الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

vendredi 31 mai 2013











يفترض الدكتور شحرور أن هناك عمليّة اسمها: “الأنسنة”، وفيها تمّ انتقال البشر إلي الإنسان بنفخ الروح. فيقول:



يفترض الدكتور شحرور أن هناك عمليّة اسمها: “الأنسنة”، وفيها تمّ انتقال البشر إلي الإنسان بنفخ الروح. فيقول:

“عملية الأَنْسَنة، وهي انتقال البشر إلى إنسان بعملية نفخة الروح وهو ما ورد في قصّة آدم وظهور مفهوم الخير والشر“.

وهذا كلامٌ غير صحيح بالمرّة مِن وُجُوهٍ، ومناقضٌ لكلام الله الّذي يُبَيِّن أن الإنسان هُوَ الَّذي يرتقي فيصيرُ بَشَرًا. وَلَوّ تَرَوَّى الأستاذ شحرور لكَتَبَ أدقّ بكثير مِمَّا يكتب الأن، فَهُوَ رائد في التَحَرّر مِن رِبقةِ التَقليدِ، وَلَكِن أُذَكّرهُ وَنَفسي بالحَذَر؛ فالكِتابة أمانة، وأقَلَّ مسئوليَّاتِها أنَّ الكاتِب يُوهِم غَيرَهُ بأنَّه دَرَسَ الموضوع مِن كُلِّ نواحِيهِ، وَهُوَ غيرُ حادِثٍ هُنا تَمَامًا، بَل لا أُبالِغ إذَا ما قُلتُ بأنَّ كلام الأستاذ شحرور هُنا لَيسَ بناتجٍ لدِراسة عَلَى الإطلاق (بالتَعْريِفِ الصحيح للدِرَاسَةِ)، ولنطالِع لِنَعْرِف:
الإنس، والإنسان:

جاءت كلمة: “الإنسان” بالقرءان ثمانية وخمسين مرة (58)، بستة وخمسين ءاية، وجاءت كلمة “إنسان” مرة واحدة. ولم تأتِ لفظة الإنسان بكل مواردها ـ ولو لمرة واحدة ـ في موارد المدح. بعكس لفظة “البشر” التي جاءت مُنَكَّرة “بشر” ستة عشرة مرة (16)، وأربعة مرات مضافة، بلفظ “لبشر”، وثلاث مرات مُضافة، بلفظ “للبشر”، وتسعة مرات “بشرا”، ومرة بلفظ “لبشرين”، ومرة بلفظ “أَبَشَر”، ومُعَرَّفة مرتان. فالإجمالي ست وثلاثين مرة (36). لم ترد ولا لمرة واحدة في مورد الذَمّ كما هو الحال مع لفظة “الإنسان”.

ثم إن لفظة الـ “إنس” جاءت ثلاث مرات بلفظ “إنس”، وخمسة مُعَرَّفة، وتسع بلفظ “والإنس”، وبلفظ “أنسيا” مرة واحدة. وست مرات بلفظ “والإنس”.  ومن ثَمَ فإن البشر المُهْتَم بدراسة ءايات الكتاب لابد له من دراسة هذه الظاهرة ليتعلم من كتاب ربه، وليعلم منه بعض المراد من ألفاظه.

الإنس:

الإنس هم الجنس المخلوق كله بلا استثناء، يقول تعالي: “قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)” الإسراء. فالخطاب وموضوع التحدي شامل لكل مخلوق من جنس الإنس، كما هو لجنس الجنّ دون تصنيفه بحسب عمله. ومثله تمامًا قوله تعالي بسورة الرحمن: “يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)“. فالتحدي يشمل أيضًا كل مخلوق من جنس الإنس والجن. ويقول تعالي: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)” الذاريات، لينصّ علي أن كل أفراد الإنس وكل أفراد الجنّ يلزمهم هذا التوجه. وكذلك قول مريم عليها السلام ـ بسورتها ـ إنها لن تُكَلِّم إنسيًّا، ليشمل ذلك الجميع دون استثناء بغض النظر عن توجهه أو قربه: “.. فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)“.

ويقول تعالي: “وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)” الجن. فجاء بـ “من” قبل: “الإنس”، للتبعيض من جنس الإنس. ونفس الشيء سنجده في بقية الأيات الوارد بها لفظة “إنس”، وعددها ثلاثة عَشر (13)، وهي مدرجة بالهامش (1).

الإنسان:

جاء لفظ الإنسان مقرونًا بأحطِّ الصفات، وذاك أنَّهُ مُنْتَخبٌ من الإنس، حيث ستغلب عليه السمة المادّيّة، وتنعدم فيه الناحية الروحية، وفي تجسيم هذه الحقيقة يقول تعالي: “خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ” النحل.

“وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا” الإسراء.

“قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا“.

وعلي نفس المنوال سنجد أن الإنسان ـ كما جاء بنصّ الأيات ـ بخلاف أنه خصيم مُبين، وقتور: كفور، كفار، يئوس، قنوط، ظلوم، عجول، أكثر شيء جدلاً، حتى أن الله تعالي يقول عنه: “قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ”.

فهل يُقال عن مثل هذا أنَّهُ الراقي مِن البَشَر؟!

لقد لَخَّصَ الله تعالي حقيقة الإنسان، وحقيقة تدنيه في مواطن كثيرة منها قوله تعالي: “وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)” التين.

فالإنسان قد تمّ تجهيزه ـ مادّيًّا ـ ليكون في أحسن تقويم (خلقة)، ولكنَّهُ هو الّذي سيختار ماذا سيكون؛ فالّذين ءامنوا ونفعهم إيمانهم في اكتساب صفة الإسلام لرب العالمين، وساروا علي خُطي الترقي هم الّذين سيتخلّصون من قيد الماديّة والانحطاط بما اكتسبوه من سمات الروح.

فالأنسنة ـ بما تعنيه من ناحية مادّيّة ـ تُمَثِّلُ ما نُسميه في أيامنا بـ “الميديا”، والروح تُمَثِّلُ ما نُسميه في أيامنا بـ “الأبديت”، فإذا ما غلبت الروحانية علي المادية، وسيطر التَرَقّى علي المَادّة صار الإنسان بشرًا، راقيًا، يبذل الماديات في سبيل تفعيل نفخ الروح الّذي أُعطيه. وبالتالي فالبشر ليس بهيميًا، ولا مُنحطًا شأن الإنسان، وقلبه مُسَيطر، وعقله مُتَمَكِّن، وبالتالي فإن خلقته ستكون قد تحسنت باختياره، تبعًا للمنهج (الروح) المُختار.

فالإنسان ـ إذًا ـ في أسفل سافلين إلا من أنقذ نفسه من هذه الإنسانية، وتَحَوَّل فصار شيئًا ءاخر، وهو البشر، وهذا يدعونا لدراسة مورد لفظ “البشر”. وقد استودعت بالهامش بعض الأيات الخاصّة بوصف الإنسان كما جاء بكتاب الله العليّ، وسنعود لتناول “الإنسان” مرة أُخري بتفصيل أعمق وأدق للتعرف علي حقيقة اللفظ كما جاء بكتاب الله، ولكن بعد الانتهاء من دراسة موارد لفظ “البشر” (2).

البشر:

أورد الله تعالي لفظ البشر في موارد كثيرة، ومن المؤكد أن دراستها ستُعَرِّفُ الدارس بالمعني المقصود للفظ، وهو ما سنقوم به هنا. وسنكتشف هنا أنَّ الأنبياء هُم من البشر، وهكذا الحال مع الصالحين عمومًا، فسنجدهم كلهم من البشر.

الأنبياء بشر: يقول تعالي عن الأنبياء: “مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)” ءال عمران.

فلماذا قال اللهُ تعالى هُنَا: “مَا كَانَ لِبَشَرٍ”، وَلَم يقل: “مَا كَانَ لإِنسَانٍ”، لَوّ أنَّ النبيين من الإنسان؟!

ولنتابع لنعرف أكثر معني لفظ “البشر”. يقول تعالي في سورة الشورى: “وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)“.

إذًا فالأمر مُطرد، والله تعالي يُبَيِّنَ لنا أنَّ البشر هو المعنيُّ بالوحيّ لا الإنسان، ولكن الخَطأ ءافة التَسَرّع.

الرسول بشر: يقول تعالي ءامرًا رسوله: “قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ . .(110)” الكهف. فهلا قال له: قل إنما أنا إنسان مثلكم، طالَما الإنسان هُوَ الأرقى؟!

ويقول تعالي ناقِلاً قول الكُفَّار للرسولِ: “أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً” الإسراء.

إذًا فالأمر مُطردٌ أيضًا، والرسول مأمور بأن يقول إنه بشرًا، وليس إنسانًا!

ولنتدارس هذه الأيات الكريمة؛ يقول تعالي:

“حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)” فصلت.

فالكتاب هو تنزيلٌ من الرحمن الرحيم، وقد فُصِّلَت ءاياته، قرءانًا عربيًا، ولكن هذا التفصيل لا يفهمه الجَهَلة، وإنما يفهمه القوم الّذين يعلمون. وعندما قال لهم الرسول إنه بشير ونذير أعرض أكثرهم، وقالوا إن عقولهم أُغْلِقت، وأنّ قلوبهم في أكِنَّةٍ، وفي ءاذانهم وقرٌ.

هنا جاء الأمر الإلهي للرسول أن يقول للقوم إنه بشر مثلهم!!

استدراك: سيقول البعض: “إذا كنت تقول بأن البشر هم من تتحقق فيهم صفات السموّ فكيف سيقول الرسول لهم إنه بشرٌ مثلهم، وهم علي حالهم هذا؟!”.

والجَواب: إنَّ هذا هو أسلوب الدعوة الّذي لخَّصَه الله تعالي في قصة ذهاب رسوله موسي ونبيه هارون لعدوّ الله فرعون عندما قال لهما موجهًا إياهما: “اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)” طه.

فالقول اللّيّن يستوجب أن يُعْرَض بهذه الصيغة، وهي صيغة ستُقابلنا كثيرًا عند استطلاع أحوال الرُسُل مع أقوامهم، كقوله تعالي:

“وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ . . (18)” المائدة.

“قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ . . (11)” إبراهيم.

“وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)” الإسراء.

وسنلاحظ أيضًا أن القرءان ينقل قول الكفار والمشركين لرسلهم إنهم بشر مثلهم، مع ما هم عليه من كُفرٍ وشرك. وسيفهم دارس القرءان ـ المؤمن بهِ حقًّا ـ  أنَّ قول الكفار هذا فيه ما يليق بالمُرسلين؛ فالقوم يقولون للرسل إنهم مثلهم في الخِلقة، والقرءان يصيغ كلامهم بما يليق برسله، ولنراجع:

“قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10)” إبراهيم.

“لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3)” الأنبياء.

“فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)” المؤمنون.

“وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآَخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33)” المؤمنون.

وقول قوم صالح له: “مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (154) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155)” الشعراء.

راجع أيضًا: الشُعراء: 186، يس: 13 ـ 15، وهُود: 26 ـ 27.

مسّ مريم المُفترض يكون من بشر:

عندما بُلِّغَت مريم بأنها ستحمل بكلمة الله عيسى قالت مندهشة: “. . رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ . . (47)” ءال عمران.

فاستنكارها أنها لم يمسّها بشر، يتضمن أنه لو كان لها مسٌّ لكان من مُسّلم صالح مثلها، وبالتالي سيكون بشرًا، لا إنسانًا. والمسّ خاصّ بالنكاح، ولكنه غير مُتَّصِل، بخلاف الملامسة. ولذا نجدها تقول في موضع ءاخر: “قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)” مريم.

أيّ لَم يمَسسني بشرٌ (صالِح) بالنِكاح، ولَم أكن بَغيًّا فيواقعني غَيره.

تمثل روح الله بالبشر:

سنجد أيضًا أنه عندما أرسل الله تعالي روحه إلي مريم عليهما السلام قال سُبحانه إنه تمثل لها بشرًا، ولم يقل إنه تَمَثَّل إنسانًا، ولكن التَسَرّع لا يجعَل لمثل هذه الدقائق وزنًا. يقول من له وحده أعبد:

“فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)” مريم.

يوسف والنسوة والبشر:

فعندما قَصّ الله تعالي علينا قِصّة يوسف نقل قول النسوة عن يوسف عليه السلام: “فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)” يوسف.

وكان المُفْتَرَض أن يقلن ـ مثلاً ـ: “حاش لله ما هذا إنسان، إن هذا إلا بشر كريم”. ولكن المُقارنة حدثت عندهم بين البشر والمَلَك. والسبب في علوّ هذه المُقارنة يُبَيِّنَهُ قول الله تعالي: “وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)” يوسف.

فالنسوة عَلِمْنَ من قبل عِندَ مُقابلتهِن يوسف أنَّه بشر ذو خُلُق، حيث عرفن أنه امتنع عن تنفيذ رغبة امرأة العزيز، وأنها هي التي تراوده عن نفسه، وبالتالي فحين رأينه ورأين صلاحه الظاهر وقعت المُقارنة بينه وبين الملائكة لرغبتهن في رفعه إلي درجةٍ تَخَيَّلوا أنها أعلي من درجة البشر، وهي درجة المَلَك، حيث تنتفي الرغبة والدوافع الجِنسية علي الإطلاق.

السجود للبشر لا للإنسان:

وَعندما قصّ الله تعالي علينا الحوار الّذي دار بينه وبين الملائكة بَيَّنَ أنَّه أمرهم بالسجود للإنسان حين ينتهي إلي طور البشر. إذ إن ءادم قد سبقه حينٌ من الدهر، امتلأ بالإنسان، وهو في بدايات وأوسط الخِلقة، وهو ما عَبّرَ عنه نوح عليه السلام بقوله: “مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)” نوح.

وهذه الأطوار بينها سُبحانه بقوله: “الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ . . (9)” السجدة. وثُمَّ تُفيد هنا البعد الزمنيّ بين الأطوار. ولأنّ هذه الأطوار كانت سابقة علي نفخ الروح عليه السلام في ءادم فقد كان المخلوق الأول مُتدني غير راقيٍ، يَصْدُق عليه قول الملائكة: “أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ . . (30)” البقرة. حيث حكموا بخبرتهم بالطور السابق علي طور التسوية. وهذا الطور قال عنه سُبحانه: “هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)” الإنسان.

فكيف سيُذكر بينما يداه مُقيدتان لمشيه علي أربع، ولم يستوي بعد، فلا هو بالّذي أنشأ حضارة تُذْكَر، ولا كان له عمل يُسَجَّل عليه. ومن أفراد هذا الطور جاء ءادم، ووقع عليه الاختيار ليكون أول بشر، وفي ذلك قال تعالي: “إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءاَدَمَ . . (33)” ءال عمران.

ولو كان ءادم أول مخلوق لقيل: “اصطفاه الله تعالي ممن؟”!!!

وقال تعالي: ” . . كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133)” الأنعام. وءاخرين تفيد المغايرة، وهو ما حدث فعلاً، فالشبه بين ءادم ومن سبقوه كبير، ولكنَّه صار شيئًا مُختلفًا، حتى أنَّهُ يُمكن أن يُقال إنَّهُ شيئٌ ءاخر، وبالتالي فإن أصل النشأة هو من قومٍ ءاخرين “مُختلفين”.

ولأن ءادم حدث فيه التغيير “الجيني” لتنتهي به أطوار الخلقة قال تعالي إنه “سيجعله”، ولم يقل إنه: “سيخلقه”، وبينهما بُعد شاسع، فالخلق ابتداء، والجعل انتهاء، وفي ذلك يقول تعالي: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً . . (30)” البقرة.

وهو كقوله تعالي: “وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)” الأعلى.

“فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)” القلم.

“وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54)” الفرقان.

فالجعل ـ كما هو واضح ـ هو تحويل لموجود. وذكر البشر مع الخلق يختزل الصورة بالمُحَصَّلة النهائية للخلق، وهو كقوله تعالي:

“وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)” الحجر.

ونلاحظ هنا أن الأمر بالسجود لم يتناول الأطوار الأولي، وإنما ارتبط بانتهاء الأطوار كلها، فترتب علي انتهاء طور التسوية ونفخ الروح. وهو كقوله تعالي:

“إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)” ص.
عودٌ للإنسان:

بعد أن علمنا من نصوص الكتاب الفرق بين الإنسان وبين البشر، وكيف أن ألفاظ القرءان محسوبة بدقة شديدة في ظلّ اللاترادف، نعود مرة أُخري للفظ الإنسان، حيث سنُلقي الضوء هنا علي استغراقه في المادة، ولذا نجد هذا الإنسان أقرب للكفر منه للإيمان، ويغلب عليه الإلحاد، وجحود نعم الله تعالي عليه، وإنكار كونه ذاهب إلي موعد الصدق يوم القيامة، فنجد أن الله تعالي يُبَيِّن تملك هذا الجحود منه؛ فيقول تعالي:

“وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)” هود. وهو نفس ما حَدَث مع المُلْحِد المُعاصِر الدكتور عباس عبد النور، عندما ضاقت به الحياة، ودعا الله فلم يستجيب له، فانقلب عليه، وقصَّه هو بنفسه في كتابه “محنتي مع القرءان” (3). فالإنسان لغلبة المادّيّة عليه نجده سريع اليأس، كثيره، وسريع الكفر، مستغرق فيه.

ونجد أنّ ظاهرة الكفر والإلحاد مُرتبط ذكرها بالإنسان في قوله تعالي: “وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)” إبراهيم. فالإنسان من جحوده يكفر ما أجابه الله تعالي له، ولا يتذكر إلا ما سأله ولم يُجاب له. وهو ظاهر أيضًا في قوله تعالي: ”وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)” الإسراء.

ثم يصل الأمر به إلي الإلحاد، وما ذلك إلا لتغلب المادّيّة عليه، وفي ذلك يقول ربنا سُبحانه: “وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)” مريم.

“لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)” فصلت.

ونلاحظ أن لفظ “الإنسان” تمّ فيه إضافة “ان” للفظ: “إنس”، فصارت الكلمة “إنسـ ان” مُشَبّعة بالوصف، وصارت المادية مُتَملكة منه، وهو مُستغرق في هذه الماديّة؛ وَلِذَا قالَ تعالي:

“إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)” المعارج.

فالإنسان خُلِقَ هلوعًا، صفاته المادّيّة مُزْعِجة، ويخرج من دائرته البشر الّذين قال الله تعالي عنهم بنفس السياق مُستثنيًا إياهم:

“إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)” المعارج.

ويقول الله تعالي بسورة الفجر:

“فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)”.

فالإنسان هو الوضيع من الإنس. والبشر عكسه كما رأيت. والفرق مبنيّ على استخدام الأمانة، لا علي الخلقة. فالخلقة قد وصلت لنهاية أطوارها بالتسوية، وجاء الدور علي الروح، فهل سيتم تفعيل نفخ الروح ليكون الإنسان بشرًا كما كان البشر الأول ءادم، أم سينحط وتغلب عليه إنسانيته، فيصدق عليه قول الله تعالي السابق: “فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ . . يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ  . . فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَد . . “.

وعندما قال الله تعالي في سورة الحجر: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34)”.

وضحت أمور كثيرة، مِنها أن أمر الملائكة بالسجود تقدم علي السجود، وتوَقّت السجود بانتهاء أطوار الخلقة، وزاد عليها بانتهاء نفخ الروح، ولذا قال تعالي: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ”. وكذلك قال إبليس: “. .  لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ”.

ولو تأملنا قول الله تعالي في سورة الأحزاب: “إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)”، لَتَبَيَّنَ لَنا أنَّ الإنسانَ الظلوم الجهول تنوّع إلي المنافقين والمنافقات، والمُشركين والمُشركات، وخرج منه المؤمنين والمؤمنات.

ولو تأملنا قول الله تعالي في سورة الأنعام: “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)”، لعلمنا أن الله قضى أجلين، فَما هما هذين الأجلين؟!

ثم إن الله تعالي قال في سورة الإنسان ـ وقوله الحق ـ: ” هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)”، ولو قال: “هل أتى علي البشر حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا”، لحدث إشكال قاصم للظهرِ؛ ولوقع التناقض بين ءايات الكتاب، ولكنه كتاب الله الّذي قال عنه إنه “أُحْكِمَتْ ءاَيَاتُهُ”، . . فتأمل!!

بَقِيَ أن نُعَلِّق علي قولِهِ تعالي عَن سَقَر: “لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ“.

فَلَوّ قُلنا بأنَّهُ الأوفَق أن يُقال “لَوَّاحَةٌ لِّلإِنْسَان” ـ باعتبارهِ المُنْحَط ـ، لَتَناقَضَ ذَلِكَ مَع العَديدِ مِن الأياتِ الَّتي تُوَضِّحُ أنَّ كُلّ النَّاس بِمَن فِيهم الصالِح والطَالِح سيُعْرَضونَ علي جَهَنّم يَومَ القِيَامةِ، وسَتَلوح لَهم، وسيردونَها، . . الخ، وَلَكِنَّهُ ورود عَرْضٍ، لا وُرُود تَعْذِيبٍ. وَمِن هَذِهِ الأيات قَولِ اللهِ تعالى بسورةِ الجاثية:

” وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31)”.

وقَولِ اللهِ تعالى بسورةِ مَرْيَم: “وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)”.

وَنُلاحِظُ هُنا (بِخلافِ عُمومِ الوُرُود) أنَّ القول المَذموم بإنكار البَعث والعَودة جاء مَنْسوبًا للإنسان لا البَشَر.

وبالتالي نَفْهَم أنَّ قولُهُ تعالي: “لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ”، تَتَوافق مَع قولِهِ تعالي: “وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا”، ونَفْهَم أن التَقِيّ لَهُ في جَهَنَّم مَنزلَتين، والظَالِم لَهُ أيضًا في جَهَنَّم مَنزلَتين. فَأمَّا التَقِيّ فَلَهُ فيها مَنْزِلة العِلم (عِلم اليَقين)، وَمَنْزِلة العَيْنِ (عَين اليَقين)، ثُمَّ نَجَّاهُ اللهُ تعالي مِنها فَلَم تَتَحَقَّق المَنْزِلة الثالِثة وَهيَ مَنْزِلة “حَقّ اليَقين”، أمَّا الظالِم فَقَدْ حَرَمَ نَفسَهُ مِن مَنْزلة عِلم اليَقين، وَكَذَّبَ بجَهَنَّم فاستحَقَّ دُخُولِها فَاجْتَمَعَ لَهُ مَنْزلَتَيِّ عَين اليَقين، وحَقّ اليَقين. فاشْتَرَكَ كُلّ مِن التَقِيّ والظَالِم في الورودِ لِجَهَنّم، وَفى كونِها ستلوح لَهُم (5)، واختَلفا في المَنزلِة الثالثة والحمدُ لله، نسأل الله تعالي أن يُنَجّينا مِنها.

أيضًا نَفْهَم أنَّهُ عِنْدَمَا يَجْتَمِع كُلّ مِن الصالِح والطالِح فَإنَّ التَسمية الصحيحة هِيَ البَشَر لا الإنسان، كَما في قَولِهِ تعالي:

“وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ”.

ونَفْهَم مِن قولِهِ تعالي: “مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ”، أن إيراد لَفظ “البَشَر” مَع إيتاء اللهِ تعالي لَهُ الكِتاب والحُكم والنُبُوّة أوفق مِن إيراد لَفظ الإنسان. وَهُوَ كَقولِهِ تعالي:

“وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ”.

ولعل ما سبق يكفي لبيان أن موارد الإنسان مختلفة عَن موارد البشر، وأنَّ البشر هو الإنسان الّذي استطاع قهر الأنسنة التي تَشدّه إلي أسفل سافلين، وذلك بالإيمان وعمل الصالحات. وبالتالي فإن الأنبياء والرسل يُقال عنهم ـ بعلم ـ أنهم من البشر، ويقال عنهم أيضًا ـ بجهل ـ إنهم من الإنسان. والفرق بينهما من الشساعة بمكانٍ كَمَا رأينا.

الهامِش:ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

1 ـ الأنعام/ 112، 128،130. الأعراف: 38، 179. النمل: 17. فُصِّلَت: 25، 29. الأحقاف: 18. الرحمن: 39، 56، 74. الجِنّ: 5.

2 ـ “يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)” النساء.

“وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)” يونس.

“وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)” الإسراء.

“وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)” الكهف.

” إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)” الأحزاب.

” أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)” يس.

” وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)” الزمر.

” فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ . . (49)” الزمر.

“..وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)” الشورى.

“. . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)” الزخرف.

3 ـ وقد أكرمني الله تعالي بكتابة ردٍّ عليه، اسمه: “الردّ علي المُلْحِد الكفور عباس عبد النور”، بينت فيه فساد كل شُبهاته، وهو في طور الانتهاء.

4 ـ وهذا ليس بمطرد في القرءان، وإنما يُسْتَشَفُ من السياق والتدبر.

5 ـ وَلَوّ قال تعالي :”لَوَّاحَةٌ لِّلإِنْسَان” لقيل إنَّه تَحصيل حاصل، ولَغوّ مِن القَول، فالَّذي سَيَحْتَرق بجَهَنَّم كَيفَ يُقال إنَّها ستلوح لَه.

  
- See more at: http://al-zekr.com/2012/02/27/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8e%d8%b4%d9%8e%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86-%d9%86%d9%82%d8%af-%d9%85%d9%8f%d9%82%d9%8e%d8%af%d9%90%d9%91%d9%85%d8%a9-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7#sthash.IgI1RfV6.dpuf

ونجد أنّ ظاهرة الكفر والإلحاد مُرتبط ذكرها بالإنسان في قوله تعالي: “وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)” إبراهيم. فالإنسان من جحوده يكفر ما أجابه الله تعالي له، ولا يتذكر إلا ما سأله ولم يُجاب له. وهو ظاهر أيضًا في قوله تعالي: ”وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67)” الإسراء.
ثم يصل الأمر به إلي الإلحاد، وما ذلك إلا لتغلب المادّيّة عليه، وفي ذلك يقول ربنا سُبحانه: “وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)” مريم.
“لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)” فصلت.
ونلاحظ أن لفظ “الإنسان” تمّ فيه إضافة “ان” للفظ: “إنس”، فصارت الكلمة “إنسـ ان” مُشَبّعة بالوصف، وصارت المادية مُتَملكة منه، وهو مُستغرق في هذه الماديّة؛ وَلِذَا قالَ تعالي:
“إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)” المعارج.
فالإنسان خُلِقَ هلوعًا، صفاته المادّيّة مُزْعِجة، ويخرج من دائرته البشر الّذين قال الله تعالي عنهم بنفس السياق مُستثنيًا إياهم:
إِلَّا الْمُصَلِّ34)”.
وضحت أمور كثيرة، مِنها أن أمر الملائكة بالسجود تقدم علي السجود، وتوَقّت السجود بانتهاء أطوار الخلقة، وزاد عليها بانتهاء نفخ الروح، ولذا قال تعالي: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ”. وكذلك قال إبليس: “. .  لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ”.
ولوعالي في سورة الأحزاب: “إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)”، لَتَبَيَّنَ لَنا أنَّ الإنسانَ الظلوم الجهول تنوّع إلي المنافقين والمنافقات، والمُشركين والمُشركات، وخرج منه المؤمنين والمؤمنات.
ولو تأملنا قول الله تعالي في سورة الأنعام: “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)”، لعلمنا أن الله قضى أجلين، فَما هما هذين الأجلين؟!
ثم إن الله تعالي قال في سورة الإنسان ـ وقوله الحق ـ: ” هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)”، ولو قال: “هل أتى علي البشر حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا”، لحدث إشكال قاصم للظهرِ؛ ولوقع التناقض بين ءايات الكتاب، ولكنه كتاب الله الّذي قال عنه إنه “أُحْكِمَتْ ءاَيَاتُهُ”، . . فتأمل!!
بَقِيَ أن نُعَلِّق علي قولِهِ تعالي عَن سَقَر: “لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ“.
فَلَوّ قُلنا بأنَّهُ الأوفَق أن يُقال “لَوَّاحَةٌ لِّلإِنْسَان” ـ باعتبارهِ المُنْحَط ـ، لَتَناقَضَ ذَلِكَ مَع العَديدِ مِن الأياتِ الَّتي تُوَضِّحُ أنَّ كُلّ النَّاس بِمَن فِيهم الصالِح والطَالِح سيُعْرَضونَ علي جَهَنّم يَومَ القِيَامةِ، وسَتَلوح لَهم، وسيردونَها، . . الخ، وَلَكِنَّهُ ورود عَرْضٍ، لا وُرُود تَعْذِيبٍ. وَمِن هَذِهِ الأيات قَولِ اللهِ تعالى بسورةِ الجاثية:
” وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31)”.
وقَولِ اللهِ تعالى بسورةِ مَرْيَم: “وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)”.
وَنُلاحِظُ هُنا (بِخلافِ عُمومِ الوُرُود) أنَّ القول المَذموم بإنكار البَعث والعَودة جاء مَنْسوبًا للإنسان لا البَشَر.
وبالتالي نَفْهَم أنَّ قولُهُ تعالي: “لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ”، تَتَوافق مَع قولِهِ تعالي: “وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا”، ونَفْهَم أن التَقِيّ لَهُ في جَهَنَّم مَنزلَتين، والظَالِم لَهُ أيضًا في جَهَنَّم مَنزلَتين. فَأمَّا التَقِيّ فَلَهُ فيها مَنْزِلة العِلم (عِلم اليَقين)، وَمَنْزِلة العَيْنِ (عَين اليَقين)، ثُمَّ نَجَّاهُ اللهُ تعالي مِنها فَلَم تَتَحَقَّق المَنْزِلة الثالِثة وَهيَ مَنْزِلة “حَقّ اليَقين”، أمَّا الظالِم فَقَدْ حَرَمَ نَفسَهُ مِن مَنْزلة عِلم اليَقين، وَكَذَّبَ بجَهَنَّم فاستحَقَّ دُخُولِها فَاجْتَمَعَ لَهُ مَنْزلَتَيِّ عَين اليَقين، وحَقّ اليَقين. فاشْتَرَكَ كُلّ مِن التَقِيّ والظَالِم في الورودِ لِجَهَنّم، وَفى كونِها ستلوح لَهُم (5)، واختَلفا في المَنزلِة الثالثة والحمدُ لله، نسأل الله تعالي أن يُنَجّينا مِنها.
أيضًا نَفْهَم أنَّهُ عِنْدَمَا يَجْتَمِع كُلّ مِن الصالِح والطالِح فَإنَّ التَسمية الصحيحة هِيَ البَشَر لا الإنسان، كَما في قَولِهِ تعالي:
“وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ”.
ونَفْهَم مِن قولِهِ تعالي: “مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ”، أن إيراد لَفظ “البَشَر” مَع إيتاء اللهِ تعالي لَهُ الكِتاب والحُكم والنُبُوّة أوفق مِن إيراد لَفظ الإنسان. وَهُوَ كَقولِهِ تعالي:
“وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ”.
ولعل ما سبق يكفي لبيان أن موارد الإنسان مختلفة عَن موارد البشر، وأنَّ البشر هو الإنسان الّذي استطاع قهر الأنسنة التي تَشدّه إلي أسفل سافلين، وذلك بالإيمان وعمل الصالحات. وبالتالي فإن الأنبياء والرسل يُقال عنهم ـ بعلم ـ أنهم من البشر، ويقال عنهم أيضًا ـ بجهل ـ إنهم من الإنسان. والفرق بينهما من الشساعة بمكانٍ كَمَا رأينا. 
الهامِش:ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
1 ـ الأنعام/ 112، 128،130. الأعراف: 38، 179. النمل: 17. فُصِّلَت: 25، 29. الأحقاف: 18. الرحمن: 39، 56، 74. الجِنّ: 5.
2 ـ “يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)” النساء.
“وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)” يونس.
“وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)” الإسراء.
“وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)” الكهف.
” إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)” الأحزاب.
” أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)” يس.
” وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)” الزمر.
” فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ . . (49)” الزمر.
“..وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)” الشورى.
“. . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)” الزخرف.
3 ـ وقد أكرمني الله تعالي بكتابة ردٍّ عليه، اسمه: “الردّ علي المُلْحِد الكفور عباس عبد النور”، بينت فيه فساد كل شُبهاته، وهو في طور الانتهاء.
4 ـ وهذا ليس بمطرد في القرءان، وإنما يُسْتَشَفُ من السياق والتدبر.
5 ـ وَلَوّ قال تعالي :”لَوَّاحَةٌ لِّلإِنْسَان” لقيل إنَّه تَحصيل حاصل، ولَغوّ مِن القَول، فالَّذي سَيَحْتَرق بجَهَنَّم كَيفَ يُقال إنَّها ستلوح لَه. 
   
- See more at: http://al-zekr.com/2012/02/27/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8e%d8%b4%d9%8e%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86-%d9%86%d9%82%d8%af-%d9%85%d9%8f%d9%82%d9%8e%d8%af%d9%90%d9%91%d9%85%d8%a9-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7#sthash.IgI1RfV6.dpuf

حدث في السويد 30-05-13







حدث في السويد 30-05-13

jeudi 30 mai 2013

خدعة الألقاب المذهبية: السلفية (٦) حسن المالكي









معظم الألقاب التي نتداولها اليوم أو كلها ليس لها صفة شرعية وإنما صفتها مذهبية (تنابز بالألقاب)، وإذا أحسنا الظن قلنا هي للتمييز البحثي والمعرفة،
 وقد جرفونا وجرفوا غيرنا معهم في هذه الاستخدامات، ونحن لا نرضى بهذه الألقاب المفرقة للمسلمين، ففيها روح جاهلية وقلة بركة وضيق أفق وتميز موهوم ..إلخ.
إلا أننا قد نضطر اضطراراً أن نستخدمها مع النقد والتصحيح لأنها أصبحت ثقافة عامة، فقد نكرر «شيعة، سنة، نواصب، سلفية، جهمية، معتزلة، وهابية إياضية ..إلخ»، من باب الاستخدام الشعبي مع محاولة الإشارة إلى تخصيص ما نريد.
بمعنى نحاول مثلاً إذا قلنا «شيعي» أن نفرق بين موالاة أهل البيت وبين المنظومات المذهبية المكتملة في المذاهب الشيعية القائمة «الإمامية والزيدية والإسماعيلية»، وكذلك إذا قلنا «سلفية» نفرق بين السلف الصالح بحق والسلف الفاسد الذي أدخلوه في السلف الصالح لظروف سياسية ومذهبية.
 الخلاصة نريد الأسباب العلمية والشرعية للتصنيف لا الأسباب البشرية.
وبالتالي لو أقررنا بشرعية هذا الاسم فلا يجوز أن نأخذ تطبيقه إلا بعناية حتى نتجنب الظالمين وأهل الجهل، فسلفية المهاجرين والأنصار غير سلفية الطلقاء والأعراب، بل حتى المهاجرين والأنصار إنما يكون الاقتداء والتأسي بالسيرة العامة فيما طبقوا فيه الشرع، وليست أفعالهم شرعاً إلا من باب تنفيذهم للنصوص، ويجب التفريق أيضاً بين صالحي التابعين وفاسديهم، بل عند النزول سنجد فروقاً بين سلفية الشافعي وسلفية أحمد، ثم بين سلفية أحمد وسلفية ابن تيمية، ثم بين سلفية ابن تيمية وسلفية الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه،
 ثم من دقق أكثر سيجد اختلافا كبيرا فيما بينهم يصل للتصنيفات الاتهامية الأولى «هذا خارجي وهذا مرجئ وذاك جهمي ..إلخ، وقد نخرج بخلاصة أن عدد السلفيات على عدد الرموز.
إذن فالعامة يظنون أن المذهب كتلة واحدة وهذا وهم، ولا يجدون من يبصرهم به، كل مذهب مذاهب ومدارس وتيارات، مع أن الأفضل والأولى أن نعود للتسميات الأولى «مؤمن، منافق، مشرك، مسلم، صالح، متقٍّ، مجرم ..إلخ».
والسلفية اسم كسائر الأسماء الوضعية التي ليس لها أصل شرعي، فليست المشكلة هنا إذا صلحت النيات بأن التأسي بالسلف فيما وافقوا فيه النص (وهناك كثير من السلفية على هذا المنهج)، ولكن المشكلة الأكبر ليست هنا، وإنما في التطبيق، في صعوبة معرفة السلف الصالح من غير الصالح، لأن بعض الأفكار التي انتهجها السلف غير الصالح قد دخلت في الفكر والممارسة وأصبحت شرعاً، فالمقتدون بهم يرون أنهم مطبقون للشرع! وهنا مشكلة عويصة يصعب تفهيمها.
 والأفضل في من يرتضي هذا التسمي ويقول أنا سلفي أن يقصد أولا ذلك السلف الصالح بحق، وأنه يتمنى أن يسير على نهجهم، فلابد أن يختار قلة من السلف يرى فيهم أسوة، أما أن ينتسب لكل ما يسمى «الصحابة والتابعين»، أو «سكان القرون الثلاثة الأولى»، فهذه عجيبة من العجائب يجب أن يربأ بعقله وسلوكه عن هذا التعميم، فقليل من الصالحين يكفون في الأسوة.
 لأن سكان القرون الثلاثة أتى منهم كل شر ونفاق، وصدر عنهم كل خير وإيمان، فارتضاء هذا الخليط له أثره السيئ على المعرفة وعلى على القلوب والعقول والسلوك المعرفي والعملي.
 السلفي المعتدل لا يرى هذا، وإنما ينتقي من يتيقن صلاحه وحسن سيرته،
 والأفضل من ذلك،السلفي الذي لا يقتدي بالأشخاص إلا ما وافقوا فيه النص، فالاقتداء بالنص أساساً، وهذا غاية الاعتدال السلفي، لكن هؤلاء المعتدلين ليس لهم شهرة، ولو كانت السلفية بهذا المعنى -وهي كذلك في معظم التنظير- لقلنا لا بأس ولا مشاحة في الاصطلاح، وليكن الاسم وضعياً والواقع شرعيا، وقد نعد أنفسنا من حيث الواقع من هذا الصنف بحكم الواقع والتعليم والبيئة وطريقة البحث والاقتناع بالمصادر والاجتهاد في التماس الدليل ..إلخ.
 وأما من يرى شرعية الانتساب السلفي إلى الأشخاص المولودين قبل 300 هجرية فهذا هو الوهم الكبير الذي قد نناقشه في الحلقة القادمة.
 وهل كان الصحابة والتابعون على منهج واحد؟ فضلا عمن بعدهم؟
 

هام : بطاقة إيداع بالسجن ضد أمينة فيمين

هام : بطاقة إيداع بالسجن ضد أمينة فيمين

هام : بطاقة إيداع بالسجن ضد أمينة فيمين

TunisiaFace – أذنت  النيابة العمومية في المحكمة الإبتدائية بالقيروان بفتح بحثا تحقيقيا ضد الناشطة أمينة في منظمة فيمين وذلك بتهمة 

هتك حرمة المقابر 

والتجاهر عمدا بالفاحشة 

وتكوين وفاق قصد الاعتداء على الأملاك والأشخاص.

ومن المنتظر أن تمثل أمينة يوم 05 جوان 2013 للتحقيق وذلك حسبما أفاد به قاضي التحقيق.

من جهتها صرحت المحامية ليلى بن دبة ل”وات” أن أمينة تايلر تم جلبها من سجن المسعدين فى حدود الساعة الخامسة مساء اليوم الخميس وعرضها على حاكم التحقيق بالمحكمة الابتدائية بالقيروان ليصدر فى حقها بطاقة ايداع بالسجن.

تعرية الصدر ولبس النقاب.. ظاهرتان لتأكيد فكرة واحدة.. المرأة الجسد.. العورة

تعرية الصدر ولبس النقاب.. ظاهرتان لتأكيد فكرة واحدة.. المرأة الجسد.. العورة






موضوع النقاب في جامعات تونس إلى التأسيسي بعد أن استعصى عن الحلّ

 

 



امريكيات عاريات الصدر تنظمن مسيرة لانتزاع حق "تعرية الصدور"!
















ليست هذه هي المرة الاولى التي تقوم بها بعض النساء بتعرية صدورهن للاحتجاج على امر ما، فقد قامت مؤخرا مئات من النساء والرجال أيضاً بالمشاركة في المسيرة التي أقيمت بمناسبة اليوم العالمي الرابع لتعرية الصدور دعت إليها طائفة دينية غريبة بولاية كاليفورنيا الأمريكية. حيث طالب المشاركون في المسيرة بالعدالة والمساواة الاجتماعية بين الجنسين الذكر والأنثى في تعرية منطقة الصدر.
امريكيات عاريات الصدر تنظمن مسيرة لانتزاع حق "تعرية الصدور"!
طالبت المشاركات بالمساواة مع الرجال
ويقام هذا الحدث في يوم الأحد الأقرب ليوم المساواة بين الرجل والمرأة في 26 أغسطس/آب من كل عام، واشترك فيه عدة مدن أمريكية بالإضافة إلى مدينتين في كندا أول الأسبوع المقبل، حسب صحيفة الديلى ميل البريطانية الاثنين 22 أغسطس/آب2011.
وبينما شاركت بعض النساء عاريات الصدر تماماً، واختارت أخريات أن يضعن لاصقاً بلاستيكياً بحيث لا يكشف عن كل الثدي، ارتدى الرجال البيكيني أو حمالات الصدر النسائية، تعبيراً منهم عن مشاركتهم في هذه المسيرة واحتجاجاً على النفاق الاجتماعي –حسب قولهم- الذي لا يسمح للمرأة أن تخرج عارية الصدر في الأماكن العامة بينما يسمح للرجل.
وحمل المشاركون لافتات كُتب عليها "للرجال والنساء صدور فلماذا على السيدات أن يخفين صدورهن"، و"حق التعري للجميع رجال ونساء"، بينما ارتدى البعض ملابس تنكرية. وتقوم هذه الطائفة الدينية على أسس وعقائد الستينيات من القرن الماضي حيث الحب الحر، وأن العلم هو مفتاح الحل لمشاكل البشرية كلها، كما أنها لا تشجع على الزواج، وتدعو المشاركين بها إلى إظهار جمال ومفاتن أجسادهن.
وأسس هذه الطائفة شخص يدعى فوريلهون ادّعى أنه قابل شخصاً من الفضاء اسمه يهوه إلوهيم في فوهة بركان بفرنسا عام 1973، أخذه معه في رحلة قابل فيها يسوع المسيح، وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وبوذا، وموسى عليه السلام، وتمتع هناك بحمامات معطرة أعدها له روبوت أو إنسان آلي.

امريكيات عاريات الصدر تنظمن مسيرة لانتزاع حق "تعرية الصدور


 

نداء تونس: الترياق من وهم الثورة ودجل الثوريين

نداء تونس: الترياق من وهم الثورة ودجل الثوريين



   رغم سعيي إلى تجنّب الجمل التقريرية القائمة على "الوعي العفوي" غير المؤسس على المعطيات الموثوقة والقابلة للبرهنة، فإنه لا يخفى أنّ العداء لنداء تونس عند أغلب الراغبيين في الحل السياسي الجماعي ضمن ما يُسمّى بقانون "تحصين الثورة" (في الحد الأقصى القادم من النهضة والمؤتمر مع تحفظ كبير من التكتل)وعند المدافعين عن الحلول الفردية ضمن المقاربة القضائية (في الحد الأدنى القادم أساسا من المعارضة)،لا يمكن ردّه إلى واقع العداء للتجمع ولا للولاء لمبادئ الثورة والبراءة من قوى الثورة المضادة والدولة العميقة التي اتخذت من نداء تونس واجهة قانونية لتبييض ماضيها الأسود وحماية مصالحها المادية والرمزية، بل إنني أزعم أنّ العداء لنداء تونس مردّه الخوف من قدرة هذا الحزب على إعادة تفعيل الشبكة التجمعية بكل مكوناتها المحلية والجهوية، وبكل التضامنات الجهوية والاقتصادية التي تقف خلفه. ويكفي لإثبات ذلك المقارنة البسيطة بين الليونة في ردود الأفعال تجاه الأحزاب التجمعية "الصغيرة" (وهي أكثر من أن تُحصى مثل المبادرة غيره ) والعنف الكبير الذي يواجه به نداء تونس رغم أنه لا وجود لاختلاف فكري أو بشري أو رمزي بين النداء وسائر العائلة النيو-تجمعية التي تُسمّى مجازا "العائلة الدستورية". ولذلك فإنّ الحديث عن عداء للتجمع في خطاب من أركبوهم على ظهورنا في الإدارات ومراكز القرار الجهوي والوطني(الحكومة ونواتها النهضوية) أو في النقابات والإعلام والمنظمات المدنية (المعارضة بكل تشكيلاتها التقدمية اليسارية والقومية) هو من باب السفسطة، بل هو من باب التغطية الفاشلة على تداخلات كبيرة تربط الجميع بالميراث البشري التجمعي من جهة ، وبعقليته الاحتكارية للمجال العام من جهة أخرى
          يبدو النشاط القانوني لنداء تونس بمثابة "المفارقة" السوسيولوجية التي تضع النهضة وحلفاءها الأقربين أمام وضعية تناقضية. فمن جهة أولى هم لا يستطيعون منع هذا الحزب من النشاط العلني بحكم وضعيته القانونية غير القابلة للمراجعة بحكم غياب أي طرح جدّي للمحاسبية أو لتمرير قانون تحصين الثورة بعيدا عن الاحتياجات الحزبية الضيقة، ولكنهم من ناحية ثانية لا يمكنهم أن يكونوا لا مبالين أمام إعادة تشكّل التجمع تحت غطاء  دستوري-بورقيبي وهميي. وبالطبع فإنّ المخاوف لا تتوجّه إلى التجمعيين كأفراد –فمن الممكن احتواؤهم أو تحييدهم- ولكن الخوف هو من التجمع كتنظيم أو كشبكة مصالح وعلاقات وتموقعات يستطيع –إن تُرك ينشط بطريقة طبيعية- أن يعيد بناء نفس"الكتلة" الهجينة من الناحية الإيديولوجية والفعّالة من الناحية التنظيمية. فهي كتلة "ميتا-ايديولوجية" اذا ما قاربناها من جهة تشكّلها من ليبراليين ويساريين وإسلاميين ينتمون إلى المؤسّسة الدينية الرسمية، ولكنها  في نفس الوقت كتلة إيديولوجية سواء أنظرنا إليها من زاوية موقفها "الصدامي" (ذي الأصل التجمعي) من العدو المشترك:الإسلام الحركي، أم نظرنا إليها من منظور النموذج المجتمعي الذي تدافع عنه (مجتمع حداثي يتم اختزاله في مقاربة ثقافوية تركّز على الحريات الفردية وتهمّش الاختيارات الليبرالية أو الطبيعة القمعية "بنيويا" للحقل السياسي اليعقوبي القائم على إقصاء الإسلاميين من الحقل السياسي وتشريك القوى التقدمية"المدجّنة" في عملية التشريع للاختيارات اللاوطنية للمركّب المالي-الجهوي-الأمني الحاكم)
-                 بالنسبة إلى "المعارضة" فإنّ الحسابات السياسية البراغماتية (فضلا عن"المشترك الثقافي العام" مع نداء تونس بحكم هيمنة المسألة الثقافية أو الهووية على أغلب وجوه الصراع مع الترويكا ونواتها النهضوية) يجعلها غير قادرة على المطالبة بجديةٍ بتحييد هذا الفاعل النيو-تجمعي رغم خطره المؤكّد على المسار التأسيسي للحريات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وذلك بالنظر إلى الكلفة الانتخابية التي قد تنتج عن التفويت في التحالف"التكتيكي" مع  طرف يمكن أن يكون شريكا فعّالا في معارضة النهضة قبل الانتخابات(بحكم سيطرته على مفاصل الادارة  والمال والإعلام والعلاقات الدبلوماسية خاصة)، وكذلك شريكا في الحكم بعد تلك الانتخابات. فحتى تلك الأطراف التي رفضت في الجبهة الشعبية الانخراط في التحالف من أجل تونس الذي يضم المسار والجمهوري ونداء تونس، فإنها ستختار التحالف الانتخابي-أو على الأقل عدم التصعيد- مع  هذا الائتلاف النيو-تجمعي لأنه أقرب إليها "ثقافيا" و"وجدانيا" (وليس في مستوى الاختيارات الاقتصادية) من النهضة والإسلاميين عموما(رغم أنّ عموم النهضويين والإسلاميين هم من الفئات الفقيرة والمهمّشة التي يُفترض في "التقدميين" الدفاع عن مصالحها ومحاولة تغيير وعيها "الطبقي" لا التصادم الإيديولوجي معها على أساس"ثقافوي" لا يخدم في التحليل الأخير إلا مصالح "البرجوازية" الليبرالية المهيمنة على نداء تونس وحلفائهم في البيروقراطية الإدارية والنقابية، بل التي تُشكّل القسم الأعظم من قاعدتهم الانتخابية.
-            وقد يبدو الحديث عن التقارب الثقافي والوجداني باعتباره محددا لتحالفات سياسية استراتيجية أمرا غريبا، ولكنّ تلك الغرابة ستزول عندما نستحضر واقعا اجتماعيا هاما ألا وهو أنّ الصراع لا يُدار الآن"واقعيا" بين مشاريع"اقتصادية" مختلفة (لأنّ الجميع رغم كل العنتريات يعرف أنه لا يستطيع التحرك خارج منطق العولمة وإملاءاتها مع هامش مناورة محدود جدا على الأقل في المدى القريب والمتوسّط)، وإنما على أساس"نموذجين مجتمعيَّين" مختلفين، وهما  نموذجان يشتركان- رغم تباينهما الثقافي-الإيديولوجي في تهميش المسألة الاجتماعية والاقتصادية وإعلاء المقاربة"الثقافوية" في فهم الصراع وإدارته-من جهة التحالفات والعداوات- حتى لدى النخبة اليسارية إلى درجة صارت فيها أغلب مكوّناتها تُنعت باليسار"الثقافي" تعبيرا عن ضمور الأطروحات الاقتصادية وعدم اعتمادها لتكون أساس التمايز عن باقي الفاعلين السياسيين بمن فيهم الحليف الندائي وشركائه من البرجوازيين الصغار، وهو ما نتج من المحافظة على نفس المنطق"السكولاستكي" المهيمن منذ أواخر القرن الماضي والقاضي بضرورة تقديم التناقض الرئيسي مع الرجعية الدينية(النهضة والسلفية والتحرير) على التناقض الهامشي مع الرجعية البرجوازية(التجمع في أوائل تسعينات القرن الماضي ونداء تونس وحلفائه بعد  "الثورة") دون أن يُكلّف العقل السياسي "التقدمي"(في نسختيه اليسارية والقومية) نفسه أي مراجعة نقدية للكلفة الكارثية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لمثل هذه المقاربة"الثقافوية" العقيمة والتي لم يكن محصولها"الواقعي" إلا تدجين المعارضة"الكرتونية" و"الكفاءات" التقدمية وجعلها"واقعيا" في خدمة الرأسمال اللاوطني الوكيل للامبريالية الغربية.

        أمام هذا المشهد السياسي المعقّد فإنّ رابطة حماية الثورة قد أصبحت –بحكم التوازن الهش لموازين القوى بين الحكومة ومعارضتها، مع ميل جزئي لفائدة المعارضة وتشكيلاتها السياسية والنقابية الإعلامية والحقوقية والموازية- بمثابة "العنصر اللاوظيفي" الذي ينبغي التضحية به لفائدة "ميثاق سياسي" غير معلن تقوم بمقتضاه المعارضة بتخفيف الهجمة على الحكومة  مقابل تخلّي هذه الأخيرة عن تقديم الغطاء السياسي لرابطات حماية الثورة حتى تصبح المسألة "قضائية" بالأساس( وهو ما يعني دخولها ملعب "القضاء" الذي ثبت ألف مرة "استقلاله الكبير" عن كل استحقاقات الثورة لا عن السلطة التنفيذية منذ حكومة الغنوشي الأولى مرورا بحكومة الباجي قائد السبسي وانتهاء بحكومة الجبالي). ولو شئنا صياغة كل ما تقدم من تفصيلات في جملة واحدة لقلنا: إنّ نداء تونس هو "فضيحة" كل القوى السياسية التونسية بلا استثناء، لا لأنه "تجمعي" (فالتجمعيون أعدل الناس قسمة بين الاحزاب والمنظمات والنقابات)، بل لأنه جعلهم يدخلون في "مزايدات محاكاتية" ضدّ بعضهم البعض قصد التحالف معه أو تحييده أو تطويعه دون أي تفكير في إخراجه"قانونيا" من دائرة الفعل السياسي لأسباب تتصل بموازين القوى الداخلية من جهة، وبالتوازنات الإقليمية والدولية من جهة أخرى. وأزعم أنّ مصير الكثير من القوى الحزبية الرافضة "للتطبيع" مع نداء تونس ومن يقف خلفه في الدولة العميقة لن يختلف كثيرا عن مصير رابطة حماية الثورة، وذلك لأنّ الحقل السياسي يمكنه أن يتسامح مع"الخطابات الثورية" (مادامت تعطي للمواطن وهم حصول ثورة حقيقية) ولكنه لن يتسامح أبدا مع "سياسات ثورية" بحكم فهمه لطبيعة الانقلاب الذي حصل يوم 14 جانفي، والذي لم يكن في جوهره إلا مجرد" إعادة توازن" لاختلال بنيوي في النظام الرأسمالي الطرفي  périphérique التابع، وذلك بتوسيع قاعدته الاجتماعية وتغيير جزئي لآليات شرعنته الإيديولوجية( الإضافة"الصورية" للشرعية الإسلامية قصد إدارة المجتمعات الرأسمالية الطرفية عبر الحليف الجديد المتمثل في الحركات الإخوانية والسلفية العلمية باعتبارها مكّونا مضافا لمكوّنات الرأسمالية المحلية التابعة للمركز الغربي مباشرة أو عبر وكلائه الخليجيين)   


فردات الرّحــــــــــــــى


الكلمات:
طقّات فردات الرحى في اللّيل
وين القمر فوق المقادم صبّة
صحّى اللي جرحه نقض في اللّيل
يفهم غنالء مولاتها صبّه
تمّت تنادي فيه ولا في قدم
تنده على اللّي ما يشيلوا هم
تمّت تشاكي في الرحى
عاد الرحى تشكي
لين حان ميعاد الصّلاه
تشكي وهي تشكي
واللّي سمعهن ما لفاله نوم
ولا عاد يلفاله
حتى اللّي ما زال في أوّل صوم
ما راح من باله
موّال مولاة الرّحى ما راح من باله
طقّات فردات الرحى ما زال في باله
لين الظّلام جلا ولين البيان درى
لين الرّحى راحت وتقطّعت طقّاتها
مولاتها ارتاحت وتنّت عليه جاراتها
غنت ، غنت ، غنت بدال تشكي
........................................
­.
مليان يا قلب الرّحى واشفيك تطحن وتسحل ؟
لولاك فردات الرحى ما تسالفن
والايدين ما يرحن سوا ويتخالفن
لولاك كنا جياعة لا شان لا نسوى
في كل حد صناع يسوى وما يسوى
شبعتنا ونحمد الله في جنة يا قلب الرحى
هنينتنا بعانة الله تهنى يا قلب الرحى
نطحن ونسحل بعانة الله
نطحن أعداك ونسحل اللي ما يقدرو ذكراك
ونبقاش بعدك لا ننكسر لا نلين
بعانة الله يا قلب الرحى
----------------------------------------
­-----
فرقة ليبية عرفت باسم -رفاقة عمر -و اللحن و الغناء للصديق الليبى -رمضان كازوز

المصدر

 http://www.youtube.com/watch?v=5_8Uyw9IBno

L'afrique



L'afrique


L’Afrique est un continent couvrant 6 % de la surface terrestre et 20,3 % de la surface des terres émergées2. Sa superficie est de 30 415 873 km2 en incluant les îles. Avec une population de plus d'un milliard d'habitants3, l'Afrique représente 16 % de la population mondiale. Le continent est bordé par la mer Méditerranée au nord, le canal de Suez et la mer Rouge au nord-est, l’océan Indien au sud-est et l’océan Atlantique à l’ouest. Depuis l'accession à l'indépendance du Soudan du Sud en 2011, l'Afrique compte 54 États souverains4 (non inclus la RASD et le Somaliland).
L’Afrique chevauche l’équateur et englobe de nombreux climats : tempérés au nord et au sud, chauds et désertiques le long des tropiques, chauds et humides sur l'équateur. En raison du manque de précipitations régulières et d’irrigation, tout comme de glaciers ou de systèmes montagneux aquifères, il n’y existe pas de moyen de régulation naturel du climat à l’exception des côtes.

بلينا بقوم سفهاء صناعتهم الكذب و الفجور و النهب ... كما بلينا بقوم يظنون ان الله لم يهدي سواهم ... يحق لي و لك ان نستغربهذه هذه العجائب الغريبة و الفريدة من نوعها في عالمنا!



الاولى آه ..ترقص مع الراقصين..

ترقص مع الراقصين