الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

dimanche 6 octobre 2013

"الفوضى البناءة" بقلم بحري العرفاوي



 
 
مقال نشرتُه بجريدة الموقف بتاريخ 16 ديسمبر 2005 ...أهديه ـ كما هو ـ  لمن استفاقوا عشية 14 جانفي يتكلمون بصوت أعلى من صرخات دماء الشهداء ولم نكن نسمع لهم صوتا ولا نقرأ لهم حرفا... يكتبون اليوم بلعاب مالح مستفرز من غرائزية غنائمية".تشهد البلاد العربية تخثّرَ أزماتٍ واختمارَ وعيٍ وتنقدح فيها من حين لآخر شرارات مُنذرة بأن أمرا ما سيحدث قريبا،ولا أحد يمتلك ناصية القادم،أو القدرة على رسم وجهة الأحداث .

تقلص مفهوم سيادة الدولة وانحسار موانع التدخل في الشؤون الداخلية واستغلاظ عصا الدول الكبرى وتسارع المطالب الخارجية على الحكام العرب ، جعل الحاضر على غاية من التعقيد والمستقبل على غاية من الغموض. الحكام متوجسون من نداءات الخارج بوجوب الإصلاح وفتح القبضة لمصافحة المعارضين، والمعارضة أيضا تبدو متوجسة من هذه الدعوة رغم مغرياتها ومترددة بين الإستمرار في محاولة تليين مواقف الحكام للقبول بحوار ندّي من أجل مصالح الأوطان وبين الدخول في مغامرات سياسية قد تستنهض الشارع وتخلط الأوراق.

خلط الأوراق في العمل السياسي هو مقامرة مجهولة النتائج،وقد يقول قائل:ليس للمحرومين من أبسط معاني المواطنة ما يخسرون، وسيقول الحكامُ:إن الإستقواء بالخارج عمالة وخيانة ـ مع إنهم يتصيدون شهادات استحسان آدائهم منه ويُفاخرون بها ـ، سيقول آخرون ـ يصفهم خصومهم بالسلبية والتواطئ ـ بأن الدوائر الإستعمارية لا صدقية لها ولا تريد بنا خيرا ودعواتها للحرية والديمقراطية دعواتٌ مفخخة.... ويقول المُحبطون والمترصّدون: "خلاها تخل بعضها " وهذا أخطر ما يُخشى الإنتهاءُ إليه ما لم يتنادَ المعنيون بسلامة الأوطان حالا، حكاما ومحكومين ، معارضين وموالين، لتفكيك "ألغام" الداخل والخارج.

هل يحتاج الحكام العرب دليلا واحدا للتأكد من كون شعوبهم "ظمأى" وأنها قد تضرب في أي لحظة وفي أي مكان لفلق الصخر وحلب ما يكفي من ماء المواطنة؟ وهل يحتاج الناشطون في الحقل السياسي دليلا واحدا للتأكد من كون دعوات الإصلاح أو حتى الأوامر الخارجية لا يُمكن الإطمئنان إليها؟ يُحاول الحكام إقناع الماسكين برقابهم بأن الديمقراطية بطيئة النمو في تربتنا وأن قابلية "الحرية" تكاد تكون منعدمة وأنه من الأسلم اعتماد العلاج السريري المطوّل عسى يتعافى المواطن العربي فينهض بعد عقود متمدّنا مؤهلا مستجيبا لشروط التعددية والحوار... هذا التلكؤ في الإصلاح يدفع إلى اليأس والإحباط ويدفع بضحايا الإستبداد إلى تسلم ملفات الإصلاح بأنفسهم ولا يُحرجهم الإتهامُ بكونهم يستقوون بالخارج فالأزمة حقيقية ومطالب الإصلاح مشروعة.

