الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

jeudi 17 septembre 2015

طلعت رضوان :الجمل وصفين وبحور الدم ( ندم عائشة بعد حرب الجمل ) عدد الروايات : ( 17 )






الجمل وصفين وبحور الدم

بدأتْ أحداث الفتنة بين العرب بمقتل الخليفة عثمان بأسلوب يخلو من أية مشاعر إنسانية على النحو الوارد فى كل كتب التراث العربى/ الإسلامى، بغض النظر عن فساد حكمه وانحيازه لأقاربه الخ، ثم كانت الحلقة الثانية المُطالبة بالثأر من القتلة، وتكون قمة التراجيديا / العبثية أنّ بعض من كفــّروه طالبوا بالثأر، مثل عائشة. 
أما الحلقة الثالثة من هذا المسلسل الدموى فهى الصراع على السلطة، ومن هنا كان مغزى وهدف موقعة الجمل التى دارتْ بين طلحة والزبير وعائشة من جانب ضد على بن أبى طالب. 
ومع ملاحظة أنه عقب وفاة عثمان فإنّ طلحة والزبير بايعا على بن أبى طالب، وبعد المبايعة ((تلكأ طلحة)) ولكن أحد أتباع على (مالك الأشتر) سلّ سيفه وقال ((والله لتبايعنّ أو لأضربنّ به ما بين عينيك)) فقال طلحة ((وأين المهرب عنه فبايعه وبايعه الزبير. 
وسأل طلحة والزبير أنْ يؤمّرهما على الكوفة والبصرة فقال تكونان عندى فأتحمّل بكما فإنى وحش لفراقكما)) (تاريخ الأمم والملوك – للإمام أبى جعفر محمد بن جرير الطبرى- مؤسسة الأعلمى للمطبوعات- بيروت- لبنان- ج3- من ص450- 452) أى أنّ (على) رفض طلبهما بأسلوب مهذب.
 فهل سيستسلمان للأمر الواقع، خاصة مع التهديد بالقتل كما فعل الأشتر مع طلحة؟ ولذلك فإنّ مبايعتهما لعلى (كانت كــُرهًا) كما قالا فيما بعد خاصة طلحة الذى قال ((بايعتُ والسيف فوق رأسى)) مرّتْ خمسة أيام دون حسم الولاية لصالح على، ولأنّ العرب لا يعرفون آلية الانتخاب الحر المباشر، قال كثيرون من أهل المدينة ((فوالله لئن لم تفرغوا لنقتلنّ غدًا عليًا وطلحة والزبير وإناسًا كثيرًا)) وبعد المبايعة لعلى قال الزبير ((بايعتُ واللج على عنقى)) (المصدر السابق- ص456، 457) 
وبعد أنْ انتهتْ معركة الجمل انتقل العرب/ العرب/ المسلمون/ المسلمون إلى معركة صفين، ونظرًا لتتابع المعركتيْن، ونظرًا لأنّ (على) كان طرفـًا فى المعركتين، ونظرًا لما ترسّخ فى عقلى (منذ شبابى) من كراهية لشخصية معاوية بن أبى سفيان، وميل (ساذج ورومانسى) لعلى، ونظرًا للتشابهات العديدة فى المعركتيْن : 1- غياب أى آلية ديمقراطية لانتخاب الحاكم 2- الاحتكام إلى السيف لحسم أى خلاف 3- أطراف المعركة مسلمون موحدون يقتلون مسلمين موحدين مثلهم 4- القتال كان لأغراض دنيوية بحتة (فى الأولى رغبة طلحة الزبير فى حكم الكوفة والبصرة وفى الثانية الصراع على الخلافة بين على ومعاوية) أى أنّ الصراع لم يكن لأية أهداف إنسانية نبيلة ولا حتى لصالح الجماهير 5- آلاف القتلى والمصابين وبحور الدم فى المعركتيْن 6- أنّ المعركتيْن لصالح العرب/ المسلمين ضد الشعوب التى تمّ غزو أراضيها واحتلالها (الشام والعراق) لكل تلك العوامل اختلط علىّ أمر المعركتيْن فى مقالى السابق، وأنا أقر وأعترف بهذا الخطأ وأشكر كل من نبّهنى إليه، سواء من كتب بأدب وبأسلوب مهذب وموضوعى، أو من كتب شامتــًا شاتمًا قادحـًا مُستخدمًا أسلوب الهجاء العربى الشهير. 
وفى كل الأحوال فقد استفدتُ من ملاحظات الفريقيْن (الفريق الموضوعى المهذب وفريق الشتــّـامين) وكان أهم مكسب أننى آليتُ على نفسى أنْ لا أعتمد على ذاكرتى من ناحية، وأتجنــّب ما رسخ فى عقلى ووجدانى من انطباعات عن قراءاتى فى مرحلة شبابى.
 ولكن بعد أنْ عاتبتُ نفسى على هذا الخطأ، انتبه عقلى لشىء غاية فى الأهمية، وهو أنّ فريق الشتــّـامين اهتموا بالخطأ الذى وقعتُ فيه بسبب خلطى بين معركتىْ الجمل وصفين، ولكنهم تغاضوا تمامًا عن المذابح التى تمّتْ فى هاتيْن المعركتيْن، ولم يهتموا بأنّ القتلة والمقتولين من المسلمين، ولم يهتموا بالشخصيات الرئيسة التى حرّكتْ الصراع، فمع استثناء (معاوية الداهية) يبقى أربعة حصلوا على تأشيرة ربانية/ محمدية بدخول الجنة : على وطلحة والزبير، أما عائشة فهى زوجة النبى فى الجنة كما كانت زوجته فى الدنيا، كما قال على بن أبى طالب بعد انتهاء معركة الجمل والصلح بينهما، ولا يُعقل أنْ تدخل (الحميراء) النار بعد أنْ أوصى النبى المسلمين أنْ يأخذوا نصف دينهم عنها. 
كل هذا غاب عن فريق الشتــّـامين، وهو ما يؤكد أنّ الأصوليين المُـدافعين عن الإسلام أجساد بلا عقول أو عقول محنـّطة أو عقول فى قوالب ولذلك يرفضون أى نقد للتراث العربى/ الإسلامى حتى ولو كان العلاج ببول البعير. 
كان من بين أسباب الخلط الذى وقعتْ فيه قول ابن عباس لعلى ((تعلم أنّ معاوية وأصحابه أهل دنيا فمتى تــُـثبتهم لا يُبالون بمن وُلىَ هذا الأمر. 
ومتى تعزلهم يقولوا (وردتْ هكذا) أخذ الأمر بعير شورى ويؤلبون عليك فينقض عليك أهل الشام وأهل العراق الخ. 
ولأنّ ابن عباس أحد أبناء ذلك المجتمع الصحراوى أضاف ((أما عمال عثمان فو الله لا أولى منهم أحدًا أبدًا فإنْ أقبلوا فذلك خير لهم وإنْ أدبروا بذلتَ لهم السيف)) فقال له على ((سر إلى الشام فقد وليتها لك)) فقال ابن عباس ((ما هذا برأى معاوية وهو ابن عم عثمان وعامله على الشام ولستُ آمن أنْ يضرب عنقى لعثمان.. خاصة وأنّ عمر بن الخطاب قد ولى معاوية الشام كلها)) فقال على ((لا والله لا أستعمل معاوية يوميْن أبدًا ولا أعطيه إلاّ السيف)) (الطبرى- من460، 462) وكان من أسباب الخلط الذى وقعتُ فيه أنّ معاوية بعد مقتل عثمان أعلن صراحة أنه ضد خلافة على (الطبرى- 548) وأكثر من ذلك كما ذكر الطبرى ((خرج أمير المؤمنين (على) إلى أهل الجمل فكان أثقل خلق الله على معاوية بن أبى سفيان لقربه من الشام أنْ يُقبل إليه على)) (551) وأنّ معاوية (الخليفة) اختلق كتابًا نسبه إلى قيس بن سعد مضمونه أنه بايع معاوية (وهذا لم يحدث والخطاب طويل ورد فى ص554) وكان من بين الخلط الذى وقعتُ فيه أنّ معاوية وهو فى الشام أتاه خبر مقتل طلحة والزبير فى معركة الجمل وأنّ معاوية لا يريد مبايعة على ويُعظم من شأن قتلة عثمان ويُحرّض على الطلب بدمه. 
وأنّ أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان (559، 560) ويبدو أنّ كثرة الدم وأنّ السيف هو الحكم (فى المعركتيْن) أوقعنى فى هذا الخلط.
 وعند الطبرى وغيره يتردّ لفظ السيف كثيرًا من ذلك على سبيل المثال أنّ الناس سألوا زياد بن حنظلة التميمى وهو يجرى : ما وراءك ؟ قال ((السيف يا قوم)) (465) 
من المهم فى تلك التراجيديا تكثيف التقابل الذى حدث ما بين كلمات عائشة ورد على عليها، اتهمتْ عائشة ((الغوغاء من أهل الأمصار وعبيد أهل المدينة. 
وفسكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام والمال الحرام فى الشهر الحرام وأنّ إصبع عثمان خير من طباق الأرض.. فاطلبوا دم عثمان تعزوا الإسلام)) (468، 469) فردّ عليها على بأسلوب مهذب فيه تعميم دون أنْ يذكر اسمها ((زعمتم إنما خرج السفهاء والغوغاء بينما كان بيننا العابد المجتهد ويعسوب القوم.. الخ))
 (يعسوب : رئيس القوم وأيضًا ملكة النحل) وعن فلان عن فلان قال عمار بن ياسر لعائشة يا أم المؤمنين ما أبعد هذا المسير من العهد الذى عهد إليك.
 قالت أبو يقظان قال نعم.
 قالت والله ما علمتُ قوال بالحق.
 قال الحمد لله الذى قضى على لسانك)) (542، 548) 
أما الزبير (أحد العشرة الذين نالوا تأشيرة دخول الجنة) فإنّ (يعلى بن أمية أعانه بأربعمائة ألف وحمل سبعين رجلا من قريش وحمل عائشة على جمل يُقال له عسكر بثمانين دينارًا)) 

وأنّ طلحة والزبير ظهرا فى مكة بعد مقتل عثمان بأربعة أشهر.
 وقدم يعلى بن أمية المال الكثير وزيادة على أربعمائة بعير، واجتمعوا فى بيت عائشة فأرادوا الرأى وقالوا نسير إلى على لقتاله. 
فقال بعضهم ليس لكم طاقة بأهل المدينة ولكنا نسير حتى ندخل البصرة والكوفة. 
ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى وللزبير بالبصرة هوى ومعونة.
 وأعطاهم عبد الله بن عامر مالا كثيرًا وإبلا فخرجوا فى سبعمائة رجل من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس حتى كانوا ثلاثة آلاف رجل (470، 471) وقال على لابنه الحسن ((جئتَ تحن حنين الجارية. فقال أجل. 
قال أمّرتكَ فعصيتنى فأنت اليوم تـُقتل بمصبعة (وردتْ هكذا) لا ناصر لك. 
قال حدِثْ القوم بما أمرتنى به. قال أمرتك حين سار الناس إلى عثمان ألاّ تـُبسط يدك ببيعة حتى تجول جائلة العرب فإنهم لن يقطعوا أمرًا دونك فأبين علىّ. 
 وأمرتك حين سارتْ هذه المرأة (عائشة) وصنع هؤلاء القوم ما صنعوا أنْ تلزم المدينة وتـُرسل إلىّ من استجاب لك من شيعتك..
 والله يا بنى ما كنتُ لأكون كالضبع وتستمع للدم إنّ النبى قــُبض وما أرى أحدًا أحق بهذا الأمر منى، فبايع الناس أبا بكر، فبايعتُ كما بايعوا ثم إنّ أبا بكر هلك وما أرى أحدًا أحق بهذا الأمر منى، فبايع الناس عمر، فبايعتُ كما بايعوا ثم إنّ عمر هلك وما أرى أحدًا أحق بهذا الأمر منى، فجعلنى سهمًا من ستة أسهم فبايع الناس عثمان فبايعتُ كما بايعوا ثم سار الناس إلى عثمان فقتلوه ثم أتونى فبايعونى طائعين غير مُــكرهين فأنا مُــقاتل من خالفنى)) (476) فهذا الحديث الطويل يدل دلالة قاطعة على أنّ على يشعر بالغبن الذى وقع عليه عقب وفاة محمد، وأنّ الخلافة كانت يجب أنْ تؤول إليه وليس إلى إبى بكر ولا إلى عمر ولا إلى عثمان، وإذا كان هؤلاء الثلاثة نعموا بالاستقرار منذ البداية (باستثناء عثمان فى أيامه الأخيرة) فإنّ على كان من سوء حظه عدم الاستقرار، خاصة مع معارضة معاوية ثم موقف طلحة والزير وعائشة التى قال عنها (امرأة) ولم يقل أم المؤمنين.
 والخلاصة أنّ هذا الحديث يدل على أنّ على – مثله مثل أى طامع فى السلطة – لم يكن يهتم بنشر الدعوة الإسلامية ولم يتحسّب لنتائج القتال (سواء فى معركته الأولى – الجمل – أو فى معركته الثانية – صفين) تلك النتائج اتى ترتـّب عليها قتل الآلاف غير المصابين. 

وعلى الجانب الآخر فإنّ عائشة كانت مثل على تمامًا فلم تتحسّب لنتائج المعركة واشعال فتيل الخصومة خاصة عندما ردّدتْ ما قاله معاوية وكل أبناء بنى أمية الذين استفادوا من فترة حكم عثمان فقالت ((والله قتـُل عثمان مظلومًا.. والله لأطلبنّ بدمه. فقال لها ابن أم كلاب ولمَ ؟ فو الله إنّ أول من أمال حرفه لأنتِ ولقد كنتِ تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر. 
قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه. 
وقد قلتُ وقالوا وقولى الأخير خير من قولى الأول.
 فقال لها ابن أم كلاب ((منكِ البداءُ ومنكِ الغِـيَرْ / ومنكِ الرياح ومنكَ المطر/ وأنتِ أمرتِ بقتل الإمام/ وقلتِ لنا إنه قد كفر)) (477) 
ومع ذلك أصرّتْ على رأيها فى ضرورة قتال على بحجة (أخذ دم عثمان) لذلك قال عثمان بن حنيف ((دارتْ رحى الإسلام ورب الكعبة فانظروا بأى زيفان تزيّف)) (480)
 أى أنّ الفريقيْن على ضلال وزيف ومعركتهما ليست لصالح الإسلام.
 وكان عثمان بن حنيف مع جيش على، لذلك فإنّ أتباعه انقسموا فريقيْن : فريق ظلّ معه وفريق انضم لعائشة.
 أما (جارية بن قدامة السعدى) فقال لعائشة ((يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح.
 إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكتِ سترك وأبحتِ حرمتكِ. 
إنّ من رأى قتالك فإنه قتلك)) ثم خرج غلام من بنى سعد وواجه طلحة والزبير وقال لهما ((أما أنت يا زبير فحوارىّ الرسول.
 وأنت يا طلحة فوقيتَ الرسول بيدك وأرى أمكما معكما (يقصد عائشة) فهل جئتما بنسائكما؟ قالا لا.
 قال فما أنا منكما فى شيىء واعتزل)) وقال غلام آخر من جهينة ((دم عثمان ثلاثة أثلاث : ثلث على صاحبة الهودج (عائشة) وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعنى طلحة.
 وثلث على ابن أبى طالب ثم أنشد شعرًا قال فيه ((سألتُ ابن طلحة عن هالك/ بجوف المدينة لم يقبر/ فقال ثلاثة رهط هُمُ / أماتوا ابن عفان واستعبر/ فثلث على تلك فى خدرها / وثلث على راكب الأحمر/ وثلث على ابن أبى طالب/ ونحن بدوية فرفر)) (من 480- 483) إذن كانت هناك بعض الأصوات العاقلة التى رفضتْ تلك المعركة المجنونة.
وصل الجنون لدرجة أنْ دار قتال داخل أحد المساجد، وكان الهدف الوصول إلى عثمان بن حنيف فلما قبضوا عليه توطؤوه (أى داسوا عليه) وما بقيتْ فى وجهه شعرة.
 ولما أرسلوا إلى عائشة يستشيرونها فى أمره قالت اقتلوه.
 فلما ناشدتها إحدى السيدات الرأفة به، قالت عائشة احبسوه ولا تقتلوه.
 فقام (مجاشع بن مسعود) وقال لرجاله : اضربوه وانتفوا شعر رأسه ولحيته فضربوه أربعين سوطــًا ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه (485) أى أننا إزاء مسلخة مثل التى كتب عنها المؤرخون عن معتقلات النازى.
 وعندما أنكر طلحة التحريض على قتل عثمان وقال ((إنما أردنا أنْ يستعب ولم نرد قتله)) فقال له الناس ((يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا)) أما عن غياب أدنى أشكال الديمقراطية فقد لخصها رجل آخر قال (يا معشر المهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله فكان لكم بذلك فضل ثم دخل الناس فى الإسلام كما دخلتم فلما توفى الرسول بايعتم رجلا منكم والله ما استأمرتمونا فى شىء من ذلك فرضينا واتبعناكم فجعل الله للمسلمين فى إمارته بركة ثم مات واستخلف عليكم رجلا منكم فلم تشاورونا فى ذلك فرضينا وسلمنا فلما توفى الأمير جعل الأمر إلى ستة نفر فاخترتم عثمان وبايعتموه عن غير مشورة منا ثم أنكرتم من ذلك الرجل شيئـًا فقتلتموه عن غير مشورة منا ثم بايعتم عليًا عن غير مشورة منا فما الذى نقمتم عليه فنـُقاتله ؟ 
هل استأثر بفيىء أو عمل بغير الحق أو عمل شيئـًا تنكرونه فنكون معكم عليه)) فكان مصير هذا الرجل القتل (نتيجة صراحته) وقتلوا معه سبعين رجلا من عشيرته (486) وواضح من كلام الرجل أنه من الأنصار رغم أنّ الطبرى لم يذكر ذلك صراحة واكتفى بأنّ حديثه كان موجهًا للمهاجرين. 
ووصل الأمر لدرجة أنْ اقترح بعض أتباع على أنْ يأخذوا عائشة رهينة، وإنْ كان الطبرى لم يذكر التفاصيل (488) 
وعن الرجال الذين حاربوا فى جيش عائشة فإنّ الزبير أراد أنْ يعطى الناس أرزافهم ويُقسّم ما فى بيت المال فقال عبد الله ابنه ((إنْ ارتزق الناس تفرّقوا)) (490) أى أننا إزاء (مرتزقة) بكل ما يحمله هذا المصطلح من دلالات، وعلى رأسها أنهم يُـحاربون بالأجر، وليس لهم رأى فى الصراع الناشب بين الفريقيْن. 
أما الإنسان صاحب الرأى فكان مثاله (زيد بن صوحان) إذْ أنّ عائشة كتبتْ إليه (((من عائشة بنت أبى بكر أم المؤمنين حبيبة رسول الله إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فإذا أتاك كتابى هذا فاقدم وانصرنا على أمرنا هذا فإنْ لم تفعل فخذل الناس عن على)) فكتب إليها ((من زيد بن صوحان إلى عائشة ابنة أبى بكر حبيبة رسول الله.
 أما بعد فأنا ابنك الخالص إنْ اعتزلتِ هذا الأمر ورجعتِ إلى بيتك وإلاّ فأنا أول من نابذك)) (492) فهذا إنسان صاحب رأى ولم ينخدع بالكلمات المعسولة مثل (ابنى الخالص) 
ولأنّ العرب لديهم ولع بما يُسمى الشعر، لذلك خاطب على بن أبى طالب جيشه قائلا ((سيروا أبابيل وحثوا السيرا / إذْ عزم السير وقولوا خيرا / حتى يُلاقوا وتـُلاقوا خيرا / نغزو بها طلحة والزبيرا)) ولأنّ عمار بن ياسر ذكــّر على بحديث محمد عن الفتنة القادمة وأنّ القاعد فيها خير من القائم، قام رجل من بنى تميم وعيّره بالعبودية وقال ((اسكت أيها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تـُسافه أميرنا)) فقال عمار ((هذا ابن عم رسول الله يستنفركم إلى زوجة رسول الله.
 وإنى أشهد أنها زوجته فى الدنيا والآخرة فانظروا ثم انظروا فى الحق فقاتلوا معه)) فقال الحسن بن على (أكفف عنا يا عمار فإنّ للاصلاح أهلا)) (499) ويدخل الدين فى شئون الحرب والغدر بعثمان ثم المطالبة بدمه. 
وأنّ من ((ترك الأمر كان تركــًا للقرآن. وإنْ عمل به كان احياءً للقرآن)) ووصل الأمر لدرجة أنّ كثيرين كرهوا عائشة عندما علموا بمشاركتها فى قتال على بينما رأى آخرون قتل على ((ونـُلحقه بعثمان)) والسبب أنّ أهالى البصرة يقولون أنّ على لو انتصر فى تلك المعركة فسوف ((يقتل رجالنا ويسبى نساءنا)) فقال على ((ما مثلى يخاف هذا وهل يحل هذا إلاّ ممن تولى وكفر)) ولأنّ التهمة السائدة كانت (التكفير) لذلك قال عبد الرحمن بن سليمان التميمى ((لم أر كاليوم أخا إخوان/ أعجبُ من مُـكفـّر الإيمان/ بالعتق فى معصية الرحمن)) 
وذكر الطبرى أنّ جيش على كان مكوّن من عشرين ألف رجل وأنّ أهل البصرة انقسموا فريقيْن : فريق مع على وفريق مع طلحة والزبير. 
وقال أهل الكوفة إنّ (على) سوف يسفك الدماء ويستحل الحرمة. 
بينما قال على ((علمتُ أنّ طلحة والزبير غير منتهييْن حتى يسفكا الدماء ويستحلا الحرمة)) (من 505- 518) 
وكان من بين أسباب الخلط أنه تم استخدام المصحف فى معركة الجمل كما سيحدث بعد ذلك فى معركة صفين، فبعد أنْ قال على للزبير ((أتطلب منى دم عثمان وأنت قتلته.
 وبعد أنْ قال لطلحة ((أما بايعتنى)) فردّ عليه ((بايعتك واللج على عنقى)) فقال على لأصحابه أيكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه. 
وطاف علىّ على أصحابه يعرض ذلك عليهم فلم يقبله إلاّ فتى وقال له على اعرض عليهم هذا وقل هو بيننا وبينكم. 
فحمل الفتى وفى يده المصحف فقـُطعتْ يداه فأخذه بأسنانه حتى قتل فقالت أم الفتى ((لا هُمّ إنّ مسلمًا دعاهم/ كتاب الله لا يخشاهم/ وأمهم قائمة تراهم/ يأتمرون الغى لا تنهاهم/ قد خُـضّــبتْ من علق لحاهم)) (522) 
فقال على قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم فقتل يومها سبعون رجلا كلهم يأخذ بخطام الجمل فلما عقر الجمل وهزم الناس أصابتْ طلحة رمية فقتله مروان ابن عبد الحكم.
 ولما انهزم جيش عائشة قالت لعلى ((يا ابن ابى طالب ملكتَ فاسجع)) فسرحها على وأرسل معها جماعة من رجال ونساء وجهزها وأمر لها بإثنى عشر ألفـًا من المال)) وهكذا كانت تـُوزع الأموال المنهوبة من عرق فلاحى العراق والشام ومصر. 
ورغم أنّ الزبير حارب على فإنّ قاتل الزبير (ابن جرموز) عندما طلب مقابلة على قال على لخادمه ((ائذن له وبشره بالنار)) (520) عقلية عجيبة : قاتل الزبير كان يعمل فى جيش على، والزبير يُحارب على، فلماذا قال على ما قال؟ هل لمجرد أنّ الزبير أحد العشرة الذين فازوا بتأشيرة دخول الجنة ؟ فتكون النتيجة أنّ قاتله يدخل النار؟ فيا لعجائب الميتافيزيقا!! وكما طلبتْ هند كبد حمزة بن عبد المطلب قال رجل من بنى ليث ((سائل بنا يوم لقينا الأزدا / والخيل تعدو أشقرًا ووردا / لما قطعنا كبدهم والزندا / سُحقــًا لهم فى رأيهم وبُعدا)) وقال شاعر آخر ((جرّدتُ سيفى فى رجال الأزد/ أضرب فى كهولهم والمُرْد)) وكما طلب على الاحتكام للقرآن كذلك فعلتْ عائشة.
  فكان مصير الشخص الذى حمل المصحف أنْ ((رشقوه رشقــًا واحدًا فقتلوه ورموا عائشة فى هودجها. فعلا صوتها : الله. الله. العنوا قتلة عثمان وأشياعهم)) (523) 
 وعندما قام رجل من عبد القيس وقال ((ندعوكم إلى كتاب الله. قالوا وكيف يدعونا إلى كتاب الله من لا يُقيم حدود الله؟)) ونظرًا لكثرة الجرحى
 نقل الطبرى رأى من شهد تلك المذبحة فقال (( ما رأيتُ وقعة قط قبلها (رأيتُ) يدًا مقطوعة ورجلا مقطوعة لا يدرى من صاحبها)) 
ورغم ذلك قال رجل يدّعى الشعر ((نحن بنو ضبة أصحاب الجمل/ ننعى ابن عفان بأطراف الأسل/ الموت أحلى عندما من العسل/ ردوا علينا شيخنا ثم بَجَلْ))
 ولذلك ردّ عليه شاعر آخر ((كيف نرد شيخكم وقد قحل/ نحن ضربنا صدره حتى انجفل)) (أى طلب المستحيل كما فعلت اليمامة بعد مقتل كليب) وقال (شاعر) آخر ((نحن بنو ضبة لا نفر/ حتى نرى جماجمًا تخر)) وعندما فتح محمد بن أبى بكر أخو عائشة هودجها ليطمئن عليها قالت من أنت ويلك ؟
 فقال أبغض أهلك إليكِ قالت ابن الخثعمية قال نعم)) ويبدو أنّ الخثعمية اسم أمه.
 ورغم الدماء التى أريقتْ فى تلك المعركة إذا ((برجال من الأزد يأخذون بعر الجمل ويشمونه ويقولون بعر جمل أمنا ريحه ريح المسك)) ونظرًا لكثرة القتلى ((صرخ صارخ اعقروا الجمل فضربه بجير بن دجلة. فقيل له : لمَ عقرته ؟ فقال : رأيتُ قومى يُقتلون فخفتُ أنْ يفنوا)) ورغم ذلك قال أحدهم ((شفى السيف من زيد وهند نفوسنا / شفاءً ومن عينى عدى بن حاتم/ صبرنا لهم يومًا إلى الليل كله/ بُصمّ القنا والمرهقات الصوارم)) 
وعندما اقترب عمار بن ياسر من عائشة وقال لها ((كيف رأيتِ ضرب بنيك يا أم؟ قالت من أنت قال أنا ابنك البار عمار. قالت لستُ لك بأم. وقالت فخرتم إنْ ظفرتم )) وجاء (أعين بن ضبيعة المجاشعى) حتى اطلع على الهودج فقالت عائشة إليك لعنك الله.
 فقال والله ما أرى إلا حميراء. قالت هلك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك)) 
وذكر الطبرى أنّ عدد قتلى معركة الجمل بلغ عشرة آلاف نصفهم من أصحاب على ونصفهم من أصحاب عائشة.
 وكانت فتاة اسمها صفية قد سبّتْ على واتهمته بقتل الأحبة، فسأله أحد الرجال : من أمضُ لك شتيمة من صفية ؟ قال : ويحك لعلها عائشة.
 فقال الرجل ((جُزيتِ عنا أمنا عقوقــًا)) وقال آخر ((يا أمنا توبى فقد خطئتِ)) فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب فأقبل بمن كان عليه فأحالوا على الرجليْن فقال : اضرب أعناقهما ولكنه أمر بضربهما ألف جلدة وأخرجهما من ثيابهما. 
وبعد انتهاء المعركة رجع على فنظر فى بيت المال فإذا به ستمائة ألف وزيادة فقسّمها على من شهد معه فأصاب كل رجل خمسمائة.. الخ أى (القتال بأجر) ورغم وقوف عائشة ضده فإنه خصّص لها أربعين امرأة لخدمتها (من العبيد) وقال عنها ((يا أيها الناس صدقتْ والله وبرتْ ما كان بينى وبينها إلا ذلك وإنها لزوجة نبيكم فى الدنيا وفى الاخرة)) (من 523- 547) 
ذلك هو تاريخ معركة الجمل التى مات فيها عشرة آلاف إنسان كما ذكر الطبرى (غير الجرحى ومنزوعى الأطراف فى مشهد شبيه بما حدث بعد أكثر من ألف سنة فى أفغانستان على يد طلبة الشريعة (طالبان) ثم فى سوريا والعراق على يد الدواعش.
 فهل يكون تركيز أعداء العقل المدافعين عن الإسلام على الخطأ بأنّ الحرب كانت بين جيش على ومعاوية بينما المعركة كانت بين عائشة وطلحة والزبير من جهة وعلى بن أبى طالب من جهة ؟ 
وهل تـُوجّه سهام النقد لهذا الخطأ ؟ (وهو شيىء مذموم ومرفوض فى أية كتابة تاريخية) أم يكون (النقد) بهدف تحليل تلك المذبحة والدروس المُستفادة منها؟ وعلى رأس تلك الدروس أنّ مسلمين موحدين قتلوا مسلمين موحدين مثلهم، وأنّ أربعة من الذين أراقوا الدماء (من أجل السلطة) حصلوا (مسبقــًا) على تأشيرة ربانية/ محمدية بدخول الجنة؟!


( ندم عائشة بعد حرب الجمل )
عدد الروايات : ( 17 )
أحمد بن حنبل - زهد - زهد عائشة
 
920 - حدثنا : عبد الله ، حدثنا : أبي ، حدثنا : عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، حدثنا : من سمع عائشة تقرأ : وقرن في بيوتكن ، فتبكي حتى تبل خمارها.

مستدرك الحاكم - كتاب معرفة الصحابة (ر) - لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة - رقم الحديث : ( 4667 )
4586 - حدثنا : الحسن بن يعقوب العدل ، ثنا : محمد بن عبد الوهاب ، ثنا : جعفر بن عون أبا إسماعيل بن أبي خالد ، عن هشام ، و قيس ، عن عائشة  قالت : وددت أني كنت ثكلت عشرة مثل الحارث بن هشام ، وأني لم أسر مسيري مع إبن الزبير.
الرابط :

تفسير القرطبي - الجامع لأحكام القرآن - سورة الأحزاب - قوله تعالى : وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى -
الجزء : ( 14 ) - رقم الصفحة : ( 164 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- ذكر الثعلبي وغيره : أن عائشة (ر) كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبل خمارها ، وذكر أن سودة قيل لها : لم لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك ؟ ، فقالت : قد حججت وإعتمرت ، وأمرني الله أن أقر في بيتي ، قال الراوي : فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها رضوان الله عليها.
- قال إبن عطية : بكاء عائشة (ر) : أنما كان بسبب سفرها أيام الجمل ، وحينئذ قال لها عمار : إن الله : قد أمرك أن تقري في بيتك.  
 
الرابط :

الذهبي - سير أعلام النبلاء - الصحابة رضوان الله عليهم - عائشة أم المؤمنين - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 177 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- ولا ريب أن عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة وحضورهما يوم الجمل ، وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ ، فعن عمارة بن عمير ، عمن سمع عائشة : إذا قرأت : وقرن في بيوتكن ، ( الأحزاب : 33 ) بكت حتى تبل خمارها.
الرابط :

إبن أبي شيبه - كتاب الجمل - كتاب الجمل وصفين والخوارج
 
37144 - حدثنا : يعلي بن عبيد ، قال : ، أخبرنا : إسماعيل بن أبي خالد ، عن علي بن عمرو الثقفي ، قال : قالت عائشة : لأن أكون جلست عن مسيري ، كان أحب إلي : من أن يكون لي عشرة من رسول الله مثل ولد الحارث بن هشام.

إبن أبي شيبه - كتاب الجمل - كتاب الجمل وصفين والخوارج
 
37151 - حدثنا : وكيع ، عن جرير بن حازم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : قالت عائشة : وددت أني كنت غصناً رطباً ولم أسر مسيري هذا.

حلية الأولياء - عائشة زوج الرسوال ص
 
1515 - قال : وحدثني : من ، سمع عائشة (ر) تقرأ : وقرن في بيوتكن ، فتبكي حتى تبل خمارها .

البيهقي - دلائل النبوة - جماع أبواب غزوة تبوك
 
2713 - أخبرنا : محمد بن عبد الله الحافظ ، أخبرنا : الحسن بن يعقوب العدل ، حدثنا : محمد بن عبد الوهاب العبدي ، حدثنا : جعفر بن عون ، أخبرنا : إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عائشة ، قالت : وددت أني ثكلت عشرة مثل ولد الحارث بن هشام ، وأني لم أسر مسيري الذي سرت.
 

محمد بن سعد - الطبقات الكبرى - الجزء : ( 8 ) - رقم الصفحة : ( 81 )
9695 - أخبرنا : محمد بن عمر ، حدثنا : سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمير قال : ، حدثني : من سمع عائشة (ع) إذا قرأت هذه الآية : وقرن في بيوتكن ، بكت حتى تبل خمارها.

إبن أبي الدنيا - المتمنين
 
67 - حدثنا : إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا : أبو معاوية ، حدثنا : إسماعيل ، عن قيس ، قال : قالت عائشة (ر) : لوددت أني كنت ثكلت عشرة كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وأني لم أسر مسيري الذي سرت.

إبن أبي الدنيا - المتمنين
 
68 - حدثنا : إسحاق ، حدثنا : يعلي بن عبيد ، حدثنا : إسماعيل بن أبي خالد ، عن علي بن عمرو الثقفي ، قال : قالت عائشة (ر) : لأن أكون جلست عن مسيري ، أحب إلي : من أن يكون لي عشرة من رسول الله (ص) ، مثل ولد الحارث بن هشام.

البيهقي - الإعتقاد - باب إستخلاف أبي الحسن (ع)
 
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
 
359 - ثنا : الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان إملاءً ، أنا : أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن علي الدقاق ، أنا : عبد اللّه بن محمد بن عبد الرحمن المديني ، ثنا : إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، في مسنده ، ثنا : عبدة بن سليمان ، ثنا : سالم المرادي أبو العلاء ، قال : سمعت الحسن ، يقول : .... وروي أنها ما ذكرت مسيرها قط إلاّ بكت حتى تبل خمارها ، وتقول : يا ليتني كنت نسياً منسياً.

علي بن الجوزي - المنتظم في التاريخ
 
- أخبرنا : أبو منصور القزاز ، قال :‏ ، أخبرنا : أحمد بن علي بن ثابت قال :‏ ، أخبرنا : أبو عبد الله محمد بن أحمد الدقاق قال :‏ ، أخبرنا : أحمد بن عثمان الأدمي قال :‏ ، حدثنا : محمد بن سويد قال :‏ ، حدثنا : سفيان بن محمد المصيصي قال :‏ ، حدثنا : يوسف بن إسباط قال :‏ ، حدثنا : سفيان الثوري ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال :‏ ما ذكرت عائشة مسيرها قط إلاّ بكت حتى تبل خمارها ، وتقول‏ :‏ ‏‏ ليتني كنت نسياً منسياً ‏‏‏.‏
- أخبرنا : زاهر بن طاهر قال :‏ ، أخبرنا : أحمد بن الحسين البيهقي قال :‏ ، أخبرنا : أبو عبد الله الحاكم قال :‏ ، أخبرني : ليث بن طاهر المنادي قال :‏ ، أخبرنا : محمد ين يعقوب قال :‏ ، حدثنا : محمد بن جعفر الرافعي قال :‏ ، حدثنا : عبد الله بن خلاد قال :‏ ، حدثنا : عبيد الله بن عمر الرقي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عائشة (ر) : أنها كانت تقول‏ :‏ لو إستقبلت من أمري ما إستدبرت ولم أكن خرجت على علي (ر) كان أحب إلي : من أن يكون لي : من رسول الله (ص) عشرة كلهم مثل أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‏.

إسحاق بن راهويه - مسند إبن راهويه - الجزء : ( 2 ) -  رقم الصفحة : ( 34 )
 
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- وكانت (ر) إذا قرأت الآية : وقرن في بيوتكن ... ( الأحزاب : 33 )  بكت حتى تبل دموعها خمارها.
- وجاء عن عائشة (ر) : أنها قالت : إذا مر إبن عمر (ر) فأرونيه ، فلما مر بها قيل لها هذا إبن عمر ، فقالت : يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري ، قال : رأيت رجلاًًً قد غلب عليك يعني إبن الزبير ، فكل هذه الروايات تدل على ندامة عائشة (ر) ندامة كاملة وحتى إعتبرت مسيرها حدثاًً في حياتها ، وكانت من نيتها أولاًً أن تدفن في بيتها ثم إنصرفت ، عن ذلك فقال : أني أحدثت فأوصت أن تدفن في البقيع (ر).
- وكذا كانت إذا قرأت الآية : وقرن في بيوتكن ، بكت بكاء شديداًًً حتى تبل خمارها.

البلاذري - أنساب الأشراف - رقم الصفحة : ( 266 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- 345 - حدثنا : محمد بن حاتم بن ميمون ، وروح بن عبد المؤمن ، قالا ، حدثنا : عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى قال : ، حدثني : من سمع عائشة تقرء : وقرن في بيوتكن ، ( الأحزاب : 33  ) فتبكي حتى تبل خمارها.

سعيد أيوب - زوجات النبي (ص) - رقم الصفحة : ( 52 )
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]
- عن قيس بن أبي حازم قالت عائشة : إني أحدثت بعد رسول الله (ص) حدثاًً ، إدفنوني مع أزواجه ( 1 ).
- وعن عمارة بن عمير قال : كانت عائشة إذا قرأت هذه الآية : وقرن في بيوتكن ، بكت حتى تبل خمارها.
الهامش :
( 1 ) - رواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ( المستدرك 6 / 4 ) وإبن سعد ( الطبقات 74 / 7 ). ( 2 ) الطبقات الكبرى 74 / 7. ( 3 ) المصدر السابق 81 / 7 )

mercredi 16 septembre 2015

مكسيم غوركي الام



 الام
ملخص رواية الأم ل مكسيم غوركي
من الابداعات الادبية العالمية رائعة الاديب الروسي مكسيم غوركي رواية الام ..
الام العجوز تعيش حالة خضوع لزوج سكير يهيج كالثور..
 حين يريد السكر  يبيع كل مقتنيات البيت لتلبية رغبته ..
 لانه عامل متواضع في مصنع تمتلكة البرجوازية ولا تعطي العمال سوى الفتات
الابن وصديقة هافل وفلاسوف شابان بدأ بالتخطيط لانقاذ العمال بعد ان تعرف على الشقراء ساشا التي تأتي من المدينة لتحمل للشاب اخبار الثورة في المدن وتدير الثورة في القرية
الام تخشى ان يموت ولدها فتحاول احتواء عمله ، تخفي المنشورات السياسية ، تخفي السلاح ...
تنشب معركة المصنع .. يكون الاب ضحية لكنه من طرف المستغلين في المصنع .. يموت الاب يسجن الابن
الام تتبنى فكر ابنها ليس لانها تعرف شيء عن الثورة او مطالبها انما فقط لانها رغبة ابنها المسجون
العمال وبقيادة ساشا ينظمون عملية اقتحام للسجن
ينجو السجناء ..يهاجمهم الجيش .... يقتل الكثير .. تحضن الام ابنها المحرر ... يسقط الابن شهيد في حضن امه ..
ترد الام بان ترفع الراية التي مات ابنها لاجلها
يريد ان يقول ان الام كانت بطلة الثوار دون ان تعي اصلاً معنى الثورة
.




رواية الأم – مكسيم غوركي


القارئ لسيرة مكسيم غوركي سيعرف أن هذا الفتى منذ صباه المبكر وحتى أغلب حياة مراهقته عاش عاملاً منخرطاً في سلك العمال.
شاهداً على تسلط أرباب العمل وحالة الفقر والجوع والعمل المرهق التي تصيب العمال.
 والأهم من ذلك أنه عاش حياة مشردة لا تعرف الاستقرار في عمل واحد.
تنقل بين عدة مهام كما هو واضح في ثلاثيته التي تحكي سيرة حياته.
 لقد أخذ غوركي من البيان الشهير لعصبة الشيوعية كلمتين فقط .. وحولها إلى فكرة رواية أدبية .


“يا عمال العالم .. اتحدوا “


هذه الجملة الشهيرة بالبيان تحمل الروح والفكرة الأساسية لرواية الأم لمكسيم غوركي.
 في هذه الرواية لم يكتب مكسيم عن العمال بوجه خاص.
كان يكتب نفسه و هو منخرط في سلك العمال.
 ويكتب جدته عبر تجسيدها في شخصية الأم، وما تمثله الأم من روح ثورية قادرة على صنع الحياة.
 و يكتب عن جده في تجسيده لشخصية ميخائيل فلاسوف.
 رغم صرخات و لعنات مكسيم في ثلاثيته إلا أنها لم تكن تحمل رؤية تجاه أرباب العمال و تحسين مستوى العمال و معالجة الأوضاع الاجتماعية القائمة أساساً على الأوضاع الاقتصادية و السياسية. تشكلت رؤيته أخيراً في روايته الأم.


تبدأ الرواية ببداية العمل في أحد المصانع صباحاً.
 وكيف يقوم العمال بتلبية النداء صاغرين لما هو مفروض عليهم القيام به من أعمال.
 أوصاف العمال وكيف يلبون النداء استطاع مكسيم تصويرها بحرفيه اعتماداً على رؤيته ومشاهداته للعمال وهو عامل في شبابه.
 وأجاد تصوير على وجه الدقة لحظة انتهاء العمل في هذا المصنع.
 فالعمال بعد انتهائهم من أعمالهم يُطردون إلى بيوتهم أو للشوارع وقد أسودت وجوههم، تفوح من أجسامهم رائحة الزيت و القذارة.


في أحد بيت عمال المصنع تدور الرواية.
 ميخائيل فلاسوف رجل طاعن في السن و ميكانيكي من عمال المصنع، تتطابق تصرفاته مع أفراد عائلته تصرف رب العمل مع العمال.
 سكير و عربيد لا يعرف من الحياة سوى التفنن والإبداع في ضرب زوجته بيلاجيا نيلوفنا. وهي بطلة الرواية والمسماة بالأم.


في هذا البيت يسير الابن بافل أحد أبطال الرواية الأساسيين على سيرة أبيه في العربدة والسكر، إلا أنه يتغير بعد وفاة الأب.
 يتجه للقراءة ، حتى شكت الأم بأن ابنها سلك طريق الرهبنة.
 ولم تدري بأنه يقرأ كتب ممنوعة تدعو للثورة على أرباب العمل و الدعوة للاشتراكية.
 كانت الفكرة المطروحة في عقل بافل بأنه إذا أردنا معرفة البؤس في الحياة وما يعانيه الفقراء من ظلم يجب أن ندرس أولاً ثم نعلم الآخرين، خصوصاً العمال.
ويجب أن نبحث عن مصادر هذا الشقاء و البؤس لإزالته.
 وكيف يجب أن يعيش الناس اليوم، لا كيف كانوا يعيشون في الماضي.


يبدأ بافل بتشكيل جماعة ثورية تتألف من الفقراء و العمال المعدمين في منزله.
 يأخذهم الحديث باتجاه الاتفاق على أهم المبادئ التي يجب الالتزام بها.
 في هذا الجو القائم على الحوار الساخن و الحاد أحياناً بين أطراف الجماعة، تتعرف الأم على شخصيات فقيرة تدعو للحياة، ملتزمة بخط لا يمكن الحياد على تنفيذه.
 هي أمية و لا تعرف بالتحديد عن ماذا يتحدثون، و لكن عاطفة الأمومة أخبرتها بأن ابنها كرس نفسه لقضية جوهرية تصب في مصلحة الإنسان الروسي و العامل الروسي, و سبل تدعيم العلاقات الاجتماعية.
 رغم قلقها على مصير ابنها إلا أنها تفخر بابنها وهي تشاهده يرأس الاجتماعات ويتحدث بأشياء لا تفهمها.
 ولكنها لم تكن أمه وحده.. كانت أماً لجميع أصدقائه الذين يجتمعون في بيتها: كان حنانها كأم يفيض عليهم جميعا ويحيط بهم، تمنحهم الدفء والحنان ويمنحونها معنى جديد للحياة. فيأخذها النقاش معهم و تقرر الدخول في هذه الجماعة في الأخير، مرغمة بعاطفة الأمومة.


كان بافل وأعضاء الجماعة الثورية يطبعون المنشورات ويوزعونها بين العمال. رغم خطورة هذا الفعل وتربص الجواسيس بهم إلا أنهم قرروا مواصلة عملهم حتى آخر الطريق، لا يحيدون عن الفكرة، والإيمان بقضية العمال المهدورة. كان بافل يهيئ أمه لتلك الساعة التي سيعتقلونه فيها. كان يرفض حتى أن تعبر أمه عن مشاعرها وخوفها ويعتبر ذلك حجر عثرة في سبيل تحقيق هدفه السامي، دون أن يفهم أن مشاعر الأم هي أسمى وأهم من أي قضية أخرى

عليك ألا تحزني، ولكن يجب أن تفرحي. أي متى يا رب يكون عندنا أمهات يفرحن في حين يرسلن أبناءهن إلى الموت من أجل الإنسانية؟
عندما سجن ابنها تابعت هي مسيرته وأصبحت توزع المناشير مع أصدقائه. بدأت الرواية والأم خائفة ومتوجسة من أصدقاء ابنها ثم تعاطفت معهم ومع قضيتهم وفي النهاية تبنت هي القضية وأصبحت كغيرها من الرفاق المناضلين من أجل القضية.

كيف ستكون حياة الأم؟ وما مصير الجماعة الثورية بزعامة بافل؟ هذا ما ستجدونه عند قراءة الرواية. لكن الحقيقة الوحيدة في الرواية، أن الأم كانت ترمز لطريقة أو بأخرى للوطن. رمزاً للمستقبل والنضال والإشراق والتمرد والقوة الإنسانية. أعد من سيقرأ الرواية بعدم نسيان بطل الرواية بافل وهو يخطب في المحكمة بروح حيه ترفض الاستسلام. كان يجسد شخصية الثوري الحقيقية الرافض للعنف، والمؤيد لقيام نهضة اجتماعية وثقافية بين صفوف العمال. 
( الأمّ ) لمكسيم غوركي .

تبدأ الرواية بوصف لشخصية ميشال فلاسوف العامل السكير والجبار المخيف الذي يهابه الجميع بسبب مشاكله وبذاءة لسانه :

"ميشال فلاسوف. رجل شرير ذو شعر كثيف، وعينين شريرتين، ونظرة قاتمة، كان يعيش في وسط عمالي فقير، وكان همّ هذا الوسط من العمال بعد الخروج من المعمل أن يجتمعوا ويلجأوا إلى الخمرة ؛هرباً من تعبهم اليومي في ذلك المعمل الذي يستغلهم ويستهلك نضارة شبابهم، وأن يتنزهوا عند الغروب في الشوارع، ويتحدثوا عن العمل وعن الآلات، ويكيلوا لرؤسائهم السباب والشتائم، وكانوا غالبا ما يضربون نساءهن بعد مجادلة ما."
ثم يصف لنا حياة العمال وما أنتجه بؤسهم وفقرهم واستغلال أصحاب المعامل لهم من سوء في طباعهم وأخلاقهم وعنف يمارسونه ضد أزواجهم وضد بعضهم البعض:

"وكان يخيم على علاقاتهم شعور بالحقد به هذا الشعور الذي ورثوه، كداء، عن آبائهم وأجدادهم، والذي لن يفارقهم حتى اللحد."
يموت ميشال فلاسوف مخلفاً وراءه زوجة لم تحزن كثيراً على فراق ذلك الزوج القاسي الذي لم يكن لديه أسلوب حوار معها سوى الضرب والشتم.. وابنه بول ذو الأربعة عشر عاماً ، والذي وجد غياب والده فرصة؛ ليحتل مكانه ويقلد سلوكه وتصرفاته من شرب الخمرة وإساءة معاملة أمه التي تستجديه قائلة:

" أنت بشكل خاص يجب ألا تقرب الخمرة، فقد شرب والدك عنك وأذاقني كؤوس العذاب، فترفق أنت بي."
وبعد أن جرّب عدة طرق لتفريغ طاقته وممارسته مراهقته وتكوين شخصيته وجد له أخيراً طريقاً مختلفاً تماماً.. ألا وهو محاولة فهم الحياة ومعرفة سبب المعاناة التي يعيشها هو والتي كان يعيشها والده قبله وجميع العمال.. فبدل أن يلجأ للخمر لينسى همومه وعذابه قرر أن يبحث عن أسباب هذا العذاب ، الذي لم تعرف أمه في أعوامها الأربعين سواه..

عاش خلال سنتين حياة الراهب؛ يعود من المعمل وينعزل في غرفته ؛ ليقرأ الكتب الممنوعة كما وصفها لأمه، التي كانت تراقب تصرفاته بقلق وخوف أكثر مما كانت تخاف عليه عندما كان يتناول الخمر، ويخرج مع أصدقائه كما يفعل بقية الشبان..

" هذه الكتب التي أقرأها محرمة، لأنها تكشف لنا عن حقيقة واقعنا كعمال. إنها تطبع سراً. واذا ما وجدت معي فسيمضون بي إلى السجن."


صحيح أنها كانت أمية ولم تفهم بالضبط ما يفعله ابنها، وماذا كان يدور في الاجتماعات التي يعقدها في بيتها مع مجموعة من الشبان.. لكن إحساسها وقلبها كأم أخبرها بأن ابنها يكرس نفسه لقضية كبيرة قد يضحي بحياته لأجلها. أحزنها ذلك كثيراً وأشعرها بالخوف الدائم عليه ، لكن حياتها السابقة مع زوجها ومعاناتها علِّمتها أن تصمت وتستسلم لحتمية الواقع.. فهي تعلم أن "الدموع لا تنضب في عيون الأمهات".

رغم خوفها وقلقها على مصير ابنها ،إلا أنها ككل أم تشعر بالفخر بابنها، وهي تشاهده يرأس الاجتماعات ويتحدث بأشياء لا تفهمها. ولكنها لم تكن أمه وحده.. كانت أماً لجميع أصدقائه الذين يجتمعون في بيتها.. كان حنانها كأم يفيض عليهم جميعا ويحيط بهم.. تمنحهم الدفء والحنان ويمنحونها معنى جديد للحياة.. كانت من خلال الاستماع لهم تحاول أن تتعلم وتفهم ما يدور حولها.. حتى أن أندريه صديق ابنها عرض عليها أن يعلمها القراءة..

" نادراً ما كانت بيلاجي تدرك كنه هذه المعاني التي كان نيقولا يطلعها عليها، لكنه كان يختصر محاضرته لها بعبارة بسيطة استطاعت أن تحفظها عن ظهر قلب:
( إن السر في شقاء العالم هو أن الرجال المفكرين والأحرار قليلون.)


" ليس من انسان في العالم لم يؤذ أو يعذب. لقد أذقت الهوان لدرجة أنه لم يعد يثير غضبي. كل شخص يخاف من جاره، ولذلك يحاول هو أن يخيفه أولا. هذه هي الحياة أيتها الأم الصغيرة."
"دائماً نحن أول من يعمل وآخر من يعيش، في كل مكان. من من الناس يهتم بنا؟ أو يريد خيرنا؟ أو يعاملنا كبشر مثلهم؟ لا أحد".


" كم هي أليمة حياة الطيبين، وكم سهل موتهم!"


" نحن اليوم نفكر أكثر مما نشعر، لذلك أعتقد أننا فاسدون إلى حد ما".


"فتشوا دائماً عن الحقيقة، ودافعوا عنها ولو كلفكم ذلك حياتكم. إذ أن أولادكم سيعيشون بعدكم سعداء".
" اعملوا من أجل الحرية وهي تطعمكم الخبز، وتهبكم الحياة، ان حياتكم لتافهة."

كان ابنها وأصدقائه يطبعون المنشورات ويوزعونها بين العمال وهم يعلمون أنهم سيسجنون ويعذبون لكن لم يكن هناك ما يمنعهم عن مواصلة النضال في سبيل القضية التي يؤمنون بها.. ولهذا كان بول دائماً يعدّ أمه لتلك الساعة التي سيعتقلونه فيها، فكان يرفض حتى أن تعبر أمه عن مشاعرها وخوفها ويعتبر ذلك حجر عثرة في سبيل تحقيق هدفه السامي.. دون أن يفهم أن مشاعر الأم هي أسمى وأهم من أي قضية أخرى:

" عليك ألا تحزني، ولكن يجب أن تفرحي. أي متى يا رب يكون عندنا أمهات يفرحن في حين يرسلن أبناءهن إلى الموت من أجل الإنسانية؟".


" ثمة عواطف تحرم الإنسان من أن يعيش..."وعندما عاتبه صديقه أندريه على قسوته مع أمه أجابه:

" علينا أن نصرخ بحزم بكل ما نريد، سواء كان هذا ايجابا أم سلباً".
"وحتى لو كان هذا التصريح لأمك؟"
" أجل، للجميع على حد سواء. فلا أريد أن تكبلني صداقة أو محبة"
"حسناً، إنك بطل. ولكن امسح مخاط أنفك، وامض قل كل هذا الكلام لساندرين وليس لأمك."
"لكني قلته لها أيضاً."
"أبهذه الطريقة؟ انك تكذب علي. وإنما قلته لها بلطف، بحنان. لكن أمام أمك المسكينة تعرض بطولتك. ثق أيها البهيم أن بطولتك هذه لا تساوي فلساً".
ومسحت بيلاجي دموعها وخشيت أن يوجه أندريه اهانة لابنها ففتحت الباب ودخلت.."وعندما سجن ابنها تابعت هي مسيرته وأصبحت توزع المناشير مع أصدقائه ...
بدأت الرواية والأم خائفة ومتوجسة من أصدقاء ابنها ثم تعاطفت معهم ومع قضيتهم وفي النهاية تبنت هي القضية وأصبحت كغيرها من الرفاق المناضلين من أجل القضية:

" أتعرفون لم صدر الحكم بالنفي على ابني وعلى الآخرين؟ سأخبركم وستصدقون قلب أم مثلي: لقد أصدروا عليهم ذلك الحكم يوم أمس، لأنهم كانوا يحاولون أن يظهروا الحقيقة لكم، لكم جميعاً، معشر العمال. وعرفت أمس فقط أن هذه الحقيقة لا يمكن لأحد أن يخنقها وينكرها."

"العمل المضني هذا لا يحمل إليكم سوى المرض والجوع والفقر. كل شيء هو ضدنا، والجميع يستغلوننا. وفيما نحن نغرق بالوحول حتى آذاننا، نرى الآخرين يعيشون حياة ترف وفجوز، ويحيون في تخمة مستمرة، ويبقوننا نحن في قبضة الرعب والخوف لأننا جهلة لا نعرف شيئاً. إن حياتنا هي ليل حالك مستمر."
" لا تخافوا شيئاً مطلقاً. إذا لا يوجد شيء أشقى وأتعس من حياتكم التي تعيشونها طوال العمر."


" من يفني قلوبكم ويجفف صدوركم؟"


" لن تستطيعوا مهما فعلتم أن تقتلوا روحاً بعثت من جديد".


"لا يمكن أن يخنق العقل بالدم".


" لن تتمكنوا من إغراق الحقيقة في بحار من الرماد. أنتم مجانين، وبذلك لن تجلبوا سوى النقمة عليكم، وسيتفاقم الحقد، حقد الشعب القوي، وأخيراً سينصب عليكم جميعاً وعلى أسيادكم".


وأمسك الدركي بعنقها وراح يضغط عليه وخرجت من بلعمها حشرجات تردد:
"يا لكم من أشقياء، يا لكم من أشقياء!"
منقول