عنه على عادتهم في حال عدم التمييز(5).
وقال الشيخ أحمد الرصاص: إنه لا يرجع في أصل هذا الخبر إلا إلى قيس بن أبي حازم، وهو غير عدل لبغضه علياً عليه السلام؛ ولأنه كان متولياً لبني أمية، ومعيناً لهم على أمرهم(6).
__________
(1) ـ شرح نهج البلاغة 1/370.
(2) ـ أنساب الأشارف 2/239 عن هامش الفلك 224.
(3) ـ سنن أبي داود 4/322، وورد بطرق متعددة في جميعها ضعف، وتنتهي إلى قيس بن أبي حازم.
(4) ـ هو الإمام أحمد بن الحسين بن أبي هاشم محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن الإمام محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ـ والحسن هذا جد الإمام الناصر الأطروش ـ بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، دعا عقيب وفاة المؤيد بالله وهو صاحب شرح الأصول الخمسة للقاضي عبدالجبار توفي بالري سنة نيف وعشرين وأربعمائة. ومعنى مانكديم: وجه القمر.
(5) ـ شرح الأساس الكبير 1/436ـ 437.
(6) ـ شرح الأساس الكبير 1/437. 
(1/80)

قلت: والرسول يقول: (( لايحبك إلا مؤمن ولايبغضك إلا منافق )) رواه مسلم في كتاب الإيمان. وقال الأمير الحسين: وهو مطعون في روايته من وجوه: أحدها أنه كان متولياً لبني أمية ومعيناً لهم على أمرهم، ومنها أنه خولط في عقله، ومنها أنه كان مبغضاً لأمير المؤمنين(1).
قلت: ونقل الذهبي عن يحيى بن سعيد قوله: منكر الحديث، ونقل أيضاً عن يعقوب قوله: (( السدوسي: تكلم فيه أصحابنا فمنهم من حمل عليه وقال له مناكير، فالذين أطروه عدوها غرائب. وقيل: كان يحمل على علي رضي اللّه عنه(2) قلت: ومتنه شاذ، وفيه احتمال وسيأتي.
تقسيم أحاديث الرؤية من جهة المتن
وتنقسم من جهة المتن إلى قسمين:
أ ـ قسم شاذ المعنى. ... ب ـ قسم محتمل المعنى.
أما شاذ المعنى فإليك عينات من متون الأحاديث المعتمدة عندهم ليتسنى لنا النظر من خلالها، وإيضاح شذوذها.
1ـ عن قيس بن أبي حازم، عن جرير بن عبدالله البجلي، قال: كنا جلوساً عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر. فقال: (( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها فافعلوا ))(3) ثم قرأ جرير {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ}(4) وفي لفظ آخر (( إنكم سترون ربكم (عياناً) )) تفرد بها أبو نعمان الحناط وهي ـ أي لفظة (عياناً) ـ لفظة شاذة ومنكرة خالف فيها غيره من الرواه، وقد تكلموا في حفظه، قال يحيى بن سعيد: لم يكن بالحافظ، ولم يُرْضِ يحيى أمره(5).
__________
(1) ـ ينابيع النصيحة 65ـ 66 ـ خ ـ .
(2) ـ ميزان الإعتدال.
(3) ـ سنن أبي داود 4/322 وغيره.
(4) ـ ق: 39.
(5) ـ ميزان الإعتدال 4/536 ونقل العلامة القاسمي في (العلم الواصم) عن النسائي قوله في أبي شهاب الحناط: إنه ليس بالقوي. 
(1/81)

2ـ عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره أن أناساً قالوا: يا رسول اللّه، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يارسول اللّه. قال: هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يارسول اللّه. قال: فإنكم ترونه كذلك، يجمع اللّه الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمسَ الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمرَ القمرَ، ويتبع من كان عبد الطواغيتَ الطواغيتَ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم اللّه تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم اللّه تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه... وهو حديث طويل ساقه إلى أن قال: ثم يفرغ اللّه تعالى من القضاء بين العباد، ويبقى رجل مقبل بوجههِ على النار وهو آخر أهل الجنةِ دخولاً الجنةَ فيقول: أي ربِّ، اصرف وجهي عن النار فإنه قد قَشَبَني ريحُها وأحرقني ذكاؤُها، فيدعو اللّه ما شاء اللّه أن يدعوه، ثم يقول الله تبارك وتعالى: هل عَسَيْتَ إن فعلتُ ذلك بك أن تسأل غيره.
فيقول: لا أسألك غيره ويعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء الله، فيصرف اللّه وجهه عن النار.
فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء اللّه أن يسكت، ثم يقول: أي ربِّ قدمني إلى باب الجنة. فيقول اللّه له أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الذي أُعطيت، ويلك يابن آدم ما أغدرك؟
فيقول: أي ربِّ، يدعو اللّه حتى يقول له فهل عَسيت أن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره. 
(1/82)

فيقول: لا وعزتك فيعطي ربه ما شاء اللّه من عهود ومواثيق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا قام على باب الجنة انفهقت له الجنة فرأى ما فيها من الخير والسرور، فيسكت ما شاء اللّه، ثم يقول: أي ربِّ، أدخلني الجنة. فيقول اللّه تبارك وتعالى: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أُعطيت؟ ويلك يا بابن آدم ما أغدرك. فيقول: أي ربِّ، لا أكون أشقى خلقك فلا يزال يدعو اللّه ـ أي آخر أهل الجنة دخولاً ـ حتى يضحك اللّه تبارك وتعالى منه، فإذا ضحك منه قال ادخل الجنة(1). وهو عند الشيخين حديث طويل، وإنما نقلنا هنا بعض ما يمكن الاستشهاد به.
__________
(1) ـ البخاري: (فتح 2/293 و11/445) ومسلم (1/112ـ114). 
(1/83)

3ـ عن أبي سعيد الخدري أن أناساً في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قالوا: يا رسول اللّه، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: نعم. قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة صحواً ليس معها سحاب، وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحواً ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا، يارسول اللّه. قال: ما تضارون في رؤية اللّه تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما... ثم ذكر كلاماً طويلاً إلى أن قال: حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبدالله تعالى من بَرِّ وفاجر أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها. قال: فما تنتظرون؟ تتبع كل أمة ماكانت تعبد. قالوا: يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم، ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك، ولا نشرك بالله شيئاً مرتين أو ثلاثاً حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن اللّه له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل اللّه ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة، فقال: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا ... الخ ))(1).
إن المسلم الحق ليستحي أن ينسب مثل هذه الأخبار إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لما فيها من مخالفة صريحة للقرائن العقلية والدلائل النقلية القاضية بتوحيد اللّه وتنزيهه عن مشابهة خلقه فمن الملاحظ في نصوص هذه الأحاديث:
__________
(1) ـ البخاري (فتح 8/249ـ250)، ومسلم: (1/114ـ 117). 
(1/84)

1ـ تغير ذات اللّه من صورة إلى أخرى فيتجلى بصور متعددة، وأشكال مختلفة، فهو يبدو في بعض هذه الصور متنكراً لا يعرفه بها أحد من العباد، وفي البعض الآخر يعرفونه، وهذا ما تلاحظه في النص ((فيأتيهم اللّه في غير الصورة التي يعرفون فيقول: انا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك، فيأتيهم في الصورة التي يعرفون )) فيترتب على هذا القول تغير الذات الإلهية. والتغير سمة من سمات الحدوث، فيلزم منه حدوث اللّه تعالى.
ولأجل هذا الإشكال في الحديث قال المثبتون: (( إن اللّه يبعث لهم ملكاً ليختبرهم في اعتقاد صفات ربهم. فإذا قال لهم: أنا ربكم. ردوا عليه إذا جاء ربنا عرفناه أي ظهر لنا في ملك لا ينبغي لغيره وعظمة لا تشبه شيئاً من مخلوقاته )).
ويرد هذا القول الأمور التالية:ـ
الأول:ـ إن الكذب بغيض إلى اللّه قبيح عنده، فلم يكن اللّه ليأمر به، فإن اللّه لا يأمر بالفحشاء والمنكر، ولكنه ينهى عنهما، وإن أعظم الكذب وأفحشه أن يزعم عبد من عباد اللّه أنه هو اللّه، ولا يمكن أن يقوم أحد من الملائكة الذين هم أعرف الخلق بحقه وأخوفهم من عقابه بمثل هذا العمل. ثم لماذا يقوم أحد الملائكة بهذه التمثيلية المزعجة؟ وما جدواها؟
الثاني:ـ إن الآخرة ليست دار اختبار، وإنما دار جزاء (( اليوم عمل ولا جزاء وغداً جزاء ولا عمل ))(1).
وجزاء الناس إنما هو بحسب ما كانوا عليه في الدنيا من اعتقاد، أو عمل لا بحسب مايكون منه في الآخرة.
وقد يجاب عن ما رواه البخاري ومسلم: أن هذه الرواية تستلزم أنا قد عرفناه في الدنيا هو وعلامته واللازم باطل لأنا لم نره في الدنيا فالملزوم مثله.
__________
(1) ـ رواه البخاري. 
(1/85)

الثالث:ـ ليس في نص الحديث ما يثبت ذلك؛ لأن في نصوصه
(( أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها )) و (( يأتيهم اللّه فيقول: أنا ربكم فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه )) (( فيأتيهم في صورة غير التي رأوه فيها أول مرة )) وقد جرت مناظرة حول هذه المعرفة بين أحد النافين وأحد المثبتين. فقال النافي للرؤية: من أين لكم هذه المعرفة حتى إنه إذا جاء في غير الصورة التي عرفتموه فيها أنكرتموه، واستعذتم منه، فلا بد أن تكونوا عرفتموه في رؤية سابقة، فقال: إن هذه المعرفة بصورته لم تكن نتيجة رؤية سابقة، ولكنها بسبب ما عرفوه من وصفه لنفسه في كتابه، ووصف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم له في سنته.
فقال النافي للرؤية: إذاً يلزم أن يكون كل من قرأ كتاب اللّه ودرس سنة رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم عارفاً بالصورة الحقيقية التي يرى بها ربه سبحانه وتعالى حتى إنه إذا رآه في غيرها أنكرها، فهلم إلى وصف هذه الصورة وتحديدها لنا مما عرفتموه من قراءتكم للقرآن، ومطالعتكم للسنة. فأحجم ودحضت حجته والحمدلله.
2ـ كون رؤية اللّه تعالى شاملة للبر والفاجر، والمنافق والمؤمن، وهو مخالف لما نص عليه أكثرهم بأن الرؤية خاصة بالمؤمنين.
(( وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها )) (( حتى إذا لم يبق إلا من يعبدالله من بر وفاجر ))؟!!
3ـ إنهم يتعرفون على اللّه من خلال علامته الفارقة والمميزة له ألا وهي الساق (( فيكشف عن ساق ))؟!!
4ـ اللّه سبحانه وتعالى صورة وجسم، ويشغل حيزاً من المكان، ويمثل للعيان، فهم يرونه كالقمر بالرغم من أنهم يقولون: إنها رؤية بلا كيف؟
وما أدراك ما البلكفة ؟!!
5ـ ثم يأتي خداع الإنسان وجداله مع اللّه والذي يبعث على ضحك اللّه وتعجبه منه واستسلامه أمام خداع ابن آدم ومكره.
فلا يزال يدعو اللّه حتى يضحك اللّه تبارك وتعالى منه، فإذا ضحك منه قال: ادخل الجنة..؟!! 
(1/86)

6ـ كما إن هذا الحديث معارض للحديث الذي استدلوا به على الزيادة في حديث صهيب.
فحديث صهيب ناص على أن الرؤية لا تكون إلا بعد دخول الجنة، وهذا الحديث الذي استدلوا به ناص على أن الرؤية في الموقف؟!!
7ـ مخالفته الصريحة للقرآن، وذلك أنه أثبت أن لله صورة، والله عز وجل ليس كمثله شيء.
وأما محتمل المعنى:ـ فهو أنه يمكن أن تحمل الأحاديث التي يمكن حملها إن صحت على العلم، وهذا معهود به في لغة العرب كما سيأتي. ولو أن المثبتين طرحوا اعتمادهم على الأحاديث التي توحي بالتجسيم والرؤية البصرية التي في بعضها، ومن غير شك مدونات إسرائيلية، وحملوا الذي يحتمل التأويل على الرؤية القلبية، أو العلم، لخرجوا من هذا الإضطراب والتناقض، ولتحقق المعنى الذي حام حوله البعض منهم.
قال السيد العلامة بدر الدين الحوثي: (( فأما الروايات فكثير منها ما يمكن تفسيره بمعنى قريب، وهي أن الرؤية فيها مقيدة بكونها كما يرون القمر ـ والقمر لانرى إلا شعاعه لاجرمه لأن الجرم بعيد جداً، ولايرى من بعيد إلا النور، فالمعنى أنها تتجلى للمؤمنين عظمته وجلاله وحكمته وكرمه، ورحمته، وجبروته وعزته بما يشاهدون في القيامة من قضائه سبحانه وتعالى. 
(1/87)

ويكون العلم بذلك ضرورياً بمنزلة العلم بالمشاهدات، واختص بذلك المؤمنون لأن أعداء اللّه في شغل عن ذلك بأنفسهم كما قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (1)، وقال تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} (2)، ووصف الأبرار بضد ذلك فقال: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} (3)، فكانت مشاهدتهم لقضائه ورؤيتهم لعدله وعزته ورحمته وفضله هي مشاهدة جلاله وعظمته وكان ذلك معنى رؤيته لأنه تجلى لهم بهذا المعنى من حيث كمال المعرفة والعلم وكونه ضرورياً كالعلم بالمشاهدات (4). اهـ.
قلت: وهذا الاحتمال الذي ذكره الوالد العلامة بدر الدين هو الذي يمكن أن تحمل عليه الروايات التي تحتمله إن صحت وهو أسلوب عربي فصيح لأن النظر إلى الآية من حيث أنها آية نظر إلى ذي الآية كما تقدم، ويدل عليه قول الشاعر:
ويوم بذي قار كأن وجوههم ... إلى الموت من وقع السيوف نواظر
فإن الموت لايرى ولاينظر إليه ولكن الذي عناه الشاعر هو النظر إلى أسباب الموت.
__________
(1) ـ الإسراء: 72.
(2) ـ الإسراء: 97.
(3) ـ المطففين: 22 ـ 23.
(4) ـ تحرير الأفكار 315. 
(1/88)

وقد قارب هذا الإحتمال جماعة من مثبتي الرؤية من ذلك ما نقله الخليلي عن الحافظ ابن حجر: (( واختلف من أثبت الرؤية في معناها. فقال قوم: يحصل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين كما في غيره من المرئيات وهو على وفق قوله في حديث (( كما ترون القمر )) إلا أنه متنزه عن الجهة والكيفية، وذلك أمر زائد على العلم، وقال بعضهم: إن المراد بالرؤية العلم، وعبر عنها بعضهم بأنه حصول حالة في الإنسان نسبتها إلى ذاته المخصوصة نسبة الإبصار إلى المرئيات، وقال بعضهم رؤية المؤمن لله نوع كشف وعلم إلا أنه أتم وأوضح من العلم، وهذا أقرب إلى الصواب من الأول(1). ا هـ.
وقريب من هذا تفسير الإمام الغزالي للرؤية في بعض كتبه.
ومجيء الرؤية بالعلم معهود في لغة العرب، ومن شواهده قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}(2)، وقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}(3) وقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيْلِ}(4) وقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَافِي السَّمَاوَاتِ وَمَافِي الأَرْضِ}(5). وقوله {أَلَمْ يَرَوا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِّنْ قَرْنٍ}(6).
وقول الشاعر: ـ (رأيت اللّه أكبر كل شيء) وقول غيره (رأيت اللّه أهلك قوم عاد)، ودعوى أن الرؤية لا تكون بمعنى العلم إلا إذا تعدت إلى مفعولين مردودة بقوله تعالى: {فَقَدْ رَاَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}(7)، وقوله: {أَلَمْ يَرَوا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ}.
__________
(1) ـ فتح الباري 13/ 426.
(2) ـ الفرقان: 45.
(3) ـ الفجر: 6.
(4) ـ الفيل: 1.
(5) ـ المجادلة: 7.
(6) ـ الأنعام: 6.
(7) ـ آل عمران: 143. 
(1/89)

ولا ريب أن في الجنة من التجليات الربانية لأصحاب السعادة ما يفوق مايكون في مواقف القيامة، فلا غرو إذا عبر أصدق الإنس والجان، وأبلغ العرب والعجم بالرؤية، أو نحوها من العبارات تقريباً للأفهام، وقد كان صلى اللّه عليه وآله وسلم يخاطب العرب باللسان العربي المبين الذي نشأوا عليه، فعرفوا معانيه، وأدركوا مراميه، فلا تعجبوا إذا لم يشكل عليهم هذا الخطاب.
وإذا كان العبد إذا أخلص لله تعالى في هذه الدار الدنيا مع كثافة حجب طبائعها المادية المظلمة. تتراءى له في ذكره ودعائه مشاهد العظمة، وينكشف له من آيات الجلال ما يجعله يغيب عن وجوده غارقاً في عالم شهوده، مشغولاً عن نفسه بما يمده به الحق تعالى من ألطاف الأنس المتراسلة من حضائر القدس خصوصاً في بعض الأحوال كخلوات العبادة، وفي بعض الأزمان كليالي رمضان، وفي بعض البقاع كالحرمين الشريفين، فما بالكم بالدار الآخرة التي أعدت للمتقين حيث ترقى نفوسهم إلى أوج الكمال الإنساني.
ولا ينكر هذه المشاهدة الإنسية في هذه الدار الدنيا إلا من حرم شفافية الروح، ورقة الشعور والوجدان التي يشعر بها العبد، وهو ماثل بين يدي اللّه تعالى داعياً أو ذاكراً حتى يكون كأنه من أنسه بربه يرى ذاته تعالى بأم عينيه من غير أن يتحول تعالى عن صفته الذاتية، وهي عدم إدراكه بالأبصار، وقد سمى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم هذه المرتبة بالإحسان، وذلك في قوله: (( الإحسان ان تعبد اللّه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) فأي عجب إذا حصل للمؤمنين الصادقين في إيمانهم المخلصين في عملهم، ماهو أبلغ في الدار الآخرة من ذلك من التجليات الجلالية لعقولهم وقلوبهم؟ وأي بدعٍ إن عبر عن ذلك بالرؤية مع ورود مثله في اللسان العربي؟
وبهذا يتضح المراد بالرؤية في الأحاديث، وبه يمكن الجمع بينها وبين آيات التنزيه الناصة على منعها. 
(1/90)

ومهما يكن فإن هذه الأحاديث أحادية، والآحادي لا تنهض به حجة في الأمور الإعتقادية؛ لأن الإعتقاد ثمرة اليقين، واليقين لا يقوم إلا على الأدلة القطعية المتواترة نقلاً، النصية دلالة بحيث لا تحتمل تأويلاً آخر، والحديث الآحادي لا يتجاوز ثبوت متنه الظن، فلذلك قال المحققون: إنه يوجب العمل، ولا يفيد العلم، وإذا كانت هذه هي درجة الآحادي في الحجية فكيف إذا عورض بالنصوص القطعية من القرآن، ولذلك نحكم بسقوط الروايات الصريحة في تشبيه الخالق بالخلق، إذا لم تحتمل التأويل، لاستحالة أن يصدر ذلك من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، وذلك كحديث (( إذا كان يوم الجمعة نزل على كرسيه ثم حف الكرسي بمنابر من نور فيجيء النبيون حتى يجلسوا عليها.. الخ ))، فإنه مصادم للعقل والنقل، بل هو مصادم لما يقوله معتقدوا الرؤية أنفسهم من أنه يرى بدون إحاطة، فإنه يلزم أن يكون محاطاً به قطعاً، إذا كان النبيون تحف منابرهم بكرسيه الذي يستوي عليه.
ثم قال الخليلي: وإذا كان الصحابة رضوان اللّه تعالى عليهم لم يقبل بعضهم ما رواه بعض منهم مما رآه مخالفاً لما فهمه من مدلول الكتاب العزيز، كما كان من عمر في رواية فاطمة بنت قيس، وما كان من عائشة فيما رواه ابن عمر رضي اللّه عنهم أجمعين ـ مع كونهم في خير القرون، وأفضل العصور فما بالكم بمن بعدهم، وقد اختلط الحابل بالنابل، وفشا اللبس، وكثر التدليس، وانتشرت البدع، وتعددت الدسائس، وتباعدت العصور عن العصر الكريم(1)اهـ.
قلت: ولعلك تسأل وتقول: إن الروايات وردت كبشارة للمؤمنين فإذا كانت بمعنى العلم فلا فرق بينهم وبين الكافرين لأن الكافرين يعلمون اللّه سبحانه ضرورة يوم القيامة كما يعلمه المؤمنون؟
__________
(1) ـ الحق الدامغ: (60ـ 63). 
(1/91)

أقول: شتان ما بين علم المؤمنين وعلم الكافرين لأن علم المؤمنين: يدخل عليهم الفرحة والسرور وقلوبهم دائماً متوجهة إلى ربهم لايشغلها عنه سبحانه شاغل من الأسباب لتقطع الأسباب يومئذ قال تعالى: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} (1)، فهم في كل المواقف وفي جميع المراحل في رحمة إلهية شاملة، فمشاهدتهم لنعمة ورؤيتهم لعدله وعزته وفضله هي مشاهدة جلاله وعظمته، وكان ذلك معنى رؤيته لأن النظر إلى الآية من حيث أنها آية نظر إلى صاحب الآية ورؤية له بعين الإجلال والعظمة.
وأما علم الكافرين: فإنه يدخل عليهم الغم والحسرة وهم في شغل دائم بأنفسهم كما قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (2)، وكما قال تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} (3)، فأي مساواة لمن كانت هذه حاله التي هو دائم مشتغل بها، وحالة المؤمنين الذين هم في نعيم دائم قال تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} (4) لايوجد ما يشغلهم عن رؤية عدله وعزته ورحمته، وصار الحال في ذلك كحال عبدين أحدهما عاص لمولاه والآخر مطيع فإن علم المطيع مجيء مولاه يدخل عليه الفرحة والمسرة، وعلم العاصي يدخل عليه الهم والحزن والمضرة.
__________
(1) ـ النمل: 89.
(2) ـ الإسراء: 72.
(3) ـ الإسراء: 97.
(4) ـ المطففين: 22 ـ 23. 
(1/92)

وقبل مغادرة حضرتك الكريمة في هذا القسم الثاني أود أن أقول: اعلم وفقني اللّه وإياك أن علماء الحديث يعرفون الحديث الشاذ بأنه ما يرويه الثقة مخالفاً به الثقات، فما بالك إذا خالف الثقة القرآن؟ فهل يطرح الحديث أم لا، إنه يطرح بالمرة ولا يقبل، وقد لاحظتَ مخالفة الأحاديث التي لم تحتمل التأويل للقرآن الكريم، بغض النظر عما في أسانيدها من ظلمات ومقالات كما مر، ولا شك في وضعها على صحابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولا يستبعد أيضاً أن تكون من إسرائيليات كعب الأحبار(1) اليهودي حيث وقد ورد في سير أعلام النبلاء 3/489 أن كعباً جالس أصحاب محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، فتلقفوا عنه، وهكذا تحيط بنا الإسرائيليات وغيرها من الروايات والقصص والحكايات الكاذبة من كل جانب، وبعض المسلمين يصدقون، والحشوية يؤيدون ويصححون، وأعداء الإسلام يصفقون ويضحكون، فتأملوا ايها العقلاء؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

القسم الثالث

أدلة القائلين بنفي الرؤية
1ـ الأدلة العقلية والفلسفية.
2ـ الأدلة النقلية من الكتاب والسنة.
3ـ الخاتمة.
__________
(1) ـ هو كعب بن مانع الحميري من آل ذي رعين، وقيل من ذي الكلاع، ويكنى بأبي إسحاق، أسلم في عهد عمر بن الخطاب إسلاماً ظاهراً ليخدع المسلمين بإسرائيلياته، وكان من أكبر أحبار اليهود، وعرف بكعب الأحبار، وسكن المدينة في عهد خلافة عمر، وجعله معاوية من مستشاريه، قال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ: أنه قدم من اليمن في عهد عمر، فأخذ عنه الصحابة وغيرهم، مات بحمص سنة (32، 33، 38) بعد ما ملأ الشام وغيرها من البلاد الإسلامية برواياته وقصصه المستمدة من الأحبار، وقد حذره عمر بن الخطاب عن الحديث عندما تنبه إلى خطره. فقال: لتتركن الحديث او لألحقنك بأرض القردة، وبواسطته وغيره من اليهود تسربت إلى الحديث طائفة من الأقاصيص الإسرائيلية. 
(1/93)

4ـ أهم مراجع البحث.

أدلة القائلين بنفي الرؤية
وهي قسمان: عقلية ونقلية
أما العقلية، فهي:ـ
1ـ يقول الفلاسفة: إن رؤية الشيء ـ أي شيء ـ بالعين الباصرة، وانعكاس الأشعة تتحقق في حالة:
أ ـ أن يكون للمرئي جهة معينة.
ب ـ أن يكون بين الرائي والمرئي مسافة ما، لو زادت هذه المسافة أو قصرت لاختلت الرؤية وتعذرت على الرائي.
ج ـ أن يكون المرئي في محاذاة وقبال الرائي.
(خلاصة ذلك إنها لما كانت الموانع الثمانية(1) ممتنعة في حق اللّه فالرؤية ممتنعة أيضاً).
ومع هذه النقاط نهتدي إلى استحالة رؤية اللّه عز وجل وعدم إمكانها بأي حال؛ لأن هذه الجهات المذكورة لا يمكن أن تتحقق مع اللّه سبحانه فهو ليس في مكان مادي معين، ولايعقل تصور المسافة المادية بينه وبين العبد أو أن يكون بمحاذاته؛ لأن كل ذلك يستدعي القول بالتجسيم وإشغاله حيزاً من الفراغ، وهو محال على اللّه عز وجل.
2ـ إن رؤية اللّه عزّ وجل تتصور على نحوين.
أولاً:ـ أن تحيط الرؤية بتمام الذات الإلهية المقدسة وينظر إلى وجود اللّه كله بالعين البشرية، فهو يستلزم تحديد وجود اللّه وحصره بنقطة أو مكان معينين وخُلُو سائر النقاط الأخرى عن هذا الوجود.
__________
(1) ـ الموانع الثمانية هي: [البعد والقرب المفرطان، والرقه واللطافه والحجاب الكثيف، وكون المرئي خلاف جهة الرائي وأن يكون محله في بعض هذه الأوصاف، وعدم الضياء المناسب للعين]. 
(1/94)

ثانياً:ـ أن تكون الرؤية لجزء من أجزاء الذات الإلهية لا كلّ الذات، وأن ينظر إلى جانب من جوانب وجود اللّه لا كلّ الجوانب وهذا يستلزم التجزيء لله، وتركيب ذاته المقدسة. وكل هذا محال على اللّه سبحانه؛ لأن اللّه غير محدود، ولا يتواجد في نقطة مادية معينة دون غيرها، وذاته غير قابلة للتجزئ والتركيب المادي، ناهيك عن أن للأجسام المادية المرئية لوناً ـ أو ألواناً خاصةً بها حتى تكون قابلة للرؤية وهذا أيضاً مستحيل على اللّه عز وجل(1).
3ـ يقول الشيخ محمد جواد مغنية: ومما استدل به الملا صدر(2) على امتناع الرؤية قوله: (( ان الإحساس بالشيء حالة وضعية للجوهر الحاس بالقياس إلى المحسوس الوضعي، ففرض ما لا وضع له أنه محسوس كفرض مالا جهة له أنه في جهة )).
ويعلق العلامة محمد جواد قائلاً: (( يريد بقوله هذا على ما أرى أن العين لا ترى الشيء إلا بشرطين:ـ
الأول: أن تكون (العين) أهلاً للنظر.
الثاني: أن يكون الشيء أهلاً لأن ينظر بالعين، وهذا شيء بديهي، فإذا فقدت العين أهلية النظر أولم يكن الشيء مؤهلاً للنظر بالعين انتفت الرؤية قهراً.
والعين أصغر وأحقر من أن ترى الذات القدسية الأحدية كما أنه جلّ وعلا أعظم من أن يُرى بالعين(3).
والخلاصة: أن اللّه سبحانه كان قبل خلق الوجود كله ولم تتحول ذاته، أو تتبدل صفاته بعد الخلق عمّا كانت عليه قبله، فلا تتصل ذاته سبحانه بشيء من مخلوقاته كما أنها لا تنفصل عنها؛ لأن كل ذلك من صفات الحوادث، ومن ثم كان إدراك كنهها مستحيلاً عقلاً ونقلاً، وإنما غاية المعرفة بها الشعور بالعجز عن إدراك كنهها كما قيل: ((العجز عن الإدرك هو الإدراك )) (4).
وأما النقلية فبعضها من الكتاب وبعضها من السنة.
أما من الكتاب فهي كما يلي:ـ
الدليل الأول:ـ
__________
(1) ـ تأملات في الصحيحين 166ـ167.
(2) ـ هو لقب للفيلسوف الشهير إبراهيم الشيرازي.
(3) ـ التفسير الكاشف 1/107ـ108.
(4) ـ الحق الدافع (67). 
(1/95)

قوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُه الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(1). ووجه الاستدلال بالآية هو أنه تعالى مدح نفسه فيها بأن الأبصار لا تدركه حيث أن إدراك الأبصار هو رؤيتها، وذلك أن الآية وردت بين أوصاف المدح الأخرى، فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} إلى قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيْمٌ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٍ* لاَ تُدْرِكُه الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(2)، فكما ترى أن قوله: {لاَ تُدْرِكُه الأَبْصَارُ} جاء متوسطاً بين أوصاف المدح؛ لأن ما قبله وما بعده مدح فيلزم أن يكون مدحاً ولو لم تكن مدحاً لكانت خارجة عن أساليب الفصاحة.
ولقد امتدح اللّه سبحانه ذاته بصفات سلبية أخرى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ}(3).
فلما كان نفي الصاحبة والولد في حقه مدحاً كان إثباتهما نقصاً، وكذلك الأمر في الرؤية لقد امتدح ذاته بأمرين أحدهما: سلبي {لاَ تُدْرِكُه الأَبْصَارُ}، والآخر إيجابي {وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} فدلّ على أنه سبحانه يَرى (( بفتح الياء )) ولا يُرى (( بضمها )).
وكذلك الانسان عندما يدعو اللّه فإنه يثني عليه ويمدحه بقوله: يا من يَرى ولا يُرى.
__________
(1) ـ الانعام (103).
(2) ـ الانعام: 95 ـ 103.
(3) ـ الانعام (101). 
(1/96)

روى الأمير الحسين بن بدر الدين، عن ابن عباس، أنه قال: قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في الوتر: (( اللهم إنك تَرى ولا تُرى ))(1).
قال الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام: (( إن اللّه تبارك وتعالى ذكر التوحيد في كتابه فقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤاً أَحَدٌ} (2) فأخبرنا أنه الواحد الأحد، الذي ليس بوالد ولا ولد، وأنه ليس له كفؤاً أحد ولاشبيه، في وجه من الوجوه.
وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} (3) يقول: كفؤاً أو نظيراً. وقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (4)، وقال: {لاَتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (5)، ولم يقل في الدنيا دون الآخرة، فنفى عن نفسه درك الأبصار في كل وقت من أوقات الدنيا والآخرة كما نفى عن نفسه السنة والنوم في الدنيا والآخرة على كل وجه من الوجوه، فقال: {لاَتَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَنَومٌ} (6).
قال أحمد الخليلي: (( ووجه الاستدلال بالآية أنه تعالى مدح نفسه فيها بأن الأبصار لا تدركه، وإدراكها الرؤية، فتبين منها أن عدم رؤيته بالأبصار صفة ذاتية لازمة له تعالى، فإنه لو رؤي للزم زوال مدحه وإذا زال إنقلب إلى ضده، وهو الذم تعالى اللّه عنه، ومن ناحية أخرى فإنه إخبار من اللّه سبحانه بوصف من أوصافه، وأخبار اللّه لا تتبدل؛ لأنها لو تبدلت كان التبدل تكذيباً لها {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً}.
وأُعترض على هذا الاستدلال بأربع شبه وهي كما يلي:ـ
__________
(1) ـ الينابيع 59ط دار مكتبة الخير.
(2) ـ سورة الصمد.
(3) ـ مريم: 65.
(4) ـ الشورى: 11.
(5) ـ الأنعام: 103.
(6) ـ البقرة: 255 ـ المنزلة بين المنزلتين 31 ـ 32. 
(1/97)

الشبهة الأولى: أن الآية نفت الإدراك ولم تنفِ الرؤية، وبينهما فرق، فإن الإدراك: هو الإحاطة بالْمُدْرَكِ من جميع جوانبه، وهو مستحيل عليه تعالى، والرؤية لا تستلزمه فهي أعمّ منه، ونفي الأخص ليس نفياً للأعمّ كما أن قوله تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}(1) لا ينفي مطلق العلم فان للعباد معرفة به تعالى يخشونه بها ويرجونه ويطيعونه ويعبدونه، وإنما هو نافٍ للإحاطة بكنه ذاته سبحانه، وهذا أشهر ما عولوا عليه في دفع هذه الحجة، ولذلك سرعان ما تجدهم يهرعون إليه للتخلص منها.
جوابها:ـ أن هذا الإعتراض مخالف لما دلّ عليه الاستعمال العربي لكلمة (( الإدراك )) ومشتقاتها، فانه لا يفهم منه أنه بمعنى الإحاطة، فأقوال أساطين العربية وشواهدها الصريحة الثابتة دالة على أن الإدراك ليس بمعنى الإحاطة بل لكل منهما معنى مستقل عن الآخر. قال ماتن القاموس وشارحه: (( الدَرَك محركة: اللحاق )) وقد (( أدركه )) إذا لحقه، وهو اسم من الإدراك.
وفي الصحاح: الإدراك: اللحوق، يقال مشيت حتى أدركته، وعشت حتى أدركت زمانه(2)، ونص كلام الجوهري في الصحاح: ((الإدراك: اللحوق، يقال: مشيت حتى أدركته، وعشت حتى أدركت زمانه، وأدركته ببصري: رأيته )) (3).
وفي اللسان: ( ( الدرك: اللحاق ـ إلى أن قال ـ وتدارك القوم: تلاحقوا ))، وفي التنزيل: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيْهَا} (4).
__________
(1) ـ طه (110).
(2) ـ تاج العروس 7/126ط دار مكتبة الحياة.
(3) ـ الصحاح 4/1582ط، دار الملايين.
(4) ـ الأعراف: 38. عن لسان العرب 3/1363ط، دار المعارف. 
(1/98)

هذه نصوص أساطين اللغة الذين نقلوها إلينا بأمانة، وليس فيها ما يدل على تفسير الإدراك بالإحاطة ولا يمكن حمل اللحوق أو اللحاق عليها؛ لأن قول القائل: لحقت الجدار بيدي، لا يدل إلا على مماسته له وهو قول فصيح مقبول وضعاً وعرفاً، مع تعذر إحاطة اليد بالجدار، ومثل ذلك قولك: أنزلت الحبل في البئر حتى لحق الماء، وأمثلة ذلك لا تحصى، ولم أجد مرجعاً لغوياً فسر الإدراك بالإحاطة، وناهيك دليلاً على خطأ هذا التفسير: عدم تقبل العرف والذوق لقول القائل في الحائط المحيط بالزرع: إنه مُدرِكٌ له، ومثله قول القائل: بأن البيت مدرك لمن كان وما كان داخله مع العلم بأنه لا يماري أحد في إحاطته بما اشتمل عليه.
وإذا كان معنى{لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} لا تلحقه، فإن مؤداه قطعاً: أن القوى البصرية لا تصل إليه حتى يكون مرئياً لها، فإن البصر يطلق على الحاسة كما يطلق على آلة البصر وهي العين، وتمثيل صاحب الصحاح بقوله: (( عشت حتى أدركت زمانه )) شاهد على صحة ما قلته من التباين بين لفظي الإدراك والإحاطة، فإنه مما يدركه كل واحد، أن قائل ذلك لم يرد أنه عاش حتى أحاط بزمان من أضيف إلى ضميره الزمان من أوله إلى آخره، إذ لو كان ذلك هو المراد لما جاز لأحدٍ أن يقول في أحد من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه أدرك زمانه عليه الصلاة والسلام إلا إذا كان ذلك الصحابي قد أحاط بزمانه صلى اللّه عليه وآله وسلم منذ الولادة إلى الوفاة.
ومن الشواهد الدالة على خطأ تفسير الإدراك بالإحاطة: أنه لا يختلف في صحة قول القائل ـ فيمن وقع عليه سهم:ـ أدركه السهم، ولو قال أحد: أحاط به السهم لما عَدَّ قَوَلهُ عاقل إلا هذياناً.
وأصرح من هذه النصوص ما تقدم نقله عن شارح القاموس بأنه فسرّ الرؤية بإدراك المرئي.
وفي اللسان أيضاً: (( والإدراك اللحوق، يقال: مشيت حتى أدركته، وعشتُ حتى أدركت زمانه، وأدركته ببصري: أي رأيته )). 
(1/99)

وتصاريف لفظة الإدراك دالة على هذا فقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا} (1) لا يقصد به: أن كل فريق منهم قد أحاط بغيره، وإنما هو: أن كل فريق لحق سابقه.
ثم قال الخليلي: (( واستشهاد الصحابة رضوان اللّه تعالى عليهم على نفي الرؤية بهذه الآية الكريمة من أوضح الأدلة وأبينها، وأقوى الشواهد وأقطعها بأن الإدراك إذا أسند إلى الأبصار لا يكون إلا بمعنى الرؤية فإنهم رضي اللّه تعالى عنهم عرب أقحاح طبعوا على فصيح الكلام العربي بتربيتهم العربية الصحيحة، وزادهم القرآن الكريم الذي كان ينزل بين ظهرانيهم علماً بمعانيها وخبرة باستعمالها، فأنَّى لهم أن يجهلوا الفرق بين رؤية البصر وإدراكه لو كان بينهما فرق؟
__________
(1) ـ الأعراف: 38. 
(1/100)

ومما روي عنهم في ذلك ما أخرجه الإمام الربيع في مسنده والشيخان في صحيحيهما عن مسروق، قال: كنت متكئاً عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على اللّه الفرية: من زعم أن محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم رأى ربه فقد أعظم على اللّه الفرية. قال: وكنت متكئاً فجلست فقلت: يا أم المؤمنين، أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل اللّه عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الأَعْلَى}، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}؟ فقالت: أنا أول هذه الأمة، سئل عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فقال: (( انما هو جبريل لم أره في صورته التي خُلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطاً من السماء سادّاً عظم خلقه ما بين السماء والأرض )). فقالت: أو لم تسمع بأن اللّه يقول: {لاَ تُدْرِكُه الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(1) أو لم تسمع أن اللّه يقول: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (2).
وقد أخرج الإمام الربيع رحمه اللّه عن علي(3) وابن عباس(4) رضي اللّه عنهما أنهما استدلا على نفي رؤية اللّه تعالى بهذه الآية الكريمة.
وقد حاول الفخر الرازي دفع كون استدلال عائشة رضي اللّه تعالى عنها بالآية على نفي الرؤية، شاهداً على أن الإدراك لا يتقيد بالإحاطة حيث قال:ـ (( معرفة مفردات اللغة إنما تكتسب من علماء اللغة فأما كيفية الإستدلال بالدليل فلا يرجع فيه إلى التقليد )) (5).
وهي محاولة فاشلة مردودة من ثلاثة أوجه:ـ
__________
(1) ـ الأنعام: 103. سيأتي تكملة الحديث وتخريجه إن شاء الله في ثنايا هذه الصفحات.
(2) ـ الشورى: 51.
(3) ـ الرواية التي عن علي ستأتي إن شاء الله.
(4) ـ أما الرواية التي عن ابن عباس فقد تقدمت.
(5) ـ التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) 13/128ط. 
(1/101)

أولها: إن العرب الأقحاح عندما كانوا لا يعتمدون إلا على سليقتهم العربية في نطقهم وفهمهم لمقاصد الكلام هم أقوى حجة ممن جاء بعدهم من علماء العربية الذين دوّنوا مفرداتها، وشرحوا معانيها فإن هؤلاء كانوا يستندون إلى أولئك في فهم مقاصدها ولم يكن أولئك يرجعون إلى هؤلاء في ذلك.
ثانيها: إن ما نقله أئمة العربية عن العرب من معاني الادراك متفق كل الإتفاق مع ما ذهبت إليه عائشة رضي اللّه تعالى عنها في هذا الإستدلال.
ثالثها: إن الإستشهاد باستدلالها هذا ليس من التقليد في شيء وإنما من باب الأخذ بوسائل الفهم للمعاني اللغوية.
واعتمد ابن جرير الطبري بالتفريق بين الرؤية والإدراك على قوله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}(1) حيث نفى موسى ما توقعوه من إدراك عدوهم مع أن الترائي حصل بين الجانبين وتابعه ابن حزم(2).
ونقل ذلك الحافظ بن حجر عن القرطبي صاحب المفهم وتعقبه الحافظ بقوله: (( وهو استدلال عجيب لأن متعلق الإدراك في آية الأنعام: البصر، فلما نفي كان ظاهُرهُ نفي الرؤية بخلاف الإدراك الذي في قصة موسى ولولا وجود الأخبار بثبوت الرؤية ما ساغ العدول عن هذا الظاهر )) (3).
وأضيف إلى ما قاله الحافظ: بأن الإدراك يتفاوت معناه بحسب تفاوت أنواع المدرِكات ـ بالكسر ـ فإدراك العين رؤيتها للشيء، وإدراك الأذن سماعها للصوت، وإدراك اليد حسيسها للجسم، وإدراك السيف وقعه على المضروب، وإدراك السهم إصابته للمرمى، وإدراك الرمح إصابته للمطعون، وإدراك العدو لعدوه تمكنه منه وقدرته على إنزال السوء به. وأصحاب موسى عليه السلام ما كانوا يتوقون مجرد رؤية عدوهم لهم وإنما كانوا يحذرون من تمكنه منهم.
__________
(1) ـ الشعراء 61ـ62.
(2) ـ الفصل في الملل والأهواء 3/2 ط مكتبة السلام العالمية.
(3) ـ فتح الباري 8/607 المطيعة السلفية. 
(1/102)

وكلام ابن حجر يفيد أنه يرى رأينا في تفسير الآية غير أنه يستند في معارضته هذا المفهوم بالأخبار المثبتة للرؤية، وقد علمت أخي القارئ ما في تلك الأخبار المشار إليها من عدم إفادتها ثبوت رؤيته تعالى كما سبق بيانه فثبتت والحمدلله قطعية حجتنا.
وإنَّ من أحسن ما قرأته في تفسير هذه الآية الكريمة قول الإمام أبي بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي المشهور بالجصاص في كتابه (أحكام القرآن) ونصه: (( يقال إن الإدراك أصله اللحوق نحو قولك: أدرك زمان المنصور وأدرك أبا حنيفة، وأدرك الطعام أي لحق حالة النضج، وأدرك الزرع والثمرة، وأدرك الغلام إذا لحق حال الرجال )).
(( وإدراك البصر للشيء لحوقه له برؤيته إياه، لأنه لا خلاف بين أهل اللغة أن قول القائل: أدركت ببصري شخصاً معناه: رأيته ببصري ولا يجوز أن يكون الإدراك الإحاطة لأن البيت محيط بما فيه وليس مدركاً له )).
فقوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} معناه: لا تراه الأبصار وهذا تمدح بنفي رؤية الأبصار كقوله: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}(1) وما تمدح اللّه بنفيه عن نفسه، إثبات ضده ذم ونقص، فغير جائز إثبات نقيضه بحال كما لو بطل استحقاق الصفة بـ{لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} لم يبطل إلا إلى صفة نقص.
ولا يجوز أن يكون مخصوصاً بقوله: {وُجُوهٌ يَّوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(2) لأن النظر محتمل لمعان منها: انتظار الثواب كما روي عن جماعة من السلف، فلما كان ذلك محتمل للتأويل لم يجز الإعتراض عليه بمالا مساغ للتأويل فيه، (( والأخبار المروية في الرؤية إنما المراد بها العلم، لو صحت، وهو علم الضرورة الذي لا تشوبه شبهه، ولا تعرض فيه الشكوك لأن الرؤية بمعنى العلم مشهورة في اللغة )) (3) انتهى.
__________
(1) ـ البقرة (255).
(2) ـ القيامة 22ـ23.
(3) ـ أحكام القران 3ـ4ط بدار الكتاب العربي عن الحق الدافع 74ـ75. 
(1/103)

الشبهة الثانية: إنها وإن عمت في الأشخاص فإنها لا تعم في الأزمان لأن نفيها مطلق وليس مقيد بدوام.
جوابها: إن هذا الإعتراض مرفوض لغة وعرفاً وشرعاً، فإن كل واحد يدرك أن قول القائل: لا أشرب اللبن، دال على نفي شرب اللبن في أي وقت من الأوقات، ولولا ذلك لما حنث من حلف أنه لا يزني ولا يسرق ولا يشرب الخمر ولا يقتل النفس المحرمة بغير حق، إذا أتى أي شيء من ذلك في مستقبل الزمان، بناءاً على أن النفي المطلق غير شامل للأزمنة.
ومما لا خلاف فيه أن للنهي حكم النفي، ولئن ساغ هذا القول لم يبقَ أمر محجور، فيسوغ أن يأكلوا الربا الذي حرمه اللّه في كتابه وأن يقتلوا النفس المحرمة بغير حق وأن يرتكبوا كل فساد في الأرض ويأتوا كل منهي في الإسلام متذرعين إلى ذلك كله بدعوى أن النهي غير شامل لعموم الأزمنة، وما تقدم تقريره من أن هذه الآية كسائر الآيات التي انتظمت في سلكها، سيقت مساق مدحه تعالى مبطل لهذه الدعوى. إذ لو حمل النفي فيها على الدار الدنيا دون الآخرة لجاز مثله في نظائرها، نحو قوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}(1)، وقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً}(2)، وقوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤاً أَحَدٌ}(3)، وقوله: {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}(4)، ولجاز عليه تعالى في الآخرة ما كان ممتنعاً عليه في الدنيا من السنة والنوم والصاحبة والولد، والكفؤ والنّد، والجور والظلم، تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً.
__________
(1) ـ البقرة (255).
(2) ـ الجن (3).
(3) ـ الإخلاص 3ـ5.
(4) ـ الكهف: 49. 
(1/104)

على أن الواجب على كل مسلم أن يعتقد أن الدنيا والآخرة لا تأثير لهما في ذات الحق تعالى، فإنه سبحانه يستحيل عليه مرور الزمان، كما يستحيل عليه اكتناف المكان فهو تعالى خالق الزمان والمكان، لا تتغير ذاته ولا تتبدل صفاته أزلاً وأبداً، وإنما تحول الأحوال بين الدنيا والآخرة لا يتجاوز المخلوقين(1).
قال العلامة المقبلي في الأبحاث المسددة (2) في سياق كلام له حول الرؤية وبعد أن ذكر أن النفي عام وشامل لجميع الأوقات، قال ما لفظه: ((إذا عرفت ذلك فحاصله أن هذا مساوٍ لقوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام: 103] في أنه لا يراد بعض الأبصار في بعض الأوقات كما زعمت الأشعرية. إذ لا معلوم ضرورة لكل واحد. وأيضاً لا يختص ذلك به تعالى: فكل موجود حتى السماء والأرض وسائر الواضحات لا تدركها بعض الأبصار في كل الأوقات. فلم يبق لنا إلا كل الأبصار في كل الأوقات، وهذا هو ما دل عليه السياق الذي لا حيلة فيه، أعني أن شأنه سبحانه ذلك فلا يدخله تخصيص بأي اعتبار ولذا عقبه بقوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِه وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا}[الأنعام 104] أي أنه قد بين لكم هذه الصفات من كونه لا شريك له، وأنه بديع السموات والأرض وما سيق بعد ذلك من الصفات الثبوتية والنفييَّة {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِه .. الآية}، والله يهدي بكتابه {مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّور بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيْهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيْمٍ}[المائدة: 16]. اهـ
__________
(1) ـ الحق الدامغ 77ـ78 بتصرف.
(2) ـ في الأبحاث المسددة: صفحة (99 ـ 100). 
(1/105)

الشبهة الثالثة: إن الآية تدل على عدم رؤية الأبصار له، لكنها لا تدل على عدم رؤية المبصرين إياه، لجواز أن تكون نافية للرؤية بالجارحة مواجهةً وانطباعاً كما هي العادة، فلا يلزم منه نفي مطلق الرؤية، وخلاصة ذلك أن ما في الآية من امتداح إنما هو بنفي المبْصَرِية لا بنفي الرؤية(1).
جوابها: البصر في الأصل هو الطاقة التي تتوصل بها العين إلى الإبصار، وإطلاقه على العين يجوز، كإطلاق السمع على الأذن، فلو فرضنا أن أحداً أبصر برأسه أو بأذنيه أو بمنخريه أو بيديه أو برجليه أو بجميع وجهه أو بجميع جسمه، لكانت الطاقة البصرية موجودة فيما أبصر به، وإذا كان المنفي في الآية إدراك البصر فإن كل ذلك داخل في النفي.
الشبهة الرابعة: إن عمومها (الآية) مخصص بأدلة إثبات الرؤية.
جوابها: إن هذه الشبهة مردودة بأمرين كما قال الخليلي:ـ
الأول:ـ عدم وجود المخصص، وهو واضح فيما قررناه من إبطال تعلق مثبتي الرؤية بما يتشبثون به مما ظنوه حجة ودليلاً.
الثاني: إن سياق الآية مساق المدح له سبحانه بنفي إدراك الأبصار، مانع من التخصيص.
فإن قيل: إن انتفاء الرؤية عن اللّه تعالى لا يعدّ مدحاً له سبحانه لمشاركة غيره له في ذلك كالرياح، الأرواح، الذرة، الكهرباء.
فالجواب: إن انتفاء الرؤية عنه سبحانه وتعالى إنما هو لجلاله وكبريائه، وانتفاؤها عن غيره ممالا يُرى إنما هو لخفائه، مع أنه يترتب على هذا الإعتراض أن يكون قوله تعالى: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} (2)، وقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً} (3) لا يعد مدحاً لوجود مالا ينام ولا ينكح ولا يلد من مخلوقاته فالملائكة متصفون بذلك كله، والشمس والقمر وسائر الأجرام الفلكية هي أيضاً لا تنام(4).
__________
(1) ـ محاسن التأويل ح 16/2455/2452 بتلخيص وإيضاح عن الحق الدامغ ص70.
(2) ـ البقرة: 255.
(3) ـ الجن: 3.
(4) ـ الحق الدامغ صفحة 79. 
(1/106)

وقسم المحقق الخليلي الرؤية والمرئيات أربعة أقسام فقال:ـ
ـ أحدها: ما يَرى ـ بفتح الياء ـ ولايُرى ـ بضمها ـ وهو نهاية الشرف وغاية الكمال لاتصافه بالقدرة على رؤية ما سواه وتعاليه عن إدراك غيره إياه، وليس شيئاً كذلك إلا اللّه سبحانه وتعالى، فهو المتفرد بمطلق الكمال والمتوحد بصفة العزّ والجلال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(1).
ـ ثانيها: قسم يُرى ويَرى ـ بضم الياء وفتحها ـ وهو أشرف ما بعده من الأقسام وهو الحيوانات من الملائكة والجنة والناس والطير وسائر الدواب من الانعام والبهائم والسباع وأكثر الحشرات.
وثالثها: يُرى ولا يَرى ـ بضم الياء الأولى وفتح الثانية ـ كالأجساد الكثيفة من الأرض والجبال والمعادن والنبات وما يشاركها في ذلك من الجواهر والأعراض.
ورابعها:ـ لا يَرى ولا يُرى مما يدرك بالحواس، كالشم والذوق والصوت المدرك بالسمع أو مما لايدرك بها كالإيمان والكفر والعقل والعلم والغضب والحلم وغيرها من الصفات والأخلاق التي كلف اللّه بها وأثاب وعاقب عليها (2).
فالله سبحانه وتعالى خالقها جميعاً، وتعالى عليها وتفرد بأن يَرى ولا يُرى وتمدح بجميع الأمرين كما تمدح بقوله: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ}(3)، وقوله: {يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيهِ}(4).
__________
(1) ـ الشورى: 11.
(2) ـ تمهيد قواعد الإيمان 1/183ـ وزاة التراث، سلطنة عمان.
(3) ـ الانعام:14.
(4) ـ المؤمنون: 88. 
(1/107)

والخلاصة من كل ما تقدم: أن دلالة الآية الكريمة على انتفاء رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة دلالة قاطعة، وكل ما تعلق به القائلون بخلاف ذلك لا يتجاوز أن يكون ضباباً من الوهم، لا يلبث أن يتلاشى بإشراق شمس الحقيقة ويؤيد نصيتها على ذلك، تذييلها بقوله تعالى: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} فإن قوله (اللطيف) كالتعليل لقوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}، وقوله (الخبير) كالتعليل(1) لقوله: {وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} والصفتان المذكورتان من صفات ذاته تعالى لا تتبدلان أزلاً وأبداً، أما (الخبير) فكونها من صفات الذات ظاهر لانه كالعليم، وأما (اللطيف) فلأنها ـ كما يقول الإمام ابن عاشور: (( صفة مشبهة تدل على صفة من صفات ذات اللّه تعالى وهي صفة تنزهه تعالى عن إحاطة العقول بماهيته أو إحاطة الحواس بذاته وصفاته، فيكون اختيارها للتعبير عن هذا الوصف في جانب اللّه تعالى هو منتهى الصراحة والرشاقة في الكلمة، لأنها أقرب مادة في اللغة العربية تقرب معنى وصف ذاته تعالى بحسب ما وُضِعَت له اللغة من متعارف الناس )) (2).
وذهب الزمخشري إلى أن قوله تعالى: {اللَّطِيْفُ} معناه: أنه تعالى يلطف عن أن تدركه الأبصار لتجرده وبساطته كمال وتمام التجرد والبساطة، و(الخبير): أنه تعالى خبير بكل لطيف مهما لطف ودقّ. فهما قرينة على أنه تعالى يدرك الأبصار لا تلطف عن إدراكه وهي لا تدركه للطفه، وهذا من باب اللفّ)) وهي التفاتة أدبية خبيره ونكتة علمية لطيفة(3).
الدليل الثاني:ـ
__________
(1) ـ يسمى في علم المعاني: والبيان: باللف.
(2) ـ التحرير والتنوير ج 7/417ـ الدار التونسية للنشر، عن الحق الدامغ 84ـ85.
(3) ـ الكشاف الجزء الأول تفسير سورة الانعام ـ خلاصة علم الكلام: 230. 
(1/108)

قوله تعالى لموسى لما سأله الرؤية لقومه: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوفَ تَرَانِي}(1)، ووجه الإستدلال بهذه الآية: هو أنه نفى الرؤية نفياً مطلقاً غير مقيد بزمان. ولا تبديل لكلمات اللّه فلو حصلت الرؤية في وقت من أزمان الدنيا أو الآخرة لكان ذلك منافياً لصدق هذا الخبر، وتتأكد دلالة هذا النص على هذا المعنى باندكاك الجبل الذي عُلِّقَت الرؤية على استقراره، إندكاكاً ماثلاً ليكون آية بينة تستأصل أطماع المتطاولين على اللّه بطلب أو تمني ما يستحيل في حقه ويتنافى مع كبريائه، وقد وضح لكل ذي عينين صبح الحق بعدم استقرار الجبل فلا مطمع في حصولها، لأنها إحدى المستحيلات.
__________
(1) ـ الأعراف: 143. 
(1/109)

وما ألطف وأدق وأروع قول موسى (ع) إثر إفاقته مما حصل له من الصعق بعد هذا الحدث: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}(1)، فقد بادر عليه السلام أولاً إلى تنزيه اللّه سبحانه إعلاناً بحق ربوبيته واعترافاً بالخطأ إعظاماً لحق اللّه، وإن كان قلبه عليه السلام بريئاً من قصد ما دل عليه ظاهر قوله بادئ الرأي لانه لم يسأل ما سأل إلا لتبكيت قومه كما تقدم ثم أتبع ذاك التوبة النصوح مما وقع فيه تعرضاً منه لمغفرته تعالى، وختم كلامه بأنه عليه السلام أول المؤمنين بأن اللّه تعالى لا يُرى ـ وهو الذي أخرجه ابن جرير، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ـ وفي هذا من تقرير عقيدة الحق المنزهة لله تعالى عن درك الأبصار ما لا يخفى على ذي بصر فإنه عليه السلام ما قصد بقوله: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}، إلا الإعتذار والتنصل مما يوحي به ظاهر قوله، وإن كان اللّه عز وجل عالماً بسريرته فإن مثل ذلك مثل الإستغفار باللسان والإخبار بالقول عن عقد العزم على عدم العودة إلىالمعصية مع أن اللّه عليم بالسرائر لا يخفى عليه شيء مما اشتملت عليه خفايا الضمائر.
و(( لن )): تفيد تأكيد النفي أو تأبيده، أو هما معاً، فيحصل من جميع ذلك أن رؤيته تعالى مستحيلة لأن امتناعها لأمر يتعلق بذاته تعالى، وهو كونها غير قابلة لأن تُرى. وإلى ذلك الإشارة بالتنزيه الذي صدر به الاعتذار في قول موسى (ع) ولو كان لأحد مطمع في حصول الرؤية لما آيس اللّه منها عبده موسى الذي اصطفاه على الناس برسالته وبكلامه(2).
وقد اعترض مثبتوا الرؤية على هذا الإستدلال: بأن هذا النفي مقيد بالحياة الدنيا، لأن الإنسان فيها مفطور على الفناء، فلذلك لم يكن أهلاً لرؤية الباقي تعالى.
__________
(1) ـ الأعراف: 143.
(2) ـ الحق الدامغ: 86. 
(1/110)

وبأن الجواب لم يكن بصيغة تفيد أن اللّه لا يُرى، لان الرؤية المنفية في صيغة أسندت إلى موسى (ع) فهي لا تفيد عموم النفي بخلاف ما لو كان الجواب: لا أُرى. وقد عول كثير من مثبتي الرؤية على إنكار تأبيد النفي بـ(لن).
عن ابن الخطيب الزملكاني: أنه فرق بين (( لن )) و (( لا )) النافيتين فقال بانقطاع النفي بأولاهما ودوام النفي بأخراهما أخذاً من أداء الحرفين في النطق لأن (( لن )) منقطعة في النطق، و(( لا )) ممدودة ومثل لذلك بقوله تعالى في النفي بلن: {لَنْ تَرَانِي}، وبقوله سبحانه في النفي بلا: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} بناءاً على تفرقتهم بين الرؤية والإدراك كما تقدم.
وأخذ من ذلك أن نفي الرؤية منقطع لأنه ينتهي بانتهاء الدنيا، بخلاف نفي الادراك. وأقوى ما عولوا عليه في نفي التأبيد للنفي بلن: قوله تعالى في اليهود: {وَلَنْ يَتَمَنَّوهُ أَبَداً}(1)، مع قوله سبحانه في أهل النار عموماً: {وَنَادَوا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَينَا رَبُّكَ}(2).
والجواب: إن كون هذا النفي مقيداً بالحياة الدنيا دون الآخرة ـ دعوى لم يقم عليها دليل، فإن صفات اللّه لا تتبدل، وكبريائه لا تتحول، وما سبق من الأدلة على أن رؤيته تعالى منافية لكبريائه كافٍ في دحض هذا الزعم. وأما دعوى أن صيغة الجواب في قوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي..} لا تفيد عموم النفي فهي مردودة بأن الجواب لم يكن إلا مطابقاً للسؤال، ومما تدركه العقول أن نفى حصول الرؤية لموسى (ع) قاض بنفي حصولها لغيره، لأنها لو كانت ممكنة لكان أحق بها لما اختصه اللّه تعالى به من مزايا وآتاه من مواهب من بينها اصطفاؤه بالرسالة والتكليم. فهو جواب واضح لا غبار عليه.
__________
(1) ـ البقرة: 95.
(2) ـ الزخرف: 77. 
(1/111)

وأما التأبيد فهو يختلف باختلاف الأحوال وتفاوت مقامات الخطاب، فبما أن اليهود شغفوا بالحياة الدنيا، وأخلدوا إليها وكانوا مشفقين من الموت لما يعلمونه وراءه من العذاب، فضلاً عن حرصهم على ما يقضونه من شهواتهم في هذه الحياة، كان تأبيد عدم تمنيهم للموت محصُوراً في الحياة الدنيا. وبما أن اللّه سبحانه وتعالى لا تجري على ذاته الأحوال ولا يجوز على صفاته التبدل والإنتقال، كان نفي الرؤية المنافية لكبريائه أزلياً أبدياً سواء نفى بلن أو بغيرها، وأما تفرقة ابن الخطيب الزملكاني بين (( لن ))و (( لا )) النافيتين، فهي لا تتعدى أن تكون تحكيماً لذوقه. واللغات لا تستفاد معانيها من الأذواق وإنما تحكم فيها النقول الثابته عن ألسنة أصحابها التي هي منابع بيانها. والشواهد الثابته من ذلك تدل على خلاف ما قال. وكفى بما جاء في القرآن الكريم من ترادف (( لن )) و(( لا )) على منفي واحد كقوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوهُ}(1)، مع قوله: {وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ}(2)، وانتفاء إتيان المشركين بمثل سورة من القرآن وخلق آلهتهم للذباب بلن في قوله تعالى: {وَلَنْ تَفْعَلُوا}(3)، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً}(4) مع أنه معلوم أن هذا النفي أبدي.
الدليل الثالث:
__________
(1) ـ البقرة: 95.
(2) ـ الجمعة: 7.
(3) ـ البقرة: 24.
(4) ـ الحج: 73. 
(1/112)

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}(1)، وقد استدلت بها عائشة على امتناع الرؤية كما سبق ـ ووجه الاستدلال: أن اللّه عز وجل نفى أن يكون لبشر تكليم من اللّه إلا بما ذكره من الطرق وقد أكد هذا النفي بإدخاله على (كان) لتأكيد تعذر وقوع المنفي، ولا يتقيد هذا النفي بزمن دون زمن كما سبق بيانه في قوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}لأن ذلك هو اللآئق بجلال اللّه ولو كانت رؤيته تعالى جائزة لكان تكليمه جائزاً بغير هذه الطرق.
الدليل الرابع:
__________
(1) ـ الشورى: 51. 
(1/113)

ما جاء في آيات الكتاب من الانكار البالغ والتقريع الشديد للذين سألوا الرؤية من اليهود والمشركين مع تحذير المسلمين من أن يقعوا فيما وقعوا فيه ومن ذلك قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ}(1)، وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَولاَ أُنْزِلَ عَلَينَا الْمَلاَئِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوا عُتُوّاً كَبِيراً}(2)، ثم أتبع ذلك بيان حالهم عندما يرون الملائكة: {يَوْمَ يَرَونَ الْمَلاَئِكَةَ لاَ بُشْرَى يَومَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً}(3) وسكت عن رؤية اللّه تعالى لما في سؤالها من التعنت البالغ والكفر العظيم وقوله: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الكُفْرَ بِالإِيْمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}(4)، وكذلك قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}(5).
ووجه الاستدلال بذلك ما في هذا الانكار من الدلالة الواضحة على أن الذين سألوها تخطوا جميع الحواجز واقتحموا كل السدود حتى داسوا حمىً محجوراً وحاولوا أمراً مستحيلاً، ولذلك عوقب بنو إسرائيل بالصاعقة على هذا السؤال مع أنهم لم يعاقبوا بمثلها على جميع ما كانوا يأتونه من الفظائع، حتى عبادتهم للعجل.
فإن قيل: إن الإنكار ليس هو على السؤال ذاته وإنما هو على التعنت.
__________
(1) ـ النساء: 153.
(2) ـ الفرقان: 21
(3) ـ الفرقان: 22.
(4) ـ البقرة: 108
(5) ـ البقرة: 55 
(1/114)

فجوابه(1): نعم أنكر عليهم التعنت في كل شيء، ولكنه جعل سؤال الرؤية أكبر من ذلك كله كما في قوله: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} وكم تطاولت الأمم على أنبيائها متحدية لهم بطلب الآيات ـ كما هو ثابت بالتواتر ـ ولم تكن عقوبتهم على هذا الطلب كعقوبة بني إسرائيل على طلبهم الرؤية، وحسبكم أن موسى سلام اللّه عليه صعق بمجرد سؤالها مع أنه لم يقصد به إلا صرفهم عن الباطل وإقناعهم بالحق وما كاد يفيق من صعقته حتى بادر إلى التنزيه والاعتذار وإعلان عقيدة التنزيه التي كان منطوياً عليها وبنوا إسرائيل أنفسهم ـ مع تتابع عنتهم وإصرارهم على الشقاق والتحدى ـ لم يعاقبوا بمثل هذا العقاب الرهيب إلا على هذا السؤال.
وأما من السنة:ـ
1ـ ما رواه الأمير الحسين، عن جابر بن عبدالله، عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال: (( لن تروا اللّه في الدنيا ولا في الآخرة ))(2).
2ـ وكذلك ما رواه عن سمرة بن جندب، قال: إن رجلاً سأل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: هل نرى ربنا في الآخرة؟
قال: فانتفض ثم سقط فلصق بالأرض وقال: (( لا يراه أحد ولاينبغي لأحد أن يراه ))(3).
3ـ وكذلك أيضاً مارواه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، أنه قال: (( لن يرى اللّه أحدٌ في الدنيا والآخرة ))(4).
4ـ ما أخرجه مسلم عن أبي ذر رضي اللّه عنه أنه عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، قال عندما سئل عن رؤيته لربه: ((نورٌ أنَّى أراه))(5).
__________
(1) ـ الحق الدامغ 89ـ90بتصرف.
(2) ـ الينابيع: 56خ، الكاشف الأمين: 24خ، الصراط المستقيم: 70خ، سمط الجمان: 42خ، وفي لفظه (واعلموا أنكم..إلخ).
(3) ـ الينابيع: 55، الصراط المستقيم: 75، سمط الجمان: 42، الكاشف الأمين: 122.
(4) ـ الينابيع: 57، الكاشف الأمين: 124، الصراط المستقيم: 75، سمط الجمان: 42.
(5) ـ مسلم 1/111. 
(1/115)

ووجه الإستدلال به أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم استبعد فيه حصول الرؤية بقوله: ((أنَّى أراه )) فإن (( أنَّى )) بمعنى كيف وهو شاهد على استحالة رؤيته تعالى.
أهل البيت (ع) يجمعون على نفي الرؤية:ـ
هنالك كوكبة من أئمة أهل البيت عليهم السلام والصحابة والتابعين وغيرهم رُوِي عنهم القول بنفي الرؤية، أحببت أن أذكر تلك الروايات إتماماً للفائدة واحتجاجاً على من يزعم أن أهل البيت أو الصحابة قالوا بالرؤية. ومنهم على سبيل الاختصار لا الحصر:ـ
* الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
1ـ عن ابن عباس أن علياً (ع) مرَّ برجل رافع يديه إلى السماء شاخص ببصره، فقال (ع): يا عبدالله، اكفف من يدك واغضض من بصرك فإنك لن تراه ولن تناله. فقال: يا أمير المؤمنين، إني لم أره في الدنيا فسأراه في الآخرة. فقال: كذبت بل لا تراه لا في الدنيا ولا في الآخرة، أو ما سمعت قول اللّه تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(1)، إن أهل الجنة ينظرون إلى اللّه كما ينظر إليه أهل الدنيا ينتظرون ما يأتيهم من خيره وإحسانه(2).
2ـ عن أبي عبدالله الحسين (ع) قال: جاء حبر إلى أمير المؤمنين (ع)، فقال: يا أمير المؤمنين، هل رأيت ربك حين عبدته؟ فقال: ويلك ما كنت أعبد رباً لم أره، قال: وكيف رأيته؟ قال: ويلك لا تدركه العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان(3).
3ـ وقال عليه السلام في بعض خطبه:
(( الحمدلله الذي يعلم خفيات الأمور ودلت عليه أعلام الظهور فلا عين من أثبته تبصره ولا قلب من لم يره ينكره )) (4).
__________
(1) ـ الانعام: 103.
(2) ـ الينابيع: 59ـ60خ، سمط الجمان: 42ـ43خ.
(3) ـ تأملات في الصحيحين 169.
(4) ـ الينابيع: 59خ. 
(1/116)

4ـ وقال عليه السلام عندما سأله اليماني: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ قال: أفأعبد مالا أرى؟ قال: وكيف تراه؟ فقال: لاتدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان(1).
5ـ وقال عليه السلام في بعض خطبه: (( ولا ينظر بعين ولا يحد بأين، ولا يوصف بالأزواج، ولا يخلق بعلاج، ولا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس )) (2).
6ـ وقال عليه السلام: (( وانحسرت عن أن تراه الأبصار فيكون بالعيان موصوفاً )). (3)
7ـ وقال عليه السلام: (( لا تحويه الأماكن لعظمته ولا تدركه الأبصار لجلالته ))(4).
8 ـ وقال عليه السلام: (( لا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأقدار ))(5).
9ـ وقال عليه السلام: (( ولا تراه النواظر ولا تحجبه السواتر ))(6).
* الإمام الحسن بن علي عليه السلام:
قال الإمام الحسن (ع) لنافع بن الأزرق وقد سأله عن صفة اللّه تعالى، فقال: (( أصفه بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرّف به نفسه، لا يعرف بالحواس ولا يقاس بالناس ))(7).
* الإمام الحسين بن علي عليه السلام:ـ
(( أيها الناس اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبهون اللّه بأنفسهم يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب، بل هو اللّه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، {لاَ تُدْرِكُه الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} )) (8).
* فاطمة الزهراء عليها السلام:ـ
قالت (ع) في خطبة لها: (( الممتنع من الأبصار رؤيته ومن الألسن صفته )) (9).
* عائشة زوج النبي (ص):ـ
__________
(1) ـ نهج البلاغة: 258طبع بدار الكتاب اللبناني.
(2) ـ نهج البلاغة: 162.
(3) ـ نهج البلاغة: 115طبع بدار الكتاب اللبناني.
(4) ـ سمط الجمان: 42خ.
(5) ـ سمط الجمان: 42خ.
(6) ـ سمط الجمان: 43خ.
(7) ـ الينابيع: 60 ـ خ.
(8) ـ تحف العقول عن آل الرسول: 175.
(9) ـ الينابيع: 61خ، سمط الجمان: 43خ. 
(1/117)

روى مسلم عن مسروق: قال كنت متكئاً عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم علىالله الفرية. قلت: ماهن؟ قالت: من زعم أن محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم رأى ربه فقد أعظم على اللّه الفرية. قال: وكنت متكئاً فجلست فقلت: يا أم المؤمنين، أنظريني ولا تعجليني ألم يقل اللّه عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ}، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلةً أُخْرَى}؟ فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فقال: (( إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض )) فقالت: أولم تسمع أن اللّه يقول: {لاَ تُدْرِكُه الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، أولم تسمع أن اللّه يقول: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌ حَكِيمٌ}.
قالت: ومن زعم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كتم شيئاً من كتاب اللّه فقد أعظم على اللّه الفرية، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَاِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}(1).
قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غدٍ فقد أعظم على اللّه الفرية والله يقول: {قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ}(2).
وفي رواية أخرى عن مسروق، قال: سألت عائشة هل رأى محمد ربه؟ فقالت: سبحان اللّه لقد قَفَّ شعري لما قلت، وساق الحديث إلخ.
* الإمام محمد الباقر (ع):
__________
(1) ـ المائدة: 67.
(2) ـ النمل: 65. أخرجه البخاري 4/238، ومسلم 1/110عن مسروق عن عائشة بلفظ متقارب. 
(1/118)

روي أن أعرابياً سأل أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام فقال: رأيتَ اللّه حين عبدته؟ فقال: ما كنت لأعبد شيئاً لم أره. فقال: كيف رأيته؟ فقال: لم تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لايدرك بالحواس، ولايقاس بالناس، منعوت بالعلامات، معروف بالآيات، هو اللّه الذي لاإله إلا هو. فقال الأعرابي: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالاَتِهِ} (1).
* الإمام علي بن موسى الرضا (ع):
عن الأشعث بن حاتم، قال: قال ذو الرياستين، قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: جعلت فداك أخبرني عما اختلف فيه الناس من الرؤية؟
فقال: يا أبا العباس، من وصف اللّه بخلاف ما وصف به نفسه فقد أعظم الفرية على اللّه، قال اللّه: {لاَ تُدْرِكُه الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(2).
* عبدالله بن العباس رضي اللّه عنه:
قال عبدالله بن عباس في جوابه لنجدة الحروري: (( لا يدرك بالحواس ولايقاس بالناس )) (3).
وأيضاً قد تقدم ما قال في القسم الثاني.
* عبدالله بن عمر:
روى طاووس عن ابن عمر، قال: لو رأيت من يزعم أنه يرى اللّه لاستعديت عليه(4).
* الإمام الصادق عليه السلام:ـ
سئل الصادق (ع) هل يُرَى اللّه في المعاد؟
قال: سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، إن الأبصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية(5).
* الحسن البصري:
قال الحسن البصري: لايرى اللّه أحد في الدنيا ولا في الاخرة(6).
* الإمام القاسم الرسي عليه السلام:
__________
(1) ـ الأنعام: 124. شرح الأساس الكبير 1/438.
(2) ـ تأملات في الصحيحين: 169.
(3) ـ الينابيع: صفحة 60خ، وسمط الجمان: 43خ.
(4) ـ الينابيع: صفحة 61خ.
(5) ـ تأملات في الصحيحين: 169.
(6) ـ الينابيع: 61، وسمط الجمان: 43. 
(1/119)

قال: وكيف يرونه بالأبصار وهو لا محدود ولا ذو أقطار كذلك، جل ثناؤه، لا تدركه الأبصار ومن أدركته الأبصار فقد أحاطت به الأقطار، ومن أحاطت به الأقطار كان محتاجاً إلى الأماكن وكانت محيطة به، والمحيط أكثر من المحاط به وأقهر بالإحاطة، فكل من قال: إنه ينظر إليه جل ثناؤه، على غير ما وصفنا من إنتظار ثوابه وكرامته، فقد زعم أنه يدرك الخالق. ومحال أن يدرك المخلوقُ الخالقَ جل ثناؤه بشيء من الحواس لأنه خارج من معنى كل محسوس وحاس. فكذلك نفى الموحدون عن اللّه جل ثناؤه درك الأبصار وإحاطة الأقطار، وحجب الأستار. فتعالى اللّه عن صفة المخلوقين علواً كبيراً لاإله إلا هو رب العالمين(1).
* الإمام الهادي (ع)
1 ـ قال: لاتراه العيون الناظرة ولاتتوهمه الأوهام الخاطرة في الدنيا ولافي الآخرة (2).
2 ـ وقال: الحمدلله الذي لاتراه العيون، ولاتحيط به الظنون، ولايصفه الواصفون(3).
3 ـ وقال: لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، ولايوصف بتحديد ولا أقطار، أزلي صمدي على غير كيفية ولاوسوسة الصدور بل ارتفع عن تحديد بصر البصير(4).

الخاتمة

انتهى بحمدالله وتوفيقه ما أردت عرضه في مسألة الرؤية واستعراض أدلة النافين والمثبتين والنظر فيها.
وقبل مفارقتك أيها القارئ الكريم أودّ أن أضع بين يديك الكريمتين هذه النقاط الإستفسارية لعلها تحظى بتفكرك وتأملك:ـ
1ـ لو كانت رؤية اللّه سبحانه وتعالى ممكنة، فلماذا اعتبر القران طلبها استكباراً وعتواً كبيراً؟
__________
(1) ـ كتاب العدل والتوحيد ونفي التشبيه عن الواحد الحميد وهو ضمن رسائل العدل. العدل والتوحيد صفحة 261.
(2) ـ اللآلي الدرية في نقل معاني بعض الأبيات الفخرية ـ خ ـ.
(3) ـ مقدمة الأحكام: 31.
(4) ـ اللآلي الدرية في نقل معاني بعض الأبيات الفخرية ـ خ ـ. 
(1/120)

2ـ لو كان النظر إلى اللّه من أكبر لذائذ أهل الجنة كما يدعي المثبتون، فلماذا شدد اللّه النكير على قوم موسى حين أرادوا أن يروه؟ وانزل عليهم الصاعقة فأحالتهم رماداً؟
3ـ إنك تجد في كتاب اللّه ما وعد اللّه به المؤمنين في الدار الآخرة من النعيم مذكوراً بأصرح العبارات ومكرراً في مواضع شتى، لأجل التشويق إليه بينما لا تجد للرؤية ذِكراً إلا ما يتأوله مثبتوها من لفظ (الزيادة) وأمثالها وهو لم يذكر إلا مجملاً، فهل ترى من المعقول ـ أن لو كانت الرؤية ثابتة وهي أجلُّ من كل نعيم في الجنة كما يدعون ـ أن يكتفي بمجرد هذه الإشارة الطفيفة إليها بينما تُذكر المآكل والمشارب ـ والمساكن والمناكح والحدائق والانهار، وسائر المباهج والملذات، الفينة بعد الفينة، بعبارات واضحة لا تحتمل التأويل؟(1)
4ـ ما ذكره اللّه في كتابه من قصة عبده وخليله إبراهيم (ع) وهو يقيم الحجة على قومه الذين كانوا يعبدون الأجرام السماوية بما ينتزعه من الأدلة على بطلان ألوهيتها من واقع حالها. وإذا كانت تتحول من حال إلى حال تظهر تارة وتختفي أخرى، ومن المعلوم أنها لم تكن باختفائها تنعدم أصلاً وانما يواريها الأفق عن الأبصار. أليس في هذا شاهد بان من يظهر للأبصار ثم يختفي عنها، لا يمكن أن يكون حقيقاً بالربوبية والألوهية؟ لان الحقيق بهما لاتجري عليه الأحوال فلا ينتقل من حال إلى حال؟ فكيف لنا أن نثبت بعد ذلك لله هذه الصفة التي أنكرها إبراهيم (ع) في النيران المؤلهة محتجاً بها على قومه، فنزعم أنه ينكشف لأهل الجنة فيرونه، ثم يحتجب عنهم إلى أن يحين ميقات رؤيته مرة أخرى؟ (2)
5ـ جميع أهل البيت (ع) ينفون الرؤية وهم أحد الثقلين اللذَيْن ما إن تمسكنا بهما فلن نضل أبداً. أليس من الجدير ترجيح رأيهم؟
__________
(1) ـ عن الحق الدامغ: 95.
(2) ـ الحق الدامغ: 96. 
(1/121)

6ـ نفاة الرؤية لم يأخذوا إلا بالأقوى والأرجح والأسلم وذلك واضح بوضوح حججهم وسلامة قولهم وقوة قاعدتهم التي رسمها القرآن: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيرُ}(1). فهم يحاولون دائماً أن ينزهوا اللّه جل جلاله وعظم سلطانه عن مشابهة خلقة فلذلك نجدهم يتأولون الروايات على حسب ما يتفق مع القرائن العقلية والأدلة النقلية القاضية بثبوت الوحدانية المطلقة لله. ولا مانع لديهم من تفسير الرؤية بمعنى العلم الضروري كالعلم بالمشاهدات. فمشاهدة أهل الجنة لقضاء اللّه وعدله وعزته ورحمته هي مشاهدة لجلاله وعظمته وهذا هو الانسب، أليس كذلك؟ حيث أن النظر إلى الآية من حيث أنها آية، ورؤيتها نظر إلى ذي الآية ورؤية له؟
7ـ رمي النافين للرؤية بالإلحاد والزندقة، أليس هو من الخطأ ؟ لأنهم على الأقل متمسكون بأصل من الكتاب والسنة فلماذا جعلت بعض الفرق سلاحها التكفير والتبديع والتضليل لكل من لم يتفق معها في رأيها أو بالأصح في هواها ؟.
8 ـ كون نفي الرؤية صفة مدح وصف اللّه بها نفسه، وصفات اللّه سبحانه التي امتدح بها نفسه، لا تنتفي لا في الدنيا ولا في الآخرة.
9 ـ أليس من الأولى سد باب الذريعة في وجه الزنادقة والملاحدة؟ لأن القول بثبوت الرؤية قد فتح لهم الباب على مصراعيه. فتقولوا وتصوروا ذات اللّه بما لايليق بقداسته وعظمته.
وإن أردت مزيد تأكيد فتتبع ما تفوهوا به من الخرافات والخزعبلات كقولهم: إنه يمرض وإن الملائكة تعوده. وإنه يضحك حتى تبدو ...، وإن له نعلان من ذهب، وإنه وإنه... تعالى وتعاظم وتنزه عن ذلك.
وأخيراً أترك الترجيح للقارئ المنصف.
والله ولي الهداية والتوفيق وهو يهدي السبيل إنَّه نعم المولى ونعم النصير {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}(2) وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

تقاريظ
__________
(1) ـ الشورى: 11.
(2) ـ الحج: 40. 
(1/122)

تقريظ بقلم السيد العلامة/ عبد اللّه صلاح العجري، والسيد العلامة أحمد صلاح الهادي.

بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وبالله نستعين، وعليه نتوكلُ فهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير. وبعد
فلقد أُعجِبتُ وسُررتُ جداً لما قُدم إليَّ كتاب يحمل عنوان الرؤية بين العقل والنقل.
تأليف الولد النجيب الأديب، والمؤلف اللبيب السيد فخر الإسلام والدين عبد اللّه بن حمود بن درهم بن فارس العزي حفظه اللّه وأعانه. فقمنا بمطالعته والتدريس فيه فوجدته يحمل بين طيّاته الحجج النيّرة، والبراهين الشافية الوافية الكافية، عقليةً ونقلية أبطلت شبه المتقولين على اللّه بجواز رؤيته عزَّ وجل وتقدس وتعالى عن ذلك عُلُوّاً كبيرا، بالرغم من حداثة سن المؤلف، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على عبقرية المؤلف، وعلى ذكائه الوقّاد، والحداثة في السن لا تعتبر عائقاً عن شيء يدلنا على ذلك قول الشاعر:
ليس الحداثة من حلم بمانعةٍ ... قد يوجدُ الحلم في الشبان والشيب
ولا غرو إن كان هذا الشاب قد بلغ إلى هذا المستوى فهو من بيت العز والشرف والعلم والمعرفة، ومن سلالة الأئمة الأطهار، وورثة علم النبي المختار صلى اللّه عليه وآله الأخيار الصادقين الأبرار فعند إشرافنا على نهاية الكتاب استحسنت وضع هذا التقريظ مع اعترافي بالقصور في مجال الشعر والنثر. وإنما الذي حداني إلى ذلك هو استحقاق المؤلَف ومؤلِّفه للشكر والثناء، ثم لتشجيعه حفظه اللّه على المثابرة والحث له على الجد والاجتهاد في طلب العلم الشريف، ومواصلة الدرس والتأليف والسير على نهج آبائه وأجداده الكرام الذي سجّل لهم التاريخ صفحات من نور.
فقلت وبالله التوفيق معتذراً إلى هذا المؤلِّف والمطَّلِع: 
(1/123)

القولُ بالتجسيم والتمثيل
فقد افترى كذباً وأهلك نفسه
لله درُّ أبيك يا فخر الهدى
وكشفتَ للناس الحقائق كلها
وفلجتَ خصمك داحضاً شبهاته
فجزاك رب العالمين فأنت قد
فاسلم ودم واعكف على طلب العلومِ
فالعلم أشرفُ مكسبٍ كسب الفتى
وعليك صلى اللّه بعد محمد

كالقول بالإلحاد والتعطيل
من قال قولاً لم يكن بدليلِ
عرّيت أهل الدجل والتضليلِ
أردفتَ كلَّ مقالةٍ بدليلِ
بدلائل المعقول والمنقولِ
نزّهتهُ حقاً عن التمثيلِ
مثابراً لا تُخدَعنَّ ببديلِ
وإليه نادى الناس كلُّ رسولِ
والآل أهلِ الفضل والتبجيل

والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى اللّه على سيدنا محمدٍ وعلى آله الطاهرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بقلم/ أسير الذنوب المفتقر إلى عفو علام الغيوب عبد اللّه بن صلاح بن عبد اللّه بن يحيى العجري المؤيد غفر اللّه لهم أجمعين وللمؤمنين والمؤمنات أحمد صلاح الهادي، القاسمي وفقه اللّه.
ولما اطلع الوالد العلامة/ محمد بن الحسن العجري حفظه اللّه على هذا البحث المتواضع وعلى هذا التقريظ قال: ما حرره الأخ العلامة أحمد صلاح الهادي، والأخ عبد الله صلاح العجري حفظهما اللّه فهو الواقع والمؤلف. حفظه اللّه قد أبلغ الجهد في الإستدلال بلا تحيز لفئة بل غرضه الحق والله أسأل أن يوفق الجميع إلى رضاه وتقواه، وجزى اللّه المؤلف أفضل الجزاء.
محمد بن الحسن العجري.

تقريظ القاضي العلامة/ صلاح أحمد فليته
بسم اللّه الرحمن الرحيم
لقد طالعت مؤلف الولد النجيب، والسيد الأديب، فخر الآل الأعلام، وبدر أبناء الأئمة الكرام الحبيب الولي/ عبد اللّه حمود العزي ـ حفظه اللّه وأعانه، وجعله من حملة العلم الشريف، ومن المدافعين عن المبدأ الصحيح. 
(1/124)

فلقد أفاد وأجاد، وأبان الحق الصريح، وأوضح القول الصحيح مع الجمع بين الأدلة والترجيح، وإنّا لنقدم له خالص التقدير والثناء لما قام به من هذا العمل النافع، والذب عن مذهب أهل البيت ـ عليهم السلام ـ والمسألة التي أوضح فيها الحق، وأتى بالقول الصدق رداً على من يقول بالرؤية، التي هلك فيها الكثير، وغلط فيها الجم الغفير، اعتماداً على المتشابهات، وزيغاً عن مقتضيات العدل والعقل والآيات المحكمات.
نسأل اللّه سبحانه أن يسلك بنا سبيل أهل الهدى مع الأئمة الحنفاء الطاهرين، وجزاه اللّه عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء.
وصلى اللّه على أفضل الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد الأمين، وعلى آله الطاهرين، والحمد لله رب العالمين
رسالة حق في مسائلها العدل
طريقة أهل البيت حق معبد
فيا فخر أهل البيت لله دركم
لقد جئت بالحق الصريح بحجة
وبكتُّم أفكار كل مزيفي
قولون بالتشبيه والرؤية التي
عليها بنت أفكارهم فهوت بهم
وزاغت بهم أبصارهم وعقولهم
يقولون إنّ الحق لهو مقالهم
كذبتم وبيت اللّه إن مقالكم
فيا أمة ظلت عن الدين فاهتدت
عليكم بأهل البيت إن نجاتكم
بهم فاتبعوا أن شئتم الفوز في غدٍ
ويكفيكم ما في رسالة فخرنا
ختاماً صلاة اللّه تغشى محمداً

يقوم بها عدل يتابعه به الفضل
دعانا إليها اللّه والرسل والعقل
فأنت من الأقوام بالصدق قد جلُّوا
وجئت بأقوال يؤكدها النقل
ترامت به الأقوال والزيغ والجهل
يُخصُّ بها الأجسام والعَقدُ والْحَلُ
إلى هوة طياتها الخسف والذل
وحل بهم زيغ وحل بهم دجل
نقول لهم هيا فمرجعنا العقل
يكذبه القرآن والنقل والعدل
بأقوال زور ليس يبدو لها أصل
بنهج سبيل زانه الحق والنقل
فمذهب ... أهل البيت ليس له عِدْلُ
ففيها بما يكفي اللبيب وما يحلو
مع الآل ما نور الصباح بنا يعلو

صلاح أحمد فليته

قائمة بأسماء أهم مراجع البحث
القرآن الكريم 
(1/125)

الأبحاث المسددة في فنون متعددة، لصالح بن هادي المقبلي/ دار الفكر ـ دمشق/ ط 1 (1403 هـ ـ 1983 م).
الأساس لعقائد الأكياس، للإمام القاسم بن محمد بن علي/ تعليق محمد قاسم الهاشمي/ مكتبة التراث الإسلامي ـ صعدة/ ط 2 (1415 هـ ـ 1994 م).
ألف باء الإسلام، لهادي المدرسي/ دار البيان العربي / (1409 هـ ـ 1988 م).
الإبانة عن أصول الديانة، لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن عبد اللّه الأشعري/ دار ابن زيدون ـ بيروت/ ط 1.
الاستنارة، للحارث بن عبدالوارث/ جمعية عمال المطابع التعاونية ـ عمَّان/ ط 3 (1403 هـ ـ 1983 م).
كيف نتعامل مع القرآن، لمحمد الغزالي/ الوفاء للطباعة والنشر/ ط 1/ 1412 هـ ـ 1992 م.
الإمام علي الرضا ورسالته في الطب، لمحمد علي البار/ دار المناهل/ ط 1 (1412 هـ ـ 1992 م).
المعالم الدينية في العقائد الإلهية، للإمام يحيى بن حمزة/ تحقيق سيد مختار محمد أحمد حشاد/ دار الفكر المعاصر ـ بيروت/ ط 1 (1408 هـ ـ 1988 هـ).
السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، لمحمد الغزالي/ دار الشروق/ ط 1 (1409 هـ).
شرح قصيدة الصاحب بن عباد في أصول الدين، للقاضي جعفر بن أحمد البهلولي/ تحقيق محمد بن حسن آل ياسين/ ط 2 (1413 هـ ـ 1993 م).
رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس، للحاكم أبي سعد المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي/ ط 1.
كتاب الضعفاء والمتروكين، لأبي الحسن علي بن عمر الدار قطني/ تحقيق صبحي البدري السامرائي/ مؤسسة الرسالة/ ط 1 (1404 هـ ـ 1984 م).
أضواء على السنة المحمدية، لمحمود أبو ريه/ الأعلمي للمطبوعات/ ط 5.
سنن أبي داود، لسليمان بن الأشعث السجستاني/ تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد/ ط دار السعادة ـ مصر.
تأملات في الصحيحين، لمحمد صادق نجمي/ تعريب حسن مرتضى القزويني/ دار العلوم/ ط 1 (1408 هـ ـ 1988 م).
معارف القرآن، لمحمد تقي المصباح/ الدار الإسلامية/ ط 2 (1408 هـ). 
(1/126)

تيسير المطالب في أمالي السيد أبي طالب الهاروني/ منشورات دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
شرح الأساس الكبير، لأحمد بن محمد بن صلاح الشرفي/ تحقيق أحمد عطا اللّه عارف/ دار الحكمة اليمانية/ ط 1 (1411 هـ ـ 1991 م).
تفسير الشهيد زيد بن علي المسمى تفسير غريب القرآن، للإمام زيد بن علي (ع)/ تحقيق محمد تقي الحكيم/ الدار العالمية/ ط 1 (1412 هـ ـ 1992 م).
دروس في أصول الدين، لمجموعة من العلماء/ ترجمة محمد علي التسخيري/ مؤسسة العروة الوثقى ـ لبنان/ ط 1 (1412 هـ).
خلاصة علم الكلام، لعبدالهادي الفضلي/ دار التعارف/ ط (1408 هـ ـ 1988 م).
الإمام المجتهد يحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية، لأحمد محمود صبحي/ العصر الحديث/ ط 1 (1410 هـ ـ 1990 م).
الفلك الدوار، للسيد صارم الدين الوزير/ تحقيق محمد يحيى سالم عزان/ دار التراث اليمني ـ صنعاء، مكتبة التراث الإسلامي ـ صعدة/ ط 1.
حاشية الصاوي على الجلالين/ الصاوي/ ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، لعبدالرحمن بن حسن آل الشيخ/ الرئاسة العامة للبحوث والإفتاء ـ السعودية/ ط (1413 هـ ـ 1983 م).
تمهيد قواعد الإيمان، للخليلي، وزارة التراث القومي ـ سلطنة عمان.
تاج العروس، للمرتضى الزبيدي/ ط دار مكتبة الحياة ـ بيروت.
روح المعاني، للآلوسي/ دار إحياء التراث العربي.
تفسير ابن جرير، لابن جرير/ ط دار الفكر.
لسان العرب، لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور/ ط بولاق.
المفردات في غريب القرآن، لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني/ دار المعرفة ـ بيروت.
أصول العدل والتوحيد، للإمام القاسم بن إبراهيم/ تحقيق سيف الدين الكاتب/ دار ومكتبة الحياة، وهو ضمن مجموعة رسائل العدل والتوحيد.
الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، للحافظ محمد بن إبراهيم الوزير/ دار الباز ـ نشر دار المعرفة ـ بيروت. 
(1/127)

المستدرك على الصحيحين، للحافظ أبي عبد اللّه الحاكم النيسابوري، مع التلخيص للذهبي/ دار الكتاب العربي.
المجموعة الفاخرة (مجموعة كتب تربو على العشرين)، للإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين/ مخطوط.
سير أعلام النبلاء، للذهبي/ مؤسسة الرسالة/ ط 3 ـ بيروت.
فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني/ دار المعرفة للطباعة والنشر.
بحوث في القرآن الكريم، لمحمد تقي المدرسي/ دار البيان العربي/ ط 3 (1412 هـ ـ 1992 م).
محاورة حول الإمامة والخلافة، لمقاتل بن عطية/ تحقيق مرتضى الرضوي/ مؤسسة البلاغ/ ط 1 (1410 هـ ـ 1989 م) ـ بيروت.
الحق الدامغ، لأحمد بن محمد الخليلي/ ط النهضة ـ مسقط (1409 هـ).
شرح العقيدة الواسطية، لمحمد خليل هراس/ نشر دار البحوث والإفتاء ـ السعودية.
العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل، لمحمد بن عقيل/ دار الزهراء ـ بيروت/ ط (1391 هـ ـ 1971 م).
تحرير الأفكار، لبدر الدين الحوثي/ مؤسسة أهل البيت للرعاية الاجتماعية/ ط 1 (1415 هـ ـ 1994 م).
تراجم الرجال المذكورين في شرح الأزهار، لعبدالله الجنداري/ ضمن كتاب شرح الأزهار/ وزارة العدل ـ دار إحياء التراث العربي بإشراف غمضان.
توضيح المقال في الضم والإرسال، لمحمد يحيى سالم عزان/ دار التراث اليمني ـ صنعاء/ ط 1 (1412 هـ ـ 1993 م).
تفسير المصابيح، للشرفي عبد اللّه بن إبراهيم/ مخطوط.
تفسير الأعقم، لأحمد بن محمد الأعقم/ دار الحكمة اليمانية/ ط 1 (1411 هـ).
صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري/ دار الفكر ـ بيروت.
فاسألوا أهل الذكر، لمحمد التيجاني السماوي/ مؤسسة الفجر ـ لندن.
ينابيع النصيحة، للحسين بن بدر الدين محمد/ مخطوط.
الجامع الصحيح، للربيع بن حبيب/ ط دار الفتح.
حادي الأرواح، لابن القيم/ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
أحكام القرآن، لأحمد بن علي الجصاص/ دار الكتاب العربي. 
(1/128)

حقائق المعرفة، للإمام أحمد بن سليمان/ مخطوط.
دفع شبه التشبيه، لابن الجوزي/ تحقيق حسن السقاف/ دار الإمام النووي/ ط 3 (1412 هـ ـ 1992 م).
الزيدية، لأحمد محمود صبحي/ منشأة المعارف ـ الإسكندرية/ ط (1980 م).
تفسير المنار، لمحمد رشيد رضا/ مكتبة القاهرة.
الزيدية نظرية وتطبيق، لعلي عبدالكريم الفضيل/ جمعية عمال المطابع التعاونية ـ عمَّان/ ط 1 (1405 هـ ـ 1985 م).
سمط الجمان شرح الرسالة الناصحة للإخوان، لأحمد بن عبد اللّه بن عبد الرحمن القحيطا (الجنداري)/ مخطوط.
المذهب الزيدي، لأحمد محمود صبحي/ منشأة المعارف ـ الإسكندرية.
كتاب العدل والتوحيد ونفي التشبيه عن اللّه الواحد الحميد، للإمام القاسم بن إبراهيم/ ضمن مجموع رسائل العدل والتوحيد/ تحقيق سيف الدين الكاتب/ دار ومكتبة الحياة.
شرح الأصول الخمسة، للقاضي عبدالجبار بن أحمد/ تحقيق عبدالكريم عثمان/ مكتبة وهبه ـ القاهرة/ ط 1 (1384 هـ ـ 1965 م).
المحيط بالتكليف، للقاضي عبدالجبار/ تحقيق عمر السيد عزمي/ الدار المصرية.
صحيح البخاري، لأبي عبد اللّه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري/ مكتبة عبدالحميد ـ مصر.
الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين، لمحمد بن يحيى مداعس/ مخطوط.
العواصم والقواصم، للحافظ محمد بن إبراهيم الوزير/ تحقيق شعيب الأرنؤوط/ مؤسسة الرسالة.
ميزان الاعتدال، للذهبي/ تحقيق علي محمد البجاوي/ دار الفكر.
العلم الواصم في الرد على الروض الباسم، لأحمد بن الإمام الهادي الحسن بن يحيى القاسمي/ مخطوط.
المختصر في أصول الدين، للقاضي عبدالجبار/ تحقيق سيف الدين الكاتب/ دار ومكتبة الحياة.
كتاب اللآلي الدرية في نقل بعض معاني الأبيات الفخرية، لمحمد بن يحيى بن الحسن بن محمد القاسمي/ مخطوط.
السنة، للالكائي.
الإبانة، لابن بطه.
لوامع الأنوار، لمجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي/ مكتبة التراث الإسلامي ـ صعدة/ ط 1 (1414 هـ ـ 1993 م). 
(1/129)

تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن، للشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي/ مكتبة الحياة ـ بيروت.
تفسير الكشاف، لمحمود بن عمر الزمخشري/ دار الكتاب العربي/ ط (1406 هـ ـ 1986 م).
متشابه القرآن ومختلفة، لمحمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني/ انتشارات بيدار ـ قم.
التفسير الكاشف، لمحمد جواد مغنية/ دار العلم للملايين ـ بيروت/ ط 1 (1968 م).
تحف العقول عن آل الرسول، لأبي محمد الحسن بن علي بن الحسين الحراني/ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.
عقائد الإمامية، لمحمد رضا المظفر/ تقديم حامد حفني داود/ مطبوعات النجاح بالقاهرة/ ط 2.
سيد الشهداء، لموسى محمد علي/ عالم الكتب/ ط 3 (1405 هـ).
نهج البلاغة، للإمام علي بن أبي طالب/ عناية صبحي الصالح.
المجازات النبوية، للشريف الرضي/ تحقيق طه محمد الزيتي ـ دار الأضواء/ ط 2 (1406 هـ ـ 1986 م).
العلم الشامخ، للمقبلي/ ط 1 (1328 هـ).
مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر عبدالقادر الرازي/ مؤسسة عز الدين (1407 هـ ـ 1987 م).
الميزان في تفسير القرآن، للطباطبائي/ قم المقدسة ـ جماعة من المدرسين في الحوزة.
قواعد العقائد، لأبي حامد الغزالي/ تحقيق موسى محمد علي/ عالم الكتب ـ بيروت/ ط 2 (1405 هـ ـ 1985 م).
مقدمة البحر الزخار، لأحمد بن يحيى المرتضى/ دار الحكمة اليمانية/ ط 1.
الاعتصام بحبل اللّه المتين، للإمام القاسم بن محمد/ مكتبة اليمن الكبرى/ إشراف الفضيل.
أنساب الأشراف، لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري/ تحقيق محمد باقر المحمودي/ دار التعارف/ ط 1 (1397 هـ ـ 1977 م).
الضعفاء والمتروكين، وهو مجموع في الضعفاء والمتروكين لكل من: النسائي ـ البخاري ـ الدار قطني.
الإمام زيد المفترى عليه، لصاح بن أحمد الخطيب/ منشورات المكتبة الفيصلية.
كتاب الشامل للإمام يحيى بن حمزة/ مخطوط.
محاسن التأويل، للقاسمي/ ط عيسى الحلبي وشركاه. 
(1/130)

المنزلة بين المنزلتين، للإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي/ تحقيق علي احمد الرازحي/ صف أولي.
مباحب ميسرة في علوم الحديث، لعبدالله حمود درهم العزي/ مخطوط.
نور الأبصار، للشبلنجي/ الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع.
الإمام زيد حياته وعصره، لمحمد أبو زهره/ دار الفكر العربي.
الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية، لحميد بن أحمد المحلي/ مخطوط.
الشيعة في عقائدهم وأحكامهم، لأمير محمد الكاظمي القزويني/ دار الزهراء/ ط 3.
التحف شرح الزلف، لمجد الدين المؤيدي/ تحقيق محمد يحيى سالم الرازحي وعلي أحمد الرازحي/ مؤسسة أهل البيت للرعاية الاجتماعية/ ط 2 (1414 هـ ـ 1994 م).

فهرس المواضيع

الإهداء ...
مقدمة ...
دوافع التأليف ...
تنبيهات لا بد منها ...
القسم الأول ...
عرض سريع للعقل وأهميته ...
المحكم والمتشابه في القرآن الكريم ...
مدلول الرؤية لغة: ...
توضيح الخلاف ...
اضطراب أقوال المثبتين للرؤية في الدنيا ...
اضطراب أقوال المثبتين للرؤية في الآخرة ...
خمسة استفسارات حول الرؤية:ـ ...
القسم الثاني ...
أدلة القائلين بالرؤية إمكاناً وثبوتاً ...
أدلة القائلين بالرؤية ـ إمكاناً وثبوتاً ـ ...
أولاً: أدلة الإمكان() ...
أما من الكتاب فدليلان: ...
الدليل الثاني: ...
وأما السنة: ...
ثانياً: أدلة الوقوع() ...
أما الكتاب ...
معاني النظر ...
معنى النظر المذكور في الآية ...
الدليل الثاني: ...
الدليل الثالث: ...
الدليل الرابع: ...
الدليل الخامس: ...
الدليل السادس: ...
الدليل السابع: ...
وأما السنة ...
1 ـ حديث الإمام علي بن أبي طالب ...
2 ـ حديث أبي موسى الأشعري ...
4 ـ حديث بريدة بن الحصيب ...
5 ـ حديث جابر بن عبدالله ...
6 ـ حديث أبي أمامة ...
7 ـ حديث زيد بن ثابت ...
8 ـ حديث عبدالله بن عمر ... 
(1/131)

9 ـ حديث عمارة بن رويبه ...
10 ـ حديث ابن عباس ...
11 ـ حديث حذيفة بن اليمان ...
12 ـ حديث عائشة ...
13 ـ حديث عبادة بن الصامت ...
14 ـ حديث أبي رزين العقيلي ...
15 ـ حديث عبدالله بن عمرو بن العاص ...
16 ـ حديث فضالة بن عبيد ...
17 ـ حديث الرجل من أصحاب الرسول ...
18 ـ حديث كعب بن عجرة ...
19ـ حديث صهيب بن سنان الرومي ...
وأما المختلف فيه فهو:ـ ...
1ـ حديث عبدالله بن مسعود ...
2ـ حديث أُبيّ بن كعب ...
3ـ حديث سلمان الفارسي ...
4ـ حديث أبي بكر ...
5ـ حديث أبي سعيد الخدري ...
وأما المعتمد عندهم فهو: ...
1ـ حديث أبي هريرة ...
2ـ حديث جرير بن عبدالله البجلي ...
تقسيم أحاديث الرؤية من جهة المتن ...
القسم الثالث ...
أدلة القائلين بنفي الرؤية ...
وهي قسمان: عقلية ونقلية ...
الدليل الأول:ـ ...
الدليل الثاني:ـ ...
الدليل الثالث: ...
الدليل الرابع: ...
وأما من السنة:ـ ...
أهل البيت (ع) يجمعون على نفي الرؤية:ـ ...
الخاتمة ...
تقاريظ ... قائمة بأسماء أهم مراجع البحث ... 
(1/132)