ولكن السؤال المفصلي الثقيل الذي يجب الإشتراك في طرحه وتأمله جيدا قبل الإجابة عنه: من يملك القدرة على التحكم في مسار الأحداث وفي رسم المشاهد القادمة؟ قد يكون الطرفان ـ الحكام والمعارضون ـ أمام حتمية خيارين:
ـ إذا أقدم الحكام على الإصلاح الجوهري قد ينتهي بهم إلى فقدان مصالحهم وربما المحاسبة لذلك يُصرون على العناد والإستبسال في سدّ كل المسالك وبكل أنواع الحواجز ... هل يخاف "عادلٌ" "شعبه" ؟ هل يخاف من بيده كل أدوات السلطة من الأفكار والمنافسة السلمية؟

ـ وإذا سكتت المعارضة عن مطالب الإصلاح الملحة تجنبا لشبهة الإستقواء بالخارج فستتعمق الأزمات ويتمادى الحكام في الإستخفاف بإرادة الناس ومطالبهم فالحرية لا دين لها وليس لماء الحياة جنسية "وطعامُ أهل الكتابِ حِلٌّ لكم"
تجد المعارضة الوطنية الكثير من المبررات لتأكيد مشروعية مطالبها الأكيدة، ولكن الذي يُخشى حقيقة هو انفلات الأحداث مستقبلا من بين أيدي الجميع وهذا ما أعتقد ضرورة التنبه إليه بدافع وطني لا يشك أحد بأن الكثيرين دفعوا ثمنه باهضا.

إذا كانت دولة عظمى تتحدث عن "الفوضى البناءة " فلا نستغرب قول آخرين من المترصدين في الداخل "خلاها تدخل بعضها" وإذا حصل لا قدر الله أن اتسعت الهوة بين الأنظمة والمعارضين وأصر الحكام على العناد والمغالبة وإذا استطاعت المعارضة تكوين حزام شعبي وأقنعت بمشروعية مطالبها فقد يُنتهى إلى أن "يموج بعضٌ في بعضٍ" وذاك هو المشهد المناسب للمتربصين في الداخل والخارج فيحدث ما لم ينتظره ولم يرده أحد.

الفوضى مناسبة لاختراق كل مؤسسات الدولة والمنظمات والجمعيات. المتربصون قادرون على إعداد أعقد شروط الكوارث يلقونها في الوقت المناسب ليتورط الجميع في تبعاتها المفجعة وحتى المذلة والسالبة للسيادة والمواطنة .
هل تمتلك الأنظمة العربية الملفات الأمنية لجرائم سياسية حصلت على أراضيها؟ كل الملفات بيد الإستخبارات الأجنبية ولا أحد يعرف متى يُستدعى شاهدا أو مُتهَمًا وثمة ما يكفي من القوانين تُستحلبُ كالعصير من ضرْع منظمة يُقال دولية وثمة ما يكفي من القوة والعقوبات للإذلال والإهانة وفق ما يقتضيه مشروعٌ يسيرُ حثيثا نحو عقولنا وأرواحنا وأبداننا والقناصون على أبواب دماء الجميع.

لا شك أن سرعة الأحداث وتعقيداتها تثير غبارا يحجب الرؤية قليلا أو كثيرا، ولذلك يحتاج السياسيون إلى التنادي إلى أعلى موقع لاستجلاء القادم ولا يحتاج ذلك مناظيرَ وإنما فقط فكرا هادئا واصطبارا على تحمل وجهات النظر من أجل سلامة الأوطان وكرامة الجميع.
"الفوضى البناءة" استراتيجيا ماكرة تحقق أهداف أصحابها بأيادي ضحاياهم ، استراتيجيا خلخلة الكيانات الجامدة بما يمكّن من التسلل إلى المفاصل الحيوية والتحكم في الحركة بمواقيتها وأمكنتها وفق مشروع مُحكم ينتهي إلى ترويض كامل الجسم بعد إفراغه من خلاياه الحية .

إن "خميرة" الفوضى العربية الشاملة جاهزة ولُعابُ الدوائر المتربصة على مكاتب السماسرة ويبدو أنه قَدَرٌ لابدّ من أن يُصارَ إليه ـ لتوفر كامل شروطه ـ ولا معجزات أو كرامات تمنع من أن تنتهي الأسباب إلى نتائجها ، ولكنها الحكمة حكمة الوطنيين وحدها يمكن أن تدفع من البلاء بعضه أو جله ...وأخيرا نقول: من كان مستمسكا ب أو مستعجلا على سلطة فإنها زائلة ومن كان حريصا على الوطن فإنه الباقي ـ ما لم تطله "الفوضى البناءة" ولم " تدخل بعضها" .



بحري العرفاوي ـ الموقف 16 ديسمبر 2005

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire