الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

dimanche 6 octobre 2013

في الدفاع الوطني والتدخّل الأجنبي




بقلم بحري العرفاوي

مشاريع الدفاع الوطني لا تبدأ من الوقوف على حدود الجغرافيا إنما تبدأ من "الفكرة". فكرة الإنتماء والمواطنة والكرامة الوطنية ، فكرة الإشتراك مع شركاء المكان في تحمل مسؤولية تحقيق التقدم والسيادة والتمدن.

لم تعد مشاريع الدفاع الوطني مختزلة في الجهد العسكري بمعانيه التقليدية أيام الإستعمار القديم ولم تعد أيضا مهمة موكولة للأجهزة الحاكمة ضمن مهامها الأخرى... إن أي محاولة أجنبية للتدخل في شؤون الأوطان لا تكون إلا متى توفرت فجوات أو حصلت غفوات أو طرأت نزاعات داخلية تغري المتربصين دائما بالتسلل إلى شؤون الأوطان الداخلية بدوافع استعمارية قديمة وبشعارات فلسفية حديثة.

لم يعد التدخل الخارجي ـ في الغالب ـ مشهدا عسكريا كما حصل في كل البلدان العربية سابقا وكما يحصل اليوم في العراق وأفغانستان، إنما أصبح يُسربُ أساسا في المشاريع الثقافية والإقتصادية وفي الإملاءات السياسية وفي شهادات الإدانة أو الإستحسان لأداء هذا النظام أو ذاك وفق مقاييس ومعايير من وضع" الغالبين" يُقيّمون بها غيرهم متى أرادوا ولا يريدون تقييمَ ولا تقويمَ أنفسهم بها، إنهم صانعو الحضارة وحماة " الإنسان"! تشهد لهم شلالاتُ النار وأوجاعُ البشرية وعصيرُ اللحم الحيّ في أكثر من مكان من عالمنا العربي والإسلامي... يشهدُ لهم "غوانتانامو" وشهودٌ متعددو اللسان و متفاوتو البيان.

" غوانتانامو" قفص الحرية في عصر يُراد له أن يكون أمريكيا ... قفص تنسج أسلاكه بأسفار من قوانين الأقوياء وبأموال تقتطع من رغيف الضعفاء وبثقافة معربة يصوغها ضعاف النفس من المتعلمين قليلا!

" غوانتانامو" ليس مجرد مكان لحبس أفراد ولكنه فلسفة خوف يُسربها الإعلام إلى العالمين في الصور الملونة بدم الآدميين وفي الخطاب النافر المتوعد وفي القوانين العضوضة .. لماذا تجرؤ دولة عظمى على بث صور التنكيل وامتهان الذات البشرية  ـ رغم ما تدعيه من شعارات الحرية وحقوق الآدميين ـ؟ ليس ذاك من باب الشفافية الإعلامية وإنما من باب إشاعة الخوف ووأد العزائم وأفكار التحرر .

" غوانتانامو" صورة محكمة الإخراج والتركيب لإرهاب الفطرة البشرية النازعة إلى الكرامة والتحرر  ولإفراغها من المعنى ومن الأمل ومن الإرادة والشوق.

تحتاج الحرية من يكسر ثقافة "غوانتانامو" ومن يهزأ من الخوف الكامن في اللغة وفي الصور وفي خطاب المهزومين، تحتاج شاهد صدق يبصم بجراحات جسده وتوهج روحه على قائمة الجرائم "المعاصرة" يرتكبها الباطشون بآلياتٍ ناعمة مبيدة ثم يبررونها بخطاب خادع لا يزعم تصديقه والتبشيرَ به غيرُ تجار الأعضاء البشرية وسماسرة التاريخ والأوطان وفلاسفة اللاوعي.
مشاريع الدفاع الوطني تتأسس على مبدإ " المواطنة" وعيا وحقوقا حين يعي الفرد بأنه ليس مجرد متقاطن بمكان وليس مجرد رقم في التعداد السكاني وليس طاقة استهلاكية في سوق الإستثمار الرأسمالي... وحين يعي ذاته الإنسانية المبدعة الفعالة لا تقبل أن تكون سلبية ولا عبئا على الآخرين ولا تقبل بمهانة  ولا تسكت على خطإ ولا تجامل في الحق ولا تأتمر بغير الإرادة الواعية ونداءات الوطن ولا تنتظر مشاريع "إنقاذ" موهومة من خارج الإرادة الوطنية وحين تنتفي دواعي الشعور بالمظلومية والحرمانية وما يترتب عنه من نوازع غير مدنية.

مشاريع الدفاع الوطني المعاصرة تستجمع كل طاقات الشعب في المناشط الإقتصادية والثقافية والسياسية والعلمية والروحية والفنية والرياضية وفي العادات والتقاليد والأمثلة الشعبية فيما يشبه عملية "العجن الدائم" بما يحقق أقصى ما يمكن من حالات التوافق الوطني لا في مستوى الأفكار والإيديولوجيا فحسب بل وأساسا في مستوى " التشادد" بمعنى الحمية الوطنية أو حتى " العصبية" بمعنى رفض كل أشكال التدخل الأجنبي ، يختلف المواطنون ويتنافسون ويتدافعون ولكنهم حين يكتشفون أن مستوى خلافهم قد اتسع بما يغري بتسلل مشاريع خارجية سرعان ما يتشاددون ـ يشد بعضهم بعضا ـ سدا لمسالك التدخل في أشكاله السياسية أو الثقافية أو الإقتصادية أو الأخلاقية  حين تكون مهددة للسيادة الوطنية ولإرادة المواطنين ـ مع وعينا بتقلص مفهوم السيادة في زمن العولمة ـ .

تصليب مشاريع الدفاع الوطني مسؤولية مشتركة بين كل أبناء الوطن في السلطة وفي المعارضة وفي المستقلّين وفي " الكتلة الهائمة".
تونس نيوزنقلا عن الوطن

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire