الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

mercredi 14 novembre 2012

الشيخ الأشعري سعيد فودة يكتب: الفرق العظيم بين التوحيد والتجسيم


كتبها باحث في الفكر الاسلامي ، في 8 نوفمبر 2011 الساعة: 01:52 ص

نقدم لقراءنا الأعزاء استمرار الجدال بين الأشاعرة والوهابية من أهل الحديث كتاب الشيخ سعيد فودة المسمي ب" الفرق العظيم بين التوحيد و التجسيم"

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الفرق العظيم بين التوحيد و التجسيم


قال الشيخ سعيد فودة:
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله والصلاة، والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومَن والاه واتبعه بإحسان إلى يوم الدين:
أما بعد
فهذه كلمات قليلة تبين بعضَ الأمور التي كثر الاختلاف فيها، كتبتها لما رأيت الناس في هذا الزمان قد اختلطت عندهم الأمور، وصار الحاذق منهم لا يعرف طريق الاهتداء وأحسَنُ ما يمكنه فعله هو التوقف في أمور لا يجوز له التوقف فيها، لأنها من أصول الدين التي لا يعذر الجاهل بها، وترى الذكي الألمعي عند عامة الناس أقصى ما يستطيع قوله هو لا أدري، وهذه الكلمة نصف العلم فعلا، ولكن في أمور وأمور.


واعلم أيها المسلم التقي، أن الجهل بأصول الدين قد عمَّ وانتشر في هذا الزمان، وازداد اضطراب الناس في أمور دينهم، وما ذاك إلا لتقصير أولي الأمر من العلماء فهؤلاء لاهون عن الناس بأمور ظنوا أنها تفيد في نشر الدين وعودة سلطانه، وأشغلوا أنفسهم بمقالات لا تغني من جوع، وغفلوا عن وظيفتهم الأولى وهي تبليغ شئون الدين إلى الخلق، وهذا لا يتم إلا بمخالطتهم والصبر على أذاهم في سبيل المُهِمِّ، كما كان يفعل الأنبياء، وهذا ما يجب أن يفعله أئمة الدين من العلماء، فإنهم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا إلا علما، وعلى من ينصِّبُ نفسه لاستحقاق هذا الميراث أن يلتزم بحقه، وهو التبليغ.
ولما رأى الناس موقع العلماء فارغا، ألقوا بأنفسهم بين أيدي من نَصَّبَ نفسه له وإن لم يكن من أهله. فضلوا طريقهم في الحياة الدنيا، وصاروا يجرون وراء كل صارخ، وسلموا أمور دينهم للجاهلين المتعالمين، وصار جمهور الناس أُلعوبة بأيدي اللاعبين.
وبناء على هذا وغيره، فقد وجب على كل ذي علم أن يقوم بهداية الناس إلى الدين الحق في كل الأمور، في العقائد وفي الشرائع، وذلك حتى تستقيم أمور الناس على منهاج رب العالمين الذي ارتضاه لهم.
وهذه الرسالة سميتها (الفرق العظيم بين التوحيد والتجسيم)، وقد دعاني إلى كتابتها ما رأيت عند كثير من الناس من الخلط بين الأمرين، ومن المعلوم أنه لا يستقيم أساس الدين إلا على أساس التوحيد، فالإسلام دين التوحيد، وأيضا فقد انتشر بين عامة الناس وخاصتهم جهلهم باعتقاد أهل السنة والجماعة، فَرُمْتُ بهذه الرسالة تبيين المعتقد ورد المذهب المنتقد. وجريت فيها على تبيين أصول كافية لبعض الفرق الإسلامية ليسهل على الناس التمييز بين الحق والباطل.
بيان أصل نشوء التشبيه عند أهل الإسلام
قال أبو محمد ابن حزم في الفِصَلِ([1]):


"في أول ورقة من توراة اليهود التي عند ربانيهم وعانانيهم وعيسويه حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها لا يختلفون فيها على صفة واحدة، لو رام أن يزيد فيها لفظة أو ينقص أخرى لافتضح عند جميعهم مبلغة ذلك إلى أحبارهم الذين كانوا أيام ملك الهارونية لهم قبل الخراب الثاني بدهر يذكرون أنها مبلغة ذلك من أؤلئك إلى عذراء الوراق الهاروني ففي صدرها:" قال الله تعالى اصنع بناء آدم كصورتنا كشبهنا"، قال أبو محمد بن حزم: ولو لم يقل إلا كصورتنا لكان له وجه حسن ومعنى صحيح، وهو أن نضيف الصورة إلى الله تعالى إضافة الملك والخلق، كما تقول هذا عمل الله، وتقول للقرد والقبيح والحسن:هذه صورة الله، أي تصوير الله، والصفة التي انفرد بملكها وخلقها. لكن قوله كشبهنا منع التأويلات وسد المخارج وقطع السبل، وأوجب شبه آدم لله عز وجل ولا بد ضرورةً، وهذا يُعْلَمُ بطلانه ببديهة العقل إذا الشبه والمثل واحد، وحاشى لله أن يكون له مثل أو شبه".اهـ


هذا كلام عظيم المعنى، فهو يبين أن اليهود يقولون بأن الله تعالى مثلنا في صورته فهم مشبهة، وأيضا ينص على أن هذا القول مردود عقلا ونقلا، ولا يجوز لمسلم أن يقول به، وقد نص علماء الفِرَقِ على أن اليهود هم أصل التشبيه، وأنهم قسمان، الأول مشبهة والثاني قدريون،
فقال الإمام العلامة أبو المظفر الإسفراييني صاحب كتاب التبصير في الدين بخصوص المشبهة منهم:


"هم الأصل في التشبيه، وكل من قال قولا في دولة الإسلام بشيء من التشبيه فقد نسج على منوالهم([2])."اهـ
فليعلم الذين ينتمون إلى الإسلام ويقولون بالتشبيه بأي فريق يقتدون، وإلى أيِّ سلفٍ يرجعون.
عوامل ابتعاد الناس عن النهج السليم :


لما ابتعدت المسافة والزمان بين الناس وبين نهج الصحابة، ولما قلَّ تأثُّرهم بنور النبوة، صارت الشبه تتوارد عليهم، وصار بعضهم يتصور إلهه على صورة إنسان كما يوحي إليه خياله وخيال شيطانه، واختلفت الناس في هذه الأمور باختلاطهم مع أهل البلاد المفتوحة مثل المجوس في فارس والهنود وغيرهم من الأقوام، وصار اليهود والنصارى وغيرهم من أصحاب الملل والنحل وأصحاب المذاهب والآراء يعملون عملهم ويؤثرون في عقول السذج من المسلمين، فصار الغبَشُ يحوِّمُ على عقائد القوم.
فلما رأى السلف من أصحاب الحديث هذه الأحوال، تحيروا في تقرير مذهب أهل السنة والجماعة في متشابهات آيات الكتاب وأخبار النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما أحمد بن حنبل وداود بن علي الأصفهاني وجماعة من أئمة السلف فجروا على منهاج السلف المتقدمين من أصحاب الحديث مثل مالك بن أنس، وسلكوا طريق السلامة فقالوا: نؤمن بما ورد به الكتاب والسنة ولا نتعرض للتأويل، بعد أن نعلم قطعا أن الله تعالى لا يشبه شيئا من المخلوقات، وأن كل ما تمثل في الوهم فإنه خالقه ومقَدِّرُه.
هذا حاصل ما ذكره الشهرستاني، ثم قال([3]):


"وكانوا يحترزون عن التشبيه إلى غاية أن قالوا من حرَّك يده عند قراءته "خلقت بيديَّ" أو أشار بإصبعه عند روايته "قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن"، وجب قطع يده وقلع أصبعه. وقالوا: إنما توقفنا في تفسير الآية وتأويلها لأمرين
أحدهما: المنع الوارد في التنزيل في قوله تعالى"فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا"، فنحن نحترز عن التأويل.
والثاني: إن التأويل أمر مظنون بالاتفاق، والقول في صفات الباري تعالى بالظن غير جائز، فربما أولنا الآية على غير مراد الباري تعالى فوقعنا في الزيغ، بل نقول كما قال الراسخون في العلم"كلٌّ من عند ربنا" آمنا بظاهره وصدقنا بباطنه ووكلنا علمه إلى الله تعالى. ولسنا مكلفين بمعرفة ذلك، إذ ليس من شرائط الإيمان وأركانه. "
قال الشهرستاني:
"واحتاط بعضهم أكثر احتياط حتى لم يقرأ اليد بالفارسية ولا الوجه ولا الاستواء ولا ما ورد من جنس ذلك، بل إن احتاج في ذكرها إلى عبارة عبر عنها بما ورد لفظا بلفظ. فهذا هو طريق السلامة، وليس هو من التشبيه بشيء."اهـ
فانظروا رحمكم الله إلى دقة هذا الأسلوب وعظم دلالته على حرص السلف الصالح على الامتثال بأوامر الله تعالى من حيث احتياطهم لعدم الوقوع في الخطأ، ويؤيد هذا الكلام الثابت عن أئمة السلف مثل الإمام أحمد رحمه الله تعالى، قال عندما سئل عن أحاديث الصفات: "نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى".اهـ
وقال الإمام الحافظ الترمذي في سننه(4/692):
"والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عُيَيْنَة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا: تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف، وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفَسَّر، ولا تُتَوَهَّم، ولا يقال كيف، وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه".اهـ


هذا هو مذهب السلف رحمهم الله تعالى، فهم يفوضون في المعنى ولا يفسرون، فأين هذا المذهب من قول من يفسر وينسب لله تعالى اليد والجارحة، والاستواء الذي هو جلوس واستقرار وماسة، ونزول هو حركة وانتقال وغير ذلك من ترهات وتوهمات، فهل هذا هو الذي يقصده السلف عندما يقولون "أمِرُّوها كما جاءت بلا تفسير" فأين الذين يثبتون صفات لله تعالى هي مثل صفات البشر ممن يفوضون علم الآيات المتشابهات كلها إلى الله تعالى مع التنزيه. وليس هذا هو موضع بيان مذهب أولئك الذين ينتسبون إلى السلف الصالح، ويُلَبِّسون على عامة الناس ببعض التهويلات، وتصدر منهم كلمات لا يفهمون معناها، ويتصدرون المجالس فيفتون الناس فيضلون ويضلون، بل سوف نزيد بيان أحوالهم خصوصا في هذا العصر فيما يلي من الفصول إن شاء الله تعالى.
وسوف نزيد مذهب السلف بيانا، لنوضح كيف أن السلف يستحيل أن يصدق عليهم أنهم كانوا من المشبهة الذين يثبتون الجهة والحدَّ والحركة والحيز لله تعالى،
قال الشيخ العلامة شهاب الدين الحلبيُّ المشهورُ باب جهبل([4]):
"ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه، والمبتدعة تزعم أنها على مذهب السلف
وكلٌّ يدعون وصال ليلى وليلى لاتُقِرُّ لهم بذاكا
وكيف يعتقد في السلف أنهم يعتقدون التشبيه أو يسكتون عند ظهور البدع وقد قال الله (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)([5])
وقال الله تعالى(وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتُبَيِّنُنَّه للنا ولا تكتمونه)([6])
وقال الله تعالى(لتبين للناس ما نُزِّل إليهم)"اهـ.
وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته:
" إن الله واحد لا شريك له ولا شيء مثله ولا شيء يعجزه ولا إله غيره قديم بلا ابتداء دائم بلا انتهاء لا يفنى ولا يبيد ولا يكون إلا ما يريد، لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام ولا تشبهه الأنام"اهـ


فانظروا عباد الله في كلام هؤلاء الأعلام، وليختبر كل واحد منكم نفسه، هل يتصور صورة معينة لمعبوده، هل يتصوره جسما أو كبيرا أو صغيرا في الحجم، هل يتصوره يمشي في الأسواق كما يمشي الناس، هل يتصور له شكلا معينا مثل الإنسان لكنه أكبر مما نراه، كما يقول المشبهة، هل يتصوره جالسا على عرشه كما يجلس الناس، هل يتوهمه مماسا للعرش ملاصقا له أو بينه وبين العرش مسافة، هل يتوهمه يَقْتَرِبُ من عباده في المكان حتى يمكننا أن نشير إليه ونحدده بمكان دون مكان، أو جهة دون جهة، أيها المسلمون يجب عليكم محاسبة أنفسكم من داخلها ولا تغرنكم كلمات ترددونها دون فهم معنى لها، يجب أن تهتموا بما في الصدور، هل تتصورون لله مثلا، سواء في ذاته أو صفاته أو أفعاله، إذا كان كذلك فارموا بهذه العقائد الزائفة عرض الحائط، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم، وقولوا كما قال الله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). ولا تتصوروا أن مجرد قولكم إننا سلفيون متبعون للسلف ينجيكم، فلم يكن للسلف عقائد فاسدة ولم يكونوا يشبهون خالقهم بشيء، ولم يكن أهل الإسلام من أهل القرون الأولى المشهود لها بالخيرية يقولون: إن جمهور علماء الإسلام مبتدعة، ويحكم كيف تحكمون؟! هل علماء الإسلام وحفاظهم وأهل الفقه والتفسير واللغة والعلوم مبتدعة، وأنتم فقط أهل السنة والجماعة، أين علمكم بجانب علم هؤلاء، وأين ورعكم وتقواكم ، وماذا فعلتم للإسلام سوى إثارة بعض الفتن على بعض المسائل الفقهية التي جعل الله تعالى اختلاف العلماء فيها رحمة، وأهملتم أصول الدين وقواعده الكلية وقلتم في أصول الدين بأقوال المجسمة والمشبهة، وظننتم أنكم أنتم الناجون، لعمري إن من يفكر بهذا الأسلوب ما هو إلا من الجاهلين الذين يبالغون في الغي وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.


التنزيه بين النفي والتشبيه :
قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى:
"ومن لم يتوقَّ النفي والتشبيه زلَّ ولم يصب التنزيه، فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية منعوت بنعوت الفردانية، ليس بمعناه أحد من البرية، تعالى الله عن الحدود والغايات والأركان والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات."اهـ


وهذا كلام كله فوائد، وهو حقيق أن يحفظ بلفظه، وقد اشتهرت عقيدة الطحاوي في البلاد بين الناس، ووقع الاتفاق جملةً على صحة ما فيها وأنه يمثل عقيدة أهل السنة، وحاصل معنى هذه الفقرة على وجه الإيجاز، أنه لا يجوز لنا أن ننفي معنى ثبت بالنص في حق الله تعالى، فمثلا إذا ورد في النقل أن الله سميع، وكان ما يفهمه عامة الناس من ظاهر السمع هو اتصال الأمواج الصوتية بطبلة الأذن ثم انتقال الموجات من خلال السائل السمعي إلى الدماغ وتفسيرها هناك، فلا يجوز أن نقول بنفي أصل هذه الكلمة، بحجة أنه يلزم منها النقص، بل نحن نثبت أصلها أي مطلق أن الله سميع، وننفي أن يكون له أذن مثلا، وننفي أن يكون له عضو يحصل بواسطته السمع بل وننفي أن يكون أصل سمع الله تعالى مثل سمعنا، فالحاصل أننا نثبت له سمعا يليق بجلاله وننزهه عن صفات المخلوقين. هذا في اللفظ الذي ليس له إلا معنى واحد، أما ما يحتمل أكثر من معنى فالواجب عندذاك هو البحث عن المعنى اللائق بالله تعالى فنصرف اللفظ عن المعنى الباطل الذي لا يجوز نسبته إليه تعالى ونحمله على المعنى الصحيح، وهذا هو معنى التأويل.
فهذا ما يلزمنا أن نفعله لكي نتوقى النفي، وأما التشبيه فيجب علينا توقيه أيضا، فالله تعالى موصوف بصفات الوحدانية وصفاته ليست كصفات أحد من المخلوقات، هذا هو الأصل الكلي في توقي التشبيه. فكل ما يدل على الحدوث وعلى سمة النقص فالرب يتعالى ويتقدس عنه. وكون الشيء له نهاية في وجوده اللائق به فهذا هو المحدود، وهذا نقص. والاتصاف بالأركان وهي الأجزاء نقص، لأن في ذلك دلالة على وجود من ركَّبَ هذه الأجزاء، وكذلك الاتصاف بالأدوات وهي الآلات التي يتوصل بها إلى ما يريد صاحبها، تدل على نقصه. فلذلك لما اتصف الانسان بالأركان والأدوات عرفنا أنه ناقص، لأن كل أداة وكل ركن فهو ناقص. وكذلك يكون كل من هو في جهة من الجهات محدودا، وقد عرفنا أن المحدود ناقص. ولهذا ينفي الإمام الطحاوي أن يكون الله تعالى في جهة من الجهات، وعلى ذلك مذهب أهل السنة كلهم، ولم يخالفهم في هذا إلا من التحق بالحشوية من المشبهة، قال الشيخ شهاب الدين الحلبي:"مذهب الحشوية في إثبات الجهة مذهب واهٍ ساقط ، يظهر فساده من مجرد تصوره،
حتى قالت الأئمة:
لولا اغترار العامة بهم([7])
لما صُرِفَ إليهم عنان الفكر، ولا قَطَرَ القلم في الردِّ عليهم"([8])،
وقال:"وبالله أقسم يميناً بَرَّةً، ما هي مرة، بل ألفُ ألفِ مرة، أن سيد الرسل صلى الله عليه وسلم لم يقل أيها الناس اعتقدوا أن الله تعالى في جهة العلو"([9]).اهـ
ولاحظ أنه يوجد فرق عظيم بين مطلق العلوِّ وبين جهة العلو، فالذي ورد في الشرع ويجب على المسلم أن يؤمن به، هو أن الله تعالى عليٌّ، وهذا هو مطلق العلو، أما أن يقال الله تعالى في جهة هي الفوق، فلم يَرِدْ، بل هو باطل لا يجوز اعتقاده، ولذلك نفى أبو جعفر الطحاوي الجهات كلها عن الله تعالى، ولو كانت جهة العلو ثابتة في حق الله تعالى فما الذي يمنع الطحاوي من التصريح بها أو استثنائها من سائر الجهات؟ وأما تأويل كلامه لا لدليل بل لمجرد اتباع هوى والقول أنه أراد كذا ولم يَرِد كذا فما هو إلا تحريف،
فالذي يثبت الجهة في حق الله تعالى يقع في أمرين
الأول:
وصف الله تعالى بلفظ لم يرد في كتاب ولا في سنة ولا ورد عن تابع، لا سيما وأن الذين يدَّعون أنهم سلفيون يقولون لا نَصِفُ اللهَ إلا بما ورد عن الله ورسوله ثم تراهم أول الناس يخالفون ذلك.
الثاني: إن هذه اللفظة تحمل معاني فاسدة لا يجوز نسبتها إلى الله تعالى لما تحويه من نقص،
قال أبو جعفر الطحاوي :
"ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر". والكون في الجهات وصف ملازم للبشر وهو بعد هذا يدل على نقص. وليس فيه دلالة على الشرف، فالذي يسكن في الطابق العاشر مثلا لا يلزم أن يكون أشرف من الذي يسكن في الطابق الثاني. ولا توجد دلالة شرعية ولا عقلية على أن المكان العالي أشرف من المكان الواطي، فإثبات جهة العلوّ إنما هو تحكم واتباع للهوى.
ولهذا ذكر الإمام الجويني رحمه الله تعالى جملة عامة هي قاعدة في هذا الباب([10]):
"كل صفة في المخلوقات دل ثبوتها على مخصص يؤثرها ويريدها ولا يُعْقَلُ ثبوتها دون ذلك فهي مستحيلة على الإله، فإنها لو ثبتت له لدلت على افتقاره إلى مخصص دلالَتها في حق الحادث المخلوق"اهـ،
وهذا كلام في غاية الدقة والعظمة، ومعناه أننا إذا عرفنا ثبوت صفة ما في الموجودات المحسوسة، كالحركة والمحدودية مثلا، ونظرنا في نفس مفهوم الحركة ثم دلتنا البراهين القطعية على أن الحركة لا بد أن تكون حادثة، ويستحيل أن تكون قديمة، فإننا نعرف أن ما يتصف بالحركة من المحسوسات يجب أن يكون حادثا كذلك، لاستحالة وجود الشيء من غير صفته، فتكون الصفة التي هي الحركة قد دلتنا على حدوث المتحرك. فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الله تعالى، وقال لنا أحد المشبهة إن الله تعالى يتحرك وينتقل من محل إلى آخر، فإننا نقول له إن الله إذا كان متحركا فيلزم أن يكون حادثا، لأن الحركة التي أثبتناها في حق المحسوس هي التي قد دلتنا على حدوثه، فكذلك إذا أثبتَّ أنت أيها المجسم الحركة لله تعالى، فيلزمك أن تثبت حدوث الله تعالى، لأن سبب الحدوث إنما هو الحركة وهي عينها التي تثبتها في حقه تعالى عما تقول. فإذن إذا دلتنا صفة على الحدوث فيستحيل أن نثبت نفس تلك الصفة لله تعالى لما يلزم من إثبات الحدوث له تعالى، وهذا مستحيل في حقه جلَّ شأنه.
وحاصل مذهب أهل السنة أن الله تعالى واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، من كل الوجوه واستقر الاتفاق على أنه كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك.
وقد قال الإمام أبو المعالي الجويني([11]):
"من انتهض لطلب مُدَبِّرِهِ فإن اطمأن إلى موجود انتهى إليه فكره فهو مُشَبِّهٌ، وإن اطمأنَّ إلى النفي المحض فهو مُعَطِّلٌ، وإن قطع بموجود واعترف بالعجز عن دَرْكِ حقيقته فهو موَحِّدٌ."اهـ فانظر في هذا الكلام العظيم واتخذه قاعدة لنفسك، فإنه بمنزلة التفسير لقوله تعالى"ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".
زيادة بيان لعقيدة الإسلام :
نبدأ هنا بذكر بعض النصوص من القرآن والسنة، ثم نثني بنقل قول بعض العلماء، ليطمئن قلب من يتَردد فإن الإنسان إذا رأى قول أهل العلم اطمأنَّ، ولا يجوز أن يقول عامة الناس: "نحن رجال وهم رجال، فنجتهد كما اجتهدوا"، لأنا نقول: هم اجتهدوا ليس لأنهم رجال! فإن النساء يجوز لهنَّ الاجتهاد، بل فعلوا ذلك لأنهم علماء، بمعنى أن للاجتهاد شروط لا يستطيع أي أحد تحصيلها، أو إذا استطاع فبعد جهد ومشقة عظيمين. وقد أمر الله تعالى بالرجوع إلى أهل الذكر إن كنا لا نعلم "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".
\قال الله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) وهذه الآية من المحكمات التي ترد إليها المتشابهات.
قال الإمام البيهقي([12]):
"لما أراد الله سبحانه أن ينفي التشبيه على آكد ما يكون من النفي، جمع في قراءتنا بين حروف التشبيه واسم التشبيه حتى يكون النفي مؤكدا على المبالغة".
وروى البيهقي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يعني يقول الله عز وجل: "كذبني ابن آدم، ولم ينبغِ له أن يكذبني، وشتمني ابن آدم، ولم ينبغ له أن يشتمني، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول خلقه بأهون عليَّ من إعادته. وأما شتمه إياي فقوله (اتخذ الله ولدا) وأنا الله الأحد الصمد لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفوا أحد"([13]).


وروى البيهقي بسنده عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال:
"إن المشركين قالوا: يا محمد انسب لنا ربك، فأنزل الله تبارك وتعالى: (قل هو الله أحد الله الصمد). قال الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله تبارك وتعالى لا يموت ولا يورث، ولم يكن له كفوا أحد، لم يكن له شبه ولا عدل، ليس كمثله شيء([14]).
قال الإمام الأكبر أبو حنيفة في كتابه الوصية
"ونُقِرُّ بأن الله تعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة واستقرار عليه وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج"([15])،
فنفى الإمام أبو حنيفة أن يكون الله تعالى مستقرا على العرش وملامساً له، بل أمرَّ النص كما جاء فأثبت الاستواء ونزه الله تعالى عن أن يكون استواؤه كاستواء غيره مطلقا.
روى ابن عبد البر عن أيوب بن صلاح المخزومي قال:
كنا عند مالك إذ جاءه عراقي فقال له يا أبا عبدالله (الرحمن على العرش استوى)كيف استوى؟ قال سألت عن غير مجهول وتكلمت في غير معقول.
قال يحيى بن إبراهيم بن مزين:
إنما كره مالك أن يتحدث بتلك الأحاديث لأن فيها حدا وصفة وتشبيها، والنجاة في هذا الانتهاء إلى ما قال الله عز وجل، ووصف به نفسه بوجه ويدين وبسط واستواء وكلام فقال(فأينما تولوا فثم وجه الله) وقال(بل يداه مبسوطتان ) وقال(والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه)وقال (الرحمن على العرش استوى، فليقل قائل بما قال الله ولينته إليه، ولا يعدوه ولا يفسره ولا يقل كيف؟ فإن في ذلك الهلاك، لأن الله كلف عبيده الإيمانَ بالتنزيل ولم يكلفهم الخوض في التأويل الذي لا يعلمه غيره([16]).
فانظر وتمعن في هذا الكلام، ترى أن القوم كانوا يتجنبون التشبيه كما يتجنبون الموت والهلاك، والمنع من الخوض في هذه الأمور إنما هو دفع للتشبيه، في أي معنى كان. وبما مرَّ يكون قد ثبت النهي عن التشبيه في الكتاب والسنة وأقوال العلماء من السلف ثبوتا قطعيا، خلافا لمن ادعى غلطا إنه لم يرد النهي عن التشبيه في الكتاب والسنة.
التنبيه على أقوال فاسدة لبعض الفرق المبتدعة
قال الشهرستاني([17]):
"اعلم أن جماعة كبيرة من السلف كانوا يثبتون لله تعالى صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام والجلال والإكرام والجود والإنعام والعزة والعظمة ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل، بل يسوقون الكلام سوقا واحدا، وكذلك يثبتون صفات خبرية مثل اليدين والرجلين ولا يؤولون ذلك، إلا إنهم يقولون بتسميتها صفات خبرية.
ولما كانت المعتزلة ينفون الصفات، والسلف يثبتون، سمي السلف صفاتية والمعتزلة معطلة، فبالغ بعض السلف في إثبات الصفات إلى حد التشبيه بصفات المحدثات، واقتصر بعضهم على صفات دلت الأفعال عليها،
وما ورد الخبر فيه فافترقوا فيه فرقتين:
منهم من أولها على وجه يحتمل اللفظ ذلك المعنى، ومنهم من توقف في التأويل، وقال: عرفنا بمقتضى العقل أن الله تعالى ليس كمثله شيء، فلا يشبه شيئا من المخلوقات، ولا يشبهه شيء منها، وقطعنا بذلك إلا أنا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيه مثل قوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) ومثل قوله(خلقتُ بيَدَيَّ)، ومثل قوله(وجاء ربك) إلى غير ذلك، ولسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها بل التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنه لا شريك له وليس كمثله شيء، وذلك قد أثبتناه يقينا.
ثم إن جم

نقد تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية للشيخ يوسف الدجوي الازهري


كتبها باحث في الفكر الاسلامي ، في 8 نوفمبر 2011 الساعة: 01:00 ص

نقد تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية لحجة الإسلام يوسف الدجوي الازهري رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقد تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية لحجة الإسلام يوسف الدجوي الازهري رحمه الله
قال العلامة الحجة المتكلم أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن أحمد الدِّجوي المالكي الأزهري المتوفى سنة 1365هـ :
جاءتنا رسائل كثيرة يسأل مرسلوها عن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ما معناهما ؟؟ وما الذي يترتب عليهما ؟؟ ومن ذا الذي فرق بينهما ؟؟ وما هو البرهان على صحة ذلك أو بطلانه ؟؟ فنقول وبالله التوفيق :


إن صاحب هذا الرأي هو ابن تيمية الذي شاد بذكره ، قال : (( إن الرسل لم يبعثوا إلا لتوحيد الألوهية وهو إفراد الله بالعبادة ، وأما توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله رب العالمين المتصرف في أمورهم فلم يخالف فيه أحد من المشركين والمسلمين بدليل قوله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) )) اهـ .
ثم قالوا : إن الذين يتوسلون بالأنبياء والأولياء ويتشفعون بهم وينادونهم عند الشدائد هم عابدون لهم قد كفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان والملائكة والمسيح سواء بسواء ، فإنهم لم يكفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان وما معها بل بتركهم توحيد الألوهية بعبادتها ، وهذا ينطبق على زوار القبور المتوسلين بالأولياء المنادين لهم المستغيثين بهم الطالبين منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى .. بل قال محمد بن عبدالوهاب :
(( إن كفرهم أشنع من كفر عباد الأوثان )) اهـ !! وإن شئت ذكرت لك عبارته المحزنة الجريئة، فهذا ملخص مذهبهم مع الإيضاح، وفيه عدة دعاوى، فلنعرض لها على سبيل الاختصار، ولنجعل الكلام في مقامين فنتحاكم إلى العقل ثم نتحاكم إلى النقل، فنقول :


قولهم: (إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية) تقسيم غير معروف لأحد قبل ابن تيمية ، وغير معقول أيضا كما ستعرفه ، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد دخل في الإسلام : إن هناك توحيدين وإنك لا تكون مسلما حتى توحد توحيد الألوهية، ولا أشار إلى ذلك بكلمة واحدة ، ولا سُمِع ذلك عن أحد من السلف الذين يتبجحون باتباعهم في كل شيء ، ولا معنى لهذا التقسيم، فإن الإله الحق هو الرب الحق، والإله الباطل هو الرب الباطل، ولا يستحق العبادة والتأليه إلا من كان ربا، ولا معنى لأن نعبد من لا نعتقد فيه أنه رب ينفع ويضر، فهذا مرتب على ذلك كما قال تعالى : ( رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته ) .
فرتب العبادة على الربوبية، فإننا إذا لم نعتقد أنه رب ينفع ويضر فلا معنى لأن نعبده ـ كما قلنا ـ ويقول تعالى : ( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ) يشير إلى أنه لا ينبغي السجود إلا لمن ثبت اقتداره التام، ولا معنى لأن نسجد لغيره.
هذا هو المعقول ، ويدل عليه القرآن والسنة.
أما القرآن فقد قال: ( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا)، فصرح بتعدد الأرباب عندهم ، وعلى الرغم من تصريح القرآن بأنهم جعلوا الملائكة أربابا يقول ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب : إنهم موحدون توحيد الربوبية وليس عندهم إلا رب واحد وإنما أشركوا في توحيد الألوهية !! ويقول يوسف عليه السلام لصاحبي السجن وهو يدعوهما إلى التوحيد : ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) ، ويقول الله تعالى أيضا : ( وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي )، وأما هم فلم يجعلوه ربا.
ومثل ذلك قوله تعالى : ( لكنا هو الله ربي ) خطابا لمن أنكر ربوبيته تعالى ، وانظر إلى قولهم يوم القيامة : ( تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين ) ، أي في جعلكم أربابا ـ كما هو ظاهر ـ وانظر إلى قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا .. ) ، فهل ترى صاحب هذا الكلام موحدا أو معترفا ؟؟!! .
ثم انظر إلى قوله تعالى : ( وهم يجادلون في الله ) ، إلى غير ذلك وهو كثير لا نطيل بذكره ، فإذا ليس عند هؤلاء الكفار توحيد الربوبية ـ كما قال ابن تيمية ـ ، وما كان يوسف عليه السلام يدعوهم إلا إلى توحيد الربوبية ، لأنه ليس هناك شيء يسمى توحيد الربوبية وشيء آخر يسمى توحيد الألوهية عند يوسف عليه السلام ، فهل هم أعرف بالتوحيد منه ويجعلونه مخطئا في التعبير بالأرباب دون الآلهة ؟! .
ويقول الله في أخذ الميثاق : ( ألست بربكم قالوا بلى ) ، فلو كان الإقرار بالربوبية غير كاف وكان متحققا عند المشركين ولكنه لا ينفعهم ـ كما يقول ابن تيمية ـ ، ما صح أن يؤخذ عليهم الميثاق بهذا ، ولا صح أن يقولوا يوم القيامة : ( إنا كنا عن هذا غافلين ) ، وكان الواجب أن يغير الله عبارة الميثاق إلى ما يوجب اعترافهم بتوحيد الألوهية حيث إن توحيد الربوبية غير كاف ـ كما يقول هؤلاء ـ ، إلى آخر ما يمكننا أن نتوسع فيه ، وهو لا يخفى عليك ، وعلى كل حال فقد اكتفى منهم بتوحيد الربوبية ، ولو لم يكونا متلازمين لطلب إقرارهم بتوحيد الألوهية أيضا .
ومن ذلك قوله تعالى : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) ، فإنه إله في الأرض ولو لم يكن فيها من يعبده كما في آخر الزمان ، فإن قالوا : إنه معبود فيها أي مستحق للعبادة ، قلنا : إذن لا فرق بين الإله والرب ، فإن المستحق للعبادة هو الرب لا غير ، [و]ما كانت محاورة فرعون لموسى عليه الصلاة والسلام إلا في الربوبية وقد قال : ( أنا ربكم الأعلى ) ثم قال : ( لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ) ولا داعي للتطويل في هذا.


وأما السنة فسؤال الملكين للميت عن ربه لا عن إلهه ، لأنهم لا يفرقون بين الرب والإله ، فإنهم ليسوا بتيميين ولا متخبطين ، وكان الواجب على مذهب هؤلاء أن يقولوا للميت : من إلهك لا من ربك !! أو يسألوه عن هذا وذاك .
وأماقوله : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) ، فهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم إجابة لحكم الوقت مضطرين لذلك بالحجج القاطعات والآيات البينات ، ولعلهم نطقوا بما لا يكاد يستقر في قلوبهم أو يصل إلى نفوسهم ، بدليل أنهم يقرنون ذلك القول بما يدل على كذبهم ، وأنهم ينسبون الضر والنفع إلى غيره ، وبدليل أنهم يجهلون الله تمام الجهل ويقدمون غيره عليه حتى في صغائر الأمور ، وإن شئت فانظر إلى قولهم لهود عليه الصلاة والسلام : ( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ) فكيف يقول ابن تيمية : إنهم معتقدون أن الأصنام لا تضر ولا تنفع إلى آخر ما يقول ؟؟!! .
ثم انظر بعد ذلك في زرعهم وأنعامهم : ( هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ) ، فقدموا شركاءهم على الله تعالى في أصغر الأمور وأحقرها .
وقال تعالى في بيان اعتقادهم في الأصنام: (وما نرى معكم من شفعائكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء)، فذكر أنهميعتقدون أنهم شركاء فيهم ، ومن ذلك قول أبي سفيان يوم أحد : (أعل هبل) ، فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله : ( الله أعلى وأجل ) ، فانظر إلى هذا ثم قل لي ماذا ترى في ذلك من التوحيد الذي ينسبه إليهم ابن تيمية ويقول : إنهم فيه مثل المسلمين سواء بسواء وإنما افترقوا بتوحيد الألوهية ؟؟!! .
وأدل من ذلك كله قوله تعالى : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) ، إلى غير ذلك مما يطول شرحه ، فهل ترى لهم توحيدا بعد ذلك يصح أن يقال فيه إنه عقيدة ؟؟!! .


أما التيميون فيقولون بعد هذا كله : إنهم موحدون توحيد الربوبية ، وإن الرسل لم يقاتلوهم إلا على توحيد الألوهية الذي لم يكفروا إلا بتركه !! ولا أدري ما معنى هذا الحصر مع أنهم كذبوا الأنبياء وردوا ما أنزل عليهم واستحلوا المحرمات وأنكروا البعث واليوم الآخر وزعموا أن لله صاحبة وولدا وأن الملائكة بنات الله ( ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون ) ، وذلك كله لم يقاتلهم عليه الرسل ـ في رأي هؤلاء ـ وإنما قاتلوهم على عدم توحيد الألوهية ـ كما يزعمون ـ وهم بعد ذلك مثل المسلمين سواء بسواء !! أو المسلمون أكفر منهم في رأي ابن عبدالوهاب !! .


وما علينا من ذلك كله ، ولكن نقول لهم بعد هذا : على فرض أن هناك فرقا بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ـ كما يزعمون ـ فالتوسل لا ينافي توحيد الألوهية فإنه ليس من العبادة في شيء لا لغة ولا شرعا ولا عرفا ، ولم يقل أحد إن النداء أو التوسل بالصالحين عبادة ، ولا أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك ، ولو كان عبادة أو شبه عبادة لم يجز بالحي ولا بالميت
فإن تشبث متشبث بأن الله أقرب إلينا من حبل الوريد فلا يحتاج إلى واسطة ، قلنا له : ( حفظت شيئا وغابت عنك أشياء .. ) ، فإن رأيك هذا يلزمه ترك الأسباب والوسائط في كل شيء ، مع أن العالم مبني على الحكمة التي وضعت الأسباب والمسببات في كل شيء ، ويلزمه عدم الشفاعة يوم القيامة ـ وهي معلومة من الدين بالضرورة ـ فإنها ـ على هذا الرأي ـ لا حاجة إليها ، إذ لا يحتاج سبحانه وتعالى إلى واسطة فإنه أقرب من الواسطة .
ويلزم خطأ عمر بن الخطاب في قوله : ( إنا نتوسل إليك بعم نبيك العباس إلخ .. ) ، وعلى الجملة يلزم سد باب الأسباب والمسببات والوسائل والوسائط ، وهذا خلاف السنة الإلهية التي قام عليها بناء هذه العوالم كلها من أولها إلى آخرها ، ولزمهم على هذا التقدير أن يكونوا داخلين فيما حكموا به على المسلمين ، فإنه لا يمكنهم أن يَدَعوا الأسباب أو يتركوا الوسائط بل هم أشد الناس تعلقا بها واعتمادا عليها .


ولا يفوتنا أن نقول : إن التفرقة بين الحي والميت في هذا المقام لا معنى لها فإن المتوسل لم يطلب شيئا من الميت أصلا ، وإنما طلب من الله متوسلا إليه بكرامة هذا الميت عنده أو محبته له أو نحو ذلك ، فهل في هذا كله تأليه للميت أو عبادة له ؟؟!! أم هو حق لا مرية فيه ؟؟ ، ولكنهم قوم يجازفون ولا يحققون ، كيف وجواز التوسل بل حسنه معلوم عند جميع المسلمين .
وانظر كتب المذاهب الأربعة ، حتى مذهب الحنابلة في آداب زيارته صلى الله عليه وسلم تجدهم قد استحبوا التوسل به إلى الله تعالى ، حتى جاء ابن تيمية فخرق الإجماع وصادم المركوز في الفطر مخالفا في ذلك العقل والنقل اهـ .


ونضيف هنا بعض العبارات التي اقتبسناها من بعض المنتديات:
ولمزيد الإيضاح نذكر ما يلي:
كلام ابن تيمية في تقسيم التوحيد


في مطالعتنا لكتاب: "يهود أم حنابلة" لسماحة السيد محمد علاء الدين ماضي أبي العزائم شيخ الطريقة العزمية رضي الله عنه، نجد أنه أورد كلام ابن تيمية في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية الذي وجده مفرقا في أربعة مواضع من كتبه، ذكره ثم أبطله،
ونورد من ذلك ما يلي:


1 – في الجزء الأول: من فتاوى ابن تيمية ص 219 في تفسير قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) قال: فبين في هذا الحديث أصلين عظيمين، أحدهما: توحيد الربوبية وأنه لا معطي لما منع الله، ولا مانع لما أعطاه، ولا يُتوكل إلا عليه، ولا يُسأل إلا هو، والثاني: توحيد الألوهية وهو بيان ما ينفع وما لا ينفع، وأنه ليس كل من أعطى مالا أو دنيا أو رئاسة كان ذلك نافعا له عند الله منجيا له من عذابه.
2 – قال في الجزء الثاني من فتاويه ص 275: فإن المقصود هنا بيان حال العبد المحض لله تعالى الذي يعبده ويستعينه فيعمل له ويستعينه، ويحقق قوله: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِين) توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية…إلخ.


3 – قال في الجزء الثاني من منهاج السنة ص 62 بعد أن ذم جميع فرق المسلمين من المتكلمين في التوحيد مصرحا أنهم عَبدوا غير الله لجهلهم توحيد الألوهية، وإثبات حقائق أسماء الله، فقال: فإنهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه فعدلوا عنها إلى طرق أخرى مبتدَعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم، ودخلوا في بعض الباطل المبتدَع، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الألوهية وإثباب حقائق أسماء الله وصفاته، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية وهو الإقرار بأن الله خالق كل شيء، وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) … إلخ.
4 – قال في رسالة أهل الصفا ص34: توحيد الربوبية وحده لا ينفي الكفر ولا يكفي.
الرد على ما ذكره ابن تيمية وبيان بطلانه
ونوجز هنا ما ورد في كتاب: "يهود أم حنابلة" الذي سبقت الإشارة إليه، ردا على ابن تيمية وبيان بطلان ما ذهب إليه في هذا الباب بوجوه منها:
الوجه الأول:

لم يأمر الله تعالى عباده في كتابه العزيز بتوحيد الألوهية، ولم يقل لهم إن من لم يعرفه لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، بل أمر بكلمة التوحيد مطلقة فقال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) "محمد:19"، وهكذا جميع آيات التوحيد المذكورة في القرآن مع سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن.



من كُتب التاريخ المطموس بأموال البترودولار: المشبهه والمجسمة.


كتبها باحث في الفكر الاسلامي ، في 5 نوفمبر 2011 الساعة: 01:45 ص


نضع بين يدي القراء الأعزاء واحدة من الكتب القيمة النفيسة التي ألفها الشيخ عبد الرحمن خليفة رحمه الله من علماء الأزهر، وهو كتاب بعنوان " المشبهه والمجسمه"، يسجل فيها تسلل الفكر الوهابي الحشوي المتمسلف وعقيدة التجسيم والتشبيه إلي مصر وديار الأزهر الشريف، حيث كان مذهب التنزيه هو الغالب فيه، الي أن تم اختراقه والهيمنة علي أجزاء كثيرة منه بأموال البترو دولار، وبدعم الاستعمار الغربي ( الصهيو أمريكي) في المنطقة بقواعدها العسكرية ونفوذها الاقتصادي المهيمن علي اقتصاديات هذه الممالك الغارقة في الاستهلاك والمزيد من الاستهلاك ومظاهر وقشور التدين، فضلا عن عقيدة التجسيم والتشبيه والقصص الخرافية وغيرها من المسائل.
ويشرح الكتاب بعضاً من أفعال الوهابية في مصر في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي وكيف تمكنوا من نشر أفكارهم المخالفة لعقيدة التنزيه، والتي يسميها ب"مجسمة العصر"، والذين لا يزالون يدندنون علي عقائدهم وأفكارهم وتوجهاتهم يخدعون بها البسطاء من المسلمين في مصر وغيرها من أبناء العالم الاسلامي. ونترككم مع بعض من مختارات الكتاب، ثم يعقبه رابط الكتاب كاملا.
"…..إن أصحاب مذهب التجسيم، ودعاة الوهابية المتطرفة في مصر، بعد أن خفت صوت هذه الدعاية في نجد والحجاز على يد الملك عبد العزيز آل سعود، وقمعه لغلاة المتطرفين من دعاتهم، بدأت تظهر حركتها هنا، وأخذت أصداؤها تتجاوب في أفق مصر باسم السنية ولسلفية!..
…..ولما كان النافخون في أبواق هذه الدعاية يعز عليهم أن يكشف الناس ما يخفون في أطوائها من عقيدة شركية، وكانوا يبالغون في التمويه على الناس وتضليل الأذهان، حتى لا يفطن أحد إلى ما ينطوون عليه من زيغ وضلال، فقد رأوا أن يرموا الناس بدائهم، ويظهروا بمظهر الحافظين لتراث النبوة، العاملين على إحياء مذهب السلف تغريراً وخداعاً وتلبيساً على العامة، وقالوا في الأمة المصرية: إنها أمه شركية عكف أفرادها على أوثان وطواغيت داخل القبور عبدوها من دون الله فصلوا إليها ولها، ودعوا أصحابها ودعوا بها وقدموا القرابين، ونذروا لها النذور.
….هكذا وقفوا أقلامهم، وصرفوا كل جهودهم إلى هذه الناحية من الطعن في المسلمين، ليخفوا بذلك داءهم، ويستروا عن أعين الناس اتجاههم…ولما كانت مصر بحمد الله من أعرق الإسلام إسلامية، وأقواها إيمانا بالله وبالقرآن وبما جاء به الرسول صلوات الله وسلامه عليه، لم تكن لتعير هذه الصيحات الصاخبة آذاناً صاغية، ولم تكن لتلتفت إلى ما ينظم هؤلاء من حملات إجرامية.   
 
……يقول هذا في غير خجل, وينسى أنهم السبابون الشاتمون البادئون بكل شتم وتكفير وتجهيل وتضليل, المعتدون على كرامة هذه الأمة في كل ما يكتبون, القائمون بدعاية تبشيرية خطرة في مصر ينعم بها بال المستعمرين, وتقر بها أعين المسيحيين, الضاحكون على ذقون العامة ببترهم من جسم الأمة بدعوى أن الداعين سلفيون موحدون, وغيره…
…وأخرى لسانية يؤجرون لها من ينبح العلماء، ويقع في إعراضهم، ويتهم اعتقادهم، وينكر عليهم ما عمرت قلوبهم من إيمان صادق، ويقين ثابت، وما تلبس به جوارحهم من الأعمال التي تعبدهم الله بها، وكلفهم بأدائها.
….يلقى ابن تيمية بكلامه هذا شبه اليهود على الأشاعره خاصة وأهل التقديس عامة، لأنهم لم يجاروا الممثلة والمشبهة في آرائهم، وينسى نفسه، ولا يحس أن بينه و بين سلف الأمة أمداً بعيداً، فهم يفوضون ويكلون علم هذه الظواهر إلى الله تعالى وهو يجرى المتشابه من الأسماء والصفات على ظاهره مراداً منه حقيقة المعنى المفهوم من اللفظ عند الإطلاق، إذ يقول في الاٍستواء، إنه الاستواء الحقيقي الذي يعطيه ظاهر اللفظ و يفسره – كما وقع له في بعض كتبه – بالاستقرار و الجلوس، و يثبت أ
المزيد
أضف الى مفضلتك
  • del.icio.us
  • Digg
  • Facebook
  • Google
  • LinkedIn
  • Live
  • MySpace
  • StumbleUpon
  • Technorati
  • TwitThis
  • YahooMyWeb

القرآنيون الشيعة يكتبون وبالأسانيد: وهم وخرافة المهدي المنتظر


كتبها باحث في الفكر الاسلامي ، في 2 أغسطس 2011 الساعة: 01:00 ص

 
بعد أن نشرت علي مدونتي – مدونة أهل العدل والتوحيد- سلسلة مثلث الخرافات في الفكر السني والشيعي علي السواء، أرسل الي عدد من القراء وخصوصاً الشيعة رسائل عدة تؤكد وتشدد علي ما يسمي ب" المهدي المنتظر" منكرين أنه خرافة أو أسطورة من الأساطير التي شغلت العقل المسلم ردحاً من الزمن، بل - وللأسف – لا تزال تشكل جزءاً من معتقدات المسلمين ( السنة والشيعة) علي السواء، وها أنا أضع بين أيديكم مؤلفين من كُتاب الشيعه لكن هذه المرة بمذاق مختلف، وبطريقة جديدة.
الأول: هو كتاب بعنوان " نقد وتمحيص روايات المهدي الشيعية"، بقلم واحد من الباحثين الشيعة الذين يطلق عليهم قرآنيين.
والثاني كتاب: "تحقيق علمي بأحاديث المهدي" لآية الله البرقعي.
 
اعرضها علي القراء سنة وشيعه وإباظية ومعتزلة وأشاعرة وصوفية وكل من له عقل وتفكير ونظر وقد اقتبستها من موقع اجتهادات، فالحق أحق أن يتبع أياً ما كان وأين ما كان….وعساها أن تكون بداية اليقظة العقلانية الإسلامية المرتقبة…لتزيل هذه الغشاوات من طريق الإسلام والمسلمين، وترفع عن الناس أحلاماً هي أقرب الي الأمنيات والرغبات والآمال…لتوقظهم الي الواقع الحقيقي حيث لا مهدي ولا قائم ولا رجعة ولا استغاثات ولا تنهدات ولا حبس ولا….ولا لكن أكثر الناس لا يعلمون..
فقد "أحاط الموروث الشيعي الإثنا عشري الذي يعتبر أن المهدي وُلِدَ للإمام الحسن بن علي العسكري (الإمام الحادي عشر لدى الشيعة الإمامية) حوالي سنة 255ه- وبعد خمس سنوات غاب غيبة صغرى مدة سبعين عاماً بقي خلالها على اتصال بأتباعه عبر أربعة سفراء متتالين، ثم غاب غيبته الكبرى التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، أحاط شخصية المهدي المنتظر هذا وموضوع ظهوره وما سيقوم به في آخر الزمن بكمٍّ هائل من الروايات والأخبار والأقوال والأحاديث الغريبة العجيبة معظمها من وضع الغلاة الكذابين والوضّاعين المفترين أو المجهولين أو المجروحين الذين رووا في هذا الصدد أخباراً تخالف القرآن وسنّة خير الأنام أو تجافي العقل والمنطق والوجدان وتناقض قواعد الإسلام أو تفسِّر آيات القرآن بمعان ما أنزل الله بها من سلطان أو تحكي أقاصيص عجيبة تثير السخرية والهزء بأهل الإيمان.."
"هذه رسالة الأستاذ «م. عبد اللهي» - [وهو أستاذ فاضل معاصر من أهالي طهران قد التقيتُ به قبل عقدين وهو الآن في الخامسة والخمسين من عمره ويعمل حالياً موظفاً في إحدى الدوائر] – وهو من الشيعة المستبصرين للحق المنادين بتصحيح العقائد الذي


معوقات التغيير الاجتماعي..قراءة قرآنية


كتبها باحث في الفكر الاسلامي ، في 26 يوليو 2011 الساعة: 23:14 م

توطئة

منذ قديم الزمن كان من بين البشر من يعتقد أنّ الثبات وعدم التغيّر هو الصورة الفعلية للوجود والمجتمع، ومن بينهم أيضاً من اقتنع أنّ التغيّر والتحول هو الصورة الفعلية الكامنة في الفرد والجماعة والمجتمع.
ومن الواقفين على الطرف الأول الفيلسوف اليوناني بارمنيدس الذي ذهب إلى أنّ «الوجود هو الحقيقة الأزلية، وأنّ الحقيقة كائن ثابت غير متغيّر، أما التغيّر فهو عبارة عن وهم من الأوهام»[1].
ومن الواقفين على الطرف المقابل الفيلسوف اليوناني هيرقليطس صاحب المقولة الشهيرة: «إنّ من المستحيل على الشخص أن يلج النهر مرتين»[2]، فأنت لستَ أنت، والنهر ليس النهر!!. إشارة إلى التغيّر الكامن في البشر والوجود.
ويرى علم الاجتماع المعاصر أنّ التغيّر سمة فعلية في المجتمعات ترتقي إلى حدّ كونها ظاهرة شائعة لا تقبل الشك والريب، وغدا موضوع التغيّر الاجتماعي أحد أهم الموضوعات في علم الاجتماع الذي راح يصبّ كثيراً من دراساته لتأمل هذه الظاهرة ودراستها[3].
وتواشجت علوم كثيرة -كعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والتاريخ- لتثبت أنّ التغيّر ظاهرة اجتماعية (Social phenomenon)، جلية.. راسخة رسوخ قدم الإنسان في أرض التاريخ وعمق الزمن، فقد مرت البشرية بمراحل ارتقت فيها من النطق إلى اكتشاف النار، فاستئناس الحيوان، فالزراعة، ثم التنظيم الاجتماعي، فالأخلاق، فالآلات، فالصناعة، فالعلوم، فالتربية، فالكتابة. وانتقلت من المجتمع البدائي إلى المجتمع المتحضر والمتمدن. والتقطت عدسة الشمس مجتمعات كثيرة مرت على المعمورة، من لدن المجتمع الصغير الذي مثله آدم وذريته الأولى، مروراً بمجتمع نوح وإبراهيم ولوط وهود وصالح وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وختاماً بالبشرية المعاصرة، وانتصبت في وجه قامة الزمن مجتمعات كثيرة وحضارات عتيدة كالمجتمع البابلي والصيني والهندي والفارسي والفرعوني واليوناني والروماني وغيرهم، ونمت مجتمعات كثيرة على بعضها نمواً رأسيًّا..
وهكذا.. فالمجتمع متغيّر بطبيعته.
والقرآن الكريم يؤمن بأنّ الاختلاف سمة أصيلة في المجتمع البشري: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ[4].
وتتفرّع من سمة الاختلاف سمة التدافع والصراع والتنافس بين الأشخاص والمجتمعات والثقافات والقيم المختلفة، والصدام بين بعضها والبعض الآخر، وفناء مجتمعات على يد أخرى تحلّ محلها: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ[5]، ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا[6].
وهذا التدافع يُنشئ سمة أخرى هي سمة التغيّر، فالمجتمعات تتغيّر، والأيام تُتداول، والحكم ينتقل، فيوماً حكمت الإمبراطورية الفارسية، ويوماً آخر الحضارة الإسلامية (الخلافة، الأمويون، العباسيون، الدول المتتابعة، ومنها الخلافة العثمانية)، وفي يوم ظهر اليونان، وآخر الرومان، وثالث الحكم الكنسي، ورابع بريطانيا العظمى التي كانت لا تغيب عنها الشمس، ثم خذلتها الشمس وأسلمتها للمغيب!!، وخامس الاتحاد السوفيتي الذي مزقته عواصف التغيير كما تمزّق الرياح سحابة صيف هشة، واليوم تتربع على عرش القوة والجبروت الولايات المتحدة الأمريكية: ﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى[7]، ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ[8].

التغيّر الاجتماعي: وقفة مفهومية

قبل أن نلج إلى ردهة البحث نريد أن نقف وقفة إجمالية عند مصطلح (التغيّر)؛ لنتعرّف على مدلوله اللغوي والاصطلاحي.

1- المدلول اللغوي:

ترد مادة (التغيّر) في المعاجم العربية بمعنى التحول والتبدل، والانتقال من حالة إلى حالة أخرى.
يقول ابن منظور [630 - 711هـ]، [1232 - 1311م]: «تغيّرَ الشيء عن حاله: تحوّل. وغيّره: حوله وبدّله، كأنّه جعله غير ما كان، وفي التنزيل العزيز: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ[9]، قال ثعلب: معناه حتى يبدلوا ما أمرهم الله، ….، وغِيَر الدهر: أحواله المتغيّرة»[10].
ويقول الفيروزأبادي [729 - 817هـ]، [1329 - 1415م]: «تغيّر عن حاله: تحوّل. وغيّره: جعله غير ما كان، وحوّله وبدّله»[11].
فالتغيّر «يشير إلى الاختلاف الكمي أو الكيفي ما بين الحالة الجديدة والحالة القديمة، أو اختلاف الشيء عما كان عليه، في خلال فترة محددة من الزمن»[12].
أما (الاجتماعي) فهي نسبة إلى (الاجتماع)، أي الشيء المنتسب إلى المجتمع.
ومن ثمّ فـ(التغيّر الاجتماعي) هو التحول والتبدل المتصل بالمجتمع أو الحاصل فيه.

2- المدلول الاصطلاحي:

من الناحية الاصطلاحية هناك الكثير من التعريفات المقدمة على بساط البحث لمدلول (التغيّر الاجتماعي) (Social change)، نقتنص منها:
أ - هو «التغيّر الذي يحدث داخل المجتمع أو التحول الذي يطرأ على أيّ من جوانب المجتمع خلال فترة زمنية محددة»[13].
ب- هو «كلّ تحول يقع في التنظيم الاجتماعي، سواء في بنائه أو في وظائفه خلال فترة زمنية معيّنة، والتغيّر الاجتماعي على هذا النحو ينصبّ على كلّ تغيير يقع في التركيب السكاني للمجتمع، أو في بنائه الطبقي، أو نظمه الاجتماعية، أو في أنماط العلاقات الاجتماعية، أو في القيم والمعايير التي تؤثر في سلوك الأفراد والتي تحدد مكاناتهم وأدوارهم في مختلف التنظيمات الاجتماعية التي ينتمون إليها»[14].
ج- هو «كلّ تحول يطرأ على البناء الاجتماعي خلال فترة من الزمن، فيحدُث تغيّر في الوظائف والأدوار والقيم والأعراف وأنماط العلاقات السائدة في المجتمع»[15].
د - هو «كلّ ما يطرأ على المجتمع في سياق الزمن على الأدوار والمؤسسات والأنظمة التي تحتوي على البناء الاجتماعي من حيث النشأة والنمو والاندثار»[16].
هـ- «هو الانتقال من نظام اجتماعي إلى آخر»[17].

التغيّر الاجتماعي والمصطلحات الأخرى

من التعميمات السابقة الواردة في تعريف (التغيّر الاجتماعي) نصل إلى أنّه كلّ تحول في البناء الاجتماعي يحصل في فترة من الزمن، سواء أكان تحولاً كليًّا أم جزئيًّا، إيجابيًّا أم سلبيًّا، مقصوداً أم تلقائيًّا، مخططاً أم عشوائيًّا، سريعاً فجائيًّا أم بطيئاً تدريجيًّا، زيادة أم نقصاناً، ارتقاء أم انحداراً، علوًّا أم هبوطاً، تقدماً أم تأخراً..
وبعبارة مختصرة هو أيّ نحو من التحول يحصل في بناء المجتمع.
وهذا يعني أنّ (التغيّر الاجتماعي) مصطلح لا يمدّ الظلال ذاتها التي تمدها مصطلحات أخرى مثل: التقدم، التطور، التحديث، التحضر، النمو، التنمية، الثورة، الإصلاح، التخلف، التراجع، التردي.

1- التقدم الاجتماعي (Social Progress):

التقدم الاجتماعي هو تغيّر المجتمع من حالة إلى حالة أفضل سواء في الجوانب المادية أو المعنوية، ويشير إلى عملية مستمرة بمقتضاها ينتقل المجتمع الإنساني من حالة إلى حالة أفضل، أو يسير في اتجاه مرغوب[18].
«ويُعرّف بأنّه العملية التي تأخذ شكلاً محدداً واتجاهاً واحداً مستقيماً يتضمن توجيهاً واعيًّا مخططاً ومقصوداً لتوجيه عملية التغيّر نحو الأمام؛ بهدف تحقيق بعض الأهداف المرسومة والمنشودة المقبولة، أو الأهداف الموضوعية التي تنشد خيراً أو تنتهي إلى نفع»[19]، كما يشير إلى التحسّن الإيجابي المستمر الصاعد نحو الأمام، وينطوي على مراحل ارتقائية، أي أنّ كلّ مرحلة تالية أفضل من سابقتها من حيث الثقافة والقدرة الإنتاجية والسيطرة على الطبيعة، بينما (التغيّر الاجتماعي) قد يكون إيجابيًّا أو سلبيًّا، أي تقدماً وازدهاراً أو تخلفاً وتأخراً ونكوصاً[20].

2- التطور الاجتماعي (Social Evolution):

التطور يعني النمو والتقدم المتدرّج البطيء من الناحية الكمية أو الكيفية وفقاً لمراحل محددة ومتوقعة (دون طفرات)، ويؤدي إلى تحولات منتظمة ومتلاحقة ومترابطة، فهو «العملية التي بموجبها تحقق المجتمعات الإنسانية نمواً مستمراً مروراً بمراحل متلاحقة مترابطة»[21]، بينما التغيّر الاجتماعي قد يكون تدريجيًّا مرحليًّا بطيئاً هادئاً، وقد يكون ثوريًّا انقلابيًّا فجائيًّا طفريًّا سريعاً شاملاً عنيفاً، وقد يكون تغييراً مخططاً (بطيئاً أو سريعاً) أو تلقائيًّا، بحسب المنهج التغييري الذي يسير عليه ويتملاه.
و«إذا كان مفهوم التغيّر يشير إلى أيّ تحول أو تعديل يطرأ على أساليب الناس في التعامل وعلى المؤسسات الاجتماعية والبناء الاجتماعي، فإنّ مفهوم التطور يقوم على أساس العلاقة بين عامل الزمن وبين نشأة أنواع أو فصائل أكثر تركيباً وأشد تنوعاً أو اختلافاً، إنّ الأكثر تطوراً لابدّ أن يظهر متأخراً عن الأقل تطوراً نتيجة للتغيّرات التي تطرأ عليه»[22].
وهذا يعني أنّ التطور حالة من حالات التغيّر.

3- التحديث (Modernization):

التحديث هو «استبدال الأسلوب التقني التقليدي وما يرتبط به من أنماط تتصل بحياة الأشخاص أو الجماعات أو المجتمعات، وذلك بأسلوب أكثر حداثة ومعاصرة»[23]، بينما التغيّر أعم من ذلك، ويشمل الأخذ بالأسلوب التقني الحديث، أو العكوف على الأسلوب التقني القديم، أو النكوص إلى الأسلوب التقني القديم، فهو مفهوم عام يشمل التحديث والتقليد والتبعية وغير ذلك..[24].

4- التحضر (Urbanization):

يشير مفهوم التحضر «إلى عملية من عمليات التغيّر الاجتماعي، وهي انتقال الريفيين إلى المدن، واكتسابهم تدريجيًّا القيم الحضرية وما يرتبط بها من أنماط السلوك الحضري إلى أن تنتهي هذه العملية إلى ما يُسمّى بـ(التكيّف الاجتماعي)»[25].
ويشير مفهوم (الحضرية) «إلى اكتساب الناس -وخاصة في الريف- لأساليب الحضر دون الانتقال إلى المدن»[26]، أي التحول القيمي والثقافي دون التحول المكاني الجغرافي.
أما التغيّر الاجتماعي فهو يشمل انتقال الريفيين إلى المدن والعكس، واكتساب الناس لأساليب الحضر والعكس، «وهكذا، فالتحضر يصف جزءاً من عملية التغيير الاجتماعي»[27].

5- النمو الاجتماعي (Social Grouth):

يشير مفهوم (النمو) إلى الزيادة في جانب واحد من جوانب الحياة، ويتصف بالثبات المستمر نسبيًّا، ويكون بطيئاً وتدريجيًّا، ويشير إلى الجوانب الكمية، ويتعلق غالباً بالجانب المادي من المجتمع، ويسير في خط مستقيم نحو الأمام (الزيادة)، بحيث يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه، وهو إرادي[28].
بينما التغيّر يشمل البناء الاجتماعي والنظام والأدوار والقيم وقواعد الضبط الاجتماعي، وقد يتصف بالثبات النسبي أو العكس، وقد يكون فجائيًّا سريعاً أو تدريجيًّا بطيئاً، ويتعلق بالجوانب الكمية أو الكيفية أو كلتيهما، ويتصل بالجانب المادي أو المعنوي أو كليهما، ويشير إلى الجوانب الكمية أو الكيفية أو كلتيهما، ولا يكون سيره مستقيماً -بالضرورة-، فقد يكون تصاعديًّا إلى الأمام أو نكوصيًّا إلى الخلف، وقد يكون تلقائيًّا عفويًّا أو إراديًّا مخططاً[29].
فالنمو حالة من حالات التغيّر.

6- التنمية الاجتماعية (Development Social):

هي «الجهود المنظمة التي تُبذل وفق تخطيط مرسوم للتنسيق بين الإمكانات البشرية والمادية المتاحة في وسط اجتماعي معيّن؛ بقصد تحقيق مستويات أعلى للدخل القومي والدخول الفردية، ومستويات أعلى للمعيشة والحياة الاجتماعية في نواحيها المختلفة كالتعليم والصحة والأسرة والشباب، ومن ثمّ الوصول إلى تحقيق أعلى مستوى ممكن من الرفاهية الاجتماعية»[30]، أي «هي نوع من التغيّر المقصود أو المخطط له؛ بغرض الانتقال من حال غير مرغوبة إلى حال أفضل، فهي السير في اتجاه موجب ومرغوب، إذاً.. هي نوع من التغيير الناتج عن التحكم في عوامل التغيّر واتجاهاته، بينما التغيّر يعني الحال المتغيّرة التي تحدث بفعل عمليات مخططة، وفي اتجاه مرغوب وموجب أو العكس»[31].
وبذلك فالتنمية نوع من أنواع التغيّر يختصّ بالتغيّر المنظم المقصود والمخطط له، دون التغيّر العشوائي العبثي أو العفوي التلقائي..

7- الثورة الاجتماعية (Social Revolution):

الثورة هي: «التغيير المفاجئ السريع بعيد الأثر في الكيان الاجتماعي لتحطيم استمرار الأحوال القائمة في المجتمع، وذلك بإعادة تنظيم وبناء النظام الاجتماعي جذريًّا»[32].
أما التغيّر الاجتماعي فقد يأخذ بالمنهج المفاجئ أو التدريجي، وقد يكون جذريًّا أو ترميميًّا، ومن ثمّ فالثورة نوع من أنواع التغيّر الاجتماعي.

8- الإصلاح الاجتماعي (Social Reform):

وقد شاع في الأدبيات الحديثة تسمية التغيير الجزئي بـ(الإصلاح)، و(الإصلاح الاجتماعي)، و(العمل الإصلاحي)، و(العملية الإصلاحية)، وتسمية التغيير الكلي الشامل بـ (التغيير)، أو (التغيير الجذري) أو (التغيير الشمولي)، ومن ثمّ فالفرق بينهما يكمن في المساحة التي يحتلها فعل التحويل والتبديل (كلية/ جزئية)، وفي عمق عملية التحويل (جذرية/ ترميمية).

9- التخلف الاجتماعي (Retrogression (Social:

هو حركة المجتمع السلبية نحو الوراء، وسيره نحو الأسوأ، بينما التغيّر الاجتماعي قد يكون نحو الأسوأ، وقد يكون نحو الأفضل، ومن ثمّ فهو مفهوم أكثر شمولية وتعميماً، وبذلك يغدو التخلف نوعاً من أنواع التغيّر الاجتماعي.

10- التراجع الاجتماعي (Retardation (Social:

وهي عملية سير اجتماعي نحو الوراء، وتتضمن عملية الحركة القهقرية إلى صور نكوصية سابقة كان عليها المجتمع في زمن سابق، فهي عملية مقابلة للتقدم، وبذاك يكون التراجع -شأنه شأن التقدم- صورة من صور التغيّر الاجتماعي.

11- التردي الاجتماعي (Regression (Social:

وهي عملية هوي وسقوط وهبوط وانحدار من أعلى إلى أسفل، وهي تفترض كون المجتمع في صورة (أعلى)، ثم الانحدار والتدهور والانحطاط، ولا تعني كلمة (أعلى) بالضرورة كونه في مستوى إيجابي، وإنّما هي مقارنة ونسبة تحكي التفاضل بين مستويين، يشهد المجتمع في الصورة السابقة له مستوى أفضل مما يؤول إليه حاله، وقد تكون تلك الصورة السابقة (عالية فاضلة)، يتردى المجتمع بعدها إلى أسفل، أو تكون صورة (سافلة متردية)، ثم يتردى إلى ما هو أشدّ منها.
أما التغيّر الاجتماعي فقد يكون ترديًّا وانحداراً، وقد يكون تساميًّا وارتفاعاً، أي أنّه أعم من التردي.
وهكذا.. فكلّ واحد من هذه المصطلحات الأحد عشر يرسم حالة وشكلاً من أشكال التغيّر الاجتماعي، لكنّه ليس مصطلحاً عاماً شاملاً يساوق معنى (التغيّر الاجتماعي)، ويحكي سعته وشموله.

خصائص التغيّر الاجتماعي

ومما سبق نستطيع أن نتعرّف على أهم خصائص التغيّر الاجتماعي، ومنها:

1- ظاهرة عامة:

فالتغيّر الاجتماعي ظاهرة تحدث في قطاع عريض من أفراد المجتمع، ولدى فئات واسعة منه، وتتصف بالانتشار والتوسع، ولا تقتصر على حالات محدودة في بعض الأفراد أو الجماعات.

2- يصيب البناء الاجتماعي:

فهو تحول في بنية المجتمع، لا بنية فرد، ولا يُقال لتحول حصل لدى شخص أو أشخاص قلة أنّه تغيّر اجتماعي.

3- يقاس بفترة زمنية، حتى يمكن معرفته وتقويم آثاره:

فعنصر (الزمن) معيار هام في كشف ما يحصل في المجتمع، فقد نشهد مجتمعاً ما.. وهو مجتمع أمي، أو زراعي، أو تستفحل فيه ظاهرة القتل، أو لا يعرف (الإنترنت)، ونشهده في فترة زمنية أخرى متعلماً يتأبط أبناؤه شهاداتهم الجامعية، تسكنه الصناعة، وينشر عليه التسامح جناحه، وتستقر (الإنترنيت) في عمق تقاناته التواصلية والمعرفية.

4- الثبات النسبي (الديمومة والاستمرار):

أي أنّ التغير الحاصل فيه ليس مؤقتاً أو عرضيًّا أو سريع الزوال، وإنّما يستقر مدة من الزمن بحيث يبدو ذلك فيه ملمحاً بارزاً.

5- الإيجاب والسلب:

ومن خصائص التغيّر الاجتماعي أنّه قد يكون إيجابيًّا (تقدماً وازدهاراً)، وقد يكون سلبيًّا (نكوصاً وانحداراً)، ولا يختصّ التغيّر الاجتماعي بالإيجاب فقط، أو بالسلب فقط.

6- التلقائية والقصد:

فالتغيّر الاجتماعي قد يحدث بشكل تلقائي وعفوي، أو بشكل مقصود ومخطط.

التغيّر والتغيير

تشير الهيئة اللغوية (تغيّر) الواردة على وزن (تفعّل) إلى تبدل وتحول وتحرّك (وانتقال ذاتي)، فحين نقول: (التغيّر الاجتماعي)، فإنّ هذا المركب الوصفي يومئ إلى تحقق أمر حصولي قد يكون عفويًّا أو تلقائيًّا، بينما الهيئة اللغوية (تغيير) على وزن (تفعيل) تشير إلى صورة غيرية، فحين نقول: (التغيير الاجتماعي)، فإنّ هذا المركب الوصفي يتحدث عن أمر عملي تحصيلي، أي يستحضر في وعيه فعلاً يقوم به أحد أو جماعة لإحداث التبدل والتحول والنقل من حالة إلى حالة، فهو تبديل وتحويل وتحريك (ونقل غيري)، فهو عملية قصدية، وليست عملية عفوية أو تلقائية، ويظهر فيها طرفان أحدهما القائم بالفعل والتغيير (الفاعل، المغيِّر)، وثانيهما: الجهة التي تجري عليها عملية التغيير (المنفعل، المغيَّر).
ولعلّ هذا أهم المبررات لعنونة هذه الدراسة بـ(معوّقات التغيير الاجتماعي)، بدلاً من (معوّقات التغيّر الاجتماعي)؛ لأنّنا نريد أن نقول: إنّ المجتمع قد يشهد عملية تغيير قصدية تسعى لإحداث التبدل والتحول فيه، لكن تقف في سبيلها أحجار تصد تلك العملية، تمثل معوّقات لها.

مواقف الناس تجاه التغيير الاجتماعي

يمكن أن نصنّف مواقف الناس تجاه التغيير إلى ثلاثة:

1ـ الموقف المؤيد (الإيجابي):

وهو موقف يؤمن بالتغيير، ويتقبّله، ويدعمه، ويقوم بالإسهام الفعلي فيه، وتمثله المجتمعات التي تتقبل التغيير قيمةً وفكراً وثقافةً ومنهجاً وطريقةَ حياة، وتقوم بإحلال سبل التغيير فيها، وإعادة ترتيب أوراقها وفق الشكل المناسب للتغيير الجديد.

2ـ الموقف المعارض (السلبي):

وهو موقف يؤمن بعدم التغيير، أو لا يؤمن بالتغيير، ومن ثمّ يعارضه، ويواجهه، ويشحذ قواه للوقوف في وجهه، وإعاقة العملية التغييرية، أو إجهاضها أو قتلها. وتمثله المجتمعات التي تعادي التغيير سواء في الجانب القيمي، أو التقني، أو غير ذلك..
كما عارض البعض القطار في أول ابتكاره؛ مدعياً أنّه يفسد الطبيعة، وبسرعته يحرم الإنسان من فرصة التأمل فيها، والتفاعل مع جمالها الأخاذ.

3ـ الموقف اللامبالي (السكوني):

وهو موقف من لا يعنيه تحقيق التغيير ونجاحه، ولا بقاء الصورة المجتمعية المتحققة أو زوالها، ومن ثمّ يقف موقف المتفرج الذي يحمل شعار (الوقوف على التلّ أسلم!!).
وتمثله القطاعات الاجتماعية التي لا تحمل همّ المسؤولية والتغيير.

المواقف الثلاثة في القرآن الكريم

يقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ * يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ[33].
فقد طلب نبي الله موسى (عليه السلام) من بني إسرائيل تغيير وضعهم الذي يقتات الشتات والضياع في الأرض بالدخول إلى الأرض المقدسة، فانقسموا إلى ثلاث فئات تجسد المواقف الثلاثة تجاه التغيير:
1- فئة تريد تحقيق التغيير الاجتماعي لمجتمع بني إسرائيل، والانتقال به إلى مرحلة الاستقرار في الأرض المقدسة، وهذه الفئة يقودها النبي موسى (عليه السلام)، وأخوه هارون (عليه السلام)، ويشاركهما فيها رجلان واعيان لمستلزمات التغيير ومتطلباته، ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ.
2- وفئة تقف ضد التغيير، وتفضل العيش في الشتات على المواجهة المسلحة للقوم الجبارين، المواجهة التي قد تكلفها خوض غمار الحرب وتقديم القتلى، وتريد أكل ثمرات التغيير دون الإسهام في عمليته واجتراح مشاقها وآلامها ﴿وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ.
3- وفي الختام تحولت الفئة المعارضة للتغيير إلى فئة سكونية خاملة، يطيب لها مشاهدة المسرح دون السعي لتقديم أيّ فعل فيه، ومع أنّها تتوق إلى التغيير، لكنّها تكل عملية الحراك الاجتماعي إلى الغيب، بدلاً من الفعل البشري الشهودي ﴿قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ.
وإذا تحوّلت هذه المواقف الثلاثة إلى عمل، فإنّ الموقف الأول (المؤيد) سيأخذ بسبل الدعم لإحداث التغيير، بينما سيشرع الموقف الثاني (المعارض) إلى التسلح بسبل الصدّ والمواجهة والإعاقة (صنع المعوقات لعملية التغيير)؛ لإبقاء المتحقق المجتمعي، ووأد عملية التغيير، في حين سيكتفي الثالث (اللامبالي) بمشاهدة الأحداث والمجريات!!
وضمن وجهة النظر القرآنية فإنّ مآل هذه المواقف الثلاثة يصبّ في خندقين فحسب: إما الوقوف مع التغيير، وإما ضده؛ لأنّ الموقف السكوني يخذل عملية التغيير، ويصبّ في خدمة المعارض لها، ويترك (المؤيد) في حلبة الصراع مع (المعارض) دون أن يقدم له أيّ معونة، مكتفياً بالتفرّج على عملية المصارعة، وهذا يفسّر لنا النهاية الدقيقة التي خُتمت بها الآيات التي تكلمت عن قصة تحريم الصيد على بني إسرائيل في يوم السبت:
﴿واسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ[34].
ففي خاتمة المطاف هناك نهايتان فقط:
ألف- النجاة للذين ينهون.
بــاء- العذاب البئيس للذين ظلموا.
فأين توارى أصحاب الموقف الثالث (السكونيون) عن المسرح؟!
لا شكّ في أنّ هؤلاء انخرطوا نتيجة ضمن الذين صُب عليهم العذاب البئيس، أو ما هو أشدّ منه!!
ويفسّر انتهاء المواقف الثلاثة إلى موقفين حديث آخر عن تجربة أخرى في المسرح النبوي، حصلت هذه المرة في قوم شعيب (عليه السلام)، حيث «أوحى الله -عزّ وجلّ- إلى شعيب النبي (عليه السلام): إنّي معذب من قومك مئة ألف: أربعين ألفاً من شرارهم، وستين ألفاً من خيارهم!!، فقال (عليه السلام): يا ربّ، هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟!، فأوحى الله -عزّ وجلّ-: إليه: داهنوا أهل المعاصي، ولم يغضبوا لغضبي»[35].

معوّقات التغيير الاجتماعي


هناك معوقات كثيرة تقف في وجه حركة التغيير الاجتماعي، منها:

1- رفض قيم التغيير:

فالتغيير يحمل في طياته قيماً وأخلاقيات منها: تجاوز القديم المتحقق، والمجيء بالجديد.
وإلى جانب وجود أشخاص ومجتمعات يتقبلون عملية التغيير والحركة (المجتمعات الديناميكية)، وينزعون إلى الجديد، يقف أشخاص آخرون ومجتمعات أخرى ترغب في الثبات والاستقرار، وتخاف من الجديد، وتنزع إلى العكوف على القديم المألوف، وتقف في وجه التغيير وتحاربه، أو تقف في وجه المغيّر وتقاومه، وتلك طبيعة (المجتمعات الاستاتيكية).
والقاعدة العامة للسلوك الاجتماعي الذي واجه حركة التغيير التي قادها الأنبياء والمرسلون هي رفض التغيير ومواجهته: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ[36].
وإلى جانب كونها القاعدة العامة، فقد انحلت إلى مصاديق تطبيقية كثيرة وتوالت ظهوراتها في حلقات التغيير النبوي، واقفة كسد منيع في سبيل التغيير الذي يستهدفه:
فقد رفض قوم نوح فكره التغيير، و﴿قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ[37].
كما رفض قوم هود دعوته، وفضَّلوا أن يعضوا بنواجذهم على انتمائهم العقدي للمحافظة عليه: ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ألا تَعْبُدُوا إلا اللهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ[38].
ومن لدن نوح أول الأنبياء إلى خاتمهم الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يستمر هذا السلوك الرافض للتغيير الاجتماعي -لاسيما في الصورة العقدية-، فتعود الكرّة من جديد في مجتمع قريش الذي تغطرس، ورفض الإسلام وكتابه المنزل، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ[39].
ويطلق البعض على البقاء على القيم القديمة ورفض الجديدة -ولو كانت سماوية أو متجانسة مع العقل والفطرة- اسم (الرجعية)؛ لأنّها دعوة للرجوع إلى الخلف، وعدم التطلع والإقدام إلى الأمام، والتهيّب من الخطو نحوه.

2- النمطية:

تمثل العادات الجارية والمستحكمة في المجتمع دور المألوف الاجتماعي الذي يرتكن إليه في مواجهة الجديد النابت، والتغيير المرتجى، فالفعل التكراري خلق له قبولاً عاماً في الذهنية الاجتماعية، وأمسى معهوداً غير مستنكر لديها، ومن ثمّ تتمسك كثير من المجتمعات بالفكر والفعل السائدين، وتتجمد عليهما؛ للحيلولة دون التغيير بالجديد، وتميل هذه المجتمعات إلى دفء المألوف.
وتزداد ضراوة هذه النمطية والجمود كلما استهدفت عملية التغيير الاجتماعي العادات التكرارية المتصلة بالوشائج القريبة التي تمثل شيئاً من الذات، فالآباء الذين يمثل الأبناء الامتداد النسبي والاجتماعي لهم تستطيل عاداتهم إلى أطواد شاهقة ينافح الأبناء دون اجتثاثها من المجتمع، فيما يخلق (الألفة الآبائية) لما كانوا عليه، والرفض لحركة التغيير التي تستهدف إبداله، وإحلال آخر مكانه.
وتتبدى هذه النمطية في صورتين بارزتين، هما:

ألف- نمطية الفكر (اتباع الفكر السائد):

وفي هذه الصورة يتم اعتناق الفكر المألوف السائد في المجتمع، ورفض الفكر الجديد ومفاهيمه ورؤاه، الأمر الذي حدا بمجتمعات الأنبياء أن تعانق مألوفها الفكري الذي استقرّ في العقلية العامة لها وفي عقلها العام ومخيالها الجمعي، ورفض الفكر الداعي إلى التجديد والتغيير، ولو كان آتياً من الله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ[40]، ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ[41].
وبهذا تكون السلطة المعرفية والقيمية الراكزة في المجتمع ولدى الآباء هي المرجعية التي يتم الاحتكام لها لتقييم الجديد والحكم عليه: قبولاً أو رفضاً، وحيث إنّه جديد مخالف للنسق المألوف، فسيكون نصيبه الرفض، لا لشيء إلا لأنّه مختلف عن الفكر المرجعي.
بينما تسعى روح الرسالات السماوية إلى الاحتكام إلى الحقّ واتباعه ولو خالف المألوف الاجتماعي والأبوي (سلطة المجتمع والآباء): ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ[42]، ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[43].

بــاء- نمطية الفعل (اتباع الفعل السائد):

وهنا يتم اعتناق الفعل المألوف السائد، ويتم تبني السلوك العملي المعهود في المجتمع.
وفي المشهد التاريخي كانت هذه النمطية في الفعل سلوكاً راسخاً في مجتمعات الأنبياء واجهت به مساعيهم التغييرية: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ[44]، ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ[45].
وحين جاء النبي إبراهيم (عليه السلام) بالحجج والبراهين الدامغة على بطلان عبادة الأصنام، لم يكن لسان الرد لديهم قادراً على المواجهة البرهانية، فكان المبرر المحرّك للرفض لديهم هو العكوف على الفعل الأبوي وتقديسه، وتقديمه على الحجة والبرهان والمنطق العلمي: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ
المزيد
أضف الى مفضلتك
  • del.icio.us
  • Digg
  • Facebook
  • Google
  • LinkedIn
  • Live
  • MySpace
  • StumbleUpon
  • Technorati
  • TwitThis
  • YahooMyWeb

الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة


كتبها باحث في الفكر الاسلامي ، في 2 يونيو 2011 الساعة: 03:08 ص

اضع بين ايديكم نص الوثيقة القادرية مع تعليقات للمرحوم امين نايف ذياب مجدد الفكر الاعتزالي في العصر الحديث….

ونحن نرى ضرورة تعرف ابناء امتنا على هذه الوثيقة ودورها الخطير في وصول امتنا الى ما وصلت اليه من فرقة وهوان وذل..وهذه الوثيقة نرى انها تجيب عن السؤال الملح والمتكرر لماذا لم ننهض للان كأمة رغم كل المحاولات؟؟؟؟ واليكم الموضوع

(ارسل إليكم نص الوثيقة القادرية ، لقرائتها بتمعن ، ومعرفة دور هذه الوثيقة في هبوط الفكر الإسلامي ـ بعد أنْ كان يتربع على صدارة العالم في انتاج المعرفة ـ
ولتدرك أخي الكريم انَّ الوثيقة القادرية توجهت ضد فكر المعتزلة بالدرجة الأولى
ـ ومنذ تلك الوثيقة والأمة الإسلامية تنحدر عن المكانة اللائقة بـها ، إلى أنْ أمكن هدم الدولة الإسلامية في 3 آذار 1924م .

الوثيقة القادرية
ما هي الوثيقة القادرية ؟ ولماذا توثيقها ؟
الوثيقة القادرية أو الاعتقاد القادري : هي وثيقة أصدرها الخليفة العباسي القادر بالله سنة 408هـ ، حددتْ المعتقدات التي يجب على المسلمين اعتقادها ، وتمنع معتقدات أخرى تحت طائلة العقوبة والنكال ، وقد منعت هذه الوثيقة الاجتهاد ؛ فكانت السبب في تأخر المسلمين ؛ وهو تأخر لا زال إلى اليوم ، والخليفة العباسي القادر بالله مُصَدّر الوثيقة يكنى بأبي العباس ، واسمه أحمد بن الأمير اسحق ، فأبوه لم يكن خليفة ، لكنَّ جده المقتدر بالله ؛ واسمه جعفر ؛ ولقبه أبو الفضل ؛ تولى الخلافة سنة 295 – 320 هـ ، خلع مرتين ثم قتل في الحرب ، والمقتدر هو ابن أحمد أبو العباس الخليفة الملقب بالمعتضد ؛ تولاها من 279-289هـ ، وهذا أي المعتضد هو ابن الموفق ؛ الذي لم يكن من الخلفاء ، والموفق هو ابن الخليفة المشهور المتوكل بن المعتصم . لقد آلت الخلافة إلى القادر صاحب الاعتقاد بعد القبض على الخليفة الطائع ، يوم السبت التاسع عشر من شهر شعبان سنة 381هـ ، يصفه ابن كثير في بدايته ونـهايته في التاريخ ، بأنه من خيار الخلفاء ، وسادات العلماء في ذلك الزمان ، وكان كثير الصدقة حسن الاعتقاد ، وصنف قصيدة فيها فضائل الصحابة وغير ذلك ، فكانت تقرأ في حلق أصحاب الحديث ، وتجتمع الناس لسماعها مدة خلافته ، توفي القادر سنة 422هـ . وابن كثير إذ يحكم عليه بحسن الاعتقاد إنما ينطلق من رؤيته الأشعرية المخالطة بمقالات من رؤية أهل الحديث ، والأشعرية وحلفاؤهم أهل الحديث أعملوا القتل في رقاب المسلمين دون وجه حق ، فسادت في الأمة بفضل هذا الحلف غير المقدس : ـ السلطان العباسي ، والأشعرية وأهل الحديث ، والأعاجم في اللسان السلاجقة ـ التقليد والأسطورة والجبر ، فتهيأت الأجواء للكارثة التي لا زالت الأمة الإسلامية تعاني من شدة وطأتـها حتى هذه اللحظة .
قراءة الوثيقة القادرية على مرات
تكررتْ قراءة الوثيقة على العلماء والفقهاء وهذه هي :


القراءة الأولى

في أخبار سنة 408هـ دَوَّنَ أبن كثير نقلاً عن المنتظم لابن الجوزي : أخبرنا سعد الله بن علي البزار أنبأ أبو بكر الطريثيثي أنبأ هبة الله بن الحسن الطبري قال : وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب القادر بالله الخليفة فقهاء المعتـزلة ، فأظهروا الرجوع وتبرؤوا من الاعتـزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام ، وأُخذت خطوطهم بذلك ، وأنـهم متى خالفوا أُحل بـهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالـهم ، وامتثل محمود بن سبكتكين أمر أمير المؤمنين في ذلك ؛ واستن بسنته في أعماله التي استخلفه عليها من بلاد خراسان وغيرها ، في قتل المعتـزلة ! والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة ، وَصَلَبَهُمْ وحبسهم ونفاهم ، وأمر بلعنهم على المنابر ، وأبعد جميع طوائف أهل البدع ، ونفاهم عن ديارهم وصار ذلك سنة في الإسلام .
ما يلاحظه القارئ للخبر : إنَّ اسم المعتـزلة هو المخصوص في هذه الوثيقة ، وهم في مقدمة الممنوعين من الدعوة لرأيهم ، بل قد يكون ورود اسم المعتـزلة منفردا ، يظهر بوضوح أنـهم المطلوب خروجهم من حياة المسلمين ، وسبب ذلك هو محاربتهم للجور ؛ بالقول بخلق العباد لأفعالهم ، ولقولـهم في المنـزلة بين المنـزلتين ، فيخرج الحكام الفسقة الظلمة عن اسم الإيمان ( المدح ) وهو يقتضي الولاء لمن وصف بالإيمان ، إلى اسم من أسماء الذم ؛ وهو الفاسق ، وبالتالي فا


الأزمة المالية العالمية: محاولة للفهم


كتبها باحث في الفكر الاسلامي ، في 22 أكتوبر 2010 الساعة: 01:41 ص

 بقلم الخبير الاقتصادي د.حازم الببلاوي.
يقف العالم مشدوهاً أمام ما يطلق عليه «الأزمة المالية» العالمية، فأكبر اقتصاد في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية) مهدد بالانزلاق إلي هاوية الكساد والإفلاس، ومن من؟

من أكبر وأعرق المؤسسات المالية الدولية في أمريكا وأوروبا، فكيف حدث ذلك؟ ولماذا هي «أزمة مالية» أكثر منها «أزمة اقتصادية»؟ فهي أزمة في القطاع المالي ولكنها تهدد بإغراق الاقتصاد بأكمله. فكيف ولماذا؟

كل هذه أسئلة تقلق القارئ العادي الذي يريد أن يفهم. وقد طلب مني الكثيرون أن أحاول أن أقدم تفسيراً مبسطاً يساعد القارئ غير المتخصص علي فهم ما يجري أمامه من أحداث تبدو غير واضحة.

ونظراً لأنني أعتقد أن أهم أسباب عدم الفهم ترجع عادة إلي غموض «البدهيات» والمبادئ الأولية لعلم الاقتصاد، فلذلك فلا أجد غضاضة في أن أبدأ بشرح هذه المبادئ الأولية.

تتطلب البداية أن نفهم أن هناك تفرقة أساسية بين ما يمكن أن نطلق عليه «الاقتصاد العيني أو الحقيقي» وبين «الاقتصاد المالي». فأما الاقتصاد العيني «وهو ما يتعلق بالأصول العينية Real Assets فهو يتناول كل الموارد الحقيقية التي تشبع الحاجات بطريق مباشر (السلع الاستهلاكية) أو بطريق غير مباشر (السلع الاستثمارية).

«فالأصول العينية» هي الأراضي وهي المصانع، وهي الطرق، ومحطات الكهرباء، وهي أيضاً القوي البشرية. وبعبارة أخري هي مجموع السلع الاستهلاكية التي تشبع حاجات الإنسان مباشرة من مأكل وملبس وترفيه ومواصلات وتعليم وخدمات صحية.

ولكنها أيضاً تتضمن الأصول التي تنتج هذه السلع (الاستثمارية) من مصانع وأراض زراعية ومراكز للبحوث والتطوير.. إلخ. وهكذا فالاقتصاد العيني أو الأصول العينية هو الثروة الحقيقية التي يتوقف عليها بقاء البشرية وتقدمها.

وإذا كان الاقتصاد العيني هو الأساس في حياة البشر وسبيل تقدمهم، فقد اكتشفت البشرية منذ وقت مبكر أن هذا الاقتصاد العيني وحده لا يكفي بل لابد أن يزود بأدوات مالية تسهل عمليات التبادل من ناحية، والعمل المشترك من أجل المستقبل من ناحية أخري.

ومن هنا ظهرت الحاجة إلي «أدوات» أو «وسائل» تسهل التعامل في الثروة العينية. لعل أولي صور هذه الأدوات المالية هي ظهور فكرة «الحقوق» علي الثروة العينية. فالأرض الزراعية هي جزء من الثروة العينية وهي التي تنتج المحاصيل الزراعية التي تشبع حاجة الإنسان من المأكل وربما السكن وأحياناً الملبس.

ولكنك إذا أردت أن تتصرف في هذه الأرض فإنك لا تحمل الأرض علي رأسك لكي تبيعها أو تؤجرها للغير، وإنما كان لابد للبشرية أن تكتشف مفهوماً جديداً اسمه «حق الملكية» علي هذه الأرض. فهذا «الحق القانوني» يعني أن يعترف الجميع بأنك (المالك) الوحيد صاحب الحق في استغلال هذه الأرض والتصرف فيها.

وهكذا بدأ ظهور مفهوم جديد اسمه «الأصول المالية» Financial assets، باعتبارها حقاً علي الثروة العينية.

وأصبح التعامل يتم علي «الأصول المالية» باعتبارها ممثلاً للأصول العينية. فالبائع ينقل إلي المشتري حق الملكية، والمشتري تنقل إليه الملكية العينية من المالك القديم بمجرد التعامل في سند الملكية. وأصبح التعامل الذي يتم علي هذه الأصول المالية (سندات الملكية) كافيا لكي تنتقل ملكية الأصول العينية (الأرض) من مالك قديم إلي مالك جديد.

ولم يتوقف الأمر علي ظهور أصول مالية بالملكية، بل اكتشفت البشرية أن التبادل عن طريق «المقايضة» ومبادلة سلعة عينية بسلعة عينية أخري أمر معقد ومكلف، ومن ثم ظهرت فكرة «النقود» التي هي أصل مالي، بمعني أنها بمثابة «حق» ليس علي أصل بعينه (أرض معينة أو سلعة معينة) وإنما هي حق علي الاقتصاد العيني كله. فمن يملك نقوداً يستطع أن يبادلها بأي سلعة معروضة في الاقتصاد.

أي أن «النقود» أصبحت أصلا ماليا يعطي صاحبه الحق في الحصول علي ما يشاء من الاقتصاد، أي من السلع والخدمات المعروضة في الاقتصاد. والنقود في ذاتها ليست سلعة، فهي لا تشبع الحاجات، فهي لا تؤكل، ولا تشبع حاجة الملبس أو المسكن أو غير ذلك من متاع الحياة، فقط الاقتصاد العيني من سلع وخدمات يسمح بذلك.

ولكن النقود باعتبارها حقاً علي الاقتصاد العيني تسمح بإشباع الحاجات الحقيقية بمبادلتها مع الأصول العينية (السلع)، أي أن «النقود» هي أصل مالي أو حق علي الأصول العينية، فهي ممثل عن الاقتصاد العيني، ولكن وجودها والتعامل بها يساعد علي سهولة التبادل والمعاملات في السلع العينية.

ولم يتوقف تطور «الأصول المالية» علي ظهور حق الملكية أو ظهور النقود كحقوق مالية علي موارد عينية محددة أو علي الاقتصاد في مجموعه، بل اكتشفت البشرية أيضاً أن الكفاءة الاقتصادية تزداد كلما اتسع حجم المبادلات ولم يعد مقصوراً علي عدد محدود من الأفراد أو القطاعات، فالقابلية للتداول Negotiability ترفع القيمة الاقتصادية للموارد. ومن هنا ظهرت أهمية أن تكون هذه الأصول قابلة للتداول.

وبشكل عام تأخذ هذه الأصول المالية عادة أحد شكلين، فهي إما تمثل حق الملكية علي بعض الموارد (أرض زراعية أو مصانع أو غير ذلك) أو تأخذ شكل دائنية علي مدين معين (فرد أو شركة). وقد تطورت أشكال الأصول المالية الممثلة للملكية (الأسهم) مع ظهور الشركات المساهمة، كما تطورت أشكال الأصول المالية الدائنة (أو المديونية) مع تطور الأوراق التجارية والسندات.

وهكذا جاء ظهور الأوراق المالية من أسهم وأوراق تجارية وسندات مما زاد من حجم الأصول المالية المتداولة والتي تمثل الثروة العينية للاقتصاد. وساعد وجود هذه الأصول المالية المتنوعة علي انتشار وتوسع الشركات وتداول ملكيتها وقدرتها علي الاستدامة.

ولكن الأمر لم يقتصر علي ظهور هذه الأصول المالية الجديدة (أسهم وسندات وأوراق تجارية) بل ساعد علي انتشار تداولها ظهور مؤسسات مالية قوية تصدر هذه الأصول باسمها وحيث تتمتع بثقة الجمهور مما أدي إلي زيادة تداول هذه الأسهم والسندات بين الجمهور.
 
فمن ناحية ظهرت البورصات التي تتداول فيها هذه الأصول المالية مما أعطي المتعاملين درجة من «الثقة» في سلامة هذه الأصول المالية، ومن ناحية أخري فإن المؤسسات المالية الوسيطة (البنوك بوجه خاص) حين تمول الأفراد فإنها تحل، في الواقع، مديونية هذه البنوك التي تتمتع بثقة كبيرة لدي الجمهور محل مديونية عملائها. فالعميل يتقدم للبنك للحصول علي تسهيل أو قرض، ومديونية هذا العميل للبنك تستند إلي ملاءة هذا العميل والثقة فيه،

ولكن ما إن يحصل العميل علي تسهيل البنك فإنه يتصرف في هذا التسهيل كما لو كان نقوداً لأن البنوك تتمتع بثقة عامة في الاقتصاد. وهكذا فإن البنوك تحول المديونيات الخاصة للعملاء إلي مديونيات عامة تتمتع بثقة كبيرة لدي الجمهور فيقبل عليها المتعاملون لأنهم يثقون في هذه البنوك.

وهكذا لعب القطاع المصرفي - والقطاع المالي بصفة عامة - دوراً هائلاً في زيادة حجم الأصول المالية المتداولة وزيادة الثقة فيها. ومن هنا بدأت بوادر أو بذور الأزمات المالية وهي بدء انقطاع الصلة بين الاقتصاد المالي والاقتصاد العيني. فالتوسع المالي بإصدار أنواع متعددة من الأصول المالية المتنوعة بشكل مستقل عن الاقتصاد العيني وأصبحت للأسواق المالية حياتها الخاصة بعيداً عما يحدث في الاقتصاد العيني..

ومن هنا تظهر حقيقة الأزمة المعاصرة باعتبارها أزمة «مالية» بالدرجة الأولي نجمت عن التوسع الكبير في الأصول المالية علي نحو مستقل ـ إلي حد كبير ـ عما يحدث في «الاقتصاد العيني»، كيف؟ يرجع ذلك إلي المؤسسات المالية التي أسرفت في إصدار الأصول المالية بأكثر من حاجة الاقتصاد العيني، ومع هذا التوسع الكبير في إصدار الأصول المالية،

زاد عدد المدينين، وزاد بالتالي حجم المخاطر إذا عجز أحدهم عن السداد، وهناك ثلاثة عناصر متكاملة يمكن الإشارة إليها وتفسر هذا التوسع المجنون في إصدار الأصول المالية.

أما العنصر الأول فهو زيادة أحجام المديونية أو ما يطلق عليه اسم الرافعة المالية Leverage، فما هو المقصود بذلك؟ أشرنا إلي أن هناك نوعين من الأصول المالية، أصول تمثل الملكية وأصول تمثل مديونية، أما الأصول التي تمثل الملكية فهي أساساً ملكية الموارد العينية من أراض ومصانع وشركات، وهي تأخذ عادة شكل أسهم،

وبالنسبة لهذا الشكل من الأصول المالية فهناك ـ عادة ـ حدود لما يمكن إصداره من أصول للملكية، حقاً أنه يمكن المبالغة بإصدار أسهم بقيم مالية مبالغ فيها عن القيمة الحقيقية للأصول التي تمثلها، ولكن يظل الأمر محدوداً،

لأنه يرتبط بوجود هذه الأصول العينية، أما بالنسبة للشكل الآخر للأصول المالية وهو المديونية، فيكاد لا توجد حدود علي التوسع فيها، وقد بالغت المؤسسات المالية في التوسع في هذه الأصول للمديونية، وكانت التجارب السابقة قد فرضت ضرورة وضع حدود علي التوسع في الاقتراض،

ومن هنا فقد استقرت المبادئ السليمة للمحاسبة المالية علي ربط حدود التوسع في الاقتراض بتوافر حد أدني من الأصول المملوكة، فالمدين يجب أن يتملك حداً أدني من الثروة حتي يستدين، وأن يتوقف حجم استدانته علي حجم ملكيته للأصول العينية،

ولذلك حددت اتفاقية بازل للرقابة علي البنوك حدود التوسع في الإقراض للبنوك بألا تتجاوز نسبة من رأس المال المملوك لهذه البنوك، فالبنك لا يستطيع أن يقرض أكثر من نسبة محددة لما يملكه من رأسمال واحتياطي وهو ما يعرف بالرافعة المالية.

ورغم أن البنوك المركزية تراقب البنوك التجارية في ضرورة احترام هذه النسب، فإن ما يعرف باسم بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة لا يخضع لرقابة البنك المركزي،


من تاريخ السجال بين مدرستي الأشاعرة وأهل الأثر وأصحاب الحديث


كتبها باحث في الفكر الاسلامي ، في 2 أغسطس 2010 الساعة: 22:52 م


أهدي لسيادتكم كتاب الإمام محمد زاهد الكوثري المسمي بكتاب السيف الصقيل في الرد علي ابن زفيل والمقصود به ابن القيم الجوزية تلميذ ابن تيميه الحراني المنتمي لمدرسة أهل الأثر والحديث، وهذه مقطفات من الكتاب…….ننشرها كي يعلم المتفقيهون أنهم ليسوا المُرادف الوحيد للإسلام، ولا أنهم الوحيدون برؤيتهم يمثلون العقيدة الصحيحة كما يدندنون ويُشيعون، ولا أنهم ومؤلفاتهم معصومون من الزلل أو الخطأ كما يصورونها لنا علي شاشات القنوات المتمسلفة، وأنهم إذا كانوا بحق منتشرين ومقبولين فبفضل أموال البترودولار ودعم الإستعمار والمستبدين، وليس برضا وقبول وإجماع من عامة المسلمين، حيث كانت هذه العقيدة الحشوية كما يقول صاحب الكتاب عن نونية ابن القيم أنها" لم تكن تذاع في ذلك العهد إلا سراً وكفى هذا سعياً بالفساد، ولا يحسبن القارئ أن ابن القيم ربما يكون تاب وأناب عن هذه العقيدة الزائغة التي احتوتها تلك القصيدة…. وقد حشر في مؤلفاته ما لم يفهمه ولم يهضمه من أقوال أرباب النحل، شأن من خاض في المسائل النظرية الخطرة من غير أستاذ رشيد، فحصل في تفكيره ما يحصل في معدة الشره المتخوم فأصبحت مؤلفاته محشر الأقوال المتناقضة، ولم ينخدع بها إلا من ظن أن العلم هو حشد المصطلحات من غير نظام يربط بعضها ببعض وبدون تمحيص الحق من الباطل"… ….وعلي الله قصد السبيل…وهذه مقطفات من الكتاب
-  لا يتصور أن يميل إلى أحدهما عاقل إلا إذا كان له غاية إلحادية، وأنَّى يستعجم على عالِمٍ باللسان العربي المبين ما في كتاب الله وسنة رسوله من الدلالة على تنـزيه الله جل شأنه من الجسمية والجسمانيات والمادة والماديات، بخلاف العامي الذي هو قريب العهد من الجاهلية.
وقد استمرت فتن المخدوعين من الرواة على طول القرون مجلبة لسخط الله تعالى ولاستسخاف العقلاء، من غير أن يخطر ببال عاقل أن يناضل عن سخافات هؤلاء، إلى أن نبغ في أواخر القرن السابع بدمشق حرَّانيٌ تجرَّدَ للدعوة إلى مذهب هؤلاء الحشوية السخفاء، متظاهراً بالجمع بين العقل والنقل على حَسَبِ فهمه من الكتب، بدون أستاذ يرشده في مواطن الزلل.
وكان ابن زفيل الزرعي المعروف بابن القيم يسايره في شواذه كلها حياً وميتاً، ويقلده فيها تقليداً أعمى في الحق والباطل، وإن كان يتظاهر بمظهر الاستدلال لكن لم يكن استدلاله المصطنع سوى ترديد منه لتشغيب قدوته دائباً على إذاعة شواذ شيخه، متوخياً في غالب مؤلفاته تلطيف لهجة أستاذه في تلك الشواذ، لتنطلي وتنفق على الضعفاء، وعمله كله التلبيس والمخادعة والنضال عن تلك الأهواء المخزية حتى أفنى عمره بالدندنة حول مفردات الشيخ الحراني



التفسيرات الحرفية للقرآن الكريم …بقلم د.عبد الوهاب المسيري


كتبها باحث في الفكر الاسلامي ، في 2 أغسطس 2010 الساعة: 21:01 م



كي نتناول قضية التفسيرات الحرفية للقرآن علينا بادئ ذي بدء أن نتوجه لقضية المجاز في اللغة. إذ أذهب إلى أن النصوص المقدسة نصوص مجازية توليدية، لا يمكن فهمها إلا بإدراك طبيعتها المجازية. فهي نصوص تشير إلى عالم الطبيعة المركب وعالم الإنسان الأكثر تركيبًا، وإلى الدنيا والآخرة، وإلى عالم الشهادة وعالم الغيب، وإلى عالم الحواس وما وراء الحواس، فهي نصوص تتسم بالثنائية.
ويقف هذا على طرف النقيض من النصوص العلمانية فهي نصوص تتسم بالدقة وعدم الإبهام، إذ ترتبط فيها المفاهيم والكلمات بأشياء حسية أو مادية، فهي تشير إلى عالم الحواس والمادة، أو إلى أشياء وظواهر تتحرك داخل السطح المادي وحسب.
فالفرق بين النص المقدس والنص العلماني هو مثل الفرق بين الشِّعر (الذي يتعامل مع ظاهرة الإنسان) والمعادلة الجبرية (التي تتعامل مع عالم الأرقام الذي لا يعرف الضحك أو البكاء). فالمعادلة الجبرية قد تتسم بالدقة، ولكنها الدقة التي تستبعد الإنسان.
ولا يمكن إنكار أن ثمة طرق بسيطة ومباشرة للتعبير كاللغة الرياضية وإشارات مورس واللغة التلغرافية والتعبيرات النثرية المباشرة، قادرة على التعبير بكفاءة ودقة عن مطالب بسيطة مثل: "أرسل مائتي جنيها". أو "1 + 1 = 2"، أو عن حالات شعورية مثل "الجو حار اليوم"، أو عن النية والقصد مثل "أنوي الذهاب إلى دمنهور غدًا".
ولكن للتعبير عن العلاقات والمشاعر الإنسانية المركبة يحتاج المرء إلى لغة أكثر تركيبًا، إذ لكي يعبر الإنسان عن مكنون قلبه أو لكي يصف موقفا إنسانيا مركبا فإن مثل هذه اللغات والتعبيرات لا يمكنها أن تفي بالغرض.

ومن ثم لا بد من اللجوء للمجاز لأنه يساعدنا على تضييق المسافة بين لغة الإفصاح والواقع المركب، ويحول المسافة بينهما مجالاً للتفاعل. إن المجاز يولد قدرة على التعبير عن المركب واللامحدود، ويربط غير المعروف وغير المحسوس بالمعروف والمحسوس، والمعنوي بالمادي، دون أن يمزجهما عضويا فيصيرا شيئا واحدا.
بدون مجاز لا يمكن إدراك الله الذي هو رب المحدود واللامحدود، وهو متجاوز (مفارق) للمخلوقات وليس كمثله شيء. وبالتالي فالسؤال: "هل الله موجود"؟ إن طُرح في إطار علماني مادي - سؤال سخيف لا معنى له.
فالله موجود ولكن وجوده ليس وجودا ككل الوجود، لأن الله لا يتجسد في أي إنسان أو شيء، ومن هنا تعجز اللغة الرياضية عن التعبير عن وجوده، ولا بد من لغة مجازية للإجابة على السؤال، ولذا فإن الحضارة الإسلامية العربية تزخر بالمجاز، ولا تلجأ إلا نادرا للرموز (إلا في كتابات الحلوليين وغلاة الشيعة).
فالمجاز يؤكد علاقة الاتصال والانفصال، فحين نقول "هو كالأسد"، فنحن نقول إنه يشبه الأسد، ولكننا نقول في ذات الوقت أنه ليس أسدا. فطرفا المجاز منفصلان متصلان، فالمجاز يؤكد الثنائية، وهذا ما تؤكده علامة التشبيه، فهي تربط بين العنصرين وتفصل بينهما.
وعلاقة الاتصال والانفصال هي علاقة الخالق بمخلوقاته في الإطار التوحيدي. فالإله متجاوز للتاريخ والطبيعة لا يتجسد فيهما، ولا يمكن تصويره، ولا يمكننا إدراكه في كليته، فهو مفارق لنا، مختلف عنا، ولكنه لا يهجرنا بل يهدينا سواء السبيل، ولكنه لا يمتزج بنا ولا يحل فينا ولا يكمن في أي من مخلوقاته.
والرمز هو أيضًا جزء من لغة المجاز ولكنه يعني ذوبان طرفي المجاز الواحد في الآخر. ولتبسيط الأمور سأضرب مثلا بسيطا: يدخل رجل شجاع الغرفة فتقول "جاء الأسد" فالأسد هنا هو الرجل والرجل هو الأسد، والعلاقة بينهما ليست علاقة اتصال وانفصال إذ أن الحدود بينهما قد ذابت وزالت وأصبح الأسد هو تجسيد الرجل.
في رواية العجوز والبحر لإرنست هيمنجواي، الرواية كلها عن صياد عجوز أمسك سمكة كبيرة بطرف صنارته ولكنه لا يقوى على أن يحملها إلى قاربه
المزيد



أعلم الناس أعلمهم بالاختلاف ، ومن علم اختلاف الناس فقد فقه
الامام سعيد بن جبير



 المصدر :



http://mu3tazela.maktoobblog.com/






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire