الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

mercredi 28 août 2013

أحداث قفصة سنة 1980 التي حاول القذافي توريط الجزائر فيها


أحداث قفصة سنة 1980 التي حاول القذافي توريط الجزائر فيها

أعضاء المجموعة المسلحة التي أرسلها القذافي إلى قفصة
 

 تفاصيل الحادث

   في الساعة الثانية والنصف من صباح الأحد 27 كانون الثاني 1980 رن جرس الهاتف في منزل السيد الهادي نويرة رئيس الوزراء, وكان المتكلم وزير الداخلية التونسي السيد عثمان كشريد ليبلغه أن عصابة مسلحة مزودة بأنواع مختلفة من الأسلحة المتعددة المصادر بدأت في الساعة الثانية من صباح اليوم هجوماً غادرا على مدينة قفصة واحتجزت العديد من السكان, والمعارك لا تزال مستمرة. وكان وقع المفاجأة كبيراً على الرئيس نويرة الذي سرعان ما أدار السماعة واستنفر أعضاء الحكومة وصدرت الأوامر لقوات الجيش بالتوجه إلى قفصة والتدخل السريع لوضع حد لهذا الاعتداء الآثم. واحتار السيد نويرة هل يبلغ الرئيس بورقيبة المقيم خارج العاصمة في استراحة طبية أم لا, ولكن معرفته الجيدة به دفعته لاطلاعه على تفاصيل المحاولة أولا بأول.
   وفي الساعة الخامسة والربع صباحاً اتصل وزير الداخلية السيد عثمان كشريد هاتفياً برئيس الوزراء السيد الهادي نويرة وابلغه سيطرة قوات الأمن على الموقف, و إلقاء القبض على المعتدين, وان تقريراً بهذا الصدد سيقدم بعد ساعة لدولة الرئيس.

الرواية في وكالة الأنباء الرسمية

   وكالة الأنباء التونسية وزعت النبأ في الصباح في بيان مقتضب قالت فيه: "قامت مجموعة مسلحة صباح اليوم الأحد عند الساعة الثانية بشن هجوم مسلح على مدينة قفصة مستخدمة أنواعا من الأسلحة المختلفة, وقد انقسمت إلى ثلاثة أقسام حيث توجهت مجموعة منها إلى ثكنة الجيش, و أخرى إلى مركز الشرطة, وأخرى إلى ثكنة الحرس الوطني وقد جاء المسلحون من الحدود الجنوبية الغربية.
   النبأ أثار الدهشة والاستغراب الشديدين في الجزائر حيث استدعى وزير خارجية الجزائر السيد محمد الصديق بن يحيى القائم بأعمال تونس في الجزائر وطلب منه توضيحات في الموضوع, بينما اتصل الرئيس الشاذلي بن جديد بقائد الناحية العسكرية في منطقة الحدود التونسية الجزائرية وطلب منه تقريراً مفصلاً حول الموضوع.
  و قد أكد التقرير العسكري على انه لم يتسلل أي شخص إطلاقا من الحدود الجزائرية نحو تونس ولم يشاهد أي تحرك مشبوه على الحدود المشتركة.

اتصال الشاذلي ببورقيبة

   في ضوء هذا التقرير اتصل الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد هاتفياً بالرئيس بورقيبة ودار بينهما حديث لمدة نصف ساعة, تأثر خلاله الرئيس بورقيبة شديد التأثر وعبر عن تقريره لهذه البادرة حيث زوده بتفصيلات عن الهجوم ومصدر الأسلحة والمهاجرين, و إبعاد هذه العملية. كما شكر الرئيس الجزائري على روح التضامن الأخوي مع تونس في هذه اللحظة الحرجة وقال: إن هذا لدليل على عمق الروابط الأخوية بين شعبينا.
   وكانت الساعة الثامنة والنصف عندما أعلن وزير الداخلية السيد عثمان كشريد انتهاء الهجوم  واستسلام المعتدين وسيطرة القوات المسلحة التونسية على الموقف سيطرة تامة وتشكيل هيئة تحقيق في القضية ستنشر بياناً مفصلاً بالموضوع منعاً لكل التباس.
   وعلى الفور قامت تظاهرات تلقائية تعبر عن استنكارها لهذا الاعتداء الإجرامي وتطالب بمعاقبة المجرمين. وبدأت برقيات الاستنكار والتأييد ترد على مقر رئاسة الجمهورية.
 
رواية وزير الداخلية

   أما وزير الداخلية السيد عثمان كشريد فقد سرد القصة للصياد على الوجه التالي:
  في الساعة الثانية من صباح الأحد 27 كانون ثاني (يناير) 1980 استيقظ سكان مدينة قفصة التونسية على دوي الرصاص و انفجارات القنابل, وفهم انه وصلت المدينة مجموعة من المسلحين انقسمت إلى ثلاث مجموعات الأولى توجهت إلى ثكنة احمد سليمي, والثانية إلى مركز الشرطة والثالثة إلى مركز الحرس الوطني, وكان هدفها احتلال المؤسسات التابعة للسلطة وفرض حصار عليها و إعلان حكومة مؤقتة تعمل على طلب مساعدات عاجلة من ليبيا التي كانت قد أعدت لإرسال مجموعات أخرى و أسلحة بواسطة الطائرات.
   وقال كشريد : كانت الخطة في مرحلتها الأولى تقضي دخول مجموعة من ليبيا إلى تونس على أن تتسرب من الحدود الجزائرية, للتأكيد على الانطباع بأن الجزائر تؤيد هذه المجموعة, وكانت تضم 49 شخصاً. وكان في اعتقادهم أن هناك مجموعة أخرى تنتظرهم في قفصة ويقدر عدد أفرادها بـ400 شخص, لكن عندما وصلوا خاب ظنهم حيث وجدوا بانتظارهم 20 شخصاً فقط.
   وهنا وقع ارتباك بين أفراد المجموعة, وبعد اخذ ورد فيما بينهم قرروا الهجوم من ثلاثة محاور, وعمدوا إلى الاستيلاء على عدد من السيارات الخاصة وعلى حافلة سياحية جزائرية بداخلها 44 شخصاً, وجعلوا منها حاجزاً لهم عند اشتباكهم مع قوات الأمن. كما أنهم قتلوا عدداً من المدنيين الذين رفضوا الانصياع لأوامرهم.
 
عدد الضحايا
 
   و عدد كشريد الخسائر البشرية فقال: كانت حصيلة المعارك حوالي 18 قتيلاً وجريح من المدنيين, ومقتل 38 من الحرس الوطني, و 3 من الشرطة, وجرح قرابة 90 من أفراد الحرس الوطني, واعتقال 42 من المعتدين.
   و أكدت التحقيقات أن ليبيا والعقيد القذافي شخصياً وراء هذا العدوان المدبر الذي يستهدف النظام والاستقلال في البلاد. كما أن الخطة التمويهية التي لجأ إليها المعتدون كانت ترمي إلى الإيقاع بين البلدين الشقيقين الجزائر وتونس وضرب العلاقات الحسنة وحسن الجوار, ولكن يقظة قوات الأمن وسكان مدينة قفصة المجاهدة أحبطت المؤامرة و أكدت إرادة تونس شعباً وحكومة وحزباً بالتصدي لكل المتآمرين, وبالدفاع عن استقلال ووحدة البلاد والضرب بيد من حديد على أيدي المرتزقة والعابثين.
  
محاولة إعلان حكومة انقلابية

   وعن أهداف هذه العملية بتحديد أدق قال وزير الداخلية السيد كشريد: لقد كان الهدف من هذه العملية إحداث اضطرابات في البلاد وتضمنت الخطة أن يقوم المرتزقة, بعد إحكام سيطرتهم على قفصة و احتلال مراكز السلطة بالمدينة, إعلان حكومة وطلب تدخل ليبيا, التي كما ذكرت, أعدت طائرات ومعدات خصيصاً لهذا الغرض, وكانت تنتظر إشارة بنجاح المرحلة الأولى للتدخل, وقد اعترف المرتزقة خلال استجوابهم بهذه المعلومات و بأشياء أخرى سنعلن عنها في الوقت المناسب.
  وعن سر اختيارهم بالضبط للحدود الجزائرية التونسية: "لم يأت الاختيار عفوياً بل هو مخطط ومدبر, فالشعب التونسي يدرك أبعاد وخطورة النظام القذافي وأعماله العدائية ضد تونس, وما كان له أن يتقبل عملاً مثل هذا يأتي من هناك لقد اعتقد أن مجيء المرتزقة من ناحية الحدود التونسية الجزائرية يمكن أن ينطلي على شعب تونس وسكان قفصة ويخفي هذه اللعبة, وكانت النتيجة أن تلاحم أهالي قفصة مع جيشهم ومع عناصر الأمن الوطني ووضعوا حداً لهذا المخطط الرهيب.
 
مساعدات فرنسية ومغربية

   وقال السيد فؤاد المبزع وزير الإعلام التونسي في تصريح خاص بالصياد : "إن التحقيقات أكدت تورط النظام الليبي, وكشفت عن مؤامرة خطيرة تستهدف إقامة حكومة مؤقتة كان من المقرر أن تعلن مباشرة بعد نجاح الخطة صباح يوم 28 كانون الثاني يناير الماضي, وتعمل على طلب مساعدات عاجلة من ليبيا. بعد أن أعدت عدداً من الطائرات الخاصة لنقل الأسلحة والأفراد من اجل استكمال الشق الثاني من المؤامرة.
   و أضاف وزير الإعلام: أمام هذا الموقف الخطر والذي يهدد استقلال بلادنا فقد طلبنا من فرنسا مساعدات عاجلة وحصلنا على هذه المساعدات العسكرية في حينها, كما أن المغرب الشقيق أرسل لنا مساعدات تضامنية تمثلت في طائرتين عموديتين وطائرة نقل. 
   ومن جهة أخرى أكدت كل من حركة الوحدة الشعبية لتحرير تونس المعارضة وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين التي يرئسها أحمد المستيري وحسيب بن عمار, المعارضة استنكارهما لهذا العدوان وطالبتا بإحداث تغييرات جذرية في الوضع السياسي و الاقتصادي والاجتماعي الراهن في البلاد حتى لا تتكرر هذه المأساة.
   وعلمت الصياد أن سلطات الأمن التونسية ألقت القبض على 60 شخصاً متورطين في المؤامرة إلا أنهم لم يشاركوا في هذا العدوان, كما أن البحث يجري للقبض عن 7 أشخاص آخرين من قبل سلطات الأمن التونسية.
   و أكد السيد محمد الصياح بدوره للصياد: إن الحزب الاشتراكي الدستوري التونسي قرر القيام بحملة تضامن مع سكان قفصة وبتوعية الجماهير التونسية على خطر المؤامرة الموجهة ضد حرية واستقلال تونس. في حين لا تزال تونس حتى هذه اللحظة تعيش في حالة طوارئ قصوى ويسود التوتر الشديد على الحدود التونسية الليبية.
التحضير منذ 3 أشهر وروى مدير الأمن العام, "للصياد" ملابسات الاعتداء فقال: الاعتداء تم وفق خطة جرى الإعداد لها والتدرب على تنفيذها منذ ثلاثة أشهر في ليبيا, و أوكلت المهمة إلى عناصر هاربة من وجه العدالة التونسية والمرتزقة الذين عملوا لحساب القذافي في أوغندا وفي جنوب لبنان.

الجزائر تدين التدخل الليبي و الفرنسي في تونس

 قبل اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في تونس, للنظر في الشكوى التونسية ضد ليبيا, اتصل العقيد معمر القذافي بالرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد, وطلب منه تأييد دعوة ليبيا لانسحاب الفرنسيين من قفصة فأجابه الرئيس الجزائري : "معك حق. نحن سنطالب بسحب المجموعة الفرنسية اللوجستية التي نزلت في قفصة للاشتراك في القتال ضد عناصر العصيان ..ولكننا في نفس الوقت نريد تأييد تونس في شكواها ضد ليبيا, لأنكم سمحتم لقوى مناهضة للنظام التونسي أن تتدرب وتتسلح وتغزو قفصة من أراضيكم. فكما يجب إدانة التدخل الفرنسي يجب إدانة التدخل الليبي أيضا". و توترالجو و بدأ العتاب المزدوج و اضطر الجانبان إلى إنهاء المحادثة الهاتفية حفاظاً على العلاقات الجيدة التي تربط البلدان اللذان هما أحد أهم أقطاب جبهة الصمود و التصدي التي تأسست عقب زيارة الرئيس المصري لإسرائيل عام 1977.
 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire