الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

dimanche 6 octobre 2013

الإستئصاليون والهجمة على الإسلاميين ما الذي تغيّر في المشهد السياسي؟ اسم الكاتب : بحري العرفاوي

" 

 

 

كرهت السياسة". هذه الجملة سمعتها أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة. يقول أناس كثيرون: ما الذي تغير في الوضع الإجتماعي أو في المشهد السياسي؟ كان ثمة استبداد يحوط به "موالون" يُستخدمون سواتر ترابية ضد عنفوان أمواج التيار الإسلامي،واليوم ثمة استبداد خفي يحوط به "معادون" يخوضون حربا حقيقية ضد نفس الضحايا... كأن العقل السياسي التونسي لم يتغير منذ عقدين كاملين لقد شهدنا نفس الأداء في أواخر الثمانينات حين كانت أطراف باسم العقلانية والتقدمية والحداثة تشيع خطابا حاميا متعاليا وحقودا بل وتروج الإشاعات وتوجه الإتهامات وتحاسب النوايا وتحرض على الإستئصال اختارت تلك الأطراف التحالف مع نظام بن علي نكاية في "خصم" يرونه أكبر منهم وأقدر على التعبئة وأسرع حركة... دفعت البلاد ثمنا موجعا حين حُشر الآلاف في السجون وشُرّدَ مثلهم وأوذي الأطفال والبنات والزوجات والأمهات وحُوصرت الفكرة الحرة حتى تصحرت البلاد كلها وطأطأت النخب السياسية والفكرية الرقاب إلا قليلا... اصطنع النظام لنفسه حزاما من عسكر "الموالاة" مشكّلا من اللصوصية السياسية ومن الإنكشارية الثقافية ومن دراويش الإعلام حتى مجّ الناس كل المفردات الجميلة من جنس الديمقراطية وحقوق الإنسان والمدنية والإمتياز والتسامح وغيرها من الشعارات تستجمع كما الحطب في كل موقد... وكان حتميا أن يتآكل نسيج من خيوط واهية وأن تتداعى بناية مغشوشة وأن تتعرى عيوب وفضاعات وجرائم... ورغم أن بعض قطع غيار ماكينة الإستبداد مازالت تصر على كون مدة صلاحيتها لم تنته فإن قطعا أخرى مصنعة على عجل تريد أن تكون بديلا وأن تحل محل "الموالاة" بخوض "المعاداة" ضد نفس الضحية .

الثورة ليست هزة أرضية فجائية وليست حدثا آنيا ...الثورة فكر جديد وقيم جديدة ورؤية مستقبلية مبدعة ومتجاوزة ...الثورة حالة من التحرر ومن التطهر الدائمين بحيث يسعى الثوريون ومن داخل المشهد ذاته إلى صنع مشهد جديد سياسيا وثقافيا واقتصاديا وقيميا وعلائقيا وبحيث يتحرر مجتمع الثورة من مظاهر الإستغلال ومن الممارسات الإكراهية ومن نوازع الحقد وأخلاق الكذب والتشويه والزيف ...مجتمع الثورة حقل لاستنبات قيم الحياة ومبادئ العدل وإرادة التحرر وأخلاق الأسوياء ...مجتمع الثورة لا يجحد فضل المناضلين ولا يتنكر لدماء الشهداء ولا يتعالى أمام القامات العالية نحتتها المحن والشدائد .

مجتمع الثورة لا يجد حرجا في الإعتذار لضحايا ما قبل الثورة وفي السعي لتضميد جراحات من ظلموا طويلا .
حين نشهد تدفقا يوميا لخطابات حامية محرضة متعالية وحاقدة نصابُ بالإحباط ونتساءل كيف لا يقبل العقلانيون بقدرة العقل على التطور ؟ وكيف لا يتحمل المستنيرون مسؤولية تنوير من يظنونهم ظلاميين؟ وكيف لا يتقدم التقدميون الحداثيون بمشاريع تحديثية يستفيد منها الجميع بدل أن يظلوا يمارسون المناحات السياسية والعويل الإيديولوجي والتحريض الشعبوي؟

ولسنا بصدد مناقشة فحوى خطاب "المعاداة" ـ فهو أقل من أن يُناقش ـ إنما نحن بصدد التنبيه إلى مخاطر منهج أصحابه ... ولنا أن نسأل: هل يجد مثقف أو سياسي احتراما لنفسه وهو يمارس الشتيمة والتحريض ومحاكمة النوايا وجلد من لم تندمل جراحاتهم بعد؟ هل يُصدق واحد من هؤلاء نفسه أو هل يظن أن الناس يصدقونه حين يُشيع من الإشاعات ما لا يقبل به عقل صبي؟...أعرف أن السياسة ماكرة بطبع أصحابهاـ وليس بطبعها إذ السياسة أرقى أنواع الفنون ـ ولكن للمكر حدوده حتى لا ينحدر إلى درجات لا يليق تسميتها.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire