الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

mardi 20 août 2013

قبيل مصرع عبد الله بن الزبير بساعاتٍ دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر-وكانت عجوزًا قد كفَّ بصرها

منار شعبان
  
 أسماء بنت أبي بكر فهي ابنة أبي بكر الصديق وأمها قتلة أو قتيلة بنت عبد العزى قرشية من بني عامر بن لؤي وهي زوجة الزبير بن العوام، ووالدة عبد الله بن الزبير بن العوام.

وكانت تلقب بذات النطاقين قال أبو عمر: سماها رسول الله - لأنها هيأت له لما أراد الهجرة سفرة فاحتاجت إلى ما تشدها به فشقت خمارها نصفين فشدت بنصفه السفرة، واتخذت النصف الآخر منطقا، قال: كذا ذكر ابن إسحاق وغيره.

عاشت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها حياة كلها إيمان منذ بدء الدعوة الإسلامية، فهي من السابقات إلى الإسلام، ولقد أسلمت بمكة وبايعت النبي صلى الله علية وسلم على الأيمان والتقوى، ولقد تربت على مبادئ الحق والتوحيد والصبر متجسدة في تصرفات والده، ولقد أسلمت عن عمر لا يتجاوز الرابعة عشرة، وكان إسلامها بعد سبعة عشر إنسانًا.

وفي أثناء الهجرة التي هاجر فيها المسلمين من مكة إلى المدينة، وظل أبو بكر الصديق ينتظر الهجرة مع النبي من مكة، فأذن الرسول بالهجرة معه، وعندما كان أبو بكر الصديق يربط الأمتعة ويعدها للسفر لم يجد حبلاً ليربط به الزاد الطعام والسقا فأخذت أسماء رضي الله عنها نطاقها الذي كانت تربطه في وسطها فشقته نصفين وربطت به الزاد، وكان النبي يرى ذلك كله، فسماها أسمـاء ذات النطــاقين.

ومن هذا الموقف جاءت تسمية أسماء بنت أبي بكر بـ ذات النطاقين وقال لها الرسول : "أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة"، وتمنت أسماء الرحيل مع النبي ومع أبيها وذرفت الدموع، إلا إنها كانت مع أخوتها في البيت تراقب الأحداث وتنتظر الأخبار، وقد كانت تأخذ الزاد والماء للنبي ووالدها أبي بكر الصديق غير آبهة بالليل والجبال والأماكن الموحشة؛ وذلك لأنها كانت تعلم أنها في رعاية الله وحفظه ولم تخش في الله لومة لائم.

وفي أحد الأيام وبينما كانت نائمة أيقظها طرق قوي على الباب، وكان أبو جهل يقف والشر والغيظ يتطايران من عينيه، سألها عن والدها، فأجابت: إنها لا تعرف عنه شيئًا فلطمها لطمة على وجهها طرحت منه قرطها.

كانت الأم أسماء بنت أبي بكر حاملاً بعبـد الله بن الزبيـر، وهي تقطع الصحراء اللاهبة مغادرة مكة إلى المدينة على طريق الهجرة العظيم، وما كادت تبلغ قباء عند مشارف المدينة حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين أرض المدينة في نفس الوقت الذي كان ينزلها المهاجرون من الصحابة، وحُمِل المولود الأول إلى الرسول فقبّله وحنّكه، فكان أول ما دخل جوف عبـد اللـه ريق الرسول الكريم، وحمله المسلمون في المدينة وطافوا به المدينة مهلليـن مكبرين.

لما خرج الصديق مهاجراً بصحبة رسول الله حمل معه ماله كله، ومقداره ستة آلاف درهم، ولم يترك لعياله شيئًا...

فلما علم والده أبو قحافة برحيله -وكان ما يزال مشركًا- جاء إلى بيته وقال لأسماء (ذات النطاقين): والله إني لأراه قد فجعكم بماله بعد أن فجعكم بنفسه.

فقالت له: كلا يا أبتِ إنه قد ترك لنا مالاً كثيرًا، ثم أخذت حصى ووضعته في الكوة التي كانوا يضعون فيها المال وألقت عليه بثوب، ثم أخذت بيد جدها -وكان مكفوف البصر- وقالت: يا أبت، انظر كم ترك لنا من المال فوضع يده عليه وقال: لا بأس... إذا كان ترك لكم هذا كله فقد أحسن.

وقد أرادت بذلك أن تسكن نفس الشيخ، وألا تجعله يبذل لها شيئاً من ماله ذلك لأنها كانت تكره أن تجعل لمشرك عليها معروفًا حتى لو كان جدها.

وروى عروة عنها، قالت: تزوجني الزبير وما له شيء غير فرسه; فكنت أسوسه وأعلفه، وأدق لناضحه النوى، وأستقي، وأعجن، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله على رأسي وهي على ثلثي فرسخ فجئت يوما، والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله ومعه نفر، فدعاني، فقال: "إخ، إخ"، ليحملني خلفه; فاستحييت، وذكرت الزبير وغيرته.

فلما أتيت الزبير أخبرته فقال: والله، لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه! قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد بخادم، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني.

وعن ابن عيينة، عن منصور بن صفية، عن أمه، قالت: قيل لابن عمر: إن أسماء في ناحية المسجد -وذلك حين صلب ابن الزبير- فمال إليها، فقال: إن هذه الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله; فاتقي الله واصبري.

فقالت: وما يمنعني، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.

وفي خلافة ابنها عبد الله أميرًا للمؤمنين جاءت فحدثته بما سمعت من رسول الله بشأن الكعبة فقال: إن أمي أسماء بنت أبي بكر الصديق حدثتني أن رسول الله قال لعائشة أم المؤمنين: "لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لرددت الكعبة على أساس إبراهيم، فأزيد في الكعبة من الحجر". فذهب عبد الله بن الزبير بعدها وأمر بحفر الأساس القديم، وجعل لها بابين، وضم حجر إسماعيل إليها، هكذا كانت تنصح ابنها ليعمل بأمر الله ورسوله .
********************************
وقبيل مصرع عبد الله بن الزبير بساعاتٍ دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر-وكانت عجوزًا قد كفَّ بصرها- فقال: السلام عليك يا أُمَّه ورحمة الله وبركاته.

فقالت: وعليك السلام يا عبد الله.

ما الذي أقدمك في هذه الساعة، والصخور التي تقذفها منجنيقات الحَجَّاج على جنودك في الحرم تهز دور مكة هزًا؟!

قال: جئت لأستشيرك.

قالت: تستشيرني... في ماذا؟!

قال: لقد خذلني الناس وانحازوا عني رهبة من الحجاج أو رغبة بما عنده حتى أولادي وأهلي انفضوا عني، ولم يبق معي إلا نفر قليل من رجالي، وهم مهما عظم جلدهم فلن يصبروا إلا ساعة أو ساعتين، وأرسل بني أمية يفاوضونني على أن يعطونني ما شئت من الدنيا إذا ألقيت السلاح وبايعت عبد الملك بن مروان، فما ترين؟

فعلا صوتها وقالت: الشأن شأنك يا عبد الله، و أنت أعلم بنفسك؛ فإن كنت تعتقد أنك على حق، و تدعو إلى حق،فاصبر كما صبر أصحابك الذين قتلوا تحت رايتك، وإن كنت إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت... أهلكت نفسك، وأهلكت رجالك.

قال: ولكني مقتول اليوم لا محالة.

قالت: ذلك خير لك من أن تسلم نفسك للحجاج مختارًا، فيلعب برأسك غلمان بني أمية.

قال: لست أخشى القتل، وإنما أخاف أن يمثِّلوا بي.

قالت: ليس بعد القتل ما يخافه المرء فالشاة المذبوحة لا يؤلمها السلخ فأشرقت أسارير وجهه وقال: بوركتِ من أم، وبوركت مناقبك الجليلة؛ فأنا ما جئت إليك في هذه الساعة إلا لأسمع منك ما سمعت، والله يعلم أنني ما وهنت ولا ضعفت، وهو الشهيد علي أنني ما قمت بما قمت به حبا بالدنيا وزينتها، وإنما غضبًا لله أن تستباح محارمه، وها أنا ذا ماض إلى ما تحبين، فإذا أنا قتلت فلا تحزني علي وسلمي أمرك لله قالت: إنما أحزن عليك لو قتلت في باطل.

قال: كوني على ثقة بأن ابنك لم يتعمد إتيان منكر قط، ولا عمل بفاحشة قط، ولم يجر في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يكن شيء عنده آثر من رضى الله عز وجل، لا أقول ذلك تزكية لنفسي؛ فالله أعلم مني بي، وإنما قلته لأدخل العزاء على قلبك.

فقالت: الحمد لله الذي جعلك على ما يحب و أُحب
.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire