الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

dimanche 29 septembre 2013

موسوعة جدل الأفكار (3) ( قراءة فكرية نقدية للتاريخ والحوادث الجارية والحركات الفكرية والسياسية ) أمين نايف ذياب

( في سبيل إعادة بناء الوعي وتحقيق النهضة
موسوعة جدل الأفكار (3)



( قراءة فكرية نقدية للتاريخ والحوادث الجارية والحركات الفكرية والسياسية )

" مجموعة المحاضرات التي ألقاها الكاتب في المنتديات والمراكز الثقافية "
من 17آذار  1990  إلى 5 شباط 1995
أمين  نايف ذياب
الفهرس

الموضوع
   

الصفحة

الإهداء
   



بيان بالمحاضرات
   



المقدمة
   



الانتفاضة بين الديني والسياسي………………………………
   

9

العمل النهضوي بين الديني والسياسي ……………………….
   

29

قراءة عُجلى في كتاب المحنة ………………………………
   

41

توطئة لفهم مقال عواصف جواد عفانة ………………………
   

52

عواصف جواد عفانة ………………………………………
   

53

البعد الحضاري لفكر المعتزلة ………………………………
   

60

المعتزلة بين الأمس واليوم ………………………………….
   

77

نظرات في التاريخ الإسلامي ……………………………….
   

93

من هو صالح المهدي ………………………………………
   

111

تهافت صالح المهدي ……………………………………….
   

112

الديمقراطية ....................................................
   

120

الإسلام والديمقراطية ……………………………………….
   

122

كر بلاء مراجعة تاريخية .......................................
   

129

تمهيد للدخول إلى أزمة المعرفة الإسلامية …………………..
   

142

أزمة المعرفة الإسلامية ……………………………………
   

144

المحاضرات الثلاثة التالية …………………………………
   

157

شروط النهضة ……………………………………………
   

159

دردشات حول المعتزلة والنهضة والتاريخ …………………..
   

168

مفهوم العدل في الخطاب الإسلامي ………………………….
   

178

محاضرة الحركات الإسلامية ………………………………
   

188

مستقبل الحركات الإسلامية أو الحركات الإسلامية ودورها في صناعة مستقبل الأمة ..........................................
   

189

كلمة لا بد منها … ………………………………………..
   

199

وجهة نظر أم تبرير ؟……………............................




   

200

وماذا بعد الهجمة الهجمية ضد العراق ؟
   

201

مؤتمر السلام والتسوية السليمة ……………………………..
   

215

الديمقراطية والنخبة واشكالية العمل السياسي ( مقال حواري ) ..
   

235


بيان المحاضرات

الرقم المتسلسل
   

عنوان المحاضرة
   

مكان إلقاء المحاضرة
   

تاريخ الإلقاء

1

2
   

الانتفاضة بين الديني والسياسي

العمل النهضوي بين الديني والسياسي
   

منتدي شومان العلمي المركز الثقافي الملكي
   

17/ 3/ 1990م

11/ 4/ 1990م

3
   

قراءة عجلى في كتاب المحنة
   

المركز الثقافي الملكي
   



4
   

البعد الحضاري بفكر المعتزلة
   

جامعة اليرموك
   

12/ 11/ 1990

5
   

ماذا بعد الحرب الخليج
   

المركز الثقافي الملكي
   

11/ 3/ 1991م

6
   

مؤتمر السلام والتسوية السليمة
   

المركز الثقافي الملكي
   

16/ 10/ 1999م

7
   

المعتزلة يبن الأمس واليوم
   

منتدي شومان العلمي
   

7/ 6/ 1992م

8
   

العمل الإسلامي بين الواقع والطمرح
   

نادي شباب الرصيفة
   

احتفظ بها النادي

9
   

نظرات في التاريخ الإسلامي
   

المركز الثقافي الملكي
   

17/ 1/ 1993م

10
   

الإسلام والديقراطية
   

نادي أسرة القلم الزرقاء
   

8/ 2/ 1993م

11
   

كربلاء مراجعة تاريخية
   

المركز الثقافي الملكي
   

3/ 6/ 1993م

12
   

أزمة المعرفة الإسلامية
   

منتدي شومان العلمي مع الجمعية الفلسفية الأردنية
   

7/ 7/ 1993م

13
   

شروط النهضة
   

المركز الثقافي الملكي
   



14
   

دروشات حول المعتزلة والنهضة والتاريخ
   

الفينيق
   

17/ 4/ 1994م

15
   

مفهوم العدل في الخطاب الإسلامي
   

المركز الثقافي الملكي
   

19/ 6/ 1994م

16
   

مستقبل الحركات الإسلامية
   

المركز الثقافي الملكي
   

5/ 2/ 1995 م



الإهداء

إلى الحركات الإسلامية في كل الأصقاع .

تذكيراً وتبصيراً .

علَّ التذكير ينفع .

وعلَّ التبصير يؤدي إلى الرشد .

أمتنا تعاني محنة ما بعدها محنة .

وبلاء ما بعده بلاء .

فهل تقول الحركات الإسلامية غير ذلك ؟!

معرفة الواقع دون رتوش هي معرفة نصف الدرب .

فتعالوا لنعرف نصف الدرب .

لنسير سوياً بقية الدرب .
المقدمة

   هذه محاضرات ألقيت في منتديات ثقافية في الفترة ما بين 17 / 3 / 1990 م إلى 5/ 2 / 1995 م ، وهي الفترة الحالكة في تاريخ أمتنا الإسلامية والشعب العربي ، الذي هو بمثابة القلب للأمة الإسلامية .

   مستند هذه المحاضرات ـ من حيث الأساس الحضاري ؛ الذي تقيم عليه رؤيتها ـ هو الإسلام وطريقة المعتزلة " أهل التوحيد والعدل " في تفعيل النص الإسلامي ؛ ليتسلم دوره ، والهدف من ذلك هو إعادة بناء عقل الأمة ووعيها بناءٌ قويماً ، من شأنه تحفيزها للعمل إلى تحقيق النهضة ، ولذلك توجهت بالخطاب نحو الجماهير ، لا نحو النخب ، لأن تجربة العمل السياسي من خلال النخبة ثبت فشلُها .

   تميزت هذه المحاضرات بالبساطة في مفرداتها وتراكيبها ، دون تعقيد ، ويدرك القارئ حيوية أفكارها ، وحرارتها ، إذ غايتها التأثير في عقل الجماهير ، وإحداث رجّة عامة في العقول والنفوس ، لإيجاد انقلاب فكري في مجمل الأمة ، يجعلها في محل الاستطاعة ، ويمكنها من الانتقال إلى التأثير الفعّال في الإحداث السياسية ، آخذه زمام المبادرة لتغيير مسرى التاريخ ومجراه ، بعد أن سار نحو اندثار هذه الأمة الخيّرة .

   إنّ الراصد لتاريخ هذه الأمة ـ منذ أكثر من قرنين ونصف من الزمان ـ يدرك تعدد المحاولات الرامية لتفادي انحدار الأمة ، وتنوعها ، ويعلم أنّ الأمة رأت نفسها قاب قوسين أو أدني من تحقيق ما تصبو إليه ، من وحدة تضم أقطارها ، وزوال هيمنة غربية هي الشرُّ بعينه وتحديد الهوية ، وبالتالي تأخذ الأمة مكانتها التي تستحقها بين الأمم .

   لقد تنامي حلم الأمة وكبر ـ خاصة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ـ فاختُبر الحلم بحرب فلسطين 48 فتهاوى ! وعادت الأمة إلى حلمها في فترة بزوغ نجم جمال عبد الناصر فتهاوى عام 67 ! وتكشف الحلم فإذا هو مجرد فقاعة صابون ! .

   وتسارعت الأحداث ! ومع كل تسارع تهوي الأمةُ أكثر فأكثر ، إنّ أحداث الاجتياح اليهودي للبنان عام 1982 م  كشفتْ صورةً لم يتوقعها اكثر الناس تشاؤماً ، وبعدها كانت أحداث عام 1991 م ـ الحرب العالمية ضد العراق ـ الأمر الذي أدي إلى تقبل السقوط الأخير ببلاده حس جماعي ؛ ليس له مثيل ، واعتراهم حالة من الاستسلام واليأس والتخاذل وانهارت كل الآمال ، وتداعي المروجون للانهزام إلى القبول بالأمر الواقع ، معلنين الإدانة لكل النضالات السابقة ، وتجرأت أبواق الدعاية للغرب على الدعاية له ، وإعلان تحسين صورته ، وصورة مدللته الدولة اليهودية ، ولوم كل الذين كانوا ضد الغرب ، وضد إسرائيل وإنَّ هؤلاء المضادين للغرب وإسرائيل ؛ هم سبب الكارثة التي احاقت بالأمة .

   تلك هي الصورة الكئيبة التي عليها الأمة ، أنه الزمن الرديء والسقوط الأخير ، في بدايته ألقيت المحاضرات الأولى ، ومع شدة وقعه ألقى القسم الآخر منها ، وكلها دعوة للأمة لشحذ العزيمة ، واستنهاض الهمة ، وتحديد الدرب ؛ بمحددات جلية ، وداعية إلى توجيه الفعل نحو إعادة بناء العقل الإسلامي ؛ بناءاً قادراً على مواجهة التحديات ؛ لتمكين هذه الأمة الخيّرة من استئناف مسيرتها ؛ نحو الوحدة والتحرير ؛ وزوال كابوس الهيمنة ؛ ورفض التخاذل والاندثار .



   إنَّ أهم ما يميز هذه المحاضرات ؛ أنها دعوة للبحث ؛ والوعي على الحوادث الجارية والحركات الفكرية ، والسياسية ، والقراءة النقدية للتاريخ الإسلامي ، لأنه ركزّ الانقسام والتشظي ، وجعله أساساً للحركات الفكرية والسياسية المعاصرة ، بحيث تحولت الأمة الإسلامية إلى شراذم وأديان .

   لقد أدارت الحركات القومية واليسارية والوطنية ظهرها للأصالة ، أو الجذور والمنابع مرتكزة على أصول وجذور ومنابع لا تَمتُّ إلى هذه الأمة بأية صلة ، واعتمدت تلك الحركات الغرب كمركزية فكرية ، وبذلك تبعت الغرب تبعية حقيقيةً ، مع أنها في محل الدعوى أنها حربُ على الغرب .

   والحركات الإسلامية بجميع الأسماء ؛ ارتكزت على خطاب وعظي يذكر بالآخرة ، من خلال الأسطورة الوافدة من اليهودية ، ولا يمت إلى حياة الدنيا بأدنى صلة ، فسقطت الأمة محاصرةً بين توهتين : تضليل الحركات التغريبية ، وتجهيل الإسلاميين ، وازداد الأمر سوءاً إذ تسلطت جلاوزة السلطة عليها ، فأشبعت السياط من جلود الأمة ، فانزوت الأمة فاقدة للوعي ، تصفق دون أدراك ، وتشتم دون هدف ، تتلذذ بالشتائم ، وتبتهج بالفتات ـ يلقيه الأعداء لها ، وتحلم بأن تمطر عليها الولايات المتحدة وشركائها ، كل أنواع العملات الصعبة أي  Hardcash  .

   تلك هي الأحوال والأجواء التي ألقيت فيها المحاضرات ، ولهذا عمدت إلى محاولة الأخذ بأيد الناس ؛ لاكتشاف سبب البلاء ، وتناول الدواء مركزةٌ على ضرورة تحريك الأمة تحريكاً جماعياً واعياً لإعادة البناء .

   إنَّ الرابط بين هذه المحاضرات جميعها ، أنها دعوة جماعية للأمة ، لبناء إرادتها ، وحث لها على إظهار ممارستها لسيادتها ، وهي كلها تنطلق من جعل الإسلام أساسها ، وطريقة التفكير العقلية ـ المبنية على أساس التوحيد والعدل ـ حركتها ، ولهذا فرغم تعدد أغراضها ؛ إلا أنها كلها يشدها هذا الخيط الواحد ، وهي فوق ذلك دعوة لفتح باب الجدال ، إذ لا وعي بلا جدال . ختاماً شكراً لكل من يقرأها ويجادل فيها وحولها .

الإنتفاضة بين السياسي والديني

مقدمة

معني السياسي والديني

   تتعلق الكلمتان السياسي والديني بمفاهيم إجرائية للوصول إلى هدف .



   السياسي : كلمة منسوبة إلى المصدر الصناعي ( سياسة ) ، وجذره الثلاثي هو ( س.و. س) وتقرأ الكلمة سوس ، وهذه الكلمة سوس تعني العثة التي تقع في الصوف والثياب والطعام ، إلا أنها تعني عكس ذلك تماماً في باب ( ساس . يسوس) ، فهنا يكون المعني تولي الأمر لدفع الأذى وإحسان الرعاية ، من قبل متولي الأمر ، لمن أعطاه الإمارة عقداً أو رضاً أو تبعية .

   أنشد ثعلب :

سادةٌ قادةٌ لكل جميع    ساسةٌ للرجال يوم القتال

   فالسياسة كعمل تستند في الوجود إلى الناس تأميراً ، وإلى الأمير صلاحيةً ، بغض النظر عن مصدر نظام الحياة ، الذي تقوم الرعاية على أساسه ، وحياً كان أو وضعاً .

   وهذا السياسي ينقسم إلى قسمين : مبدأي وشبه مبدأي ( جمعي) .

   الديني : منسوبٌ إلى الدين ، وجذره الثلاثي ( د . ي . ن ) ، وهي كلمة لا تخرج عن أحد المعاني التالية :

1-   العلاقة بين السلطة العليا ( الديان ) ومن هم محل الإدانة .

2-   الشريعة الصادرة عن سلطة مُقَرٌّ لها بالعُلوٍيَّة .

3-   التعبد بشريعة السلطة العليا : أ- محرفة ب – غير محرفة .

4-   يوم الجزاء – وبالتالي بالاستقراء نرى وجودَ أديان ، ونرى مظنةَ ما له أصل ديني - :



والدينيُّ كعمل فإنه يستند في وجوده إلى السلطة العليا أي للدين ، بغض النظر عن كونه  ديناً من حيثُ المسمي ، في محل القبول أو عدمه ، أو كان مجردَ مسميً ديني ، علماً من أن نظامه المعرفيُّ يعتمدُ العرفان والموروث ، ولقد سُمي الدَّيْنُ بنفس الجذر الثلاثي لأن لصاحب الدّيْن سلطة على المُدان ، والدينيُّ ينقسم أيضاً إلى قسمين : دينيُّ محض ، وديني شبه         سياسي .

قبلَ الدخول للموضوع هناك حاجة إلى مجموعة من الومضات ، تشكل تمهيداً ضرورياً لوجود قاسم مشترك بين الكاتب والقارئ والسامع ، تُمكٍّنُ القارئ والسامع من فهم الخطاب كما أراد كاتبه .

   السياسي : يتعلق معني السياسي بالأهداف التي تسعى إليها السلطة الموجودة وجوداً شرعياً أو غير شرعي ، إذ هي قائدةُ الجماهير فعلاً سواءٌ بقوة الضبط والربط ( مجموعة الأجهزة ) أو بقوة الإعلام والدعاية ( الجماهير ) ، أو بهما معاً ، ويمكن على سبيل المآل وَصْفُ من يعمل ليكون سياسياً ، انه سياسي .

   الديني : إن معني الدينيِّ إنّما يتعلق بالأهداف التي تطلبُ تحقيقَها السلطة المستندة إلى قوة الدين في وجدان الجماهير المتدينة دون غيرها ، وهي ترتكز في وجودها وقيادتها لجماهيرها على العاطفة الدينية ، وهي بهذا تُشكّلُ سلطة موازية ، ومنافسة للسلطة الفعلية ، وسلطتها مؤسسة على العاطفة فقط .

   إنَّ الصراع بين السلطتين صراعٌ حتمي ما دامت مرتكزات الواحد غير الآخر وإدعاء إمكانية التوفيق بينهما على هدف مشترك مستحيلٌ فأي ساحة في الدنيا لا يمكن غلا ان تكون لسلطة واحدة .

   للعلم فإنَّ السلطة السياسية حين تَعْملُ على مهادنة الدينية ، فإنها تهادنها لامتطاء ظهرها ، وتحقيق الأهداف التي تسعي إليها السلطة السياسية .

   يجب على الديني إنْ أراد أن يكون صاحب وجود فعلي ، يوثر على الجماهير ، التحول إلى سياسي أي يعمل على إيجاد رأي عامً له ، بين الجماهير كلها تقيةً أو غير تقية ، وبالتالي يتحول إلى سياسي مبني على الأساس الروحي ، أي إدراك صلته بالدين ( أمر الله ونهيه ) حين قيامه بالعمل السياسي ، أي يعمل على مزاحمة السلطة ليأخذ موقعَها عن طريق الأمة .

   الصراع بين السياسي والديني محكوم منذ البداية ، بانتصار السياسي إذ هو المستسلم لكل مؤهلات القيادة ، على الصعيد الفعلي ،( حدثت صراعات فعلية بينهما ) .

   يظهر أن دخول السياسي لعمله السياسي بالديني العاطفي أمرٌ في غاية الخطورة ، ذلك أن الديني وهو غيرُ مستند إلى الوعي ، يرى الآخر كعدو أو شيطان مريد يخشي وسوسته ، ولهذا يتعامل معه وهو مصاب بالتشنج ،ولهذا يستحيل وجودُ حوار بينهما وإنما هما مجردُ خطين متوازيين حين يكونُ العملُ واحداً أي ضد العدو المشترك ، وهما خطان متناقضان حين اختلاف العمل ومن هنا تبقي حالةُ التجزئة قائمة .

   لابد من حسم الأمر أخيراً لصالح الديني أو السياسي ، ومن المُحَتَّم أنْ يأتي هذا الأمر ، وذلك حين يبدأ السياسي المتصف بالواقعية العملية بقطف النتائج ( 1 ) ، أما أهداف الديني فهي أهداف خيالية ما دام لم يتحول إلى سياسي ، يمكن بعد هذه الومضات أن ادخل إلى موضوعي علي بينة .

   الانتفاضة شكل من أشكال الصراع الفلسطيني اليهودي ، الموجود واقعياً منذُ وعد بلفور ، وقد مرَّ هذا الصراع بالعديد من الأشكال هي كالتالي :

1-   الثورات الفلسطينية منذ نهاية الحرب العالمية الأولي وحتى 15 أيار 1948 م.

2-   الجيوش العربية حرب 1948 – 1956 – 1967 – 1973 م .

3-   المنظمات القتالية الفدائية المنطقة من حدود الدول العربية المجاورة لفلسطين منذ عام 1965 وحتى 1982 .

4-   المظاهرات والإضرابات وتصاحبها صدامات في كثير من الأحيان منذ عام 1982 –          8/ 12 / 1987 .

5-   الإنتفاضة منذ 8/ 12 / 1987 .

   وعندما نقرأ الأهداف لهذه الأشكال من الصراع فإننا نجدُها كما يلي :

أ    -   الثورات الفلسطينية هدفت إلى فلسطين عربية أرضاً وسكاناً ويسمح لأقلية يهودية ضئيلة بالتواجد فيها ( يهود ما قبل وعد بلفور ) .

ب  - الجيوش العربية وهدفت إلى وحدة الأرض الفلسطينية مع السيادة العربية يشارك اليهود فيها وفق النسبة العددية التي يملكونها أي إلغاء قرار الجمعية العمومية رقم 181 .

جـ –     إيجاد الدولة الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني وبهوية فلسطينية .

د    -     ردود فعل عاطفية ضد الغطرسة اليهودية .

هـ –     إجبار اليهود على الاعتراف بالهوية السياسية الفلسطينية وجلوس الطرفين للمفاوضات وإنشاء دولة فلسطينية على أساس القرار 181 لكن بالحدود وفق قرار 242 .



   هكذا يلاحظ التراجع بالأهداف السياسية مرحلةً بعد مرحلةً ، والمطلعون على رغبة الجماهير الفلسطينية ، سواء في الشتات ، أو في الأردن ، أو في الضفة والقطاع ، يَجِدُ أن هذا التراجع مؤيدٌ من قبل الجماهير الفلسطينية ، حتى الذين لا يرفعون هذا الشعار فهم ينادون ببديل خيالي هو إسلامية فلسطين ، أي إيجاد الدولة الإسلامية على أرض فلسطين من البحر إلى النهر ، مع أنهم لم يعملوا لإيجاد مثل هذه الدولة على بقعة مثل السعودية باعتبار مجموعة المعطيات لأهدافهم فيها أكثر قابلية من فلسطين بل تستحيل المقارنة ، بل مجرد            المقارنة ، وعلى ضوء ذلك يعلم انهم في الحقيقية يعملون لنفس الهدف الذي يعمل          السياسي ، فهم مساقون بوعي أو على الغالب بلا وعي .

من هنا نعلم أن المطالب التي يرفعها الديني كشعار إنما هي مجرد أمان لا بصفتها من المستحيل ، بل بسبب من الكيفية التي يُباشر بها العمل ، فهي كيفيةٌ لا يمكن أن تؤدي إلى شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ، والأغرب من هذا الشعار شعار الدولة الإسلامية بمجرد تحرير فلسطين !

    وأحاول أن أتصور المعطيات التي يستند إليها الديني لمقولتيه السابقتين فلا أجد أي معطى يبيح للديني رفعُ هذين الشعارين لأنّ جعلَ ما يرى على ساحة الديني من إقبال على النسك التعبدي وهيئات اللباس لا يمكن أن يشكل بأية حال أرضيةً أو أساساً يُرتكز عليه ، وإلا لقلنا أنّ دول النفط كلَّها صالحةٌ منذ زمن متطاول لمثل هذا الشعار .

    وحتى يدرك أن هذا القول ليس ملقيً على عواهنه ، فإننا نحتاج إلى إدراك أطراف الصراع إدراكاً موضوعياً ، في جملة من الحقائق لا يُختلف عليها .

الحقيقة الأولى :( 1 ) قطبا الصراع هما الشعبان اليهودي والفلسطيني .

الحقيقة الثانية : تؤثر في الصراع قوى دولية متعددة هي :

1-   الولايات المتحدة .

2-   دول السوق الأوروبية المشتركة – وعلى رأس هذه الدول بريطانيا وفرنسا .

3-   دول العالم الاشتراكي والدولة ذات الأهمية هي الاتحاد السوفيتي .

4-    الدول العربية والدول ذات الأهمية هي : سوريا والأردن بالإضافة إلى جامعة الدول العربية وهيئة الأمم .

        

  الدراسة الأولي : ( الشعب اليهودي وقواه السياسية ) (2)



   تتوزع القوي السياسية في الشعب اليهودي الأحزاب السياسية ، ويقف على رأس هذه الأحزاب التكتلان الكبيران تكتل الليكود ، وتكتل التجمع ( التكتل مجموعة من الأحزاب متفقة الأهداف ومختلفة في وسائل تحقيق الأهداف وبعض الفروع ) ، يلي ذلك أحزابٌ وطنية وأحزابٌ أخرى ديمقراطية أو شيوعية أو عربية أقل أهمية .



أ‌-     تكتل الليكود : تآلف يضم عدة أحزاب من أحزاب اليمين الصهيوني هي : تكتل غاحال ، والمركز الحر ، والقائمة الرسمية ، وحركة أرض إسرائيل الكاملة ، وقد ظهر هذا التكتل بتاريخ  13 / 9 / 1973.

      وأهم أهدافه هي: -

1-   السيادة الإسرائيلية الكاملة على الأراضي الواقعةُ بين نهر الأردن والبحر المتوسط أي على كامل التراب الفلسطيني .

2-   حرية الاستيطان في إنحاء ( أرض إسرائيل) أي فلسطين كاملة .

3-   الدخول في مفاوضات ثنائية مباشرة مع الدول العربية المجاورة لتوقع صلح مع كل دولة عربية على انفراد .

4-   استقدام يهود العالم لإسرائيل .



   إنّ المراقب لمواقف هذا التكتل من أهدافه ، يرى أنه قد أضْطُّرَّ إلى تراجع ضئيل الأهمية أمام ضغط الرأي العام ، وأمام ما يجرى وراء الكواليس بين الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية ، وهذا يعني أنه سيتزحزح عن مواقفه المتشددة في موضوع الأرض والمستوطنات ، والضغط يجرى الآن لأن يقبل مفاوضات مباشرة مع منظمة التحرير ، ولو بصيغة ( وفد فلسطيني من داخل الأرض المحتلة وخارجها ).

   إنَّ هذا التكتل هو عقدة ذنب الضب ، ولكن ما يظهر في الأفق السياسي هو إمكانيةُ حَلِّ هذه العقدة .



ب – تكتل التجمع ( المعراخ ) :

يتألف هذا التكتل من الأحزاب العمالية الإسرائيلية : ماباي ، إحدوت هاعفودا ، رافي ، ومن أبرز أهدافه : أتحاذ المبادرات من أجل السلام ، والتوصل إلى حدود آمنة ومتفق عليها ، ويرى أن الخيار الأردني أي تسليم الضفة الغربية وقطاع غزة للأردن يشكل ضمانة للأمن ويتخوف كل التخوف من قيام دولة فلسطينية مجاورة ـ ولو على الضفة الغربة وقطاع غزة ـ وإذْ تعالت في اليهود موجة اليمين عام ( 1977 ) أخذ التكتل يميل إلى اليمين ، ولكن المراقب السياسي ، يرى أن حدة ارتفاع اليمين الإسرائيلي آخذه بالتناقص ؛ منذ مبادرات منظمة التحرير للسلام ، وهذا مؤشر واضح نحو المفاوضات المباشرة بين اليهود فلسطينيين بشكل ما ، وبسقوط الخيار الأردني بسبب فك الارتباط ظهر منه قبول للتفاوض مع الفلسطينيين .





   ومع أن هذين التكتلين هما القوة الرئيسية للشعب اليهودي إلا أنه لا يضيرنا ذكر إلمامه قصيرة عن بقية القوى الأقل أهمية .



ج- المعسكر الديني الوطني ( همفدال ) :

   وهو حزب تأسس سنة ( 1956 ) وقيادة هذا الحزب من أكثر القادة اليهود تشدداً ، فهو لا يقبل الانسحاب من أي جزء من الأراضي الفلسطينية سواءً ما أحتل قبل عام ( 1967 ) أو بعد ذلك وهو حزب ديني قومي ، زواج بين الدين والقومية وليس من السهل تغيير موقفه ومؤشرات قوته دلت على أن انتخابات عام ( 1977 ) هي أوج ارتفاعه ، إذ حصل على       ( 12 ) مقعداً ، ولكنه في عام ( 1981 ) الكنيست التالي لم يحصل إلا على ( 6 ) مقاعد وهو الآن حاصل على ( 5 ) مقاعد فقط .


د- المعسكر الديني غير الصهيوني :-

   ويتألف من ثلاثة أحزاب هي أغودات إسرائيل ، وهو حزب ديني أوروبي ، وشاس وهو حزب ديني متزمت وديغيل هتوراه أي علم التوراة ن وهو حزب ديني أيضاً ، وهذه الأحزاب الثلاثة تشدَّدُ بتطبيق مفاهيم الدين اليهودي وتتساهل في قضية حدود إسرائيل ، ولهذه الأحزاب في الكنيست الحالي ( 5 + 6 + 2 ) وبالتوالي ، وهي أحزاب دينية انتهازية ، تشكل بيضة القبان في لعبة صراع الحزبين الكبيرين على الحكم .



هـ _ الأحزاب القومية اليهودية :

   وهي الأحزاب يمينية ، ولهذا فهي متقاربة مع الليكود ، وهي مولديت بمعنى الوطن ، ولها مقعدان في الكنيست الحالي ، وتسوميت بمعنى الاستقلال ، ولها مقعدان أيضاً وهتحيا بمعنى البعث ولها ثلاثة مقاعد ، وهذه الأحزاب الثلاثة من الأحزاب المتشددة جداً في موضوع الانسحاب من الأراضي ، فهي ذراع الليكود .


و – الأحزاب اليسارية :-

   وهي مبام وله ثلاثة مقاعد في الكنيست الحالي ، ويشير لفظ مبام إلى اختصار لعبارة عبرية تعني حزب العمال الموحد ، وراتس وتعني حقوق المواطن ولها خمسة مقاعد وشينوي وتعني التغيير ولها مقعدان ، وهذه الأحزاب الثلاثة تنظر إلى موضوع إقامة دولة فلسطينية ببعض التساهل ن وهي في سياستها أقرب إلى التجمع ،وهي معارضة لمفاهيم وأهداف احزاب اليمين ( الليكود وحلفاؤه ) دائماً .



ز- الأحزاب التقدمية وأحزاب الأقليات :

   وهي حداش والقائمة التقدمية ودراوشة ( الحزب الديمقراطي العربي ) ولها ستة مقاعد في الكنيست الحالي ، وهذه الأحزاب تدعو علناً إلى التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية .



ومن هذه الدراسة نرى ما يلي : -



1- القوى السياسية المتمنعة عن إعادة الأرض مقابل السلام والرافضة لقيام دولة فلسطينية في الضفة الغريبة وقطاع غزة هي : ( الليكود ومولدديت وتسوميت وهتحيا                 والمفدال ، ومقاعدها ( 40 + 2+ 2+ 3+ 5 بمجموع 52 مقعداً ) .

2- القوى السياسية التي ترى إعادة الأرض مقابل السلام  وإخراج صيغة للتفاوض مع الفلسطينيين ، مع اختلاف التفاصيل هي التجمع ومبام وراتس وشينوي والأحزاب التقدمية وأحزاب ومقاعدها ( 39 + 3+ 5+ 2+ 6+ ) بمجموع ( 55 ) .

3- وتبقى أحزاب دينية يهودية انتهازية تشكل بيضة القبان في مستقبل الصراع اليهودي الفلسطيني وهذه ، الأحزاب هي شاس وديغل هتوارة واغودات يسرائيل ومقاعدها ( 6 + 2 + 5 ) بمجموع ( 13 ) مقعداً .

    يوصلنا هذا التحليل وتلك الدراسة للقول : بأن القوى السياسية اليهودية متباينة ومعقدة بحيث يستحيل حل تناقضاتها ، ما لم يؤثر عليها مؤثر خارجي ، يكون من القوة بحيث يضع هذه القوى السياسية أمام خيارين : أحدهما أشدُّ صعوبة من الآخر ، ومن هنا برزت الانتفاضة وتحولات الرأي العام وخاصة الأمريكي ، والأوربي ، والضغط العلني الممارس من دول السوق الأوروبية ، والضغط الذي يجري وراء الكواليس من الولايات المتحدة وبريطانيا كقوتين مؤثرتين .


الدراسة الثانية ( الشعب الفلسطيني وقواه السياسي ) : -



ابتداءاً لا بد من التنبيه إلى ضرورة إدراك أنَّ الدراسة هي للشعب الفلسطيني وقواه السياسية كما هي الواقع عام ( 1990 ) فالدراسة دراسة سياسية وليست تاريخية .

تنحصر قوى الشعب كشعب في مواقع أربعة هي كما يلي : -

1-   الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع .

2-   الشعب الفلسطيني في الأردن .

3-   الشعب الفلسطيني في الشتات .

4-   الشعب الفلسطيني الذي يحمل جنسية دولة إسرائيل ن عرب ( 48 ) .

أما القوى السياسية الفلسطينية الذي يحمل جنسية دولة إسرائيل ، عرب ( 48 ) أما القوى السياسية الفلسطينية فهي تتوزع على اتجاهين فقط هما :

1-   منظمة التحرير بما فيها من فضائل وقوى حزبية .

2-   المنظمات الدينية على اختلاف اتجاهاتها .

عندما نحاول أن نحدد اكثر القوى أهمية فسنجدها منظمة التحرير الفلسطينية والشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع المنظمة لأنها هي القيادة السياسية الفعلية المعترف بها محلياً وعالمياً ذات الإمكانيات للتحرك السياسي العالي والمحلي ن والشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع لأنه مادة الانتفاضة على مستوى الإرادة والسيادة أي على مستوى التنظيم والفعل  ولا يمكن ان ينظر لباقي القوى إلا أنها رديفٌ مؤيدٌ أو نقيضٌ ضعيف لا يملك من معنى للوجود إلا من خلال مشاركته الفعلية بأعمال الانتفاضة وهنا يكون في الواقع رديفاً لا نقيضاً ، لأن اختلاف الشعار ليس من الأهمية إلا ما دام الفعل واحداً ، ولكن أصواتاً عالية ترتفع هنا وهناك ودعاوى عريضة تظهر في شكل تصريحات أو بيانات هي التي تؤزم الموقف أحياناً بين القوتين وبالتالي بين مويدي القوتين .



في يوم 15/ 11/ 1988 وفي الجزائر وقف رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ليعلن عن مولد الدولة الفلسطينية ليعلن عن مولد الدولة الفلسطينية وقد جاء حيثيات الإعلان فقرات وجمل لا بد من توقيف عندها ، والإمعان في قراءتها لمعرفة دلالتها السياسية " ومع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني بتشريده وبحرمانه من حق تقرير المصير إثر قرار الجمعية العامة رقم ( 181 ) عام ( 1947 ) الذي قسم إلى دولتين عربية ويهودية فإن هذا القرار ما زال يوفر شروطاً للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي  الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني .



إن هذا النص وإن كان نصاً عربياً أي بلغه العرب إلا أنه نص سياسي ، أي ليس نصاً يفهم من خلال دلالة الكلمات على معانيها في الواقع ، وليس نصاً أدبياً يفهم من خلال دلالة الكلمات على معانيها في الواقع ، وليس نصاً أدبياً يفهم من خلال العاطفة والمخيال ، وليس نصاً قانونياً أي تشريعياً ، يفهم من معرفة مصادر القانون والتشريع ن وليس نصاً علمياً تدرك دلالاته في المظاهر المختلفة ، أ, يذهب إلى العمل للتحقيق من الظواهر التي يحويها إنه نص سياسي فهو خطاب لأرباب السياسة العالمية ، كما هو خطاب للشعب الذي يعني نفسه بهذا الخطاب ، وهنا تمكن الصعوبة في فهمة لأنه خطاب يحمل وجهين وجهاً حقيقاً وهو ما يتوجه به لأرباب السياسة العالمية ووجهاً غير محدد لشعب صاحب النص السياسي .



إن معرفة دلالة النص السياسي لا بد أن تقترن بمعرفة ظرف النص السياسي ومراميه البعيدة من خلال سبر أغوار ، ومن هنا فإن النص ليس شكوى من مظلة لحقت بالشعب الفلسطيني ، وإنما هو إعلان بقبول تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية ن وهو أيضاً لا يشكل مطالبة بأن تكون حدود الدولة العربية هي حدود تقسيم ( 1947 ) ، بل هي الأراضي التي احتلت بعد الخامس من حزيران عام ( 1967 ) ولهذا نجد إعلان الاستقلال يقول في فقرة أخرى .



" واستناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب في وطنه فلسطيني في وطنه فلسطين ، وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعياً عن حرية وطنهم واستقلاله وانطلاقاً من قرارات القمم العربية ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام             ( 1947 ) ممارسة حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال  السياسي والسايدة فوق أرضه "



إن اخطر أفكار هذه الفقرة هي " في وطنه فلسطين " التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام ( 1947) " والسيادة فوق أرضه هكذا نعلم أن السياسي يطلب علناً إقامة دول فلسطينية على جزء من التراب الفلسطيني هي الأراضي التي احتلت بعد ( 5جزيران 1967 )  معتمداً على القوى الشعبية الفلسطينية سواءَ أهل الضفة الغربية والقطاع او عرب الأراضي المحتلة عام ( 1948 ) وخاصة سكان الجليل والمثلث أو فلسطيني الأردن وفلسطيني الشتات فهم ومن خلال الواقعية العملية يرون ( أن ما لا يدرك كله فلا يترك أقله ) تاركين للزمن وفق المقولة الاحتمالية ، ربما يدرك الكل .



المنظمات الدينية ترى رأياً آخر يستند إلى معطى ديني هو أن ارض فلسطين ارض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة ، لا يصح التفريط بها أو بجزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها ولا يملك ذلك دولة عربية أو كل الدول العربية ،ولا يملك ذلك ملك أو رئيس أو كل الملوك والرؤساء ولا تملك ذلك منظمة أ, كل المنظمات سواء كانت فلسطينية أو عربية ، لأن فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة ومن يملك النيابة الحقة عن الأجيال الإسلامية إلى يوم القيامة ؟!!!



" هذا حكمها في الشريعة الإسلامية ومثلها في كل ارض فتحها المسلمون عنوة حيث وقفها زمن الفتح على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة " وهذه الرؤية وإن كانت هي جزء من المادة الحادية عشر من ميثاق حماس ، وهي منظمة مشاركة في الانتفاضة مشاركة  فعلية ، وهي كما أعلنت في المادة الثانية هي رؤية الشيخ أسعد بيوض التميمي والذي يدعي انه الموجه الديني والسياسي للجهاد الاسلامي بفلسطين ، مع أن واقع حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين أنه جناح من أجنحة فتح بالتأكيد .



ومع أن حزب التحرير يري هذه الرؤية إلا انه التزاماً بأفكاره من كون الحزب كحزب لا يصح أن يقوم بالأعمال المادية ، فقد ترك لأفراده بصفتهم الفردية القيام او عدم القيام بأعمال الانتفاضة .



أما السلفيون ( الوهابيون ) والتبليغيون ، فهم لا يبحثون الانتفاضة لا على مستوى الفعل كما هو واقع ( الإخوان المسلمون في حماس ) ولا على مستوى الرأي كما هو واقع حزب التحرير .



ورغم ضخامة الصوت التي تتحدث به حماس وانصارها ،ورغم الدعاوى الدوغمائية التي يعلنها خطباء هذه الرؤية فإنها في الحقيقة عاجزة كل العجز عن تحقيق رؤيتها فالسياسي هو المنتصر بالنهاية ، وستجد نفسها وقد تحقق للسياسي شعاره ولم يتحقق لها أي شيء سوى الذكريات تبرر فشلها بمؤامرة الشيوعية والصهيونية والاستعمار والماسونية مضخمة للشيوعية خاصة ولأهمية دورها في نصر الصهيونية ولن تقبل نقد الذات لأنها تخلط بين ذاتها والمقدس عن عمد وسبق وإصرار .



الدراسة الثالثة : ( أطراف أخرى ذات أدوار ) .



قلت سابقاً أن هناك أطرافاً دولية لا يمكن إنكار أدوارها في مجريات الصراع ، ولهذا لا يتأتي فهم الوضع الذي عليه الصراع دون تتبع وجهات نظر هذه الأطراف ومعرفة أدوارها .



1-    الجامعة العربية والدول العربية .



شكلَّ قبول عبد الناصر لمشروع روجرز بداية التراجع في موقف الدول العربية ، فقد أعلن وزير خارجية الولايات المتحدة يوم 25/ 6/ 1970 مبادرته السياسية ( مشروع روجرز ) فأعلنت مصر مصر مواقفها على تلك المبادرة يوم 23/ 7/ 1970 ورأت المنظمة في قبول المبادرة الأمريكية اعترافاً بإسرائيل وتراجعاً عن الالتزام العربي في مؤتمر الخرطوم ، أما العراق وسوريا فقد وقفتاً نفس موقف منظمة التحرير ، ولكن المواقف التراجعية استمرت والمتتبع للحوادث ومؤتمرات القمة العربية يدرك أن الدول العربية أخذت تسحب نفسها من المسؤولية عن تحرير فلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وقد تحفظت الأردن على هذا القرار ، ولكنها تراجعت عن تحفظها في مؤتمر القمة السابع في الرباط عام ( 1947 ) ومنذ ذلك التاريخ والدول العربية تعلن أنها لا تفوت أية فرصة للتوصل إلى حل عادل ودائم للمشكلة ، بل أخذت الدول العربية تقدم مشاريع للصلح منذ عام   ( 1981 ) ( مشروع فهد ) مع أنها قبل ذلك بأعوام ثلاثة أدانت إقدام الرئيس المصري أنور السادات لتوقيعه على اتفاقيتي كامب ديفد أما عام ( 1982 ) فقد شكل أسوً تراجع فقد اعتمد مؤتمر القمة الثاني عشر ( فاس 1982 ) مشروعاً من ثماني نقاط للصلح مع إسرائيل ومنذ ذلك التاريخ تضخمت الأبواق الداعية للصلح حتى رأينا هذا العام تحركات كثيرة للصلح تقف على راس هذه التحركات مصر التي كانت موضوع إدانة ذات يوم .



2-    الاتحاد السوفيتي ومجموعة الدول الشيوعية .



ساند الاتحاد السوفيتي قرار تقسيم ( 1947 ) ، وكان ثالث دولة تعترف بإسرائيل قانونياً وشجب بغضب دخول القوات العربية إلى فلسطين وبادر العالم الشيوعي بإرسال الأسلحة إلى إسرائيل في حرب ( 1948 ) ولكن منذ عام

( 1951 ) وظهر سياسة الأحلاف الاستعمارية بدأت العلاقات الإسرائيلية السوفيتية بالتدهور ، وتبلور ذلك في قطع العلاقات الدبلوماسية في 21/ 2/ 1953 ولكن العلاقات أستوقفت  عقب موت ستالين في 1/ 7/ 1953 ، وبعد أن التزمت إسرائيل بعدم الانضمام إلى حلف أو معاهدة أو تنظيم معاد للسوفيت وسارت سياسية السوفيت والدول الشيوعية الأخرى في خط مزودج علاقات مع إسرائيل وعلاقات مع مصر وسوريا ونستطيع أن نقول أن سياسة الاتحاد السوفيتي تجاه القضية الفلسطينية هي سياسية تغيرت تباعاً وتبلورت أخيراً بتأييد المفاوضات وفق المواقف التالية :

أ‌-     تأييد إسرائيل تأييداً قوياً من ( 1947 – 1953 ) .

ب‌-السياسية المزودوجة ، وهي علاقات مع إسرائيل والعرب م ( 1953- 1956 ) .

ج- إدراك خطر إسرائيل كرأس حربة للولايات المتحدة ومن ثم الاقتراب من العرب من       ( 1956 – 1967 ) .

د- تأييد العرب بضرورة إعادة الأراضي المحتلة بعد ( 5 ) حزيران من ( 1967 –   1973  ) .

هـ _ إعتبار حقوق للفلسطينيين في فلسطين ، وتأييد إقامة دولة فلسطينية بموجب قرارات الأمم المتحدة ( 1973- 1978 ) .

و- الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ، ثم الدولة الفلسطينية ( 1987 ) إلى الآن .



ومن هذا الاختصار الشديد يفهم أن الاتحاد السوفيتي والمجموعة الشيوعية تسعى بكل جهدها وطاقتها لعقد مؤتمر سلام برعاية هيئة الأمم المتحدة لتوقيع صلح بين اليهود والعرب على أساس قرارات الأمم المتحدة ( 181 ، 242 ) ولم تؤثر التغيرات التي حدثت في المنظومة الاشتراكية على هذه السياسة .



3-    المجموعة الأوروبية .



قبل عام ( 1973 ) لم يكن لجماعة الأوروبية قرار مشترك ولكن بريطانيا وهي واحدة من دول هذه الجماعة فإنها محور رئيسي في القضية الفلسطينية فهي صاحبة وعد بلفور ، وهي صاحبة المشاريع العديدة كحول للقضية الفلسطينية ، وهي التي أحالت القضية الفلسطينية إلى هيئة الأمم المتحدة عام ( 1947 ) ومع أنها امتنعت عن التصويت على قرار التقسيم إلا أنها بقيت من أهم الأطراف الدولية في قضية فلسطين بعد الولايات المتحدة وتعتبر فرنسا وهي من دول الجماعة الأوروبية أيضاً من الأطراف ، وإن كانت أهميتها تأتي في المركز الثالث إن نظرة فاحصة في تاريخ علاقة المجموعة الأوروبية بقضية فلسطين ترى أنها تدرجت في السير نحو الاعتراف بمنظمة التحرير الأوروبية بقضية فلسطين تُرى أنها تدرجت في السير نحو الاعتراف بمنظمة التحرير وبالهوية الفلسطينية ،وهي الآن تبدو حريصة كل الحرص على دعم فرص السلام على أساس قرارات الأمم المتحدة وخاصة القرارين ( 181 والقرار 242 ) ونحن الآن نرى أن الدول المجموعة الأوروبية تحاول أن توثر على اليهود وزعماء اليهود لقبول التفاوض مع منظمة التحرير مما يدعو إلى القول إن المجموعة الأوروبية حزبت أمرها ، ووقفت علناً وبكل قوتها إلى جانب التفاوض والحل السلمي ، وهي لا شك قوةٌ موثرة لما لها من قوة اقتصادية وسياسية ليس على إسرائيل فحسب بل على العالم .



4-    الولايات المتحدة .



من الموكد أن معرفة سياسية دولة تجاه قضية وإدراك مقاصدها من الصعوبة بمكان لدولة عادية وكم تكون الصعوبة لدولة كبرى ، أما إذا كانت الدولة هي الولايات المتحدة تلك الدولة الميكافيلية في الوسائل البرجماتية في الأهداف التي تمتلك اضخم قوة عسكرية في العالم وتحوز على مقدرات الأهداف التي تمتلك أضخم قوة عسكرية في العالم وتحوز على مقدرات اقتصادية وزراعية وصناعية فائقة بالإضافة إلى رصيدها السياسي بصفتها زعيمة العالم الحر فإنها بحاجة إلى متابعة مستمرة وعبقرية سياسية ومن هنا فلا بد من وضع خطوط عريضة فقط لكيفية تعاملها مع القضية الفلسطينية  بما يلي : -



أ‌-     الولايات المتحدة هي وراء قرار التقسيم عام ( 1947 م ) الذي قسمت فيه فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية القرار رقم ( 181 ) .

ب-الولايات المتحدة هي وراء جر الدول العربية إلى الهدنة في حرب ( 1948 ) ثم الهدنة الدائمة .

ج-الولايات المتحدة هي ممول دولة إسرائيل ،ولولا هذه الأموال والمعونات لما تمكنت دولة إسرائيل من العيش فالسلاح ومشاريع توطين المهاجرين الجدد تعتمد اعتماداً رئيساً على تمويل الولايات المتحدة .

د_ هي صاحبة البيان الثلاثي مع تابعيها بريطانيا وفرنسا الصادر في 25/ 5/ 1950 وبه تجمد وضع حدود دولة اليهود وتحولت مع الزمن إلى حدود فعلية .

هـ – إشتركت الولايات المتحدة فعلياً في إدانة مجلس الأمن لعمليات إسرائيل العسكرية  عبر خطوط الهدنة زاجبرت إسرائيل على إنسحاب من سيناء غزوها مصر عام             ( 1956 ) بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا .

و- أخذت تعمل بجدية منذ عام (1970 ) على فرض التسويات في المنطقة مع المحافظة على وجود دولة اليهود ابتدأت عملها بمشروع روجز .

ح- استغلت حرب ( 1973 ) بعد توقيف القتال إلى مشاريع فك الارتباط مع مصر ثم مع سوريا وبدأت رحلات كيسنجر للتسويات المنفردة بين إسرائيل والدول العربية .

ط- استطاعت السياسة الأمريكية وقد ركزت على مصر جعل السادات يقوم بزيادة إسرائيل ومن ثم توقيع اتفاقيتي كامب ديفد .

ي- لا تزال حتى الآن تباشر ألاعب دولية يستعصي فهمها على السياسي فكيف على الإنسان العادي !! وعلى كل فإن معطيات تحركاتها في عام ( 1990 ) تدل على أنها تعمل منوراء ستارة لإجبار اليهود على التفاوض المباشر مع الفلسطينيين من الضفة الغريبة والقطاع ومن الخارج وهي تعلم أن هؤلاء لن يكونوا في الحقيقة إلا ممثلين لمنظمة التحرير وهي تباشر مفاوضات مع المنظمة في تونس منذ مدة فكل المعطيات السياسية تؤشر إلى الحل .



استنتاجات

1-   الانتفاضة عملُ سياسي ن وليس عملاً عسكرياً غايتها منع اليهود من ممارسة غزالة الهوية الفلسطينية وكسر جمود حالة اللاحرب واللاسلم التي من شأنها إذا طالت أن توجد نوعاً من التعايش والقبول للوضع كما هو وإذ ظهر التعنت اليهودي وتحول الشعب اليهودي منذ عام ( 1977 ) إلى اليمين فقد صار من الضروري القيام بعمل يلفت نظر العالم ويجعل الدول الموثرة تقوم بدورها لحل هذه القضية المعقدة .

2-   إن أعمالاً مثل أعمال الانتفاضة تحتاج إلى أعلى الشحنات الوجدانية وتحتاج إلى أرقى مستوى عمل جماعي ، ومن هنا كان للمسجد دور كبير جداً في وجود هذه الانتفاضة فالمسجد وهو ملتقى جماعي يصلح لمثل هذا الدور .

3-    لقد ظهر للوجود بعد ستة أشهر من أعمال الانتفاضة حركة حماس وهي حركة جاء في ميثاقها المادة الثانية أنها جناح من أجنحة الإخوان المسلمين ورفعها شعار يحتمه تكوينها الديني أوجد في الساحة الفلسطينية تناقضاً لا يشكل خطراً ما دام يجري في قنوات الحوار ، ولكن الخطورة هي أن يتحول إلى عراك مادي ( 1 ) .

4-   لقد حاول ساسة اليهود الانتفاع بهذا التناقض على مستوي الساحة بالعمل لتحويل هذا التناقض إلى عراك وبالساحة الدولية سواء في الحكومات أو في الرأي العام بأن أهل فلسطين العرب يريدون قذف اليهود في البحر ، ولهذا لوحظ نوع من إبراز دور حماس في وسائل الإعلام الإسرائيلية وعدم التشدد في معاملة قادتها .

5-   إن الذي يظن أن بإمكان الانتفاضة أن تزيل الكيان الإسرائيلي وتحرر فلسطين من البحر إلى النهر وتقيم دولة إسلامية إنما يقوم بعملية هازئة من عقله أولاً ومن عقل الغير ثانياً .

6-   إن الانتفاضة لا يمكن أن تتجاوز أكثر من أن تكون عملاً سياسياً يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة بعد 5 حزيران 1967 ، بواسطة المفاوضات المباشرة بين العرب ومعهم منظمة التحرير واليهود برعاية المم المتحدة وحضور الدول الخمس دائمة العضوية .

7-   إن طريقة زوال دولة اليهود لا يمكن أن تكون بأية حال من ساحة فلسطين ، بل لا بد من إقامة دولة واحدة تجمع مصر والشام والعراق                                    ( طريق صلاح الدين ) ، وبغير هذا فإن القول مجرد حلم .





عمّان في 17 / 3 / 1990





رؤوس أقلام للفروق بين السياسي والديني

السياسي
   

الديني

         1.        فكري أيمان برهاني قائم على الإدراك العقلي
   

عاطفي : اعتقاد تسليمي مؤسس على غريزة التدين .

          2.        عملي : حس + فكر عملي + غاية
   

تجييشي : حس + عمل

       3.        هدفي : يسعى لتحقيق الأهداف خلال مراحل
   

تعميمي : يخلو من المرحلة .

            4.        إنساني : ينظر إلى الإنسان بغض النظر عن الدين واللون والجنس والنوع
   

طائفي فئوي : يعمل لصراع الفئات والطوائف حتى داخل الفكر الواحد ( صراع المذاهب )

         5.        جماعي : يجمع الناس على رأي عام واحد .
   

فردي يسعى لاتخاذ إفراج متدنيين

          6.        مرحلي : نسبي فاعل ضمن الممكن   ( له سياسة خارجية ) .
   

مطلق : مبرر للفشل دائماً له سياسة خارجية .



سياسي مبدأي
   

سياسي جمعي
   

ديني
   

ديني محض

7- قاعدي
   

انتقائي
   

نصي
   

نصي

8-جذري
   

وصولي
   

تحريفي
   

تحجري

9- رمزه الفكر
   

رمزه الشخص
   

رمزه الشخص
   

يقدس الأشخاص

10- يعمل لرعاية الإنسان في الدنيا
   

يعمل لرعاية الإنسان في الدنيا
   

يعمل لرعاية الفرد في الآخرة
   

يعمل لرعاية الفرد في الآخر

11- طويل النفس
   

قصير النفس
   

طويل الحياة ( بسبب الموروث )
   

طويل الحياة بسبب الموروث

12- إدراكه تفصيلي
   

إدراكهُ عام
   

يفتقد الإدراك والتصوير
   

يفتقد الإدراك والتصوير

13- سببي
   

سببي
   

غيبي
   

غيبي

14- متعدد القيم      ( حسب الأعمال )
   

متعدد القيم ( حسب الأعمال )
   

متوحد القيم
   

متوحد القيم

15-  الغاية يقررها المبدأ
   

الغاية ميكافيلية
   

الغاية ميكافيلية
   

مفتقد للغاية

16- يتكئ على التراث ليتجاوزه
   

ليس له تراث
   

يتجمد عند التراث
   

يتحجر على التراث

17-نظامه المعرفي

استدلالي برهاني
   

نظامه المعرفي تجريبي
   

نظامه المعرفي عرفاني
   

نظامه المعرفي عرفاني

18- لا يقبل الكرامات
   

ينكر الكرامات
   

يعتمد على الكرامات
   

يعتمد على الكرامات

19- يركز على العمل الشمولي
   

يركز على العمل المادي
   

يركز على العبادات والهيئات
   

يركز على العبادات والهيئات

20-يعمل على الانتشار والتوسع
   

إقليمي الإبداعي مطلوب فيه متنافي المعرفة المادية
   

ينظر إلى الإبداع انه ضلالة
   

ينظر للإبداع أنه ضلالة

21-الفعل الإبداعي أساس فيه
   

الفعل الإبداعي مطلوب فيه
   

ينظر إلى الإبداع انه ضلالة
   

ينظر للإبداع أنه ضلالة

22- متنامي المعرفة الشمولية
   

متنامي المعرفة المادية
   

لا يقبل تنامي المعرفة
   

لا يقبل تنامي المعرفة

23- نظرة جدية للمستقبل
   

ذا نظرة محددة للمستقبل
   

ماضوى
   

ماضوي

24- منشاة إنساني  ( وضعي )
   

منشاة إنساني        ( وضعي )
   

منشأة بوحي من الله
   

منشأة بوحي من الله

24- منشأة بوحي من الله
   


   


   













العمل النهضوي بين الديني والسياسي

   البحث في الديني والسياسي بحث في التاريخ الإنساني كله ، فمن غير المتيسر إذن أن أتكلم في هذا المضمون ، لاحتياج مثل هذا البحث لعمل موسوعي . ولذلك فإن بحثي مقصور على الإسلام السياسي والإسلام الديني ، لإدراك الفرق حتى لا تبقى الأوراق مختلطة ببعضها البعض .

   الديني يهدف لوجود الفرد المتدين ، من حيث : العقيدة ، والعبادات ، والمعاملات ، والأخلاق ، سواء استظل براية دولة إسلامية ، أو براية دولة غير أسلامية ، ومثل هذا هو الديني المحض ، وحين ترى فئة أن الفرد المتدين هو الطريق لإيجاد الدولة السياسية ، فيكون هو الديني الذي له أعمال .

   أمّا السياسي فهو يهدف لإيجاد الحياة الإسلامية في الأمة والدولة من حيث : نظام الحكم والاقتصاد والاجتماع وسياسة التعليم والسياسة الخارجية وأجهزة الدولة ، وهو بصورة موجزة إيجاد دولة سياسية تؤسس رعايتها للناس في الداخل والخارج على أساس الإسلام .

   وإذ استلزم الإسلام السياسي ضرورة قيام العمل السياسي الإسلامي على الشخصية الإسلامية : عقلية ، ونفسية ، اختلطت الأوراق عند الناس ، وعند القائمين على العمل الإسلامي ، وعند أتباعهم ، بل عند المسلمين جميعا .

1.      يؤسس الإسلام السياسي نفسه على الإيمان ألبرهاني ، بمطالب الإيمان الإسلامي فهو إيمان بفكرة سياسية أساسية بالضرورة ، بينما يكتفي الديني بأن يقيم اعتقاده على التسليم ، فالإسلام السياسي أساسه العقل ، والديني أساسه العاطفة النابعة من غريزة التدين .

   يوصلنا هذا الفرق إلى أن السياسي يُقبل على الساحة المحلية والعالمية وهو مهيأ للنقاش والحوار بدون تشنج ويرى أن هذا النقاش والحوار هو طريقه لنشر فكرته بينما يتشنج الديني من فتح الحوار ويرى الحوار والجدال زندقة أو هرطقة يستحق فاعلها الشنق حتى الموت .

2.      وعند الانتقال للكيفية العملية للفعل النهضوي تجد الديني يراه في منظومة ثنائية هي الحس والعمل ، أما التفكير والغاية فلا يقيم لهما وزنا لأنه يجعل النص المقدس أو مقولة التراث هي الفكر وهي الغاية معا . فهو تجييشي يعتمد على العاطفة فقط . لكن السياسي يجعل العمل يقوم على منظومة رباعية هي الحس يليه الفكر " المنتج " عملا لغاية محددة ويبقي الحركة مستمرة كحركة بندول الساعة في منظومته الرباعية تلك فالنص عند السياسي هو الفكرة وهو يعين الطريقة ولكنه لا يعين الخطة ولا الأسلوب ولا الوسيلة ولا الظرف ألزماني ولا الظرف المكاني وليس هو الأطراف الأخرى إذ لا بد من جعل حساب للآخر أثناء التفكير ولهذا يقيم العمل وفق خطة مدروسة ويعين الوسائل والأساليب والزمان والمكان ... الخ.

3.    وعند الانتقال للهدف عند الديني والسياسي : تجد الهدف عند الديني هدفا عاما ، يخلو من المراحل ، ولا يعنيه مقدار المسافات التي يقطعها ، ولا الأدوار التي يمر بها فالديني متأثر بالجبرية التاريخية ، ومعتمد عليها (1) ، وهو لا يكتفي بذلك بل يعمد إلى نصوص الوحي والحوادث فيفسرها دائما بأنها نبوءة عن المستقبل ، ووعد من الله جل جلاله له دون غيره من الناس ، فالنبوءة والوعد هما خصوصيته .

لكن السياسي رافض للجبرية التاريخية ويرى أنَّ صناعة التاريخ إنما هو عمل إنساني محض لذلك يدخل في حساباته المراحل والأدوار .

    4- يعتمد الديني لمسيرته على فئة دون أخرى إنها الفئة المنقادة بنفس العاطفة ولهذا فهو فئوي في مسيرته وفئوي في تقديمه الرعاية ولاختلاف مدارس الفهم داخل الفكر الإسلامي نرى الديني يقسم حتى المسلمين إلى طوائف وفئات ومذاهب وإمكانية الالتقاء بين طائفة وأخرى أو فئة وأخرى أو مذهب وآخر إنما هو محكوم بالمصلحة لا بالنظرة ومن هنا فإن لمثل هذا اللقاء ظاهراً وباطناً ، ظاهراً هو الوحدة وباطناً هو الاختلاف بل العداء .



بينما يعتمد السياسي وفق نظرته الإنسانية السياسية على الإنسان بغض النظر عن الدين واللون والجنس والنوع ، إنه وإن كان يقيم السلطان أي الحكم على أساس الإسلام ولكنه حين العمل السياسي أي أعمال الرعاية ، فإنه يقيمها على أساس التابعية أي الإقامة الدائمة ، وهو حين يوكل لأحد القيام بعمل ما فإنه يسنده لمن يستطيع القيام به باستثناء حكم التفويض والقضاء ، فلهما أحكام وشروط خاصة فهنا فقط ليست الكفاءة وحدها هي الأساس .



5-    تقوم نظرية الديني وفق نظرته للمجتمع بأنه أفراد ولهذا يتعامل مع النهضة على أساس فردي ومقياس الفردية عنده هي ظهور الفرد بمظاهر التقوى من نسك تعبدي وهيئة دينية ولسان قادر على تكرار الوعظ والإرشاد التراثي مع ملاحظة ما عليه الفرد من مركز بالمجتمع .

أما السياسي فإنه ينظر إلى أن المجتمع لا يتكون من أفراد بل مكوناته هي الإنسان والعلاقات الدائمة المشتركة وهذه العلاقات الدائمة المشتركة يحددها الفكر الجماعي الواحد والمشاعر الجماعية الواحدة والاحتكام إلى النظام الواحد الذي قرره الفكر الواحد وتحميه المشاعر الواحدة ، ومن هنا كان المجتمع عند السياسي هو الإنسان والأفكار والمشاعر والأنظمة .

(1) كلمة الجبرية التاريخية يراد منها أنَّ أحداث التاريخ هي اكتشاف نظام النبوءات المستقبلية وليس للإنسانية أي دور إلاّ الانتظار  

ومع أن نظرية الفرد نظرية غربية واستخدامها عند الغرب كان حافزاً من حوافز الإبداع الفردي لما يتبعه من تقدير واحترام وفوائد مادية جمة .

لكنها في فهم الديني الإسلامي  تجاوزت هذا الحد ، فأوجدت فكرة المصلح الديني الفرد  وفكرة الزعيم الفرد ، وفكرة تغيير أشخاص الحكام بأشخاص غيرهم كعملية لإصلاح الحكم وفكرة العداء الفردي وفكرة البحث في الأشخاص بدل البحث في الأفكار .

وقد قامت هذه الفكرة الفردية عند الديني الإسلامي من خلال مزاوجة بين الميثولوجيا الإسلامية (فكرة المهدي المنتظر وفكرة الفردية الغربية) أي ( الإبداع الفردي ) ، إن عملية النهضة بالاستقراء الحقيقي تتعلق بالأمة ( الجماعة ) لا بالفرد وأن الأمة لا تتوحد إلا من خلال الأفكار ولهذا يجب أن تنصب أعمال النهضة على الأمة والأفكار .

7- الديني من حيث الهدف يسعى للمطلق دائماً متسلحاً بمقولات دوغمائية يسندها إلى الدين ولأن تحقيق المطلق أمر مستحيل ، فهو يفشل دائماً وبدل أن يقوده الفشل إلى البحث في أسبابه فإنه يبرر الفشل بمقولات دينية استناداً إلى القصص الموحي به أو التاريخ التراثي مع أن قصص الوحي ورد في القرآن الكريم للاعتبار لا للتبرير .    

السياسي يقيم سياسته على جعل الواقع بكل أحواله موضع تفكيره وهو حين يقوم بعمل سياسي فإنه يطلب الممكن ولا يفكر بالمستحيل مطلقاً ولهذا فهو لا يبرر الفشل وإنما يبحث عن أسباب الفشل لتنحيتها وإعادة العمل مرة أخرى وهو يعلم نسبة الفشل في العمل السياسي أعلى بكثير من نسبة النجاح وهذا التفكير الواقعي ( 1 ) يجعله يعمل لتجاوز الواقع دائماً ضمن الممكن .

8-عندما يفكر الديني فإنه يفكر من خلال النص فقط دون أن يعير مناط النص أدنى انتباه ولأن النص القرآني خاصة ألتزم الأسلوب الفكري وحوى أبدع ما في الأسلوب الأدبي من صور بلاغية سواء في نمطه الفريد في أداء المعاني وفي صوره البيانية الصادقة وفي حليته اللفظية الملائمة .

فإن الديني في حالة عجز عن إدراك أفكار مثل هذا النص ، لذا تعامل مع النص القرآني بطريقة مسطحة أماتت قوة التأثير في النص القرآني وفر الديني إلى نصوص الحديث ونصوص التراث يكمل بهما البنية الفكرية التي يحتاجها ، ولهذا تراه في بنيته الفكرية يقوم على أحاديث الملاحم التي تخبر عن المستقبل يحاول أن يرى نفسه فيها .

السياسي يري أن العقل هو أساس المعرفة ويرتب مصادر المعرفة حسب المطلوب معرفته فلا يلغي العقل ليحل النص محله ولا يلغي النص ليقيم الهوى والملكة محله ، إن السياسي يقيم جملة من القواعد والمعالم يهتدي بها لأنه يرى أن المعرفة لا تقف عند حد ، فيوم أن تتوقف المعرفة تتأسن أنه يتعامل مع النص حسب قواعد عقلية ولغوية أو شرعية وهو يتعامل مع المعرفة جملة فيقبل من المعارف حسب قواعده ويرفض من المعرفة حسب قواعده .

9-الديني وبسبب من طريقته في التفكير يصاحبه الفشل في تحقيق المطلق الذي أوهم نفسه أنه يسعى إليه وأنه واصل إليه لا محالة ، لأن عناية الإله تصاحبه فإنه يضطر إلى تحريف النصوص ، لذا فهو متقلب في الآراء والمواقف ويعتمد في كل ذلك على تحريف النصوص عن معانيها ، وهو يقبل التدرج والترقيع مع أنه يطلب المطلق ، وهذا نوع من التحريف أيضاً .

السياسي جذري يصل إلى الهدف أو يفشل ، ولهذا يرفض الحل الوسط ، والمرحلية لا تعني بحال من الأحوال الحل الوسط ، وإنما تعني تجزئة العمل لمراحل وكل مرحلة فيها تحقق غايتها ، ومن مجموع الغايات تتكون الغاية الأخيرة ، فالقصد بالمراحل هو تقريب الغايات لأن الإنسان يرغب الغايات القريبة ، فالسياسي يُحَصِّلُ الغاية التي عمل من أجلها ولا يقبل فيها التجزئة لأنه جذري .

10- الديني وهو مؤسس على العاطفة ويرسم في خياله صورة لقائدة تنقل ذلك القائد من بشريته إلى ملائكيته بل ما هو أكثر من ذلك ولهذا يتعامل مع قائدة وقد وضع له صورة مستحيلة الوجود الواقعي ، فإلى القائد سواء أكان تراثياً أو معاصراً ينتهي الذكاء والعلم والفهم والزهد والتقوى تصاحبه العجائب والغرائب من يوم ميلاده إلى يوم وفاته ، تحلُّ قولهُ ذلك القائد محل المقدس أو العقل ، ومع أن الديني يسلم بمقولة عدم عصمة قائده من الخطأ والزلل بل والإفساد ، ولكن التعامل الواقعي مع هذا القائد تدل على عدم خطأه أبداً وإن الله هو المجتبي له ، ورعاية الله ترافقه في حله وترحاله ، يكتب الأستاذ فتحي يكن في المجلد الأول من كتابه الموسوعة الحركية أثناء تعريفه بالمرحوم حسن ألبنا ص 63 ( لقد كانت كل قوى الشر في الأرض تتحداه : الاستعمار ؛ والملك ؛ والباشاوات  والأحزاب ؛ والأزهر ؛ والفساد ؛ والانحلال ؛ ثم جهل الجماهير لمصلحتها ؛ لقد كان كل ذلك يتحداه ؛ ويقف في طريق إصلاحه ودعوته ؛ ومشى كالطود لا يعبأ بالرياح ؛ ولا يبالي بالمعادي ولا يتراجع أمام العاصفة ، وإن كان ينحني لها حتى تأخذ طريقها ولا ينكص على عقبه برغم كل تهديد ووعيد ……….. الخ ) .

ويكتب الشيخ محمد إبراهيم شقرة في الدستور يوم 2/ 4/ 1990 عن ابن تيمية ( ذلك الجبل الشامخ ما طاوله جبل وإلا وتطامن ، ولا قاوله لسان إلا وأبلس ولا نظر إليه بصر إلا وأرتد عنه خاسئاً وهو حسير) أما الأستاذ زهير الشاويش فيعرِّفُ بابن تيمية أيضاً في كتاب شرح حديث النزول ( أي نزول الله إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ) فيقول أي الشاويش ( هو شيخ الإسلام الأمام الرباني الصابر المحتسب المجاهد تقي الدين أبو العباس احمد بن عبد الحليم ابن تيمية النميري الحراني ناصر السنة وقامع البدعة مفتي الأمة وترجمان القرآن وعلم الزهاد ………الخ ) .

أما حماس فهي تٌصَدِّرُ ميثاقها بالآيات ( 109 ، 110 ، 111 ) من سورة آل عمران لتضع بعد ذلك مباشرة مقولةً للبنا هي " ستقوم إسرائيل وستظل قائمة إلى أن يبطلها الإسلام كما أبطل ما قبلها " ! .

   ومن طرائف ما نسمع من الديني قولهم : لم يُبقِ الأوائل للأواخر شيئاً ، فالعقل الإسلامي عند الديني متوقف عند السلف ، أما الخلف فهم مجرد قصاص أثر ، يفتشون عن الماضي ويتبعونه ، إلا ما ارتضوه من القادة الجدد .

   تكفي هذه الاقتباسات من الشواهد الواقعية التي توضح وتبين مدى ما عليه الديني من جعل الشخص رمزاً بل يصل إلى التقديس عند البعض ، وخاصة الديني المحض الطالب للنهضة لمجرد العودة لأعمال النسك التعبدي والهيئات في اللباس .

لكن السياسي يرى أن الفكر والتفكير والاجتهاد في نشر الفكر وصهر الجماعة التي يعمل بها وفيها في بوتقة واحدة من خلال الفكر والتفكير في النهضة هو الطريق لوجود النهضة ولهذا لا يقيم كبير أهمية للشخص حتى وإن كان قائداً للحزب السياسي المباشر لأعمال النهضة وإنما يراه مجرد ضرورة لقيادة العمل وليس له أي تمييز إلا الصلاحيات الممنوحة له لقيادة العمل السياسي النهضوي ومع أن مثل هذه القيادة لا بد وان يتوفر في أشخاصها إرهاف في الحس وتفوق في الذكاء وقدرة على التنظيم وبعث الحركة ، وعمل جدي متواصل في أعمال القيادة ومعلومات تكفي لمباشرة هذه القيادة ، إلا أن أعضاء القيادة هم مجرد رجال لا يستحقون ما ينقلهم إلى مكان القداسة .

11- يري الديني أن الآخرة هي طلْبَتهُ ومبتغاة ويحاول أن يتناقض الفطرة التي خُلق الإنسان عليها حين يوجب على الإنسانية أن تقوم بأعمال متحدة من النسك التعبدي وتلتزم بتقاليد صارمة وتعمل لأن توجد جملة من بني الإنسان تفهم وفق معيار واحد وتلبس وفق نمط واحد وتتحرك وفق نظام حركي واحد ، إنها تعمل لإيجاد أفراد من بني الإنسان على وتيرة واحدة إنه إنسان آلي يحفظ كل الأدعية ويقوم بأداء كل الصلوات فالحياة عندهم هي مجرد مباشرة حالة الموت التي تميت كل أحوال الحياة ، يحاول أن يمر من الدنيا بأقصى سرعة من خلال برودة الأموات وقتل الحياة ، ومع أن هذه هي مقولة الديني ويدعيها ، إلا أنه في محل المخالفة لها لأنها مجرد دعوى لا تستند إلى الواقع .

السياسي يضع الصورة في مكانها الطبيعي فلا يقلبها ، أنه يعيش الدنيا ويأخذ منها ويعطي لها ويدرك اختلاف القوى الإنسانية فيباشر رعايتها ويخاف عليها من الانتكاس في الحس أو الانخفاض في الفكر فيراقبها ، إنه يري أن صنع الحياة الدنيا على الوجه الذي يُعلم به الحق ويطبق به العدل هو الطريق إلي الآخرة ، فالآخرة عنده تمر من الحياة الدنيا وتطبيق الشريعة هي الحياة .

12 – الديني طويل الحياة ، وهي حياة آسنة مملوءة بالركود ، فالحركة التاريخية بدعة وضلالة والانتظار أهم سمات الديني ، يضفي له الوجدان صورة الغد الفاضل ، يغذي هذه الصورة موروث اختلط بالمقدس ، فصار الموروث جزءاً من دينه .

السياسي طويل النفس يمتلأ حيوية يعمد إلى الراكدين فيحركهم لا يكبت تساؤلات        الفكر ، يرى أن الحياة نجاح وفشل فلا يمتلأ عُجْباً حين النجاح ولا يتسرب إليه اليأس حين الفشل ، معنى أنه طويل النفس أي يحقق نجاحه في الجبل الواحد ويرفض أن لا يحقق شيئاً في الجيل ، بل يحاول أن يختصر الوقت إلى عقد من الزمان ، ليتمكن من مسيرة تصاعدية في العقود الثلاثة الأخرى .

13 – الديني يفتقد الإدراك والتصور ، فحالة الأمس واليوم وغداً هي حال واحدة ، فهو مفتقد للنمو والحركة والتطور ، التطور يعني الانتقال من حال إلى أخرى ، ولأنه على حال واحدة فلا حاجة له بهذه المظاهر .

السياسي يرى أن عملية الوجود هي ظهور الحياة فيه ، والحياة تعني النمو والحركة والتطور على نقيض الديني تماماً .

14- الديني لا يقيم للسبب قيمة في أفعاله فعليه أن يعمل وليس عليه إدراك              النجاح ، فالديني جبري ويعتمد على الجبرية الغيبية .

والسياسي يربط الأسباب بالمسببات ولا يترك الحبل على غاربة ، فهو يعلم أن التاريخ          صناعة ، السياسي يقول بالفعل الاختياري .

15 – من المعلوم لكل إنسان أن الأعمال المادية ذات قيم متفاوتة منها ما هو لتحقيق القيمة المادية ، ومنها ما هو لتحقيق القيمة الإنسانية ، وعمل آخر لتحقيق القيمة الخلقية ورابع لتحقيق القيمة الروحية ، لكن الديني لا يرى صحة مثل هذا الاستقراء بل يرى أن الأعمال ذات قيمة واحدة هي طاعة الله ومن المعلوم أن الطاعة فعل وليست قيمة فالفعل بطبيعته مادي ، والهدف لا بد من أن يظهر طلبه باستمرار إثناء القيام بالعمل ، وإلاَّ صار العمل عشوائياً ، ومن هنا نجد السياسي يؤكد على عدم فصل الفعل عن قيمته .

16- يظهر الديني غايته بأنها مجرد رغبة منه في نوال رضوان الله ، مع أن مثل هذا القول هو غاية الغايات وليس غاية الفعل ، ومن هنا فإن الغاية عند الديني مكيافيليه فتراه يتلون في مقولاته حسب الأوضاع والظروف .

السياسي يرى أن الغاية إنما هي جزء أساسي من العمل ، والعمل قرره مبدأ (1) السياسي أي الإسلام ، ومن هنا فالغاية لا تكون إلا في الدنيا ، لأنها أساسية في الفعل وهي مقررة في مبدأه .

17- ما نظرة الديني إلى التراث ؟ الديني يخلط وعن تعمد بين التراث والمقدس ، ويخلط متعمداً بين علماء التراث والتراث والمقدس ، ثم يضيف ذاته كفعل أو كشخص أو كحركة إلى هذا التراث ، فالتراث عنده هو هذا الركام المؤلف من النصوص المقدسة والتراث وأشخاص التراث وذات الديني ممارسة وشخصاً وقيادة وهي حالة تتسم باللاوعي .

السياسي يعي دور التراث فهو يراه جهداً إنسانياً يصح منه شيء ولا تصح منه           أشياء ، فالسياسي يتكئ على التراث ليتجاوزه، أي أن الماضي لديه هو الأب الشرعي للحاضر وليس نفس الماضي والحاضر هو أب المستقبل فالمستقبل يجب أن يكون أفضل من الحاضر بكل الأحوال ، ومن هنا يسير السياسي صعداً في مدارج الرقي .

 18- الأنظمة المعرفية كما هي عند الجابري ثلاثة أنظمة : البرهاني والبياني               والعرفانى ، والنظام العرفانى يمثل العقل المستقيل في المعرفة ومرتكزات هذا العقل المستقيل ، هذه هي الولاية والباطن والكشف والفتح والعصمة ورؤيا المنام والإلهام والديني يعتمد هذا النظام المعرفي ويرتكز عليه .

السياسي يرفض هذا النظام المعرفي رفضاً باتاً ويرى اعتماده مجرد مقامرة بمصير الأمة ويعتمد النظام البرهاني أي الحكم على الوقائع المادية المنقولة للدماغ بواسطة الحواس مستعملاً المعلومات السابقة التي لديه عن هذه الوقائع وهو لا يرتكز على النظام المعرفي البياني إلا بعد تأسيسه في الجملة على النظام البرهاني .

19- يكثر عند الديني الحديث عن الكرامات وهي أفعال خارقة للسنة الكونية والنفسية يحدثها الله لأصحاب ولايته ، والديني هنا يجازف بمعطيات الإسلام حين يصر على وجودها ، إن الكرامة ليست ظاهرة كونية استعصت على التفسير العقلي ، بل هي من نظام المعجزات والقول بالمعجزات للولي يعني اختلاط برهان النبوة بالولاية .

السياسي يري في الكرامات رؤية أخرى فلا يقبلها لبشر وإنما يقبلها كإرهاص نبوة ، فهي لمريم إرهاص لنبوة عيسي وهي لعبد المطلب في حادثة الفيل إرهاص لنبوة محمد صلي الله عليه وسلم ، أما غير ذلك فلا يقيم لها وزناً ويراها مجرد دعوى تفتقد البرهان والسلطان ، أي يقبل المعجزة برهاناً أو إرهاصاً للنبي فقط .

20- يرتكز الديني على العبادات كطقوس ويربط بها التقدم والتأخر والنصر والهزيمة والعزة والذلة ويركز على هيئات العبادات ولون اللباس ونوع تفصيله ، ويرى في رؤية صورة امرأة مكشوفة الشعر أو السيقان أو الرقبة دعوة مجنونة للإباحية ، فالمسلم عند الديني إنسان يفتقد المقاومة والمناعة إنه إنسان جنسي محموم تثار الغرائز لديه بمجرد رؤيته صورة مذيعة التلفاز كاشفة عن صدرها ، وهو هنا يسكت عن أهم غريزة وهي حب البقاء .

السياسي يري أن الإسلام جاء بأحكام عامة وخاصة ، غاية هذه الأحكام تحقيق الأهداف العليا لصيانة المجتمع ، فتحريم الاختلاط وتعيين لباس الحياة العامة إنما هو صيانة للأعراض بالجملة ، أي صيانة المجتمع من حيث هو مجتمع ولهذا فهو يرتكز على العمل الشمولي أي الارتقاء بالمجتمع في كل نواحيه فالإسلام عند السياسي هو الحياة .

21 – من تحصيل الحاصل أن نقول أن الديني غير قابل للانتشار لأنه يرى الناس وكأنهم كينونة ليست اجتماعية متفاوتة القوى مختلفة السجايا ولهذا فهو قادر على صنع فئة تحمل داخلها كثيراً من التجاوزات .

أما السياسي فمن تحصيل الحاصل أيضاً أنه يحاول أن يستعلي في قوى الإنسان من معرفة وميول أو دوافع ويقيم من نفسه القدرة فهو قابل للانتشار .

22- الإبداع في كل شيء شرط أساسي للنجاح ، والإبداع كما يكون في وسائل الحياة وأساليبها يكون في التفكير ويكون في الخطاب السياسي بل وحتى في الخطاب الديني المحض كما هو في قراءة التراث وكذلك في قراءة الوحيين ، الديني يرى الإبداع في قراءة التراث وقراءة الوحيين مجرد ضلالة أعاذه الله منها والسياسي يرى الإبداع ضرورة أساسية وملحة وإلا ركد الفكر وتأسن .

23 -    لا نأت بجديد إذا قلنا أن المعرفة عند الديني متوقفة وإنها عند السياسي معرفة شمولية متنامية .

24- الديني يلتفت إلى الماضي يري فيه نموذجاً جاهزاً ما عليه إلا أن يعمل لاستحضاره السياسي يرى ضرورة حضور الماضي الفلسفي والأيديولوجي ولكن بعد أن أضاف إليه ما جعله حاضراً ولهذا يتطلع إلى المستقبل بنظرة جدية .

25- يعمد الديني الإسلامي إلى الدعاوى فيتحدث عن بطولاته وبطولات جماعتة وحزبه بطريقة تقريرية فهو أي الديني فارس الميدان دون غيره وإليه تنسب الفضائل كلها من أمانة وعفة وإخلاص وتقوى ما على الآخرين إلا التسبيح في هذا الديني وفئته وهكذا يكون الحديث عن نفسه بدل الحديث عن الإسلام أو يكون الحديث عن موقف خصمه بدل مساهمة في تعميق فكر سامعيه .

السياسي لا يرى إلا أن يتحدث عن الإسلام بفكر محدد مبرهن .

26- مع أن منشأ الديني الإسلامي والسياسي هو القرآن والسنة لكنهما مدرستان مختلفتان في كل شيء ورؤيتي أن الإسلام كما طبقه الرسول ينتمي إلى السياسي الإسلامي .

وختاماً أرجو أن نتمكن من إكمال وتوضيح ما غمض من خلال المناقشة شاكراً لكم مداخلاتكم التي سأستفيد منها والسلام  .







" قراءة عجلى في كتاب المحنة "

كتاب للدكتور فهمي جدعان



أيها الأخوة سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد "



يبدو أن محاولة عرض كتاب ما " لا يمكن أن تقوم مقام قراءته " ولهذا غالباً ما يكون عرض كتاب يشكل صعوبة لا يسهل تذليلها ، وإذ قمت بقراءة كتاب المحنة للمرة الثانية للقيام بمهمة عرضه ، والإشارة إلى مواضيعه ، فإنني أعترف صراحة : أنَّ عرض كتاب المحنة يكاد يكون مستحيلاً ، لتماسك مادته ، وشدة كثافتها ، وما تثيره مادة الكتاب من طلب للبحث والاستقصاء خارج الكتاب ، فهذه القراءة هي مجرد محاولة للدخول إلى الكتاب .



لم يأت الكتاب ليؤرخ للمحنة أو ليعالج الوجه الكلامي الخالص أي ليجيب على مسألة خلق القرآن بالنفي أو الإثبات وإنما جاء الكتاب ليزيح الستارة عن وجه المحنة ويوجه الأنظار لدلالاتها السياسية ومن هنا أستمد موضوع الكتاب قيمته إذ يتجاوز البدا هات الخاطئة التي استقرت في الأذهان من مجرد نطق اسم أحمد بن حنبل أو المعتزلة أو خلق القرآن ، إذ ما أن ينطق بها أيُ من الناس حتى تستدعي صورة حدث تاريخي درامي صورة احمد بن حنبل المحدث فقط وقد قطع حجة خصومة المشهورين بقوة الجدل والحجاج ولم يجْد هؤلاء الخصوم إلا أن يتحولوا إلى جلاوزة  يمسكون السوط يلهبون جلد احمد بن حنبل وتشبع السياط من جلده دون أن يتزحزح عن موقفه قيد أنمله إذ هو ثابت كالطود الأشم ! .



ويعلن الدكتور فهمي منذ البداية في المدخل ( ص 12 ) أنه يسير تماماً في الاتجاه المعاكس لمجرى التيار وذلك عند أمرين اثنين على الأقل .



الأول : أنه نأى بالمعتزلة نأياً يشبه أن يكون تاماً عن عملية الامتحان التي نسبت إليهم وأنه يَرُدُّ الأمور إلى نصابها يف هذا الشأن لحساب التاريخ ، والثاني أنه يريد أن ينظر في مسألة المحنة كحالة تبين إبانة بينة عما يمكن أن تكون عليه صيغة العلاقة بين السلطة أو الأمر  من وجه وبين الطاعة من وجه آخر في دولة هي دولة الخلافة لا شيء يحول اعتبارها أكمل ممثل تاريخي لما وصل إليه الملك في الإسلام .



ويقتضي التاريخ التحفظ على المحور الثاني وخاصة اعتبار الخلافة المركزية الممثل التاريخي لما وصل إليه الملك في الإسلام إذ تتضمن هذه العبارة إسقاط المحور التاريخي المتمثل في العديد في المحاولات لإزاحة هذا الملك العضوض ومع أن الكتاب في فصله الثالث " الدواعي والرجال " يشير إلى بعض من هذه المحاولات ولكنه لا يربط هذه المحاولات في الأسس الفكرية التي يستند عليها .



ومع أن الدكتور جدعان أعلن بداية انه غير معني ببحث الوجه العقدي في قضية خلق القرآن إلا أنه اضطر في المدخل الذي استغرق الصفحات من ( 11- 44 ) أن يتعرض للأقوال المتعددة في مسألة خلق القرآن متعرضاً للرأيين اللذين يستحيل التوفيق بينهما على وجه ما وعرض أربعة آراء أخرى تشكل مواقف متوسطة أساسية متوقفاً عند حدود العرض مما يجعل القارئ محتاراً لا يدري بعد أن ادخله الكتاب إلى صميم هذه المسألة ما رأي الدكتور في تلك المسألة ، ولقصور حيثيات المسائل المعروضة يبقى القارئ في حالة من الفراغ حول هذه المسألة ، إلاَّ القارئ الذي له موقف مسبق في هذه المسألة .



لا بد من الوقوف عند فقرة كاملة من المدخل وهي الفقرة التي تنقل                   مقولات لابن تيمية والطبري وابن الأثير فالدكتور ينقل عن ابن تيمية الحنبلي ( ت 728 هـ 1328 م ) قوله " ويرى ابن تيمية أن جعد بن درهم كان أول من عطل الصفحات الإلهية وأن الجهم بن صفوان قد تابعة في ذلك " ويمضي الدكتور قائلاً يؤكد مؤرخون كثر من الطبري إلى ابن الأثير أن جعدا أول من قال بخلق القرآن في الإسلام ويري بعض هؤلاء المؤرخين أن جعدا قد أخذ بدعته عن رجل يدعي أبان بن سمعان أخذها هذا بدوره عن رجل يدعي طالوت قيل أنه ذو قربى للبيد ابن الأعصم الذي كان معاصراً للنبي وأحد أعدائه الأشداء وتستمر الفقرة في بيان تاريخي منقول " ويقول هؤلاء المؤرخون أن لبيد هذا كان يمارس السحر ويقول بخلق القرآن وأنه قد استقى بدعته في القرآن المخلوق من يهودي يمنى " ثم تتعرض الفقرة لمقولة عثمان بن سعيد الدرامي     ت ( 282 ـ 896 م ) وأبو الخلال  ( ت 311 هـ 923 م ) أن خالد القسري قد ضحى بجعد بن درهم وذبحه سنة ( 125- 743 م ) أمام الملأ في عيد الأضحى لبدعته ، إذ زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليماً ، أما الجهم بن صفوان فقد ناصر الحارث بن سريج في ثورته بخراسان على مروان بن محمد خليفة بني أمية إذ وثب داعياً إلى الكتاب والسنة (128 هـ 745 م ) وقتل ألقسري في السنة نفسها الحارث بن سريج .



ويسوق الدكتور هذه الفقرة التي تمتلئ بالغرائب ليؤكد أن مقولة خلق القرآن ترجع إلى عهد أقدم من زمن المحنة وأن مسألة خلق القرآن هي قضية جهمية دون أن يقوم بتفنيد المقولات العديدة التي تحويها هذه الفقرة مما يوحي أن الدكتور قد سلم بهذا السياق التاريخي رغم أنه يحمل في ذاته برهان زيف هذه الوقائع بل والأغلب ابتداع شخصية أبان ابن سمعان وطالوت وربما لبيد بن الأعصم وسوق العبارة عن الجعد بن درهم من أنه ينفى اتخاذ الله لإبراهيم خليلاً وتكليمه موسى تكليماً دون بيان أن النفي إنما هو للصورة الذهنية الحسية واثبات للصورة المجازية لهاتين الآتين الكريمتين يجعل القارئ وخاصة غير المعني لفحص مثل هذا السياق يظن أن الجعد فعلاً ينكر الآيتين الكريمتين ولهذا  يجد نفسه متعاطفا مع الصورة الدرامية التي أعلن فيها عن ذبح الجعد .



ومن المؤكد أن القول بخلق القرآن أقدم زمن من زمن المحنة بل ومن الجهم بن صفوان والجعد بن درهم ومن المؤكد أن أساسها هو خلق فعل الإنسان وهي مشكلة ظهرت أثر خوض المسلمين الحوادث الأربعة وهي : فتنة الدار ومعركة الجمل ومعركة صفين وما أعقبها من تحكيم ثم أخيراً فتنة النهر وأن فالبحث في أفعال العباد ومسؤولياتهم عن الفعل هو الذي جر إلى قضية خلق القرآن .



ومن الغرائب المؤكدة في سياق قضية خلق القرآن الإدعاء بأن القائلين بهذا إنما تأثيراً بالفكر المسيحي لأن المسيحية تقول بقدم الكلمة إذ القول بحدوث الكلمة يجر إلى تهاوي عقيدة التثليث المسيحي ومن هنا يمكن الجزم بأن القائلين بخلق القرآن في محل التناقض لا الاتفاق مع العقيدة المسيحية حول كلام الله ومع أهمية هذا القول إلا أن الكتاب تناسى ذلك  ويعنون الدكتور الفصل الأول من الكتاب بعنوان المعتزلة والخلافة ويبدأ الفصل بمقولات تشكل رؤية باحثين معاصرين عن علاقة المعتزلة بالخلافة العباسية وعلى وجه الخصوص الخلفاء الثلاثة المأمون والمعتصم والواثق ، وهم من حدثت في زمنهم المحنة ويلقي هؤلاء الباحثون اللوم على المعتزلة التي تدعو إلى حرية التفكير ومع هذا تباشر حين وصولها إلى الحكم سياسة القمع والعنف تجاه المخالفين في الرأي ويعلق الدكتور فهمي بعد سوقه لهذه الآراء " أن هذه الآراء جميعاً تحتاج إلى مراجعة شاملة لأن النظر المدقق يبين عن مجانبتها الصواب وعن أن واقع الأمر كان مباينا كل المباينة لهذه الصورة التي أجمع عليها المؤرخون وغني عن البيان أن رجع النظر في المعطيات التاريخية التي بُنَيِتْ عليها هذه الآراء هو وحدة الذي يسمح بتقويم الصورة تقويماً يجر معه تعديل أحكامنا المتصلة بالسياسة الدينية والسياسة الدنيوية في كل العصر العباسي الأول الذي استقر النظر إليه واعتباره عصر الإسلام التاريخي المرجعي .



ويدخل الكتاب بعد تلك المقدمة والتعليق عليها وضرورة المراجعة الشاملة للمضمون السائد عن علاقة المعتزلة بالدولة العباسية حتى أن الدولة العباسية ، وصفت بأنها دولة معتزلة ويجعل الكتاب هذه المراجعة في ثلاثة أقسام يبحث قي القسم الأول عن علاقة المعتزلة الأوائل واصل بن عطاء ( ت 131 هـ 748  م ) أي قبل قيام الدولة العباسية بسنة واحدة وعمرو بن عبيد ( ت 144 هـ 761 م ) والخلفاء الأوائل دون أن يذكر السفاح ( 132 – 136 هـ ) مبتدءاً بالمنصور ( 136 – 158 هـ ) والمهدي ( 158 – 169 هـ ) ويهمل أمر الهادي ذاكراً الرشيد ( 170 – 193 هـ ) ولا يشير إلى الأمين ( 193 – 198 ) ويشير إلى رأيين مختلفين في علاقة العباسين الأوائل مع المعتزلة وقد اتصفت سياستهم بالغموض والتعقيد بل والمرونة والتوفيق ـ هي وراء الظن بأن هناك علاقة بين المعتزلة والعباسيين الأوائل ـ ولا يري الدكتور فهمي في هذا القسم من الفصل الأول ضرورة للعودة إلى تفصيلات العلاقة أو تلك الصلة بينهما والحقيقة أن هذه بين العباسيين الأوائل والمعتزلة الأوائل لا زالت في حاجة إلى إعادة المراجعة ـ مع أن الدكتور محمد عمارة قد توصل في كتابه فلسفة الإسلام وأصول الحكم إلى إثبات تناقض العلاقة ، وأن السفاح وأخاه المنصور اللذين انضما إلى تنظيم المعتزلة وقفزا إلى الحكم من خلال سرقته اعتماداً على تأييد الجند الخراساني مما جعل كل منهم ـ أي المعتزلة والعباسيين يتربص بالآخر ـ ولا يهدأ بال المنصور حتى استطاع القضاء على محمد النفس الزكية ، وبعد ذلك قضى على أخيه إبراهيم ، وقبل ذلك كان قد قتل آل الحسن بن الحسن بطريقة تثير الاشمئزاز .



إن كتاب المحنة يكشف هذه الخيوط التي تربط المعتزلة بآل الحسن ولكنه يجعلها مجرد موقف يخلو من الدلالات السياسة ويعطيه الدلالة الدينية فقط ، مع أن الكتاب يكشف أن المعتزلة تتطلع لنظام جديد بدلاً من نظام بني أمية حيث " يقول " ومع ذلك فأنه لا أحد يستطيع أن يدفع أن واصل بن عطاء كان غير راضٍ عن بني أمية الذين قضي واصل في آخر أيامهم " ويورد في نفس الفقرة ، ويبدو أن علينا أن نصدق ما يورده صاحب مقاتل الطالبين برغم هواه العلوي وتشيعه من القول إن واصل وعمرو بن عبيد قد نصرا محمد بن عبد الله بن الحسن حين دعا إلى نفسه عقب قتل الوليد بن يزيد في جمادي الآخر من سنة ( 126 هـ ) وهذا أمر يحتاج إلى تفسير .



أن مفتاح علاقة العباسيين بالمعتزلة يكمن في أدراك علاقة عبد الله بن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب ( ت 99 هـ ) " أبو هاشم أستاذ واصل بن عطاء في محمد بن علي  بن عبد الله عباس وولده إبراهيم الإمام إذ يزعم العباسيون كما يروي التاريخ أن أبا هاشم هو الذي أوصى لهم بالخلافة ، وهو الذي صرف الشيعة إليهم  والشك يكتنف هذا الزعم ويظن انه كشف لهم التنظيم للاستمرار في قيادته الميدانية ، أما الزعامة الحقيقية فهي لا حد أفراد آل البيت ويظهر أنها لزيد بن علي ( ت 122 هـ ) ثم انتقلت بعد مقتلة لمحمد النفس الزكية وهذا ما كان يعلمه أبناء محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ( ت 125 هـ ) والظاهر أنهم بايعوا على ذلك . سواء إبراهيم المقتول في حبس مروان بن محمد سنة ( 131 هـ)  أو أبو العباس عبد الله بن محمد السفاح أول خليفة عباسي ( ت 136 هـ ) أو أبو جعفر المنصور ( ت 158 هـ ) وبسبب من هذه البيعة ظل المنصور يترصد ويترقب محمداً النفس الزكية وأخاه إبراهيم " ولعدم تمكنه من إلقاء القبض عليهما قام بمعاقبة أهلهم على تلك الصورة البشعة مما جعل بشير الرّحال راهب المعتزلة حين سئل عن سبب تسرعه بالخروج على المنصور أن يقول " أنه أي المنصور أرسل أليّ بعد أخذه عبد الله بن الحسن فأتيته فأمرني بدخول بيته فدخلته فإذا فيه عبد الله بن الحسن " والد محمد النفس الزكية وإبراهيم " مقتولاً فسقطت مغشياً علىّ فلما أفقت أعطيت الله عهداً إلا يختلف في أمره سيفان إلا كنت مع الذي عليه منهما " المحنة                 ( ص 60 )  وفي مقولة بشير هذه من الدلالات ما يعلم منه علاقة المعتزلة بعبد الله بن الحسن بن الحسن وولديه محمد وإبراهيم فالمنصور تعمد أن يرى بشيراً عبد الله بن الحسن وهو مقتول ابتغاءً أمر أسره في نفسه ، وقد تحقق له ذلك بأن يجعل الثورة المعتزلة تقوم على عجل من أمرها ، وقد حدث ذلك ، وعلى كل فالعلاقة بين المعتزلة وأوائل بني العباس هي علاقة عداء بالتأكيد .

لقد جعل القسم الثاني من الفصل الأول مختصاً بتفسير العلاقة بين المعتزلة والخلفاء العباسيين الثلاثة المأمون والمعتصم والواثق . والمعتزلة الذين ثبت اتصالهم بهؤلاء الخلفاء أو بالمأمون على وجه التخصيص هم أهل الطبقة السادسة والسابعة من المعتزلة يأتي علي رأس هؤلاء ثمامة بن الأشرس ( ت 213 هـ ) ويليه أبو الهذيل محمد العلاف ( ت 235 هـ ) ثم أبو أسحق إبراهيم بن سيار النظام ( ت 231 هـ ) وأبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم ( ت 225 هـ ) وكذلك أبو موسى عيسى بن صبيح المردار راهب المعتزلة ت ( 226 هـ ) وأستاذ الجعفرين : جعفر بن حرب وجعفر بن مبشر ولاستكمال صورة الروابط بين المعتزلة والمأمون لا بد من الإشارة إلى صلة هذا الخليفة بثلاثة رجال ينسبون كلهم ،أو بعضهم إلى المعتزلة هم الجاحظ ( ت 255 هـ ) وبشر المريسي ( ت 218 هـ ) وأحمد بن أبي دؤاد  ( ت 240 هـ ) وكتاب طبقات المعتزلة جعل أحمد بن دؤاد والجاحظ  من الطبقتين السادسة والسابعة باستثناء بشر المريسي فلا علاقة له بالمعتزلة يقينا مع أن الدكتور جدعان لم يشر إلى ذلك . وكتاب المحنة يبين علاقة هؤلاء بالتفصيل مع المأمون من ( ص 65- ص 98 ) من خلال العرض يتبين وخاصة العرض من خلال علاقة ثمامة والمأمون أن المأمون ليس معتزليا وهذا ما أكده الكتاب انظر ( ص 65 – 69 ) .



أما القسم الثالث من الفصل الأول وهو آخر قسم في هذا الفصل فأنه مكرس لفحص علاقة أحمد بن أبي دؤاد في المحنة فأحمد بن داؤد متقلدٌ أسمى مناصب الدولة منصب قاضي القضاة ومهام قاضي القضاة جسيمة أولها اختيار القضاة وعزلهم وبالتالي الإشراف على عملية فصل الخصومة سواء بين طرفين  مشخصين أو بين طرف مشخص وآخر هو حق الطاعة أو حق الإسلام أو حق الأمة الإسلامية ولا بد من أن ينهض بأعباء وظيفة ولهذا كان لا بد من أن يكون المرجع في الامتحان ، وإذ يقوم بذلك فإنما يقوم به حسب مذهبه .



ويذهب الدكتور جدعان إلى أن ابن أبي دؤاد لم يكن متعطشاً للدم والسلطة والقسر ولا شك انه كان ذا عرق نبيل أبي النفس كريماً وليس أدل على ذلك من موقفه من أهل الكرخ حين رقق المعتصم حتى أطلق له مالاً قسمه على الناس فضلاً عن مال عنده ويخرج الدكتور جدعان في كتابه المحنة قائلاً " والمدقق في وقائع المحنة يتبين بوضوح أن أحمد بن أبي دؤاد كان يحاول دوماً التخفيف من حدتها والبحث عن الوسائل المجدية من أجل ذلك " وينفي الدكتور جدعان أية علاقة لأبي جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي     ( ت 240 هـ ) والذي أعجب به المعتصم إعجابا شديداً فقدمه وأوسع عليه ، ومع هذا فلا علاقة له بالمحنة ومع رحيل المعتصم سنة ( 227 هـ ) وتولي الواثق ( 227- 232 هـ ) لا يشك الدكتور جدعان أن علاقة احمد بن أبي دؤاد بالواثق هي نفس علاقته بالمعتصم أي علاقة الوظيفة لا غير ، فلماذا يتحمل المعتزلة ولم يكونوا خلفاء الدولة بل أن أكثرهم على عدم ولاء للدولة إلى حد القطيعة ، والذين اتصلوا بخلفاء الدولة إنما اتصلوا بحكم الوظيفة ، أو بحكم الإعجاب بهم . أو بحكم حضور جلسات الجدال في أيام المأمون ، ولم يكن ما أصاب ابن أبي دؤاد وأهله من محن على يدي المتوكل ، راجع إلا لأنهم كلهم سواء بالاهتمام بالحفاظ على سلطتهم السياسية وفي سبيلها ولا جلها يكون ما يظهر من مواقف عقدية .



ويعنون الدكتور فهمي الفصل الثاني ويستغرق الصفحات من ( 111- 187 ) وهو هنا يؤرخ للمحن كواقع تاريخي (المقصود بالمحنة امتحان الفقهاء والقضاء وأهل الحديث بل والشهود بمقولتهم في القرآن)  ومن تعرض لمثل هذا الامتحان من الكثرة منهم من يذكر التاريخ ومنهم من لا يذكره فعلام ارتباط المحنة بأحمد بن حنبل دون غيره ؟ مع أن المصادر التاريخية تجمع على أنه لم يجلد أكثر من ( 68 ) سوطاً على ثلاث فترات لقد استطاع الأعلام الحنبلي الميكافيلي أن يضخم صورة تلك المحنة بحيث ارتبطت بأحمد بن حنبل ، والقارئ للمحنة (كما جمعها ابن عمه وتلميذة حنبل بن اسحق) يدرك الفجوات الواضحة والكثير في سياق هذه المحنة ، وهذا وحده كاف كدعوة للدخول إلى دراسة دواعي المحنة ورجالها الفصل الثالث في كتاب المحنة الذي يستغرق الصفحات من        ( 187 – 263 ) وهي دراسة تركز على رسائل المأمون في محاولة لاكتشاف الدواعي من خلال الوعي على المعطى التي تقدمه تلك الرسائل ولاكتمال الصورة ، وجه الكتاب النظر إلى الممتْحَنين من حيثُ واقعهم العقدي وواقعهم العملي ، ولقد ركز المأمون في رسائله على بيان الصور القاتمة في واقعهم العملي ، وقد بلغ عدد من توجهت الدراسة إليهم أربعون شخصاً يتوزعون على العراق والشام ومصر ويتوزعون من ناحية أخرى على أهل الحديث وأهل الرأي والفقهاء وواحد منهم هو عم الخليفة المدعو إبراهيم بن المهدي ليس من هؤلاء .



وفي آخر الفصل الثالث يحاول الكتاب بناء صورة لفكر المأمون وعقيدته مع أن المادة المتيسرة لمثل هذه الدراسة قليلة ولا تفي بالغرض ، ويتعرض من خلال الهامش ص ( 233- 235 ) لنظريات تفسر الدواعي التي أدت إلى قيام المأمون بجعل الإمام الثامن للشيعة الإثنا عشرية وليا لعهده ، ويخرج الكتاب بصورة عقدية وفكرية وواقعية تخالف ما استقر في الأذهان عن المأمون وليس من وجاهة نقل صورة عن الممتحنين من مصادر تعد في موقع التحيز لهم .



أما الفصل الرابع وهو أهم فصول الكتاب بل تعتبر الفصول السابقة مقدمة له والذي يعنونه الدكتور باسم تسويات لحساب التاريخ ص ( 267 – 290 ) فهو يكشف عن واقع دور المعتزلة في المحنة ، معلناً أن لا علاقة للمعتزلة في هذه المحنة ،  ويكشف حقيقة أهل الحديث ـ وخاصة أبو مسهر الدمشقي وأحمد بن حنبل ـ وقيام سلطة لهم من خلال العامة موازية للسلطة ، بل والتهديد الفعلي لها ، وأنهم أصحاب هوى أموي ، وقد شارك أبو مسهر بالذات في الثورة مع السفياني ( 195- 198 هـ ) ورغم القضاء على ثورة السفياني ومرور عقدين عليها إلا أن المأمون يكشف عام ( 217 هـ ) أثناء زيارة لدمشق استمرار الهوى الأموي فيها مما جعله يدرك الخطر ، خطر أهل الحديث إدراكاً واقعياً ويشعر قارئ هذا الفصل بمقدار كبير من الإثارة .



ويختم الكتاب في الفصل الخامس بعنوان جدلية الديني والسياسي  ص ( 293 – 359 ) ليرى أن قضية المحنة محكومة بالصراع على سلطة ، وهي هنا بالتأكيد الصراع بين الديني والسياسي ، ولكن الدكتور لا يبين لنا الفروق الواضحة بين ما هو سياسي وبين ما هو ديني ، وهل من الحكمة أن تتكون حدوداً فاصلة بين ما هو ديني وبين ما هو سياسي ؟ !!! إذ لا شك أن أحدهما يؤثر في الآخر على وجه ما ، وإذا كانت غاية الديني الآخرة من خلال الالتزام بالدين ، فإن غاية السياسي الإسلامي السلطوي الآخرة من خلال إحسان العمل السياسي ، طبعا المقصود السياسي الراشد ،  لقد نقلنا الدكتور في كتابه القيم ضمن رحلة شيقة في التاريخ من خلال المراجعة للمحنة ومحاولة الوصول للأسباب المختفية وراءها وهذا ما يحاول الكتاب إبرازه وبيانه جلياً واضحاً لحساب التاريخ كما قرر الدكتور في مدخله والكتاب بعد ذلك ملئ بالحوادث المتشابكة والمعقدة ويحوي قائمة طويلة من أسماء الإعلام بلغت ( 718 ) اسماً منها ما يذكر عشرات المرات ، أما المراجع العربية فقد بلغت 164 مرجعا وبلغت المراجع غير العربية 27 مرجعا وقام بفهرسة  لأسماء الفرق وأهل المقالات والمذاهب الإسلامية أو غير إسلامية وبلغت ( 45 ) فرقة منها ما ذكر عشرات المرات ولم يفهرس للاماكن وللآيات والأحاديث والأشعار .



والفكر المحورية التي أرادها الدكتور جدعان في دراسته القيمة هذه هي بيان صراع السلطة السياسية مع سلطة موازية تعتمد على العامة هي سلطة الديني أي سلطة أهل الحديث خاصة . فهما أي السلطة السياسية والسلطة الدينية طرفاً المحنة ومع الإشارة للعلاقة ما بين ثورة السفياني ( 195- 198 ) وسلطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للوقوف أمام الفوضى في بغداد أثناء صراع الخليفتين الأمين والمأمون ، وإذ تتوجت أعمال أهل الحديث بثورة أحمد بن نصر الخزاعي ومقتله بيد الواثق على تلك الصورة سنة ( 231 هـ ) انتهي خطر أهل الحديث ، ولهذا أصبحت الأجواء مهيأة لإعلان الانقلاب والعودة لرأي أهل الحديث في المسائل العقدية التي آثارها المعتزلة وخاصة مسألة خلق القرآن ولهذا ما أن توفي الواثق حتى أعلن أخوه المتوكل قراره بمنع المناقشة والمجادلة في تلك المسألة وغيرها ، مع إبقاء أحمد بن حنبل وهو من أهم مراكز الخطر على الدولة العباسية في حالة سجن شرف في سامراء دون تمكينه من العودة لتحديث العامة تلك التي شكلت قلقا دائماً للمأمون .

والختام اللائق بهذا العرض القاصر عبارة أوردها الدكتور جدعان في بداية مدخله للكتاب إذ قال " وليس يخفى على أحد أن مسألة محنة خلق القرآن قد احتلت مكاناً فسيحاً في مصادرنا العربية وفي حياتنا الثقافية الاتباعية والحقيقة أن الذي بتابع الوقائع وينظر إليها من أجل الفهم فإن عليه أن يعد نفسه لحالة من الإعياء الشديدة .



وأخيراً هل في فتح هذه المسألة من جدوى أو نفع لأحد والجواب ؟ إن الضرورة تحتم فتح هذه المسألة ليس لإشكاليتها العقدية في موضوع العدل ، ولأهميتها في موضوع التوحيد وليس لحساب التاريخ أيضاً بل لضرورتها كمشكلة لا تزال تثير الشقاق بين الفرق الإسلامية المتواجدة والموزعة على العالم العربي ولقد كانت هذه المشكلة محوراً من محاور التكفير للإباضية في رسالة من ابن باز لطالب عربي يدرس في الولايات المتحدة مما حدا بالشيخ  أحمد الخليلي أ يقوم بإصدار كتاب يعالج المسائل الثلاث : الرؤية وخلق القرآن وخلود العصاة من زاوية خلافية .











































توطئة لفهم مقال ( عواصف جواد عفانة )



جواد عفانة مهندس معماري سبق أن كان عضواً في حزب التحرير ومن هنا كانت معرفتي به وثيقة ، رأى السيد عفانة أن أعضاء حزب التحرير ينقصهم البعد الروحي وهذا التبرير أعطاه بعد أن توقف عن كونه عضواً في الحزب جرى نقاش بيني وبينه حول ذلك وتحديد البعد الروحي وهل يراه في الحرص الدائم على أداء العبادات أما غير العبادات من أفكار إسلامية وتشريعية ووجود الإسلام في معترك الحياة على مستوى الوعي والأمة والدولة والرعاية والعلاقات الخارجية فلا أهمية لها لم يعط جواباً وإنما بقي الأمر على مستوى السجال ولم يُعلم عن نشاط علمي إسلامي او فكري او حركي عند جواد عفانة .



وفجأة ودون مقدمات اخذ يكتب في جريدة اللواء حول مفاهيم وأفكار باكورة كتابته الرأي الصواب في الزينة والحجاب وإذ توصل إلى وجوب كشف وجه المرأة في الحياة العامة تناول كلامه بالرد بعض من لا يرى رأيه وصدر كتابه الثاني الرأي الصواب في منسوخ الكتاب متوصلاً إلى عدم وجود نسخ في كتابه أي في القرآن الكريم من المعلوم ، أ، أحد مفسري المعتزلة وهو أبو مسلم محمد بعض السلفيين من أنه متأثر بالمعتزلة فما كان منه إلا أن هاجم المعتزلة هجوماً ليس علمياً ولا فكرياً ودون دليل .

ومن هذه النقطة أرسلت ردي عليه وعلى عواصفه ونشرت الرد جريدة اللواء وإذ وجدت أن الرد يتعلق بقضية خلق القرآن فمكان الرد الذي يليق به هذا المكان .



عواصف جواد عفانة



ما كنت ارغب كتابة واحدة في النقاش الدائر على صفحات  اللواء حول كتاب السيد جواد عفانة " الرأي الصواب في منسوخ الكتاب " لا يماني أن القضايا الفكرية لا تُحلُّ إلا بالاتصال الحي شريطة أن يتحقق أمران قبل ابتداء النقاش .



1-   اتفاق المتحاورين على نقطة ابتدائية على اعتبار أنها حقيقة عند الطرفين .

2-   التزام المتحاورين بقبول كل حقيقة جديدة انبثقت عن الحقيقة الابتدائية المتفق عليها .



إن كون هذا الأمر أو ذاك فكر لا يعني انه حق بل الحق يأتي من إدراك أن الفكر مطابق للواقع تمام المطابقة في كل الصفحات والأجزاء وأهم فكر حق يمكن الوصول إليه بلا مماحكة أو مغالطة هو كل فكر يتعلق بالوجود فمثلاً القول " بأن جريدة اللواء الصادرة في الأردن والتي لها مدير عام ورئيس تحرير مسؤول هو السيد حسن التل " فكر حق لمطابقة القول للواقع تمام المطابقة ، أما القول : - " بأن جريدة اللواء هي اكثر الجرائد نشراً للفكر الإسلامي " فهذا  القول يتعلق بالوصف لا بالواقع ولهذا  فهو حقيقة عند من يرى هذا الرأي ولكنه خلاف الحقيقة عند من يري غير هذا الرأي إذ الحكم هنا متعلق بصفة الشيء لا بحقيقته والصفات على الغالب قابلة للاختلاف والتنازع والتناقض والتضاد والإدراكات المتنوعة والمتغيرة .





ما سبق يشكل مقدمة موجزة للدخول إلى الموضوع الحوار الذي دخل أليه المتحاورون دون تكليف أنفسهم بحث الخلاف من حيث انه مما له واقع او هو صفة لواقع بل دخلوا عليه تكراً عليه تكراراً لمقولات غيرهم دون أي إعادة نظر ودون أدنى تمحيص .



قضية النسخ في القرآن الكريم قضية متعلقة بصفة آيات القرآن الكريم والقول بالنسخ موجود منذ ان وجدت دراسات قرآنية ، والقول بعدم وجود النسخ موجود منذ أن وجدت دراسات قرآنية والاختلاف بالآيات الناسخة والآيات المنسوخة موجودة منذ أن وجدت دراسات قرآنية ولا اعلم واحداً اشتط وكفر او ضلل او بدع من لم يقل بهذا القول او ذاك والمعتزلة الذين حشرهم المتحاورون في جدلهم منهم من قال بوجود النسخ وهم الأكثر ومنهم من لم يقل بالنسخ وهم الأقل .



أن الظاهر من خلال معطيات الفكر الآن أن رأي الأقل هو الصواب وعلى  كل  فأن الرأي يحتاج إلى إعادة تحرير وبناء ومثل هذا التحرير والبناء يختلف جذرياً مع ما توصل إليه السيد جواد عفانة فالرجم للمحصن مثلاً جاء من سنة عملية مبينة لما أجمله القرآن الكريم في الآية ( 15 ) من سورة النساء ومفهوم التفريق في المعنى حين ورد اللفظ مجرداً من أل التعريف عن المحلي بها أمر مخالف لا بسط قواعد اللغة فـ ( ال ) التعريف تفيد الجنس أو العهد لنفس المعنى المجرد منها ، ولهذا لا يجوز التفريق في المعنى بين فاحشة " والفاحشة " أن قضية النسخ قضية خلاقية والسيد جواد عفانة مسبوق بمن قال قوله على صورة او أخرى في الماضي البعيد والماضي القريب والحاضر ففي الماضي البعيد نجد أبا مسلم محمد بن بحر الاصبهاني وفي الماضي القريب نجد السيد ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الفاروقي الدهلوي الهندي المتوفى سنة ( 1762 م ) وهو فقيه حنفي قال في كتابه " الفوز الكبير في أصل النفسير " أن النسخ لا يتعين الابايات خمس بينما يراها  محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الاشبيلي المالكي أبو بكر بن العريب حسب تحرير السيوطي في الأتقان أنها عشرون آية والدكتور أحمد حجازي السقا وهو معاص أصدر كتاباً بعنوان " لا نسخ في القرآن " .



أن اختلاف الذين قالوا بوجود النسخ اختلاف بين واضح وهو امر يؤكد ما قيل من أن موضوع النسخ يتعلق بالرأي والاجتهاد وليس للمر في ذاته ولهذا كترت المؤلفات التي تناولت الناسخ والمنسوخ ومع هذا فأن الاختلاف كان في قضايا النسخ كثرة او قلة بالإضافة إىل الاختلاف في طريقة التناول قضايا الناسخ والمنسوخ والبيان والتالي يحصي قضايا النسخ كما هي في بعض الكتب المطبوعة .



1-   كتاب قتادة بن دعامة السدوسي وعالج ( 40 ) قضية .

2-   كتاب ابي عبد الله محمد بن حزم – وهذا غير ابن حزم الفقيه وعالج         ( 214 ) قضية .

3-   كتاب أبي جعفر النحاس وعالج ( 134 ) قضية .

4-   كتاب ابن سلامة وعالج ( 213 ) قضية .

5-   كتاب مكي بن أبي طالب وعالج ( 195 ) قضية .

6-   كتاب بن الجوزي وعالج ( 148 ) قضية .

7-   كتاب العتائقي وعالج ( 224 ) قضية .

8-   كتاب ابن المتوج وعالج ( 239 ) قضية .

9-   كتاب ابن المتوج وعالج ( 249 ) قضية .



والخلاصة التي يوصل إليها من هذا البيان ومن المقدمات المذكورة في هذا المقال أن موضوع النسخ موضوع خلافي حتى في المدرسة الفكرية الواحدة فعلام الحوار ولماذا الجدال ن وما هي أهمية مثل هذه الأقوال أن لم يظهر أثرها في الاجتهاد في القضايا المستجدة وما اعلمه أن المتحاورين ليسوا من أَهَّلَ الاجتهاد حتى ولو اجتهاد المسألة .



السيد جواد عفانة – في رده بعنوان " رد على مقاله حوار هادي " المنشور في العدد المزدوج من اللواء رقم ( 996 – 997 ) تاريخ 3- 10 حزيران 92 دخل في رده الهادئ إلى موضوع خلق القرآن وهذا ما قاله نصا " وشاهد آخر على ما اقول هو تكذيبي للمعتزلة بل وردي وقولهم السخيف بخلق القرآن وقد بينت ذلك في موضوع عدالة التحدي الذي ملخصه أن القرآن لو كان مخلوقاً لكان ظلماً من الله تعالى أن يتحدى الناس أن ياتوا بمثله او بعشر سور م مثله لأنه خالقهم ويعلم انهم لا يخلقون وتعالى الله عن الظلم علوا كبيرا فالقرآن الكريم كلام الله ليس مخلوقاً .



هكذا وردت العبارة التي حشر فيها موضوع خلق القرآن ويفهم أي قارئ من عبارته المنقولة نصا أن الحق جل وتعالى لا يتحدى خلقه بما يخلق إذلو تحداهم وهم خلقه بما يخلق لكان ظالماً هذا هو قول السيد جواد عفانة والتحدي عنده يكون بما لا يخلق الله .



القرآن الكريم في آياته التي تذكر الخلق والبالغ عددها ( 243 ) لفظة  في آيات تقارب هذا العدد تتحدى البشر تصريحاً وتلميحاً ان يخلقوا مثله وقوام التحدي هو ما يقع تحت الحس مباشرة من مخلوقات الله تعالى ولا يقول عاقل بأن الله يتحدى بما لا يخلق وها هي بعض آيات القرآن الدالة على ذلك .



1-    ( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ) (النمل:60)

1-هذه آية مكية من سورة النمل والسورة مكية أيضاً ترتيبها ( 48 ) في النزول بعد الشعراء .

2-    ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (الروم:20)

2- آية ( 20 ) وهي مكية من سورة الروم وهي مكية أيضاً ترتبيها ( 84 ) في النزول بعد الانشقاق .

3-    ( هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) (لقمان:11)

3- آية ( 11 ) وهي مكية من سورة لقمان وهي مكية أيضاً ترتيبها ( 57 ) في النزول بعد الصفات .

4-      ( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّار ُ) (الرعد: من الآية16)

  آية   ( 16 ) وهي مدنية من سورة الرعد وهي مدنية أيضاً ترتيبها ( 69 ) في النزول بعد محمد .

5-       ( افرأيتم ما تمنون ، أأنتم تخلقونه ام نحن الخالقون .

الايتان ( 58 ) و ( 59 ) مكيتان م سورة الواقعة وهي مكية أيضاً ترتيبها ( 46 ) بعد طه .

6-   افمن يخلق كمن لا يخلق افلا تذكرون

آية ( 16 ) سورة النحل والآية والسورة مكيتان ترتيب السورة ( 70 ) في النزول بعد الكهف .



إن الله جل جلاله هو الخلاق العليم وهو احسن الخالقين هذا ما يقوله القرآن الكريم  وهو يتحداهم بوضوح أن يخلقوا مثل خلقه وهذه أمور يعملها المسلمون بل وأهل الأديان الأخرى ولكن المهندس جواد عفانة يتجاهل ابسط المعارف ويدخل القضايا الشائكة والمعارف المعقدة سلاحة الظن والهوى دخل إلى قضية خلق القرآن وما يظهر من حالة انه لا يعرف عنها والأقوال التي فيها شيئاً ما ولهذا لا بد من تذكيره بأن قضية خلق القرآن تعددت فيها الأقوال والقرآن الكريم له واقع فلا بد من ادراك واقعة او لاحين البحث بخلقه أو عدم خلقه أن واقع القرآن هو .



القرآن الكريم هو كلام الله العربي اللغة مفردات واساليب المنزل على الرسول محمد منجماً تتلوه الألسنة وتحفظه الصدور ويدور في السطور في مصاحف وفي الطابع تصف حروفه وكلماته وآياته معدودة أي محدودة  لم يقل أي عالم له علم من المسلمين بان القرآن الكريم على الصفة  التي ذكرت بأنه غير مخلوق فالكل مجمع  على أنه مخلوق إلا الحنابلة اصحاب الأقوال الغريبة في القرآن الغريبة في القرآن فمنهم من قال أن الورق والحبر والجلد والحرف العربي والكلمات العربية التي وردت في القرآن قديمة غير مخلوقة ويجعلون نطق الناس بالقرآن غير مخلوق ، كم هي النكارة في هذا القول ؟



الخلاف في القرآن محصورة بين القائلين بالكلام النفسي وهم الاشاعرة والماتريدية  إذ يقولون أن هذا القرآن الذي بين ايدينا ليس عين كلام الله بل حكاية الله غير المحكي فيجعلون هذا القرآن الذي بين ايدينا مخلوقاً اذهو حكاية الله ويجعلون الكلام النفسي له تعالى هو كلامه على الحقيقة و غير مخلوق  وهو أي كلام النفسي لم يفارق الله تعالى ولا يجوز فيه الانفصال .



هنا يعلم ان النواع ليس حول القرآن الذي بين ايدينا وهذا ما يعلمه كما هي حالة السيد جواد عفانة ن وهنا لا بد من التذكير ان القضية الكلام النفسي قضية أخرى المعتزلة والزيدية  والاباضية والامامية يرفضون اثبات الكلام النفسي له تعالى بل يرون في اثبات الكلام النفسي جرأة على الله تعالى .



دعوي الحنابلة ان الحق جل جلاله متكلم بصوت وحرف كيف شاء ومتى شاء ليس لها ما يسندها في القرآن الكريم وقيد كيف شاء ومتى شاء اتوابه م عند انفسهم لتدارك الخلل في الدعوى أما دعواهم بقدم الحرف  والصوت فهي تحريف واتحراف وقانا الله م شره .



دعوى بعض الفقهاء وبعض المحدثين أن كلام الله هو عمله امر غير معقول فصحف ابراهيم وموسى والتوارة والزبور والانجيل كلام الله من حيث الصل يقينا ومع ذلك فإن هذه الكتب السماوية قد اعتراها التحريف والتبديل والضياع والخلط بين علم الله الصفة التي يستحقها الله لذاته لا لمعنى وبين كلامه المنزل أمر في غاية التخليط والغرابة .



أن البحث في خلق القرآن ليس بحثاً في كيفية الذات الالاهية وإنما هو بحث في هذا القرآن الذي نتلوه الذي يقع الحس عليه مباشرة فهل هذا القرآن المدرك حسا مخلوق ام غير مخلوق ؟



أعوذ بالله السميع العليم الأول والآخر الظاهر والباطن من الجهالات !

قبل أن اختم هذه العجالة احب ان اسأل السيد جواد عفانة أيعلم أحداً من الصحابة أو التابعين أو أبا حنيفة أو الشافعي قال بأن القرآن غير مخلوق !

ختماً أدعو الله العلي القدير أن يزول من امتنا اتباع الأحبار والرهبان بلا بينة ولا برهان واتباع الهوى بلا تفكيره و لا سلطان  واتباع التخريص دون بحث و لا بيان واتباع ما وجد عليه الأباء ولو كان ظاهر البطلان .



والسلام على اتباع هدى محمد





















البعد الحضاري لفكر المعتزلة



الأخوة الحضور أخوات وإخواناً تحية وشكراً لقدومكم ابتغاء سماع هذه المحاضرة ومن الصدق أن يقال محاضرة في عام المحاضرات ابتدأ من إعلان عودة الحياة النيابية في الأردن وإذا كان من سمة مميزة لعام مر ، فهو عام كثرة المحاضرين ، ويأتي إلينا العام الثاني ومن بواكيره 2/ 8/ 1990 فإذا داعي المحاضرات يشتد عودة فمعذرة إذا وجدتم أنَّ هذه المحاضرة مجرد سحابة صيفية تفتقد الاتساق وتفتقر إلى الجدوى .



وأشكر الدكتور الشاب الممتلئ حيوية الأستاذ عاطف عضيبات على حسن ظنه بأن في محاضرة عجوز مثلى ما هو جدير أن يسمع فأنا محاضر يفتقد كل ما يؤهل للتحاضر والتقول ن فلست بصاحب مركز يرنو إليه الرانون أو يشار إليه بالأصابع ولا امتلك ما يؤهلني لذلك .













البعد الحضاري لفكر المعتزلة

محاضرة عن المعتزلة





يأتي عنوان المحاضرة " البعد الحضاري لفكر المعتزلة " لتتكاثر الصعوبات فكيف يمكن الكلام  عن بعد حضاري لفكر تراثي لا وجود له عند الناس منذ  بداية  القرن الخامس الهجري  ووصفه أصحاب الأغراض من سلفية وأشعرية وشيعة  بأنه فكر من أفكار أهل البدع والأهواء .



قبل الدخول إلى المحاضرة يحق أن يثار السؤال التالي : -

ما هي المشروعية التي تبرر مثل هذا البحث وما الغاية منه ؟

والجواب هو أن مشروعية البحث آتية من الأزمة الحادة التي يعانيها الفكر الإسلامي المعاصر فهي تحتاج إلى حل لزوال المأزق الذي يشتد ضيقاً على الحركة الإسلامية السلفية بكافة أسمائها ، وسواء كانت حركة فكرية سياسية تريد التغيير من القمة أو كانت حركة تهذيبية تطلب التغيير بعملية الدعوة للأخلاق وتهذيب السلوك أو كانت حركة تطلب التغيير من خلال تحقيق مفهوم العقيدة عند الناس من خلال رؤية محمد بن الوهاب وابن القيم الجوزية وابن تيمية أو من خلال دعوة إلى العبادات تقذف إلينا من الهند أو أي شكل من الأشكال الأخرى الأكثر هلامية .



وحركة التغيير هي حركة مجتمع على الوجه الإجمال وليس دعوة في مجتمع ، فإذا نجحت الدعوة بأن تقيم في المجتمع حركة إلى أعلى تكون قد سارت في التغيير أما إذا كانت الحركة تثير في المجتمع أشواقاً روحية وكثيراً من الأماني معتمدة على جملة من الشعارات أو مجموعة من الأهداف والغايات من خلال تجييش العواطف وجعل الأماني وكأنها في متناول اليد والاعتماد على مقالات في غاية الإبهام ومفتقدة للتحديد فمثل هذه الحركة تعاني الأزمة والمأزق معاً ، بل وتحولت إلى عقدة من عقد المجتمع لا بد من حلها .



والإسلام يتمثل عند الإسلاميين ودعاة الإسلام المعاصرين بعملية خلط واختلاط ومن هنا كانت الأزمة إذ يجعلون النص أي )الكتاب( والثابت من السنة (كل حسب منهجه) إذ قد لا تكون ثابتة وخاصة عند المذهبيين ،  والحياة الفلسفية والحياة العقلية للأمة الإسلامية عبر العصور " التراث " ألقولي والتطبيق (التراث العملي) أو مسار التاريخ لهذا الإسلام أي حركة التاريخ عبر  دولة الراشدين والأموية والعباسية في عصورها الثلاثة والعثمانية ، يجعلون هذه الثلاثة هي الإسلام فيقيمون حول هذه الثلاثة النص والتراث ألقولي والتاريخ سوراً من القداسة والتعظيم ولأن النص هو المقدس دون التراث والتاريخ فلا بد من فك هذا الارتباط وهذه أولى خطوات حل الأزمة الفكرية التي نعانيها وكان من شأنها هروب جموع من أمتنا شباباً وقادة فكر نحو الليبرالية الغربية " التغريب " طلباً للحرية أو اليسارية طلباً للعدل الاجتماعي أو القومية طلباً للسؤدد والعزة  .



لقد رأى الإسلاميون السلفيون كثرة سوادهم بعد رحلة للجماهير مع الليبرالية واليسارية والقومية ، عادت منها الجماهير بخفي حنين ولهذا ظنت الجماهير مجرد الظن أن اتصالها علي تلك الصورة المشوهة هو العلاج فتملكت مشاعر  الفرح قادة العمل الإسلامي وصاروا يتغنون بالصحوة الإسلامية ويفاخرون بها وإذا هم في موقع العجز عن العمل أي إيجاد حركة التغيير من خلال حركة المجتمع وجدوا أن السبيل هو الاستمرار في الحشود العاطفية وتعليق الشعور بالقصور والعجز على مشجب العدو الصهيوني والشيوعية والماسونية والاستعمار .



والسؤال : ما هي مظاهر الأزمة الفكرية موضوع البحث ؟

الجواب : هو أن الأزمة الفكرية ذات مظاهر متعددة وتعني أموراً كثيرة تعنى بالتحديد عدم القدرة علي حل مشاكل العصر وعدم ملائمة التفكير للحياة الإنسانية وانعدام البرهان والدليل في الفكر وتقييده للنمو والتطوير والحركة وافتقاده الوضوح والبلورة والصفاء وانعدام الإنشاء والارتقاء في الفكر وعجزه عن التوسع والانتشار وعدم قدرته علي تحرير الإرادة والسيادة في الإنسان كأمة وفرد وسلطان أي في المجتمع .



وأدعوكم الآن لقراءة الثنائيات التالية : الإيمان والعمل الفكرة والطريقة الشريعة والمنهج ، الفكر والفعل ، الإرادة والسيادة ، المخبر والمظهر ، السريرة والظهور ، الجوانية والبرانية (جوانية الدكتور أمين عثمان) الباطن والظاهر ، النظرية والممارسة ، الكمون والظهور العقلية والنفسية ، المحددات والتجليات ثنائية الجابري في نقد العقل السياسي ، المفاهيم والسلوك ، الحرية والإبداع ، نجد أن هذه الثنائيات تشترك في مقولة واحدة هي أن وراء الفعل الظاهر فعل آخر هو التفكير ، فالتفكير تصميم ، والفعل إخراج لهذا التصميم إلى حيز الوجود والحياة ، ومن الإدراك لأثر الفكر في كل عمل أو نشاط تقوم به الأمة بوصفها كائناً اجتماعياً أو الفرد بوصفه كائناً حقيقياً أو السلطان بوصفه كياناً تنفيذياً أو المجتمع بوصفه كائناً يشمل الكيانات الثلاثة : الأمة والفرد والسلطان .



وما دامت حركة المجتمع هي الأمة والفرد والسلطان معاً فما هي الوحدة الأساسية في حركة المجتمع أهي الأمة أم الفرد أم السلطان ؟ وهذا التساؤل جزء من الأزمة الفكرية الإسلامية ولم يسع لحله إطلاقا وإنما وجدت محاولات للمفكر تقي الدين النبهاني وقد توصل إلى حل ظاهرة الصواب والصحة ولكن حزبه وأتباعه ومؤيديه تركوا هذا الحل ورائهم ظهريا وبقي الحل أسيراً لنتف ومتفرقات تتوزع على كتب الحزب ونشراته الدورية وأجوبة أسئلة .



الوحدة الأساسية هي الأمة فالسلطان كامن فيها واعتماده في الوجود والبقاء عليها والفرد ليس سناً في الدولاب وإنما هو وحدة منفردة فيما هو  خصوصي وجزء من الأمة في أفكارها الجماعية ومشاعرها الخاصة هذه الجزئية لا تفتقد خصوصيته ولا تجعله منفصلاً من الجماعة .



توصل الدراسة المتأنية للفكر الإسلامي في النص ومدارسة التراثية أن الأزمة ليست في محل المصاحبة للفكر الإسلامي بحيث لا تنفك عنه ، وإنما حدثت الأزمة مبكراً منذ وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم بل وجثمانه الشريف لم يوار التراب بعد وهي أزمة لمن الأمر من بعده ؟ ووضع الرأس بالرمل كالنعامة وارتفاع الصوت بأن الإقرار في هذه المقولة على هذا الشكل الصريح إنما هو اتهام للإسلام ليس علاجاً أليست هذه الأزمة هي التي لازال المسلمون يعانون من آثارها حتى هذه الساعة ؟

فالانقسام بين المسلمين إلى سنة ـ بل وانقسام السنة إلى عدة مناهج ومذاهب ـ وشيعة وزيديه وإباضية كواقع معاش ، وما تمتلئ به كتب الفرق من تعداد لها ناف عن السبعين ، وما تحويه هذه الكتب من الاتهامات والتشنيعات على بعضها ، هذه الفرق منها لا زال له وجود ، وهذا دلالة واضحة على ضرورة التسليم بهذا وأن الأزمة ظهرت مبكراً .

ولضعف التفكير لم يفرق أهل هذا الصراخ بان القول بظهور الأزمة مبكراً لا يعني بالضرورة أن أساس الفكر أي النص هو سبب الأزمة ، فالبرهان ظاهر وجلي على أن النص ليس هو سبب الأزمة ، بل في النص قدرة فائقة على إنبات القواعد وعلاج المشاكل مهما اختلف الزمان والمكان ، فالمعاناة هي في الفهم .

إنَّ سبب الأزمة هي طريقة تعامل الإنسان مع النص الذي قد أوضح بشكل لا يتطرق إليه ريب أنه قد جعل السلطان للأمة تختار من تراه قادراً كنائب عنها في توليه         أمرها ، فالخطاب موجه إلى الأمة بمجموعها حين قال تعالى ( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) (المائدة: من ألآية) والنص توجه إلى الأمة حين قال تعالي : ( بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (التوبة:1) كذلك حين قال تعالى ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ) (النور: من ألآية) وقوله : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا )(المائدة: من ألآية) وآيات طلب القتال وآيات الوفاء بالعهود كلها توجيهات للأمة بمجموعها .

وحين التمحيص يتبين إنَّ الأمة بمجموعها لا يمكن أنْ تقوم بالقيام على رعاية شؤونها في الداخل والخارج وإنما يقوم به من يقوم مقامها أن من يمثل سلطاتها ولا يمكن أن تقوم  بالعدل حين الاعتداء أو النزاع  ؛ وإنما يقوم القاضي به ، وكذلك إيقاع العقوبة  على الزانية والزاني وإيقاع القطع ليد السارق أو السارقة ومباشرة القتال وتوقيع العقود عن الأمة وإلغاء العقود والمعاهدات فإنما يقوم به السلطان ، أي يقوم بالتنفيذ ، وتوجه الخطاب للأمة يعني أن الأمة صاحبة هذا الحق أصلاً ، إن حوار السقيفة لم يتأسس على النص وإنما تأسس على أمرين ، الأولوية وميراث محمد وسلطانه فإذا قال بعض المسلمين اليوم أن السلطان نصاً للأمة ، ولم يجعله لأحد بسبب العشيرة أو الميراث أو القرابة ، وأن الأمة تختار من يحكمها بحكم أهليته ، ومباشرة الاختيار ثم بيعة الطاعة ما لزم عدم الخروج على العقد وإحسان تطبيق نصوص العقد ، أيكون مثل هذا البعض طاعناً في النص ومتهماً إياه بالقصور ؟ أم هو مجرد إعادة قراءة لإعطاء النص بعده الحضاري ؟

ما إقامة الفكر الإسلامي السني من دعاوى لا تستند إلا لمقولات باستثناء الفقه المتعلق بالفرد ، ففيه لا شك من الصحة والصواب الكثير بخلاف مقولاتهم في الأفكار المتعلقة بالعقيدة وتلك المتعلقة بأصول الدين وعلم مصطلح الحديث ومناهج التفسير والفقه السياسي سواء تعلق بالحكم أو بالاقتصاد أو بالعلاقات الخارجية فإنها تحوى من التجاوزات الكثير ، وهنا لا بد من تنبيهٍ لأهل الغفلة من المسلمين بان مصطلح تسمية ذلك النمط الفكري باسم ( أهل السنة والجماعة ) والموحي بأن بقية المسلمين من أمامية وزيديه واباضية ومعتزلة مجرد فرق خارجه عن المصدر الثاني للشريعة وهي " السنة " وعن جماعة المسلمين لذلك فهي مجرد فرق ضالة مبتدعة إنما هو غطاء وسياج وضغط متقصد من خلال اللاوعي لمنع الوعي والواعين من قيادة الأمة من خلال الفكر الإسلامي الصائب ، فما من فرقة من تلك الفرق إلا وتعتمد السنة وفق منهج لها في كيفية التثبت وطريقة للاستدلال فالزيدية مثلاً لهم منهج الأمام زيد والاباضية لهم منهج جرح وتعديل وللمعتزلة واغلبهم أحناف من حيث الفقه منهج الأحناف في قبول الحديث والاستدلال به ، ولهم منهج مدون في مصطلح الحديث ولكن لا يزال ضمن المخطوطات .

وفي دراسة للنمط الفكري السني من خلال تيار الأشاعرة وتيار السلفية            الوهابية ، وهي الأكثر وجوداً على الساحة يذهب كل واحد منها إلى أن الحق معه ومن المعلوم أن التيارات السياسية الإسلامية المتواجدة في ساحة البلدان العربية بغض النظر عن الاختلاف فيما بينها ففي مؤسسة على النمط الفكري السني وفي دراسة لأكثرها وعياً وهو حزب التحرير والذي عين له مؤسسة المرحوم تقي الدين النبهانى طريقة للتبني ، إلا أنه في الحقيقة منتم للنمط الفكري السني فمنذ وفاة مؤسسة أخذ في نشراته يستشهد في أحاديث خبرية متعلقة بالتاريخ والملاحم ، وهكذا وقع أسيراً وبكب سهولة للجبرية التاريخية ، فالحوادث هي تجلى نبوءات حديثيه لا يمتلك الإنسان الفكاك عنها ، ومثل هذه الجبرية التي برزت من زمن معاوية بن أبي سفيان متأثراً بمصلحته وأستاذه كعب الأحبار ، هي ضرب لمفهوم المسؤولية فالفكر التي سادت في الفكر الإسلامي الذي ساد في التاريخ الإسلامي ومن ثم انتقل إلى الأعاجم الذين تسلموا قيادة الدويلات بل دولة المركز أما الدولة العثمانية ولأنها تتبنى فكر الأحناف فكان من الممكن أن تكون أكثر تقدماً لولا فصل الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية من جهة وتسلمها الحكم في وقت أفول نجم الاجتهاد وتركز تقسيم المسلمين إلى فرق لا تتجاوز ولا تلتقي وخصائص الفكر الإسلامي هي :

1-  التوحيد التشبيهي ولا يغرنك الهروب إلى البلكفة .

2-  الجبرية سواءٌ كانت جبرية خالصة أو كسبية .

3-  ناصبة تناصب آل البيت العداء كما هي في الأموية ومعادية لآل البيت والطالبين  كما هي في أبناء عمومتهم العباسيين .

4-  حشوية تجعل النص في محل التبعية لفكرها .



أما الأعاجم فهم وان لم يناصبوا آل البيت العداء بسبب من تأجج المشاعر الإسلامية إلا أنهم ناصبوا كل فكر إسلامي آخر لا ينتمي إلى فكر شيخ ذلك الأعجمي .

   تبين تلك المقدمة العجلى أن فكر أهل السنة والجماعة يفتقد لبعده الحضاري ليس الآن بل منذ وجوده إذ هو مجرد انحراف تابع وشايع سلاطين القهر جعل الفكر الإسلامي يدور مع التاريخ وليس مع العقل والنص وامتلأت سطوره بالإسرائيليات اعتمادا على مثيولوجيا أهل الكتاب من خلال التفسير أو من خلال دعوى أنه حديث لرسول الله صلي الله عليه وسلم لإضفاء الشرعية عليه على اعتباره أنه نص .

       محذوف بأمر المطبوعات ما هو داخل المربع ولم يصدر في الكتاب



   

لقد كشفت حرب الخليج تلك الحقيقة المرة ، ذلك أن علماء أهل السنة والجماعة ـ دون غيرهم هم الذين تلونوا بلون السلطان ، فعلماء مصر والسعودية وعلماء أفغانستان وعلماء مشايخ الأمارات البترولية وعلماء باكستان وبنجلادش وسورية لم يمنعهم في مؤتمرهم العتيد ـ مع قربـهم من مهبط الدعوة الإسلامية بان يجاهروا بأنهم مع الأمريكان والشيطان .











       

 











  ملاحظة : تاريخ هذه المحاضرة في 12/11/1990 م كانت تلك البلاد مكانا ومسرحا لتحركات جيوش الحلف الثلاثيني لضرب العراق فعدم ذكر بقية علماء البلدان الإسلامية الأخرى ليس تبرئة لهم أو علماء المذاهب الأخرى كان الوصف لتجليات الواقع لأسباب سياسية فمن لم يظهر أنه مؤيد لأمريكا فاللعبة السياسية كانت تقتضي ذلك فالمذهبية سلطة على الجماهير وعلماؤها تحت هيمنة السلطان سواء أكانت إيران أو عمان أو اليمن ربما البعض يرفض القبول بسياسة السلطان لكن على الجملة يبقى صوتا غير قوي وهذا ما تكشف عنه الواقع بعد 11/9/2001 ثم حرب بوش ضد العراق عام 2003 م .

  وأمام هذه الحقائق هل نترك الإسلام ونجوب للشرق والغرب طلباً لما عندهم من أفكار وقيم ومناهج وأنظمة اقتصاد وحكم وسياسة خارجية وأحكام ومعاملات وبهذا تضيع سماتنا ونصير أضحوكة للأمم وهاهي الأمم تجرأت علينا ، قال الشاعر :                                   



مثل الغراب أحب مشيـة طائر
   

فمضـــى يقلده لكل هيام

لما رأى أن لا سبيل لمـا ابتغي
   

طلب الأصيل مشـوه الأقدام

يا أمتي شقي الطريق إلى الهدي
   

فالنور يهدى الجاهل المتعامي

لا تخدعنك سفسطات في الدجى
   

أوحوقلات دون ما استفهــام

إسلامنا بحر يمـوج عبابــه
   

بالمعجزات وسائر الأحكــام

إسلامنا النبراس يهدي ضوؤه
   

من ضل في الأدغال والآجـام



إن النص لا يعمل من خلال نفسه وإنما يعمل من خلال آلية للفهم وقنطرة          للعبور ، أما آلية الفهم فهي العقل واللغة العربية ، وأما قنطرة العبور فهي التراث الإسلامي الذي يخلو من العوج فهو تراث المعتزلة بالتحديد وبهما معاً بآلية الفهم وقنطرة التراث نستطيع أن نصنع حياة أمتنا على استقامة وعلى بصيرة (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)

   يقيم المعتزلة عمارتهم الفكرية الإسلامية على حجج الله على خلقه وعلى الأصول الخمسة للدين الإسلامي من خلال منظور فكري متكامل يقبل الإنشاء والارتقاء من جهة إذ هم يرفضون التقليد  ، ويقبل النمو والتطور والحركة ، لأنّ المعتزلة هي تنظيم حركي في المجتمع لإنشاء مجتمع " التوحيد والعدل " وهو الاسم الذي ارتضوه لأنفسهم قبل قبولهم بالاسم الذي أطلقه الخصوم عليهم .

وهنا يمكن إدراك ما بهذه الثنائية من ارتباط بالثنائيات السابقة .

فالتوحيد منهج تفكير والعدل نتيجة فعل ، فالمعتزلة لا تقبل الفصام بين النظرية والممارسة فهما أمران متتامان ويجعل المعتزلة حجج الله على خلقه ثلاث هي العقل والكتاب والسنة لكن (حسب منهجهم في التثبت ) والاستدلال فالعقل يقوم بالنظر والتفكير والاستدلال ، فواصل بن عطاء ذهب إلى أن الحقيقة تعرف بحجة العقل ، وثمامة بن الأشرس قال بتقديم المعرفة العقلية على المعرفة السمعية والجاحظ يكتب " فلا تذهب إلى ما تريك العين وأذهب إلى ما يريك العقل ، وللأمور حكمان ظاهر للحواس ، وحكم باطن للعقول والعقل هو الحجة " والقاضي عبد الجبار يطلب الحد التام في تعريفة للعقل فيقول في بيان ماهية العقل " هو جملة من العلوم مخصوصة متى حصلت في المكلف صح منه النظر والاستدلال والقيام بأداء ما كلف به " .

ولا يفصل المعتزلة بين الموضوع وبين العقل فالواقع المعقول يعني والعقل يدرك المعنى فالواقع والعقل يولفان متصلاً متجانساً واحداً يؤسس المعرفة الممكنة الواحدة أي المعرفة المطابقة للواقع ولا يكتفي القاضي بالمطابقة بل يجعله معنى تسكن النفس إليه .

أما القاسم الرسي ( توفي 246 هـ) فيجعل العقل أول الحجج إذ به يعرف المعبود وبحجة الكتاب تتم معرفة التعبد وبحجة الرسول صلي الله عليه وسلم أي السنة تعرف العبادة والعقل أصل للحجتين الأخيرتين لأنهما عرفا به ولم يعرف يهما .

هذا التميز للعقل عند المعتزلة وعند الزيدية إذ مشربهما واحد فواصل بن عطاء والأمام زيد تتلمذ كلاهما على أبي هاشم بن محمد الحنفية أي ابن علي بن أبي طالب من غير فاطمة جعلهما لا يقيمان وزناً لأي تفسير للقرآن الكريم يخالف مفهومي التوحيد والعدل وجعلهما يَرُدَّان كل حديث في محل التناقض مع التوحيد والعدل وهذه المكانة للعقل تعطي المعتزلة بعداً حضارياً رائعاً ولكن حذار من أن يفسر العقل بأنه الملكة أو الهوى .

يؤصل المعتزلة ومثلهم الزيدية أصولاً خمسة هي :

1-  التوحيد .

2-  العدل .

3-  المنزلة بين المنزلتين .

4-  صدق الوعد والوعيد .

5-  وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .



   وقد احتل العمل في فكر المعتزلة سواء على صعيد الجماعة الإسلامية أو على صعيد الفرد مكاناً مرموقاً ومنزلة هامة ، وتكاد تكون هذه الأصول الخمسة مكرسة لخدمة الفعل في صورتيه الجماعية والفردية .



ماذا يعني التوحيد في فكر المعتزلة ؟

يقيم المعتزلة التوحيد من خلال النظر العقلي ، فالنظر العقلي هو الطريق الوحيد للوصول إلى هذا الأصل ، ومعني التوحيد كما هو من خلال النظر العقلي ، هو أن لهذا الواقع المحسوس من أرض وسماوات وجبال وانهار وبحار ونبات وحيوان وإنسان خالقاً خلقها هو الله الواحد لعدم جواز التعدد عليه عقلاً وهو أحد فلا صفات زائدة على الذات لدلالة اقتران الصفة بالموصوف على أي وجه على صفة الخلق ، وهو حكيم لا يجوز عليه فعل القبيح تنزيهاً عقلياً  وهو عليم خبير لما ظهر في خلقه من إحكام ، استخلف الإنسان ووهبه عقلاً يعرف به الله ربه  وخالقه ، ولطف به بان أرسل الرسل تدعوه إلى ترك غفلته ، وتبين له ما يتعبد به . ويقيم الرسول البرهان العقلي بأنه صادق في دعواه بإظهار المعجز على يديه ، وعليه فلا يظهر الله المعجز لكاذب ، وهو الله المتصف بالكمال والمنزه عن الزمان والمكان ، وعن الجهة والحد إذ هو الخالق للزمان والمكان ، إنه التوحيد ألتنزيهي يعجز العقل عن أدراك ذاته فلا يجوز عليه الأين والكيف ، والعجز عن أدراك الذات هو عين الإدراك وهو التوحيد ألتنزيهي .

   وربما يظهر لأول وهلة أن مقولة التوحيد تلك صعبة المرتقى ، وخالية من البُعد الحضاري وإنها ذات بعد ديني فقط ، متعلق بالآخرة دون الحياة الدنيا ، وإن هذه المقولة الكلامية على هذه الصورة هي مجرد تذكير بالآخرة ، أفلا يكفي إيمان الفطرة لتحقيق هذا البعد الديني ؟

   إن هذا التوحيد المعتزلي القائم على البرهان العقلي الذي يملأ العقل قناعة فتسكن النفس له فالله من خلال مثل هذا التوحيد حقيقة تملأ الوجود وليس فكرة ممكنة الوجود ولهذا الإيمان على هذه الصورة ولهذا التوحيد المبرهن عقلياً تحرر الإنسان من ذل الشعور بالتبعية لأشخاص مهما كانت قوتهم لليقين أنه وهؤلاء الجبًّارين والقاهرين والمتكبرين والمتسلحين بقوة المال أو قوة السلطان على حال واحدة من العبودية فكلهم عبيد للواحد الحد القهار والجميع بالإنسانية سواء ، وفي قصة سحرة فرعون وقد تبرهن عياناً لهم حين لقفت ثعبان موسى عليه السلام إفكهم تم الانعتاق من الخضوع لفرعون ، وحين تهديدهم بتقطيع الأرجل والأيدي والصلب ، أجابوه بصوت واحد (فاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)(طـه: من الآية 72) هذا التحرير للإرادة ليس هو البعد الحضاري الوحيد لأصل التوحيد وإنما هو أيضاً تحرير للفكر فلا كبت ، إذ يستطيع أن يقيم التساؤلات بل ويعين التوحيد الاعتزالي منهجاً قويماً في تحصيل المعارف المختلفة ، من علوم تجريبية ، أو علوم إنسانية أو معارف ثقافية ولغوية بل وأدبية ورياضية (حقل إنتاج المعرفة) ولهذا التوحيد الاعتزالي ترجع وقفة القوة أمام الظلمة من بني أمية والعباسيين من بعدهم .

وإذا كان الزيدية والاباضية قد وقفوا نفس الموقف القوي أمام الظلمة فلأنهم أيضاً يؤمنون بنفس توحيد المعتزلة ، مع ملاحظة تراخيهم في كثير من الأزمان ، أما البعد الأخير لهذا التوحيد هو إمكان تقديم القناعات لمن ليس لديه مثل هذه القناعة ، (حمل دعوة التوحيد للغير)  وإزالة الرجرجة والاهتزاز عند من يعاني ضعفاً في يقينه أي في إيمانه .



الأصل الثاني العدل .

إن الأصل الثاني عند المعتزلة هو العدل فالله عدل وهي صفة أفعاله ، كلف الناس بفعل الطاعات والامتناع عن المعاصي وأزاح كل علة تمنع الإنسان من فعل الطاعات فالقهر والغلبة والظلم والفساد والفجور والبغي والفسق والتي استندت في تبرير وجودها إلى فكرة الجبر الخ  والمعتزلة هم من وقف أمام هذا الداء الوبيل ، فالمعتزلة بتأصيلهم العدل الإلهي وهو جعل الإنسان حراً في فعله يقوم به بإرادته له ، ويجعله موجوداً بامتلاكه سيادة            نفسه ، فلا قاهر يقهره على فعله ، حر في الإرادة والسيادة معاً ويترتب على ذلك تحمله تُبَعةَ فعله في الدنيا والآخرة .

وإذ كان التوحيد تحرير  للفكر أي الإرادة جاء اصل العدل لإكمال التحرير فجعل الإنسان متحرراً مختاراً يفعل أو يترك أي تحرير السيادة ومن خلال تحرير إرادة الإنسان وسيادته أمتلك الإنسان حريته التامة بأفعاله الاختيارية  ولهذا فإن كل المسؤولية عن فعله تقع على عاتقه وهذا من أهم الأبعاد الحضارية .

  هذان الأصلان : التوحيد ، والعدل ، هما الأصلان اللذان قام المعتزلة على أساسهما في بواكير نشاطها في بيت الحسن المثني من آل البيت وفي بيت محمد بن على بن أبي طالب ابن الحنفية من الطالبين ، فمدينة الرسول وبيت النبوة والطالبين مكان نشوء الفكر الاعتزالي وبهذين الاصلين كفاية لتحقيق مسيرة صاعدة ، والأصول الثلاثية الباقية راجعة كلها لهذين         الأصلين ، وأن كانت العلاقة ما بينهما وبين العدل تبرز بشكل أكثر بحيث تتجلى بكل وضوح للعيان .

   ملاحظة ضرورية لأهل التشيع . كون الحسن بن الحسن وأولاده وأحفاده ذكروا في بناء المنهج المؤسس على التوحيد والعدل ومثلهم ابن الحنفية وولديه  لا يعني أن هذا يقتضي التشيع فالتشيع كما هو الآن مخالف للتوحيد والعدل سواء عند الإسماعيلية أو الجعفرية أو الزيدية كما لمست منهم .



الأصل الثالث المنزلة بين المنزلتين

   يعتمد أيُّ متحدث عن نشوء المعتزلة تلك الحكاية التي أوردتها كتب التاريخ والفرق والتي حدثت في مسجد البصرة ما بين 100 – 105 هـ إذ لم يؤرخ أهل التاريخ والفرق لوقتها تحديداً ، هي كما ذكرها الشهر ستاني " دخل واحد على الحسن البصري فقال له يا أمام الدين لقد ظهر في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفر مخرج عن الملة هم وعيديه الخوارج ، وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان ، بل العمل على مذهبهم ليس ركناً من الإيمان ، ولا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وهم مرجئة الأمة فكيف تحكم لنا بذلك اعتقاداً ؟

   ففكر الحسن وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول أن صاحب الكبيرة مؤمن مطلق ولا كافر مطلق بل هو في منزلة بين المنزلين لا مؤمن ولا كافر ، واعتزل إلى أسطوانة من اسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن فقال الحسن : اعتزل عنا واصل فسمي هو وأصحابه المعتزلة " .

   وتلفت النظر هذه الحكاية كثيراً وهي بحاجة إلى دراسة جادة ففيها من الأفكار ما يحتاج إلى توقف ولكن المهم منها أن واصلاً حين أجاب والحسن لا يزال يفكر فأنها تكشف أن واصلاً الذي لم يبلغ الخامسة والعشرين على أعلى تقدير قد نضج في الفكر ومما يعلم منه أن الحسن البصري ليس هو أستاذه فإذ الحسن البصري لا زال في تفكيره أجاب واصل أجابه لها كامل المشروعية من حيث أساسها وواقعها وهي تلفت النظر إلى أنّ الخوارج كلها ليست وعيدية وهذا الأصل المبني على العدل يعني ويفصل الموقف تجاه مرتكب الكبيرة ويحرك صاحب الكبيرة لإدراك مسؤوليته عن كبيرته ويحرك الجماعة نحو موقف معين من صاحب الكبيرة ، فلا يكون في محل الولاية والقبول والرضا ووجود مثل هذا الرأي تجاه صاحب الكبيرة هو الطريق الطبيعي لردع أصحاب التجاوزات ، أفلا يتضح بعد ذلك مقدار هذا البعد الحضاري حيث يُلجأ للرأي العام لإجبار أصحاب التجاوزات على ترك تجاوزاتهم من خلال الإلزام الأدبي الطوعي ، أليس تقليل الجريمة والجنحة بعداً حضارياً في ذاته ؟ ألم يُصِرُّ الفكر السني على جعل وجود الشهادة ( 1 ) في حياة إنسان كاف لإدخاله الجنة حتى لو جاء بالأمريكان وأكل أموال اليتيم وفجر بأمة بل وأعمل السياط في جلود الأمة وتفنن في طلب التكاثر وتفاخر في أمواله بل وأفسد ذمم الناس بالرشوة وقتل الأبرياء وجعل السيادة على الحجاز ونجد للعلوج وسحب قواته من الوقوف أمام اليهود إلى الوقوف صفاً واحداً مع الكفار الغربيين فعند الفكر السني يستحق مثل هذا المسلم المرتكب لأبشع صور المخالفات الجنة ، بعد العذاب فترةَ أو بدونها فالله صادق بوعده أما وعيده فهو لا يطول أصحاب شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإن كانت فارغة المحتوي بعد ذلك من كل شيء ومن هنا جاء الأصل الرابع .



الأصل الرابع

صدق الوعد والوعيد : البعد الحضاري هو حث ليلتزم الإنسان بالتوحيد والعدل أي بالنظرية والممارسة ، وليكون من أصحاب الوعد (الثواب العظيم) ، أما أن ترك العمل أو قام بالعمل المحبط فهو واقع تحت صدق الوعيد ، أي العذاب الأبدي الخالد وهذا الشرح كاف لبيان البعد الحضاري لهذا الأصل الرابع .

أما الأصل الخامس وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبصورة العصر هو إلزام الأمة أي الجماعة وقد تحددت مفاهيمها ومقاييسها وقناعاتها من خلال مشروع ثقافي تفهمه وبناءً على بذل جهود في الدعوة إليه ، فيلتزم به الفرد ظاهراً على الأقل نزولاً عند الرأي العام الذي تشكل بسبب الوعي ، أما السلطان فيقوم كنتيجة طبيعية لهذه القاعدة الجماهيرية الواعية ، وهي التي تمنحه السلطان ، وهي التي تراقبه وتحاسبه ، وتأخذه منه في حالة الانحراف ، وتعيده إلى الأمة ولو أدي الأمر إلى استعمال الأساليب المادية : من عصيان مدني ، أو من خلال ضغط الجماهير الأدبي أو المادي بالإضرابات والمظاهرات ، أو بقوة السلاح ـ إذا حَصَّن السلطان نفسه بفئة تعينه على البقاء في السلطة مع انحرافه ـ ولولا قيام المعتزلة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضد الشعوبية وضد بقايا الأديان ولولا منافحتهم عن الإسلام والقرآن بسلاح الدعوة والجدل على بصيرة لانحسر الإسلام كعقيدة روحية عن بقاع كثيرة .

ولم يكن دفاع المعتزلة المجيد عن الإسلام دفاعاً عن عقيدة روحية فقط بل كان جل دفاعهم عن الإسلام دفاعاً عن عقيدة روحية سياسية لا تفريق بين بر أو فاجر أو مواطن أي رعية من الرعايا لا يدين بالإسلام ، فالعدل هو مطلب المعتزلة وفي سبيله قتلت السلطات الظالمة المئات وفي سبيل العدل قام العديد من الثورات وفي سبيل إيجاد دولة عدل أقام المعتزلة دويلات الأطراف في المغرب وفي الديلم وطبرستان وفي اليمن ( 1 ) وإذ تبلغ المحاضرة النهاية فأفضل ختامها بقراءة نصوص تركها لنا المعتزلة ومُنها من خطبة واصل بن عطاء المنزوعة الراء " الحمد لله القديم بلا غاية والباقي بلا نهاية الذي علا في دنوه ودنا في علوه فلا يحويه زمان ولا يحيط به مكان ولا يئوده حفظ ما خلق ولم يخلقه على مثال سبق بل أنشأه ابتداعاً وعدله اصطناعاً فأحسن كل شيء خلقه " إلى أن قال " وأشهد أن لا إله إلا الله وحده إلهاً تقدست أسماؤه وعظمت آلاؤه وعلا عن صفات كل مخلوق  وتنزه عن شبيه كل مصنوع فلا تبلغه الأوهام ولا تحيط به العقول والإفهام " .

أما خطبة أمير المؤمنين يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد نجاحه هو ومؤيدوه الذين بايعوه من المعتزلة في قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق وقال : " أيها الناس والله ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا حرصاً على الدنيا ولا رغبة في الملك وما بي إطراء في نفسي وإني لظلوم لها أن لم يرحمني الله ولكن خرجت غضبا لله ودينه داعياً إلى الله وإلى سنة نبيه لما هُدّمت معالم الهدي وأطفئ نورُ أهل التقوى وظهر الجبار العنيد المستحيل لكل حرمة والراكب لكل بدعة الكافر بيوم الحساب وانه لابن عمي في النسب وكفيئي في الحسب فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره وسألته إلا يكلني إلى نفسي ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهل ولايتي حتى أراح الله منه العباد وطهر منه البلاد بحوله وقوته لا بحولي وقوتي .

أيها الناس ، إنّ لكم ألا أضع حجراً على ولا لبنة ولا أكرى نهراً ولا أكنز مالاً ولا أعطيه زوجاً ولا ولداً ولا أنقله من بلد إلى بلد حتى أسُدَّ فقر ذلك البلد وخصاصة أهله فإن فضلَ فضلٌ نقلته إلى الذي يليه ولا أُجمِّرُكم في بعوثكم فأفتنكم وأفتن أهليكم ولا أغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم ولا أحمل على أهل جزيتكم ما أجليهم به عن بلادهم وأقطع به نسلهم ، ولكم علىّ إدرار العطاء في كل سنة والرزق في كل شهر حتى يستوي بكم الحال فيكون أفضلكم كأدناكم ، فإن أنا وفيت لكم فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة        والمكاتفة ، وإن لم أف فعليكم أن تخلعوني إلا أن تستتيبوني فإن أنا تبت قبلتم منى وأن عرفتم أحداً يقوم مقامي يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل الذي أعطيتكم فأردتم أن تبايعوه فأنا أول من بايعه ودخل في طاعته .



أيها الناس أنه لا طاعة لمحلوق في معصية الخالق ، ولا وفاء له بنقض عهد إنما الطاعة طاعة الله ، فأطيعوه بطاعة الله ما أطاع فإن عصا الله ودعا إلى المعصية فهو أهل أن يُعصى ويقتل ، أقول هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم " .



أما الهادي إلى الحق فيقول : " ومنهم الذين يعينون الظالمين ، ويقيمون دولتهم بزرعهم وتجارتهم ،وينصرونهم على قتل المسلمين ، وهتك حريمهم ، وأخذ أموالهم ، ولولا التجار والزارعون ما قامت للظالمين دولة ، ولا ثبت لهم راية ، ولذلك قال تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (هود:113)  .

   الحراثون يحرثون ، والظالمون يحصدون ، الحراثون يجوعون ، والظالمون يشبعون ، إنهم يسعون في صلاحهم ، وهي يسعون في هلاك ، الرعية هم خدم لا يؤجرون ، وأعوان لا يشكرون ، فراعنة جبارون وأهل قنا فاسقون أن استرحموا لم يرحموا وأن استنصفوا لم ينصفوا ولا يذكرون ولا يكذبون المعاد ولا يصلحون البلاد ولا يرحمون العباد " .



وختمُ الكلام بما قاله الناصر الأطروش إذ خطب عندما دخل آمل قائلاً : " أيها الناس إني دخلت بلاد الديلم وهم مشركون ، يعبدون الشجر والحجر ، ولا يعرفون خالقاً ، ولا يدينون           بدين ، فلم أزل أدعوهم إلى الإسلام وأتلطف بهم ، في العطف بهم ، حتى دخلوا فيه إرسالاً وأقبلوا عليه ، وظهر لهم الحق فعرفوا التوحيد والعدل ، فهدى الله بي منهم زهاء مائتي ألف رجل وامرأة ، فهم الآن يتكلمون في التوحيد والعدل مستبصرين ويناظرون عليهما مجتهدين ويدعون إليهما محتسبين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " .



إلى هنا سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، شاكراً لكم استماعكم ، مؤملاً إغناء الموضوع بمشاركتكم .

المعتزلة بين الأمس واليوم



أيها الأخوة



سلام الله عليكم ورحمته وبركاته وبعد ،،،



بداية أشكر القائمين على هذا الصرح الثقافي " مؤسسة عبد الحميد شومان " وعلى سبيل الخصوص الدكتور اسعد عبد الرحمن والسيد باسم الخوري ، وهذا العدد من الشباب القائم على التسجيل وترتيب إيصال المايكروفون المتنقل للمحاورين إذ لولاهم لما أخرج الحوار على هذه الصورة التي يعلمها رواد هذا المركز .

أزجي شكراً لكل من يساهم في تفعيل هذا النشاط ظاهراً أو غير ظاهر وللجمهور شكران ، شكر على الحضور وشكر على هذا الحضور بالذات .

كمدخل لمحاضرتي " المعتزلة بين المس واليوم " أرجو أن أقدم الملاحظات التالية : -

1-   لا علاقة للمعتزلة بالحروف الثلاثة ( ع،ز،ل) وما يتصرف منها من مبان متعددة فالمعتزلة لا تعتزل أحد ولا تعتزل نفسها عن أحد ، اللهم إلا ما يشين أو يؤدي إلى القدح أو ما هو فسق أو فساد أو كفر أو ظلم أو عصيان أو ما هو مثل ذلك .

2-     إن بدايات علم الكلام أو الفلسفة الإسلامية الخالصة تعود للمعتزلة الأوائل وهم روادها والتي يؤرخ المؤرخون المسلمون بداياتها على يد واصل بن عطاء وعمر بن عبيد بصفتهما المؤسسين لمدرسة البصرة الاعتزالية .

3-     إن القارئ لأفكار واصل بن عطاء ( 80 – 131هـ) وعمرو بن عبيد ( 80 _144هـ) يدرك منذ الوهلة الأولى أنهما نهاية تطور طويل للفكر الإسلامي .

4-     إن الصورة التي يحاول مؤرخو الاشاعرة جعلها بداية للمعتزلة وهي اعتزال حلقة الحسن البصري عام ( 101هـ0 105 هـ) لا يمكن أنْ تصمد أمام بحث جاد ، فالحسن البصري هو أحد رجال التوحيد والعدل أي المعتزلة .

5-     إن مدرسة التوحيد والعدل هي مدرسة الإسلام فالتوحيد والعدل هما محور الاستخلاف وهما محور رسالة الإسلام الخالدة وهما دعوة الإسلام وهما الأساسان العقليان والمدخلان الوحيدان للاستدلال بالقرآن الكريم على ما يدل عليه .

6-     إن جيل الصحابة ( الصحابي ليس كل من رأى الرسول مؤمنا به ، فالصحابي هو كل من تلقى عن الرسول تلقيا كافيا ) أي الذي تعلم على يد الرسول صلي الله عليه وسلم هو أول طبقة أو جيل من المعتزلة على رأسهم الخلفاء الأربعة وعمار وأبو ذر وهند بن أبي هالة وعبد الله بن مسعود الأشتر النخعي وقادة مؤته الثلاثة وغيرهم كثير .

7-     لم يكن الفكر الفلسفي الإسلامي مجرد أفكار نظرية ؛ يشعر قراؤها باللذة وإنما هي أفكار تنظر للفعل التغييري ، وإذ أدرك خصومها الجبريون من سلاطين بني أمية هذه الحقيقة ، أعملوا السيف والتخويف والترويع والوصف بالبدعة والضلالة والمراقبة التامة وأوقع الجلاوزه وأعوانهم سياطهم على ظهور المعتزلة لمنع هذه الأفكار أنْ تؤتي ثمارها .

8-     للمعتزلة تاريخياً مراحل هي : البدايات وبدأت بالإمام علي بن أبي طالب " كرم الله وجهه " ثم إلى أبناءه الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية ثم إلى أحفاده أبو هاشم والحسن بن الحسن والحسن بن محمد بن الحنفية ويعتبر أبو هاشم عبد الله بن محمد بن محمد بن علي بن أبي طالب من قفز بالبدايات إلى المرحلة التالية وهي مرحلة النضج تمهيداً للثورة لإعادة دولة الرشد الإسلامي .

9-     وإذ علمت السلطة الأموية بنشاط أبي هاشم عمدت إلى التخلص منه بالسم مما جعله يعطي مفاتيح تنظيم الثورة إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وأبنائه الإمام إبراهيم والسفاح وأبو جعفر المنصور .

10-الذي يتتبع النزر اليسير من تاريخ أبي هاشم يعلم أنه هيأ زيد بن علي إماماً يبايع له بعد نجاح الثورة ولكن موت أبي هاشم وملاحقة هشام بن عبد الله لزيد جعلته يتعجل الثورة مما أدي إلى الفشل فقتل الإمام زيد وصلب عام ( 122هـ) وفي عام 127 هـ تمكن المعتزلة الغيلانية من استلام الحكم .

11-أرسل واصل بن عطاء دعاته إلى الأقاليم المختلفة للتمهيد إلى النضج العام الذي لم يظهر وجوده إلا على يد واصل .

12-في عام 131هـ مات واصل بن عطاء وقتل عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فصفا الأمر للسفاح وأخيه المنصور لأن يعلنا الثورة وأنْ تنجح فيعلنا خلافة أولهما ثم ثانيهما ليكون عهد تصفية الشخصية التي كانت المعتزلة قد بايعتها وهي محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الملقب بالنفس الزكية وبفشل ثورة النفس الزكية في المدينة ثم ثورة أخيه إبراهيم بالبصرة دخلت المعتزلة إلى مرحلة رابعة وهي : مرحلة الدفاع عن الإسلام تجاه الخطر الخارجي الذي تمثل في الشعوبيين وفي هجوم فكري قامت به المؤسسات الفكرية الاهوتية المسيحية واليهودية ومذاهب الفرس والهنود واليونان مستندة إلى مثيولوجيا دينية أو حكمة إشراقية أو هرمسية أو فلسفات مزدكية او مانية أو ديصانية .

13-تميزت المرحلة الرابعة باكتمال أصولها الخمسة على يد ( أبو الهذيل العلاف ) وأخذت العمارة الفكرية الإسلامية مميزاتها سواء بالجلي من الكلام وفروعه أو في الدقيق من الكلام وفروعه .

14-في المرحلة الرابعة تكرس انقسام الفكر الإسلامي إلى مدارس مختلفة إذ تبلور التيار النصي الحرفي الإسلامي محرفاً النصوص عن طريق فهمها وخاصة النصوص المعرفية ( التوحيد ) إلى تجسيم أو تشبيه ونصوص العدل حرفت إلى الجبرية التي جعلت الإنسان كالريشة في مهب الريح ، أو كسبية هي عين الجبرية وإلى جعل مسألة الوعيد والخلود في العذاب خاصة بالكفار دون من يشهد بشهادة الإسلام حتى وإن كانت أفعاله أشد واكثر إيلاماً للمسلمين والناس من هولاكو أو بوش أو فاسكودي غاما أو محاكم التفتيش الإسبانية أو شامير وشارون وصحبهما ، وهكذا أفرغ الإسلام من محتواه على يد هذه الفئات التحريفية النصية .

15-من هنا ابتدأت المرحلة الخامسة وهي مرحلة الدفاع عن الإسلام تجاه الخطر الداخلي المتمثل بالنصية التحريفية لأصول التوحيد والعدل والجزاء بل والفكر السياسي وفي شيعة تزعم أن الغمامية منصوص عليها لآل البيت وادعت العصمة لأثني عشر آل البيت ليدخل الثاني عشر في الغيبة الكبرى ومثل هذا هو عين التحريف للفكر السياسي الإسلامي وخروجه عن محتواه النهضوي .

16-في عام 232هـ تدخل الخليفة العباسي المتوكل ابن الخليفة المعتصم لصالح أهل الحديث إذ تمكن آل العباس من السيطرة على أهل الحديث بجدلية السياسي والديني من خلال ما سمي بالمحنة وبمنعه الجدال بدأت للمعتزلة محنة جديدة تضاف إلى سوابق عديدة غيرها .

17-ابتدأت المعتزلة بالتقعيد لأفكارها من خلال تأليف المؤلفات والدفاع عن الأفكار أو في تأليف المؤلفات اللغوية وتفسير القرآن على يد رجال الطبقة السابعة حتى السابعة حتى الطبقة الثانية عشر ، وظهر أهم رجال المعتزلة بعد الطبقة السادسة أي بعد العلاف والنظام إذ ظهر في هذه الطبقات رجال علماء تذكرهم للذكري ثمامة بن الأشرس وعمرو بن بحر الجاحظ والمرادار راهب المعتزلة والشحام والجعفرين ، وكل هؤلاء من الطبقة السابعة ، اما رجال الطبقة الثامنة فمنهم أبو علي الجبائي والخياط وأبو قاسم البلخي وأبو مسلم محمد بن بحر الصبهاني ، ومن رجال التاسعة أبو هاشم الجبائي والصيمري وأبو عمر سعيد بن محمد الباهي وأبو بكر بن حرب التستري وأبو علي البلخي وأبو محمد بن حمدان ، ومن الطبقة العاشرة أبو علي بن خلاد وأبو عبد الله بن الحسن البصري وأبو إسحاق بن عباس والسيرافيان أبو القاسم السيرافي وأبو عمران السيرافي وأبو بكر بن الاخشيد ومنهم أخت " أبو هاشم الحبائي " بنت أبو علي الجبائي ، ومن رجال الطبقة الحادية عشر القاضي عبد الجبار .

18-بقي أمر المعتزلة بين جزر ومد وشد وإرخاء وامتداد وانحسار حتى إذا كان العام ( 408 هـ ) وهو العام الذي أصدر فيه القادر وثيقته التي شكلت البلاء للأمة الإسلامية إذ منع الجدل والنقاش وافتى المفتون بمنع الاجتهاد واتباع التقليد وإذا كان المعتزلي قبل الوثيقة يقتل بسبب من أعمال ثورة او يسجن بسبب من أعمال فكرية فإنه بعد الوثيقة القادرية صار يقتل على الشبهة وعلى حيازة كتاب بل أن يد العامة أطلقت في أعمال التنكيل والقتل للمعتزلة وأوكل القادر للسلطان محمود سبكتكين الاعجمي السلجوقي في القيام بهذه التصفيات فقام بعمله خير قيام ظاناً انه يدخل الجنة بغير حساب .

19-تشكل النقاط السابقة المسيرة التاريخية للمعتزلة من البدايات في فكر علي بن أبي طالب إلى الاندثار والانحسار على يد القادر ومحمود سبكتيكين وعلماؤهما والعامة .

20-                   ولكن هل أندثر فكر المعتزلة ؟؟؟ لا ، لم يندثر فإمام الأشاعرة أبو الحسن الاشعري هو تلميذ الجبائي والماتريدية نهلت من الاعتزال وبعض الحنابلة كعلي ابن عقيل وأبو الفرج الجوزي تكاد تكون قد دخلت قد دخلت فيه والزيدية هي معتزلة والامامية وهو أهل عدل وتوحيد أخذوا فكر المعتزلة الكثير والاباضية هي معتزلة في التوحيد والفكر السياسي فضلاً عن أن المعتزلة هم الذين أبعدوا الشعوبية وخطر الهجوم  الفكري واللاهوتي للمؤسسات التي دخلت أرضيها وإتباعها في إطار الدولة الإسلامية .

21-                   بهذه الملاحظات نكون قد هيأنا أنفسنا للدخول إلى الفكر الاعتزالي الإسلامي ، الفكر الحي النامي المتطور المؤسس على الأصول الخمسة التوحيد ، العدل ، المنزلة بين المنزلتين ، صدق الوعد والوعيد ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهذه الأصول الخمسة هي التي تميز المعتزلي عن غيره فمن كان على هذه الأصول الخمسة معتزلي ومن كان على غيرها فلا علاقة له بالاعتزال فما هي حقيقة الأصول الخمسة ؟ وما هي أهميتها في هذا العصر ؟

1- التوحيد

    ويعني تنزيه الآله عن مشابهة أو مماثلة الخلق والايمان بأن العقل الانساني لا يمكن له أن يحده ، والاستدلال على وجوده وصفاته التي يستحقها لذاته لا لمعنى زائد إنما يأتي من خلقة الذي يقع تحت الحس مباشرة والمعتزلة لا تقدم التوحيد فكراً جاهزاً ما على الانسان إلا أن يردد الكلمات المتعلقة بالتوحيد بل تطلبه بعد النظر فالنظر هو الموصل للتوحيد وهو أول الواجبات العقيلة على الإنسان الحاصل على معلومات كافية للاستدلال ، مما يشكل نقله لابن آدم من بشريته إلى انسانيته وبهذا التوحيد ظهر عياناً رفض البعد اللاهوتي بعده الحضاري الرافض لكل مذاهب التشبيه والتجسيم والحلول والاتحاد ، فكان اساساً حضارياً مميزاً للاسلام عن غيره وهذا الأساس ( التوحيد التنزيهي ) شكل رفضاً لسيادة بشر على بشر او جماعة على جماعة بل الكل سواسية امام الله الواحد القهار والتفاضل إنما هو للتفوى .



هنا نرى أنفسنا نرفض تأليه الزعيم أو أصحاب السلطان أو صاحب الجاده فالقيمة الذاتية للفرد والجماعة مستمدة من الفعل لخير الانسانية وهدايتها وتحقيق معنى الاستخلاف الصحيح في الأرض ، وأهم ما يترتب على التوحيد الصفات وخلق القرآن ونفي الرؤية له تعالى يوم القيامة .



2- العدل : -

    إن العدل يعني تنزيه الذات الالهية عن الظلم وعن العبث وعن الفعل الشر أو الاحتجاج أو المشاعر وهذا يعني أننا خلق الله فاعلون على الحقيقة لافعالنا وهي موضع التكليف فلا مجال لمقولة الجبر والكسب في أفعالنا بل الأفعال في مقدورنا فالايمان والكفر والمعاصي والعدل والتقوى والفساد والأفعال الحسنة والأفعال القبيحة تقع استطاعتنا وامكاننا فنحن على الخيار إن شاء أحد منا الايمان آمن وإن شاء كفر ومن شاء الثبات يوم القتال ثبت ومن شاء الفرار من الزحف فرّ ومن شاء أن ينحاز للقتال مع أمريكا ضد العراق حصل عليه ومن شاء الحياد تحيدّ ومن شاء مساندة العراق ساندها وكما هو الاختيار في الأفراد فهو ينطبق على الأمم والشعوب والجماعات والدول والحكام والسلاطين فالتاريخ يصنع في مصانع الجماعات البشرية قد يكون تاريخاً تسفك فيه الدماء ويُفْسَدُ في الأرض أو تاريخاً يحدث الهداية ويزيل القتل والتقتيل ويحدث الأعمار وتتقدم المعرفة ويزال الجهل ويكافح المرض وتعلو راية العدل كل ذلك يقع تحت إرادة وسيادة الشعوب ، ومن أهم ما يترتب على القول بالعدل ثلاثة أمور مشكلة القدر والجبر والحسن والقبح في الأفعال والتكليف قبل الشرع فيما يدرك العقل صفته من حسن أو قبح .



    " الأمامية الجعفرية من أهل التوحيد والعدل " وبعد ذلك يختلف المعتزلة معهم في كل شئ ولهذا نرى شعراً ينسب للأمام جعفر الصادق حول الأفعال :



لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها
   

إحدى ثلاث خلال حين نبــديها

أما تفرد بارينا بصنعتــهـا
   

فيسقط اللوم عنا حـــين نأتيها

أو كان يشركنا فيه فيلـحقـه
   

ما سوف يلحقنا من الاثم فيــها

أو لم يكن له في جنايــتها
   

ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيـها



3-   المنزلة يبن المنزلين :

إذا كان الايمان اسم مدح والكفر اسم ذم وهذان الاسمان : الايمان  والكفر تترتب عليهم ولهما أحكام دنيوية شتى ونتائج في الآخرة .

   فإن السؤال الذي بقي بلا جواب هو الاسم الذي يقع عمن يعلن الشهادتين ويرتكب من السيئات والأعمال الشنيعة تجاه أمته عندما يكون أحد المسؤولين أو أحد جلاوزتهم من قتل وقهر وغلبة للناس أي عندما يقوم بأعمال يهون الكفر إلى جانبها علماً من أنه لا سلطان للمسلمين على من اختار الكفر لقوله تعالى " لا إكراه في الدين " ما دام مواطناً متمتعاً بحق الرعوية إذله من الحقوق وعليه من الواجبات ما لأي مؤمن مواطن .



إن أصل المنزلة يبن المنزلين لا يتوجه في الدنيا نحو المنكرات الفردية السرية وإنما يتوجه نحو العلنية وعلي الخصوص يتوجه نحو السلطان وأهل الحكم حين يظهرون الفساد والظلم وسفك الدماء في أعالهم فلا مجال لمدحهم بل هم من أهل الذم في منزلة بين المنزلتين ولا يدرك بعدها الحضاري فهي الوقوف في وجه الظلم  والظُلام والافساد والمفسدين والاستهتار والمستهرين وأعوان الظلمة ورجالهم وكل من يؤيدهم أو يناصرهم بقول أو بفعل من خلال خطاب أو كتاب أو تلفاز أو إذاعة أو صحافة أو تأييد بالفعل كم نحن بحاجة ماسة لهذا الأصل لإعادة بناء حياتنا اليوم .



4-   صدق الوعد والوعيد :

في القرآن الكريم آيات تعد المؤمنين الذين جمعوا إلى إيمانهم الأعمال والإخلاص والوعي بجنة عرضها السماوات والأرض ، إنها آيات الوعد .



وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تتوعد العصارة والفساق والفجار والمجرمين والخائنين بنار يصلوها بنار يصلوها جزاءاً على أعمالهم .



هذا هو معنى الأصل الرابع اللاعتزال ، صدق الوعد والوعيد فالوعد حق وعدل لكن صدق الوعد والوعيد هذا لم يرق لسلاطين الجبر والقهر والظلمة فدفعوا بعلمائهم إلى أن يتقولوا على  رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله من غفران للذنوب  الكبيرة باستحقاق أو بدون استحقاق .



إن أصل الوعد والوعيد ليس في كونه بحث فيمن  يستحق النار على التعيين أي ليس بحثاً في أحمد أو أسعد أو جورج وإلا لدخل المعتزلة في حيز صكوك الغفران وإنما هو بحث في ضرورة الالتزام التام والتطابق الكامل بين الفكر والعمل فهو فكر فلسفي اسلامي محض رافض لدعوى الايمان دون العمل ورافض لمنطق تفريغ وعبدا الله من محتواه ومستنكراً للجرائم الكبرى التي تقع ممن بيدهم النفوذ والقوة ومعطياً القوة للامة للجماهير للمستضعفين للوقوف بقوة وحزم أمام جرائم أهل القوة لأن مجرد السكوت يحول هؤلاء الضعفاء إلى شركاء للأقوياء المفسدين في جرائم فينالهم الوعيد سواء بسواء ومجرد الركون قليلاً للظالمين يجعلهم يلاقون المصير المشترك ( الوعيد ) .

قال الله تعالى :

  " وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ " (هود:113)

   وقال أيضا :

" وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ %  قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِين %ِ  قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ % وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طَاغِينَ % فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ %  فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ % فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ % إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (الصافات:27- 34)



5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  : -



والمنكر لا يتصور  ووقعه إلا من السلطة والسلاطين أو من الجمهور أو من الأفراد بصفتهم الفردية أو بأي صفة كيانية والمعروف تقوم بفعله السلطة أو الجمهور او الفرد بصفته كيانية والمعروف تقوم بفعله السلطة او الجمهور او الفرد بصفته الفردية أو بأي صفة كيانية ومسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقع على الجهات او الأشخاص الثلاثة ولهذا فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتم بصفة تبادلية أي تقوم به السلطان من خلال الناظم القانوني والجمهور او الأمة من خلال الناظم العقلي والشعوري الجماعي لها والفرد من خلال أرهاف حسه الجماعي وعقله المميز من خلال هذه الطريقة التبادلية من بين دولة الأمة وأمة الدولة والفرد الأمة وهو نمط اجتماعي فريد حقيقة يسير المجموع صعداً نحو عالم أفضل يطلب الحق ويبحث عن الصواب ، ويفعل السحن ويرتقي بمفاهيم الاستخلاف ويرتفع بعلوم الاكتشاف والاختراع فيقبل على الرشد ويرفض الغي في كل جوانب حياته .



ما سبق هو شكل صورة معتزلة الأمس حيث التاريخ وحيث أصولهم والتي قامت عليها عمارتهم الفكرية ومواقفهم التاريخية فما هي حقيقة معتزلة اليوم ؟



1-   تعود البدايات إلى شهر كانون الأول سنة ( 1951 م )  إذا ارسلت وزارة المعارف العمومية المصرية بعثة إلى اليمن برئاسة الدكتور خليل يحي نامي وعضوية فؤاد سيد عمارة رئيس المخطوطات العربية بدار الكتب المصرية وعبد الفتاح علي عيد رئيس قسم التصوير بدار الكتب المصرية عادت ، البعثة سالمة غانمة إذ عادت بكتب تراث اعتزالي من التي اعتبرت مفقوده حتى ذلك التاريخ ربما أهمها ( 14 ) قسم من أصل ( 20 ) من موسوعة المغني في التوحيد والعدل للقاضي المعتزلي عبد الجبار بن احمد ( توفي 415 هـ ) ولا تزال الأقسام ( 1، 2، 3، 10، 18، 19 ) مفقودة حتى اليوم .

2-   من هنا بدأ اتصال الاكاديميين بتراث المعتزلة عبر التراث نفسه بعد أن كان الاتصال به عبر ألد خصومة الاشاعرة ومنذ عام ( 1960 م ) والتحقيق لتراث المعتزلة والرسائل الجامعية في الفكر الاعتزالي تكثر .

3-   هناك علاقة لا يمكن فصلها بين التراث الاعتزالي والتراث الزيدي بحيث يمكن القول أن كل زيدي هو معتزلي بالتلازم وإذا أمكن تحقيق ونشر التراث الزيدي مما شكل رافداً مهماً جداً للتراث الاعتزالي .

4-   يضاف إلى هذا ما احتفظ به التراث السني والتراث الامامي من اراء وأقوال للمعتزلة رأوا فيها منفعة لهم والتراثان الآن في آخر عملية البعث .

5-   لقد قام الاباضية ، مشرقيو عُمان ومغربيون ، توانسة وجزائريون في نشر تراثهم وتقديم الرسائل الجامعية فيه والرافد الاباضي رافد مهم الاعتزال في أصول أربعة .

6-   تجري الآن على قدم وسائق عملية بعث للتراث بحيث أمكن لأول مرة في التاريخ الاسلامي بعد ( 408 هـ ) " الوثيقة القادرية المشؤومة " القراءة التراث الاسلامي كله النقلي والعقلي والمخالط والصافي ، والفلسفي الاشراقي ، والفلسفي الطبيعي ن البراهاني ، والعرفاني ، البياني ، الفقهي ، والأصولي ، التاريخ الشخصي والاجتماعي ، اللغوي والعلمي .

7-   آمل قريباً أن يُخرج الدروز والنصرية تراثهم من دور الكتمان إلى دور الظهور ، أما الاسماعيلية فقد ظهر الكثير من تراثهم .

8-   عن قراءة التراث من خلال وحدته واختلافه سواء اختلاف التنوع  أو التناقض أو التضاد لن يشكل بأية حال ضرراً على الفعل الاسلامي وإنما كل الضرر يأتي من أية عملية قسرية للاغلاق .

إن الحافز لوجود المعتزلة هو عين الحافز العام الموجود عند مرهفي الحس بالقضايا العامة من أهل هذه المنطقة وهو عين التفكير بالتغيير الموجود عند مفكري هذه المنطقة لأن التفكير بالتغيير والنهضة والتحرير والعدل وزوال اسرائيل هو هاجس وهم دائم .



إن القضية الفلسطينية وهي محور الهم سارت بخطوط متكسرة بين الصعود والهبوط في رأي المجموع ولكن وبحكم سيري مع حزب التحرير كعضو فاعل فيه فإن القضية الفلسطينية كانت تسير نحو الهبوط دائماً ( في نظري ) ولذلك كان الهم يكبر دائماً مع أملي بنجاح حزب التحرير في إقامة دولة الأمة فيزال كابوس ثقيل يجثم على صدري هو إسرائيل .



إن القشة التي قصمت ظهر البعير هي الاجتياح اليهودي الوقح للبنان في ( حزيران 1982 م ) وبلوغهم قمة الاثارة في مذبحة صبرا وشاتيلا والتي ستبقى أيام خزي وعار ليس على مرتكبيها بل على الأصوات الضخمة والتكبير المدوي في جنبات المساجد وفي قاعات الكلام الفارغ من أي عمل وبهذا تجلى واضحاً الانسان العربي و الاسلامي التقدمي و الرجعي الثوري و البرجوازي ن المقاتل أو الراكد الملتحي ، أ, التحليق الحزبي أو اللاجزبي الاقليمي أو القومي الاممي أو الوطني العادي أو المهم اليساري أو اليميني كل الناس مهما كانوا أو على أي حال هم إنما أناس فاقدوا الإرادة والسيادة مسلوبوا النهي يعيشون العدم الوجودي ولأول مرة فقدت الأمل وعشت في أسوأ أحوال ومتاهات الضياع .



نداء الحياة أقوي من نداء الموت أقوى من نداء الموت مهما كانت الظروف حالكة ومهما كان الجرح عميقاً ، أهذه هي حقيقة الأمة الاسلامية ؟ بعد عمل دؤوب فيها          ( 1953- 1982 م ) وإذا لم يكن للعمل من نتائج فأي معنى لهذا العمل ، هل يمكن أن نبدأ من هنا بعد الاعتراف بأننا في مرحلة التردي والسقوط كان النقاش والحوار والجدال بيني وبين أعضاء من حزب التحرير وأعضاء متوقفين في محل التعاطف معه ، ومع النقاش كونت مكتبة في الفكر الاسلامي التراثي وفي الفكر الانساني المعاصر تكبر المكتبة ويكثر الجدال والنقاش والحوار والسجال بل والترهات والمهاترات وتنمو القراءة ومن خلال هذا الركام وضح أمران .



الأول : أن السائد عند حركات الاسلامية هو الفهم المعوج للاسلام .

الثاني : هو دخول الحركات الاسلامية مأزقاً حركياً بالطوع والاختيار ولا تريد أن تعترف بهذين الأمرين .



معذرة إذا تزاوج الخاص والعام والشخصي والجماعي في فقرات قليلة سابقة فهو أمر لا مفر منه للدخول إلى الاعتزال المعاصر كدعوة تحمل على عاتقها اعادة بناء الأمة من خلال تحريك عقلها ووصل هذا العقل بالجذور إن إعادة البناء تبدأ من الجماهير وليس من قمة الهرم ( النظام ) .



بعد مسيرة أربع سنوات في البحث والتنقيب مع ملاحظة ما عليه المجتمع من أفكار ومشاعر ومراقبة الدعوة السلفية لإحياء الإسلام بظاهرة الإقبال على العبادات والتمييز باللباس والاهتمام بالمراسيم التعبدية والانكباب على قراءة كتب أشراط الساعة ، وعذاب القبر ، وإعلان قرب يوم القيامة – أي قراءة الإسلام قراءة أصولية على غرار الأصولية المسيحية تماماً يتوضح أكثر فأكثر .



لا أدري إذا كانت هذه الحالة تستحق اسم الصحوة أو التوهة ، ومع أن المعتزلة لم تكن في تلك اللحظة إلا شخصاً واحداً ، إلا إنها بدأت هجوماً مركزاً على هذه التوهة ولا قي هذا الهجوم بعض قبول على استحياء من البعض .



شكل شهر ( 4/ 1987 م ) وضوح الفكر الاعتزالي ؛ في تقاطعات عديدة : في التفكير  في التاريخ ، في التراث ، في تفسير القرآن ، في إعادة النظر في النص الحديثي ؛ من حيث المصطلح ومن حيث السند والمتن .



ومن الخارطة الفكرية الإسلامية ( أمامية ، زيدية ، إباضية ، سنة وجماعة الخ ) وهكذا  ظهرت البدايات في شرح الإسلام شرحاً مبلوراً مع الإنشاء الجديد والارتقاء .



إن معتزلة اليوم  هي معتزلة الأمس تأكيداً ، وليس معتزلة الأمس تأكيداً ، فهناك اتفاق وهناك افتراق ، وإذا كانت معتزلة الأمس ترتب الحجج لله على خلفه كما يلي .



أ‌-      العقل .

    ب-  الكتاب

    ج-  السنة .

     د-  الإجماع .



فإن معتزلة اليوم تتبنى هذا الترتيب ـ وإذا كان لمعتزلة الأمس أصول خمسة ـ فللمعتزلة اليوم عين الأصول الخمسة ، والاختلاف إنما هو الإفق المعرفي لكيهما فهي أي معتزلة اليوم لا تقبل إلا إضافات جديدة على الفكر الاعتزال تتمثل في التفعيل والشرح للبعد الحضاري الذي عليه فكر الاعتزال ، وهي تقدم الفكر الاعتزالي مبسطاً غير مسطح مع امكان تعقيده لأهل العقد والتعقيد وترفض أن يكون الفكر الاعتزالي لصفوة دون الجمهور بل هو للجمهور أولاً وأخيراً حتى نبعد ما كان مقتلاً لمعتزلة الأمس .



إن المعتزلة اليوم ترفض رفضاً باتاً تفسير القرآن الكريم على أنه نبوءة عن المستقبل وإنما تجعله هداية للبشرية ، أما بالنسبة للحديث : فإنها ترفض أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً يعارض القرآن ، أو يعارض العقل الحسي ، أو يدعو إلى الجور ، وهي إذ ترده ، لا ترده على الرسول r وإنما ترده على قائليه ، فالرد يتوجه للقائلين على الرسول ما لم يقل .



ترى معتزلة اليوم وقد فتحت الجدال بلا هواة وبلا كلل مع الأفكار الزائفة والاوضاع  القائمة والاعراف الفاسدة فهي ترفض كل من شأنه أن يؤدي إلى الاحتكاك طلباً للتفاعل وتجلى عملية توحيد النظر والمفاهيم في الفكر والعمل والوسائل والاساليب والأهداف ، أي ايجاد الأمة الواحدة في نظرتها للأمور .



إنَّ الفكر الاعتزالي هو حاجة ضرورية للأمة لأحداث النهضة ، إذا هو طريقة تفكيرها ولا مكان لهذه الأمة ـ إذا سلمنا بأنها أمة عريقة ـ أن تعود للنهضة إلا بفكر الاعتزال والحقيقة الماثلة في هذه الأمة أنها عريقة ، وتستمد عراقتها من ناحية فكرية حضارية من الإسلام ، ومن ناحية مركزية جغرافية من العالم العربي ـ وخصوصاً العراق والشام ومصر ـ ومن ناحية لغوية من اللغة العربية ، فلا مجال للقول بنهضة إسلامية ،  تفارق هذه الأسس الثلاث فالإسلام والعالم العربي واللغة العربية شروط موضوعية للنهضة ، وفتح الاجتهاد يستحيل بغير لغة القرآن .



رب قائل يقول أليس من الممكن فتح باب الاجتهاد على أسا س المدارس الفكرية الأخرى كالاشعرية والماتريدنة والحنبلية والظاهرية والامامية  أو الزيدية أو الاباضية ومع اقرارنا بأنها مدارس فكرية اسلامية إلا أنها وقد تحولت إلى مذاهب اسلامية وظهر عليها الجمود فاستحالة عودة  الحياة اليها واضحة والدليل على ذلك ان محاولات عديدة ومستمرة قامت للنهضة على اساس هذه المدارس منذ قرنين ونصف من الزمان إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل ومع دعوى الاجتهاد التي ادعتها الا انها لم تحرك ساكناً وبقيت مشدودة الى المذاهب ورجاله السوابق والاوائل مقيمة حولهم هالة من القديس فصار اجتهاداً شكلاً وجزئياً ومربوطاً بالامام او حجة الاسلام او شيخ الاسلام الذين توفاهم الله منذ قرون ومثل هذا غير موجود عند المعتزلة قدامي وجدد أن هذه المدارس قد تحولت مع الزمن إلى مجرد حالة من التدين  الشكلي .



لأغراض اجرائية لا بد من قسمة للحقول المعرفية الاسلامية – مع أنها في الحقيقة حقل واحد – إلى حقول ثلاث هي : أصول الدين والفكر السياسي والفكر الفقهي ، هذا التقسيم هو قسمة للفكر أي لنتاج المفكر الاسلامي في هذه الحقول الثلاث بينما لم يكن لغيرهم من هذا التجانس تصيب فالاشعرية هي أشعيرة في الأصول وشافعية في الفروع وعرفانية في النظام الفكري وتحمل عداءاً تاريخياً لكل فرقة غيرها وفكرها السياسي يتلائم مع الفكر الظلمة وهذا الوصف كله أو بعضه ينطبق على البقية من الفرق الأخرى .



هذه عجالة كتبت من الرأس إلى القرطاس باستثناء خبر البعثة المصرية والأبيات المنسوبة لجعفر الصادق ( رضي الله عنه ) وهي عجالة تشكل استفزازاً للقراءة والتفكير والجدال والحوار وبقي الكثير الكثير لم يقل مواضيع شتى معاصرة مثل المعتزلة والديمقراطية المعتزلة والتراث المعتزلة والتاريخ المعتزلة والتكنية والمعتزلة والقومية المعتزلة والمرأة المعتزلة والثورة المعتزلة والدولة القطرية والمعتزلة والنظام الاقتصادي المعتزلة والمجتمع المعتزلة والنظام الاقتصادي المعتزلة والثورة المعتزلة والدولة القطرية ، المعتزلة والنظام الاقتصادي المعتزلة ، والمجتمع المعتزلة والاممية المعتزلة والثقافة المعتزلة والفلسفية المعتزلة والنظام العالمي الجديد المعتزلة والثقافة المعتزلة والفلسفة ، المعتزلة والنظام العالمي الجديد المعتزلة والمستقبل المعتزلة والنظام الأبوي وبالمناسبة لم يكن في الجاهلية ولا في التاريخ الاسلامي نظام أبوي بل هو مجرد إسقاط متعسف على التاريخ الاسلامي تصوراً أنه يحمل عين إشكاليات المجتمع الأوروبي – المعتزلة والحضارات الأخرى المعتزلة والميتافيزيقيا سواء اكانت دوغما الاعتقاد الايماني أو دوغما النظرية المادية أو دوغما الحتمية العليمة إلى غير ذلك من معارف واشكاليات مفتوحة دائماً لمعاودة البحث والنظر والتنقيب .



المعتزلة منظومة فكرية ايمانية لا تسليمية تتعامل مع الانسان وتعمل لأجل الانسان بعلمية متميزة وتقبل الاحتراق والتضحية في سبيل تصحيح مسار الانسان ولكنها تعمل من خلال العرب لا لأفضلية العرب بل لإن العرب نقطة البدء الصحيحة .



والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

منتظرين أغناء الموضوع بحواركم

نظرات في التاريخ الاسلامي

(1)



يهدف هذا القول إلى تغير نظرة الأمة إلى تاريخها وبالتالي إلى عملية تغيير في  قلبها الاجتماعي والمقصود بالقلب الاجتماعي هو عقلها الجماعي ومشاعرها الجماعية وهما ذا نشأة تاريخية .



التاريخ هو النافذة التي تطل منه الأمة إلى بدايات ماضيها ، فالتاريخ معارف وأحداث سارت من نقطة ما في الزمن الماضي حتى اليوم في بناء هرمي مقلوب نقطة الرأس هي الأسفل والقاعدة هي الآن والتاريخ هو تاريخ أمم وشعوب وقبائل وسلاطين وعلماء ومفكرين من حيث صناعة وهو أفكار وعلوم وآداب وفنون وأساطير وأدوات ووسائل وأساليب من حيث معارفه وهو غضب ورضا وحزن وألم وفرح وسرور وتعب وراحة وشقاء وسعادة وقلق واطمئنان من حيث المشاعر وهو حروب وسلم وقتال وهدنة وصلح ومعاهدات وتقطيع أيد ورؤوس وثورات واضطرابات واغتيالات ومعاهدات ونقضها من حيث العلاقات الداخلية والخارجية وهو رعي وصيد وزراعة وتعدين وتجارة وصناعة وبناء وخدمات من حيث نشاطه وهو عواصف وزلازل وبراكين وحر وبرد ومطر وثلج وجفاف وفيضانات من حيث طبيعته .



هذا هو التاريخ ولم يصل إلينا إلا نزر يسير منه من خلال الأخبار أو الأثر أو الوثائق .

والمسلمون كتبوا تاريخهم وظهر فيهم مؤرخون يشار إليهم بأنهم أئمة في هذا الفن منهم المتقدمون زماناً أرخو الأحداث والرجال منذ البداية وجاء بعدهم مؤرخون آخرون يمكن تقسيمهم إلى طبقات ولا زال هنا وهناك من يؤرخ لأن التاريخ لم يتوقف ولن يتوقف .



لقد ابتكر المؤرخون المسلمون طريقة الإسناد في نقل الحدث التاريخي تبعاً لطريقة رواية الحديث ولكنهم لم يستعملوا علم الجرح والتعديل في قبول أو رفض المرويات التاريخية مع أن علم الحديث وعلم  التاريخ علمان ذا نشأة واحدة فعروة بن الزبير ووهب بن منبه ومحمد بن شهاب الزهري أقدم المؤرخين الإسلاميين هم محدثون أيضاً .



لا بد من التذكير هنا أن علم الجرح والتعديل لم يؤد تماماً غرضه من حيث سلامة صحة المتن ألحديثي  المنقول عبر الثقات ، فكم من نص حديثي نقله الثقات مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن تصديقه بل لا بد من رده لتعارضه الجلي مع العقل أي مع الحكم العقلي الصائب المستند إلى المطابقة التامة بين الصورة الذهنية والصورة الواقعية أو تعارضه مع النص القرآني والنص القرآني نص مقطوع به عند جملة المؤمنين بل وغيرهم انه من الله تعالى ولو أن نقله النص ألحديثي هم ثقات حسب دعوى أهل الجرح والتعديل وعلم الجرح والتعديل من المؤكد أنه علم داخله الهوى فكم معدل لا يستحق التعديل  وكم مجروح لا يستحق التجريح ! .



إن من الضروري الإشارة إلى نص الحديث وشروط قبوله مع أن الكلام عن التاريخ لأن كتب الحديث تحوي كثيراً من المادة التاريخية ولأن مدونيها هم علماء الحديث فقد نظر إليها من علماء الحديث وأشياعهم نظرة النص المقدس الذي لا يقبل رجع النظر .



شكل دخول نصوص تاريخية إلى صميم المقدس ، انحرافاً خطيراً في رؤية المادة التاريخية وإمكانية إعادة النظر فيها ، ومن خلال دخول النصوص التاريخية للمقدس دخلت معه نصوص أسطورية وأخرى مثيولوجية من مثيولوجيا أهل الكتاب النصارى واليهود وكتب الحديث المعتبرة ، والتي يشار إلى أصحابها أنهم أئمة في هذا الشأن تمتلئ بهذه المادة المزورة ، أو تقبل إعادة النظر و لأنها دخلت كتب الحديث ولأن بعضها مع أنه مزور رفعه الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى زمنه ازدادت صعوبة إعادة النظر في التاريخ .



لقد دخلت هذه المادة التاريخية المزورة والأسطورية قلب الأمة الجماعي بحيث تشكلت مشاعرهم على أساسها وإذ تطاول عليها الزمن استقرت في الأذهان رغم تناقضاتها وضعف بنيانها الفكري ولا زالت هذه المادة التاريخية مؤثرة في جعل الجماهير ذات تفكير سطحي تقبل عقولهم الإشاعات والمبالغات وتنظر فرداً يأتيها من وراء حجاب الغيب يقيم العدل ويحثو المال حثواً لا يعده .



لقد فعلت هذه الأفكار السقيمة فعلها على الصعيدين صعيد التسطيح لدى الجماهير وصعيد قبول تشكيك الأعداء إذ عمد الأعداء إلى تركيز هذه المزورات في وجدان المضبوعين بالثقافة الغربية المبهورين بوهج صناعات الحضارة الغربية المخدرين بالتقنيات التي وصلت إليها الحضارة الغربية فجادل دعاة الاستغراب لدحض الحق وتثبيت الباطل كل هذا تم  في وضح النهار لأن المؤرخين المسلمين قدموا المادة التي انتفع بها الأعداء .



لقد تجاوز أثر هذه المادة التاريخية التسطيح والتغريب إلى وجود مركز معمق متباين مختلف عند المسلمين مما أوجد شرذمة في الرأي وتأسيس أسس لا تصح فالأسس التي يقوم عليها فكر أهل السنة والجماعة ليست هي الأسس التي يقوم عليها فكر الشيعة أو الزيدية أو الإباضية مما جعل استحالة التوفيق بين هذه الفرق وكل مزاعم التقريب بين المذاهب المعلنة من قبل المؤتمرات المنعقدة في فنادق النجوم الخمس لا يتجاوز تأثيرها الورق الذي كتبت عليه وجلسة الافتتاح والاختتام والتوصيات .



التاريخ ليس أحداثاً عبرت ، إنما هو حضور دائم ومتركز في قلب الجماهير وهو فاعل وفعال ومؤثر فالقلب الجمعي للجماهير وهو حصيلة لفهمهم التاريخ إنما هو أيضاً مقياس للإقبال أو الأدباء عن مفهوم أو فعل أو هدف أو حكم أو رأي .



من هنا يجزم الباحث الحق أن طريق النهضة والتغيير يمر عبر بناء الجماهير في مستوى فكرها وتعميق مشاعرنا ومنها الفكر الجماعي والمشاعر الجماعية ( مكونات قلب الأمة ) فالفكر المتسطح والمشاعر الفجة تجعل الأمة في أسوأ حالات السقوط والترددي ، والفكر المرتفع والمشاعر الرفيعة تجعل الأمة عطاء مميز .



يقول نيكسون الجمهوري الأسبق للولايات المتحدة  في كتابه الفرصة السائحة نشر عام     ( 1990 ) م : "  لقد سبق العالم الإسلامي العالم المسيحي على مدى خمسة قرون من ( 700 – 1200 م) وتفوق عليه في مستوى المعيشة والتسامح الديني والفلسفة والعلوم والثقافة ، وق

 أدت الحروب المتتالية إلى عكس الآية "  وقد قال أحد المؤرخين " لقد خسر الغرب الحروب الصليبية ولكنه كسب حرب المعتقدات لقد طرد كل محارب مسيحي من الأرض المقدسة للمسيحية واليهودية ، ولكن الإسلام وقد أسكره النصر وفرّق أوصاله المغول سقط في غياهب العصور المظلمة من الفقر والنسيان ، بينما الغرب المنهزم وقد أنضجته الأهوال فقد نسي هزيمته وتعلم من عدوه وبني كنائس تصل إلى عنان السماء وقاد سفينته في بحار المعرفة وخرج منه الفلاسفة أمثال دانتي ، وشوسير ، وفيلون ، وسار بروح عالية في عصر النهضة فهل تنضجنا الأهوال ؟ " .

لقد تركز التاريخ الإسلامي في قلوب الجماهير الإسلامية " الساحة الفكرية لأهل السنة والجماعة " بفكرة الانتصار الساحق للسلف وتركزت فكرة الانهزام الماحق للخلف وحكمت للأجيال السابقة السلف أنها الأفضل والأمثل والأعلم وللأجيال اللاحقة أنها الأسوأ والأكثر جهالة  وإنها على غير التقوى ولهذا فقدت الثقة في نفسها وظهر العجز في أفعالها وأخذت تنتظر النصر مستقبلاً من خلال منظومة النبوءات البيارق السود الآتية من المشرق أو المهدي المنتظر الذي يصلحه الله في ليلة أو الكنوز التي ينحسر عنها نهر الفرات وكنوز الخرَبِ وفي تجمع اليهود في فلسطين لينالوا الضربة القاضية من خلال كلام الشجر والحجر وهذا يعني أن نظرتهم إلى الإسلام محكومة بالاعتقاد ألتسليمي بديلاً عن الإيمان من خلال الدليل وعلى العاطفة الدينية بديلاً عن التفكير وعلى التقليد بديلاً عن الاجتهاد وعلى الجمود بديلاً عن النهضة ، وكل هذه البلايا والرزايا إنما هي بسبب كيفية التعامل مع التاريخ الإسلامي .

حدد لنا القرآن الكريم طريقة واضحة مبيناً المنهج التاريخي الذي يجب علينا استعماله لقراءة التاريخ ويتجلى هذا المنهج بالحقائق التالية من خلال قراءة لآيات القرآن الكريم .

1-   لم يورد القرآن أية كلمة متعلقة بالحروف الثلاثة ( أ. ر. خ) أي لم يستعمل كلمة التاريخ أو التاريخ ولسان العرب أورد في مادة أرخ التاريخ تعريف الوقت .

2-   أورد القرآن الكريم كلمة القصص بمعني الحوادث الماضية باب ( ق. ص. ص. ) وبإدغام لام الكلمة مع عينها تكون كلمة القص بمعني انقطع وبمعني فعل القاص إذ قص القصص الأمر إذا تتبعت أثره شيئاً بعد شيء والقص الصدر من كل شيء والقص البيان وللقص معان أخرى عديدة .

3-   رفض القرآن الكريم الأساطير والكلمة وإن كان أصلها الثلاثي (س.ط.ر) بمعني أنه ما كتب مصفوفاً أي أن السطر هو الصف من الشجر أو الكتاب أو غيره ، والقرآن لم يرفض التسطير والسطور بل رفض أساطير الأولين أي الأحاديث يظهر فيها البطلان .

4-   إن في تاريخنا السطور قصصاً وأساطير الأولين فلا بد من إعادة بناء التاريخ بناءاً جديداً بعد تبين ما هو قصص وما هو أساطير الأولين .

5-   إن القرآن الكريم قد بين بوضوح القواعد التي يبني عليها كتابة التاريخ أي القصص وبينَّ الغاية من العناية بهذه القصص .

أ‌-     أن يطلب الحق في هذا القصص فقال تعالي في القرآن الكريم ( إن الحكم إلاّ لله يقص الحق وهو خير الفاصلين ) وقال ( إن هذا لهو القصص الحق )  

ب‌-يطلب القصص من الحاضر إلى الماضي فالحاضر شاهد للماضي إذ هو حاضر ومائل بخلاف الماضي فهو محجوب بزمنه الماضي قال تعالى ( فارتدا على آثارهما قصصا ) .      

ت‌-لا يطلب معرفة الأحداث الماضية بتمامها وإنما يطلب منها فضلاً عن الحق ما كان من أحسن القصص وأحسن القصص وأحسن القصص ماله جدوى في حياة الناس الحاضرة والجدوى هي الاعتبار والتفكير والتثبيت وزوال التباين والاختلاف .

قال تعالى ( منهم من قصصنا عليك ومنهم مَن لم نقصص ) .

وقال تعالى ( نحن نقص عليك أحسن القصص ) .

وقال تعالى ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ).

وقال تعالى ( فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ).

وقال تعالى ( وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ).

وقال تعالى ( إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون).



وبهذا يكون قد تبين واضحاً القواعد التي تضبط النظرة إلى التاريخ الإسلامي وكما أن القصص هو مصدر للحصول على المعرفة العلمية للتاريخ فإن الأثر هو مصدر من مصادر التاريخ من منظور الإسلام ، وجعل السير والنظر أي التفكير في آثار السابقين مصدراً للحصول على المعرفة التاريخية العلمية فقد وردت الآيات طالبة السير والنظر والتفكير في آثار السابقين قال تعالى ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) الآية وتكرر الطلب سبع مرات في سور مختلفة وقال تعالى (فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) وتتكرر مثل هذه الآية في أكثر من موضع لإدراك تاريخ الناس في أحوالهم ومعاشهم وعلومهم وطرائق تفكيرهم ومبانيهم وعاقبتهم ، أما الوثائق فهي من الآثار من جهة ومن المكتوب بالقلم من جهة أخرى والحث على قراءتها من الوجهين أمر معلوم ، وقد ذكر القرآن الكريم الآثار كمصدر معرفي .    

لقد أوضح القرآن الكريم إمكانية اختلاط الحقائق بالأساطير ولهذا وضع منهجاً واضحاً جلياً ليقوم العقل الإنساني بفرز الحقائق عن الأساطير والقرآن الكريم لم يأت كمدونة علمية تعالج حقوق العلم في طريقة مُقعدة أو مُقننة وإنما حوى أفكاراً عامة تصلح ميداناً لمن أراد النفع والاجتهاد في سائر الحقول المعرفية مكتفياً بالأفكار العامة والإشارات الدالة والمعالم الواضحة ، فالقرآن الكريم ليس مادة تاريخية وان كان قد حوى القليل منها وليس مادة علمية وأن كان قد ذكر النزر اليسير ، وليس مادة السنية وإن أشار إليها وليس معرفة في علم الاجتماع أو التربة أو علم النفس أو الأدلة الجرمية أو الحركة التاريخية للأمم والشعوب أو علم الفلك وإن كان قد أشار إلى ذلك تاركاً للناس وخاصة أهل الإسلام الانتفاع بهذه الأسس وتلك الإشارات .



والسؤال الذي يرد هل انتفع المسلمون وهو يكتبون التاريخ الإنساني العام أو التاريخ الإسلامي بتلك المعالم والإشارات والأسس والقواعد ؟ الجواب الحقيقي عن هذا السؤال       كلا ، لم ينتفع المسلمون بها بل وعملوا علي نقيضها ويكفي فتح كتاب من كتب التفسير على أي من قصص الأنبياء لنجد أنهم عوَّلُوا على أساطير الأولين يأخذونها من أصحابها وهم اليهود أو النصارى بل اخترعوا أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم بأن الرسول طلب منهم الحديث عن بني إسرائيل بقوله ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج  ) ، وإذا أدرك الأتقياء منهم الكارثة في أحاديث بني إسرائيل اخترعوا حديث ( لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ) وفي كتب الأحاديث المعتبرة أحاديث حدثها رسول الله كما يزعمون مصادرها أساطير أهل الكتاب بل جعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي ليلةً معهم يحدثهم عن بني إسرائيل لا يقوم إلا إلى عظم صلاة ومجرد الإشارة إلى غضب الرسول صلى الله عليه وسلم من عمر لأنه يقرأ بالتوراة يبين عن مدى الاضطراب في قضية أساطير أهل الكتاب .



عندما حاولت أن أقرأ التاريخ الإسلامي على الأسس والإشارات والمعالم والقواعد القرآنية توضحت لي جملة من الأمور تجانب ما استقر في الأذهان حول حوادث تاريخية منها ما هو متعلق بأفراد في ذاتهم ومنها ما هو ما\تعلق بحدث ومنها ما هو متعلق بسيرورة الحدث التاريخي وبعضها متعلق بصانعي الحدث ن ولا يمكن في هذه المقولة أن أبين الأسباب والدواعي التي أو جبت فهم الحدث على غير الصورة المستقرة في الأذهان ، وهاهي صور منه من شأنها أن تلفت النظر إلى إعادة قراءة التاريخ وكتابته من جديد بشكل يغير كلياً أو جزئياً من القلب الجمعي الذي عليه الأمة وبالتالي يزول أكثر معوقات التقدم معوقٍ الجماهير .

الخلافة بعد موت النبي r

إن أول حدث واجه المسلمين بعد موت رسول الله صلي الله عليه وسلم هو الفراغ السياسي الحادث بموته أي إيجاد أميراً أو قائداً يتولى رئاسة الدولة ، يسوس الناس حسب أوامر القرآن ومن الطبيعي أن تَشْرأبَّ لهذا الأمر أعناق ، وان يتولى أي يوالي كل واحد من هذه الأعناق جمع من الناس، وطبيعي أن تتنازع هذه القوى المتكونة حول أهلية من يتولى ملْءَ هذا الفراغ ، وفي المدينة وهي عاصمة الدولة الإسلامية الناشئة ، إذ هي ميدانَ الثقل السياسي أيام الرسول صلي الله عليه وسلم ظهر تشكل ثلاث مجموعات سياسية واضحة آل البيت ويتكتلون حول علي بن أبي طالب وتتألف هذه الجماعة السياسية من آل هاشم وقلة من المهاجرين وجماعة المهاجرين وتلتف هذه الجماعة حول أبي بكر وعمر وأبو عبيده عامر بن الجراح .

وجماعة الأنصار وهي قد تجمعت حول سعد بن عبادة مع وجود انشقاق داخلها ، فتمكن حزب المهاجرين بمبادرته السريعة من أن يبايع على عجل أميراً للمؤمنين بيعة إمارة في سقيفة آل ساعده بعد أن وُجد الانشقاق داخل جماعة الأنصار ، وإن يبايع بقيةُ المسلمين ( أبو بكر ) أميراً كبيعة طاعة وإعلان الرضا ، وهي هكذا حدثت فلتة وفي الله المسلمين شرها كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، لكن الشيعة ( 1 ) التي تكونت وتحزبت لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، نظرت إلى الأمر من راوية أخرى هي اتفاق حزب المهاجرين على اغتصاب حق من أظهره النبي صلي الله عليه وسلم وصياً وولي عهد يقوم بالحكم بعده مما دعا المتعصبون للطرف الأخر حزب المهاجرين إلى إقامة دعوى مفادها الرد على دعوى الشيعة من نفس المادة وهي مادة النص والتعيين فجعلوا أبا بكر وعمر معينين من الرسول وجعلوا القريش الأمر وإذ تولى الأمر معاوية رأى في هذه البادرة ما يمكنه الاستعانة بها لاغتصاب الخلافة فعززها هو والآخرون من بني أمية بعده .

إن أحداث السقفية والتي تزاوج فيها الذاتي للمهاجرين لقيادة دفة الحكم بالموضوعي وهو ( إحسان تطبيق الإسلام) من خلال وحدة الدولة ( حروب الانفصاليين أو المرتدين كما هو الاسم التاريخي) وتطبيق العدل ( والضعيف فيكم قوى عندي حتى آخذ له الحق إنشاء الله ) والمحاسبة على تطبيق السياسات ( أطيعوني ما أطعت الله فيكم ) وعدم الطاعة عند عدم الإحسان ( فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم ) والتوسع في الفتح لأجل الهداية وزوال الجور والظلم لا لأجل الجباية وفرض سياسة الفاتح المستكبر فقد قال أبو بكر إذ يودع جيش أسامة " أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني : لا تخونوا ، ولا تخلبوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ، ولا امرأة ، ولا تقطعوا نخلاً ولا تحرِّقوه ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تذبحوا شاة ولا بَقَرةً ولا بعيراً إلا لمأكله ، وسوف تمرون بأقوام قد عر فوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم إليه ". د

ما سبق من قراءة موجزة لحدث ملء الفراغ السياسي تُظهر عدم تأسيسه على الموضوعي وكان الأولى بل الصحيح أن يتأسس على الموضوعي بأن يقيم المفكرون المسلمون ( الصحابة ) سؤالاً وهو لمن الأمر بعد الرسول صلي الله عليه وسلم ؟

وما هي الوسائل والأساليب التي توصل إلى صاحب الأمر ؟

وما هي صلاحياته وإلى أي مدي يطاع ؟

أي يقعد أو يشكل سنة متبعة أو قاعدة سياسية عرفية ( يعرفها الناس ) مؤسسة على إجابة مستمدة من الإسلام تجيب عن التساؤلات السابقة ولكن الأمر صار قلته وإن بقي التطبيق يسير مسيرة صحيحة ولهذا نجد أن عدم التأسيس جعل الخليفة الثاني يأتي بعهد من الخليفة السابق والخليفة الثالث من خلال واحد من ستة معهود إليهم من الخليفة الثاني والذي أخذ على عاتقة الاختبار أضاف مصدراً ثالثاً للشريعة هو سنة الشيخين مما جعل الغمام علي رضي اله عنه الأكثر وعياً يرفض المصدر الثالث وهذه الأمور الفلتة والعهد المحصور بواحد والعهد المحصور بستة وإضافة سنة الشيخين كمصدر تشريعي ثالث أدت إلى فتنة عمياء أوصلت الحكم ليتأسس أخطر انحراف في الفكر السياسي الإسلامي .



لقد جاء الإسلام بنظرية دولة أو سلطان الأمة تاركاً كيفيان التفعيل للأمة من خلال الممكن ، وهذا يعني أن الأمة تنتخب سلطانها بالكيفية الممكنة وتعطيه صلاحيات تمكنه من التطبيق مع بقاء مراقبة ومحاسبة الأمة تاركاً كيفية المحاسبة لنظرية الممكن وأوجب على الأمة الطاعة فيما هو حق وجعل للأمة حق عزله بسبب فقدان أي شرط من شروط توليه وجعل للأمة حق العصيان والقيام عليه بالسيف إن تمرد وواصل قهر الأمة .



لقد توازن الذاتي والموضوعي طيلة خلافة أبي بكر وعمر وصدراً من خلافة عثمان ، مع وقوع أخطاء غير قاتلة وفي عجز خلافة عثمان تزايدت الأخطاء منذرة بالخطر ، فالولاة يستأثرون بالفيء والمظالم تتزايد وآلية المراقبة والمحاسبة تسير بلا انضباط ، وعائشة وطلحة يعلنان النقمة على عثمان بل إنّ بعض المرويان التاريخية تقول أن عائشة كانت تقول اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً تقصد عثمان وكان هذا منها لما غاضبته وذهبت إلى مكة .



تلك هي صورة الوضع السياسي في السنة الخامسة والثلاثين للهجرة وإذ توافدت على المدينة وفود الأمصار الثلاثة الكوفة والبصرة ومصر منتهية بمقتل عثمان  بعد أن وصلت الأمور بينه وبين الوفود إلى الطريق المسدود فهو رافض عزل نفسه أو معاقبة مروان بن الحكم على جنايته أو تسليم مروان للوفود .



بايع الأصحاب وأهل المدينة ووفود الأمصار علياً أميراً للمؤمنين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم علناً إذ رفض البيعة في بيته رفضاً باتاً لأنه كان يطلبها عن اختيار حر ورضا تام وبهذا كانت البيعة الرابعة على شكل جديد وأسلوب واضح وعلىُّ منزلته من الخلافة محل القطب من الرحى .

وإذ نهض على بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون ومع أن القرآن الكريم لم يذكر المروق إطلاقا كصيغة من صيغ الانحراف عن الإسلام أو الإيمان إلا أنه الناكثين والقاسطين كصيغة من الانحراف الشديد بحيث جعل القاسطين لجهنم حطباً والناكثين أعاد ضرر نكثهم على أنفسهم إلا أن العقل الجمعي الإسلامي جعل المروق مثيلاً للكفر أو الارتداد لأن الهوى الأموي يريدُ تضخيم أفعال أهل النهر وان لغاية في النفس وتخفيف وقع فعل بشير وذي الكلاع الحميري وسفيان بن عوف ألغامدي وأضراب هؤلاء .



ويستقيم الأمر لمعاوية ويسمى التاريخ استقامة الأمر لمنحرف ( عام الجماعة ) ويفعل معاوية الأفاعيل ففي سياسة المال الله المعطى ومعاوية مجرد قاسم ويقتلُ حجر بن عدي ورفاقه غيلة ويقتل الحسين بن علي بالسم في جنود لله من عسل ويُزَوِّرُ هو ومن على شاكلته الأحاديث على الرسول صلى الله عليه وسلم ويُزَوِّرُ التاريخ أيضاً .



وهنا في تزوير الأحاديث والتاريخ يكمن القصد من هذا القول رغم العديد من الإساءات الأخرى إذ لا محل لذكرها ، معدداً وملمحاً للأسباب التي تؤكد الرفض لهذه الأحاديث المزورة وتلك الملفقة . وهذا يقتضي  القبض على حقائق التاريخ وليس الصراع حول أحداث التاريخ









تزعم الأحاديث موت أبي طالب على الكفر مع أن القراءة الصحيحة تُوصل إلى أنَّ :

1 ـ ( أبو طالب ") مؤمن كتم إيمانه ليتمكن من حماية الرسول صلى الله وسلم وتزعم الأحاديث أنه أقل الناس عذاباً يوم القيامة .



الأسباب : ـ



أ ـ الآيات التي يزعمون أنها نزلت بخصوص أبي طالب وهي قوله تعالى ()وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (الأنعام:26) ، وقوله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص:56) ، فإن قراءة كل آية قراءة  تحليليه تجعل من المستحيل أن يفهم منها أنها في كفر أبي طالب ومثل هاتين الآيتين آية (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة:113) .





ب ـ موقف أبي طالب من الرسول صلى الله عليه وسلم طفلاً يتيماً وشاباً يافعاً ورجلاً ناضجاً مبلغاً الرسالة مليئة بالعطف عليه والحدب والرعاية له والحماية بكل قوة له بل وعند وفاته يجمع وجوه قريش ويقول لهم في نهاية وصيته الطويلة : " يا معشر قريش كونوا له ولاة لحزبه حماة والله لا يسلك سبيله أحد إلا رشد ولا يأخذ أحدٌ بهديه إلا سعد ولو كان لنفسي مده وفي أجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز ولدافعت عنه الدواهي " . ويوجد شعر منسوب لأبي طالب في مدح الرسول لا يمكن أن يسند لكافر .



ج ـ اسلام عائلة أبي طالب كلها الزوجة فاطمة بنت أسد والبنات أم هاني ( فاختة ) وجمانة والأولاد طالب وعقيل وجعفر وعلى بن أبي طالب ومن العجب العجاب أن يسجل المؤرخون إسلام هؤلاء جميعاً ـ مع غموض حول طالب بن أبي طالب مع الاصرارعلى جعل رب هذه العائلة المسلمة عن بكرة أبيها يموت على الكفر ويتنزل به قرآن .

د    ـ  إن الحديث الذي يرتكز عليه ـ من يقول بموت أبي طالب على الكفر ـ وهو حديث المسيب بن حزن ، فهو حديث ساقط من ناحية تاريخية . فلا يستطيع  أي كان أن يثبت ـ من حيث عمره ـ أنه كان حاضرا جلسة موت أبي طالب .

هـ   ـ يوجد أحاديث في مسند أحمد تعارض حديث المسيب بن حزن . والمسألة كلها مخترعة بسبب صراع الفضائل القبلي بين الهاشمية والأموية في العهد الأموي .





























بسم الله الرحمن الرحيم

بنات النبي

من محاضرة نظرات في التاريخ الإسلامي



منشورة في الكتاب الثالث من موسوعة جدل الأفكار





2 ـ رغم أن التاريخ يتحدث عن أربع بنات للرسول صلى الله عليه وسلم من صلبه هن من خديجة وخمسة أو أربعة أو ثلاث أولاد واحد من مارية القطبية والباقون من خديجة إلا أن البحث ويعنينا البنات دون الأولاد فهي ابنة واحدة فاطمة أما زينب فهي ابنة خديجة من أحد زوجيها الأولين قبل الرسول والغالب أنها ابنة النباش بن زرارة فهي شقيقتة هند بن أبي هالة أما رقية وأم كلثوم زوجتا عثمان بن عفان فهما مجرد اختراع أموي في معركة الفضائل بين اتباع معاوية وشيعة على والاسباب التي توصل إلى هذه النتيجة كثيرة تُختصر بما يلي :



أ ـ يؤرخ المؤرخون أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة وعمرها أربعون عاماً وقد عزفت عن الزواج فليس من العادة أن تلد امرأة بعد الأربعين ثمانية أو سبعة أو ستة من الأطفال إذ أُختلف في عدد الأبناء الذكور .



ب ـ مع أن المؤرخين أرخوا لابنة لخديجة هي أم محمد من زوجها الأول أو الثاني للاختلاف في ذلك وهو عتيق بن عائد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم تزوجها صيفي بن أمته بن عائد أي ابن عمها وهند بن أبي هالة اسم أبي هالة النباش أو هند بن زرارة بن النباش إلا أن التاريخ لم يعطنا إلا نزر يسير عن هذين الابنين لخديجة ومما يعطيه التاريخ أن هند بن أبي هالة هو ربيب بيت المصطفى أسلم وشهد المشاهد كلها وعلى الأغلب مات في معركة الجمل مقاتلاً إلى جانب علي بن أبي طالب وصف الرسول صلى الله عليه وسلم  فأبدع في اللغة والوصف .



ج ـ اضطرب المؤرخون في ترتيب ولادة أبناء النبي الستة أو السبعة اضطراباً واضحا جلياً فبينما يرتبهم ابن هشام القاسم ، الطيب ، الطاهر ، رقية ، زينب ، أم كلثوم ، فاطمة ، يرتبهم البهيقي عن الحاكم إذ قرأ بخط أبي بكر بن خيثمة حديثاً مصعب بن عبد الله الزبيري أكبر ولده عليه السلام القاسم ثم زينب ثم عبد الله ثم أم كلثوم ثم فاطمة ثم رقية ، أما الترتيب المشهور بالنسبة للبنات فهي زينب ، رقية ، أم كلثوم ، وفاطمة ، وهناك تراتيب أخرى غير هذا الترتيب .



د ـ في ما كتبه التاريخ عن البنات الأربعة نلاحظ ما يلي يُكْتَبُ تاريخ فاطمة جلياً واضحاً في أبوة الرسول لها ، وفي تواصلنا معه وتواصله معها فهي تزوره وهو يزورها وهو يحمل أولادها وهي تأتي في أحاديثه فاطمة بضعةٌ مني ، لو أن فاطمة بنت محمد   سرقت ، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، ورغم ظهور زينب جلياً في قضية اسر زوجها وإرسالها عقدها الذي اهدته خديجة لها في يوم عرسها ومشاورة الصحابة في رده إلا أنه لم يحضر نزع الموت لابن لها إلا بعد الحاحها عليه ورغم انتقالها إلى المدينة واسلام زوجها إلا أننا لا نجد في السيرة تواصل معها أو تواصلها مع الرسول رغم أنها ماتت سنة ( 8 هـ ) ، ورغم أن امامه ابنتها التي تزوجها على كما يقول أهل السير إلا أن الزبير بن بكار العالم في الانساب والأيام ( توفي 256 ) يرفض أن يكون لزينب عقب وفي السير من يثبت أن الرسول حملها وهو في صلاته وأنه أُهدِيَ قلادة فدفعها لأحب الناس إليه فكانت أمامه الخ ما يذكرون ، ومع ذلك فإننا لا نجد في التاريخ من يقول بشرف محتد أمامه بسبب نسبها من جهة أمها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والغموض يَلُفُّ سيرة أمامه ومع أن المؤرخين يؤرخون ، إن زينَبَ ولدت بالاضافة إلى امامةَ ولداً هو علي مات وقد ناهز الاحتلام بل إن ابن عساكر يدعى أن بعض أهل العلم يرون أنه قُتل يوم اليرموك مع كل هذا ، فإن حياته ووجوده محاطان بالغموض من هذا نعلم أن زينب حقيقة وإنها أخت هند ابن هالة من أبيه فهي ربيبة الرسول وليست ابنته أما الأكثر غموضاً من زينب فهما نورا عثمان بن عفان رقية وأم      كلثوم ، فرقية التي كانت أولاً عند عُتبة بن أبي لهب والذي طلقها بعد نبوة الرسول ليتزوجها عثمان الذي كان يبلغ من العمر 34 عاماً ، والذي لم يكن قد تزوج بعدُ وهاجر فيها الهجرة الأولى إلى الحبشة أسقطت حملها الأول ثم ولدت ابناً اسمه عبد الله في دار هجرتها في الحبشة ويسجل المؤرخون أنه مات في السنة الأولى للهجرة وعند محاولة تحديد زمن الهجرة للحبشة فإنها قبل موت أبي طالب وخديجة وقبل الاسلام عمر فهي في السنة الخامسة أو الرابعة للدعوة ومعنى ذلك أن عبد الله بن رقية بلغ من العمر حين موته تسع أو عشر سنوات ومع هذا فلا يرد في السير علاقة أو تواصل بين الجدين الكريمين وابنتهما وابنها  وزوجها ثم تزوج عثمان ابنة الرسول الثانية في سنة ( 2 ) للهجرة ، ومع أنها التالية لعمر أختها والتي تزوجت مع أختها ابن أبي لهب عتيبة إلا أنها بقيت بلا زواج تنتظر عثمان مسافة زمنية مقدارها سنين الدعوة في مكة ( 13 ) سنة + سنتان موت أختها رقية فهل لم يطلب الزواج منها أحد طيلة هذه المدة والخلاف كثير في قضية هاتين البنتين ، ومع هذا فإن أهل السير لا يذكرون لنا تواصلاً بين رسول الله وصهره عثمان أو تواصلاً بين الرسول وابنته في بيت الرسول أو في الصهر مع أن أم كلثوم كما يقولون ماتت سنة ( 9 هـ ) .



هـ ـ لا يعقل أن خديجة رضوان الله عليها المرأة التي تزوجت الرسول وعمرها             ( 40 ) سنة كما يذكر أهل السيرة مع ملاحظة أن بعضهم جعل عمرها (35 ) أو ( 30 ) أو ( 25 ) ، حتى على افتراض الأقل أن تلد ( 6 ) أو ( 7 ) أو ( 8 ) في زمن مقداره ( 15 ) سنة هي الزمن منذ الزواج إلى البعثة أما إذا كان العمر ( 40 ) أو ( 35 ) أو ( 30 ) فإن    ( 40 ) تعني أنها في خريف العمر ومنها يمكن الاستنتاج أن خديجة قد ولدت فاطمة وعاشت وولدت القاسم وعبد الله ولم يعيشا ، فالبويضة تكون ضعيفة في خريف عمر المرأة لهذه الأسباب الخمسة فإن فاطمة هي الابنة الوحيدة للرسول وأن زينب هي ربيب وأن النورين رقية وأم كلثوم مجرد اختلاق والقاسم وعبد الله هما الابنان اللذان ماتا صغيرين وأن الطيب والطاهر لهما أو لواحد منهما .









تصحيح التاريخ في مقتل أهل النهروان

وفي انتماء قاتل علي



3 ـ يكتب التاريخ : أن ثلاثة شبان هم : 1- عبد الرحمن بن ملجم المرادي التدؤلي الحميري 2 -  والبرك بن عبد الله التميمي 3 - وعمرو بن بكر التميمي اجتمعوا فتذكروا قتلَ من قتل علي من إخوانهم أهل النهروان فترحموا عليهم ، فتكفل ابن ملجم بقتل علي ، والبرك بقتل معاوية ، وعمرو بن بكر بقتل عمرو بن العاص وأتَّعدُوا السابع عشر من رمضان ، فنجح عبد الرحمن بن ملجم في قتل علي ، وقَتَلَ عمر بن بكر المكلف بقتل بن العاص خارجة ، أما صاحب معاوية فضربه بالسيف فجاءت الضربة في وركه ، فنجا معاوية ، هكذا باختصار هي أسطورة قتل علي بن أبي طالب ، والسؤال هل صحيح أن عبد الرحمن بن ملحم المرادي قاتل علي هو من المحكمة أهل النهران ؟ جاء ليقتل علياً طلباً للثأر أم ماذا ؟



إن عبد الرحمن بن ملحم المرادي قاتل الامام هو أحد صنائع معاوية ، وما هو مكتوب في التاريخ ليس إلا افتراءاً وها هي الأسباب التي تدعو إلى ذلك :



أ ـ مفتاح معرفة قاتل علي هي شخصية الأشعث بن قيس الكندي ، أسلم كما تقول الاصابة سنة عشرة من الهجرة ، جاء المدينة في سبعين راكباً من كنده وأكثر كنده كانت تدين باليهودية ، أما حمير فكلها كانت تدين باليهودية وقد ارتد في زمن الصديق وحين جيء به أسيراً على أبي بكر ، قال لأبي بكر : استبقني لحربك وزوجني أختك ، فأطلقك وزوجة    أخته .



ب ـ يقول صاحب مقاتل الطالبين ، حدثني أحمد بن عيسى قال : حدثنا الحسين بن نصر قال : حدثني زيد بن المعدل عن يحيى بن شعيب عن أبي مخنف عن الأسود والأجلح أن ابن ملجم أتى إلى الأشعث في بعض نواحي المسجد فسمع حجرُ بن عدي الأشعثَ يقول لابن ملجم النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح ، قال له حجر قتلتَهُ يا أعور ! وخرج مبادراً إلى علي واسرج دابته وسبقه ابن ملجم ( لعنه الله ) فضرب علياً وأقبل حجر والناس يقولون قُتل أمير المؤمنين .



ج ـ للأشعث بن قيس في انحرافه عن أمير المؤمنين أخبار يطول شرحها من ذلك ، ما جاء في نهج البلاغة وغيره اعتراض الأشعث بعض الكلام أمير المؤمنين وهو يخطب على منبر الكوفة قائلاً للإمام : هذا عليك لا لك فخفّض عليه السلام إليه بصره ثم قال : ما يدرك ما علي مما لي ؟ عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين حائك منافق ابن كافر ، والله لقد أسرك الكفر مرة والاسلام أخرى ، فما فداك من واحدة منها مالك ولا حسبك !! ، وإن امرئ دلّ على قومه السيف وساق اليهم الحتف لحري أن يمقته الأقرب ولا يأمنه الأبعد .



د ـ لآل الأشعث بن قيس دور في مقتل الحسن والحسين ، فجعدة بنت الأشعث هي التي تواطأت مع معاوية على قتل الحسن بن علي بالسم ، ومحمد بن الأشعث بن قيس من قادة حصار الحسين وقتله .



هـ ـ عبد الرحمن بن ملجم المرادي لم يعثر له على وجود أيام الدار ، ولا أيام الجمل ولا أيام صفين ، ولا يوم النهروان ، ويصفونه بالورع والفروسية ، ولم يعثر له على تاريخ ولو يسيراً قبل قتله للامام علي ، وهو مرادي حميري ، وحمير بشكل عام مع معاوية ، ولم يعثر على قريب له قُتل في النهروان بل إن المقتولين من حمير وهم كثير أنما قُتلوا وهم يقاتلون مع معاوية ضد علي ، يقودهم ذو الكلاع الحميري ( سميفع ) وحمير كانت تدين باليهودية قبل الاسلام ودخلوا الاسلام متأخرين ، ولا يعني أن الانتقال من اليهودية إلى الإسلام يقتضي بالضرورة عدم الإخلاص للإسلام ولكن انتقال الحميريين اليهود إلى الاسلام داخله الوهن ، كما دل عليه مجملهم .



و ـ حادثة اتفاق الشباب الثلاثة مصادفة ، والاتفاق على يوم محدد ، ونجاح واحد منهم بمهمته ( قتل علي ) ، وعدم نجاح الثاني والثالث ، الثاني بأن يقتل خارجه نيابة عن عمرو بن العاص ، والثالث يضربه على اليته بديلاً عن رأسه ، فيها من الاختراع ما فيها حين تُدرس بسياقها .



ز ـ مقتل على بعد أن حزم أمره في ضرورة مقاتلة أهل الشام ، وتعيينه الجيوش أي بعد إزالة حالة التثبيط التي باشرها الأشعث بن قيس ، تشير للأسباب الحقيقة لمقتل الامام علي .



ح ـ مقتل أهل النهروان على تلك الصورة هي قتله غدر ، والدارسون لعلي بن أبي طالب يعلمون أن علياً لا يقتل غيلة وغدراً ، فأهل النهروان قتلوا وهم نيام في حالة غدر ، قام بها الأشعث بن قيس بأمر من سيدة معاوية بن أبي سفيان ، وعليها أكثر من دليل تاريخي منها : اختلاف الأشعث بن قيس وقادة أهل النهروان ومنها المباحثات التي كانت جارية بين علي وأهل النهروان  وبوادر الاتفاق بينهما .

ط – هناك أمور متعددة تحيط بمقتل أهل النهروان فعلي يقاتلهم ثم يفتش عن ذي الثدية ولا يطمئن نفسا حتى يعثر على ذي الثدية بين القتلى تثير ألف سؤال !!!! .

ي – لا بد من ربط بين عزم علي على غزو معاوية ، وتثبيط الأشعث المستمر لهذا الغزو ، ومقتل أهل النهروان بتلك اللحظة لا غيرها ، ثم مقتل علي وما كان من ردود فعل على مقتله ، واتهام معاوية بقتلة بكلام صريح من شعر أبي الأسود الدؤلي بقوله :

ألا أبلغ معاوية بن حرب    فلا قرت عيون الشامتينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا    بخير الناس طرا أجمعينا

ك – موقف الأنصار الخزرج بقيادة قيس بن سعد بن عبادة فقد حلقوا رؤوسهم طلبا للثار من أهل الشام .

أخيرا عند عرضي الفكرة على الدكتور فهمي جدعان ، أيدها بقوة ، وقال بالحرف الواحد هذا بحث يرتكز إلى قواعد صحيحة ، وهذه يمكن كتابة مقال فيها ، وينشر في مجلة محكمة .



ماسبق هي حوادث تاريخية سجلت على غيرها ما توصل إليه اعادة النظر لأن الحكام في تلك الفترة أرادوا صورة تخدم أغراضهم وتصحيحها الآن هي وغيرها من شأنه تصحيح المخيال الاجتماعي الذي عليه الناس ( الجماهير ) ويؤدي إلى إزالة ما يتمسك به المضبوعين بالغرب حياة وثقافة من مستمسكات ضد الاسلام يلتقطونها من حوادث التاريخ ، وهذا هو الطريق لا يجاد جدل مثمر يؤدي إلى وضوح كيفية تمكن من استعادة النهضة .



إن وعي ( نحن ) يبدأ من هذا التوضيح ويصل بنا إلى وعي الأخر وعياً قادراً على نقده وبالتالي وضوح وظهور صورتنا كما يجب أن تكون لاكما كانت .



من هذه النقاط يبدأ الحجاج ما بيننا وإلا فبقاء الكارثة .



بقي ما ورد إليه شخصيات سياسية عاملة لاعادة الرشد الاسلامي فعمار بن ياسر مثلاً لم يستطع الأمويين تشويه باسمه لشهرة الاسم فشوهوه باختراع اسم عبد الله بن سبأ ابن السوداء اليهودي له وشتمه بهذا الاسم وتشويه سيرة المختار بن عبيد الثقفي القاتل لكل قتله الحسين بن علي بأنه ادعى الألوهية وتشويه سيرة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بأنه طالب يبيح اللواط وكان مستمراً في ثورته ضد الأمويين إذ قاد الثورة بعد مقتل الامام يحيى بن زيد بن علي زين العابدين وقبلها شوه تاريخ حرقوص بن زهير السعدس بل لا يوجد في التاريخ ما يشفي الغليل لشخصيات مهمة مثل الاشتر النخعي والعباس بن علي بن أبي طالب حامل القربة يوم الطف والحُرُّ بن يزيد التميمي وبشير الرحال وهكذا سار التاريخ يؤرخ الفضائل للسلاطين الظلمة ورجالهم وذاماً لأهل التوحيد والعدل والحق والاستقامة أو يمر عليهم سريعاً أو يجعلهم في طي النسيان .







من هو صالح المهدي ؟



صالح المهدي شخصية لا أعرفها وبالتالي لا أعلم عنها شيئاً ، كل ما في الأمر أنه كتب كتابةً نقدية لمحاضرة " نظرات في التاريخ الاسلامي " ولأي انسان الحق أن يُدلي بدلوه في المحاضرات شريطة أن لا تتحمل العبارات ما يريده الناقد بل تفهم من خلال كلماتها وتراكيبها وسياقها .



موضوع المحاضرة كبير جداً متعلقة بالتاريخ ذلك التاريخ الذي لا يزال يسوقنا إلى التشرذم والاختلاف وجعل دين الاسلام أدياناً عدة فهي دين سلفي وآخر اشعري وثالث ما تدري ورابع صوفي وخامس شيعي وسادس إباضي وسابع زيدي وثامن اسماعيلي بل أن فكرة الدين الأمثل جزأت الفرقة الواحدة أو المذاهب الواحد .



وتعيين الحق من الباطل عند المختلفين لا يأتي من خلال الدعوى أو من خلال تاريخ فرقة أو من خلال الهوى والتعصب تعيين الحق يأتي من خلال البحث عن الحق عبر ركَام التاريخ الممتلئ بالتزوير .



إن كشف التزوير التاريخي الذي وجد على صعيد الانا هو الذي يجعلنا أقوياء لمعرفة تاريخ الآخر ونقده أما تقديم التاريخ الاسلامي السني على نمط مخالف للنمط الشيعي أو الاباضي أو …….. أو ……… فلن يَمُدَّنا بأسباب القوة وإعادة البناء بل سيبقى الأمة اسيرة التشرذم وانتفاع الانتهازيين فالتاريخ الاسلامي مكتوب ليعطي صورة قديسين لمن ترضى عنهم هذه الفرقة أو ذلك المذهب وصورة شياطين وأبالسة لمن يرضى عنهم تلك الفرقة وذاك المذهب من هنا جاء موقفه من محاضرة نظرات في التاريخ الاسلامي إذ لم يرضَ عنها صالح المهدي ولكن المطلوب منه الجدل معها فهل يتمكن ؟



تهافت صالح المهدي



·     عندما يكون الرد مجرد شتائم ! فكيف يكون الرد على هذه الشتائم ؟

·      الأصل في الرد أن يكون مصحوباً بالبرهان أما أن يكون مجرد دعاوى فأمر لا يجوز .

·      لماذا لم يوثق صالح المهدي أقواله ؟



 السيد رئيس تحرير جريدة الوطن الغراء

تحية طيبة وبعد :



شكراً على عناية جريدتكم بنشر الأفكار بحيث يمكن القول أن جريدة الوطن مع أنها جريدة حزبية إلا أنها جريدة تعني بشؤون الأفكار والتفكير وهي هنا تساهم مساهمة فعّالة في رفع مستوى التفكير في مجمل الناس راجياً نشر المقال التالي حول رد السيد صالح المهدي على محاضرة لي نشرت في أعداد متوالية من الوطن هي الأعداد ( 18 ) , ( 19 ) , ( 20 ) ومقال السيد صالح المهدي نشر في العدد         ( 22 ) .



بداية أشكر السيد ( صالح المهدي ) على شهامته قائلاً للسيد ( المهدي ) سلاماً   سلاماً . الأصل في القول التوصيفي أن يكون صدقاً وخروجه عن مسار الصدق يحوله عن حالة التوصف إلى حالة الهوى فهل كان السيد صالح المهدي ـ يلاحظ أن اسمه صالح ! وأنه مهدي ! صادقاً في أقواله وصالحاً في دعاويه ، ومهدياً في أفعاله أم …… !



هذا نمط منها ( وقد احدثت آنذاك أعاد الضمير المستتر إلى محاضرة نظرات في التاريخ الاسلامي ، ردود فعل صاخبة ! في جمهور الحاضرين )



( وتتميز المحاضرات التي يلقيها السيد ذياب في كافة المحافل الثقافية بردات الفعل الصاخبة من قبل المستمعين )



( لما تمتاز المواضيع التي يطرحها ـ في جرأة غربية ـ سواء في التعامل مع النص المقدس ـ القرآن الكريم أو مع السنة النبوية المطهرة ـ والثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحتى أقوال الصحابة والتابعين مروراً بالمدارس الفقهية ـ والتي تنال نقداً شديداً لاذعاً يصل إلى حد لا يمكن لمسلم أن يقبله )



وثمة ملاحظات مهمة حول هذه السياقات أولاً خلوها من التمثيل على أقواله تلك مع أنها أقوال وصفية فكيف كانت الردود صاخبة وثانياً هل الأصل أن يطرح الانسان فكرة على استحياء أم يطرحه ويشرحه ويدافع عنه بجرأة وثالثاً ما هذه التراتيب القرآن الكريم والسنة النبوية وحتى أقوال الصحابة اليس قوله على هذه الصورة يعني أنه يضع رأس قمة التراتيب أقوال الصحابة والتابعين والمدارس الفقهية ويضع السنة ثم القرآن في ترتيب أقل أهمية من الذي صدره بـ ( حتَّى ) ! ورابعاً في قوله ( والثابتة عن رسول الله ) من الذي ثبتها ؟ وهو لا يتكلم عن جملة السنة وإنما عن بعض مفرداتها !



يحاول ( المهدي صالح ) أن يعلل أو يسبب الجرأة الغريبة أو ردات الفعل الصاخبة من قبل المستمعين بقوله في الفقرة الثانية : " وذلك ناشئ من أن الشيخ أمين فُتن في عقله وضل سواء السبيل فالعقل لدى الشيخ مقدم على الشرع … الخ ما جاء في فقرته تلك " .



حجج الله على خلقه هي العقل وبه من خلال قراءة الكون المنظورة عرفنا الله تعالى على صفاته للكمالات أي كونه قادراً وكونه عالماً وكونه حياً وكونه واجب الوجود وكونه لا يفعل القبيح لأنه حكيم وغني ولا يظهر المعجز على يد الكذابين أحدٌ في ذاته أي لا تقبل ذاته إلا بعاض والأجزاء والتأليف واحد أي لا يماثله ثانٍ في صفاته عين ذاته لأن الموصوف بالكمال لا يقبل زيادة معنى على الذات .



وعقلاً عرفنا أن محمداً رسول الله وعقلاً عرفنا كيف نفهم القرآن من خلال إدراك مفاهيم التراكيب القرآنية وعقلاً عرفنا الفعل الحسن من الفعل القبيح وعقلاً عرفنا الحكم الشرعي وفرقنا بين فعل الانتحار هو إقدام الشخص على إزهاق روحه وعرفنا فعل الأقدام وهو تقدم مَن يحتزم الحزام الناسف تجاه العدو لإبادة العدو .



ومقالك أيها المهدي أنشأته عقلاً أم أنشأته عرفاناً وإلهاماً فالعقل أيها المهدي أول الأدلة احتجاج القرآن والسنة لشهادة العقل لهما ولا يحتاج العقل لهما وحجج الله على خلقه العقل فالكتاب فالسنة بهذه التراتيب وهي حجج وأدلة لا تتناقض ولا تتعارض بل تتكامل وتتناسق وإذا ظهر تعارض بين القرآن واستدلال العقل على التوحيد والعدل فلا بد من تأويل القرآن وفق أساليب العرب بحيث لا ينتقض العدل والتوحيد وإذ ظهر تعارض بين السنة والقرآن وعجزنا عن تأويلها أو الجمع بينها فلا بد من رد ما ادعى أنه سنة ! إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول الجور ولا يقول ما يخالف القرآن ولا يقول ما يخالف شهادة الحس المقطوع بها .



هذا هو الفهم الصحيح للإسلام وغيره دوغما يعتنقها المهدي أو غيره فمهلاً أيها المهدي مهلاً وتمعن وتذكره وتدبر وستجد نفسك في محل المخالفة لنفسك وللقرآن والسنة المبينة لمجملة المقيدة لمطلقة المخصصة لعامة المفصلة لمفردات عموم   الأدلة  .



وبالمناسبة ليس لي مريدون أو اتباع ويظهر أن المهدي قاس على نفسه فعلى الغالب أنه أحد المريدين لشيخ ما أو واحد من الاتباع لحبر ما .



تحدث ( المهدي صالح ) في فقرات ثلاث متتالية من فقراته عن المعتزلة ولم يوثق جملةً واحدةً من جملة بل القاها على خطامها كما شاء له الهوى وهذه بعض جملة التي تحتاج إلى وقفات بل إلى غمزات أو لسعات سريعة حتى لا يطول الأمر على القارئ :



1 ـ ( ويريد اعادة بناءه واحضاره من مدفنه )



هل فكر المعتزلة مدفون أم له وجود في كل كتب مقالات الفرق والتفسير   خاصة ؟ ألا تعلم أن أبا بشر كان معتزلياً ، المعتزلة تطلق على الأشعري              ( أبو بشير ) استصغاراً لشأنه وعمله والقاضي ترتفع عن جلوس مع أبي بكر الباقلاني ، والقارئ لمجرد مقالات الأشعري وتمهيد الباقلاني يعلم مدى مغالطاتهما مع أنهما عالة على فكر المعتزلة .



2 ـ ( ولقد بليت الأمة وذاقت الأمرين من المعتزلة والجهمية ومن الأهم الذين حرفوا الكلام عن موضعه وأضصلوا الأمة )



ما علاقة المعتزلة بالجهمية ؟ الجهمية جبرية والمعتزلة عدلية والأشعرية كسبية من هم أقرب إلى الجهمية ؟ أهم المعتزلة العدليون ؟ أم الأشعرية الكسبيون ؟ والقول في الكسب هو قول جبري خالص .



3 ـ ( تحريف الكلام عن موضعه )



هل للمهدي صالح أن يدل على تحريف واحد للكلام عن موضوعه عند    المعتزلة  ؟ هل للمهدي صالح أن يجيب عن الأسباب والقواعد اللغوية التي جعلت الاشاعرة تصف الله بصفته لا هو هي ولا هي غيره ؟ وكيف نسبت الاشاعرة له تعالى كلاماً نفسياً وكيف أثبت الاشاعرة أنهم يرون الله يوم القيامة ؟ كثيرة هي تحريفات الاشاعرة يأمل القارئون لجريدة الوطن أن يمثل هذا المهدي بمثل واحد للتحريف عند المعتزلة أما لقاء الكلام على عوهنة فلن يجدي المهدي نفعاً .



ماذا تعني كلمة الصحابة عند المهدي وشيخه ؟ المسلمون اختلفوا في تعريف الصحابي والصحبة على ستة أقوال كما جمعها ابن الأثير الجزري الشافعي في كتابه جامع المعقول والمنقول وهل الصحابي المفرد أو الاثنين من الصحابة أو الثلاثة أو الأربعة معصومون عن الخطأ والوهم والنسيان بل الافتراء والردة ؟ إضافة إلى حالة الضعف أو ارتكاب المعاصي ، قيل في عدالة الصحابة من أرجوزه السالمي :



أما الصحابي فقيل عـدل
   

وقيل مثل غيره والفصل

بأنه عـدل إلى حين الفتن
   

وبعدها كغيره فليمتحـن



ويقع دائماً المهدي في كارثة خطابه حين التراتيب حيث يؤكد مقولة ويضيف إليها بكلمة دالة في التركيب الذي استعمله أن للتالي بعدها أفضلية ثابتة على سابقه مثل قوله وما خالف عقلهم رفضوه ولو كان حديثاً صحيحاً ثابتاً بالاجماع والأمثلة على ذلك كثيرة ولو أردنا تتبعها ، ويا ليت الأمر وقف عند هذا الحد بل تجاوز ذلك إلى نقله الصحابة ونقد أحاديثهم والتشكيك بهم والتشنيع عليهم كما تجاوز ذلك إلى علماء وأئمة الحديث وإتهموهم بقصر النظر ، وعدم الدقة العلمية والجهل كل ذلك وغيره الكثير مما يجعل المسلم يتعجب أيما عجب كيف يصدر ممن يطلق على نفسه لفظ مسلم مثل هذا الكلام ، يفهم من التركيب أن الصحابة أهم من حديث الرسول وعلماء وأئمة الحديث أهم من الصحابة والمراد من المهدي التمثيل على الحديث الصحيح الثابت بالاجماع ولو بحديث واحد ، ماذا يعنى المهدي بننقد الصحابة ما رأيه بالصحابي الثابت بالاجماع ولو بحديث واحد ، ماذا يعني المهدي بنقد الصحابة ما رأيه بالصحابي من الطبقة الأولى هند بن أبي هالة وهو ابن خديجة من زوجها الأول ، أسلم أول البعثة وشهد المشاهد كلها وشهد مع الامام علي الجمل وقتل يوم الجمل وقتل يوم الجمل عدة البخاري في الضعفاء " انظر ترجمته في تهذيب التهذيب جزء 11 ص 63 "



وما رأى المهدي في تجريح علماء الجرح والتعديل للإمام أبو حنيفة النعمان إذ قالوا عنه ما يلي " أنظر ذلك في فهارس كتاب العلل والرجال لأحمد بن حنبل " .



* جرح رقبة بن مستقلة له أنظر الفقرة رقم ( 760 ) المجلد الأول ( ص 387 ) .

·     في إسناد صحيح عن ملك قال أيضاً في الفقرة ( 3592 ) مجلد ( 2 ص 547 ) قال حدثني أبو معمر عن الوليد بن مسلم قال " قال لي مالك بن أنس أيذكر أبو حنيفة ببلدكم قلت نعم قال ما ينبغي لبلدكم أن تسكن " .

·     وفي المجلد ( 2ص 546 الفقرة 3589 ) حدثني الحسن بن عبد العزي الجردي الجذامي قال سمعت أبا حفص عمر أبي سلمة التنيسي قال سمعت الأوزاعي يقول : ما ولد في الإسلام مولود أضرُّ على الإسلام من أبي حنيفة .

·     وفي المجلد ( 3 الفقرة 5039 ص 236 ) حدثني أبو معمر قال قيل لشريك مما استتبتم أبا حنيفية ؟ قال من الكفر .



مع الاكتفاء بهذا القدر من أقوال علماء الجرح والتعديل في الامام ( أبو حنيفة ) يعلم مدى الأخطاء التي انساق اليها المهدي صالح حين ادعى العصمة لعلماء وائمة الحديث فأبو حنيفة في رأي علماء الحديث مجروح وكاد الدين الاسلامي ولا يسكن في بلد يذكر فيها أبو حنيفة وهو أضرُّ مولود في الاسلام وهو مستتاب من الكفر 000 الخ ما جاء في كتاب العلل والرجال .



يدعي صالح المهدي أن المعتزلة ونتيجة لإطلاعهم على كت الاغريق الفلسفية ومجادلاتهم السفسطائية الكلامية وكذلك الفلسفة الهندية والفارسية جعلهم يخضعون النصوص الاسلامية لهذا النمط في النظر على حد تعبيرهم .



والسؤال ما هي هذه الاخاليط يا سيد صالح ؟ اغريقية وهندية وفارسية إذا كانت الفلسفة اليونانية وحدها مدارس شتى متبانية والأصل ان تقول مثلاً أنهم ان تآثروا بالفلسفة الارسطية أو الابيقورية أو الرواقية أ, فلسفة افلاطون او سقراط أو هيرقليت أو 000 أن تحاول التمثيل على التأثير أما الأقوال هكذا فهي رغماً عن أنه كلام لا محتوى له وإنما هو كلام تخليط والأمل أن لا يقع المهدي في التخطيط والاخاليط اعاذه الله منهما .



متى تمت السيطرة المطلقة للمعتزلة على قصر الخلافة ؟ كأن الأولى بالسيد صالح المهدي تعيين تاريخ السيطرة هل المقصود ما يسمى في التاريخ بالمحنة أحيل السيد صالح على كتاب الدكتور فهمي جدعان صدر حديثاً هو المحنة جدلية الديني والسياسي وبعدها ليكتب لنا رأيه ونحن في أشد الشوق لسماع رأيه .



سأضرب صفحاً عن فقرتين تمتلأن بالسياب والشتائم والدعاوى للوصول إلى فقرة حاسمة هي دعواه حول موقف المحاضرة من صحابة رسول الله مع تعمده التمثيل ولو بجملة واحدة من المحاضرة فمن المعلوم أن ما يسمى بأهل السنة والجماعة يخافون الوعي ولهذا فالتمثيل بجملة أو فقرة من شأنه أن يكشف زيف الدعوى وبطلانها ولهذا تعمد عدم التوثيق رغم سماعه للمحاضرة وقراءته لها .



ليت المهدي صالح يكتب لنا عن السقيفة كتابةً تاريخية موثقة عدد الحضور في السقفية وأسماء الذين بايعوا أبا بكر رضوان الله عليه ومعنى قول عمر إذ وصف بيعة أبي بكر بالفلته فقد جاء في البخاري وفي كتاب الحدود من حديث طويل هو خطبة لعمر بن الخطاب " ثم إنه بلغني ان قائلاً منكم يقول والله لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترَّنَّ أمرؤٌ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلته وتمت إلا وإنها قد كانت كذلك ولكن وقي الله شرها " .



هذا عمر يُحكم على بيعة أبي بكر أنها فلته " انظر البخاري كتاب الحدود الجزئ الثامن ص 302 طبعة دار عالم الكتب مجلد 4 " فما قول المهدي صالح ؟ فإذا كان هذا القول وأمثاله حول انتخاب الخلفاء الثلاثة الفلتة والعهد والعهد المحصور بسته مع إضافة سنة الشيخين هو إتمام لكبار الصحابة فالإثم والوز يتحمله البخاري ويتحمله علماء أهل السنة والجماعة ومن المتقين إنني لم احضر بيعة أي واحد منهم ولم أنقل الكلام من كتب المعتزلة بل المعتزلة وخاصة البصرية دافعت  دفاعاً مجيداً عن بيعة الخلفاء الثلاث الأول والاعتراض لم يكن عليهم من حيث كونهم يستحقون الخلافة وإنما على الطريقة التي انتخب فيها الثلاثة والتي كانت فيما بعد السبب الذي اتركز إليه معاوية في انحرافه الكبير أي تحول الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض كثير هي لأمور التي تحتاج للرد ولكن إني للمهدي صالح وقد ترك عقله في مكان ما أن يفهم ويتقهم أنها عين طريقة اسلافه الحشوية النوابت المقلدة في دينها الملغية لعقلها الكاذبة على رسول الله في كثير من أقوالها .



ما الفرق بين مقلدٍ في دينه
   

راضٍ بقائده الجـهولِ الحـائر

وبهيمةٍ  عجماء قاد زمانها
   

اعمى على عوج الطريق الجائز



هدى الله صالح المهدي هداية لطف وتوفيق وبعد " هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين "



وختاماً سلاماً سلاماً





   بسم الله الرحمن الرحيم

كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ

(المطففين:14)



هذه محاضرة لأمثالك من مدعي حب النبي وآله

الديمقراطية

الديمقراطية !! الديمقراطية !! الديمقراطية !! الديمقراطية !! الديمقراطية !!!

الديمقراطية ليست حلا . هي تشريع آخر للاستلاب

  هذه محاضرة عن الديمقراطية في زمن تمدح الأردن في الديمقراطية الفترة من 1989- 1993 م ألقيت في 8/2/1993 م والآن في هذه الهجمة الأمريكية الديمقراطية الجديدة والتي تخفي الخطر إذ ليس المراد منها تحرير الإنسان في العالم العربي بل يراد تكبيل الإنسان رغبت في اطلاعكم عليها   

هذه الديمقراطية التي أدخلتْ على امتنا من أوسع الأبواب ، وأخذت تمدحها مختلف التيارات ، وأنواع الحكومات ، وادعاها كلًّ المفكرين ، وألقيت عنها المحاضرات وعقدت في سبيلها الندوات .



ندوات شرقية !! وأخرى غربية !! حتى تحول الشجر والحجر ، والزرع والثمر ، والحاكم والمحكوم ، والجلاّد والمجلود ، والقاتل والمقتول ، والمادح والممدوح ، والذام والمذموم ، والنائب والمتنفذ المؤيد للصلح مع إسرائيل مع النائب والمتنفذ المعارض لذلك ، كل هؤلاء تحولوا إلى مجموعة منشدين عن الديمقراطية .



الديمقراطية في أجلى معانيها وأعلى مبانيها ، هي ديمقراطية الولايات المتحدة فهل يستطيع أحد أنْ ينازع في ذلك ؟ لكن ما هي معطياتها حتى داخل الولايات المتحدة ؟ هل أزالت الفقر والجهل والمرض من الولايات الخمسين ـ التي تضم الولايات المتحدة ـ ؟ هل ساوت بين أمريكي من أصل أوروبي وأمريكي من أصل أفرو أسيوي ؟ .



هل يمكن لواحد لا يملك إلا القليل من الدولارات ؟ أن ينجح في تسلُّم مركز حاكم لولاية أو عضو كونغرس لولاية أو أن يكون واحداً من سنيتورات إحدى الولايات أو رئيس الولايات المتحدة ؟



وهل يمكن لهذا صاحب القليل من الدولارات ؟ أن يعالج مرضه بنفس الرعاية العلاجية التي تُمنح لرئيس الولايات المتحدة ؟ أو من هو في واحد من مراكز القوة وعاشت الديمقراطية وليسقط العدل !!! وسلاماً سلاماً لا متى التائهة وبعد هذه محاضرة قصيرة عن الديمقراطية .



الإسلام والديمقراطية



احمد الله الأحد الواحد ، المنزه عن المماثلة والمشابهة ، الحكيم الخبير الغني ، فلا يفعل العبث فكل أفعاله رحمة لنا وفي كل زيادة تكليفية عوض من كريم ، هو الله الرحمن الرحيم تجلت آياته الدالة عليه في أنفسنا ، وفي حياتنا ، وفي كوننا وأشهد أن محمداً خاتم رسله وبعد .



اشكر نادي أسرة القلم إذا أحسنوا الظنَّ بي فدعوني لتناول موضوعٍ يُشغل  الأذهان وتتعدد به الآراء هو موضوع الإسلام والديمقراطية وقبل أن أدخل إلى الموضوع لا بد من التأكيد على أن الإسلام غير الديمقراطية والديمقراطية غير الإسلام ولا مجال لتداخل الكلمتين مع بعضهما على مستوى الأصل اللغوي وعلى مستوى المدلول وكلامي بشأنهما هو مجرد إشارات دون التفصيلات .



فالإسلام كلمةٌ عربية اللغة صوتاً ووزناً وهي كلمة أصلية في اللغة أوردها القرآن الكريم في أكثر من معنى حسب لغة العرب فمن معانيها التعري من الآفات الظاهرة والباطن والسلم هو الصلح والإسلام هو الدخول في دين الإسلام ظاهراً أو يكون بمعنى الإيمان التام أي في العقل والقلب والفعل .



والإسلام اصطلاحاً هو اسم علم على الدين الذي انزله الله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم مرجعيته النص القرآني  وبيان الرسول لما أجمله القرآن أي السنة القرآني والسنة هما الوحي وقد نشأ من خلال جعلهما مرجعية التاريخ الإسلامي والتراث الإسلامي والآخران لا ينظر إليهما كمرجعية وإنما ينظر إليهما على إنهما نتاج البشر كفعل وفهم اجتهادي وهما أفقنا المعرفي .



الديمقراطية كلمة يونانية من حيث اللغة ، وهي مصطلح سياسي يوناني الأصل ، أما الآن فقد حدثت قطيعة تامة بين أصله اليوناني وحقيقته التي شكَّلها الفكر الغربي الرأسمالي ولا مجال للقول بوجود تشابه ولو قليلاً بين أصله اليوناني وسماته الغربية الرأسمالية فلا بد من الانتباه الشديد لهذه الحقيقة .



يزعم محبو الديمقراطية والمروجون لها أنَّ الديمقراطية هي حكم الشعب للشعب وبالشعب ارتكازاً على مفهومها اليوناني وهي بهذا المعنى لم توجد أبداً ولن توجد أبداً لاستحالة بقاء الشعب مجتمعاً على الدوام  للنظر في الشؤون العامة فلا يمكن أن يكون الشعب كله حاكماً أو أن يتولى الإدارة أو أن يقوم بالتشريع والقضاء ولهذا كان  لابد من تأويلها بإيجاد السلطات الثلاث .



1-   السلطة التشريعية ممثلة بالمجلس التشريعي وهذا المجلس التشريعي يختلف باختلاف الدساتير ففي الأردن نصت المادة ( 25 ) من الدستور الأردني على ما يلي : تناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك ويتألف مجلس الأمة من مجلسي الأعيان والنواب .

2-   السلطة التنفيذية وهي الحكومة ويتولاها رئيس الحكومة وهي أيضاً تختلف باختلاف الدساتير ففي الدستور الأردني المادة ( 26 ) تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام هذا الدستور .

3-   السلطة القضائية وهي أيضاً تختلف باختلاف الدساتير وفي الأردن نصت المادة ( 27 ) من الدستور السلطة القضائية تتولاها المحاكم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر جميع الأحكام وفق القانون باسم الملك .

وقبل هذه المواد ( 27/ 26/ 25 ) تطالعنا المادة ( 24 ) في الفصل الثالث بعنوان السلطات / أحكام عامة وتقول المادة ( 24 ) .

1-   الأمة مصدر السلطات .

2-   تمارس الأمة سلطاتها على الوجه المبين في هذا الدستور .

بتناول الكلام السابق الديمقراطية في مفصلين هي :

أ- خياليتها                           ب- واقعها

ولإكمال البحث لا بد من البحث في مفصلين آخرين هما:

أ- قصورها                         ب- اشكاليتها .

قصورها يطلب الإنسان من نظامه السياسي مطلبين :

1-   معالجة مشاكله الداخلية في الاقتصاد / الاجتماع / التعليم / الرعاية الطبية / الأمن الداخلي بكافة أشكاله / العدل ، وفي السياسة الخارجية العزة والحماية ولا أظن واحداً عاقلاً يقول أن في الديمقراطية مثل هذه المعالجات فالديمقراطية أولاً وأخيراً هي حق الشعب في انتخاب نوابه انتخاباً حراً لمدة زمنية تختلف باختلاف الدساتير وهي في الأردن ( 4 ) سنوات وفي الدستور الأردني المأخوذ عن الدستور البلجيكي عالجت المواد ( 62 – 96 ) مجلس الأمة بقسميه الأعيان والنواب ، ويفهم أن صلاحيات مجلس النواب على الخصوص هي صلاحيات ثلاث فقط .

1-   منح الثقة للوزراء المجلس أو أحد الوزراء .

2-   التشريع.

3-   المسائلة الحكومية أو المحاسبية فأين هذا الشعب في هذه الصلاحيات وأين العلاج للمشاكل الداخلية والخارجية فيها .

أما إشكاليتها فتبدوا في كون الديمقراطية محتاجة على وجه التلازم للحريات والتعددية مع حق الأكثرية بالحكم وتساوي الناس في رعاية الدولة ولأول وهلة يظن أن هذه الأمور تخلو من الإشكاليات .

          أولاً :- الحريات ليست هي الحرية الإنسانية أي حرية الإرادة والسيادة وإنما المقصود بالحريات ، الحريات الأربعة : الحرية الشخصية ، وحرية الاعتقاد ، وحرية التعبير ، والحرية الاقتصادية ، وسأركز على الحرية الرابعة ، لا لأن الثلاث الأولى تخلو من الإشكاليات بل لأن الحرية الاقتصادية هي أسباب ما يجرى في العالم اليوم من شقاء فكل مآسي العالم ـ والعالم الثالث على وجه الخصوص ـ يكمن في إطلاق الحرية الاقتصادية ويمكن القول أنها إله العالم اليوم ، فالولايات المتحدة وأعوانها الغربيون  G . 7  همهم ممارسة الشرور على العالم كله اليوم ! .

        ثانياً : - التعددية وحق الأكثرية في الحكم . هل هذه الأكثرية فعلاً وواقعيا في دول العالم الأول في محل النزاهة والمحايدة ؟ بحيث يمكن القول أن لا مصالح لها لتسير الحكم على هذا الوجه أو تلك الصورة ، هذا ببلدان الديمقراطية الغربية !! أما بلدان الديمقراطية الناشئة في الأردن ، مصر ، تركيا ، اندونيسيا، المغرب العربي ، تونس ، لبنان ، الهند ، وباكستان أليست هذه الأكثرية تتوجه حسب رغبة رأس الحكم .

       ثالثاً : - التساوي : هل يمكن التساوي في فرض العمل ؟ كفاءة مميزة ! وكفاءة عادية ! أو كفاءة متدنية ، أو لا كفاءة ؟ أو ظروف خاصة ، أو ظروف عامة ، وهل يمكن التساوي في فرص التعليم العالي أمام معدل علمي (96 % ) ومعدل ( 70 % ) بقي الزعم التساوي في القانون !! هل يمكن وعلي الحقيقة التساوي في القانون أمام من يستطيع من ناحية مالية توكيل أقدر المحامين ؟ ومن لا يستطيع توكيل حتى كاتب استدعاءات ؟ .

الديمقراطية الغربية معروفة للغربيين ومفكرو الديمقراطية الغريبة يدركون اشكالياتها والكثير منهم كفر بها ، أو رفضها ، أو نقدها ، وشعوب الغرب العامة ( الأنعام ) ( 1 ) وقعت أسيرة حبها ،  ولهذا رأت في حرب العراق وقتل أهله وأطفاله  و شيوخه ونساءه وهدم عمرانه وإنشاءاته عملاً ديمقراطياً .

ملاحظة : شعوب الغرب كافة ذات وعي على حاجاتـها النفعية ، وتمتلئ بحب الشهرة والعُجب والاستكبار ، فكل هم شعوب الغرب هو أمنها السياسي والاقتصادي ، أما بقية شعوب العالم ؛ فالنظر إليه قائم على استصغار شانه ، وتحقير مكانته ، وضرورة تبعيته للغرب ، وهذا الوصف يفسر موقف الشعوب الغربية من بقية العالم .ولا يلفتنكم أيها الرجال وجود بؤر معكم فهي غير مؤثرة .





الديمقراطيون المراهقون في العالم الثالث في الأردن ، في مصر ، في تركيا ، في تونس ، وفي المغرب ، يتغزلون بها ويمجدونها أكثر من أهلها الحقيقيين ، لكنهم يرفضون إعطاء تعريف لها تاريخياً أو لغوياً أو مفهومياً ، لأنهم لا يعرفونها إبتداءاً وليست لديهم مفاهيم عنها .



بعض أهل الحب للديمقراطية أخذ يقسم الأقسام المغلظة أنها تنتمي إلى الإسلام بل هي روحه أو حقيقة يلوى عنق الآيات كما يريد مع أنه لا توجد آية واحدة أو واقعاً واحداً في حياة محمد صلى الله عليه وسلم يدل على تلك الديمقراطية .



الإسلام ينظر إلى الأمة فيجعلها صاحبة السلطان ، السلطان للأمة . ويرى أن الأمة تتكون من خلال وحدة أفكارها ومفاهيمها ومقاييسها وقناعتها ، المستمدة من مرجعيتها الفكرية ، فينتج عن ذلك إرادة عامة هي إرادة الأمة ، وإذ تحدد تلك الأفكار والمفاهيم والمقاييس والقناعات مشاعر الأمة . فتكون تلك المشاعر سيادة الأمة ، والإرادة والسيادة غير قابلين للتجزئة ، أو التنازل عنها أو بعضها ، وهذا ما يسمى بالقيمة الذاتية للأمة ، ومن خلال هذه الإرادة العامة والسيادة العامة تولى الأمة السلطة لمن تريد . لأن السلطة وهي مظهر الإرادة العامة والسيادة العامة قابلة للتنازل عنها ، أو عن بعضها . أي بموجب الإرادة العامة والسيادة العامة تعطي السلطة للحاكم .



إن سلطان الأمة في الإسلام يتمثل في الامام الحر العدل المكلف العالم المجتهد الكفء الشجاع السليم الحواس الصحيح الجوارح القادر على تولي مهام السلطة نيابة عن الأمة بموجب اختيار حر فيكون بين الأمة وأمامها عقد مراضاة على تولي الأمر وفق شروط العقد الذي هو عقد على الرعاية على أساس الإسلام ، ونحن المعتزلة نجيز بعد الدراسة والبحث دخول التوقيت على العقد ، إذ جر العقد الدائم البلاء على الأمة ، بأن تناقلها أهل الملك العضوض على سبيل الوراثة ، ولهذا نتبنى ضرورة التوقيت في المدة . ونراه هو الصواب وغيره الخطأ .



صورة الاختيار هذه لا تطابق اختيار الحاكم في الديمقراطية الغربية ، إذ هي تفترق عنه في أكثر من حالة ولهذا لا بد من منع مراكز القوى من التأثير في انتخاب هذه الأمام ، ولا بد من أن تكون في محل القدرة على عزله  ،من خلال محكمة المظالم لمجرد فقدان شرط من شروط الأهلية أو مخالفة شروط العقد .

معاونو الأمام وولاة الولايات وأمراء المقاطعات يشترط فيهم ما يشترط بالأمام باستثناء الاجتهاد وهم والأمام ، لا يجوز لهم الاحتجاب عن الناس ، فهم يتولون أمامه الناس بالصلوات الخمس ، والجمع والأعياد وكل الصلوات المسنونة جماعة ، أول الناس في اللقاء وآخرهم في المغانم .



إن الشورى حق عام للمسلمين وأهل الذمة ، وأنه وإن كان يجوز إيجاد مجلس أمة منتخب انتخاباً مباشراً من كل الناس ، ويجوز لأهل الذمة وللنساء دخول هذا المجلس ، إلا أن للمسلمين والمواطنين إبداء رأيهم في إحسان التطبيق أو إساءته مباشرة فالوكيل وهم أعضاء مجلس الشورى لا يمنعون الأصيل من مباشرة هذا الحق ـ أي الشعب / الأمة .



في هذه الصورة التي وردت على شكل مختصر جداً ، يظهر الفرق واضحاً جلياً بين الحكم الإسلامي الذي نسعى إليه وهو سلطان الأمة ، وبين الديمقراطية المروج لها والتي هي حكم الأكثرية أو الأقلية المستولية على مراكز القوى من خلال حيازتها على المال والأعلام .



إن الديمقراطية لا علاقة لها بالإسلام ، ولا تمت له بأدنى سبب فالإسلام  بريء منها وكون الأمة تعاني الإحباط والتردي والسقوط فإنه لا يجوز لها أن يصيبها الإعشاء فلا تبصر   الدرب .



(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)

) ( 1 ) .





كربلاء مراجعة تاريخية



·         قال تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة:32)

·          طالعت تاريخ الإنسان جيلاً بعد جيل فلم أجد فيه غير الغدر إلا ما ندر وأي وباء أو شيطان لا يستطيع أن يحدث نصف الشرور أو نصف الدمار الذي يحدثه الإنسان للإنسان " قائل عربي مجهول .

·         من يصنع التأريخ الأحرار أم العبيد ، الأعزاء أم الأذلاء ، دعاة الحق أم دعاة الباطل ، دعاة الصلاح أم دعاة الفساد ، الجبريون أم العدليون ؟ "

·          ما الذي يختاره الإنسان لو ترك مواجهاً هذه الثنائيات الجنة أم النار ، الدنيا أم الآخرة ، جند الله أم جند الطواغيت ، الفانية أم الباقية ، العاجلة أم الآجلة " .

·         وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة:30)

·

   ورب سائل يسأل لماذا كربلاء ؟ ألانها قمة المأساة الإنسانية ؟ أم لأنها لا زالت تتكرر على صورة وأخرى الفجار ينتصرون والأبرار ينهزمون ، الفساق يتسودون والأتقياء يخنعون ، الضالون يسيطرون والمهتدون يستضعفون .

   فكربلاء لا تزال مماثلة وما من أحد منا إلا وفي حياته كربلاء . كربلاء تمضي وأخرى تأتي رحماك ربي فنحن المفسدون في الأرض .

ما هي المراجع التي أُعتمدت لمراجعة كربلاء .

   أولاً : بل أهم مصادر هذا البحث هو كتاب استشهاد الحسين مجموعاً من روايات المؤرخ محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة ( 310 هـ ) جمعة السيد ألجميلي .

   ثانياً : مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني المتوفى المتوفى سنة ( 356 هـ ) .

 ثالثاً: كتاب البداية والنهاية لابن كثير حوادث سنة ( 61 هـ ) جزء ( 8 ) مجلد ( 4 ) .

 رابعاً: كتاب مقتل الحسن لعبد الرزاق الموسوي المقرم .



خامساً: كتاب العواصم من القواسم للقاضي أبي بكر بن العربي المتوفى سنة                  ( 543 هـ ) .

   سادساً: رسالة صغيرة ذات طابع أدبي للدكتور علي شريعتي بعنوان الحر إنسان بين خيار الفاجعة والفلاح .

   مع عودة لترجمات الرجال في الأعلام للزر كلي والإصابة لابن حجر والاستيعاب لابن عبد البر وتهذيب التهذيب لابن حجر ، ومن الخطب جمهرة خطب العرب لأحمد زكي صفوت .

الدواعي والرجال في حدث كربلاء أو خيوط في الحدث

   في صف الحسين بن علي بن أبي طالب يظهر عددٌ من الرجال يبلغ حوالي ( 80 ) رجلاً ، ففي مقدمات الحدث يظهر مسلم بن عقيل بن أبي طالب وهاني بن عروة ألمرادي وشريك بن الأعور . لقد أظهرت أحداث الكوفة بين مسلم بن عقيل ومن بايعه لصالح الحسين بن علي بن أبي طالب بأن الكوفة كلها مع الحسين ، لقد استطاع مسلم بن عقيل محاصرة عبيد الله بن زياد الذي تحصن داخل القصر فلجأ عبيد الله بن زياد إلى الحيلة بإشاعة أن جيش الشام قادم وقد تولى هذه الإشاعات أكابر الأقوام أهل الولاء لبني أمية فتفرق أهل الكوفة عن مسلم بن عقيل ولم يبقى معه إلا ثلاثون رجلاً .

   هذه المادة المكثفة جداً والمختصرة جداً تشكل حقيقة هامة هي أن أهل الكوفة على الاجمال مع الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأنهم يرفضون رفضاً تاماً بيعة يزيد ولكنهم دون تنظيم يربطهم بخلاف القوة الأخرى فالضبط والربط واضح في تصرفاتها وأفعالها ، فالأفكار وحدها غير قادرة على التنظيم وأن كانت أساسية للتنظيم أما الأفعال فتحتاج إلى تنظيم يمتاز بخلوه من التعقيد مع دقة التنظيم وقدرته على التفعيل وإذ لم يكن تنظيم الكوفة على هذه الصفة ظهر الضعف جلياً لكن الرسائل التي أرسلت للحسين والتي بلغت ثمانية عشر ألف توقيع كانت تكشف عن حاله تأييدهم لا واقع تنظيمهم ومن هنا كان المأتي .

   لا بد من سؤال : من هم الامام الشرعي للمسلمين ؟ أهو يزيد بن معاوية ؟ أم هو الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟ أم هو عبد الله بن الزبير الذي أخذ يباشر بعض الشؤون بمكة ؟ هذه هي كبريات المشاكل الاسلامية ، من هو الامام بعد موت   معاوية ؟

لقد كان الحل في الخلفية الأول بيعة السقيفة التي وصفها كما نقل البخاري عن عمر أنها فلتة وقي الله المسلمين شرها أهو العهد من الخليفة وهو على فراش الموت كما هي من الخليفة الأول أبو بكر للخليفة الثاني عمر بن الخطاب ؟ وكان أبو بكر على فراش الموت ، أهو العهد لستة كما هي في عثمان ؟ أم هي بيعة العاصمة والحضور من الأمصار كما هي بيعة علي ؟ أم هي تنازل الحسن بن علي لمعاوية ؟ تلك هي الاشكالية والمشكلة الكبرى والتي لا زالت محل النزاع .



يقول ابن العربي في كتابه الشهير العواصم من القواصم ، فعدل أي معاوية بن أبي سفيان ، إلى ولاية ابنه وعقد له البيعة وبايعه الناس وتخلف عنها من تخلف فانعقدت البيعة شرعاً لأنها تنعقد بواحد له وقيل باثنين فإن قيل أن من شروط الامامة العدالة والعلم ولم يكن يزيد عدلاً ولا عالماً فإن الحكم في ذلك متعذر كما أن الامامة المفضول موضع جدل وخلاف بين العلماء وقد أكثروا القول على يزيد ورماه بعضهم بالمنكرات فقيل أنه كان خمَّاراً فإن ذلك لا يحل إلا بشاهدين فمن شهد بذلك عليه ؟ وقد روى بجير بن كثير عن الليث بن سعيد قال الليث توفي أمير المؤمنين يزيد في تاريخ كذا فسماه الليث أمير المؤمنين بعد ذهاب ملكهم وانقراض دولتهم ولولا كونه عنده كذلك ما قال إلا تُوفي يزيد وقد روي الثبت العدل عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن محمد بن المنكدر قال ابن عمر بويع يزيد إن كان خيراً رضياً وإن كان شراً صبرنا .

تلك هي فقرات مليئة بالعجائب والغرائب والمنكرات لا تقوم على دليل تدافع عن الباطل وتعقد له انظر إلى قوله فانعقدت البيعة شرعاً لأنها تنعقد بواحد وقيل باثنين وانظر إلى قوله أن الليث بن سعد كان يُسميه أمير المؤمنين وانظر إلى قوله أن ابن عمر قال إن خيراً رضيناه وإن كان شراً صبرنا !!



ألا ترون معي أن تأسيس فكر اسلامي يتعلق باختيار ولي الأمر وحق الطاعة سار بلا زمام أو خطام ولا زلنا حتى هذه اللحظة نحصد مرة ونتجرع علقمة وتصبح الأحداث بكربلاء وتسمى بكربلاء أخرى !!



سنتجاوز أصدقائنا الشيعة الإمامية القائلين بالوصية والنص والتعيين لأننا نختلف معهم في هذا المضمار ولكننا سنحاور القائلين بعقد المراضاه وبعد ذلك يقولون بأن مغتصب الامامة خليفة أو يكفي لبيعة خليفة عهد من خليفة سابق أو يكفي واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة يبايعون الخليفة بيعة انعقاد وما على البقية إلا بيعة الطاعة ويطاع هذا الخليفة وإن أكل المال وإن أعطاه الزوج والولد والأقرباء وإن ظلم وأكل مال اليتيم وما دام خليفة فالصبر الصبر وإن ارتكب هذا كل المعاصي والآثام !!



قيل حديثاً أن آلية أو طريقة عزل الخليفة هي محكمة المظالم ، وقضاة المظالم يعنيهم ويعزلهم الخليفة وقضاة المظالم إنما هو قاض واحد لا غير ولم تعين بوضوح الأسباب الموجبة لعزله أي مرجعية قانونية للعزل مع أن كتب الحديث والكتب التي عالجت نظام الحكم في الاسلام أوردت أحاديث كثيرة تقول بالطاعة مهما كانت حالته فقد أخرج مسلم حديثاً عن حذيفة جاء فيه على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان   إنس ، قال : قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ، قال : تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع ) ، ومع أن هذا الحديث مرسل كما قال الدار قطني لأن الرواية أبا سلام لم يستطع من حذيفة إلا أن النووي حكم بصخته لاتصاله بطريق أخرى .



ما يجب أن يفهم أن خروج الحسين إلى الكوفة هو أمر ضروري مستند إلى أمرين : الأول رغبة الكثرة من المسلمين وخاصة ( مصر الكوفة ) في البيعة لامام عدل ومن هو أفضل من الحسين لهذا المركز ، وثانيهما وقد تحولت الخلافة تحولاً جذرياً ال أن يورثها الأباء للأبناء ولولا ثورة الحسين لعُدت سابقة دستورية في عرف هذا اليوم أو لقيل أن اجتماع البقية من القرن الأول إلى التابعين يصلح دليلاً شرعياً على جواز انتقال الامامة إلى إزث يتوارث وكانت ثورة الحسين كلمة فصل بين نظام لبتوريث ونظام الانتخاب من قبل الأمة مع أن الذي ساد نظام التوريث إلا أنه لم يأخذ أي مستند مرجعي فهو ملك جبري وبقي حلم الخلافة الراشدة ، خلافة العدل يراود أذهان جميع المسلمين منهم من قال بانتظارها وهم الشيعة وأهل الشيعة وأهل السنة والجماعة ومنهم من قال بالثورة لأجلها أي طلبها بالثورة وهم المعتزلة والزيدية وفق الخوارج كلها وسنرى فيما بعد أن الاسماعيلية قالت بأن الزمان لا يخلو من إمام مستور أو ظاهر .



لا يمكن لهذه العجالة أن تعرض مقتل الحسين وآل بيته الكرام من البداية حتى النهاية لكن من الممكن أن تسجل ما جرى ليلة العاشر من محرم سنة ( 61 هـ ) ، وطيلة ذلك النهار العبوس .



قائد عسكر الطغاة عمر بن سعد بن وقاص ومعه من المقاتلة عدداً لا يقل عن أربعة آلاف بأية حال وأركان حرب عسكر الطغاة على ربع أهل المدينة عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الحنفي وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس الكندي وعلى ربع تميم وهمذان الحر بن يزيد الرياحي .



وفي هدوء اليلة الليلاء ، ليلة الجرح الدامي ، دار بين عمر بن سعد بن أبي وقاص والحر بن يزيد الرياحي نقاش فيقول الحر لعمر بن سعد " أصلحك الله أمقاتل أنت هذا الرجل ؟ " ويجيبه ابن سعد أي والله قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي " قال الحر : " أفمالكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم ؟ " قال عمر : " أما ولله لو كان الأمر لي لفعلت ولكن أميرك قد أبة " ، عمر بن سعد ومن هو سعد أنه ابن أبي  وقاص الذي يفخر رسول الله أنه خاله فعمر بن سعد ليس شخصية عادية وهو يعلم على الأقل الأحداث من ( 25 ـ 61 هـ ) ، وهو يعلم ماذا يفعل وأي سلطة سياسية يخدم ؟ ويعلم لماذا يفعل ذلك ؟ وبأي ثمن لقد قبل هذه المهمة الشاذة ؟ لقاء الحصول على منصب سياسي يدر عليه المجد وزخرف الحياة الدنيا ، وهي صورة لا زالت تتكرر وتتكرر ، الحجة أن الأمير يريد ذلك ؟ والحر بن يزيد رجل حرب وأقدام ، وهو رجل في الحدث حياته عادية يعمل مع السلطة بمؤهلاته الفردية يراه مجرد عمل وتدبير معاش وهو يرى أن العمل وتدبير المعاش ليس على حساب المشاركة بقتل آل بيت النبي لو كان غير الحسين وغير أهله لكان يمكن أن لا تبصره عيناه ولا أن ينفتح قلبُهُ !!



كانت لحظة حرجة مر بها الحر ، الحر اسمه فهل له من اسمه نصيب ؟ كم هي الأسماء التي ليس لها من إسمها نصيب !! اسمه صادق أمين فلا يكون صادقاً ولا أميناً اسمه مخلص فإذا الاخلاص بعيد منه ‍‍‍!! اسمه عبد الحق فإذا هو عبد الباطل ، لحظة طويلة رغم قصرها الزمني في مقياس دقات الساعة وبعد عراك مع نفسه هدأت نفسه لأنها قد وصلت إلى قرار !!     



الانسان وجود مدرك لذاته وللحياة التي يحياها وللكون الذي يعيش فيه وهذا الادراك يقيم عنده وعياً ذاتياً مما يجعله يدرك حريته  Freedom وليس الحريات  Liberlism ويجعل لحياته غاية ويدرك سر قوته بأنه ذو إرادة وصاحب سيادة أما الانسان غير المدرك لذاته فإن ادراك لذاته فإن ادراك ذاته يتحول عنده بطريقة المغالطة أنه مجرد عبد له سيد يخدمه ويقدم حياته فداءاً له مقابل بطنه وفرجه وشهواته بين هاتين العلامتين يتحرك الانسان فيكون في أحدهما أو بينهما وهكذا تحول الحر إلى النقطة الأولى وتحول عمر بن سعد إلى النقطة الثانية ، انظر إليه وهو يقول للحر أما واله لو كان الأمر لي لفعلت ولكن أميرك قد أبى ! تلك هي اشكالية الانسان أمس واليوم ولعل غداً يكون غير ذلك ، وما أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود حتى يرتفع صوت المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله . ويصلي أميرُ جيش الطغاة بجيشه وفي ختام الركعتين تتمتم الشفاه اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد فلا تردعهم تلك التمتمة عن إعمال السيف في أجسام ورؤوس آل محمد إنه الفصام النكد كما يقول سيد قطب إنه فصل المصطلحات عن    معناها ، إنه إفتقاد اللسان عقله وقلبه .



لا بد من وقفة مع شخصية أخرى هي شخصية شبث بن ربيعي قال عنه صاحب الاعلام نقلاً عن الاصابة ورقم ترجمته ( 955 ) وعن تهذيب التهذيب 4/266 وميزان الاعتدال 1/440 والتاج 1/627 هو شبث بن ربيعي التميمي اليربوعي أبو القدوس شيخ مضر وأهل الكوفة في أيامه أدرك عصر النبوة ولحق بسجاح المتنبئة ثم عاد إلى الاسلام وثار على عثمان وكان ممن قاتل الحسين ثم وَلَى شرطة الكوفة وخرج مع المختار الثقفي ثم انقلب عليه وأبلى في قتاله بلاء حسناً وتوفي في الكوفة سنة ( 70 هـ ) ومما لم يروه صاحب الاعلام أنه كان مؤذناً لسجاح ، وقال ابن الكلبي كان من أصحاب علي وقال معتمر عن أبيه عن أنس قال شبث أنا أول من حرر الحرورية وذكر الطبري من طريق إسحق بن طلحة قال لما أخرج المختار الكرسي الذي كان يزعم أنه كالسكينة التي كانت في بني اسرائيل صاح شبث بن ربيعي يا معشر مضر لا تكفروا ضحوة قال فاجتمعوا قال إني لأرجوها له .



سأقف عند جملة " إني لأرجوها له " من خبر ينقله اسحق بن يحيى بن طلحة وقد أجمعوا على ضعفه وليس اسحق بن طلحة بسبب أن اسحق مات سنة ( 56 هـ ) أي قبل ثورة المختار أما اسحق بن يحيى بن طلحة فقد مات سنة ( 164 هـ ) السبب لجملة أرجوها له سياسي ألم يشارك بقتل الحسين ؟ !



أرسل ( من الرَّجالة ) شبث بن ربعي ( مع المقاتلة ) حجار بن البحر ( مع المقاتلة ) يزيد بن حارث ( على الخيل ) عزرة بن قيس ( ميمنة ) عمر بن الحجاج ومحمد بن عمير بن عطارد بآخر كتاب وصل إلى الحسين من أهل الكوفة وفيه أن الناس ينتظرونك لا أرى لهم غيرك فالعجل العجل يا ابن رسول الله فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار وأورقت الأشجار فاقدم إذ شئت فإنما تقدم على جند لك مجندة ! وكل هؤلاء كانوا قادة المقاتلة ضد الحسين إنها صورة كئيبة ( 1 ). قائد عسكر الحق الحسين بن علي بن أبي طالب ، وابن فاطمة الزهراء ، فجده المصطفى عليه السلام ولد سنة أربع للهجرة على الغالب كم هي المرات التي حمله فيها الرسول ! وكم هي القبلات التي طبعت على جبينه وعلى ثغره مات رسول الله وعمره ست سنوات ، ومات علي بن أبي طالب وعمره ( 36 ) سنة ، شارك في كل حروب والده وهي الجمل وصفين أما النهروان فلا علاقة لها بالامام لأنها مختلفة كل الاختلاف عن طريقة علي بالقتال ، طُلب منه بيعة يزيد مرتين الأولى في حياته معاوية فرفض والثانية بعد موت معاوية ، فقد ورد من دمشق أثر مبايعة يزيد كتاب إلى عاملة على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان أي ابن عم الطاغية يزيد وجاء في هذا الكتاب ما يلي : " أما بعد ، فإن معاوية كان عبداً من عباد الله أكرمه واستخلصه ومكن له ثم قبضه إلى روحه وريحانه ورحمته ، عاش بقدر ومات بأجل ، وكان قد عهد إليّ وأوصاني بالجذر من آل أبي تراب لجرأتهم على سفك الدماء ، وقد علمت يا وليد أن الله منتقم للمظلوم عثمان بآل أبي سفيان لأنهم أنصار الحق وطلاب العدل فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة من أهل المدينة " ، هكذا وردت الرواية في كتاب مقتل الحسين أما في الطبري فليس فيه ذكر آل أبي تراب والانتقام للمظلوم عثمان وفي كلا المصدرين أن الكتاب أرفق بورقة صغيرة " أما بعد فخذ حسيناً وعبد الله بن الزبير أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى بايعوا والسلام " .



يكشف الكتاب أن الحسين رضوان الله عليه كان أمام خيارين : خيار البيعة ليزيد أو خيار الأخذ الشديد وكلا الأمرين علقم ومر فكان لا بد من هجرة فهاجر في جنح الظلام إلى مكة المشرفة وبقي في المدينة من الطالبين محمد بن علي بن أبي طالب وأولاده أما أكثرية الطالبين فقد ارتحلوا مع ابن سيد البشرية الحسين بن علي بن أبي طالب ، وفي وردته الرسائل فأرسل مسلم بن عقيل كما مر وكان تقرير مسلم بن عقيل أن الجماهير معه وبين ارسال تقرير مسلم ورحيل الحسين إلى الكوفة انقلبت الأمور بالكوفة ، بعد أن تولاها الطاغية عبيد الله بن زياد بعد اقالة النعمان بن بشير من ولاية الكوفة ، وهنا تبدو اشكالية حركة التغيير في المجتمع فالفكرة وتأييدها والولاء لها ليس من الكفاية للتمسك ووحده الموقف والعمل والتحدي إنه يحتاج إلى تنظيم الفذ من قوة في الضبط والربط من خلال الدفع الذاتي ، ويمكن جعل بيعة العقبة نمطاً للتنظيم ، ليس من مهمة هذه المحاضرة تفصيل رحلة الحسين وصحبه حتى لاقتهم طلائع جيش والي الكوفة بقيادة الحر بن يزيد التي تكفلت بمهمتين ، عدم تمكين الحسين من العودة حيث أتى ، ومنه من دخول الكوفة لأن دخوله قد يقلب الموازين ، فجعجع به الحر إلى الطف أو كربلاء ، يوم التاسع من محرم كانت الأمور واضحة فالأمير يأبى إلا أن يستسلم الحسين بلا قيد أو شرط وإلا فالمضي للحرب ، حرب لا توازن فيها من جانب القوة والعدد فهي مع عمر بن سعد ومن جانب الحق فهو مع سيد الشهداء الحسين بن علي هذه الصورة التي بات عليها الجيشان : القلة والحق ، الكثرة والباطل ليلة العاشر من محرم .



لا بد من وقفة مع خطبتين من خطب الحسين ، قال أبو مخنف عن عقبة بن أبي الحيزار أن الحسين خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة ، قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه " أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ، وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله ، وأنا أحق من غيَّر وقد أتتني كتبكم وقدمت على رسلكم ببيعتكم إنكم لا تسلموني ولا تخذلوني فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم فأنا مع أهليكم فلم في أسوة وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلفتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم والمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " .



والخطبة الأخرى التي اختيرت من العديد نم خطبه في تلك الرحلة هي خطبته ليلة مقتله أي عشيه ( 9 محرم سنة 61 هـ ) جمع أصحابه وقال : (( وقال أثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء وأحمده على السراء والضراء ، اللهم أني أحمدك على أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعاً وأفئدة ولم تجعلنا من المشركين ، أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل الأعداء من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً خيراً ، وإلا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً ألا وأني قد رأيت لكم فانطلقوا جميعاً خيراً وإلا إني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً ألا وإني قد رأيت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم من ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله فإن القوم إنما يطلبوني ولو قد أصابوني لهو عن طلب غير ي" .



لكن أهل بيته وأصحابه أصروا على مشاركة مصيره ويف صباح العاشرة من محرم كان اللقاء بعد أن صلى جيش الطاغوت صلاة عصبة الحق صلاة الصبح ، وكل منهم تمتم اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد ماذا كان من الحر  ؟ أقبل الحر ووقف من الناس موقفاً ومعه رجل من قومه يقال له قرة بت قيس فقال : يا قرة هل سقيت فرسك اليوم ، قال لا قال : إنما تريد أن تسقيه ، فظننت والله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال ، وكره أن أراه حين يصنع ذلك فيخاف أ، أرفعه عليه فقلت له أسقه ، وأنا منطلق فساقيه معتزلاً ذلك المكان الذي فيه ، فو الله  لو أنه لو أنه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه وأخذ يدنو من الحسين قليلاً فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن الأوس : ماذا تريد يا ابن يزيد ، أتريد أن تحمل فأخذه مثل العراء ، فقال له يا ابن يزيد والله أن أمرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلاً ما عدوتك فما الذي أرى منك ؟ قال : إني والله أخيِّرُ نفسي بين الجنة والنار والله لا أختار على الجنة شيئاً ، ولو قطعت وحرقت ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين عليه السلام ، قائلاً : جعلني الله فداك يا ابن رسول الله ، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضت أبداً ولا يبلغون منك هذه المنزلة فقلت : لا أبالي أن أطيع القوم في بعض أمورهم ولا يرون أني خرجت من طاعتهم وأما هم فسيقبلون منك هذه الخصال التي تعرض عليهم والله ظننت أنهم لا يقبلونها منك ماوليتها منك إني قد جئت تائباً مما كان مني إلى ربي ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك أفتري ذلك لي توبة ؟ قال : نعم يتوب الله عليك ويغفر لك ما اسمك ، قال : الحر بن يزيد ، قال الحسين : أنت حر كما سمتك أمك أنت حر في الدنيا والآخرة .

   ارتد الحر إلى أصحابه بالأمس والأعداء اليوم قائلاً وموبخاً : " يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر ، إذ دعوتموه حتى إذا أتاكم اسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثم عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته ويصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً وحلأتموه ونسائه وصبيته وأصحابه من ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وهاهم قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمداً في ذريته لاسقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنتهوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه " .

ولكن أني للعبيد أن تستجيب لواعظ يعظ بالحق ؟ ونشب القتال واستمات أصحاب الحسين في القتال يقتلون ويُقتلون حتى فُنوا .

     لا مجال لذكر بطولاتهم فرداً فرداً زهير بن القين ، برير ، وعبد الله بن عبد الكلبي من بني عليم مسلم بن عوسجة وأبو الشعثاء الكندي ، أبي يزيد بن زياد الذي كان في البداية مع عمر بن سعد ولكنه تحول للقتال مع الحسين وأبو تمامه الصائدي وحبيب بن مظاهر وسلمان بن مضارب البجلي ، ونافع بن هلال الجملي وعمر بن قرظة الأنصاري ، وواضح التركي مولى الحرث المذحجي وأسلم مولى الحسين وحنظلة الشبامي وعابس بن شبيب الشاكري وجون مولى أبي ذر الغفاري وأنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي وآخرون أحببت أن أذكر هؤلاء لأننا نعرفهم ، مناهج التعليم تريد طمسهم ، والسؤال المشروع لمصلحة من طمس هؤلاء الرجال ؟ وبلغ شهداء آلا البيت قريباً من عشرين رجلاً .



ماذا بقي من قول ، لا بُدَّ من ذكر أم وهب زوجة عبد الله بن عمير الكلبي ، هي أم وهب بنت عبد لم تكن هي زوجها من رجال الحسين ولكنهما عندما رأيا القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين فسأل عنهم فقيل لهم يسرحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : والله قد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً وإني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء يغزون ابن بنت نبيهم أيسراً ثواباً عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين فدخل إلى امرأته وأخبرها بما سمع وأعلمها بما يريد فقالت : أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك افعل وأخرجني معك فخرج وخرجت معه وإذ اشتد وطيس القتال أخذت عموداً وقبلت نحو زوجها تقول له : فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد صلوات الله عليه !



إنني لا أراجع التاريخ لحساب كربلاء بل لحساب بناء العقل الاسلامي العقل الذي يطلب الحق ويسترخص المهج والأرواح في سبيل الحق ومع بناء العقل اثارة للمشاعر علّ من ارتباط العقل بالمشاعر نكون قد كَوَّنا أمة على قلب واحد التي قال عنها الله تعالى      ( واعتصموا بحبل جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخواناً ، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم لآياته لعلكم تهتدون ) .



لنستطيع أن نقف أمام الديناصور الأمريكي الولايات المتحدة ، تلك الدولة الشرسة التي لا تَكَفُّ عن همجيتها .



والسلام عليكم ورحمته وبركاته























تمهيد للدخول لمحاضرة أزمة المعرفة الإسلامية



هل تحتاج هذه المحاضرة لتمهيد للدخول إلي أزمة المعرفة ؟ وهل هناك فعلاً أزمة معرفة إسلامية ؟ وهل هذه الأزمة عميقة الجذور أم هي طارئة علينا ؟ وما هي أهمية علاج مثل هذه الأزمة ؟ وهل فعلاً أن سبب تأخرنا إنما يرجع إلى أزمة معرفية ؟ وهل حل هذه الأزمة المعرفية يمكن من خلال أسلمة المعرفة ؟ ما معنى أسلمة المعرفة ؟ هل العلاجُ لازمتنا المعرفية هو خطاب الاستغراب ؟ هل الخطاب الإسلامي المعاصر ضمن مساقات الكليات الشرعية يُشكلُ حلاً للأزمة المعرفية التي تعاني منها ؟



أزمة المعرفة الإسلامية هي أزمة حادة وجذرية ولا يمكن حلها إلا بأحداث انقلاب فكري يهدم طريقة التفكير السائدة ، ولا يستعير طريقة تفكير من الآخر ، وإنما يقوم بإنشاء طريقة تفكير خاصة به سندها تراثه  .



إن طريقة التفكير إنما تتكون من خلال المعطيات التالية :

1 ـ العقل الناظر .

2 ـ جملة من المعلومات لاستعمالها عند التفكير .

3 ـ وضع أساس يبنى عليه نتاج التفكير أو ينبثق عنه .

4 ـ حيوية هذا التفكير أي أن يكون حول الوقائع لعلاجها أو إعطاء الرأي فيه .

5 ـ أن يكون التفكير هذا حقيقة جماعية تتعلق بالأمة والإنسانية والعالمية .

6 ـ أن يكون مسار التفكير سائر على خطين : خط المفاهيم التنظيمية ، وخط مفاهيم تسخير الطبيعة .

7 ـ استمرار الانجاز وعدم التوقف عن الانجاز .



في هذه الخطوط يسار إلى الأمام فتتكوَّن أمةً حضاريةً قادرةً على حمل لواء التقدم كان هم المحاضرة ذلك من خلال توضيح القصور في طريقنا المعرفي .



أزمة المعرفة الإسلامية



(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف:29)



تقاس حيوية الأمم ونهضتنا في اتفاقها لا في اختلافها ، وفي تجمعها لا في تفرقها وفي ارتباطها لا في تفككها ، وهنا يقوم سؤال هو : ما الذي يجعلها متفقة لا مختلفة ، ومجتمعة لا متفرقة ، ومرتبطة لا متفككة ؟؟؟



إن الذي يجعلها على هذا ، هو وحدة مفاهيمها ، وتعيين مقاييسها ، وطريقة تكوين قناعتها ، فالمفاهيم والمقاييس والقناعات هي التي تشكل الأمة الواحدة ، ذات السمات الواحدة ، وهذا الجواب يحمل في طياته إشكالية ، إذ يطرح رأساً سؤالاً ، ما الذي يجعل الأمة ذات مفاهيم ومقاييس وقناعات متوحدة ؟ على وجه الإجمال ، لا على صورة الإجماع  إذ الإجماع في الأمم متعذر .



الذي يجعلها على هذا النمط ، هو وجود طريقة تفكير لديها ذات نهج واحد ، تستعملها في حياتها تدرك فيها الأفكار ، من حيث الحق والباطل ، والصواب والخطأ ، والحسن والسوء ، والنفع والضرر ، والخير والشر ، والجدية والعبث ، والرقي والتخلف ، والعدل والظلم ، والصلاح والفساد ، والعزة والذل .



إن التفكير أهم ميزة حباها الله للإنسان ، والتفكير إنما يكون بالوقائع والحوادث الجارية والأشياء ، لإدراك وجودها وصفتها ، وسننها التي تسير عليها ، وتسخيرها أو الانتفاع بها أو اتقاء ضررها ، والتفكير من خلال النصوص مسموعة أو مقروءة إنما هو تفكير بوقائع وما هو ليس من التفكير في شيء ، أن يدرك التراكيب والكلمات ، ولا يعلم مدلولها التي تدل عليه .



إن الإنسان وهو ذات مميزة بالتفكير ـ أي أنها عارفة ـ لكن الإنسان نفسه موضوعٌ يُعرف ، فالإنسان عارف ومعروف معا ، وهنا يكمن التعقيد ، وتظهر الصعوبات ، وتزداد المشاكل المعرفية حدة . وتبلغ قمة الإثارة عند سؤاله الثلاثي من أين ؟ ولماذا ؟ وإلى أين ؟



ما هي طريقة الإنسان في المعرفة ؟ ما هي آلياته المعرفية ؟ هل يسير الإنسان في المعرفة على نسق واحد ، أم يسير على أنساق ؟ وهل يجري في مضمار المعرفة على سبيل واحد أم على سبل شتى ؟ هل اللسان الذي يتكلمه منطوقاً ومسموعاً أو مقروءا يؤثر في معرفته ؟ أم أن اللغة ذات موقف محايد ؟ هل للحصيلة المعلوماتية التي لديه دور في تفكيره ؟ أم لا دور لها ؟ هل المجتمع الذي يعيش فيه ، والحياة التي يحياها ، والأمة ـ من حيث التاريخ ـ التي ينتمي إليها ، لها علاقة في تفكيره ، أم أنها مجرد شاهد ؟



هل هناك معوقات تعيق الوصول إلى الفكر الصواب ؟ كيف يمكن أن تُنحىَّ المغالطات عن مسار التفكير ؟ وهل المغالطاتُ هي السبب المنفرد للحيدة عن الحق ؟ ما هو دور ـ الموروث ، والهوى ، والظن ، والتبعية للزعيم ، والانبهار بالقائد ، والتقليد لحبر والإعجاب بالراهب ، ومجرد الفخر بالماضي ـ في إعاقة التفكير ؟



ما هو دور مشاهدة المنجزات التقنية ، واللهاث للحصول عليها ـ دون إنتاجها ـ والتنعم باستهلاكها ، والتيه باقتنائها ، في شد عجلة المسيرة إلى الوراء ؟ ما هو أثر الركض وراء مصلحة ذاتية آنية ممن بيده الأمر ، أو من هو مظنة أن يصير إليه الأمر  من هيئة الوزراء أو المديرين أو الشفعاء ، في جعل التفكير النرجسي هو السائد ؟



ما سبق مجموعة من الأسئلة المشروعة ، كمقدمة للدخول إلى حقيقة الأزمة المعرفية التي نعنيها ، والإجابة عليها ليس حقاً لواحد ، وإنما هو حق الأمة ، أو على الأقل الجزء المركزي من هذه الأمة ، وبالتحديد الجغرافيا السياسية الفكرية ، التي لها الحق في أن تشارك في الإجابة على تلك الأسئلة .



ليس التفكير قضية أكاديمية ، ولا أمراً نخبوياً ، ولا هو مشكلة فردية ، ولا هو حالة عاطفية ذاتية ، وإنما هو حياة أمة أن تكون أو لا تكون ، أو أن تكون على تلك الصفة أو هذه الصفة ، والتفكير ليس صحيفة ، يسجل فيها الملك الحسنات في ميزانهم ، وإنما التفكير حالة أمه ، وطريقة عيش ، ونظام حياة ، من هنا فالتفكير ضروري للجميع : للسلطة والنخبة ، والجماهير على السواء ، إن التفكير حالة مشاعية بين كل أفراد الأمة ، ونوافذ التفكير مفتوحة على كل الأمم للانتفاع لا للتأثر .



في سبيل توحيد المفاهيم المختلفة ، والمقاييس المتنوعة ، والقناعات المتباينة ، علينا أن نتحاور ، وأن نتجادل ، وإن نتناقش ، فالحوار والجدال والنقاش هي السبيل الوحيد لهذه الوحدة ، والبعد عن الحوار والجدال والنقاش هي السبيل لبقاء التباين ، أما السجال فهو طريقٌ خدَّاع ومسربُ ضلالة لبقاء الحال على ما هو عليه ، وهي دعوة نسمعها كلَّ يوم باسم الرأي والرأي الآخر ، وباسم لا أحد يمتلك الحقيقة ، والاختلاف ظاهرة حضارية .

تتفق كلمة من أطلقوا على أنفسهم مفكري الأمة على أنَّ أزمة الأمة الإسلامية أزمة فكرية قبل كل شيء ، ترتب على هذه الأزمة اختلال الأداء في كل مجال ، وانهيار تام في كل العلاقات بين أبناء الأمة ، واضطراب ساد الرؤية ، في السياسة ، والاقتصاد  والاجتماع ، وتحطمت الأمة تحطماً تاماً ، ولم يبق منها إلا الأشلاء ـ وبتغيير بسيط في العبارة السابقة ، باستبدال كلمة الإسلامية بالعربية أو السورية ، نكون قد حصلنا على إقرار تام من رموز التيارات كلها والمفكرين كلهم ، بل وأهل السُلط ( جمع سلطة على غير قياس ) ورؤساء الشرط ( جمع شرطة على قياس ) فالكل إذن مجمع على هذه الصورة .



يمكن بعد هذه الفذلكة القول بأن الواقع الآن في كل من العراق وبلاد الشام في أقطارها الأربعة ومصر هو واقع انقسام فكري بين تيارين ، تيار الإسلام في كل تبايناته ومسمياته  وتيار التغريب في كل تبايناته ومسمياته ، فمن يرى الإسلام أساساً فهو من التيار الإسلامي ومن يراه مجرد عامل مساعد ثانوي أو يرفضه بعضاً أو كلاً ، فهو تيار تغريبي ، وهنا لا بد من لفت النظر وملاحظة أن التقسيم للتيارات وليس لمن يستحق ثواب الله ومن يستحق عقابه ، لأن هذه لها مقاييس أخرى .



أزمة التيار الإسلامي من حيث التفكير ، لا من حيث التنظيم ، ولا من حيث أساليب العمل والأداء ، وهذه هي أزمة المعرفة الإسلامية .



تبدو أزمة المعرفة الإسلامية في أربعة مكونات هي :



1 ـ إشكالية العقل :



وهي إشكالية ذات مظاهر متعددة : أولا تعريف العقل . وثانيا في مكان العقل ، وثالثا في وظيفته ، ورابعاً في دوره ، وخامسا في طريقته ووسائله وأساليبه وسبله ومسالكه وآلياته في إنتاج المعرفة ، ومدى الحق والباطل فيها ، والصواب والخطأ فيها …. الخ قائمة الكلمات ذات المعاني المتضادة .



إن أهم قضية في إشكالية العقل هي علاقته بالنص القرآني ، ولقد حلها القاضي عبد الجبار بن أحمد المعتزلي على هذه الصورة إذ قال : " إن البيان من حيث هو خطاب يجري البحث فيه على جهتين : الأولى تتصل بنفس الخطاب وموضوعه ، والثانية بما يدل عليه الخطاب من الأحكام ، والخطاب من حيث هو خطاب لا يعدو أن يكون : ما لولا الخطاب لما صح أن يُعلم بالعقل . وموضوع مثل هذا الخطاب هو الأحكام الشرعية ، فكل التكاليف التعبدية ، من حيث صفتها ، وشروطها ، وأوقاتها ، لا يمكن أن تعلم بطريقة الاستدلال العقلي ، وإنما يعرف العقل من كلماتها وتراكيبها كيفية أدائها .



أما الخطاب على الجهة الثانية ، فإنه يمكن أن يعرف بأدلة العقول ، وهذا يقسم إلى نوعين : الأول ما لولا الخطاب لأمكن أن يعلم بالعقل أو الخطاب ، فيكون أحدهما كصاحبه في أنه   يدل ، مثل عدم جواز رؤية الله في الدنيا والآخرة ومثل الكثير من مسائل الوعيد .



أما الثاني فهو ما لولا الخطاب ، لأمكن أن يعلم بالعقل ، بل لا يعلم إلا به ، فيكون الخطاب مجرد لطف ، وتنبيه للغافلين ، وتوكيد لما تعلمه العقول ، فالتوحيد بكامل أجزائه والعدل بكامل مفرداته ، لا يعلمان إلا بأدلة العقول .



وقضية العقل ودوره هي القضية المستعصية ـ التي يرفض التيار الإسلامي الانتباه إليها ـ ولذلك فإن كل حركات الاجتهاد والتجديد ، والتنظيمات ، والدعوات ، لم تبعث الحركة في النفوس ، ولم تُحصِّن العقول تجاه الأساطير والخزعبلات والأماني ، وصورة جعل القرآن عضين ، وصورة إله عاطفي يكره قيام عبادة بالجدال ، ويُحِبُّ اهتمام الفرد بذاته ، بل آخر موضة في الفكر الإسلامي هي نشر العديد من الكتب والانكباب عليها عند عامة   المسلمين ، بل ومن يقال عنهم : إنهم علماء المسلمين ألَّفوا أو قرأوا تلك الكتب  وهي كتب السحر والجن وقبلها كتب الأشراط ، وقبل ذلك كتب العبادات ، أما كتب النهضة والتغيير فلا تلاقي القبول هذا إن وجدت ، وحتى على فرض وجودها فإنها إعادة وتكرار لمنظومة الأماني والملاحم والأشراط ، إنها منظومة الزمن الآتي بقدر الله وقضائه من رحم الغيب وهو عين ما هو موجود في سفر أشعيا وسفر رؤيا يوحنا اللاهوتي .



2 ـ إشكالية فهم القرآن الكريم :

(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (يوسف:2)

   يرفض التيار الإسلامي فهم القرآن على أساس اللغة العربية ، كمرجعية ، أو أساس  ومدلول التراكيب ـ أي معقولها ـ أي ما تدل عليه التراكيب ، كموضوع لفهم القرآن الكريم ، لقد اخترع التيار الإسلامي مرجعية أخرى هي : مرجعية السلف ، الأئمة ، شيخ الإسلام ، حجة الإسلام ، الفقهاء الأربعة ، وأخيراً العالم الشهيد ، وعندما نفحص هذه الدعوى ، ولأن السلف مختلفون في الفهم ، والأئمة مختلفون أيضاً ، وشيوخ الإسلام ـ وهم عدة ـ مختلفون ، وحجج الإسلام مختلفون ، والفقهاء الأربعة مختلفون ، والذين أُطلِقَ علهم اسم العالم الشهيد مختلفون ، فالمسألة هي أن حاملي الدعوات يجدون في هؤلاء متراساً يتمترسون خلفه لنشر دعاويهم ، (وليس دعواتهم ) وأقاويلهم ، يجدون فيها لذتين لذة مجد وشهرة ، ولذة الحصول على الفوائد والمغانم ، هذا عند أكابرهم ، أما الصغار منهم فهم مجرد أتباع يتلذذون بالتبعية ، يعشقونها حتى الموت .



لا بد من إشارة إلى موضوع فهم القرآن الكريم ، من أن القرآن لا يقبل اجتهاد فئة جديدة تحرف الكلام عن مواضعه ، فتحل الربا ، وتبيح العري ، وتدعو لزوال السمات الفارقة بين الإسلام وغيره من الحضارات ، وهذا لا يجوز ولا يصح حتى لو تشابهت الأمور أحياناً ، مع هذه الحضارة أو تلك ، فإن التشابه لا يعني أن هذه الحضارة هي تلك وإلا لكان يوسف هو علي ، لأن لكليهما عينيْن سوداويْن .



مدخل التفسير للقرآن الكريم التوحيد والعدل ، وهما حقيقتان عقليتان ثابتتان لا يقبلان التغيير ، وأن كان من الممكن إعادة إنتجاهما ، وطلب بلورتهما وصفائهما ونقائهما من أية شوائب ، أو اختلاطات أو سوء تصور .



إن القرآن موصوف بأنه محكم في بعضه ، ومتشابه في البعض الآخر ، وفي بعضه مجاز وآخر يحوي إيجاز حذف ، فلا بد من طلب القرينة لتعيين المراد ، وفيه ما يحتاج لقرينة واحدة ، وبعض النصوص تحتاج لقرائن عدة ، فمتى ورد الخطاب وأمكن حمله على ظاهرة دون معارضة للأصلين التوحيد والعدل ، وكان الخطاب ظاهراً في وضع اللغة فالواجب حمله على ظاهره ، أما إذا امتنع حمله على ظاهره فالواجب النظر فيما يجب أن يحمل عليه بأن تطلب القرائن ، ومن لا يعرف هذا من ذاك ، فالواجب عليه أن يعمل على تكامل آلاته ليتأتَّى له فهم الخطاب على جهة الصواب .



3 ـ أين تكمن أكبر سمات الأزمة المعرفية في الإسلام ؟



لقد مَنْ الله علينا حفظ القرآن الكريم من أن يتعرض للتحريف والتبديل وتلك حقيقة جلية للعيون والأسماع والعقول ، ولا تلتفت إلى مقولات ومزاعم هنا وهناك حول القرآن الكريم فالمزاعم تحمل في ذاتها بيان زيفها وظهور بطلانها ، وقضية تنزيه القرآن عن المطاعن والمزاعم هي إحدى القضايا التي أهتمُّ بطرحها ، إنها قضية تحتاج إلى بحث آخر غير هذا البحث .

إن أكبر أسباب الأزمة يطرحها النص الثاني الحديث ، فلقد اختلط في ذهن التيار الإسلامي السنة على الحديث على الأثر على الخبر ولم تتحدد العلامات الفرقة بين هذه الكلمات الأربع كمصطلح أو حتى كونها كلمات عربية .



القرآن الكريم يحوي جملاً تدل على الإيمان والعلم ويحوي جملاً إنشائية ، والجمل الإنشائية هي الجمل التي تأتي بأحد صيغ الطلب وفيه جمل خبرية ولكن معناها من خلال القرائن يفيد الإنشاء أي الطلب ، وجمل إنشائية يُفيدُ معناها من خلال القرائن الخبر  والجمل الخبرية لا تحتاج لبيان يُكمِلُها لأن الأخبار لا حد لها يمكن أن يتوقف عنده ، ولهذا جاءت آيات القرآن فيها بالغة المدى الأقصى الذي أراد الله أن نؤمن به ونعلمه ، إذ يؤثر على مسيرتنا العملية وهذه الخبرية موضوعها الإلوهية والنبوة والشرائع والأخبار      والجزاء ، أما الجمل الإنشائية فموضوعها التكليف العملي .



إن التكليف العملي جاء عاماً في القرآن الكريم وجاءت السنة بياناً له ، فمنه المجمل وهو محتاج إلى التفصيل ومنه العام ، ويحتاج إلى التخصيص ، ومنه المطلق ويحتاج إلى التقييد وفي آياته عموم دلالات تحتاج إلى بيان ، فالسنة لها ذكر في القرآن أو معنى ، ولا يجوز أن تكون في محل التعارض مع القرآن أو مع العقل إذ هي راجعة إليهما .



إنَ إشكالية السنة هي في إطلاق العنان لعلماء الحديث لاستعادة أحاديث من الميثلوجيا تضيف معتقدات وتصورات تخالف القرآن بل وتلغيه وتخالف العقل وتهدمه وتعمد إلى الذات الإلهية وتجسمها وتعمد إلى التكليف وتَهُزَّهُ ، وتجعل القضايا الإيمانية مجرد دوغما تسليمية .



إن السنة قد وردت إلينا عبر أربعة مسارب أو طرق وهذه المسارب هي :



1 ـ ما عمل به الجيل نقلاً عن الجيل قبله حتى نصل بهذه الأجيال مروراً ب ( 35 ) جيلاً إلى جيل الصحابة نقلاً بواسطة واحدة من إحدى حاستين أو كليهما معاً السمع والبصر ، مثل كثير من العبادات والمحرمات والعلاقات فهذه سنة واضحة جلية لا تحتاج لمحدث ولا لإسناد ولا لجرح أو تعديل ، هي معلومة من الدين بالضرورة ولا افتراق فيها بين أهل القبلة رغم تعدد مذاهبهم وفرقهم .

2 ـ ما جاء عن طريق الفقهاء من أحاديث للرسول وفي معرض التدليل على حكم شرعي عملي لأن الفقه هو علم بالمسائل الشرعية العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية .

3 ـ ما جاء عن طريق علماء أصول الدين يحوي مسألة كليةً عامة ، وقبول واحدة من مفردات الطريق الثاني والثالث يحتاج إلى اجتهاد وليس التسليم .

4 ـ ( الطريق المأساة الكبرى ) الإسناد والثقات والجرح والتعديل وهي طريق جاءت بالغرائب والعجائب والمنكرات ، بداية هذا الطريق معاوية وقبله كعب الأحبار ، سميت في بدايتها أهل الأثر حتى نهاية القرن الثاني تحولت إلى اسم الحديث ومع ظهور البخاري تحول إلى محور مركزي لها .

5 ـ تجاوزت عناية هؤلاء المحدثين إلى تفسير القرآن وإلى تسجيل سير وحوادث تاريخ وإلى فضائل بلدان ورجال وإلى تعظيم ثواب الله لمجرد عمل واحد مثل إحياء ليلة القدر وجعلت طقوس العبادات وهيئة اللباس هي حالة التقوى يستحق صاحبها من الله الرضوان والفوز والفردوس ، حتى الشهادة في سبيل الله تحولت إلى حمية لا إلى هدف معلوم وإذا افتقدت الشهادة الهدف رَخُص الدم الإسلامي بصورة لم يُعهد لها مثيل ، ولأهل الحديث تجاوزات نحو الفقه ليس أولها ولا آخرها فتوى الألباني المشينة ! .



6 ـ الإشكالية الرابعة:



هي إشكالية التاريخ حوادث وأفكار وإذ تسلمت التشبيه والحبر الأموي ، وسارت العباسية على عين النهج ، كتب التاريخ كوقائع وكُتِبَ تاريخ الأفكار بحيث يخدم السلطة الأموية ، فالتاريخ والتفكير في خدمة السلطة وليس في خدمة الهداية والعدل للإنسان .



في تلك الخطوط الأربعة المتوازنة العقل وفهم القرآن ومنهج التَّثَبُتِ من السنة وكيفية الاستدلال بها وكتابة التاريخ ، كانت فيها ومنها أزمة المعرفة الإسلامية مصاحبة للمسلمين طيلة القرون الأربعة عشر ، وإذ الأمة تَشْتدُّ أو تخف سارت الحوادث بين مد وجزر ، ولكن القرون العشرة الأخيرة أو الثمانية على الأقل كانت نحو الانحدار حتى حدث الانحدار السريع في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ، وفي مطلع القرن العشرين انتصر الحلفاء في الحرب العالمية الأولى فوقعنا أسرى في يد الغرب وخاصة بريطانيا رأس الحية وفرنسا ذنبها لننقل عبر سلسلة من محاولات النهضة الفاشلة القبضة التامة للولايات المتحدة والنظام العالمي الجديد .



وهنا يبرز سؤال عن إشكالية التغريب تلك الإشكالية التي نعيشها صباح مساء على مستوى السلطة ، وهي سلطات ظاهرة العجز عن الوقوف في وجه الغرب ، بل أن بعض السلطات سلطات دول الخليج تحولت إلى داعية له أمّا على مستوى النخبة ، الأحزاب الوسطية والقومية واليسارية والليبرالية والنخب الفكرية ألمدَّعِيةُ النبوة لعديد من الملائكة الغربيين ماركس / نيتشه / فرويد / دلاكان / هيدغر / موريس بلانشو / جاك دريداً فان الحالَ السيئة معلومةٌ وظاهرة .



علاقة هؤلاء مع الغرب علاقة أنبياء وملائكة ، الأنبياء مشرقيون ، أليست بلادنا موطن الأنبياء ؟ أليست بلادنا درب الأنبياء إلى السماء ؟ ويظهر أن السماء هي الغرب فالرحلة للغرب لتلقي النبوة من هؤلاء الملائكة المذكورين معروفةٌ ، وسأعرض ثلاثة أفكار فقط يُرَوِّج لها الأنبياء الذين تلقوْا الوحي من الغرب هي الليبرالية والنظام الأبوي وقضية المرأة لنعلم ونفهم رؤيتهم ثم نقوم بنقدها .

( 1 ) لا بد أن يعلم أن هناك تلازم بين الديمقراطية والليبرالية فلا ديمقراطية بلا ليبرالية لكن اليبرالية تشكل مأساة إنسان القرن العشرين ، فالليبرالية تعني إطلاق حرية الإنسان الشرس المتسلح بالليبرالية الاقتصادية وها هي الدول الشرسة السبعة تتحكم بمصير العالم تتربع فوق عرش العالم السياسي والاقتصادي والعسكري دولة الولايات المتحدة التي تبيح لنفسها وجماعتها كل شيء وتمنع العالم النامي من أن يحوز غير التخلف واستهلاك منتجات العالم الشرس ، ويغالط الليبراليون مغالطة واضحة ونحن نطلب فقط قراءة الكلمتين في الانجليزية  Liberalism Freedom في المورد أو في أي قاموس انجليزي عربي آخر ، أو حتى قاموس انجليزي وسيجد القارئ أن أمام الكلمة الأولى هذه المعاني / حرية / استقلال / تحرر من / حق سياسي / حق ، وأمام الثانية التحررية ويورد القاموس المعاني التالية :



أ ـ الليبرالية البروتستانتية حركة في البروستاتة الحديثة تؤكد على العقلية وعلى المحتوى الروحي والأخلاقي في النصرانية .

ب ـ الليبرالية السياسية فلسفة سياسة تقوم على الإيمان بالتقدم ( التقدم لمن ؟ ) واستقلال الفرد الذاتي وتنادي بحماية الحريات السياسية والمدنية ( حريات من ؟ ) ألا يكفي ذلك ؟



( 2 ) اتهام الأمة الإسلامية بأنها ذات نظام بطريركي أمر طارئ لم يرد طيلة الغزو الثقافي في القرن التاسع عشر وهو مصطلح حديث من حيث استعماله عند العرب بدأ تداوله بعد تعريب كتاب الدكتور هشام ألشرابي ، بل أنني لم أسمع المصطلح إلا حين انعقدت ندوة ثقافية في المركز الثقافي الملكي حول الكتاب قبل ثلاث سنوات ، ومن ذلك الحين أخذ البعض يردد أن جوهر أسباب تأخرنا هو النظام الأبوي بعد أن عُرِّبتْ بطريركي بابوي بكلمة أبوي .



لا بد من لفت النظر لهذه المصطلحات أبوي / بطريركي / بابوي ، من المعلوم أن اللغة العربية تخلو من الاستعمالين الأخيرين والكلمة الانجليزية  Father تعني أب واللغة العربية تنسب لأب أبوي وبالعودة للكلمة في المورد نجد معانيها كما يلي أب / والد / الله إذا كتبت بالحروف الانجليزية الكبيرة ، الأب أول الأقانيم الثلاثة ( 1 )        ( استعمال مقيد بالنصرانية ) جد / سلف / أحد أباء الكنيسة أي كتابها القدماء / مصدر / نموذج أصلي يحتذى / كاهن / أحد رجال المدينة البارزين / ( عند الأمريكان ) ينجب / يلد / ينشئ / يؤسس / يبتدع / يتبنى / يحدد أبو طفل أو أصل شيء وأب في العربية لا تستعمل إلا بالأب الوالد والجد وسلف العائلة وسلف الآدميين ، وهناك تصرفات أخرى من  Father  ليست مهمة في هذا البحث .

                                                                                                                                                                                                                                                                         

أما كلمة  Patter  وكتابتها بالحروف الكبيرة تعني عادة الصلاة الربانية وتعني أب عند العامة البريطانيين ولكن  Paternal أي  Adj  فإن معناها أبوي مستمد أو موروث من الأب ، أما  Paternalism  فإن المعنى يصبح الطريقة الأبوية تسلكها الحكومة في إدارة البلاد أو تسلكها هيئة أو شخص ذو سلطان في معاملة الجماعات والأفراد ، معنى كلمة  Patter  لا تنتمي لمفرداتها الكلامية ، أي لا مفهوم لها في العربية كوعاء ، وفي الإسلام كمحتوى فكري ، بل لا وجود لها في الجاهلية ، وقراءة أنظمة الجاهلية حمير وسبأ ودار الندوة وقيادة القبائل كلها تحوي مفاهيم السلطان للأمة والسيادة للمفاهيم المرجعية                                                                                                                                                                    المعتبرة في المجتمع ، قبلياً كانَ أو حضرياً جاهلياً أو متديناً وجاء الإسلام فرز هذا المعنى .



في المجتمع الجاهلي الأعراف ، وفي المجتمع الإسلامي الكتاب والسنة من خلال فهم الأصولي والفقيه لها ، فالمرجعية لا تعمل من ذاتها بل تعمل من خلال الاجتهاد المبني على الدليل أو الإمارة .



لا بد من الإقرار أن النظام قد تحول إلى حكم استبدادي ملوكي ، أي أمير يملك ويحكم وهو لا يحكم متفرداً وإنما من خلال الأعوان الولاة والقادة والعلماء والقبائل ، فهو حكم الفئة الأقوى بالأمة ، وإذا ما جُرِّدَ السلطان من أعوانه سقط ، ولهذا انتقلت دولة المركز من أموية إلى عباسية ، وقامت دويلات الطرف العديدة ، خارجة فاطمية زيديه شيعية قرامطة …. الخ هذه الأسماء والمسميات .



في القرن العشرين ومن خلال التأثر بالأسلوب الأوروبي ظهرت الدولة الدستورية البرلمانية شكلاً لا مضموناً ، ودولة الطغم العسكرية متأثرة أو مقتربة من الفاشية والنازية ولكنها ليست هي الفاشية والنازية مطابقةً ، ومنهم من تأثر بنظام الحزب الواحد .



فكيف تنسى لجمع من الناس ترداد أن علاقتنا مع بعضنا هي العلاقة البطريركية دون بحث علمي السني أو ميداني أو تاريخي ، أو بالعودة للمصادر الفكرية أو كلها معاً ، اللهم إلا ذلك الانسلاخ الحضاري الذي نعانيه وهو جزء من أمراضنا .



والمفهوم الثالث المرأة ، المرأة دائماً مظلومة في المشرق ، ما هو ظلمها ؟ ومن ظلمها ؟ هل التفكير السياسي يحتاج إلى رخصة ؟ طبعاً لا يحتاج إلى رخصة هل هناك فعلاً نظرة دونية للمرأة ؟ أين هي ؟ كيف نضع الإصبع على مدلولها ؟ كل ما هو مزعوم هو ما يلي : الإرث ، الطلاق ، الزواج بأربع ، الاحتشام باللباس ، حوادث فردية اضطهادية لا تمت إلى البناء الفكري الذي أقامه الإسلام ، يضيفون أموراً قانونية هي من خلال قوانين ودساتير مستمدة من الغرب : التأمين ، الجنسية ، الراتب التقاعدي ، الحق في البيت المستأجر بعد الطلاق …. الخ هذه المقولات .



لا بد من التذكير أن الضرورة تقتضي دراسة المرأة المستلبة ، وهل هي مستلبة ؟ وهل في الإمكان الدراسة من خلال اللسان ؟ اللسان الانجليزي واللسان العربي ، اللسان العربي سماها امرأة من مرأ ـ المروءة وسماها نسوة ونساء ونسوان جمع ليس له مفرد من حروفه ، وهذا الاسم متعلق بالبلوغ وسماها أنثى ضد الذكر ، واشتركت هي والرجل في كلمات بني آدم ، إنسان ، ناس ، وكل أسماء الصفات التي تدل على الجمع عموماً فكلمة أيها المؤمنون ، أيها الصادقون ، أيها الصائمون يدخل فيها    النساء ، لكن لا يدخل الرجال في أسماء المؤمنات الصادقات الصائمات …. الخ ذلك ، وهناك وزنان يستوي فيهم المذكر والمؤنث ، مفعول ، فعيل ، عروس ، جريح .



في الانجليزية الرجل  Man  والمرأة  Woman  أي بوضع البادئة  Wo  على اسم الرجل صار الاسم امرأة لأنها لدى الغرب في محل التبعية للرجل لكنها في الإسلام كيان إنساني ، فعليه وله كل الحقوق ، وكيان جنسي فتختلف الحقوق بين الجنسين ، أنّ معنى  Woman  الانجليزية كما جاء في المورد امرأة ، امرأة ، الجنس اللطيف ، الأنثوية ، الطبيعة النسوية ، زوجة ، خادمة ، خليلة .



تلك مجرد إشارات لازمتنا المعرفة الإسلامية في الماضي وها هي الأزمة ذات حضور في الحاضر بحيث أن كل مشاريع النهضة الإسلامية تراوح مكانها ، بل يعود بالأمة إلى الوراء وتلك متولدة عن هذه الأزمة وهي حياة التغريب إنها تمتاز بسطحيتها ولهاثها وراء عدوها وتقليده تقليداً أعمى .



ملاحظة مهمة :



أثناء صف هذه المحاضرة اطلع عليها الأستاذ غازي مسعود مدير تحرير مجلة الجديد في عالم الكتب والمكتبات والتي تصدرها مكتبة الشروق عمان .



قال الأستاذ غازي مسعود أن  Wo ليست بادئة في اللغة الانجليزية فكلمة  Woman  لا تتركب من بادئة وكلمة أخرى وأنا أقرأ أن معرفتي بالانجليزية هي معرفة ضئيلة جداً فيكون كلام الأستاذ مسعود هو الصحيح .



لكن كلمة  Woman  تتألف من مقطعين الأول  Woo  والثاني man  وهذه الثانية كلمة تدل على معناها الذي هو الرجل وبوضع المقطع  Woo أمام الكلمة  man  تحول المعنى إلى امرأة وجاءت بالانجليزية كلمة  Woe  وهي اسم والأصل فيها أنها  Interjection  أي أنها للتعجب وهنا هي بالذات لإطلاق صوتا خاطفا دالٌ على انفعال ومن معانيها حتى تكون اسماً فإنها تعني ويل ، كرب ، بلاء ، كارثة بليه محنة .



يمكن الاستنتاج من خلال هذا الوضع التركيبي لكلمة المرأة الحالة النفسية التي عليها الغرب تجاه المرأة فهي ويل الرجل !

المحاضرات الثلاثة ( 1 ) التالية



ما الذي يجمع هذه المحاضرات الثلاثة ؟



( 1 ) شروط النهضة .

( 2 ) دردشات حول المعتزلة والنهضة والتاريخ .

( 3 ) مفهوم العدل في الخطاب الإسلامي .



هل يجمعنا جامع أم كل واحدة منها تسير في اتجاهها المميز ؟ وبالتالي الرابط بينهما أنها محاضرات في مراكز ثقافية ، إن جميع محاضرات الكتاب كلها يجمعها جامع واحد أنها متعلقة بإعادة بناء الوعي الجماعي على أساسي الإسلام بفهمه على طريقة العدلين الخلص ( المعتزلة والزيدية ) وأنها دعوة لانتاج حركة التغيير .



لكن الجامع الخاص لهذه المحاضرات الثلاثة دون اخوتها هو أنها محددات وتوجهات محددات تحدد أفكار النهضة وتوجهات توجه كيف تكون الحركة للتغيير بتجاوز الواقع الفكري والعلمي والسياسي إلى الواقع السياسي المنشود عبر انقلاب فكري في حياة مجمل الأمة يؤدي إلى عمل لوصول الفكرة إلى القيادة السياسية للأمة .



تلك هي أفكار المحاضرات عبرت عن نفسها بجمل وكلمات واضحة محددة متجاوزةً للخطاب الإنشائي أو خطاب الأماني أو خطاب الانتظار أو خطاب التكييف مع المرحلة أو الواقع .



أن هذه المحاضرات دعوة حية للأمة لتشد الرحال نحو غد أفضل من يومنا وامسنا بكل المعايير نحو غد يزيل عنا كابوس الرعب من الديناصور الأمريكي واتباعه وأدواته .



ومن الوعي تبدأ قافلة النهضة بحركة السير وإذا ما بدأت فإن السير سيتسارع والذين لا يرون الأمور إلا من خلال اللحظة الراهنة لن يدركوا كيفيات السير في خط الصعود أو خط الهبوط فهم اسارى اللحظة الراهنة فهذه المحاضرات دعوة للانفكاك من أسر اللحظة الراهنة . 

شروط النهضة



النهضة في لسان العرب الطاقة والقوة ، وتأتي من باب نهض البراح من الموضع والقيام عنه ، وبمتابعة معانيها كما هي في لسان العرب فإنها لم تأت بالمعنى المراد حين القول هذه دولة ناهضة ، وهذا مشروع نهضة ، وذلك مفكر نهضوي … الخ هذه المصطلحات .



مصطلح النهضة وفد إلينا من الغرب فقد جاء في المورد ما يلي  RENAISSANCE بالحروف الكبيرة وهي كلمة فرنسية دخلت إلى الانجليزية وتعني ما يلي :



1 ـ أ ـ النهضة الأوروبية : حركة انتقالية في أوروبة بين القرون الوسطى والعصر   الحديث نشأت في القرن الرابع عشر في ايطاليا واستمرت إلى القرن السابع عشر ، وقد تميزت بالثأر بالمفاهيم الكلاسيكية وبازدهار الأدب والفن وبانبلاج فجر العلم الحديث .

ب ـ عصر النهضة الأوربية .

ج ـ الطراز المعماري الكلاسيكي المحدث السائد في عصر النهضة .



2 ـ حركة أو حقبة من النشاط الفني والعقلي الشديد : وذلك حين كتابتها بالحروف الانجليزية الكبيرة  CAP .



3 ـ انبعاث ولادة جديدة .



فأي المعاني يُراد حين يرددها أهل الفكر والإعلام وأرباب السياسة في العالم العربي ، لا شك أنهم يريدون الانبعاث أو الولادة الجديدة وهذا المعنى يستبطن أن من يراد إنهاضهم كانوا في النهضة في حقبة تاريخية سابقة وأصابهم الخمول فالمراد بعث نهضتهم أو إعادة ولادتهم من جديد وهذا يعني تنحية أسباب الخمول من حياتهم .



ينظر جميع أمم الغرب إلى أنفسهم كوحدة فكرية واجتماعية وتاريخية واحدة ، فهم ينتمون إلى فلسفة اليونان وقانون الرومان والنصرانية الرومانية أي عندما ترومت النصرانية وفي إعادة إطلاق العلم من عقاله إذ عقلته النصرانية الرومانية حدث الانقلاب الفكري وتبعه الانقلاب الصناعي ، فالاكتشافات الجغرافية فالثورات على الاستبداد وهذه كلها تتداخل في الزمان والمكان نتج عن أهله كله انقلاب الموازين في أكثر من صعيد وهج الصناعات ، حُمى الاكتشافات ، كثرة الأموال ووفرتها ، فكان ما يسمى بالاستعمار في صورته الكولونيالية ثم الامبريالية ثم الشرعية الدولة ، وأخيراً النظام العالمي الجديد .



وفي وقوع العالم الإسلامي وخاصة العربي فريسة لواحدة من هذه الصور الأربع ظهرت في العالم العربي والإسلامي رغبات تريد النهضة في شكل محاولات منذ منتصف القرن الثامن عشر ، خير الدين التونسي ، رفاعة الطهطاوي ، وقبلهما محمد بن عبد الوهاب ، جمال الدين الأفغاني ، السلطان محمود ، محمد على باشا ، إبراهيم باشا ، محمد عبده ، محمد رشيد رضا ، الثورة العربية الكبرى ، مشروع الجامعة العربية ، جمال عبد الناصر ، وقبله حركة الأخوان المسلمين ، حزب التحرير ، القوميون الاجتماعيون ، القوميون العرب ، البعثيون العرب ، عبد الحميد بن باديس ، عبد الرحمن الكواكبي ، إبراهيم هنانو .



( لم تذكر هذه الحركات حسب الترتيب الزمني ولم يُرد إحصاء جميع الحركات ، فالحركات كانت أكثر من ذلك ، وإنما المراد لفت النظر إلى أن منطقة الشرق    الأوسط / العالم الإسلامي لم يكف عن مواصلة التحرك للنهضة ، تفشل حركة وتندثر لتوليد حركة جديدة أخرى وهكذا دواليك ، ولا بد الآن من الإقرار وبصورة حاسمة أن الأمة وبعد زلزال الخليج الصورة التي لم يكن يتوقعها أكثر الناس تشاؤماً من الإقرار بأننا نعيش التردي والسقوط وإنه ينبئُ عن قبول الاندثار التام ) .



لقد أقامت أوروبا نهضتها على ربط حاضرها لولادة مستقبلها فربطت بينها وبين فلسفة وعلم اليونان وقوانين وتوسع وسيطرة الرومان ونظرتهم الاستعلائية على الغير وأكدت على القيم الخلقية والروحية للنصرانية الرومانية وجعلتها فردية أو جمعية وأقامت عقيدتها وفلسفتها السياسية على الحريات ، وركبت من كل هذا المجموع وجهة نظر في الحياة فانعقدت وانطلقت في كل شيء ، فالحضارة الغربية لم تقطع صلتها بماضيها أبداً ، ويكفي قراءة الأسس التي تقوم عليها قوانينها سواء الجرمانية أو اللاتينية أو المتخيرة ليعلم أن نظرية الالتزام الرومانية لا تزال وحتى هذا اليوم هي الأساس .

أما نحن فقد نظرنا لمشروع نهضتنا على محاور أربعة :



1 ـ المحور السلفي وهو الذي يرى في العودة للماضي بكلياته وجزيئاته بعد أن أعطاه أوصافاً تجعل من المستحيل استحضاره هو محور للنهضة .

2 ـ المحور ألتوليفي أو ألتوقيفي أو التنويري وهو محور حاول أن يوفق بين الصورة الغربية للنهضة والصورة السلفية للنهضة فبقي يراوح مكانه إذ حاول أن يوفق بين ما لا يمكن التوفيق بينه ويرث الآن هذا المحور محورٌ جديد أشد خطورة هو المحور ألتحريفي سواءً كظاهرة أو كحزب .

3 ـ المحور التغريبي وهو محور ينادي بإتباع مسلك الغرب في نهضته حذو القذة بالقذة دون محاولة فهم أسس النهضة في الغرب بل رأى آثار النهضة وبعض التحولات المسلكية في حياة الغرب فصار ينادي فيها ولأنه فقد الوعي عليها بقي في محل تمنيها ، وتركيا أتاتورك خير مثال على ذلك ولأن وجهة نظر الغرب لا تمنع نشوء القوميات فالقومية كانت مظهراً لهذا المحور .

4 ـ كان لنجاح الثورة البلشفية ولوقوع المنطقة تحت هيمنة الاستعمار الغربي وبتأثير الدعاية الشيوعية من أنها صديقة الشعوب المستعمرة ، وجد محور الحركة اليسارية التي أعلنت عدائها جلياً للدين الإسلامي دون قراءته وفهمه واصفة إياه بأنه أفيون الشعوب ولهذا راوحت الحركة اليسارية مكانها ولم تقدم للنهضة شيئاً واحداً يذكر إلا دعوى البطولات والضالات ، والمحنة .



المشكلة الآن هذه المحاور الأربعة وبعد إفلاسها وبدل أن تعيد التقييم والدراسة أخذت تحاول بناء النهضة على أساس إيجاد تركيبة من ما يسمى بالحضارات الإنسانية والقيم الدينية والحريات والتقدم العلمي والتقني والخصوصيات القومية والقطرية والقبول بالنظام العالمي الجديد ، وسيادة الشرعية الدولية … الخ هذه المعزوفة وهذه التركيبة هي قبول حقيقي لسيطرة روما الجديدة الولايات المتحدة وتنصب الولايات المتحدة إلاها على هذه الأرض وشعوب هذه الأرض يرفض ويقبل الأمور بمعايير الولايات المتحدة ولأنها من الذكاء بمكان كان لا بد أن يقيم معها شركاء هم وزراء أو مساعدون لإبقاء هيمنة الولايات المتحدة على العالم ضمن مجال تشارك فيها الولايات المتحدة وترأسها وهي :



1 ـ مجموعة الدول الصناعية السبع .

2 ـ دول المثلث العسكري ، الولايات المتحدة ، روسيا ، الصين .

3 ـ الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن .

4 ـ منظمة الطاقة الدولية .

5 ـ صندوق النقد الدولي .

6 ـ البنك الدولي .

7 ـ النادي النووي .

8 ـ منظمة الدول الأمريكية .

9 ـ حلف الأطلسي .

10 ـ إضافةً إلى هيئة الأمم المتحدة ومجالسها وهي كلها تحت سيطرة الولايات المتحدة .



إلى آخر هذه المنظمات .



تنادي الولايات المتحدة الآن بفكرة نهاية التاريخ أي التاريخ الموقف الباقي على صورة واحد أبداً ، أي لا تغير في العلاقات الدولية ، ولا في تاريخ شعوب العالم ، ودولة وعلى الضعفاء الموت أو ولاية الأقوياء وفي سبيل الإقرار هذا تنعقد المؤتمرات وتلقي المحاضرات وتقوم الدراسات أخطرها المتعلقة بالإسلام في صورتيه النص وموقف ومسلك المسلمين .



تنهض الأمم بأفكارها وكلما ارتفعت الأفكار فيها كانت أكثر علواً وأطول باعاً في النهضة وتنخفض الأمم بانخفاض أفكارها فالثروات المادية والاكتشافات العلمية  والمخترعات الصناعية والتقدم في الأدب والتشريع والمعرفة ، وكل هذا النتاج هو إنتاج للفكر والتفكير والذين يفضلون الإنسان على الملائكة إنما يفضلون بسبب كونه مفكراً .



والأمة بصورة إجمالية بحاجة إلى معرفة واقع التفكير من حيث هو تفكير وطريقة التفكير وأساليبه ووسائله ، والمفكرون اختلفوا في فهم واقع التفكير من المادي إلى المثالي ، واختلفوا في طريق التفكير ومن هنا وجد هذا التباين المعرفي .



والأمة الواحدة لا يجوز أن تتباين معرفياً وإن جاز أن نختلف على نفس الأساس فالأمة الأمريكية هي أمريكانية التفكير تقيم تفكيرها على الحريات والبرجماتية               والاستعلائية ، والطريقة العلمية والاختلاف عند الأمريكان هو اختلاف تنوع لا اختلاف أسس ومعرفة وطرق تفكير ، أما الوسائل والأساليب فهي قابلة للتنوع والتغيير ومن هنا فإن ترويج التعددية في أسس التفكير وطرقه يقيم حاله من التفرق والتوزع والتشتت ولا يخدم نهضة الأمة بخلاف قبول الاجتهادات على أساس المعرفي الواحد ، وعلى طريقة التفكير الواحد فإنه يقيم تنوعاً يُغني التفكير .



ولهذا فإن أول شروط النهضة أن تفهم الأمة عملية التفكير عندهم تقوم على العقل القادر على النظر ، والعقل القادر على النظر يُعرِّفُهُ القاضي عبد الجبار بأنه جملة من العلوم مخصوصة متى حصلت في المكلف صح منه النظر والاستدلال ويربط القاضي عبد الجبار بين الواقع الذي يراه صوره متجانسة بحيث يتطابق المعنى الذهنية مع الواقع .



هذه الطريقة التفكير الصحيحة الصادقة المنتجة لشهادة الواقع الحي لها ، فالإنسان لا يمكن أن يفكر إلا إذا تحققت العملية العقلية وهي :



1 ـ واقع مدرك أو محسوس هو موضع التفكير .

2 ـ حواس سليمة تنقل صورة الإحساس لمراكز الحس في الدماغ .

3 ـ سلامة مراكز الحس .

4 ـ معلومات عن هذا الواقع أو تتعلق به أو قابلة لولادة معلومات جديدة وما يسمى بالطريقة العلمية المبينة على المشاهدة والتجربة والاختبار أو الطريقة المنطقية المبينة على الاستنباط فكلها تعود على الحقيقة إلى الطريقة العقلية ، فالتجربة مسلك من مسالك الطريقة العقلية ، والاستنباط مسلك آخر ، والاستقراء مسلك ثالث فالطريقة هي أساس التفكير وهي طريقة تشمل المسالك كلها وتتيح استعمال وسائل وأساليب متعددة ومن هنا كان نتاجها ثمرات معرفية مختلفة وشاملة ويعود الفضل إليها فيما تنعم فيه الإنسانية من منجزات على مستوى المفاهيم أو على مستوى التسخير .



ولقد مر على الأمة الإسلامية عشرة قرون وهي معطلة للتفكير أي منذ الوثيقة القادرية التي مُنع بموجبها الاجتهاد والتفكير والجدال عام ( 408 هـ ) ، وعاشت هذه المدة الطويلة مع أنها فقدت سبب حياتها لأمرين ، أولهما أن تفكيرها إنما توقف في عملية تباطؤ أي لم يحدث إيقافه دفعة واحدة أي سارت الأمة بقوة الاستمرار ثانيها أنه لم تظهر أمة لها طريقة تفكير قادرة على انتزاع زمام المبادرة من الأمة الإسلامية ولهذا منذ أن ظهرت الأمم الغربية بطريقتها الفكرية منتصف القرن السابع عشر عاشت الأمة الإسلامية بسبب من نزاع الغرب عليها ، ( الرجل المريض ) .



إن الأمة الإسلامية مدعوة اليوم حارة اليوم للعودة للتفكير أي وجود عملية التفكير عند مجمل الأمة في وقائع حياتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية    والتشريعية ، أي أعمال الذهن بما لديهم من معلومات للحكم على الوقائع والحوادث ومع تكرار استعمال أفكارهم في الوقائع والحوادث تتحدد لهم طريقة منتجة .



إن النص الإسلامي : الكتاب والسنة المبينة للكتاب ، لا يعملان لوحدهما ، وإنما يعملان من خلال فهم الخطاب ، وإدراك دلالة الخطاب على واقعة . والنص القرآني هو نص فكري وإن حوى أبدع ما في الأسلوب الأدبي من صور بيانية ، لكنه نص فكري ـ أي يدل على واقع ؛ أو يعطي علاجاً لواقع ، ولهذا لا بد من إدراك صورته الفكرية لبناء الإيمان ، وإدراك صورته التشريعية لإدراك التشريع ، ومن ثم للتفريع على تلك الأفكار والمعالجات ، كلما جد جديد يستلزم الإنشاء . والتفكير هو الذي يُفَعِّل النص ، ويجعله نصاً صالحاً ، يعالج مشاكل حية . والنص الإسلامي يقرأ ويدرس على أساس طريقة التفكير الإسلامية العقلية ، ولا يقرأ أبداً على أساس المادية ، أو على أساس الحريات ، ولا بدّ من رفض القراءة السائدة على أساس الميثولوجيا .



التفكير وإعادة التفكير للأمة ليس كتاباً يكتب ، أو مقالة تدبج ، أو بحثاً يستكمل كل شروطه ، إنما التفكير معاناة متواصلة هادفة ، ورسالة إلى مجموعة من الناس ، بحيث يتحول التفكير من تفكير الفرد أو الحزب إلى تفكير الأمة ، والأمة التي يفكر فيها أفراد مهما كثروا لن تنتج نهضة ، والأمة التي يفكر فيها أفراد قلائل ولكنهم حريصون على نقل تفكيرهم لمجمل الأمة ، أي يحولون التفكير إلى دعوة ، هي الأمة لمهيأة للنهضة ، فالتفكير الحق هو التفكير عند الشعوب والأمة ، لا عند الأفراد ، وتفكير الأمة والشعوب هو الذي ينقل الأمة من الخمول إلى النهضة أي الانبعاث ، والأمم المؤثرة تمارس الكيد ـ وخاصة الأمم الأوروبية ـ تكيد لبعضها ، وتكيد لأمم العالم الثالث لإبقاء العالم الثالث عالماً نامياً ، أي تزداد هوة التخلف والتأخر والانحطاط فيه كل يوم .



التفكير ليس إفتاءً ولا وعظاً ولا تعليماً مدرسياً ، وإنما التفكير إدراك للوقائع والحوادث وأسبابها وظروفها وأحوالها وأوضاعها وكيفية توظيفها للانتفاع منها إن كان مما ينتفع فيه وإدراك خطرها واتقاء الخطر وبصورة مختصرة هو مباشرة الحياة على أساس وجهة النظر والحياة هي حياةُ مجتمع أي حياة الجماعة في أفكارها ومشاعرها ونظامها .



الغرب الآن وعلى رأسه الولايات المتحدة وقد تحقق له الانتصار على القطب الاشتراكي مَعنيٌ بتحويل الإسلام إلى مجرد دين يَمُدُّ أتباعه بالقيم الروحية والخلقية والأعمال الخيرية ، أما أنه حضارة ووجهة نظر في الحياة وقيادة فكرية للعالم وطريقة تفكير منتجة فهذا من المحرمات والممنوعات وما يرى على الساحة يفهم منه أن المسلمين في محل القبول لذلك ، أما الحركات الإسلامية فأكثرها في محل القبول وما يرى من مواجهة في الجزائر وفي مصر ليس ببعيدة عن هذا المضمار ، أما الكر والفر فمهما طال فإنه ستكون نهايته لصالح السلطة .



ومما يجب أن نخلُصَ إليه من هذه القراءة هو ما يلي :



1 ـ الأمة الإسلامية فاقدةٌ للأفكار وبالتالي فاقدة لطريقة التفكير المنتجة والحركات التغريبية في شقيها الليبرالي والمادي لم تعط الأمة طريقة تفكير منتجة ، إذ أن الحركتين عاجزتين عن إنتاج أفكار رأسمالية أو مادية ، فالحركة الليبرالية مجرد عاشقة للأفكار الليبرالية كما هي عند الماديين فضلاً عن أن ديناميكية الإسلام تُحصِّنُ المسلمين تجاه الأفكار المضادة وإن لم تُحصِّن الأمة الإسلامية عن إضاعة طريقة تفكيرها .

2 ـ إن الإسلام عند المسلمين هو مجرد موروث عقائدي وطقوس وشعائر للتدين وبهذا فقد الإسلام حيويته .

3 ـ إن الأمة الآن وهي تشعر بمرارة الهزيمة وتتعاظم الأحداث ضدها وتزداد فظاعةً يوماً بعد يوم ، وتتكشف كلَّ يومٍ حقائق مذهلة شديدا عن دولة وحركاته وقياداته ومفكريه وإعلامه ، حقائق مخزية عن هذا الغرب وشدة عداوته فإن في هذا الشعر بالحالة السيئة التي هي عليها ، ما سيكون أرضية للعاملين لعودة التفكير للأمة .

4 ـ إن الأمة في حاجة لإعادة بناء طريقة التفكير على أساس الإسلام وبحاجة لمنهج واضحٍ لفهم الوحيدين وبحاجة ماسةٍ لحركة جماعيةٍ للتغيير فإن الأمل مرهون بوجود مثل هذا التحرك ، ولا بد من جعل حجر الزاوية في الصراع الفكري الحضارة الغربية بكل معطياتها .

5 ـ إن فكر المعتزلة هو الذي يصلح طريقةً للتفكير على أساس الإسلام ومنهجاً لفهم النص وحركة جماعية للتغيير وإن المعتزلة ليست بديلاً عن الإسلام بل هي تفعيل ، تفعيل الواثق بأنه الإسلام هو الحق وإن في تطبيقه الخير للأمة وللناس جميعاً والإصرار والاستمرار في عمل دؤوب لإعادة بناء العقل الإسلامي على أساس فكر المعتزلة هو شرط للنهضة .

دردشات حول النهضة والمعتزلة والتاريخ



القوامة :



تدعى الولايات المتحدة الآن قوامها على العالم ، أما خطوط سياسية قوامتها فهي نقاط نلسون الأربع عشر ، وإذا كان العمل لقوامة الولايات المتحدة قد أبتدأً قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها فإنها لم تنجح في تلك القوامة إلا بعد أن تفك القطب              السوفيتي ، وطلب القوامة على العالم نشأ مع وجود الأمم ووجود التاريخ بعد اختراع الكتابة ويمكن رصد حركة القوامة كما يلي :



1 ـ صراع دول ما بين النهرين .

2 ـ توسع الإسكندر المقدوني الطامع لبناء الطامح لبناء أمة ودولة تضم العالم .

3 ـ الدولة الرومانية وصراعها مع الدولة الفارسية .

4 ـ الدولة الإسلامية .

5 ـ الدول الأوروبية الحديثة منذ القرن الخامس عشر .

6 ـ الولايات المتحدة التي أعلنت قوامتها على الأمريكيتين مبدأ جيمس مونرو              عام ( 1833 )  .

7 ـ الحرب العالمية الأولى مما جعل بريطانيا وفرنسا يشتركان في القوامة على العالم .

8 ـ ظهور محور برلين ـ روما ـ طوكيو الساعي للقوامة على العالم منذ                   ( 1928 ـ 1945 ) .

9 ـ محور القطبين : العالم الحر بزعامة الولايات المتحدة والعالم الاشتراكي بزعامة       روسيا .

10 ـ انفراد الولايات المتحدة في القوامة علة العالم منذ عام ( 1989 ) .



أمام قوامة الولايات المتحدة الصارمة ذات المكيالين يجد العالم الإسلامي نفسه أمام أحد المعطيات التالي :



1 ـ التخلي عن وجهة النظر الإسلامية والأخذ بوجهة نظر الحضارة الغربية والبحث عن مشاركة ما للولايات المتحدة بعد الإقرار بقوميتها على العالم .

2 ـ بعث الحضارة الإسلامية من جديد لمقاومة الولايات المتحدة في وجهة نظرها أي محاولة انتزاع زمام القيادة والقوامة على العالم منها .

3 ـ الرضا التام بما خططت له الولايات المتحدة وهو أن العالم الإسلامي لا يستحق أن يكون شريكاً للولايات المتحدة ، أي لا يستحق أن يكون من مؤسسة دول الشمال المسيطر على العالم بزعامة الولايات المتحدة وإنما يستحق أن يكون من العالم النامي لكن إلى مزيد من التخلف .



يحلم أو يتمنى من يظن أن الولايات المتحدة ترضى أن يكون العالم الإسلامي شريكاً حتى ولو على مستوى دولة مثل كندا بل وأقل من ذلك مثل الدول الاسكندنافية أو على مستوى اليونان ، فالطريق مسدود أمام المشاركة والطريق المفتوح التبعية أو الاندثار أو البحث عن الذات .



الأيدلوجيا / وجهة نظر



الولايات المتحدة وشركاؤها دول أيدلوجية ، أيدولوجية مشتركة هي ديمقراطية الحريات المزيفة ، والحريات الأربع وحقوق الإنسان وحرية التجارة الدولية ومؤسسات هيئة الأمم وأخطرها مجلس الأمن مع تبني وجهة النظر الاستهلاكية واحترام الاستعلائية الأمركانية والأوروبية ، والولايات المتحدة  تسمح للعالم الإسلامي بالعيش على أفكار الغرب مع منعه من التقدم في صناعة السلاح المتطور والصناعات الثقيلة والتكنولوجيا وسلاح الدفع الذاتي      ( الصواريخ ) وصناعة وسائل السفر السيارة ، الطيارة ، القطارات والسفن والمسموح للعالم الثالث من الأنشطة هو :



1 ـ الزراعة .

2 ـ التعدين .

3 ـ الصناعة الاستهلاكية التحويلية .



هذا على مستوى النشاط الاقتصادي ، أما على المستوى السياسي فهي منع الوحدة الاندماجية أو حتى الفدرالية ، ويجب الإبقاء على التبعية في السياسة والثقافة والاقتصاد والتعليم والتخطيط والفنون العسكرية ، وها هم يتسربون كالسم الزعاف حتى إلى الحياة الاجتماعية وعلاقة الرجل بالمرأة ، فهم يطلبون نظاماً مساوياً لما عند الغرب تماماً .

لا بد من طرح سؤال ضروري ، وهذا السؤال هو : هل الإسلام يشكل أيدولوجيا أي وجهة نظر في الحياة قادرة على صنع الحياة والسير بها في طريق الرقي ووجود حلول لمشاكل الحياة مهما تجددت وتنوعت وتعقدت ؟ وعندما يقال الإسلام فما هو الإسلام ؟؟؟ .



الدين / النص



الإسلام نص تنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين ، هذا النص هو القرآن الكريم نص فكري حوى أبدع ما في الأسلوب الأدبي من صور بيانية هو أعلى أنواع الخطاب وبيان تفصيلي لما أجمله القرآن من مطالب عملية ،  هي السنة نصان يكمل أحدهما الآخر ، الأول مبين والثاني بيان والنصان احتاجا للعقل لإثبات أنهما نصان من عند الحكيم الخبير ، العقل أول الأدلة وأول الحجج والكتاب ثاني الأدلة وثاني الحجج ، والسنة ثالثة الأدلة وثالثة الحجج ، ثلاثة حجج وهي أدلة لا تتناقص ولا تتعارض بل تتكامل لإنشاء بنية فكرية موسسة متناسقة لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا .



وطريقة الفكر الإسلامي للتعامل مع المرجعية هي عقل ناظر ، يعقل ويؤسس ويجتهد ويفهم ويعيد النظر والتفكير والتدبر والتذكير ، والنص هو موضع للتفكير مرجعية ثابتة واجتهاد مستمر لبلورة المفاهيم وصفائها ونقائها حتى لا يختلط من ليس منها فيها وإنشاء كلما جد جديد وارتقاء كلما أثيرت شبهات أو مطاعن أو تعرض الفكر الإسلامي لهجوم مضاد .



تلك المرجعية تعرضت فيما تعرضت له من انحراف في الفهم ومغالطة في التفكير وإدخال فهم ذلك الحبر أو الراهب على النص ، وإدخال لنصوص على السنة بعد أن تكفل الله بحفظ القرآن وتعرض فهم النص لهوى مُتبع أو ظن لا يعني عن الحق شيئاً ، وأخر مطاف التحريف هو تأويل النص ليس تأويلاً حسب لغة العرب بل تأويل النص ليوافق أو ليألف أو ليتناسق أو يتفاعل مع مفاهيم الحضارة الغربية مع أنها حضارة همجية إستعلائية شوفانية مبنية على المغالطات والمكيالين وهي العدو الرئيس من ناحية معرفية وهي العدو العُتل في تعاملهما معنا وما فلسطين والعراق وغيرها عنا ببعيد !



هل النص الإسلامي نص ديني يعطي أوامر ونواه متعلقة بالأفراد تعالج شؤون الآخرة من عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات ؟ أم هو نص فكري سياسي يعطي تصويراً             للحياة ، مفاهيم وعلاجاً لمشاكل الحياة ؟ النص الإسلامي نص فكري سياسي ويرفض أن يتحول إلى نص ديني مع أنه من حيث نزوله هو نص ديني أما من حيث وظيفته فهو نص فكري سياسي النص الإسلامي يُسيِّرُ الحياة على عجلتين عجلة التسخير ( الاكتشاف والاختراع والصناعة والتكنولوجيا ) وعجلة التسيير أي طريقة استعمال هذه المسخرات فهي للارتقاء بالإنسانية وليس الصراع عليها أو فعل الإفناء والتدمير للبشرية بواسطتها فالنص الإسلامي نص قوامه  ( الهداية والاطمئنان والسلام بمفهوم الإسلام والارتقاء بالحياة دون تحويل قيم الاستهلاك إلى هدف أو غاية ) .



النص الإسلامي منذ أن تنزَّل تعامل معه الرسول معه الرسول والسابقون من صحابته أهل بيعة العقبة على أنه نص سياسي فكري والمبادرة بعد موت الرسول لمبايعة من يخلف الرسول في إدارة الشؤون السياسية تعطي الدليل الساطع على أنه نص فكري سياسي ، ولكن أفكار أهل الكتاب اليهود والنصارى التي تسربت للفكر الإسلامي كنص حديثي أو تفسير للقرآن أو كمنظومة وعظ أو أحاديث لبني إسرائيل أو أنها من النبوة التي قبل الرسول أعلمت فساداً في المعرفة الإسلامية والذين اعملوا الإفساد في المعرفة الإسلامية هم نصارى الشام ويهود اليمن وكثير من فقهاء الحرمين تساندهم السلطة الأموية السياسية ، لقد أفسدت السلطتان السلطة الثقافية والسلطة السياسية المعرفة والجمهور فبقوة السلطة السياسية ( رجال الحكم من بني أمي وثقيف ) ورجال السلطة الثقافية المرضى عنها من السلطة السياسية تحول أهل الولاء والبراءة ( الخوارج ) إلى ما رقة وتحول فكر العدل والتوحيد فكر مدرسة على بن أبي طالب إلى مدرسة ضالة أخذت فكرها وطريقة تفكيرها من فلسفة اليونان ، بل ومن اليهود والنصارى ، وهكذا تمكن المتأثرون بالفكر اليهودي من أن ترمي أهل التوحيد والعدل بدائلها وأن تنسل بعد ذلك .



ما كان ضغثاً على إبالة هو وقوع مدرسة الولاء والبراءة ( الخوارج ) ومدرسة العدل والتوحيد مدرسة علي بن أبي طالب فريسة للدعاية والثقافة السلطوية فتعادت بدل أن تتفق تجاه الخصم  وتفرقت الواحد منها إلى أكثر من مدرسة فأهل التوحيد والعدل وانقسموا فصاروا أمامية إثنا عشرية وإسماعيلية ثم افترقت الزيدية عن المعتزلة افتراقاً سياسياً وليس فكرياً ، وحدث افتراق داخل المعتزلة منذ بداية القرن الثالث الهجري هو افتراق معتزلة بغداد عن معتزلة البصرة ولكنه افتراق في الفروع وليس في الأصول أي افتراق في الدقيق من الكلام وليس في جلية ، كل هذه الافتراقات أضعف الموقف السياسي الساعي للرشد ولكنها لم تضعف عزيمتهم الفكرية بل واصلت المعتزلة الإنتاج حتى ( 408 هـ ) ( الوثيقة القادرية التي أغلقت التفكير والاجتهاد ) وأهل الولاء والبراءة انقسموا  أيضاً .

الفرد / المجتمع / السلطة



تفسد الجماعة الإنسانية بفساد أعرافها وضعف تفكيرها وسوء رعايتها لنفسها وتصلح بصلاح أعرافها وضعف تفكيرها وحسن رعايتها لنفسها فالتعامل لإنتاج النهضة إنما هو تعامل مع جماعة إنسانية في أعرافها وفي إنتاجها للأفكار من قبل حشد منها ، وسلطة انتخبتها تباشر وتجتهد في تقديم أحسن الرعاية والذي يطلب النهضة اعتماداً على الفرد دون الجماعة والسلطة إنما يطلب وهماً وخيالاً ، والذي يطلبها من تصحيح عرف الجماعة دون إيجاد الحشد من المفكرين والسلطة الراعية إنما يمني نفسه الأماني والذي يطلبها من السلطة دون مفكرين وجماعة ذات أعراف صحيحة إنما يركن إلى أساس منها فحشد المفكرين والعرف الصالح في الجماعة وإحسان رعاية السلطة هي التي تتكامل وتنتج النهضة أما أساس النهضة أي الفكرة العقلية فهي تختلف باختلاف وجهات النظر ما بين عقيدة سياسية مادية قيل أنها عملية         ( الماركسية ) أو عقيدة سياسية مبنية على الحل الوسط ( الليبرالية الرأسمالية ) أو عقيدة سياسية مبينة إيماناً على الأساس الروحي ( الإسلام ) أو عقيدة سياسية جزئية                 ( دولة اليابان ) ، أما العقائد الروحية البحتة فلا قيمة لها في النهضة .



الجمهور / النخبة / السلطة



مؤسسة الجمهور أو العامة أو السواد أو الناس هي مؤسسة اجتماعية أو مجتمعة ، معنى ذلك أن لها حساً جماعياً مشتركاً في قضاياها العامة ولكنه حسن مبهم يقبل التبلد والانحراف والتضليل والأشغال والتلهي والفردية وقصور النظر والتفاصيل بين مصلحة جزئية ومصلحة بعيدة المدى ومن هنا يظهر خطر جمهور فارتفاع الوعي العام والحفاظ عليه من الانتكاس في الحسن أو في مستوى الوعي هو الضمانة الوحيدة التي يُتَّبقى فيها خطر الجمهور ، لقد وصفهم الله تعالى حينما يقعون فريسة للتضليل بقوله ( لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون لها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل أضل أولئك هم الغافلون )



من هو منتج الوعي؟ وكيف ينتج الوعي ؟ وهل يكفي إنتاج الوعي في طليعة لإحداث النهضة ؟



منتج الوعي هم المفكرون ، وينتج الوعي من خلال استعمال المعلومات التي لدى المفكرين في الحكم على الأشياء والحوادث ومن تكرار إستعمالها تتكون لديهم طريقة تفكير لكن هذا التفكير لا يحدث نهضة إلا إذا صار تفكير مجمل الأمة طريقة تفكير لكن هذا التفكير لا يحدث موقف تجاه الأشياء والحوادث ، ومنم هنا فلا بد أن يتفاعل فكر الطليعة مع الجماهير ويجب نهضة إلا إذا صار تفكير مجمل الأمة ، أي أن الأمة بجملتها تستعمل ما لديها من معلومات اتخاذ أن يتميز فكر الطليعة بالحيوية والجدية والإمكان .



مشكلة الطليعة أو النخبة أو المثقفين أو المفكرين أو دعاة الإصلاح أو القيادات الحزبية أو العلماء أو الوعاظ أو أهل الإفتاء أو أهل الإعلام ، مسميات عديدة لحقيقة واحدة هي قادة التفكير أكثر إستعصاءاً على الفهم وعلى حل إشكاليات ومشاكلها ، سواء على مستوى منظوماتها الفكرية وآليات العملية أو أطرها التنظيمية أو التداخلات العديدة لتوجيهها الوجهة هذه أو تلك أو حتى مصادرها المعرفية أو مرجعيتها المعرفية فقادة الفكر يباشرون توجيه العامة وهم موجهون بعضهم بالموروث الإسلامي السني المعتمد للدوغما أو للميثولوجيا أو للأساطير ، فخطابهم الإسلامي خطاب تكراري يفتقد الحيوية والحركة والارتقاء وهو مجرد وعظ لتشكيل قيم فردية أو دعوة للعبادات أو الهيئات في اللباس وتباشر الوعظ الموسمي ، أما الخطاب الآخر فهو صورة هزيلة للثقافة الغربية إنه التغريب دون فهم ووعي يباشرون السموم بكلتا يديهم ظانين أنهم يطلبون الحياة إلا ما معنى أننا نسير إلى الوراء دائماً ، والنمط الثالث من التوجيه هو نمط التبعية للسلطة تسابيح وتهاليل وتعظيم لمنجزات السلط التي هي لا شيء أبداً .



السلطة تدعي وتزعم أنها تخدم الأمة ، حتى الفوز الرياضي الكروي تحول من رياضة إلى منجز ثقافي حضاري تقدمي ، فالأزمة تحاصرنا على مستوى الجماهير والمثقفين والسلطة .



التاريخ / التراث / النص



وعودة التاريخ للتدبر والاعتبار والتفكر فنحن أمة مؤهلة لتتسلم القوامة على البشرية وتسلمها القوامة حاجة بشرية وإنسانية معاً ولن تتسنم المكان اللائق بها تحت الشمس دون عمل جاء دؤوب مؤسس قادر على الفعل والتحدي وهذا يتطلب الأمور التالية :



1 ـ منظومة فكرية ، ( تشمل نظام معرفي وتعيين مرجعية وطريقة لتفكير على أساس هذه المرجعية ونظام يضع خطوطاً عريضة لمعالجة الحياة مهما تجددت وتنوعت ) .

2 ـ طليعة تتجسد فيها تلك المنظومة الفكرية وأن تكون هذه الطليعة من جنس المنظومة الفكرية ، تحترق تلك الطليعة في سبيل منظومتها الفكرية ولا تتخذ المنظومة الفكرية سُلَّماً للوصول أو طريقةً للمجد وأسلوباً للثراء أو العيش أو مطية للغير سواء أكان هذا الغير سلطة محلية أو أجنبية أو شخص .

3 ـ أن تحملَ الطليعةُ دعوتها بوضوح وجرأة وإقدام لتكون المنظومة الفكرية مع حمل الطليعة لها بوتقة تصهر الأمة لتوحيدها في نظرتها على الإجمال ، ولتتخذ الموقف الشعوري الموحد تجاه الحوادث ، فالافتراق والتشرذم والتمزق آفة لا تجعل العمل يثمر أو يؤتي أكله .

4 ـ أية جماعة إنسانية لا يفترض خلوها من الأفكار والمشاعر فهي تعيش وتستمرأُ أعرافاً ولها أفكار سائدة وتعيش على الأوضاع القائمة ولها مشاعر متكونة حول تلك الأعراف والأفكار السائدة والأوضاع القائمة ولهذا لا بد من قبول التحدي لتلك الأعراف والأفكار والأوضاع لتغيير السيرورة التاريخية وبدون هذه الشروط الأربعة الموضوعية ، يبقى التاريخ يسير دون تغير مجراه حالة الركود والسير البطيء .



المعتزلة



والمعتزلة التي نشأت تاريخياً منذ تنزل النص الإسلامي ، المقصود المعتزلة كواقع لا كأسم كطريقة للتفكير على أساس الإسلام ، وكمنهج لفهم النص وحركة جماعية لإنشاء الأمة والدولة والحفاظ على الأمة من الانخفاض في الحس الجماعي وفي التفكير وعلى الدولة من الانحراف واجهت منذ بدايتها أخطر انحراف في التاريخ الإسلامي هو انحراف معاوية فعملت جاهدة لإعادة الأمة إلى رشدها والدولة إلى عدلها وتسلمت راية هذا العمل طبقة أثر طبقة ولكن الفتح الذي توسع أفقياً دون أن يصاحبه توسع في العمق أدى إلى صعوبة المهمة وإذا كانت المعتزلة قد فشلت سياسياً إلا أنها لم تفشل معرفياً بإقرار واعتراف خصوم المعتزلة فما أنتجه المعتزلة من أفكار ومعارف وعلوم ومفاهيم في اللغة العربية والمعارف الشرعية والمعارف الإنسانية والمعارف العلمية التجريبية ، وفي حقوق متنوعة مختلفة بحيث إنتفعت منها كل المذاهب الإسلامية والفرق وعاشت الأمة الإسلامية محصنة ضد عوامل التآكل رغم العواصف والزوابع التي واجهتها عاصفة إثر عاصفة وزوبعة إثر زوبعة ، كل ذلك يعود للكيفية وللطريقة التي كونتها المعتزلة للتعامل مع الإسلام ، إن التنوع الشديد والكثير في الفكر الإسلامي في حقل أصول الدين وفي حقل الفكر السياسي وفي حقل الفكر الحركي وفي حقل فكر المعاملات ( الفقه ) إنما يعود لإثراء المعتزلة للتفكير والاجتهاد ، والعودة إلى المعتزلة هي عودة صحيحة ، أما طغيان أكثر الأفكار زيفاً وبطلاناً فكر الرأسمالية الغربية بدعاويها الخادعة الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وتساوي الحقوق فإنه سيبقى الأمة في حالة التخلف والإسلام المعروض ( إسلام أهل السنة والجماعة ) فانه عاجز عن إنتاج حضارة قادرة على الوقوف في وجه الحضارة الغربية .



يقول هربرت ماركوز في كتابة ( الإنسان ذو البعد الواحد ) إن المجتمع الصناعي المتقدم لم يزيف حاجات الإنسان المادية فحسب بل زيف حاجاته الفكرية ( فكره بالذات ) والفكر أصلاً عدو لدود لمجتمع السيطرة لأنه يمثل قوة العقل النقدية السالبة التي تتحرك باتجاه ما يجب أن يكون ،لا باتجاه ما هو كائن ، ويقول لم تستطع أكثر الأنظمة الديكتاتورية مغالاة أن تلغي في يوم من الأيام البعد النافي السالب ، ولكن ما عجزت عنه الديكتاتورية حققته الديمقراطية .



مفهوم العدل في الخطاب الإسلامي



نصوص عدلية



 1 ـ من خطبة إدريس الأول هو إدريس بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( ت 175 هـ ) في البربر .



" أما بعد فإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإلى العدل في الرعية والقسم بالسوية ودفع المظالم والأخذ بيد المظلوم وإحياء السُّنة وإماتة البدعة وإنقاذ حكم الله في التقريب والبعيد " .



2 ـ من أقوال القاسم بن إبراهيم بن اسماعيل بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب المشهور بالقاسم الرَّسي .



" لا يقضي جلَّ ثناؤه جوار ولا بطلا تعالى أن يكون له قاضياً أو مقدرا بين لعبادة ما يأتون وما يذرون فأن صاروا إلى الضلالة أضلهم بأعمالهم الخبيثة أي سماهم بالضالين وشهد عليهم بالضلالة ووصفهم به من غير أن يدخلهم بالضلالة أو يقسرهم عليها يبتدئ ربنا ـ جل ثناؤه ـ أحد بالضلالة ولا وصف بها أحد قبل أن يستحقها وكيف يبتدئ بها أحد هو القائل               ( يبين الله لكم أن تضلوا ) .



3 ـ من خطبة يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان .



" أيها الناس أن لكم على أن لا أضع حجراً ولا لبنة على لبنة ولا أكري نهراً ولا أكنز مالا ولا أعطيه زوجاً ولا ولدا ولا أنقله من بلد إلى بلد حتى أسد فقر ذلك البلد وخصاصة أهله فإن فضل فضل نقلته إلى البلد الذي يليه ولا أجمركم في بعوثكم فأفتنكم وأفتن أهليكم ولا أغلق بأبي دونكم فيأكل قويُّهم ضعيفكم ولا أحمل على أهل جزيتكم ما أجلِّيهم به عن بلادهم وأقطع به نسلم ولكم على إدرار العطاء في كل سنة والرزق في كل شهر حتى يسوي بكم الحال فيكون أفضلكم كأدناكم فإن أنا وفيت لكم فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة والمكاتفة وأن لم أف لكم فعليكم أن تخلعوني إلا أن تستتيبوني فإن أنا تبت قبلتم مني وأن عرفتم أحداً يقوم مقامي ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل الذي أعطيتكم فأردتم أن تبايعوه فأنا أول من بايعه ودخل في طاعته " .



4 ـ يكتب صاحب طبقات المعتزلة عن غيلان الدمشقي أن عمر بن عبد العزيز دعا غيلان وقال : اعنِّي على ما أنا فيه فقال غيلان : ولني بيعَ الخزائن ورد المظالم ! فولاه  فكان يبيعها وينادي عليها تعالوا إلى متاع الخونة تعالوا إلى متاع من خلف الرسول في أمته بغير سنته وسيرته وكان مما نادى عليه جوارب خز بلغ ثمنها ثلاثين آلف درهم وقد ائتكل بعضها فقال غيلان من يعذرني ممن يزعم أن هؤلاء كانوا أئمة هدى وهذا يتآكل والناس يموتون من الجوع !



من أخبار بشير الرحال الزاهد ( ت 145 هـ ) خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن أبي طالب قال محمد العبسي عن أبيه قال لما عسكر إبراهيم خرجت لأنظر إلى عسكره ؟ فقال بشير ويتقنعون وينظرون من بعيد ! فلا يتقنعون لله عز وجل في الحديد قال : فخفته فجلست بين الناس .



وأول خروجه مع إبراهيم أن السعر غلا في البصرة فخرج الناس معه على الصعبة والذلول إلى الجبَّانة يدعون فكان القُصّاص يقومون يتكلمون ثم يدعون فوثب بشير فقال :



شاهدت الوجوه (ثلاثا ) عُصِي اللهُ في كل شيء وانتُهِكَت الحُرَمُ وسُفِكَتْ الدماء واستُؤثر بالفيء فلم يجتمع منكم اثنان فيقولان : هل نُغير هذا وهلم بنا ندعو الله أن يكشف هذا حتى إذا غلت أسعاركم في الدينار بكيلجة جئتم على الصعب والذلول من كل فجٍ عميق تصيحون إلى الله أن يُرخص أسعاركم لا أرخص الله أسعاركم ! وفعل بكم وفعل !



وقال محمد بن موسى ألأسواري :



صليت يوماً إلى جانب بشير الرحال ، وكان شيخاً عظيم الرأس واللحية ، ملقياً رأسه بين كتفيه ، فمكث طويلاً ساكتاً ثم رفع رأسه فقال :



عليك أيها المنبر لعنة الله وعلى من حولَك فو الله لولاهم لما نفذت لله معصية ! وأقسم بالله لو يعطيني هؤلاء الأبناء حولي لأقمت كل امريء منهم على حقه وصدقِه قائلا للحق أو تاركا له واقسم بالله لان بقيتُ لأجهدن في ذلك جهدي أو يريحني الله من هذه الوجوه المستنكرة في الإسلام قال ألأسواري : فو الله لخفنا أن لا نفرق ، حتى تُضعَ الحبالُ في أعناقنا !



وقال ألأسواري أيضاً :



وكان السائل يقف على بشير يسأله فيقول له : يا هذا أن لك حقاً عند رجل هاهنا ، وأن أعانني عليه هؤلاء ، أخذت لك حقك ، فأغناك ، فيقول السائل : فأنا أكلمهم فيأتي الخلق في المسجد الجامع فيقول يا هؤلاء : أن هذا الشيخ زعم أن لي حقا عند رجل وأنكم أن         أعنتموه ، أخذ لي حقي ، فأنشدكم الله إلا فأعنتموه فيقولون : ذلك شيخ يعبث !



قال وكان بشير يعرض بأبي جعفر :



أيها القائل بالأمس إنْ وُلِّينا عدلنا ، وفعلنا ، وصنعنا ، فقد وُلِّيت فأي عدل أظهرت أي جوز أزلت وأي مظلوم نصرت ! آه ما أشبه الليلة بالبارحة أن في صدري حرارة لا يطفئها إلا برد عدل أو حر سنان .



مفهوم العدل في الخطاب الإسلامي :



كلمة العدل في لغة العرب هي كلمة ساكنة ، فهل هي ساكنة على الحقيقة أو هي كلمة ديناميكية تتجاوز دلالتها اللغوية المفردة تتجاوز ما استقر في ذهن الناس عنها ؟ ذلك هو المحور الذي يسعى هذا التلاقي للكشف عنه .



جاء في لسان العرب لابن منظور ، العدل : ما قام في النفوس أنه مستقيم وهو ضد الجور عدل الحاكم في الحكم عدلا ، وهو عادل من قوم عُدُول وعدل ، وعدل عليه في القضية فهو عادل ، وبسط القاضي عدله ومعدلته ، ورجل عدل ، هو الذي لا يميل به الهوى فيجوز في الحكم ، ولذلك قيل العدل اسم من أسماء الله تعالى ، والظاهران أن هذا الاسم هو اشتقاق من الآيات التالية (يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ % الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (الانفطار:6- 7) وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90) وقوله تعالى (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الأنعام:115) .

  وتتكرر كلمة العدل واشتقاقها في القرآن الكريم ثلاثين مرة ، إلا أنها كلها متعلقة بالعدل الإنساني أو عدول الإنسان عن الحق باستثناء هذه الآيات الثلاث .

المعتزلة والزبدية والإمامية يستعملون كلمة العدل ضد الجبر ، والعدل هو الأصل الثاني عند المعتزلة والزبدية والأمامية والذي يعني عندهم أن الله جل جلاله لا يفعل القبيح ولا يختار إلا الحكمة والصواب ، لكن رغم دعوى الإمامية القول بالعدل ، ويضعونه الأصل الثاني ، إلا أن واقعهم يتردى في حمئة الجبر شديدا ، بقولهم كما يزعمون قولا ـ يسندونه لجعفر الصادق ـ لا جبر ولا تفويض ولكنه أمر بين الأمرين ، ونقضوا قولهم بالعدل مرة ثانية في الخصائص التي يجعلونها لأئمتهم ، بحيث تقشعر منها الجلود ، فضلا عن روايات كلها تؤكد جبريتهم ، وللقول بالعدل مقومات لا بد أن تعرف وهي :



1 ـ أن الأفعال معقولة في الشاهد .

2 ـ تمييز فعلنا عن فعله تعالى .

3 ـ تمييز الحسن من القبيح وضروبه .

4 ـ أن القبيح لا يجوز أن يقع من دون فاعل .



وللقول بالعدل فروع لا بد أن تتصل به :



1 ـ أن أفعال العباد حادثة من قبلهم وليس من خلقه تعالى .

2 ـ وأنه لا يكلفهم مالا يطيقون .

3 ـ وأن قدرتهم متقدمة عن أفعالهم .

4 ـ وأنه تعالى لا يعاقب من لا ذنب له ، ولا بذنب غيره ، وأن الطفل لا يعذب وأن كان أبواه من أكثر الناس شرورا وكفرا وعنادا .

5 ـ وأن الله تعالى أزال العلل في التكليف .



هذا هو الوجه الكلامي في العدل كأصل ثان من أصول المعتزلة ، وليس من مهمة هذا البحث التوقف عند الوجه الكلامي ، وإنما للكلام في العدل منحي آخر هو الفعل الإنساني في صورته المعرفية والعملية فلا بد من الإشارة إلى صورتيه هي الأفكار السائد لإجراء   المقارنة .



أولاً : صورته الماركسية ( صورة الفعل الإنساني )



طمح ماركس إلى تغيير العالم وليس إلى تفسير فقط مؤكدا على أهمية الممارسة وأن الفكر لا يتخذ شكل التحقق إلا من خلال الممارسة .

يفهم من هذا النظرية السياسية ذات شقين ، الأول تفسير الوجود والثاني تغيير تغييره ، والمقصود بكلمة تغيير اكتشاف قوانين حركة التاريخ ، ومن هنا نتج الفكر الماركسي في شقية المادية الجدلية ( نظرية تفسير ) والمادية التاريخية ( نظرية تغيير ) من الأدنى إلى الأعلى .



ثانياً : صورته الليبرالية



أما العالم الليبرالي الديمقراطي الغربي ، فقد أقام نظريته على فكرتين ، الأولى فصل الدين عن الحياة ، ومهما قيل فهي نظرية تفسير للوجود ، والثانية الحريات ، وهي نظرية التغيير للعالم .



ثالثاً : صورته للإسلامية



أن الإسلام جاء بالتوحيد كنظرية تفسير للوجود ، والعدل كنظرية للإنسان المقصود هنا أن السير بالإنسانية صعدا في مدارج الرقي من خلال مفاهيم الاستخلاف واكتشاف كيفية التسخير فالعلم التجريبي الساعي لاكتشاف خصائص الوجود لا بد أن يُسَيَّر بمفهومي التوحيد والعدل ، والأجل الشقاء محل الطمأنينة عند الإنسان .



إذن ما ستحاول هذه القراءة أن تتناوله من مفهوم العدل ، هو القراءة السياسية للعدل بدلا من التفسير المادي للوجود والتفسير المادي لحركة التاريخ والديمقراطية الشعبية ، وبديلا عن الليبرالية الغربية في تفسيرها الذي يفك الارتباط بين تفسير الوجود وحركة الحياة ، إذ جعل تفسير الوجود أمراً فردياً يتم من خلال دوغما أو فلسفات مختلفة متناقضة ، أو أيمان سكوني فردي ، أو أيمان حركي جزئي ( أفعال الخير ) وجعل الحياة هي إطلاق طاقات الفرد الإبداعية ، معتمدا الفرد لإنتاج نظام الحياة ، مغالطاً حين ادعى أن إنتاج الأفكار عن الحياة وأن كان منتجاً فردياً إلا أنه من خلال الديمقراطية السياسية تحول إلى أمر جماعي .



ليس من مهمة هذا البحث اكتشاف الأُسس الخاطئة في تكوين النظرية المادية لتفسير العالم وتغييره ، أو خطأ نظرية فصل الدين عن الحياة لتفسيرها كنظرية تغيير ونظرية الحريات لتغييرها وإنما اكتشاف مفهوم العدل في تغير العالم .

   المرجو الاهتمام الشديد لهذه الآيات من سورة النحل :

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ % وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ % وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ %  وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:75- 78)

   تضمنت الآيات الأربعة مثلين يقع الحس على مدلولهما ، وتهدف الأمثال في القرآن الكريم إلى تقريب إدراك المفاهيم ، وهي هنا تهدف إلى إدراك الفاعلية الإنسانية أو عدمها ، ولأنها لا تتحرك من خلال الإحاطة ، فكان تذكيرهم بأن الغيب له تعالى ، لأن الفاعلية قد تخطأ الهدف ( الآية الثالثة ) ، وأثبت الآية الرابعة أن الفاعلية لا تبني على الجهالة وإنما على المعرفة الحسية ـ العلم بالمحسوسات ـ وعلى المعرفة العقلية ـ العلم بالمدركات ـ وأن هذه المعرفة مكتسبة وليست مخلوقة في الإنسان .



إذن العدل كأصل ، أن الله لا يفعل القبيح ولا يفعل إلا الحكمة والصواب (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الأنعام:115) .

   والعدل في الفرد هو فعله التكليف (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90) .

   والعدل في الحاكم عدم الجور لأي سبب (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الأنعام:152) .

  والعدل في القاضي عدم الظلم (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء:58) .

   والعدل في الإنسانية طلب الحق وفعله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء:135) .

والعدل في العلاقات بين الدول والجماعات والأفراد هو في توحيد المكيال وعدم ازدواجية المعايير (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة:8) .

والعدل في البينات ، الشهادة الصادقة (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (الطلاق:2) .

  والعدل لا بد من توفره في أصحاب الخبرة ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) (المائدة:95) .

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) (المائدة:106)  .

   والعدل في العقوبة أن تكون في محل المساواة للجرم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة:178) .

(وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:179)

   والإصلاح بين الناس يكون بالعدل والقسط (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ % إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات:9- 10) . ولا يجوز أن يقال أن هذه الآيات متعلقة باقتتال المسلمين بالسلاح والمثقل إنها بالنزاع والشجار الذي لا يستعمل به السلاح والمثقل وإنما يستعمل به اليد والعمامة والنعل والنطاق 

   والعدل في الآخرة استحقاق الوعد والوعيد بالأعمال قال تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى % وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى % ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) (النجم:39-41)  .

   هكذا يفهم أن العدل مفهوم شمولي ، ابتداء من التكليف إلى الفعل إلى العلاقات في الدنيا بين الحاكم والمحكوم ، وبين الأمم والشعوب ، وبين القاضي والمتهم وبين الشهود والجريمة ….. الخ .

   كل العلاقات الفردية والجماعية والدولية والإنسانية إلى ما بعد البعث ليكون الجزاء عدلا .

   يشكل العدل بمفاهيمه وديناميكية الحركة الإنسانية سواء في مستوى المفاهيم أو الفعل أو الغاية ، فالعدل مفهوم معرفي والعدل ممارسة فعلية والعدل مقياس للإقبال والأدبار في الإنسان من حيث هو إنسان .

إن الظلم والجور والقسط ( بمعنى شدة الظلم ) والضير بمعنى العدول عن الحق الظاهر   ( ازدواجية المعايير ) ظواهر ابتليت بها الإنسانية في قرنها العشرين ، فما التجزئة وفرض التبعية والتخلف المادي والتأخر الحضاري وإلا مظهر من مفاهيم عدم إدراك مفهوم العدل وجعله أساس الممارسة في الحياة الإنسانية ، وما وقوعنا تحت سيطرة عدونا ألا بسبب تنحية العدل وعدم جعله أساس الممارسة في الحياة الإنسانية ، وما وقوعنا تحت سيطرة عدونا إلا بسبب نتيجة العدل كمفهوم لصنع الحياة ، وفي سبيل إعادة صنعها من جديد وتستمدنا المركز اللائق بأمتنا تحت الشمس ، لن يكون بالتغني ومن خلال شهادة أصحابها لهما إشكالية في محل المصاحبة لهما بخلاف مفهوم العدل فلا إشكالية في داخله وإن كانت هناك مشاكل في ذات الإنسان من كونه هو المنظر والممارس لمفهوم العدل ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) العدل مفهوم عقلي ومعناه أن العقل قادر على تمييز الحسن من القبيح ، أي تمييز الفعل يوصف بأنه فعل حسن من الفعل الذي بأنه فعل سوء وتمييز الفكرة التي توصف بأنها حسنة من تلك التي توصف بأنها سيئة .

  فالعدل مقياس لمعرفة الحق من الباطل في الأفكار .

  ومعرفة الصواب من الخطأ في الاجتهاد .

  ومعرفة الحسن من السوء في الأفعال .

   ومعرفة الخير من الشر في النتائج .

   ومعرفة الجمال والقبح في الأشياء .

   ومعرفة النافع من الضار في الأشياء والوقائع .

   والعدل والتوحيد أو التوحيد والعدل أمران متلازمان لا يمكن الفصل بينهما فالبحث في التوحيد يؤدي إلى العدل والبحث في العدل يؤدي إلى التوحيد وهما دلا دلالة مؤكدة على التكليف ( نبوة وشريعة ) وعلى الجزاء وعلى ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبصورة أخرى دل العقل على التوحيد والعدل ، ودل التوحيد والعدل على الكتاب وعلى بيان الرسول للكتاب ، فالعقل والكتاب والسنة أدلة لا تتعارض ولا تتناقض بل تتكامل وتتناسق وبها معاً تسير الحياة على بصيرة واستقامة .



والعدل هو المفهوم الذي على أساسه يفهم القرآن ، وعلى أساسه تقبل نصوص السنة  والعدل هو الأساس لاستعمال المكتشفات والصناعات البشرية ، وهو المفهوم الذي يحقق توزيع الثروة على الناس بصورة صحيحة لكل حسب اجتهاده ، ومن قصرت به الوسائل عن حصوله على حاجياته الضرورية بسبب عجز أو بطالة أو مرض أو كوارث أمَّن الآخرون له عيشة الضروري .



والعدل هو الذي يحد من هذه القيم الاستهلاكية وهي قيم عادِيَةٌ ومعتديةٌ على كل شيء على الإنسان والبيئة والأجيال التي ستعقب هذا الجيل البشري في إعمار الأرض ، وما هذه الدعاية الإعلانية في التلفاز والإذاعة والصحافة والقمصان والحافلات إلى غير ذلك ، دعاية تصاحبها المرأة والأطفال وأهل الفن ، إنما هي تشويه للمرأة والأطفال وأهل الفن مع أنهم يزعمون دائماً أن المرأة والطفل وأهل الفن إنما دائماً هي همٌّ من هُموم الليبرالية الديمقراطية الغربية وَهُم محل المصاحبة للحزن على المرأة والطفل والفن في العالم الإسلامي دون غيره ، ويركزون على الخصوص على العالم العربي ويسقطون دائماً مساوئهم ومخازيهم التاريخية على تاريخ أمتنا ، وهذا الإسقاط تقبَّلهُ المفكرون وقادة الأحزاب القومية واليسارية والوطنية والأكاديميون في العلوم الإنسانية بل وكوادر الأحزاب والهيئات والاتحادات المتأثرة بمقالات الأكاديميين والأحزاب القومية التقدمية … الخ ، هذا الاختلاط والاخاليط السائدة في حياتنا الفكرية وحواراتنا السجالية وكتاباتنا النهضوية .



من العدل القول بأن سبب هذا الحال لا يرجع فقط إلى دعاة الإسلام الذين مارسوا التغيير عن الإسلام بصورة تعميمات وأماني وليس أفكار يوضع الإصبع على مدلولها ، ولكن لا يعفي المفكرين والأكاديميين من مسؤوليتهم إذ لا يجوز أن يكون دورهم إعادة إنشاء أفكار الغرب بالغة العربية أي أخذ دور المترجم والملتقى لكتابات الغرب وممارسة تشويه الذات الحضارية لأمتنا فالمطلوب هو قراءة نقدية وبالتالي قراءة الآخر قراءة نقدية وغير ذلك هو التحول إلى مسخ حضاري .



دعاة التبعية للحضارة الغربية هم النشطون الآن ، يُسوِّقُونَها محاضراتٍ ومقالات وكتبٍ وندواتٍ وحوارات ، يدعون أنهم حريصون على عدم كتب الرأي الآخر وهم أكثر الناس منعا للرأي الآخر ، ودعاة الماركسية الغربية في محل الاستحياء عن تقديمها بصفتها مشروع يقف في وجه الإمبريالية وجهها الديمقراطي والليبرالي والشرعية الدولية واقتصاد السوق ، والإسلاميون أصحاب النموذج التاريخي سواء أكان معتدلاً أم متطرفاً أو عقائدياً كفاحياً أو متالياً متعبداً ليسوا في محل التأثير على الجماهير أو المثقفين من ناحية سياسية وبقي في الميدان القلة العدليون يقفون وِقفَةَ الرجال الرساليين ضد تيار يدعو للهزيمة الأخيرة .













محاضرة الحركات الإسلامية



تُصرُّ الحركات الإسلامية على أنها في الطريق لإحداث النهضة والتغيير رغم مرور العقود الزمنية المتوالية على تواجدها في الساحة الفكرية والسياسية للعالم الإسلامي .

   ومع أن صورة العالم الإسلامي من ناحية التبعية للغرب وتفكك الرابطة بين شعوبه وقبول إسرائيل دولة شقيقة في فلسطين واكتشافها قرابة اللحم والدم ورابطة الإيمان وإمكانية عوننا على اقتصاد يدر اللبن والعسل عند يهود وفيهم ، وكل ذلك يكتشف ويعري حقيقة الحركات الإسلامية وأنها لم تفعل شيئاً إلا أنها تُصرُّ على أنها فعلت الكثير ويتنازع الحركيون الإسلاميون فضل هذا التأثير فكل حركة ترى نفسها أنها منتجة هذا الخير العميم الذي        ننعم به .

   ويحاول المراقب أن يعرف ماهية هذا الخير العميم ويحاول أن يراه ، ( فيرتد إليه طرفُهُ خاسئاً وهو حسير ) ويجاهد أن يلمسه بيده فلا تقع يده إلا على منظومة المآسي التي يعانيها العالم الإسلامي .

   ومن هنا كان لا بد من مواجهة الحركات الإسلامية واستفزازها نحو النقاش لتتكشف الحقائق كما هي لا كما يتخيلها قبائلُ الحركات الإسلامية .

  لكن المشكلة اليوم وبالأمس أن الحركات الإسلامية عاجزة عن المواجهة الفكرية فتلجأ إلى الهروب تغطي هروبها بسلسلة من الاتهامات منها ما يستند إلى الحاضر كالعمالة والخيانة والارتباط ومنها ما يستند إلى التاريخ أي اتهام الرأي بالضلال والتعطيل ومخالفة السلف .

  لقد آن الأوان أن تثوب الحركات الإسلامية إلى رشدها وأن تعلم أن التوحيد والعدل هما أساس الإسلام وبدونهما يتميع الإسلام .



مستقبل الحركات الإسلامية أو الحركات الإسلامية

ودورها في صناعة مستقبل الأمة الإسلامية



بداية لا بد من أزجاء خالص شكري لادارة المركز الثقافي الملكي إذ أتاحت لي فرصة الحديث عن موضوع مهم لعلاقته عن موضوع مهم لعلاقته بمستقبل الأمة الخيرة الأمة الإسلامية المهددة الآن بالاندار التام إذ أتاحت عليها الأحداث بكلكلها وتوالت الأحداث المؤلمة عليها .



مرة أخرى لا بد من تأكيد خالص الشكر لإدارة المركز الثقافي على وجه العموم ولمدير المراكز وللصديق محمد عواد على وجه الخصوص ولكل من يساهم في هذا اللقاء إدارة أو حضورا لا بد من تحيتكم فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .



قبل الدخول للموضوع ( مستقبل الحركات الإسلامية ) لا بد التذكير أن المراد من العنوان هو دور الحركات الإسلامية في صنع مستقبل الأمة الإسلامية إذ المفروض أن تستمد الحركات الإسلامية مستقبلها من تأثيرها في الأمة وليس من مجرد وجودها أو من عدد أعضائها ومؤيديها .



وتمهيدا للموضوع فإن التذكر ببعض الحقائق المتعلقة بالعالم الإسلامي حالياً يفيد في مثل هذه القراءة الاستطلاعية المتعلقة بالمستقبل .



1 ـ العالم الإسلامي الممتد من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي وتقوم به خمس وخمسون دولة وتعداد سكان هذا العالم أكثر من مليار نسمة إي ( 1/5 ) سكان العالم ويمتلك موقعا استراتيجيا مهما فضلا من إمكانات اقتصادية مميزة .

2 ـ لا يوجد في هذا العالم الإسلامي أية دولة يمكن أن توصف بأنها دولة إسلامية فجميع الدول القائمة في العالم الإسلامي وأن كانت جماهيرها تدين بالإسلام إلا أن الفكرة السياسية الإسلامية غائبة عنها تمام الغياب ليس في الأنظمة والقوانين فحسب بل في كل نواحي الحياة من سياسة أو اقتصاد أو تعليم أو ثقافة أو سياسة خارجية أو حتى في تكوين عقلية الأمة .

3 ـ ما هو أهم من ذلك كله هو أن المسلمين سكان هذا العالم الإسلامي لا يمكن وصفهم بأنهم أمة إسلامية وإنما يوصفون بأنهم مسلمون أي أنهم متدينون بالإسلام مع فقدانهم للفكرة الإسلامية السياسية وتفك الرابطة الفكرية والشعورية فيما ينهم ولذلك فقدوا وحدتهم السياسية فقدانا وما يحركهم الان هو حالة شعورية روحية جزئية عاجزة عن السير في طريق الدفاع عن الذات فكيف في السير في طريق النهضة .

4 ـ في هذه الحالة ألإثائية التي عليها الأمة والتي تعود بدايتها إلى بداية القرن الخامس الهجري أي تعود إلى إغلاق باب الاجتهاد ومنع التفكير وتمركز الفكر المذهبي بديلاً عن الفكر الإسلامي وتعميق التسطيح في التفكير رافقه تحول في فهم الإسلام من نظام تفكير إلى حالة تدين ومن هنا حدث اختلال في الأداء عَمَّ كل نواحي الحياة .

5 ـ حالة الأمة هذه حالة الضياع والتوهة إدراكها السياسيون والمفكرون والمثقفون بل وأدركها الجماهير وقد مرَّ على هذا الإدراك مائتان وخمسون عاما بالتم والتمام ومع هذا فكل محاولات تلافي الانحدار باءت بالفشل بل وساعدت على استمرار الانحدار مما أدى في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي إلى ظهور حركات التغريب المتأثرة بطرق التفكير الغربية وهي الحركات الليبرالية والقومية واليسارية يجمعها كلها عشق للغرب وابتعاد عن التراث أو تسخير التراث لصالح التغريب .

6 ـ في أيام محاربة الإسلاميين للشيوعين في أفغانستان ظهر شعار أن تحرير القدس يمُّر من تحرير كابل ! هنا لا بد من رفع الصوت أن التحرير لا يمكن أن تأتي من الطرف إلى القلب فالقلب هو الذي يحرر الطرف وليس العكس فالقلب هو الذي يمد الطرف بأسباب الحياة والقلب هو بلاد الشام ومصر والعراق وشمال الجزيرة من هذه الأقطار الأربع يمكن النهوض والتغيير أما من البوسنة والهرسك أو من الفلبين أو اندونيسيا أو ماليزيا أو من المغرب العربي أو من الشيشان أو من بلاد واق الواق فالأمر مستحيل .



أمام تلك المعطيات لا بد من حصر القراءة للحركات الإسلامية في الأقطار الأربعة دون غيرها والحركات الإسلامية المتواجدة في تلك الساحة الحركات التالية :



1 ـ الحركة السلفية .

2 ـ الحركة التبليغية .

3 ـ حركة إخوان المسلمين .

4 ـ حزب التحرير .

5 ـ الحركات الصوفية .

6 ـ الحركات الجهادية .

7 ـ الحركات الخيرية .

8 ـ الحركات التعليمية .

9 ـ الحركات الوعظية .

10 ـ علماء السلطة .

11 ـ المؤتمرات الإسلامية .

12 ـ حركة المعتزلة .



إن قراءة الوصفية لهذه الحركات بعد تنحية حركة المعتزلة تكتشف أن جميع هذه الحركات وعددها إحدى عشرة يجمعها كلها جامع واحد هو الانتماء لفكر يسمى من ناحية تاريخية فكر أهل السنة والجماعة وهو فكرٌ لا يبني على قوة التفكير ولا على منهج في الفهم بل على مسلمات دوغمائية أهمها ما يلي : 



1 ـ هم الفرقة الناجية .

2 ـ المرجعية المعرفية هي السلف .

3 ـ أن مستقبل لهم بناءً على أحاديث مرفوعة للرسول تنبيء عن المستقبل .



مع هذه الجوامع المشتركة بينهم إلا أن الاختلاف والتناحر وعدم إمكانية الجدال فيما بينهم هو الصفة السائدة فكل حركة من هذه الحركات تعتبر نفسها أنها المؤهلة لأحداث النهضة وقيادة الأمة وأنها الأكثر إخلاصا وأن المسألة انتصارهم أو عدم الانتصار إنما تأخر لحكمة يعلمها الله والنصر القريب آت لا ريب فيه وما على الأمة إلا الانتظار وكثير من رجال هذه الحركات ينتظر النصر بالمهدي المنتظر ونزول عيسى من السماء ! .





     صورة الإسلام عند هؤلاء العاملين للنهضة على أساس الإسلام صورة مهتزة لا تتوضح فيها معالم الإسلام فتحول الإسلام إلى حالة ذاتية وتدين ومجموعة أماني ، وانتظار لهذه الأماني التي تتحقق قضاء من الله وقدرا ، والغريب أنَّ الغرب يعرف عن الإسلام أكثر مما يعرفه القائمون على هذه الحركات وزيادة لهم في تضليلهم مرر لهم الغرب من خلال التدفق الإعلامي الذي يسيطر عليه الغرب أنَّ الغرب يبات ليله وهاجسه الخوف من المد الإسلامي ومثل أي طفل صغير أحب رجال الحركات هذه المقولة وصارت هي التسابيح وهي الترانيم صباح مساء ؛ لكن ( كتاب نهاية التاريخ وخاتم البشر ) للأمريكي من أصل ياباني(فوكوباما) والذي بشر فيه بأن نهاية التاريخ هي الليبرالية الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية على اعتبار أنها نقطة النهاية للتطور الأيدلوجي والصورة النهائية لنظام الحكم البشري قال حول الإسلام ما يلي : ـ

" صحيح إنَّ الإسلام يشكل أيدلوجيا منسقة ومتماسكة ، مثل الليبرالية والشيوعية ، وأنَّ له معاييره الأخلاقية الخاصة به ، ونظريته المتصلة بالعدالة السياسية والاجتماعية . كذلك فإنَّ للإسلام جاذبية يمكن أنْ تكون عالمية ، داعيا إليه البشر كافة باعتبارهم بشرا لا مجرد أعضاء في جماعة عرقية ؛ أو قومية معينة ، وقد تمكن الإسلام في الواقع من الانتصار على الديمقراطية الليبرالية في أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي ، وشكل بذلك خطرا على الممارسات الليبرالية حتى في الدول التي لم يصل فيها إلى السلطة السياسية بصورة مباشرة . وقد تلا نهاية الحرب الباردة في أوروبا على الفور تحدي العراق للغرب وهو ما قيل ( عن حق أو عن غير حق ) أنَّ الإسلام كان أحد عناصره .                       

ويستمر قائلاً غير أنه بالرغم من القوة أبداها الإسلام في صحوته الحالية فبالإمكان القول أن هذا الدين لا يكاد يكون له جاذبية خارج المناطق التي كانت في الأصل إسلامية الحضارة وقد يبدو أن زمن المزيد من التوسع الحضاري الإسلامي قد ولى فإن كان بوسع الإسلام أن يكسب من جديد ولاء المرتدين عنه ، فهو لن يصادف هوى في قلوب شباب برلين أو طوكيو أو موسكو ورغم أن نحو بليون نسمة يدين الإسلام ( أي خمس تعداد سكان العالم ) فليس بوسعهم تحدي الديموقراطية الليبرالية في أرضها على المستوى الفكري بل أنه قد يبدو أن العالم الإسلامي أشد عرضة للتأثر بالأفكار الليبرالية قد اجتذبت إلى نفسها أنصارا عديدين أو أقوياء لها من بين المسلمين على مدى القرن ونصف القرن الأخير والواقع أن أحد أسباب الصحوة الأصولية الراهنة هو قوة الخطر الملموس من جانب القيم الغربية الليبرالية على المجتمعات الإسلامية التقليدية " .



ومن المهم أيضاً التذكير بأن الرئيس الجمهوري نكسون قد قلل من إمكانية الإسلام كخصم أساسي للغرب في كتابة الفرصة السانحة ذاكراً تعدد قوميات المسلمين وأنهم مختلفون إسلامياً بين سنة وصوفية وشيعة وأن لغاتهم متعددة الخ ما جاء بكتابه .



ما يلفت النظر في قول فوكوياما وقول الرئيس نكسون هو أنهما يكتبان للتنظير المستقبلي ولهذا يعرضان الحقائق كما هي بخلاف الأعلام فإنه يهتم بالتضليل من جهة والإلهاء من جهة أخرى ولقد وقعت الحركات الإسلامية أسيرة التضليل في أكثر من حالة وفي العديد من المواقف والأعمال فضلاً عن التضليل الذي جاءها عبر التاريخ والتضليل الذي تعمدته حينما نظرت إلى نفسها نظرة مدح وغزل



هداك الله يا تـاريـخُ !
   

تجابي الحي أو تظلم يا تاريخ أحيانا !

فهل مثلك مأمـون ! ؟
   

عــلـى أخـبـار مــوتـانـا

لكم تروي حقيقـات !
   

أراهــا فــي الــخـرافـات

وكم تروي خرافات !
   

أراهــا فـي الـحـقـيـقـات

وكم يُذكـر أخيـارٌ !
   

هــم عــنــدي أشـــرار

وكم يُذكـر أشرارٌ !
   

هــم عــنــدي أخــيــار

هـداك الله يا تاريـخُ
   

يــا شــيــخ الأضـالـيـل

فمـا أقـدر كفيـك
   

عـلـى نــسـج الأبـاطـيـل



تضليل تاريخي ثم تضليل العدو وأخيراً تضليل ذات ثلاثة أضاليل لا تزال مستمرة في عملها الدؤوب تفعل فينا فنقع فريسة الموت كنفس واحدة .



إن تصحيح النظرة إلى الإسلام وهو أنه أيدولوجيا وأن الصراع الرئيسي هو الصراع مع الغرب صراعٌ فكري حضاري وصراعٌ كفاحي سياسي وأن نقطة الابتدلء هي قلب العالم الإسلامي وأن الانتظار على الرصيف لن يجدي المنتظر نفعا كل هذه الأمور لا زمة لإحداث النهضة .



الحركات الإسلامية تأبى استيعاب تلك الحقائق بل تقف سداً منيعا أمام أي تحرك جاد يسعى لاعادة بناء العقلية الإسلامية ويرنو لتحريك فاعلية الأمة وهي في موقعها هذا تفتح الطريق للانخراط في الاستعارات الأيدلوجية الليبرالية والايدلوجيا الاشتراكية ونظرا لأن الأزمة تحاصر الأيدلوجيا الاشتراكية الماركسية بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفياتي وقع الاشتراكيون الماركسيون في اسر وقبضة الأيدلوجيا الليبرالية وهنا يمكن السبب وراء إدعاء فوكوياما نهاية التاريخ وخاتم البشر .



تدعى الحركات الإسلامية المتواجدة في ساحة قلب العالم الإسلامي أنها تسعى لاستئناف الفكرة الحضارية الإسلامية استئنافاً يُمكِّن الأمة من تحقيق وجود مبدع لها في هذا العالم والحقيقة أنها تبحث عن الإبداع لا في مقومات الابداع بل في التراث من خلال قراءتها للتراث قراءة محكومة مسبقا بتحيز للتراث السني وبهذا تقسيط الحركات في احبولة القراءة السلفية للتراث وتسقط معها الأمة في احبولة هذا التراث لسان حال الحركات الإسلامية وكثيراً ما رددوه وخاصة السلفية قول الشاعر :



العلـم قـال الله قـالا رسـولُـهُ
   

قال الصحابة ليس خلـفٌ فيـه

ما العـلم نصبُك للخلاف سفـاهـةً
   

بين النصوص وبين رأي سفيـه

كلا ولا نَصبُ الخـلاف جـهـالةً
   

بين الرسول وبين رأي فـقيـه

كلا ولا رد النصـوص تـعمـداً
   

حذرا من التجسيـم والتشـبيـه

حاش النصوص من الذي رميت به
   

من فرقة التعطيل والتمـويـه



قضايا المجتمعات تختلف باختلاف المجتمعات وحقيقة النهضة تختلف باختلاف وجهات النظر ومشاكل الناس تتعدد وتتجدد باختلاف الزمان والمكان وأن كان أساس مشاكل الناس ثابتاً وعلاقات الشعوب والدول مثل علاقات الأفراد تحتاج إلى حلول من هنا قال الغربيون بنظرية الحداثة وما بعد الحداثة ونظروا إلى الحداثة وما بعد الحداثة فهل السياقات التي يجب أن يعيشها المجتمع الإسلامي هي سياق السلفية أم سياق الحداثة وما بعد الحداثة أم من الممكن إيجاد سياق أخر يرفض السياقين معاً ؟



قضايا المجتمع الإسلامي هي التأصل والإنشاء والارتقاء سياق ليس سياقا سلفيا ةليس سياقا غربياً أنه السياق منذ وجود الدعوة الإسلامية حتى صدور الوثيقة القادرية هذه النظرية الثالثة في المشروع النهضوي الإسلامي لم تستوعب من قبل الحركات الإسلامية ومن هنا وقفت تأخر خُدعت اشغلت نفسها بما لا طائل تحته .



أن الدعوة للإسلام باعتباره فكرة حضارية متميزة قادرة على الانشاء والارتقاء هو الطريق  أمام الأمة الإسلامية للخروج من تيه الحضيض الأحطّ في الهبوط الفكري وهو الدرب الأقصر إنقاذ الأمة من هوه التخلف المادي وهو طريق المستقيم لزوال الانحطاط السياسي الذي تعانيه الأمة وهذا ما لا تدركه الحركات الاسلامية لأنها وقفت في حالة الغفلة في كل مقوماتها ومن هنا كانت الحركات الإسلامية عقدة من عقد المجتمع وليس دربا من دروب النهضة .

إن الفكرة الحضارية الإسلامية هي نظرية في الحياة الإنسانية في دار التكليف وليس نظرية في الرحلة نحو الآخرة ومن هنا اختلف الفكرة الحضارية الإسلامية مفهوما ومنهجا عن أفكار الأديان الأخرى وعن أفكار الأيدلوجيا الغربية أو الأيدلوجيا الماركيسية لقد أوقع الاسلاميون ( الحركات الإسلامية ) الفكرة الحضارية الإسلامية أسيرة لمعطيات الأديان الأخرى وأوقعها التغريبيون على اختلاف مسمياتهم أسيرة المفاهيم والمناهج الايدولوجيا الليبرالية والاشتراكية ومن هنا كانت حتما أن تسير الأمة نحو الهاوية .



ما معنى الفعل الثقافي ؟ الفعل الحركي ؟ الفعل السياسي ؟ ثلاثة أمور تتلازم في أي حركة أو حزب يوصف بأنه سياسي هل الفعل السياسي قطب رحاه أو أساسه الدولة ؟ وهل الدولة هي الأساس ؟ لا بد من فهم لطبيعة المجتمع من خلال فهم مكوناته : الأمة ، النخبة ، السلطة .



الأمة كيان اجتماعي من ذكر وأنثى تعين لهم الأفكار الجماعية التي يحملونها حقيقة المصالح وتدفعهم المشاعر الجماعية المشتركة لتحقيق هذه المصالح ومن هنا تنشأ بينهم علاقات دائمة وتتكون عندهم إرادة جماعية للحفاظ على مصالحهم وحمايتها فالحكم كامن في الأمة .



النخبة هي مجموعة من الأمة تتميز عن الأمة بإنتاجها للخطاب الثقافي الذي يؤثر على أفكار الأمة ويغير أو يعدل من أفكارها أداة النخبة الدافعة هي الانتماء لحضارة الأمة وسر ارتقاء خطابها يمكن في التعرف على حاجات المجتمع فالأصل  في النخبوي أن يكون عين الأمة وبصيرتها سر حياته كلها العطاء لأجل أمته التي ينتمي إليها .



السلطة كيان تنفيذي يقوم على رعاية شؤون الأمة وفق مفاهيم ويعمل على إحسان رعايتها داخلياً وخارجياً ويرتكز في كونه الكيان التنفيذي على رضا الأمة به .



هذه التعاريف هي تعاريف مختصرة للأمة والنخبة والسلطة في حالة تجانسها لانتمائها إلى هوية واحدة وهذه هي صورة الأمة التي تحدد كيانها وسارت صعدا في طريق الرقي . د



الأمة تتراجع للوراء والعلاج يتم بمعرفة سبب التراجع فإن كان التراجع بسبب انحطاط أفكارها فإنها تحتاج إلى حركة تغيير أساسي شامل في طريقة تفكيرها وأن كانت أمة عريقة فما عليها الأغذُّ الخطى لتكون في المكان الملائم لها .



هل الحركات الإ؟سلامية حاصلة على حد من الوعي والقدرة على التفكير بحيث يجعلها قادرة على أن تفعل ولا تنفعل وفي محل الاستطاعة على أنْ تُغير ولا تتغير وممكنةٌ من أن تؤثر ولا تتأثر ينتج عن ذلك أن تكون في محل القدرة على قيادة الأمة نحو المستقبل ؟ ذلك هو السؤال الذي لا تصعب الإجابة عليه بعد مرارة الأحداث المعاصرة التي اعترت حياة الأمة والتي تشكل نهاية المطاف نحو اندثار هذه الأمة .



صحيح أن الاعتراف بتراث هذه الأمة وأنه في محل القابلية لاستئناف مسيرة الحضارة الإسلامية ؟ وأن الحركات الإسلامية تعتبر نفسها المعبرة بصدق عن المخزون التراثي والتاريخي والحضاري لهذه الأمة ! ومن هنا يظهر ميزان قوتها لأنها تقيس نفسها مع التغريبيين الذين قطعوا صلتهم مع تراث الأمة الذين يباشرون شروط الحضارة من منطق اخر مغاير للامتداد التاريخي لحضارة الأمة ومن هنا تظن الحركات الإسلامية أنها الأكثر اقتدارا من الآخر على أحداث النهضة والحركات الإسلامية في هذه الموازنة لا تبصرُ واقعها ورغم مضي الحقب والسنون لا زالت تراوح مكانها ألا يستدعي ذلك إعادة النظر ؟ والبحث عن الأسباب والدوافع التي أفقدت الحركات الإسلامية القدرة على التأثير .



هنا تكون الإجابة قد وضحت وأن الحركات الإسلامية لا مستقبل لها وأن ليس لها أدنى تأثير في صناعة مستقبل الأمة أن الحركات الإسلامية لا ترى الأمة الإسلامية إلا من خلال رؤية أهل الحديث شعبه والأعمش ومالك وأحمد بن حنبل وابن تيمية وابن قيم الجوزية ومحمد بن عبد الوهاب وأخيراً ابن باز وسفر الحوالي والعودة والألباني مع افتراق الحركات خلال المعاصرين فالأخوان يرون مستقبل الأمة الإسلامية من خلال حسن البنا وحزب التحرير من خلال تقى الدين النبهاني وهكذا ينفعلون ولا يفعلون .



ومثلهم في ذلك تلك الزمرة الأخرى التي لا ترى الأمة إلا من خلال هيجل وماركس وفرويد وغيرامشي وفوكو وباشلار ودريدا وسمير أمين أو من خلال محمد اركون والجابري والاثنان ينتميان للقراءة الاستشراقية ولقد وجد من الدكاترة من يمجد هشام الشرابي مع أن الشرابي منفعل بالغرب حتى نخاع العظم وإذا كان السم تستحقه هذه الحقبة فإنه دخول السلطة والنخبة والأمة مرحلة الموت والنهاية التي تليق بالمقام هي قراءة سورة التفاحة .



والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته





كلمة لا بدّ منها



وماذا بعد هذه الهجمة ضد العراق !!؟



مدخل للمحاضرة :



القيت هذه المحاضرة في المركز الثقافي الملكي في تاريخ 12/3/1991 م أي بعد توقف الحرب الهمجية ضد العراق بأيام بلغت أحد عشر يوماً أي لم تجف الدماء البريئة بعد !



لم تكن ردود فعل العرب والمسلمين منذ 2/9/1990 م تاريخ دخول القوات العراقية للكويت وإلى 1/3/1991 م إعلان توقف القتال مساوية لما يستحق الحدث من ردود فعل .



حاولت المحاضرة تحريك الناس باتجاه تعميق أثر في النفوس من جهة وإعلان ميثاق ولاء للأمة وبراءة من الخائنين والمخادعين والمخدوعين والمشلولين الخائفين أي دعوة لمراجعة ذهنية نفسية للحدث حتى لا يُطوي في سجل النسيان .



ربما برزت العاطفة في المحاضرة وربما جنحت المحاضرة للخيال وربما فُهمت على غير مواضع فهمها من أنها في خدمة البعث العراقي !



لكن حقيقتها أنها في خدمة الأمة التي اغتربت عن هويتها الإسلامية الحضارية الإنسانية العالمية وهي دعوة للعودة ( فالعودة أحمد ) فالاسلام أساسها والانتاج الحضاري حركتها والانسانية حقيقتها والعالمية دعوتها وترك الأغتراب الذي طال وهو ما يشكل الأن تشكل جديداً لاعلان موت الأمة حضاريا واستبدال هويتها بهوية مسخ هي القطرية المُثبة للحدود الدائمة والتبعية للغرب وقبول اسرائيل دولة شقيقة واعلان رابطة اقليمية مهملة هي السوق                                                                                    ( الشرق أوسطية ) فهل من امكانية لبعث الحياة في الأمة مرة أخرى ؟! أفكار هذه المحاضرة ليست أفكاراً حالمة وإنما فيها قابلية الوجود الحي اذوعتها الجماهير واردتها ومارستها .



وجهة نظر أم تبرير ! 



ساورتني الرغبة كثيراً أن لا تضع المحاضرتين التاليتين بالكتاب للخشية من أن يفهمها على غير مرادها فأحيانا كثيرة تتركز القراءة لأي نص فكري أو سياسي من خلال العنصر النفسي للقارئ لا من خلال الناحية الفلسفية السياسية للنص أي الدخول إلى قلب النص بدل الدخول إلى نية الكاتب لمعرفة موضوعه ومساره وهدفه ومفاهيمه قبل ذلك .



فقد يُفسر مفسرٌ نص ماذا بعد حرب الخليج ؟ أنه تأييد للوضع السياسي القائم بالعراق مع أن النص هو تأييد للعراق ضد أعدائه الهمج والانتفاع بمعطياته الكاشفة عن صورتنا الهزلية والتي بينت بوضوح مدى حقد الولايات المتحدة وصواحبها على أمتنا .



وقد يفسر نص محاضرة " مؤتمر السلام والتسوية السلمية " أنه موقف غامض لأنه لا ينتمي للضدين المفتعلين المؤيدة والمعارضة ولقد إبتلينا عبر مسار تاريخي طويل بحالة المؤيد والمعارضة ذلك أنهما حالتان متناقضتان تناقضا ظاهريا أما حقيقتها فهما يعملان ضمن عملة واحدة ووجهين مختلفين .



ما تكشف الآن وبعد مسار مقداره خمس سنوات أن رؤية الاستطلاعية للمحاضرين كانت صادقة فالعراق معرض لأقسى هجمة تجويعية متذرعة بأنها ضد نظام الحكم مع أن نظام الحكم لا يتعرض للجوع أبداً وأخذ مسار قضية فلسطين ايجاد دولة فلسطين بخطى بطيئة ومهينة وهي دولة كل في المعايير لا يمكن أن تملك إرادة سياسية حقة .



لقد استشهدت المحاضرة الثانية بفقرتين من كلام سياسي للملك عبد الله عندما كان أميراً لشرق الأردن فلا يُظَّنُّ أنها من نوع التزلف للعائلة المالكة بالأردن بل جاءت لكشف الصورة التي عليها الواقع العربي مع بوادر نهاية الحرب العالمية الثانية لا أكثر ولا أقل .

وماذا بعد هذه الهجمة الهمجية ضد العراق

تحرير الارادة والسيادة طريق النصر :

التوحيد طريق تحرير الارادة :

العدل طريق تحرير السيادة

الحق أحق أن يتبع

الاستقامة هي امتحان حرية الارادة والسيادة فعلاً



هذه الكلمات الأربعة التوحيد ، العدل ، الحق ، الاستقامة هي صرخة المعتزلة لاحداث النهضة والتغيير في المجتمع والفرد والسلطة ، وبدونها لن تحدث نهضة فهل آن الآوان لقادة الفكر وقادة الأحزاب ، التنحي عن طريق وترك القافلة تسير على هدى هذه الكلمات الأربعة ، الغنية في مضامينها ، أم تبقى هذه القيادات مصرةً على السير في عبثها ، تضحك على الأمة عقداً من الزمان أثر عقد من الزمان .



إن التاريخ لا يحرم والمجرَّب لا يجَّرب فالأمة اليوم وبعد مضي ( 45 ) عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية انقسمت أمام حركة بطولية تاريخية عنيفة هي حركة النواة العراق إلى معسكر الخاءفين وهي صورة لم يكن يتوقعها أكثر الناس فكيف حدث ما حدث وهل يلجأ إلى العادة لتبرير الهزيمة بأن تسمى بداية النصر ؟ والتغني ببطولات الشعب من المحيط إلى الخليج ويُرحب بصمود الخائفين على خوفهم !؟ وتمجيد تفاني القيادات الشعبية والحزبية في مدى إخلاصها والتسبيح بحكمة القيادات السياسة !؟ .



أنها دعوة لوقفة محاسبة جادة لكل المواقف ولكل الأفكار ولكل الشراذم لا مكانية إعادة البناء وإعادة دائماً تُسبق بعملية هدم ، عملية هدم جريئة تتعرض للأساس قبل الهيكل وإلا فإنها ستكون الترميم لن يحرك هذه الحياة الآسية التي تعاش ، والتي تعتمد الأماني والأشواق والأحلام في اليقظة وفي منام عن غدٍ فاضل يأتي من انتفاضة صغار / أبطال الحجر حلم عام ( 87 ـ 2 آب 1990 ) أو من وقفة العراق وحدة ووحدة فقط أمام هجمة شرسة وعاتية من أكبر وأكثر تجمع حدث في التاريخ ضد دولة واحدة من ( 2 آب ) إلى ( 2 آذار ) 1991 م .



إن الهدم والبناء لا بد أن يُسبق بتصور واضح يحدد المعالم ويدخل إلى التفصيلات ويرسم الخطط ويعرف الوسائل والأساليب وإلا فإن إعادة البناء تتعثر وتقف أمام أدنى صعوبة تعترضها وقفة الحائر ، الذي لا يرى ما يفعل ! وكيف يسير ! وسيدخل الأزمة والمأزق معاً ! وسيحيل عجزه على القضاء والقدر عند المتدينين وعلى المستقبل عند العلمانيين .



إن النهضة والتغيير لن يأتينا من خلال فكر سلفي جامد محتجر يمارس التضليل والتهويم قد يقرأ القرآن الكريم وكأنه نبوءة عن المستقبل لا كتاب هداية ويطلب أحاديث الجعفر وأحاديث كنز العمل يحاول فيها أن يرى النصر قبل وجوده ويعمل على نشر مخدرات العقول يشجع آمين المساجد يوم الجمع على تناولها بكلتي يديهم .



ولكن ماذا عن حشد آخر ليس سلفيا وإنما هو في محل العداء للسلفية أنه قومي أو يساري أو ليبرالي وبصورة أخرى تغريبي يستمد من غير أمته فكره ومنهجه وثقافته ويتغنى بألفاظ لا يدرك لها أي معنى ، ولا يحدد مسارها ، أنه يتغنى بالديمقراطية بصورة طوباوية ، يرسمها ذهنة لا واقع الديمقراطية الغربية ، ويطلب الحريات دون معرفة سقفها ، والسيف يرتفع وينخفض حيث الهوى والميل ، ويؤمن بالتشرذم من خلال دعوته للتعددية كأن التشرذم هو المطلب الأسمى عنده ، وينادي بحقوق الإنسان كما تخيلتها هيئة الأمم المتحدة عبر امينها ديكويار ( 1 ) الذي جعل الأمم المتحدة في خدمة الولايات المتحدة !



إنها كارثة خطاب فكري وسياسي هو المسؤول عن حجم الكارثة التي نعانيها اليوم وهو خطاب يأبى أن يموت لأن وجود استمراره هو الضمانة الوحيدة لتخليد التجزئة وبقاء التبعية وضياع الهوية الذاتية لامتنا ، لهذا يسعى الأعداء لبقاء هذا الخطاب وامداده بكل سبل العيش ، من خلال سيطرته على القيادة والتوجيه عبر كل منبر خطابي أو قيادي ، فلا مجال إطلاقا لظهور غير هذا النمط من الأفكار وهذا النهج من القيادات .



أنه وقد تمخضت الأحداث على تكالب قوى الأطالسة بخبث وحقد على الوقوف أمام نجف الامام علي بن أبي طالب وكربلاء الحسين بن علي بن أبي طالب وكوفة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وبصرة إبراهيم بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب وبغداد المردار والجعفرين لقتل محاولة العراق إعادة البناء لأمة عريقة في التاريخ يساعد الأطالسة في ذلك قوى المنافقين والمرتدين ويبقى متفرجاً في مدرجات المشاهدين معسكر الخائفين من أهل ملتنا ومعسكر التقدميين ومعسكر عدم الانحياز !



بعد أن بارك الجميع هذه الهجمة الشرسة عبر الموافقة أو التزام بقرارات هيئة الأمم المتحدة اليس هذا عجباً يميت القلب !؟



وبعد أفلا يكفي هذا الحدث لبيان ما يجب أن نفعل ولهذا المعتزلة أنه لا يدرك من إعادة البناء من خلال مواقف محددة وواضحة تشمل كل من شارك أو ساهم في صنع الهجوم ضد العراق ! .



أولاً : أن الولايات المتحدة هي العدو الأول لهذه الأمة فلهذا فإن الأمة مدعوةٌ لمقاطعة الولايات المتحدة ، مقاطعة تامة ومستمرة ، فلا مجال لاستهلاك صناعتها أو التعاون معها ، بأي صورة من صورة من صور التعاون ، فلا بد من مقاطعة أفلامها وثقافتها وسفارتها ، فلا سفر إليها ولا رحلة مع طائرتها ، وتثقيف الأبناء والجماهير بما يجعلها ندرك حقيقتها ، وأنها عدو خبيث وحاقد وكشف حقيقتها في كل منتديات العالم ما أمكن والاستمرار في دعوة العالم الثالث شعباً ، على إعلان العداوة لها ودعوة المتواجدين من أساتذة الجامعات من العهالم الثالث إلى ترك العمل معها بأسرع ما يمكن ، وما ينطبق على الولايات المتحدة ينطبق على كل من الدول التالية ، بريطانيا ، فرنسا ، أسبانيا ، وألمانيا وهولندا وكندا واستراليا واليابان وايطاليا والأرجنتين تشيكوسلافيا ، المجر ، كوريا الجنوبية ، بلجيكا .



إن آلية هذا العمل هي في مشروع ثقافي ومشروع دعاية ، المشروع الثقافي يجعل مقاطعة الولايات المتحدة قناعة تنمو في المساحة يوماً بعد يوم ، وتتركز وتتعمق مع توالي التدارس والتذكير ، أما مشروع الدعاية فهو في محاولة الدعاية بكل سبيل ممكنة أو متاحة ، من خلال التأثير الفردي والجماعي في الأفكار والمشاعر وذلك بالاتصالات الحية من مراكز القوى من نقابات مهنية أو غرب صناعة وتجارة أو من خلال مراسلات شخصية كل يراسل من يعرف ومن خلال الكتابة في الصحابة وبيان ما في التعامل مع مثل هذه الدول من استهانة بالذات ، قبل الاستهانة بالأمة ، وفي محاضرات مستمرة ، تشمل المنتديات والمساجد وفي ملصقات جدارية تطلب المقاطعة ، وتكشف خطر عدم المقاطعة ، وأن يبقى هذا العمل بصورة مستمرة من خلال الثقافة والاعلان والاصرار على ذلك ( 1 ) .



ربما يبدو للبعض أن أثر مثل هذه الآلية غاية في الضعف بحيث يكون صعبا ومستحيلا إدراك أثاره والحقيقة أن أثاره مرتبطة في قوة التصميم والمثابرة على الاستمرار بالثقافة والدعاية بحيث يصبح عدم الاكتراث بالمقاطعة عيباً في الذات وطعنا في الكرامة سواء بدا من واحد جماعة .



وقد يبدو للبعض استحالة هذه المقاطعة لحاجتنا الماسة للاستعانة بها لما لدى هذه الدول المتقدمة في التكنولوجيا من إمكانية لا يمكن الاستغناء عنها إذا أردنا إعادة بناء قوتنا الصناعية والعسكرية ولأننا في ضرورة قصوى لما عند هذه الدول من مستجدات في العلم النظري والتطبيقي والحقيقة أن الاعتماد على الذات وطلب البدائل من الدول التي لم تقف ضدنا هي الطريقة المثلى لعلاج هذا الأمر .



أن تحول هذه المقاطعة من رأي شعبي إلى سياسة في الدولة مرتبط ارتباطاً في تركيز هذه القناعات عند الرأي العام ولا فالقاعدة الشعبية هي الطريق الصواب وبدونها لن يتأتى نجاح مثل هذه المقاطعة إذ يجب أن تتكون هذه المقاطعة على أسس أن الولايات المتحدة وحلفائها هم عدونا وأن تبقى هذه الجذوة مستمرة وليس على أساس موقف سياسي عارض .



وهنا يجب الحديث عن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن تلك الهيئة وذلك المجلس الذين كانا عباءة للولايات المتحدة وحلفائها لإقامة دولة اليهود في فلسطين والوقوف إلى حد القتل والقتال أمام تحررنا ووحدتنا وإعلان هويتنا واستئصال الكيانات السرطانية من جسمنا ولقد ثبت أن هيئة الأمم ومجلس الأمن لم يوجدا لخدمة السلام أو العدل أو الأمن الاقتصادي وإنما وجدا لجعل الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا الحلف الثلاثي اللامقدس في حالة هيمنة وسيطرة على الدول والشعوب والأمم ومنع حركة التاريخ .



أن صدور أثنى عشر قراراً ضد العراق خلال زمن قياسي أمر مثير والقرارات تحمل أشد قرارات مجلس الأمن قسوة تكتشف بصورة مريعة حقيقة مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة من أنهما هيئتان لا علاقة لهما بتحقيق العدل والسلام وإنما هما أداة هيمنة وسيطرة للولايات المتحدة والدول الكبرى ولا يغترن أحدا بموقف بعض الدول من رفض للقرارات فهو مجرد رفض شكلي ولذلك لم تستعمل الصين مثلا الفيتو مرة واحدة ولهذا لا بد من رأي عام عالمي ضد هيئة الأمم المتحدة وضد مجلس الأمن وأن العضوية بهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن هو عين القبول والرضا التام باستعمار للولايات المتحدة لنا وللعالم عبر أسلوب جديد أشد وقاحة وأقوى تأثيراً واستمراراً يفوق الأساليب الاستعمارية السابقة هذا هو المجلس وتلك الهيئة ولهذا فإن المعتزلة تهيب بالناس أينما كانونا لهدم هذه الهيئة وبهدمها تضعف الولايات المتحدة وتتقزم وتتحول إلى ديناصور يمكن قتله أو حبسه داخل ولايتها الواحد والخمسين ولا بد من العلم أن آلية العمل ضد هيئة الأمم ومجلس الأمن ليس لها من طريق إلا الثقافة والدعاية وفضح معاييرها وإذا كان لا بد من بقاء علاقة بين الأمم فلا بد أن تكون من خلال هيئة لا تمتلك صلاحيات إجرائية وإنما تسير عبر الإلزام الأدبي فقط .



إن إضعاف الولايات المتحدة  وحل هيئة الأمم المتحدة   أو تحويلها إلى كيان يفتقد الصلاحيات الإجرائية ليس مصلحة سياسية آنية وإنما هي مصلحة سياسية غير آنية ، ولهذا لا يمكن العمل لتحقيقها من خلال الكفاح السياسي ، وإنما يتأتى تحقيقها من خلال الصراع الفكري والثقافة المركزة والثقافة الجماعية أي إيجاد رأي عام عالمي خطورة الولايات المتحدة إدراكاً واقعياً ويعرف أفعال هيئة الأمم المتحدة معرفة تامة بحيث يوضع الاصبع على حقيقة خدمتها لهيمنة الولايات المتحدة على العالم .



إضعاف الولايات المتحدة وحل هيئة الأمم المتحدة هما سياسة بعيدة المدى لكل دول العالم الثالث وكل الأمم المؤثرة الراغبة في فك الهيمنة الأمريكية ولا يأتي هذا الأضعاف وذلك الحل لهيئة الأمم من مجرد موقف فكري لجماعة وإنما هو عمل سياسي عالمي ، خاصة العالم الثالث فلا بد من إدراك هذه الحقيقة ، والعمل من خلالها وليس من مجرد الأماني والرغبات .



ودعوة إلى معسكر الخائنين والمرتدين إذ هو ركيزة العدوان من ناحية سياسية فآلية استند الحلف الغربي الهمجي وعليه كقاعدة وعليه إرتكز ومن أرضه ومطاراته وقواعد ومياهه الاقليمية تحرك ، ومن أمواله انفق ، وقدم معسكر الخائنين رجاله كاكياس رمل أمام مجندي ومجندات الحلف الهمجي إن مثل هذا الفعل من المرتدين والخائنين مهما كانت مبرراته وتحويراته لا يمكن أن يقبله عاقل ، وأن يرضى عنه إنسان له أدنى إحساس بكرامته ، أو شخص عنده بقية من دين ، أو قليل من أمل فلقد ضرب هذا المعسكر وبصورة عاصفة ومفاجئة كل علاقة يمكن أن تكون معهم فلا أرحام بيننا وبينهم ولا بد من اتخاذ صورة البراءة منهم ليس على صعيد الحكام فقط بل على صعيد المفكرين والإعلاميين وعلى صعيد الدبلوماسيين والسياسيين وعلى صعيد الضباط والجنود وعلى صعيد الأحزاب مؤيدة أو معارضة فإن ما حدث كان يجب أن يتخذ تجاهه إجراء الحياة أو الموت ولا مجال الاعتذار .



فـأمـا حـيـاة الـصـديـق
   

وإمـا مـمـات يـغـيـظ الـعـدى



قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدُوِّي وعدوَّكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرُّون إليهم بالمودة وأنا أعلمُ بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل السبيل ( 1 ) إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء لكم أعداء ويسطوا إليكم وألسنتكم بالسوء وردوا لو تكفرون ( 2 ) لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصيرٌ ( 3 ) قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم أنا بُرءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تومنوا بالله وحده الأقوال إبراهيم لأبيه لاستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ( 4 ) ) .



هذه الآيات الأربعة من سورة الممتحنة تبين لنا صورة العلاقة مع أقاربنا الذين ينتمون إلينا ينتمون إلينا من خلال الرحم وصلة القربى وعلاقة اسم الدين لا مسماه واللغة مع اختلاف في معنى رموزها على صعيد الواقع ، كفروا بما جاء من الحق ولهذا فالعلاقة هي علاقة البراءة والبراءة لا تكون إلا من له صلة فينا ، وإعلان العداوة لهم بوضوح أما من ادعى أنه لم يكن في أي صورة معهم فهو مطالب بالامتحان ، فالسورة هي الممتحنة أو الامتحان أو الاختيار وهي سورة متعلقة بعلاقة الحرب وليس بعلاقة الإيمان والكفر ، أو بين الأفراد أو الهيئات أو الطوائف ، أو دول لم تقم علاقة الحرب معنا .



الدول والشعوب والأحزاب والقيادات الفكرية والحزبية والشعبية وأهل المراكز الإعلامية والثقافية أو الدبلوماسية أو الفعاليات الشعبية أو الاقتصادية التي يجب بناء علاقة البراءة منها وعدم ولايتها هي الدول التي شاركت في الحرب وهي السعودية ، مصر ، سوريا ، تركيا ، الكويت ، قطر ، البحرين ، الامارات فلا بد من اتخاذ حالة البراءة ومن يريد أن يسترد ولايته من أهلها فلا بد من امتحانه لمعرفة حقيقة هل هو من أهل الأعذار أي أحد المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً أو هو غير ذلك .



خاصة وبحثه من كل جانب لكن الفكر الإسلامي وخاصة السني أضرب عن موضوع بحثه من حيث الولاية التي يحرم فيها الحج بل إن ربحت الولاية وأن ورد في الأحكام السلطانية للماوردي والشروط التي يجب توفرها فيمن يتولى ولاية الحج إلاّ أنه تعرض لأهلية ولم يتعرض لصحة أو بطلان أو فساد ولايته بسبب من قهره أو جوره أو إجرامه أو فساده في الأمة ولم يتعرض للولاية حين تكون تطبيق النظام الوضعي أي تحكم بالكفر ، وتقود الأعمال التعبدية من خلال وزارة أو هيئة انيط بها ذلك فقط على وجه الاختصاص ، لا على وجه التنظيم ومع أن الفكر السني وخاصة السفلي الوهابي الحنبلي هو فكر أثرى ، إلا أنه أثرى في تطقيس العبادات ولكن حين يكون الأمر سياسياً يترك أثريته وسفليته ، ويتحايل عليها بأسوأ طرق التحايل وممارسة التجييش العاطفي لعامة ليست كالأنعام بل أضل سبيلا .



ولدراسة هذا الموضوع دراسة تتحرى الحق وبيسيرها الاستقامة لا بد من العودة لنصوص الحج في القرآن الكريم حيث سيجد القارئ أن كلمة الحج وردت ( 10 ) مرات ستة آيات هي التالية :



( 1 ) الآية 189 من سورة البقرة وهي بداية الرابع الأخير للحزب الرابع والآية هي     ( يَسْئَلونُك عَن الأْهَلّةِ قُلْ هي مواقيتُ للنّاس والحجّ وليس البّر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكنّ البرّ من اُتقّى البُيُوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون ) وتكمل الآيات التي تليها 190 ، 191 ، 192 ، 193 ، 194 ، 195 وهي موضوع القتال عند المسجد الحرام وموضوع الانفاق في التحصين .



( 2 ) الآية من سورة البقرة التي تبدأ بقوله تعالى ( وأتموُّ الحجّ والعمرة لله ) وهي تبين أحكام الهدى والاحرام وأحكام الفدية وترد كلمة الحج مرةً أخرى في هذه الآية وهي قوله تعالى ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ) ليرد بعد ذلك فدية التمتع وفيها ترد كلمة الحج للمرة الثالثة بقوله تعالى ( فصيامُ ثلاثة أيام في الحجِّ ) ففي أية واحدة ترد كلمة الحج ثلاث مرات وهي أحكام مفصلةً للحج .

( 3 ) الآية 197 من سورة البقرة أيضاً لتكون الآيات بعدها وهي 198 ، 199 ، 200 فهي تفصل النسك في الحج وترد كلمة الحج في هذه الآية 197 ، ثلاث مرات كما يلي         أ ـ ( الحج أشهر معلومات ) ب ـ ( من فرض فيهن الحج ) ج ـ ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) .



( 4 ) آية 97 من سورة آل عمران وفي القسم الأخير من الآية قوله تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) بعد سياق الآية 96 والقسم الأول من الآية 97 حول بيت وضع للناس وأنه ببكة وأنه مبارك وفيه مقام إبراهيم .



( 5 ) آية 3 سورة التوبة وهي قوله تعالى ( وأذن من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فأعملوا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم ) وهذه الآية لا علاقة لها بموضوع فريضة الحج على المسلمين وإنما موضوعها ترتيب العلاقة بين مشركي الجزيرة والإسلام سّمي الحج الأكبر إذ هو أول حج بقيادة الإسلام فقد كان أبو بكر رضي الله عنه هو أمير هذا الحج بتوليه الرسول له إمارة الحج وذلك في السنة التاسعة للهجرة وكان علي رضي الله عنه هو المبلغ عن رسول الله صلوات الله وسلامه



( 6 ) آية 27 من سورة الحج وهي قوله تعالى ( وأذِّنْ في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى ضامر يأتين من كل فج عميق ) والمفروض أن تقرأ هذه الآية في سياق الآيات 25 إلى 37 وسواء فُسّرت قوله تعالى ( وأذن ) إنما هو أمر لإبراهيم عليه السلام أو هو لمحمد صلوات الله وسلامه عليه فإن القراءة للآيات تدل على ضرورة رفض تطقيس العبادات ، ما سبق هي الآيات التي ذكر فيها الحج ولم يذكر في غيرها أبداً وهي كلها آيات مدنية وذكر في سورة التوبة 19 قوله ( اجعلتم سقاية الحج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ) .



توصل هذه القراءة لهذه الآيات قراءة تدبر أن الحج والعمرة لبيت الله الحرام ، فرص افترضية الله على عبادة مرة واحدة في العمر ، لمن استطاع إليه سبيلا ، ولم تجعل الآيات على رأس سلم القيم ولم تتعرض الآيات لا من قريب ولا من بعيد " أن الحج مُكفّرٌ للفواحش أو الفسوق أو المعاصي أو الإثم أو الذنب أو حتى الصغائر " بل نددت الآيات تنديداً واضحاً جليا بأهل تطقيس العبادات .

وإلى قراءة علاقة الرسول بالحج والعمرة ، فالسيرة لا تحدثنا إطلاقا عن حج أو عمرة لرسول الله صلوات الله عليه وسلم ، قبل الرسالة مع أنها معروفة في الجاهلية ، وهي تسير على بقايا دين إبراهيم عليه السلام ، ولم تحدثنا السيرة عن حج أو عمرة لرسول الله صلوات عليه وسلم بعد الرسالة ، مع أنه بقي في مكة ثلاثة عشر عاماً يحمل الدعوة ، إذ قام الدولة الإسلامية في المدينة فلم يفكر في حج أو عمرة إلا في السنة السادسة في ذي القعدة مستنفراً الأعراب الذين حول المدينة ولم يذهب معه على الغالب إلا المهاجرون والأنصار يبلغون من العدد حوالي ( 1350 ـ 1550 ) نتج عنها صلح الحديبية ، ورجع دون أن يعتمر ، وكل من رصد هذه الواقعة يعلم أنها عمل سياسي ، سماه الله فتحا مبيناً ، ومهما قيل محاولة القيام بعمرة تحت ولاية نبي الهدى محمد صلوات الله عليه وسلم .



وفي السنة السابعة من الهجرة وفي ذي القعدة ، خرج الرسول محمد صلوات الله عليه وسلم ومعه المهاجرون والأنصار ، وتحت ولايته أيضاً ، لأداء العمرة وفق شروط صلح الحديبية ، وجلت قريش عن مكة سواء وفق شروط الحديبية كما يرى كتاب السير ، أم أن الأمر بسبب عدم رغبتهم رؤية هذه العصابات من المسلمين ، ولكن الأمر البارز أن الاعتمار تم بولاية الرسول صلوات الله عليه وسلم .



وفي عشر خلون من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة ، خرج رسول الله لفتح مكة ، ولهذا لم يخرج كما كان يخرج قبلاً للعمرة في ذي القعدة ، أي في أحد الأشهر الحرم ، وإنما خرج في رمضان وشهر رمضان ليس من الأشهر الحُرمُ ، وافطر رسول الله علنا ليراه الناس وأمر بالفطر وقال عن قوم تمادوا في الصيام أولئك العصاة ! وتم الفتح مكة لعشر بقين من رمضان سنة ( 8 هـ ) وطهر الكعبة من الأصنام والصور وارتفع أذان بلال رضي الله عنه من على ظهر الكعبة ، ولم تحدثنا عن عمرة للرسول في هذا الدخول لمكة .



وإذا عاد من غزوة حنين والطائف عن طريق مكة أحرم رسول الله من معه للعمرة من الجعرانة ، ودخل مكة ومن معه تحت ولاية وعاد إلى المدينة المنورة لست بقين من ذي القعدة فتكون عمرته الثانية أيضاً في ذي القعدة وتحت ولايته .



وفي عام ( 9 ) للهجرة حج أبو بكر رضي الله عنه بالناس بأمر من رسول الله عليه وأُرسلَ على رضوان الله قارئا صدر سورة براءة نابذا إلى كل ذي عهد ومبطلا كل عقد سلف كما مر في شرح آية ( 3 ) من التوبة .

تم حج الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة بالناس ( وكان جمعا زاخرا بلغ 90 ألفا أو 114 ألف ) حيث خرج لها من المدينة بعد أن صلى الظهر لست بقين لذي القعدة وطاف للعمرة والحج طوافا واحداً ورحل إلى المدينة قبل طلوع شمس يوم الأربعاء الرابع عشر لذي الحجة بعد أن خطب في الناس خطبة حجة الوداع الجامعة يوم التاسع من ذي الحجة .



ولهذه الحقائق المرعبة لا بد من إعادة البناء بناءاً يبدأ من التفكير ويرفض المسطحات الفكرية ، ويتعامل مع أمه لها مميزات كامنة فيها ، يحاول إظهارها بشكل عميق مؤثر ، وهذه الأمة في محل الاستطاعة أن تعاود الفعل مهما كانت النتيجة السابقة فهي لا تستكين .



وماذا عن العراق ؟ وهو يتعرض الآن لجملة من المخاطر ويتعرض أحبابه لمرارة كطعم في الحلق وغصة دائمة في النفس ودموع صادقة تعبر عن شدة الحزن ! .



أيها العراق الأبي الشامخ أنت بحاجة إلى إعادة النظر وموضعه القرار ولا سبيل لذلك إلا بضم جناحك على معارضتك من أبناؤك حتى تفوت فرصة استغلالهم من قبل الخصم ( 1 ) .



أنت بحاجة إلى ترتيب وضعك على صورة أخرى ، صورة المعركة السياسية والسياسية فقط ، وأنت الذي تملك الرصيد الأكبر من تأييد الشعوب العربية ومن إحترام العالم ، وأنت بحاجة إلى الاتصال الواعي مع المخلصين المؤمنين العاملين للنهضة والتغير فليكن التغير من القاعدة لا من القمة ، لأن مثل هذا التغيير هو الذي يبني الارادة والسيادة .



ونحن ماذا فاعلون ؟ علينا دعم العراق مادياً ومعنوياً نحن حرب على من حارب     العراق ، وسلم على من سالم العراق ، ونقر بأننا مواطنو شرف للعراق ، شريطة أن يبقى على مسيرته ، وأملنا كبير جداً بأن يبقى على حمله ثقل الأمانة في العمل للتحرير ، وزوال التجزئة وظهور الهوية هوية الإيمان هوية الحسين والعباس شهيدي كربلاء لزوال الظلم والظالمين وقهر المعتدين وزوال دول المنافقين ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوى عزيز .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شاكراً لكم حسن استماعكم ولعل الحوار دون السجال يزيد ما وضح وضوحا ويزيل اللبس عما غمض وإلى التوحيد والعدل والحق والاستقامة فهي الدرب الموصل لأمة تكون بحق خير أمة أخرجت للناس وسلاما وتحية مرة أخرى .























مؤتمر السلام والتسوية السليمة

مقدمات ومسار ومستقبل

محاضرة ألقيت في المركز الثقافي الملكي

يوم الأربعاء 30/9 ( أبو هاشم ) تقويم أم المعارك

وفق 6/ ربيع الثاني / 1412 هـ

وفق 16/ تشرين الأول / 1991





















محاور المحاضرة



المحور الأول بعد المقدمة



القضية الفلسطينية من أهل فلسطين ، إلى أهل فلسطين في سطور أي من ثورة          ( 1920 م ) ، إلى الانتفاضة عام ( 1987 م ) ، إلى اليوم .



المحور الثاني :



العهد القديم واليهود والصهيونية ، والمسلمين ، منذ ( 70 م ـ 1991 م ) .



المحور الثالث :



الغرب والعرب منذ ( 1917 ـ 1991 م ) .



المحور الرابع :



العرب وفلسطين منذ ( 1917 ـ 1991 م ) .



المحور الخامس :



الأحزاب وفلسطين منذ ( 1948 ـ 1991 م ) .



المحور السادس :



مؤتمر السلام والتسويات السلمية .



المحور السابع:



المستقبل .

بسم الله الرحمن الرحيم



الأخوة الحضور شكراً لكم على حضوركم ، وشكراً للقائمين على المركز الثقافي الملكي

هون عليك ولا تستهول  الخبراً     أيحصد المرء شيئاً غير ما بذرا .

           نحن احتـفرنا بأيدينا القبور لنا     ففيم نسأل من قد عمق الحفرا .





لم أجد خيراً من هذين البيتين يعبران أجلى تعبير عن حالة التي وصلنا إليها وهي حالة لم تفاجئ أي سياسي متتبع للأعمال السياسية ، والعسكرية المتعلقة بفلسطين ، والقضية الفلسطينية ، أن القضية الفلسطينية هي قضية فرعية من مفردات القضية الكبرى المسماه لدى الغرب قبل الحرب العالمية الأولى بالمسألة الشرقية ، بعد الحرب الأولى سماها الغرب بقضية الوجود اليهودي في فلسطين ، أو القضية الفلسطينية وبعد الحرب العالمية الثانية قضية الشرق الأوسط ، وجعل محورها فلسطين وهكذا وقعنا أسرى لما يريده الغرب من حيث التفكير السياسي والكفاح السياسي ، والأعمال السياسية ، والعسكرية ، وصار الغرب يخفي خيانة حاكم ، أو زعيم ، أو دولة ، أو حزب ، بإبرازه أمه مخلص للقضية الفلسطينية من خلال الإعلام فيتعلق به هوى الناس ويسيطر على مشاهرهم فتعمى الأبصار والقلوب وتصم الآذان عن السماع .



هكذا سرنا كما أراد عدونا لنا صم ، بكم ، عمي ، فهم لا يفقهون ، ومسير هذا حالة طبيعي ، أن يصل إلى غاية فإذا كل الطرق مغلقة إلا طريق الاعتراف باليهود دولة على      (  77 % ) من أرض فلسطين معتمدين على نضال بوش للوصول إلى دولة فلسطينية على أقل من ( 23 % ) من أرض فلسطين .



وبديلاً عن التفكير بهذه الحالة ، وتحليل أسبابها تحليلاً شاملاً ، وإيجاد منظومة فكرية تنقلنا من حالة الغثاء إلى حالة العفاء عدنا إلى الدوران بالحلقة المفرغة إياها ، وهي عبارة عن سؤال تكرر ، ويتكرر هل أنت مع ، أم ضد ، على موضوع يختلف إسمه وتبقى حقيقة ماثلة .



صورة ( 1 ) هل أنت مع الحل السلمي ، أم ضده 1991 ؟

صورة ( 2 ) هل أنت مع الانتفاضة أم ضدها 1987 ؟

صورة ( 3 ) هل أنت مع منظمة التحرير ، أم ضدها 1974 ؟

صورة ( 4 ) هل أنت مع فصائل المقاومة ، أم ضدها 1971 ؟

صورة ( 5 ) هل أنت مع فتح ، أم ضدها 1976 ؟

صورة ( 6 ) هل أنت مع عبد الناصر ، أم ضده 55 ـ 1970 ؟

صورة ( 7 ) هل أنت مع ياسر عرفات ، أم ضده 67 ـ إلى اليوم ؟

صورة ( 8 ) هل أنت مع محمود درويش ، أم ضده ؟

صورة ( 9 ) هل أنت مع التقدميين ، أم ضدهم ؟

صورة ( 10 ) هل أنت مع الفولكلور الفلسطيني ، أم ضده ؟



ولم يسأل أحد هل أنت مع النهضة ؟ أي إقامة الكيان النواة المتحرر في إرادته ،    وسيادته  ، والصانع للوحدة للوصول إلى الدولة الكبرى من المحيط إلى المحيط والمنتمي للهوية الحضارية الواحدة هوية التوحيد والعدل والحق والاستقامة لأن مثل هذا السؤال لم يخطر بالبال .



ويمكن أن يكون في سوريا ، وفي لبنان ، أو في مصر ، أو في الأردن ، وفي نجد والحجاز ، أو في إيران ، أو في العراق ، أو في الجماهرية الليبية العربية الاشتراكية العظمى ، أسئلة على صورة أخرى ولكنها من جنس تلك التساؤلات السابقة بل أن أحد الأسئلة التي يدور بها اسلاميو النفط هل أنت مع الثوار أفغانستان أم ضدهم ؟



أما حزبي الذي كنتُ منه بالأمس فهو يقرر حقائق نيابة عني . أن صدام عميلٌ     بريطاني ، وأن الصراع الدائر في الشرق الأوسط ، هو صراع بين أمريكا ، وبريطانيا ، وأن الخلافة الإسلامية هي الحل ويُذكِّر هذا بقول دعاة الحضارة الغربية : " أن الديمقراطية هي الحل " وقبلها قال إسلاميو النفط ، الإسلام هو الحل ، مع أن الحل هو فكرة سياسية تعتنقها الأمة ، وتتمثل في الأمة عقلاً ومشاعر ، وفي الدولة دستوراً ، وقوانين ، وأنظمة ، لتجري بعد هذا أعمالُ رعاية تحقق العدل لا الظلم والطمأنينة لا الشقاء والرشد لا الترف والسواسية لا التمييز .



تكفي هذه المقدمة للدخول إلى المحور الأول .

المحور الأول



القضية الفلسطينية من أهل فلسطين ، إلى أهل فلسطين في سطور أي من الثورات منذ 1920 ، إلى الانتفاضة منذ 8 / 12 / 87 إلى الآن .



في محاضرة القيتها في مركز شومان العلمي يوم السبت 17 / 3 / 1990 أي قبل        ( 19 ) شهراً بالتحديد بعنوان الانتفاضة بين الديني ، والسياسي ن جاء فيها ما يلي :



الانتفاضة شكل من أشكال الصراع الفلسطيني اليهودي ، الموجود واقعياً منذ وعد بلفور وقد مرّ هذا الصراع بالعديد من الأشكال .



1 ـ الثورات الفلسطينية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى ( 15 ) أيار 1948 ، وهدفت إلى فلسطين عربية أرضا وسكاناً ويسمح لاقلية يهودية ضئيلة بالتواجد فيها       " يهود ما قبل وعد بلفور " .

2 ـ حروب الجيوش العربية ( 48 ، 56 ، 67 ، 73 ) ، وهدفت إلى وحدة الأرض الفلسطينية مع السيادة العربية اليهود فيها وفق النسبة العددية التي يملكونها أي الغاء قرار التقسيم قرار الجمعية العمومية رقم ( 181 ) .

3 ـ المنظمات القتالية الفدائية المنطلقة من الدول العربية المجاورة لفلسطين منذ              ( 65 ـ 82 ) ، وهدفت إلى إيجاد الدولة الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني ، وبهوية فلسطينية والميثاق أبهم تعريف الفلسطيني .

4 ـ المظاهرات والإضرابات داخل الضفة الغربية وغزة ، وتصاحبها صدمات في كثير من الأحيان ، وهي عبارة عن ردود فعل عاطفية ضد الغطرسة اليهودية ، وذلك منذ         ( 82 ـ 8  / 12 / 87 ) .

5 ـ الانتفاضة منذ ( 8 / 12 / 87 ) ، وتهدف إلى إجبار اليهود على الاعتراف بالهوية الفلسطينية وجلوس الطرفين للمفاوضات وإنشاء دولة فلسطينية على أساس القرار         ( 181 ) ، ولكن بالحدود وفق القرار ( 242 ) .



وهكذا يلاحظ التراجع بالأهداف مرحلة بعد مرحلة ، والمطلعون على رغبة الجماهير الفلسطينية سواء في الشتات ، أو في الأردن أو في الضفة والقطاع يجد أن هذا التراجع مؤيد من قبل الجماهير الفلسطينية ! .

أما ما جاء حول حماس التي ترفع شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النهر ، وفي نفس المحاضرة ، فقد جاء ما يلي : " ورغم ضخامة الصوت التي تتحدث به حماس وأنصارها ورغم الدعاوي الدوغمائية التي يعلنها خطباء هذه الرؤية في الحقيقة عاجزة كل العجز عن تحقيق رؤيتها فالسياسي هو المنتصر بالنهاية ، وستجد نفسها ، وقد تحقق للسياسي شعاره ، ولم يتحقق لها أي شيء سوى الذكريات تبرر فشلها بمؤامرة الشيوعية ، والصهيونية ، والاستعمار ، والماسونية مضخمةً للشيوعية خاصة ، ولأهمية دورها في نصر الصهيونية ، ولن تقبل نقد الذات لأنها تخلط بين ذاتها ، والمقدس عن عمد وسبق إصرار .



هذا ما قيل قبل ( 19 ) شهراً من هذا التاريخ ، وعندما سألني الأستاذ زياد أبو غنيمة هل تعلم الغيب يا أستاذ أمين ؟ ! أجبته يقينا لا أعلم الغيب .



أترى كنت أعلم أم أن الأمر مجرد قراءة سياسية استطلاعية تأسست صحيحاً فكان لا بد من أن تظهر صحتها بشكل لا غموض فيه ولا لبس .



وهنا لا بد من سؤال وهو من المسؤول عن حصاد اليباب هذا ؟ ومن هو صانع هذا التيه ؟ وكيف الخروج من هذا التيه وذلك النفق المظلم الطويل الذي أُدخلنا فيه ؟ هي مجرد أسئلة تشير إلى الجاني دون أن تسميه .



المحور الثاني

العهد القديم واليهود والصهيونية والمسلمون



كثيرون هم الذين يرون قضية الوجود اليهودي في فلسطين من منظور ديني ، وبهذا تُنقل من كونها قضية سياسية إلى قضية دينية ، وهذا المحور لا يتعلق بنظرة اليهود إلى عهدهم القديم فالعهد القديم ، والذي يبشر اليهود بالمسيا المنتظر في آخر الزمان الذي يقيم لهم دولتهم إنما هو مجرد دين يهودي يؤمن به بعض اليهود وهم قلة قليلة ، ولكنهم لا يرون في قيام دولة إسرائيل السياسية تحقيقاً لهذا الوعد بل أن بعض اليهود " ناطوري كارتا " ترى أن الدين اليهودي يُحرِّم العودة إلى أرض الميعاد قبل وعد الله مع مجيء المخلص ولهذا ليس للدين اليهودي كثير أهمية في مشروع الدولة اليهودية إسرائيل الصغرى ، أو الكبرى ، ولكن اليهود يستخدمون هذا الوعد الديني استخداماً برجماتيا تارة ، وميكافليا تارة أخرى ، وعلى صعيدين صعيد اليهود أنفسهم وصعيد الرأي المسيحي الغربي .



وإذا كان الدين ليس الباعث ولا المحرك لهذا المشروع اليهودي فإن القراءة السياسية تدل على أن وجود فكرة الدولة اليهودية الصهيونية أي تحول الدين اليهودي إلى قومية أنما ترجع للمفكر اليهودي " ناثان برنباوم " ولكن تنظيمها الحقيق يرجع إلى هرتزل والمؤتمر الصهيوني الأول عام ( 1897 م ) ، المنعقد في بال في سويسرا .



ورغم نشاط هرتزل إلا أن الأمر بقي حُلما ، أو أملا ، ويراد العاملين لتحقيق هذا الحلم ، ولكن الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء ورغبة دول الحلفاء ، وعلى رأسها بريطانيا في إيجاد قاعدة متقدمة لهم في قلب العالم الإسلامي لأحكام السيطرة عليه هي الأمور التي جعلت الحلم يتحول إلى حقيقة فالدولة اليهودية ، أو إسرائيل ، أو الدولة الصهيونية كلها أسماء لمسمى واحد هو وجود جسم سرطاني يؤثر على مستقبل المنطقة تأثيراً كبيراً .



إن الأهم من هذا التقديم هو تحول الفكر الإسلامي إلى ذات المعطيات الدينية اليهودية والمسيحية حينما قرر الفكر الإسلامي أننا سنقاتل اليهود ونحن شرقي النهر ، وهم غريبة ، أو " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمين اليهود فيقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله ورائي يهودي فاقتله " ورغم رائحة الجبرية التاريخية الظاهرة مثل الشمس في وسط السماء في النص إلا أن أحداً لم يكلف نفسه دراسة النص هذا دراسة تحليلية على مستويات متعددة على مستوى العدل ، وعلى مستوى القران ، وعلى مستوى التكليف ، وعلى مستوى ، علم الغيب من حيث انفراد الله به ، أو اطلاعنا عليه عبر رسولنا ، وعلى مستوى فكر النبوءات ، وعلى مستوى الحديث ، ورجال الإسناد دراية ورواية ، وعلى مستوى الزمان والمكان .



تُركت مثلُ هذه النصوص تفعل فعل المخدر في عقولنا مع أنها نصوص ظنية الثبوت أي ليست نصا قرآنياً وسواء درينا ، أو لم يُدر فإنها فعلت فعل المخدر في نفوسنا وأنها على الحقيقة قد فعلت الكثير .



وليت الأمر اقتصر على النص الحديثي فقد شاع بين المسلمين تفسيرات لآيات من آيات الله ومن سورة الإسراء بالذات مما يجعل زوال إسرائيل حقيقة قرآنية فقعدنا مع الخوالف إن زوال إسرائيل أمر مرتبط بنا نحن لأن زوال إسرائيل عملٌ من أعمال طاعتنا وترك الحبل على الغارب لها من أعمال معاصينا وطريق زوالها أمة واحدة وحدّتها أفكارها وجمعتْها مشاعرها ، وارتضت نظامها وبايعت أميرها على السمع والطاعة ، ما أطاع الله فيهم وليس غير ذلك ، من طريق .



هذه الأمة تبدأ نواة وقد كانت أن تكون العراق ( 1 ) ولكن ، خذلان المسلمين لها بشكل لم يتوقعه أكثر الناس تشاؤما أوجد حالة من الاحباط في الجماهير تحتاج إلى عناية مركزة .



المحور الثالث

الغرب والعرب منذ 1917 ـ 1991



منذ القرن السابع الميلادي والعلاقة السائدة بين العرب والمسلمين والأفواج التي اعتنقت الإسلام من الشعوب الأخرى مع الغرب علاقة حرب وقتال ابتداء من فتح الأندلس ومحاولة التوغل في فرنسا إلى فتح صقلية والتوغل في جنوب إيطاليا إلى الحروب الصليبية إلى قتل فاسكودا لمسلمي شرق أفريقيا والجنوب العربي وعُمان وسواحل الهند إلى احتلال فرنسا للشمال الأفريقي وإيطاليا لليبيا وقبلها سيطرة القرصان البحري المسلم الشهيد خير الدين بربروسا وأخيه عووج على غرب البحر المتوسط إضافة إلى حالة الحروب بين الإمارة العثمانية ثم الدولة الإسلامية فيما بعد مع دول البلقان وشرق أوروبا ، وروسيا القيصرية فالعلاقة التاريخية بيننا وبين الغرب هي الحرب والقتال .



وإذ حدث الانقلاب الصناعي تغير أسلوب الغرب من سياسة الإغارة والنقل والنهب ، وأخذ الأطفال وفرض الإتاوات والغرامات إلى سياسة الاستعمار فمنذ القرن التاسع عشر وجدت سياسة جديدة هي الاحتلال الدائم وفي الحرب العالمية الأولى كانت السياسة هي القضاء على وحدة ما بقي من العالم الإسلامي مُتحداً أي تركيا اليوم والشرق العربي ، ومصر ، والحجاز ، وأثر انتصار الحلفاء حدث ما يلي : ـ



رسم الغرب سياسة الخطوط الحمراء الثلاثة وهي :



1 ـ تقسيم العالم الإسلامي إلى عالم عربي وعالم عجمي وتوزيع العجمي حسب العرق ، وتوزيع العالم العربي حسب الأقطار وتثبيت حدود فاصلة بين الأقطار بحيث تتحول مع الزمن إلى ثوابت مقدسة .

2 ـ مراقبة هذه الكيانات المتعددة التي أقامها الغرب في العالم الإسلامي والعربي ومنعها من التحرير فلا بد أن تكون مرتبطة على شكل ما أن باتفاقيات علنية ، أو باتفاقيات سرية ، أو باتصالات مشبوهة ، أو بمشاريع تنمية ، أو بقروض طويلة الأجل ، أو قصيرة الأجل ، أو بواسطة البنك الدولي فدولنا مرتبطة كلها على شكل ما والحالة الوحيدة التي فكت الارتباط هي العراق .

3 ـ منع هذه الأمة من مجرد الاقتراب من هويتها الهوية الحضارية التي تتمثل في منظومة فكرية للأمة مستندة إلى العقل الإسلامي ومعتمدة اللغة العربية كطاقة أداء لهذه المنظومة الفكرية ولهذا نجد أن منظومة الفكر الإسلامي وبفضل من هذا الخط الأحمر قد تحولت إلى منظومة عبادات وطقوس ووعظ وافتاء وأبحاث الغاية منها الارتزاق لا النهضة أما من حيث اللغة فقد تحولت من طاقة للبحث ونشر الفكر إلى مجرد أداة لقوالب شعرية وقصيصة وأداة للخطاب الفكري والسياسي التضليلي ففقدت الكلمات مفاهيمها والتركيب معاينيها ودلالاتها وقطع الاتصال بين اللغة كأداة خطاب والسياق التاريخي ، أو الواقع الموضوعي فصارت اللغة أداة للتعبير عن الذات ، ولا شيء غير الذات فالتمدح ، والقدح ، والسخرية ، والرثاء ، والالتماس ، والرجاء ، والشكوى ، والتذلل ، والاجباط ، والأسطورة والخرافة هي مبني خطابنا الذي تستمع إليه كل يوم .



وليس بعد هذا من غرابة أن يعين أهل سوريا وأهل مصر ، وأهل تطوان ، ومركز بلاد ربيعة ومضر عدونا اللدود على ضرب العراق وكون القيادة السياسية انقلبت من بريطانيا إلى الولايات المتحدة فلا يعني تغييراً أو حتى أدنى تغيير في هذه الخطوط الحمراء الثلاثة ، وفي سبيل الحفاظ على هذه الخطوط زرع الغرب كيانات غريبة في المنطقة يحافظ على بقائها كلُّ الغرب وروسيا من الغرب .



الحوار الرابع

العرب وفلسطين



منذ عام ( 1920 ) والعرب يؤثرون في القضية الفلسطينية من خلال محورين محور الهاشميين ومحور مصر بصفتها زعيمةً للعالم العربي وإذ اشتد النزاع بين المحورين تحولت غالبية الزعامة الفلسطينية إلى محور مصر وها أنا انقل فقرتين من مذكرات الملك عبد الله لادراك صراع المحورين يقول الملك عبد الله : " أما فلسطين فلا تزال تتخبط تحت شهوات أحزابها " فالعرب في تأخر واليهود كل يوم يستزيدون أرضا يملكونها ولقد أدهشني ما رأيت بينما أنا في الطريقي من جنين إلى اللد ، من مستعمرات اليهود فالساحل كله من حيفا إلى يافا أصبح في أيديهم وقد عمروا تلك الرمال واستخرجوا مياهها وأحيوا مواتها وجعلوها جنات عدن والجأوا العرب إلى الجبال القاحلة ولا تزال الأحزاب العربية تناضل عن الشخصيات الذين على أيديهم خربت البلاد ، بعد أن كان لمساعي هؤلاء التأثير الكبير في سقوط الدولة الهاشمية في الحجاز لأن الدفاع السلبي غير المتقن الذي اتبعه جلالته تحت تضييقهم قد أدى إلى سقوط الحجاز ، وفي كل هذه العبر .



نقلت هاتين الفقرتين من رسالة وجهها الملك عبد الله عندما كان أميراً على شرق    الأردن ، في ( 23 شعبان 1363 هـ ، 14 آب 1943 م ) إلى الوصي على عرش العراق ورئيس وزراء العراق ووزير الخارجية العراقية في فترة الاستعداد للوضع الجديد للمنظومة العربية لأن الحرب العالمية على وشك الانتهاء ، وكانت محادثات إيجاد الجامعة العربية قد بدأت .

المحور الخامس

الأحزاب وفلسطين وهو المحور في بحث المقدمات



لن أطيل في هذا المحور وإنما ساورد فقرة أنقلها من رسالة وجهتها إلى السادة المرشحين لمجلس النواب ـ الأردني عام ( 1989 م ) ، بصفتهم يمثلون التيارات السياسية والحزبية والزعامة الفردية والفعاليات الأخرى حول توجههم نحو القضية الفلسطينية من خلال الانتفاضة ( سلمت الرسالة باليد لبعضهم ) .



أما الانتفاضة التي الهبت وجدان قحطان ، وعدنان فالكل سندٌ لها وبدون أن الهب وجداني وأحرق مشاعري أرجوكم رجاء حاراً الإجابة على سؤالي : هل بوسع حجارة الصِّغار أن تزيل دولة إسرائيل وتحرر فلسطين من البجر إلى النهر ؟

المحور السادس ( المسار )

مؤتمر السلام والتسويات السليمة



السؤال الذي يطرحه الناس هل أنت مع مؤتمر السلام أو ضده ؟ ويمكن الإجابة الميسورة السهلة أنا ضده ، فأصير وطنيا رائعاً أثير إعجاب أحرار العرب والعالم ، من منظور الرافضين والقوميين واليساريين والوطنيين ويمكن أن أقول أنا ضده لأن الإسلام يُحرِّم ذلك أو تحول إلى تقي ورع أخشى الله من قمة رأسي إلى أخمص قدمي من منظور اتباع السلف الصالح ، ومن أهل الاقتداء بالإمام علي ، ومعاوية ، وعمر بن العاص .



ويمكن أن أجيب أنا مع مؤتمر السلام فأتحول إلى واقعي وعقلاني وصاحب موقف حازم من منظور القابلين للمؤتمر من القوميين  واليساريين والوطنيين ، وأما من منظور اتباع السلف الصالح فأنا إسلامي اهتدي بالرسول صلوات الله عليه وسلم في صلح الحديبية والتعايش مع اليهود في المدينة .



ولكن السؤال الذي يرفضه أهل الرفض ، هل لديكم قوة ـ وأرجو اعتبار المعتزلة     منها ـ قادرة على الوقوف ومنع مؤتمر السلام من الانعقاد وتملك آليات تسير بالقضية إلى الأمام قليلاً أو منع التراجع على الأقل أم أمن الأمر مجرد دفاع عن اثبات الوجود .



هذا هو السؤال السياسي الذي يجب أن يطرح نفسه وأن يجاب عليه جواباً واضحاً جلياً محدداً .

المحور السابع والأخير

المستقبل



إن مؤتمر السلام واقع لا محالة فنحن قد سرنا إليه بأقدامنا لا بأقدام غيرنا سرنا إليه يوم أن جعلنا جماهير لا تعرف الوعي إلا من فيه الزعيم ، أو على لسان صاحب العمامة ، أو من حوار مبتور يهرب منه المتحاور لا يلوي على شيء عندما يعلم أن حجته مقطوعة وها هي كل الطرق مغلقة إلا طريق مؤتمر السلام ، والكل يعرف من أغلقها الأحزاب السياسية   يسارية ، أو قومية ، أو وطنية أنها الأحزاب الإسلامية سياسية ، أو خلفية ، أو سنية ، أو عظية . سرنا إليه يوم أن رسم الغرب لنا طريق العمل بل ، وخططه ، ووسائله ، وأساليبه .



والغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة هو الداعي للمؤتمر وستكون نتائج المؤتمر انسحاب اليهود من كل أرض احتلت بعد الخامس من حزيران عم 67 ، وسيعطي أهل فلسطين حق تقرير المصير وستقوم دولة فلسطين على 22.6 % من أراضي فلسطين وسيرقص الراقصون لتحول الدولة الفلسطينية إلى واقع سياسي لا مجرد إعلان ، أو مطالبة ومع مسيرة التطبيع مع اليهود واعتبار إسرائيل دولة شقيقة . وفي تلك اللحظة يبدأ المستقبل يتكون في رحم الأمة فهل ستربي الأمة في رحمها عين جنين التراجع والتخاذل ، أم ستتحول الأمة إلى عقيم لا يقبل رحمها شيئاً ، كل هذه احتمالات ممكنة ولكنّ التحدي الحضاري لهذه الأمة سيبقى ماثلا ليس في المشروع اليهودي الشقيق وإنما في طريق نرسمه وخطط نبدعها ووسائل ناجعة تستعملها وأساليب ذكية نقوم بها هي السبيل الأقوم ، كل ذلك في سبيل إعادة بناء الأمة في عقلها ومشاريعها .



الشعب في مصر لا للتعامل مع أمريكا وأن يقول الشعب في نجد والحجاز لا للتعاون مع الكفار ، وأن يقول الشعب في سوريا ، لا للتعاون مع أعداء القومية العربية ولكن الشعوب الثلاثة لم تقل لا . فشعب مصر لم يقل لا رغم وجود الدعوة الإسلامية والفكر القومي والفكر اليساري والمعارضة السياسية في مصر وشعب نجد والحجاز مهبط الدعوة الإسلامية لم يقل لا رغم دعواه أنه يسير على طريق السلف الصالح وشعب سوريا القومي حتى النخاع لم يقل لا رغم أنه مكتوب على حدوده ( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ) وشعارات القومية تملأ كل شارع في دمشق ، أو حمص ، أو حلب ، أو اللاذقية .



لو : وكم هي مرةٌ ! لو كان ذلك لرجل اليهود من فلسطين . أفواجاً ، ولكن أني يكون ذلك ونحن أمةٌ ضحكت من جهلها الأمم .



وختاماً لا بد من غناء للمستقبل يظهر فيه الإصرار على زوال دولة اليهود



أرض البلاد نعمت تحت لوانا

              وبقيت ما بقي الزمان حمانا

فلأنت خير تراثنا من سادة

               قد دوخوا الأمصار والبلدانا

ملكوا الليالي واعتلوا أعراشها

              وغدواالتيجان العلي تيجانا

آباء صدق كانت الدنيا لهم

             والغيب والأقدار في من دانا

تركوا بسفر الخلد صفحة مجدهم

             فتلا الخلود سطورها حيرانا

هم أوروثوك لنا تليدا خالدا

             وليورثنك بعدها أبنانا

وليورثك بعدهم أبنائهم

             وطنا جبليا تربة بدمانا



والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .



من حيث في سبيل إعادة بناء الوعي













الديموقراطية والنخبة وإشكالية العمل السياسي



بحث حواري

دخول إلى رؤية الأستاذ طاهر المصري

المنشورة في جريدة الدستور العدد رقم " 10216 "

الصادر في 10 رمضان 1416 هـ

الموافق 30 كانون ثاني 1996 م



دولة الأستاذ طاهر المصري

دولة الأستاذ طاهر بصفته الواردة في الحوار











إعداد

أمين نايف ذياب

بسم الله الرحمن الرحيم



السيد رئيس تحرير جريدة الدستور الغرام المحترم



بعد التحية والتقدير :



نشرت الدستور العدد " 10216 " الصادر يوم الثلاثاء 10 رمضان 1416 هـ الموافق 30 كانون أول 1996 م حواراً فكرياً وسياسياً مع دولة السيد طاهر المصري ومما جاء في فذلكة محاورهِ السيد عريب الرنتاوي " وقد ارتأينا أن نخرجَ في حديثنا مع الأستاذ طاهر المصري مع إطار المألوف في " المقابلات الصحفية " إلى فضاء الحوار وفتح الأبواب والنوافذ للنقاش ، آملين أن نلقي الاستجابة المناسبة ، من جمهور الكتاب والمثقفين والسياسيين ، إغناءً الحوار وتعميقاً للتَّفهم والتَّفاهم " .



هكذا يعلمُ القارئُ أن السيد عريب الرنتاوي ، أحد كتبة الأعمدة وأحد صحفيي الدستور ، ويوجه دعوةً مفتوحةً ، لمن أراد أن يكتب ، حول المواضيع التي جرى الحوار حولها ، وهي مواضيع ذات حساسية عالية ، لأن دولة الأستاذ طاهر المصري هو أحد من رجال الحكم في الأردن . إن الحكم في الأردن يراهن على حصان طروادة . واستجابة لدعوة الأستاذ عريب الرنتاوي فهذا مقالٌ بالعنوان التالي .



"الديموقراطية والنخبة وإشكالية العمل السياسي "

القسم الأول 

( 1 ) أ ـ الحوارات واقعية سياسية أم ولادة مستقبلية ؟



للواقعية السياسية معنيان ، الأول منها أنها فن الممكن أي محاولة التأثر في الواقع للوصول إلى فضل النتائج الممكنة ، باختصار " عدم طلب المستحيل " . والسياسة يجب أن تجري على هذا الأساس وإلا تحولت إلى تخيلات وأوهام وأحلام . ولكن للواقعية معنى آخر وهو التزام بالواقع وعدم الخروج عليه فتكون الحركة المطلوبة داخل الواقع دون سعي لتغييره على اعتبار " أن ليس في الإمكان أبدع مما كان " أو هذا هو قدرنا .



إجابات الكثير وخاصة المحترفين السياسيين  في التحليل الحقيقي لمفاهيمها تنتمي للنظرية الثانية ، أي الحركة داخل الواقع رغم ما يُرى فيها من ملامح أحياناً تُظهر أنها تسعى لتغيير الواقع مثل قول بعض السياسيين ! سوريا الطبيعية هي الرد الأولىّ على إسرائيل الكبرى " لكن الملامح تختفي نهائياً حينَ فهم مدلولات الجملة فهما سياسياً ، وذلك أن مشروع سوريا الطبيعية الذي يطرح ليس هدماً للقطرية بل هو حالةُ انفتاح على بعضنا البعض ، أو هو تكتلٌ اقتصادي ينعكس إلى تكتل سياسي ، وسوريا الطبيعية ليست حاجة ضرورية كنواة للواحدة الأكبر ، وخطوة أولى لزلزال هيمنة الولايات المتحدة ، ولاجتثاث دولة اليهود من الأرض العربية الإسلامية ، بل هي رد أولى على إسرائيل الكبرى ، أي ليس لزوال إسرائيل الصغرى ، ومع ذلك فإن نظرية التوحيد كرد أولي تفتقد الآليات والنهج للوصول إلى الهدف ، فالأمر مجرد رؤية وحلم ونظرية بلا ممارسة .

 ليس من تثريب أو لوم على المحترفين أو المتأثرين بتقدم الغرب [ إن كانت الرؤية السياسة محاصرة بالواقعية السياسية بالدلالة الثانية ] ، إذ كل من  مارس العمل السياسي الرسمي ، لا بد أن يأسره الواقع السياسي ،  ولو كان من أهل التنظير فقط ، لكانت له رؤية أخرى .

   يقود هذا القول إلى أن الحالة السياسية التي تجري على أرض الواقع أحدثت حصاراً على العمل السياسي ، فوقع بين توهتين : تنظير دون حركة ، أو حركة من خلال الواقع وكلاهما مرُّ وعلقم . فما هو الطريق لكسر هذه الحالة السياسية ؟ وأحدث نقلة فعلية ، بحيث يجري الانتقال إلى وضع النظرية موضع الحركة ، ومباشرة الفعل . هذا هو أساس البحث



ومساره وهدفه . ( ب ) الديمقراطية ـ الليبرالية ـ التنوير هي هاجس الحوار

   من يحاول إحصاء الديموقراطية مفردة أو مضافة أو موصوفة التي ترد في الكتابات والحوارات في أقوال السياسيين فسيجدها ترد كثيرا لقد احصيت في واحدة من الحوارارات خمساً وخمسين مرة باستثناء ما ورد في الفذلكة أما في العناوين التي هي من أخرج المحاور أو التحرير ، فسيجدها في خمسة عناوين من أصل ستة عشر عنواناً . وهذا الإحصاء يكفي للقول بأن الديمقراطية صارت تغطي الحوار كله ، وما جاء غيرها إنما هو مرتكز عليها ، فما هي هذه الديمقراطية التي هي الهاجس والهم الأساسي للحوار ؟ هذه هي دعوة لملاحظة الوقائع الحية التالية :





·   الدولة القائمة في العالم الإسلامي مع فرض الدمقرطة عليها  صارت  تعلن الديمقراطية في كل المحافل والمؤتمرات سواء أكانت محافل في الخارج أو الداخل .

·   الحكومات وعلى لسان جلالة أو سيادة الرؤساء أو فخامة الأمراء أو الشيوخ وكل أعوانهم من رؤساء الوزارات أو نوابهم  وجميع الوزراء يعلنون في كل ساعة ووقت وآن أنهم يمارسون الديمقراطية ويطلبون من الناس ممارسة الديمقراطية .

·   النواب في البرلمان الموالون للحكومة مع رئيس مجلس النواب أو مجالس الشورى الحديثة كل هؤلاء  يعلنون أنهم ديمقراطيون ولا بد من المسيرة الديمقراطية وإنجاح التجربة الديمقراطية .

·   نواب البرلمان المعارضون للحكومة ـ حتى الإسلاميون منهم ـ يطلبون الديمقراطية . وكل المحترقين السياسيين دولة الأستاذ يقولون في  حواراتهم : " الجميع بمن فيهم الإسلاميون يشهرون إيمانهم بالديمقراطية ، وتفيُّدَهم بالدستور والقانون والميثاق وغير ذلك من معايير ومرجعيات للتجربة " وما هو معروف للناس جميعاً أن الديمقراطية موضع تمدح الجميع من المتنفذين ، وصارت دول الخليج من أشد الناس حماساً للديمقراطية ، فالكل صار يعلن الحب العميق للديمقراطية !.

·   في بلدان الأحزاب السياسية المرخصة صارت الأحزاب تعلن أناء الليل وأطراف النهار ، أنها ديمقراطية الشكل والمضمون والفعل الحركي ، تفكيراً أو ممارسة ، ومثل الأحزاب المنتديات والجمعيات الفكريةُ السياسية ، مثل المنتدى العربي ، والتيار الديمقراطي ، ونهج الحريات والديمقراطية ، وغيرها .

·   الإذاعات العربية والتلفزة العربية تعلن ليل نهار إعلانات ديمقراطية ومدائح للديمقراطية يتضاءل إلى جنبها مدائح المتنبي لسيف الدولة الحمداني .

·   الصحافة الحذرة وصحافة الإثارة وكُتاب أعمدة هذين النوعين من الصحافة المختلفة ، تتسابق لتمجيد الديمقراطية ، والكتابة التي يُرفض نشرُها مرفوضة باسم الديمقراطية ، والمقبولةُ مقبولةٌ باسم الديمقراطية .

·   ما سبق بعض أوجه الإعلانات الديمقراطية والمدائح للديمقراطية . فماذا يعني ذلك ؟ عندما يكون وليُ الأمر ديمقراطيا ومعارضُةُ ديمقراطيا ، وهي حالة يتعايش معها جميع الناس ، ويدركون ذلك إدراكا حقيقيا ، والغربُ المهيمن على هذه الأمة وهو عدوها الألدُّ يطلب تطبيق الديمقراطية ، والليبرالية ، والتعددية ، والحفاظ على حقوق الإنسان .



يُفهم مما سبق أن الديمقراطية تفتقد المُحدِّدات ، وتختلط فيها السمات ، وتتداخل المعالم بحيث أنها يمكن أن تُلبس من كل الألوان ، ولكل المقاسات ، وكل الأنواع الإنسانية ، وكل أنواع السلوك الإنساني فتعطي لكل هذه التناقضات وتبريراً .





( 2 ) ـ الديمقراطية من اليونان إلى الرومان الجدد إلى

الاشتراكية إلى العالم الثالث 



ـ الديمقراطية يونانية الأصل اللغوي ونقلها اليونان إلى مصطلح سياسي هو : أن يحكم الشعب نفسه بنفسه . وهي ممكنةٌ الوجود في مدينة يبلغ الأحرار فيها الذين لهم حقُّ مباشرة الحكم سبعين شخصاً . لكن لا يتأتى لها هذا الوجود ، في حالة تطبيقها على مجتمع يتألف من شرائح اجتماعية كثيرة ومختلفة ، ولهذا قام الغرب بتأويلها حين وجد الضرورة لأخذها .

ـ رأى الرومان الجدد ( الغرب ) أن تأويلها لإمكانية تطبيقها هو في جعل السلطات ثلاثاً هي : التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وأن الشعب يمارس هذه السلطات الثلاثة من خلال اختياره الحُر لنوابه ( السلطة التشريعية ) وليس للشعب أي دور غير ذلك ومن هنا وجدت حكومة الفئة الأقوى الرأسمالية بما لهم من نفوذ مالي فالديمقراطية الغربية هي تولي الرأسماليين السلطة نيابة عن الشعب بقوة المال ، وهذا هو المعلوم من أحوال كل الدول الرأسمالية .

ـ في الديمقراطية الاشتراكية وُجدت رأسمالية بدون رأسماليين والذي يدير المال هو الحزب الحاكم ولهذا وُجدت الديمقراطية الشعبية الموصوفةُ نسبةً إلى الشعب ولكن لا دور للشعب إلا اختيار كوادر الحزب فالديمقراطية الشعبية هي تسلط الحزب الحاكم على الشعب وعلى مقدراته .



منذ أواسط عام ( 1976 م ) قام الغرب بحملة مسعورة في البلاد الإسلامية يدعو للديمقراطية وقد أقرّ السياسيون المحترفون دولة الأستاذ بهذه الحقيقة حين الوصف لها فقال البعض منهم  : " المناخات الدولية الضاغطة باتجاه إشاعة الديمقراطية " ومع أن الغرب كان يدعو العالم الإسلامي للديمقراطية ، في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، على اعتبار أن الديمقراطية من الإسلام ، إلا أنهم الآن يَدعُون للديمقراطية كنظام حكم ، هو وحدة الأمثل والأفضل والأكمل . ورفضه يعني الديكتاتورية والاستبداد والظلم والتأخر ، في مفهوم دعاة    الديمقراطية ، ومع أن تركيا أخذت بالديمقراطية ، منذ زمن إلا أنها تعاني من التأخر . ومع أن الهند أخذت بها أيضاً إلا أنها لا تزال تعاني الفقر والتخلف ، وضعف التأثير السياسي العالمي ، رغم مساحتها ، ورغم العدد البشري الذي يسكنها .







( 3 ) ـ الديكتاتورية والاستبداد والظلم والتخلف أمور مرفوضة

الديمقراطية الغربية مرفوضة إذ هي تعني سيطرة المال

الديمقراطية الشعبية مرفوضة إذ هي تعني سيطرة الحزب الحاكم

ما هو البديل ؟ وهل هناك بديلٌ فعلاً ؟



دعاة الديمقراطية يحشرون محاورهم في زاوية ويضعونه أمام أمرين الديمقراطية أو الديكتاتورية ؟



من المعلوم أن البلاد العربية أثر نكبة فلسطين دخلت في تجربة الانقلابات العسكرية ووُجدت أنظمة الديكتاتورية وخاصة في سوريا ومصر والعراق . وأن هذه الدكتاتورية إمعاناً بالتضليل السياسي انحازت إلى القطب الماركسي ( الشيوعية الروسية والاتحاد السوفيتي   سابقاً ) ومع المظالم الشديدة التي أوقعتها هذه الأنظمة الديكتاتورية حدثت إزاحات في المواقف من قبل المثقفين العرب القوميين واليساريين نحو الديمقراطية وإنجاز الإسلاميون إلى الأنظمة التقليدية القبلية ومع توالي الإحباطات توالت الدعوات للديمقراطية ووُجد لها مناخ الملائم بدون أية دراسة تحليلية لماركتها المصدرة من الغرب ، أي هل هي نفس الديمقراطية الغربية ؟ وما هو واقعها عند الغرب ؟ وهل هي تخفي نظاماً متسلطا أم لا ؟ ما أثر حركتها في فقر العالم الثالث وتخلفه ؟ ولقد اشتد ساعد الترويج لها مع أنها هي ديموقراطية العالم الثالث وهي بالتالي تعطي السيطرة التامة للنظام الحاكم بحيث تُلبِسُهُ ثوبَ الشرعية دون إمكانية لتغيير النهج السياسي الذي يسير عليه إلا من ناحية شكلية والتجربة الأردنية تعرض هذه الحقيقة وتكشفها للناس عارية ، ولذلك كانت هاجس النقاد في الأردن فقد قال أحدهم في مقال له وهو الأستاذ طاهر المصري رئيس الوزراء الأسبق حي " إنها تمر بمرحلة انحسار وتراجع ووجود خطر عليها من جهات متعددة … الخ " .



عندما يعرض الإسلاميون الذين لا زالوا في محل الرفض للديمقراطية الغربية إنما يعرضون بديلاً هو النموذج التاريخي الإسلامي الراشدي مع أن هذا النموذج لم تطلْ مدته ، إذ هي ثلاثون سنة ، ثم جاء الملك العضوض ، ودخل العصر الراشدي ما يسمى مرحلة الفتنة من  ( 35 ـ 40 هـ ) التي آلت إلى نهاية فاجعة هي مقتل عثمان وعلى وحرب الجمل ثم فتنة النهروان ، وانتصار الملك العضوض وهذا يمَكِّنُ خصمهم من رفض هذا الطرح .



إن ما يجب أن يُطرحَ هو نمط دول العدل الإسلامية تنظيراً أو تاريخياً فيجب أن يطرح العهد الراشدي ، الدولة الإدريسية في المغرب ، الدولة الأباضية الرستمية في المغرب ، دولة الزيدية المعتزلة في الديلم وطبرستان ، دولة الزيدية في اليمن ، ودولة الأباضية المشرقية في عمان منذ الجُلندى إلى الأمام غالب بن علي الهنائي هذا بالإضافة إلى العديد من الثورات التي سعت لإعادة الرشد الإسلامي من ثورة الحسين بن علي بن أبي طالب إلى ثورات آل البيت وثورات العدليين وثورات الخوارج .



وحين التنظير للنظام السياسي الإسلامي لا بد من قراءة نظرية إمامة العدل كما هي عند المعتزلة التي هي مؤسسة على عقد المراضاة والقسمة بالسوية والعدل بالرعية وإحسان الرعاية للدنيا والدين . في الداخل والخارج ثم قراءة مثل ذلك النظام مقارنة مع الديمقراطية لمعرفة مقدار الأخطاء التي وقع فيها المثقفون والسياسيون والكتاب والعلماء العرب حين تناولوا مسألة نظام الحكم بصورة ساذجة وجعلوا المركزية الغربية مهوى أفئدتهم في السياسة والحكم والاقتصاد .



( 4 ) ـ قاموس الحوار

" مفردات مُضافةٌ أو داخلة في جمل وردت في بينة الحوار مع دولة الأستاذ طاهر "



حوى الحوار ما يلي ( 1 ) رموز الاعتدال والواقعية ( 2 ) الاختيار الديموقراطي ( 3 ) التوازن والاعتدال ( 4 ) أركان التيار الديموقراطي الليبرالي التنويري الأعرض والأشمل      ( 5 ) من أنصار عملية السلام ( 6 ) حرق المراحل أو الاستعجال ( 7 ) قومي عربي وإن أبدي قبولاً بفكرة إبراز الهوية الوطنية ( 8 ) ليبرالي التوجه ( 9 ) عن جادة الالتزام بالديمقراطية ( 10 ) الوحدة الوطنية ( 11 ) الممارسات الخاطئة أو التجاوزات ( 12 ) التحدي الديمقراطي ( 13 ) تجربتنا الديمقراطية ( 14 ) انعكاس المناخات الدولية الضاغطة باتجاه إشاعة الديمقراطية ( 15 ) التعامل مع الديمقراطية ( 16 ) المسيرة الديمقراطية ( 17 ) مسارنا الديمقراطي ( 18 ) الحياة الديمقراطية ( 19 ) باتجاه تجديد الحياة البرلمانية ( 20 ) إلغاء الديمقراطية ( 21 ) احتواء الديمقراطية ( 22 ) المسألة الديموقراطية ( 23 ) ضغط شعبي شديد ( 24 ) ديمقراطية بلا ديمقراطيين ( 25 ) احترام القوى الديمقراطية ( 26 ) تجذير الديمقراطية ( 27 ) العمل الديمقراطي ( 28 ) المفهوم الديمقراطي ( 29 ) غياب الديمقراطية ( 30 ) تعتمد المبالغة في المديح والتملق ( 31 ) لا تعترض المشاكل الحقيقية التي يعاني منها المجتمع ( 32 ) قضايا هامشية ( 33 ) الحزب الديمقراطي ( 34 ) الحزب الليبرالي ( 35 ) المجاميع الحزبية غير الديمقراطية ( 36 ) الموضوع الديمقراطي ( 37 ) نخب سياسية ( 38 ) مجتمع ديمقراطي ( 39 ) تقليص حجم المتوسطة ( 40 ) زادت الاختلالات ( 41 ) توظيف فرص السلام .



ما سبق بعض مفردات الحوار وهذه المفردات لا يمكن استخراج معناها من قواميس اللغة عربية كانت أم أجنبية وإنما هي في الواقع مصطلحات سياسية ذات دلالة تتجاوز لغتها إلى علاقتها أي ذات علاقات سيميوطيقية فقراءة مفردات الحوار تتطلب قدراً كبيراً وعالياً من الوعي فالنص يعبر عن ذهنية عند منشئة ـ دولة الأستاذ طاهر متعلقة بالواقع ولكن القارئ من خلال علاقته مع النص فقط ، يحاول أن يفهم المدلولات التي يريدها من أنشأ النص ليتأتَّى له فهمه أي محاولة استخراج العلاقات من الواقع ثم إدراك الدلالات .



الحوار كله يعالج مشكلة موجودة وجوداً حياً في واقع الأردن وهي ليست أزمة حكم بل هي قضيةٌ كبرى متعلقة بالسياسية العليا للأمة التي هي تحقيق الأمة لوجودها الحقيقي بهويتها وسماتها وحركتها . وتحديد هذه الأمة أمرٌ مُخْتَلفٌ عليه اختلافا تاماً فهل هي الأمة السورية ؟ أو الأمة العربية ؟ أو الأمة الإسلامية  ؟ أو هي مجرد القطرية ؟ فالديمقراطية عاجزة عن تكوين رأي في هذه القضية .



وينتج عن هذه القضية مسار الوحدة فأمام أي قطر من أقطار العالم الإسلامي الأردن مثلا : السير نحو الوحدة أو الانكفاء القطري أو القطرية مع الانفتاح وعلى من يكون الانفتاح وكيف يكون ؟ وهوية الأمة ووحدتها تطرح رأسا علاقة الأمة مع الغرب مع ملاحظة أن الغرب يقف سداً منيعاً وسوراً حائلاً أمام الهوية والوحدة وبالتالي وُجد نظام ربط معقد لإبقاء العالم العربي ومنه الأردن في حالة التبعية ، وجود إسرائيل ، وجود الأمم المتحدة ، صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي وهنا في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تكمن المشكلة الاقتصادية المشكلة بهذه المحاور تتجاوز وقطر الأردن إلى كل دول الجوار بل وإلى النظام العالمي الجديد الساعي لقيادة العالم وإن لم يتحدد أسلوب القيادة رغم وجود كثير من الأمور الدالة عليه .



وبصورة إجمالية الديمقراطية لن تنقذ الأمة أو أي  قطر من براثن الولايات المتحدة ، ولن تمنح الأمة أو القطر المعين حلاً للمشكلة الاقتصادية ، لا حلاً جذرياً ولا غير جذري بل ستبقى المشكلة الاقتصادية كما هي بدون حل ، ولكنها تتأزم أو تختفي الأزمة مؤقتاً أي سيبقي القطر في حالة تشبه حالة ولي عهد قيصر روسيا وتسلط راسبوتين عليه وراسبوتين هنا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فأين هو المخرج ؟ في المنظور القريب لا مخرج !



( 5 ) ـ النخبة والتأثير في العمل السياسي



هل العمل السياسي هو عمل نخبوي ؟ هل دور الجماهير العريضة هو دور الأكثرية الصامتة ؟



أم دور الجماهير هو الحالة الاحتفالية الممارسة للتصفيق ؟



من معطيات الحضارة الغربية للإنسان ، إن العمل السياسي عمل نخبوي ، ودور الجماهير هو دور إعلان التأييد ، أو هو الأفضل السكوت ، ولو قيل أن العمل السياسي هو عمل            عام ، يجب يمارسه الكل ، وأن التفكير السياسي هو الذي يجب أن يمارسه حشد من المفكرين السياسيين أيكون هذا الكلام ممكناً ؟ وحتى يُمارس العمل السياسي من الجماهير لا بد من الجماهير لا بدّ من بناء الوعي السياسي الجماهيري العالم أي الانتقال من حالة التأييد العاطفي أو السكوت ، إلى التأثير والفاعلية من خلال الوعي العام .



يرى دولة الأستاذ طاهر المصري أن الجهاز الرسمي هو الجهة الوحيدة تقريباً التي تقوم بإفراز النخب والشخصيات العامة ويرى أن الخلل ليس في كون هذه النخب هي واقعياً تدور الدولة والحكومة ولا تدور حيث تكون المصلحة العاملة بل يرى الخلل في كون جملة النخب هي : أردنية المنبت فالمتواجدون في الواجهة السياسية وزراء أو نواب أو أعيان غير ذلك لم يأت بهم الناس وأنما أتت بهم الحكومة .



لم يأت الخطر السياسي للبلاد من الكيفية التي يجري بها إنتاج النخب السياسة بل جاء الخطر السياسي وتعمق وجوده من نظرية العمل السياسي على أساس النخبة والديمقراطية هي واقعها ترى أن العمل السياسي هو عمل نخبوي وبما أن الأنظمة في العالم الثالث والعالم العربي جزء منه منفعل بمفاهيم الحضارة الغربية . فالأمر الطبيعي أن تظهر النخبة كما يريدها المؤثر في الحكم ، ففي الديمقراطية الليبرالية تفرزها الشركات المالية ، وفي الماركسية يفرزها الحزب ، وفي العالم الثالث ويفرزها النظام السياسي تلك هي حقيقة من حقائق الحياة يتعايش معها العالم اليوم .



  العمل السياسي المنتج

( 6 ) العمل السياسي النخبوي عمل ابتر !!!



إنّ العمل السياسي الحقيقي هو العمل الذي تباشره الأمة . والقرآن الكريم أشار إلى ذلك قال تعال (( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ % وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ )) (القصص:5-6) .

   والآيتان ـ وأن كانتا نصاً في بني إسرائيل ؛ أيام بداية نبوة موسى عليه السلام ـ إلاَّ إنَّ خصوص السبب لا يمنع من عموم اللفظ من جهة ، والثانية أن الآية هي كاشفة لسنة العمل الحركي الإنساني ، فأركان العمل السياسي هي : فكرة سياسية ، وقيادة سياسية ، ومنقادون للفكرة عن وعي ، بواسطة القيادة ، والعمل السياسي يوجد بوجود أركانه : الفكرة , والقيادة , والأمة , ثم يأتي النظام والدولة بعد ذلك طبيعياً ، أما العمل السياسي النخبوي فهو حالة غير طبيعية ، وتحمل كل فيروسات الخلل .



الفكرة السياسية هي الفكرة العقلية أي توصل إليها العقل الإنساني بصفته يُمثل العملية المعرفية عند الإنسان أي أنّ الإنسان وهو ذات قادرة على تحصيل المعرفة ، وأول المعرفة العقلية أن يعرف نفسه ، بأن يجيب على الأسئلة الطبيعية التي تنشأ عنده ، وهذه الأسئلة الطبيعية هي : من أين أتيت ؟ ولماذا جئت ؟ وماذا يُفَعُل بي بعد الموت ؟ والإجابة أية إجابة عقلية صواباً أو خطأ هي التي تحدد الحل المعرفي أو الأصل . يُبنى عليه أو ينبثق عنه المعارف والمفاهيم الإنسانية عن كيفية الحياة في الكون الذي يعيش فيه الإنسان وبالتالي يحاول أن يُسخِّرَ كونه ليمده بُسبل عيشه من حاجات وخدمات ويقوم من خلال معرفته باكتشاف خواص الكون ليتمكن من تسخيرها وبالتالي فالفكرة السياسية هي الداعية لتسخير الطبيعة وتعيين قوانين الحياة الإنسانية .



ولا يمكن فك الفكرة السياسية عن قيادة تقوم بإنشاء الأفكار ، وتمارسها عملياً فعلاً سياسياً ، غايتهُ إنتاج حياة إنسانية على أساس تلك الفكرة وبهذا تنشأ القيادة السياسية نشوءاً طبيعياً .



( 7 ) القيادات السياسية



إن القيادات السياسية في الدنيا كلها منذ وجود المجتمعات الإنسانية وحتى اليوم ، هي ثلاثة أنواع فقط قيادة ذكية ، وقيادة ملهمة ، وقيادة مبدعة ، وأية قيادة دون ذلك لا تكون قيادة ، وإنما تكون إدارة تدير الأمر لحسابها ، أو هي في محل التبعية لغيرها وقد يكون هذا الغير عدو الأمة ، والقيادة ليست فرداً ولا جماعة وإنما هي حشد من بني الإنسان يقود الجماهير بالفكرة السياسية فالقيادة عملها تكوين القناعات ثم قيادة العمل .



1 ـ القيادة الأولى هي القيادة الذكية ، وهي بمقام الرجل الذكي ، لديها إحساسٌ جماعي يتحدد واضحاً بالوعي ، وثروةٌ فكرية كافية ، واستعمال ذكي لهذه الثروة الفكرية في أوانها ، أي أوان لزومها بحيث يجعلها تواكب الأحداث ، وتسير مع الحوادث وفي مستواها ، ولا تسمح لنفسها التأخر عنها ، وقيادة على هذه الصفة وعلى هذه الجدية في الحركة تكون مجليةً في الأيام العادية أما إذا ادلهمت الخطوب تصبح بحاجة إلى بذل مجهود غير عادي حتى تحتفظ بزمام الأمور وتسير في قيادة الركب وتحافظ على المستوى القيادي كما هو دون أي خدش .

2 ـ القيادة الملهمة هي بمثابة الرجل النابغة ، إذ هو الأول في كل شيء ، يأبى أن يكون في مستوى الناس ، بل يحرص على أن يكون أوَّلَهُم وفي مقدمتهم ، ومثل هذه القيادة الملهمة طراز نادر ، تأبى إلا أن يكون الأولى في كل شيء ، في الفهم والإدراك والإتقان والجدية ، واجتياز العقبات والاضطلاع بالمهمات ، والقيام بالأعمال وغير ذلك ، مما هو موجود في حياتها القيادية ، ثم فوق ذلك تملك القدرة على رفع الهابطين ، وبعث الحركة في الخاملين ، وتقريب البعيد لقصيري النظر ، وتوضيح الرؤية لمن على أبصارهم غشاوة ، وعلاج المرضى المتبعين ، وإبعاد الأموات من بين الأحياء ، وهي إلى جانب ذلك تملأ عقول الناس حيوية وتفكيراً ، وقلوبهم عاطفة ، ونفوسهم ثقة ورضا وهي في شدة الأزمات وفي الأحوال العادية سواء ، تسير في قيادتها دون أن تشعر بالحاجة إلى بذل جهد غير عادي أو بأن الحملَ قد ثَقُل عليها لأن الشدائد هي التي تُشعرها بلذة القيادة وتجعلها تُحس بحلاوة أعبائها .



3 ـ القيادة المبدعة وهي بمقام الرجل العبقري ، طراز فريد متميز ، فالعبقري لا يرضى أن يكون أحسن الناس وفي مقدمتهم ، بل تأتي بأشياء جديدة لا يعرفها الناس ، فيحملهم لأن يسيروا عليها ، فهو لا يتقن ما عليه الناس ليكون أحسنهم فيها ، وإنما يغير ما هم عليه ، ويفتح لهم طريقاً جديداً ، ويدفعهم دفعاً لأن يسيروا فيه ولو كان في ذلك المشقة والنَّصب والبذل والتضحية ، فلذلك القيادة المبدعة لا ترضى باتجاهات الرأي العام ، ولا بما عليه أفراد الناس ، فلا تفكر بأخذ قيادتهم ، وإنما ترتفع عن مستوى الناس وتنظر إلى ما وراء الجدار لتشرف على المجتمع ، وتبصر ما حال الجدار دون رؤية ، ثم تعمل لقلب ما عليه الناس وتغير اتجاه الرأي العام ، وبعد ذلك تحاول قيادتهم ،حتى إذا ما استرخصوا دماءَهم وأموالهم في سبيل الفكرة التي حملوها ، فضلاً عن تحمل المشقة والعناء ، حينئذ تكون قد تولت قيادتهم على أساس بذل المهج والأرواح والأموال عن رضا واطمئنان ، هذه هي القيادة المبدعة فهي لا تقود الناس بفكرهم ، وإنما تحملهم على تغيير أفكارهم ، ولا تسير فيهم في الطريق الذي يسلكونه ، بل تجعلهم يسيرون في الطريق الأشق والدرب الأصعب ، وفوق ذلك تجعل ثمن سيرهم في هذا الطريق المشقة والعناء وبذل المهج والأرواح والسخاء بكل نفيس من الأموال ، ثم لا تكتفي بأن يكون السير في الأزمات كالسير في الرخاء دون فريق بينهما ، وإنما توجد المشاكل وتفتعل الأحداث والأزمات وتشعل الحرائق ، حتى تظل تسير في الصعاب لأن الحياة عندها جهاد في جهاد ، بشكل متواصل ومتلاحق ، لأن حقيقة الحياة هي التحدي والاستجابة للتحدي بالجهاد ، فالحياة الحقة إنما هي حياة جهاد . " المراد بالجهاد المدلول اللغوي أي بذل الوسع والطاقة وتحمل المشاق والمكابدة والمعاناة في سبيل نشر رأي أو الدعوة لعمل " .



ما سبق هي أنماط ثلاثة للقيادة السياسية ، وهذه القيادة ليست نخبة ، بل هي قيادة ، الفكر السياسي روحها ، وجسمها هو الحشد القيادي الذي تجسدت فيه الفكرة ، ومن هنا يدرك الناس جميعاً أن العالم الثالث يخلو من القيادات السياسية ، وإنما هي مجرد قيادات إدارية ، فقادة العالم الثالث ليس لديهم فكرةٌ سياسيةٌ أنتجها مفكروهم ، فهم في حالة فراغ وخواء من الفكرة السياسية أمَّا قادة العالم الإسلامي خاصة ـ والعربي على أخص الخصوص ـ فهم لا يثـقون بالإسلام كمبدأ عالمي إنساني للحياة والحكم وعلاقات الناس الخارجية والداخلية ، ولهذا ضاع الإسلام كفكرة سياسية وإنْ بقي كفكرة روحية خلقية ، وقادة العالم الإسلامي لا يرون في الأمة الإسلامية ، أنها أمة حائزةٌ على الشروط الموضوعية ، لتتحول إلى أمة قادرة على أن تتسنم مكان الصدارة اللائق بها بين الأمم الكبرى ، وقادة العالم الإسلامي سيطر عليهم الرعب وتسلل الوهن إلى قلوبهم من الدول الكبرى ، لأنهم لا يرون أنفسهم وأُمتهم من خلال قوة الفكرة ، بل يرون أمتهم وأنفسهم من خلال ما تملكه الدول الكبرى من معدات الدمار وتكنولوجيا التحكم ، والقدرات الفائقة في التحرك السياسي والتأثر ، ولذلك جعلوا ركيزة بقائهم في الحكم الاستعانة بالدول الكبرى والاستناد عليها ، ورفضوا الاستعانة بقوة بلادهم والاستناد إلى أمتهم ، ونتج عن خوفهم من الدول الكبرى أن خافوا من أمتهم بدل أن يخافوا عليها ، فتفننوا في إيجاد مؤسسات القمع الأمنية ، فما من دولة في العالم الإسلامي تخلو من عشرة أو أكثر من أسماء ومسميات لقوات القمع والأمن . ولقد كشف المهرجان الاحتفالي في جنازة رابين والذي كان للتأثر الأمريكي السبب الأول والأخير في إخراجه مقدار خوف ساسة العالم العربي من دول الغرب ومقدار تبعيتهم للدولة الكبرى .



( 8 ) فن قيادة العمل السياسي

1 ـ إن العمل السياسي فن يتوجه للشعوب لقيادته عملياً ، ولهذا يختلف كل الاختلاف عن قيادة الأفكار النظرية ، فقيادة الأفكار النظرية يقوم بها الفيلسوف ، وأمَّا قيادة الشعوب فيقوم بها السياسي ، والمراد بكلمة الفيلسوف إنما هو المفكر الذي لا يمارس عملياً مهنة السياسة ، أما إن مارسها عمليا مع كونه مفكراً فإنه سياسي وليس فيلسوفا وإن كان من حيث حقيقتة الذاتية هو فيلسوف ومفكر ، ولكن من خلال حقيقة العملية التي هي ممارسته للسياسة صار سياسياً مفكراً معاً .

2 ـ إن فن قيادة الشعوب فن يتصل بالحياة الصحيحة للمجتمع الذي يتميز بالحيوية بمعنى أن الأفكار التي يقوم بالعمل لها أو في العمل بها لا بد أن تنطبق على واقع موجود حي يحسه الناس وهو يجري بينهم فعلاً وَحينَئذٍ يقع بصرهم عليه فيلمسونه بأصابعهم وبذلك تكون القيادة حيةً .

3 ـ إن قيادة الشعوب هي ذروة الأعمال السياسية ، ولا يصل إليها أحداً إلا بقيامه بالأعمال السياسية ، ولا بتأتي القيام بها إلا بالقيام بالأعمال السياسية ، فالعمل السياسي هو الطريق لقيادة الشعوب ، وهو عينه الأداة التي تتكون منها قيادة الشعوب ، والروح التي تبعث الحياة والنشاط والسير في أعمال القيادة .

4 ـ منطق السياسي منطق حي حار شديد التعقيد ، وهو عملي له واقع ، أو يجب أن يكون له واقعٌ ، أي أن العمل السياسي حالة عملية وليس حالة نظرية فقط ، وليس من هم السياسي المحافظة على الأساليب والوسائل مادامت تلك الأساليب والوسائل جائزة ، ولكن من همه المحافظة على الأهداف ، فشروط الحيوية اقتضت عدم التقيد بوسائل وأساليب ، ولكن من شروط بقائه سلامة الأهداف تامة من غير خدش أو انحراف .

5 ـ العمل السياسي هو اعقد مهنة وأدق أداة عرفها التاريخ البشري ، ولهذا يكون السقط فيه كثيراً ، ويكون الفشل أكثر وأكثر ، فالعمل السياسي عبارة عن محاولات متعددة بصورة متلاحقة ، فشروطها التعدد والتلاحق من أجل التأثير والنجاح ، ولا بد من إدراك أن نسبتها في النجاح تبلغُ على أعلى تقدير محاولة واحدة من أربع محاولات .

6 ـ العمل السياسي يبدو من بعيد أنه عمل سهل يسير ، أو يُخَيَّل لكل إنسان يعيش بعيداً عنه أنه لعبة من لعب الأطفال ، ولكن الإنسان لا يكاد يتصل به وينغمس في صميمه ، حتى يصيبه الدوار إذ تصطدم أفكاره مع عواطف الناس وشهواتهم وموروثاتهم ، والحال التي ألفوها ، وتتعارض مع موجات المصالح ورغبات الناس ونزعات التمرد والتقلبات النفسية الجماعية والفردية . فالعمل السياسي يمارسه بشر على بشر هم أصحاب نفوس خفية المسالك ، متشعبة الدروب معقدة التركيب ، لا يمكنه أن يحيط بها علما سوى خالقها وهو يريد أن يخضعها لأفكاره وأن يكيفها بحسب أفكاره ، فيجري الاصطدام الفكري الذي لا بد أن ينتهي وتنجلي المعركة فيه بانتصار السياسي ، أو بانتصار رغبة الجماهير فإن كان إيماناً وبذل طاقته انتصر فكره ، أن كان هذا الفكر حقائق لها واقع أو مما يجب أن يكون له واقع ، واستطاع أن يجعل الناس يلمسون فكره ويدركونه ، أما أن كان مجرد محترف سياسي تراجع تحت اسم فلسفة المناورة ، أو برر تراجعه باسم متطلبات المرحلة أو الواقع ، مع أن الوقائع السياسية في حالة تغير يومي ، فإنه في هذه الحالة يكون فعلاً قد تحققت هزيمته ، وانتصار المصالح والشهوات ، وفي كلتا الحالتين لن يتم العمل السياسي إلا بعد معركة عنيفة قاسية ( صراع الفكر ) ولذلك كان العمل السياسي من أصعب الأعمال .

7 ـ السياسي هو الذي يعيش على أعصابه ، ويحتاج إلى قدر كبير من الرصانة والهدوء والذكاء والفطنة واليقظة الدائمة وقوة اعتبار الذات ، دون حالة غرور وتعاظم للذات ، فلا بد من إدراك الفرق بين الحالتين ، كل ذلك ليتمكن من سبر أغوار المشكلات التي تعترضه ، إذ في ميدانه يتلاقى الغباء القوي والذكاء الخبيث والمصالح المتعارضة ، والسطحية القاتلة والمفاجئات غير المرتقبة ، وهو دائما يسير في طريق مملوءة بالزوايا والمنعطفات ، ولا يدري من أي زاوية سيفاجأ بمكروه ، ومن أي منعطف سيلتقي بعقبة ، ولذلك لا بد أن يتميز بإدارة نضال وعزيمة مصممة ، مع إيمان بأفكاره إيماناً لا يتطرق إليه أي ارتياب ، وثقة مطلقة لا حد لها بنفسه وبقدرته الفائقة إذ أنه كان سياسياً من أجل أفكاره ، ولذلك يجب عليه أن يعيش من أجلها ، وعلى أساسها ، وهو بما أوتي من قدرة يستطيع أن يختار من الوسائل والأساليب ما يعتقد أنه صالح للفعل الذي يقوم به ، ويعلم أن اختياره هذا إنما هي مسؤولية ، والمسؤولية ليست عملاً تكرارياً بل هي عملية إيجاد مستمر ، وفي استمرار الإيجاد يتجلى ألهم والاهتمام والخوف من النتائج وغموض ميدان المعركة التي يخوضها صاحب الاختيار .

8 ـ السياسي مناضل مستمر النضال ينزل معركته السياسية بكل قواه دون أن يترك أي احتياطي فإذا تحققت له الهزيمة اعتبر هزيمته خسارة معركة لا خسارة حرب ، ولذلك يستأنف النضال ، في معركة ثانية مهما تبقى لديه من قوى ، وإذا خسر جميع قواه جمع من القوى ما يمكنه استئناف النضال فيستأنفه مهما جمع منها دون انتظار لقوة أخرى ، لأن تلاحق المعارك هو الذي يُمكِّنه من السير وجمع القوى .

تلك هي شروط العمل السياسي الفعال القادر على التغيير والصراع من أجل العمل السياسي المؤثر في الموقف الدولي ، وهو حالة نضالية تضم الفكرة والقيادة والجماهير ، حيث أن العمل السياسي بدون ذلك هو عمل سياسي مظاهراتي وبالتالي يسير بالأمة إلى الهاوية ، وهذا ما يقع الإصبع على مدلوله منذ أن وجد العمل السياسي النخبوي العربي ، أي منذ منتنصف القرن الثامن عشر وحتى اليوم ، وها هو القرن العشرين ينقضي ، وحالنا بالأمس أحسن وأحلى من اليوم ، لأننا باشرنا السياسة عبر مفاهيم وأشخاص ووسائل وأساليب ترجع بالأمة القهقرى دوماً .



( 9 ) البرلمان والصحافة والحياة الحزبية



هل يمكن أن تنشأ حياة سياسية حقه من خلال تقوية دور البرلمان وتفعيل رسالة الصحافة وإعطاء الحياة الحزبية المتواجدة على الساحة الأردنية دوراً بارزاً ؟



دولة الأستاذ طاهر المصري يقول في نهاية جوابه على السؤال الحواري الأول : " ولم يعد خافياً على أحد أن مسارنا الديمقراطي يمر حالياً بمرحلة انحسار وتراجع بديل ما نشهده من أضعاف لدور البرلمان وتبهيت لرسالة الصحافة وتهميش الحياة الحزبية . فالأستاذ طاهر المصري يرى لزوم تقوية دور البرلمان وتفعيل رسالة الصحافة وإعطاء الحياة الحزبية المتواجدة على الساحة الأردنية دوراً بارزاً .



لكن من هو أضعف دور البرلمان ؟ ومن الذي جعل رسالة الصحافة باهته ؟ ومن الذي همَّشَ الحياة الحزبية ؟ لماذا كان البرلمان والصحافة والأحزاب في محل التأثر بدل التأثير ؟ والمفعولية بدل الفاعلية ؟ أيراها مجرد تغول الحكومة على ثلاثية . لكن لماذا كانت هذه الثلاثية ضعيفة المناعة ؟ أي أنها على استعداد لقبول المتغيرات حتى لو كانت نحو الأدنى ؟ هل هي لقمة العيش ؟ لكن لماذا من ( حالهم عسل وسمن ) قبلوا سواء كانوا برلمانيين أو صحافيين أو قادة أحزاب هذا الانحسار وتلك الحالة من التراجع ؟ وهل أداء المعارضة هو أداء مؤثر ؟ أم هو من باب رد العتب وإقناع الناخبين بانتخابهم مرة أخرى كصوت ضد الحكومة ؟ من الذي همَّشَ الأمة كلها ( من المحيط إلى المحيط ) على رأي الإسلاميين ؟ ومن ( المحيط الهادر إلى الخليج الثائر ) على رأي أصحاب مقولة العرب أمة ذات رسالة خالدة ومن ( طورس إلى صحراء النفوذ ومن جبال زاغروس إلى البحر المتوسط ) على رأي القوميين الاجتماعيين      ( الحزب القومي السوري ) .

إنَّ تهميش الأمة تم من خلال قمع السلطة وتضليل النخب السياسية التغريبية ( القوميين واليساريين ) ، وتجهيل الإسلاميين أصحاب العمائم واللحى لها . كل ذلك جعل الأمة حيةً     ميتةً ، أمواتاً وإن لم يدفنوا ، جثثاً ترسف في أسر القيود ، وتماثيل اجتوتها الأعين ، عبيداً لكل من يريد ، تستأجر للرقص والغناء والبكاء ، تأكل كل فتات الموائد بعزتها ، المشكلة هي الأمة يا دولة الأستاذ طاهر فكيف نبعثها من جديد بعثاً حقيقياً ؟ بعثاً لا يكون سورياً ولا عراقيا ! ولا ناصرياً ؟ ولا صدامياً بل بعثا يغير مسار التاريخ المعاصر كليا .







بقي الكثير لم يقل هذا القليل يكفي

مع تحياتي









                                                  11 رمضان 1416 هـ

                                  31 كانون الثاني 1996 م

                                 أمين نايف ذياب






أفكار الكتاب



   هل الكتاب ضد الإسلاميين ؟ وبالتالي هو ضد الإسلام ؟ أم هو ضدهم حرصا على الإسلام ؟ هذا السؤال الثلاثي ضروري للتعامل مع أفكار هذا الكتاب ، هل الكتاب يواجه الإسلاميين من منطق التغريب : ليبراليا ديمقراطيا ولواحقهما كان ؟ أو أيدلوجيا قوميا ؟ أو ماديا ماركسيا ؟ الكتاب يواجه الإسلاميين والتغريبيين على السواء من منهج المعتـزلة في التفكير ، تلك هي البنية الأساسية للكتاب ، وصاحب الكتاب يرى المقولة القائلة : ألف عدو خارج البيت ولا عدو داخله ، فالانحراف في فهم الإسلام أتى من الداخل ، فتحصينه يتم من الداخل والآية التالية وضحت هذا الأمر وضوحا تاما : (( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) والتهلكة تحصل من عدم تحصين المواقع عسكريا ؛ كما هي الآية ، وتتم أيضا من عدم التحصين الفكري ، بل عدم التحصين الفكري هو هدم لحصون الأمة من داخلها .

    الذي يقرأ الكتاب وهو مملوء بـهاجس الخوف على البقية من الإسلام ؛ لن يقدر على فهم موضوع الكتاب ، والذي يقرأه وهو يعلم " أنَّ الإسلام حالة هجومية على الأفكار الزائفة ، والعلاقات الاجتماعية المظهرية ، والأوضاع العالمية القائمة ؛ التي تكشف هيمنة السيد ، يمكنه أنْ يتعامل مع مفاهيم الكتاب ويتحول إلى مسار الحق : (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) .     الخوالف والقاعدون والقراء والمثرثرون والحالمون ، كل هؤلاء لن يفلحوا أبدا في توقيف الكارثة ؛ التي تلف العالم ؛ وتقسمه إلى ما أشار إليه القرآن بقوله : (( تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى )) فالعالم الآن : غنيٌ ! غنيٌ ! من فرط غناه يقلق ، وفقير شقي معدم يقول : ليتني لم أخلق !                                  

    والسؤال كيف تزول هذه الكارثة العالمية ؟ !!!!!



( 1 ) قيل هذا الكلام في 17/ 3/ 1990 وأن حماس والجهاد لم يحققا أيَّ هدف بخلاف منظمة التحرير فإنها ستحقق الأهداف بغض النظر عن صحة الأهداف أو بطلانها وسوء حقيقتها !

( 1 ) هذه لحقائق هي الوصف السياسي الموجود وليس الوصف المطلوب !

(2) أسماء الأحزاب اليهودية أسماء غير ثابتة لأنها تقوم على التحالفات العارضة فتعطي اسماً وينحل الائتلاف العارض فيتغير الاسم ويظهر أسمٌ جديد وهكذا دائما !

( 1 ) المراد بالخطر العراك والقتال الدموي وليس الخطر على مستقبل القضية الفلسطينية فهي قد سارت نحو الكارثة منذ بدايتها !

( 1 ) التفكير الواقعي هو تفكير بالواقع وليس التكيف مع الواقع .

(1) المبدأ : مصدر ميمي من بدأ والمراد هنا بكلمة المبدأ ( الفكر الأساسي ) .

( 1 ) أي قول المسلم أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله .

( 1 ) تنسب هذه الدول من حيث التاريخ إلى الزيدية ولكن الفكر والرجال الذين قامت عليهما الدولة هو الاعتزال والمعتزلة .

( 1 ) كلمة الشيعة يراد بها أحياناً مدلولها في اللغة ولا يُراد بها الدلالة على فرقة الشيعة المعروفة إذ أن فرقة الشيعة كفرقة لم تتكون إلا على يد الإمام جعفر الصادق ت 148 هـ والذين قالوا بالوصية لعلي هي فرقة الشيعة ، وليس الشيعة فالشيعة ابتداءً تبحث بالأولوية وليس بالنص والوصية . 

( 1 ) شعوب الغرب كافة ذات وعي على حاجاتـها النفعية ، وتمتلأ بحب الشهرة والعُجب والاستكبار ، فكل هم شعوب الغرب هو أمنها السياسي والاقتصادي ، أما بقية شعوب العالم ؛ فالنظر إليه قائم على استصغار شانه ، وتحقير مكانته ، وضرورة تبعيته للغرب ، وهذا الوصف يفسر موقف الشعوب الغربية من بقية العالم .ولا يلفتنكم أيها الرجال وجود بؤر معكم فهي غير مؤثرة

( 1 الاملاء أن لايكون في كلمة ( ادعوا ) الف التفريق ( ادعوا ) لكنها في القرآن الكريم وردت فيها ( الف ا   لتفريق ) واملاء القرآن الكريم أمر توقيفي وربما كان الألف التفريق غرضٌ قبل التنقيط والتشكيل .

( 1 ) هذه الأسماء ارسلت للحسين تطلبه لتولي الامامة ويوم كربلاء كانت مواقعها في المقاتلة ضد الحسين كما هو مبين بين قوسين اسم كل واحد .

( 1 ) ما يستقر في أذهان الناس أن العدد من 3-9 يخالف المعدود وهذه حقيقة ولكن يطابق المعدود حين يأتي بعد المعدود فيعرب صفة المعدود .

( 1 ) ما يستقر  في أذهان الناس أن العدد يخالف المعدود وهذه حقيقة ولكن العدد يطابق المعدود حين يأتي بعد المعدود  فيعرب صفة للمعدود .

( 1 ) القيت هذه المحاضرة عندما كان ديكويار امينا عاماً للأمم المتحدة ومع أنه كان يعلم أنه في آخر أيامه في الأمم المتحدة ولكنه سار بقرارات الأمم المتحدة كما تريدها الولايات المتحدة فالأمم المتحدة في خدمة الولايات المتحدة وزال ديكويار وجاء عربي مسيحي مصري هو بطرس غالي وسبق أن كان وزيراً للخارجية المصرية وإذا تصرفاته ضد العرب أشد سوءاً من سلفه ديكويار .

( 1 )  هذه الآلية لا تزال هي الأمثل لمحاولة الخروج من هيمنة الولايات المتحدة أما آلية مهادنتها والجوء إليها لحل القضايا والاقرار بقيادتها للعالم فهو الطريق المؤدي إلى اندثار الأمة وهذه الآلية لا يمكن استعمالها بالركون إلى أنظمة بل لا بد من أن تكون الأمة هي صانعة هذ1ه السياسة وفاعلة هذه الآلية .

( 1 ) آلية ضم الجناح على المعارضة السياسية العراقية مهما كانت توجهات هذه المعارضة ودواعيها لا بد أن يقوم بها العراق دولةً وحكومةً وممثبين أمة تمثيلاً حقيقياً وعدم فسح المجال للمعارضة العراقية لأن تُستغل من الدول الحاضنة سواء أكانت هذه الدول الحاضنة عربية أو في العالم الإسلامي أم من دول الاستكبار الهمجي الغربي ويجب أن تعلم المعارضة ويعلم الشعب أن المعارضة التي تستوطن فنادق النجوم الخمس لن تُفلح في مسعاها أبداً .

( 1 ) معنى أن العراق كادت أن تكون النواة ليس معنى ذلك أن النظام العراقي هو النواة بل العراق نفسه وتداعيات حدث ضم الكويت فإنها ستفجر طاقات الأمة نحو الوحدة والقوة وفك التبعية وهذا ما أدركته أمريكيا والغربيون ولهذا عولج الأمر الذي يراه الغربيون فتحرير الكويت ليس هو سبب الحرب ضد العراق بل عدم السماح لدولة من دول العالم الإسلامي أن تكسر المعادلة السياسية الغربية القائمة . 
 
 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire