الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

samedi 23 février 2013

كتاب أوهام عذاب القبر. المعدل.؟ تأليف: المستشار والمحكم الدولي أحمد عبده ماهرالمحامي

كتاب أوهام عذاب القبر. المعدل.؟.

مُساهمة  السبت يناير 28, 2012 2:53
كتاب أوهام عذاب القبر. المعدل.؟.
تأليف: المستشار والمحكم الدولي أحمد عبده ماهرالمحامي.

تقديم :
الأستاذ الدكتور/أحمد عبد الرحيم السايح
أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر وقطر وأم القرى.

تقديم الأستاذ الدكتور/أحمد عبد الرحيم السايح
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:ـ
مما ينبغي أن نؤكد عليه: أن الله سبحانه وتعالى خلق الناس متفاوتين في المواهب والعقليات، ولذلك جاءت حركاتهم في الحياة الدنيا تخضع لمعايير المواهب والمنح التي وهبها الله لهذا وذاك.
والمستشار/أحمد عبده ماهر يتمتع بمنح منحها الله إياها، ومواهب كبيرة، لذلك تجده متميزا في كلماته وما يكتب، فالفكر والكلمة حقيقتان متلازمتان في حياته، لذلك جاءت كلماته في مؤلفاته معالم مضيئة على طريق تصحيح ما أفسده الدهر من موروثات ومناهج أضرت بالعقائد، وهو يمتلك طاقات إصلاحية يبذلها دوما لأجل الأمة.
وإذا كان هناك كثير من الكُتَّاب دعوا إلى إنقاذ الأمة من وهدة التخلف وغبار الجهل، فإن المؤلف له عبقرية فذَّة في عرض مفاهيم التصحيح بما يمتلك من موهبة فريدة وعطاء متميز.
وقضية عذاب القبر لا هم للمتاجرين بالدين إلا ذكرها، وكأنها عمل إنتاجي تفتخر به الأمة، وذلك رغم تعارضها مع مبادئ الإسلام ودلالات الآيات القرءانية، لذلك جاء المؤَلَّف الماثل لاجتثاث جذور المفاهيم المغلوطة وقلع أصولها ودوافعها النفسية والفكرية، مستمدا قوته من صريح كتاب الله، وكتب المحدثين في الجرح والتعديل، مع عدم إهمال دور العقل القويم في استخراج الأدلة.
فالكتاب الماثل أداة بناء ذات فصول ثلاثة، وملحق به تخريج لبعض أحاديث من عذاب مزعوم بالقبر، سواء ما ورد منها بكتب الصحاح أو مما اشتهر القول به على ألسنة الدعاة، فضلا عن تصحيح بعض تحريفات التفسير لكتاب الله.
فالفصل الأول تحت عنوان: موت بلا عذاب بالقبر (تقديم أصولي).
والفصل الثاني تحت عنوان: من الوفاة حتى حساب الآخرة.
والفصل الثالث بعنوان: تفنيد حجج أنصار فكرة عذاب القبر.
والملاحظ أن الفصول الثلاثة تميزت بالتوثيق والتنقيب مما أعطى الدراسة قوة وعمقا.
ولعل تلك الدراسة توجد في الناس الوعي والتعريف بخطورة الاستعمال المنحرف والشاذ لبعض مقولات الأقدمين، وعلها تعيد إليهم الشخصية الإسلامية التي رباها رسول الله في الصحابة الأطهار، الذين كانوا يتفاعلون مع الكون بالقرءان، ولم يكونوا يحاولون قهر من بالكون لتأويلاتهم عن القرءان. أ.د/أحمد عبد الرحيم السايح
مقدمة المؤلف:
بسم الله الحبيب، الرحمن الرحيم الكريم، فمنذ سنوات خَلَت وأنا أُتابع وأُشارك حركة تطوير الخطاب الديني التي نحن في أمس الحاجة إليها، وذلك نظرا لما وصل إليه أمر الدَّعوة والدُّعَاة ببلادنا.
ولقد شاركت في ذلك بمؤلفات عديدة منها كُتُب:
(1) - (كيف كان خُلُقُهُ القرءان .
(2) - وإسلامنا والتراث .
(3) - و كنوز ورحمات من القرءان.
وبكثير من الخُطَب المنبرية، والمقالات التي تُرجِمَ الكثير منها إلى لغات متعددة ، ونُشرت بالعالم عن طريق أجهزة إعلامية مختلفة، وشاركت وحاضرت ببعض المؤتمرات الدولية الراعية لإصلاح الدعوة.
وأحمد الله أن وفقني برحمته للخروج من تَدَيُّن الإشراك والبدع، إلى تدين القرءان والمِنَح ، وأن هداني لمن يعينونني بقوة كي أخطو بخطوات الرشاد، وشكر خاص وواجب لقناة المحور الفضائية لإسهامها في نشر الحقائق وتنوير الشعوب، وبكل التقدير والعرفان أُقدم الفارس النبيل الذي وقف خلف هذا الكتاب وأشكره، وهو الأستاذ/عبد الفتاح عساكر، ذلك الجندي الذي تراه خلف كل الأعمال ، وكل الاجتهادات مُعينا ومؤازرا، فهو الذي بذل الجهد الأكبر في التخريج الفقهي لأحاديث عذاب القبر، كما نتوجه بالشكر للأستاذ/ إبراهيم عياد لمساهماته في التصويب اللغوي.
وعلى القارئ أن يعلم أن التخريج الفقهي للأحاديث الواردة عن عذاب القبر روعي فيه أن يكون مستمدا من كتب علماء الحديث، وتم تطبيق منهجهم بأن الجرح مقدم على التعديل، وقد يصدم القارئ من أحاديث يتناولها الناس كمُسَلَّمات يؤمنون بها بينما تُمثِّل عين الصدام مع القرءان فضلا عن فساد سندها.
والكتيب الماثل يضيف تَنَوُّعًا لمسيرة إصلاح الدعوة في أمر استفحل الاعتقاد فيه، حتى صار الناس يتعوَّذون من عذاب القبر في صلاتهم، بينما لا شرعية ولا وجود لذلك العذاب المسرحي الموهوم، وهو كتاب قد يستعصي على غير الباحثين تقدير ما به، ولقد حرصت أن يكون ما انتهيت إليه موثقا بأدلَّة من القرءان والسُّنة النبوية الصحيحة، ومن العقل، وهو إن كان صادما لمعتقدات الكثيرين إلا أن الباحثين عن الحق لابد أن يخضعوا له، بدلا من الخضوع لموروثات الإشراك بالله والعبادة بطقوس بلا علم، والتي دأبنا عليها حفاظا منا على تراث نظنه كله خيرًا ونقدسه بلا تمحيص.
ولقد دأب المسلمون على عدم التفكير فيما بثه فينا عمائم الماضي، لكننا بعد أن تعلمنا القراءة والكتابة ظللنا على معتقدنا بقصور فكرنا، حتى استيقظنا على متخصصين يقولون برضاع الكبير، وقتل المرتد، وقتل تارك الصلاة، وطهارة بول النبي، والتداوي بأبوال الإبل.
وترانا وقد تجمدنا عند رؤية الأقدمين لتفسير كتاب الله، تلك الرؤية التي شابها أخلاط من الإسرائيليات، وروايات مخالفة لكتاب الله تأثر بها المفسرون، فصرنا نُكذِّب آيات القرءان لذمة مرويات السُّنة، في الوقت الذي لا نعترف فيه لمجتهد باجتهاد، سواء أكان متخصصًا أم غير متخصص، وبرعنا في قذف المجتهدين بكل الوسائل والمَذَمَّات.
وصرنا نُمَجِّد السُّنة النبوية القولية، ونرفعها على القرءان عمليا، وإن كنا نعتني نظريا وقوليا بأسبقية القرءان، وصار تفسير أئمتنا لآيات كتاب الله يخضع لثقافتهم الروائية عن الحديث النبوي، وعظَّمنا النبي ولم نُوَقِّر الله، وصرنا فرسانا للسُّنة القولية، بينما لم نستظل بالقرءان، ولفظنا التدبر فيه، ولم يبق لنا منه إلا بعض المطالعة، نظن بها أننا على الحق، فنسأل الله أن يهدينا قبل أن نلقاه.
وتجدنا حين تبرز بيننا دراسة تتصادم مع ما ألفينا عليه آباءنا نسعى بقوة لتأكيد الزَّخَم القديم وكأنها مبارزة بين أمة بأكملها من جانب، وأحد الأصنام المنبوذة بالضفة الأخرى، لذلك كله نشب فينا فكر عذاب القبر وغيره من الخرافات، لذلك أهيب بأخوتي وأبنائي المسلمين إبان تناولهم للأمر أن يُنَفِّذُوا بعدالة وموضوعية ما أمرهم الله بقوله
((الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ *)).الزمر: ١٨.
وإن ما تم بثه فينا من كوننا غير مؤهلين ـ وبالتالي غير أهل للفكر في دين الله ـ ما هو إلا نوع من تكذيب القرءان، فالله عز وجل يسَّرَ لنا القرءان، بينما نقول بصعوبته وعدم إمكان فهمه إلا لمتخصص، والله أمرنا بتدبر القرءان والتفكر والتعقل فيه، بينما نحن نمتنع لذمة مدسوسات إبليسية زرعت فينا هبوط الهمة تجاه كتاب الله.
بل رأيت الناس وهم لا يدركون أن الخطاب القرءاني للناس جميعا على اختلاف لغاتهم، فبالله عليكم إذا ما كان أهل اللغة العربية هذا حالهم... فماذا يكون حال باقي الأجناس المخاطبين بالقرءان أيضا!!، لا شك أننا بحاجة ماسة لننفض غبار الزَّخَم القديم الذي أهملنا به كتاب الله، فتركنا عقولنا نهبا لآخرين لعقود خلت، ولنتدبر جميعا بلا استثناء كتاب الله، فنحن مأمورون بذلك بلا مراء، بل يسَّرَهُ الله لنا.
ولابد من إعلاء كتاب الله وآياته على المرويات والقصص والأقصوصات التي نستقي منها أمور تديننا ، فمهما تصورنا درجة صحتها، فليس لها أن تنافس القرءان إلا عند قلوب أشركت بالله، ولنعلم أن أهل الزمن القديم كانوا رجالا لزمانهم، والله لم يجعل حقبة زمنية بغير رجال، فنحن رجال اليوم وهم كانوا أسياد الأمس وأجدادنا، ولكل منا الفرصة ليكون رجل عصره بلا تسيد أو سيادة من أحد.
المؤلف
أحمد عبده ماهر



الفصل الأول:
موت بلا عذاب بالقبر.
تقديم أصولي:






مقدمة لازمة لفهم أصول الإيمانيات:
لعل الكثيرين ـ إن لم تكن الأغلبية ـ تشغل فكرهم الدار الآخرة وما يكون فيها من أحداث، ولقد أدرك بعض الدُّعاة ولع الناس بذلك الأمر، فأفاضوا وأسهبوا واغترفوا من غث التراث وأضاعوا السمين، وصاروا يدفعون بعلوم ما أنزل الله بها من سلطان، ويزُجُّون بها في أدمغة الناس، وبات أساطين ذلك الفكر عند العامة هم أهل الدين والتدين، وأصبح من يعزف لحنًا غير لحنهم مجرما، وتراهم ينعتونه منكرًا للسُّنة أحيانا، وقرءانيا أحيانا أخرى، وهو منكر للمعلوم من الدين بالضرورة عند آخرين، لذلك ماج الناس في أوحال يقول بها بعض المتخصصين قبل العامة، ويترخصون في القذف بلا مبالاة.
وأرى من الضروري لكل مسلم أن يعلم أن الاستدلال على الأحكام الشرعية التي يجب الإيمان بها لابد أن ينبع من نص قطعي الثبوت، وإلا فكيف ستنبع أحكام يلزم الإيمان بها من خلال نصوص ظنية الثبوت؟، وهل ترك الله العقائد والإيمانيات لتفسير الفقهاء؟.
ونصوص القرءان الكريم قطعية الثبوت كلها، لكن بالنسبة لدلالة الآيات فمنها آيات قطعية الدلالة، وأخرى ظنية الدلالة، فالذين قاموا بتأويل نصوص ظنية الدلالة من القرءان الكريم وصوروها أحكاما لعذاب بالقبر، إنما خالفوا أسس الفقه والتفسير والعقيدة، فقد كان من المتعين عليهم لاستنباط أي حكم يتوجب الإيمان به، أن يكون ذلك من خلال نصوص القرءان قطعية الدلالة، وهو الأمر غير الموجود بالنسبة لعذاب القبر، وبما يمتنع معه الاستنباط.
فمن النصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، قوله تعالى:
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ*). سورة العنكبوت آية رقمSad٥٧).
فلأنه قرءان، فهو قطعي الثبوت، ولأننا على يقين بأن هناك موتًا محتمًا يليه بعث مؤكد، ففي ذلك قطعية الدلالة، فلا يماري في ذلك النص إلا كافر.
ومن النصوص قطعية الثبوت لكنها ظنية الدلالة، قوله تعالى:
((النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ*)). سورة غافر آية رقم : (46) .
فهو نص قطعي الثبوت لأنه قرءان، وهو ظنِّي الدلالة لأننا اختلفنا في تأويله، فنحن لا نعلم شكل العرض ولا ما إذا كان يعني عذاب القبر أم يعني ابتلاءات دنيوية ثم يليها أشد العذاب بالآخرة، أَوَ يكون ذلك الأمر لآل فرعون فقط كما يدل بذلك النص، أم أنه ينسحب على الناس جميعا؟، ولتلك الاختلافات بيننا فهو نص ظني الدلالة، فلا يُستنبط منه حُكم إيماني مُلزم، ومثل قوله تعالى:
((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا*)).سورة الفتح آية رقم : (10) ٠
فلا يستطيع أحد معرفة شكل ومراد كلمة يد الله، لذلك فهو نص ظني الدلالة.
أما السُّنة النبوية القولية فكلها ظنية الثبوت وظنية الدلالة، وهو ما اتفق عليه أهل العلم جميعا بلا خلاف بينهم، فيمكن العمل بها، لكن لا يمكن استخراج الإيمانيات منها، لأن الأحكام التي يجب الإيمان بها لابد أن تنبع من يقين، فلا يُستخرج اليقين من ظني أبدًا، وعلى ذلك فجميع أحاديث عذاب القبر فضلا عن كونها ملفقة على الرسول (سيأتي بيانه)، فلا يمكن الاعتماد عليها في استنباط حكم يؤمن به المرء.
ولا يقولن قائل بالقول الممجوج، بأن السُّنة القولية مُكَمِّلة للقرءان، وأن هناك أحاديث تُقرر عذاب القبر، إلا إن كان يظن النقص بالقرءان، أو يظن بأن رسول الله – عليه الصلاة والسلام - يخالف ما تنزل عليه من قرءان، وذلك ليس بتكذيب للسُّنة القولية التي يُفضل العمل بها ما لم تُخالف نَصًّا قرءانيا، وما لم تُخالف قويم العقل أو الأخلاق، كالرضاع المزعوم للرجل الكبير، أو التداوي بأبوال الإبل وغير ذلك مما علق بها.
أما السُّنة العملية الشارحة للفرائض والمُفَصِّلَة لها فهي الوجه العملي لتنفيذ كتاب الله، وهي من وحي السماء، وهي عندنا فريضة وليست سُنَّة، وهي فقط المُبينة بيقين لما أجمله القرءان بوحي من السماء، بما يعني أن الوحي في هذا الشأن تم تبيينه بالوحي.
ولست بدعا من المفكرين والباحثين أو الفقهاء الذين قالوا معي بعدم وجود عذاب القبر ولا نعيمه، وهم جمهرة، بل قال بذلك أجلَّة من علمائنا، منهم فضيلة الشيخ/ محمد متولي الشعراوي، لكن هناك من يمررون للشيخ أشياء ويطمسون أُخرى، فلقد ذكر فضيلته ذلك بمجلة حواء بالعدد 132 بتاريخ 13/2/1982 الصفحة رقم: (31) ، فقال : [إذن فلا يوجد عذاب بالقبر ولكن عرض ورؤية فقط لموقف الإنسان من عذاب أو نعيم]، كما ذكره أيضا بإصدار أخبار اليوم في كتيب باسم (الدار الآخرة)، وقال بأنه لا يوجد زمن بالقبر، وأتفق مع الشيخ في مسألة عدم وجود عذاب أو زمن بالقبر، وأختلف معه فيما انتهى إليه قوله من عرض ورؤية موقف الإنسان بالقبر، فحقيقته إنه ساعة خروج الروح يدرك الكافر حقيقة كفره وصدق رسالة النبوة.
كما ذكره الأستاذ/محمد عبد المنعم مراد بكتابه (عذاب القبر إفك وضلال مبين)، وكتاب (شفاء الصدر بنفي عذاب القبر) للدكتور/ إسماعيل منصور، وكتاب (استحالة عذاب القبر) للأستاذ/إيهاب حسن عبده، وكلها مراجع لكتابنا الماثل، لكن ماذا نقول للمصفقين الذين يحلو لهم الترويج لفكر العذاب قبل الحساب، وإنكار صريح القرءان؟!!.
إن ما ورثناه من تأويلات بعض السادة المفسرين والدُّعاة عن وجود عذاب قبر ليس إلا جهدًا بشريًا أخطأ ولم يُدرك الصواب، وأما الأحاديث النبوية الواردة بشأن وجود عذاب قبر فليس فيها حديث واحد صحيح السند رغم ورودها بكتب الصحاح (وذلك على مقياس علم الجرح والتعديل)، وذلك فضلا عن تصادم متون تلك الروايات مع نصوص آيات القرءان الكريم بما يُبطلها، ولقد تصدى كثير من علماء السُّنة لتلك الأحاديث بالتحليل واستخرجوا عللها ـ سيرد تفصيله ـ لكن الناس والدعاة يبقون دوما بأحضان ما ألفوا عليه، وما ذلك إلا من نتاج عدم القراءة، وتقديس القديم بنظرية (هذا ما ألفينا عليه آباءنا).
ولقد تنوع هجر المسلمون للقرءان، فهناك من هجر اللفظ بعدم القراءة، وهناك من هجر المعنى بعدم تدبره، وهناك من هجر الهدف القرءاني بعدم تنفيذ وصاياه وأوامره، كل ذلك فضلا عن هجر الكافرين له بوصفه كتاب عقيدة، وارتمى الجميع في أودية من كتابات البشر ورواياتهم حتى ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، بالبعد عن كتاب الله، لذلك فالكتاب أداة تنبيه ضد الكفر بآياته.
بل لقد تَهَيَّج الشعور تجاه القرءان، حتى جعله الناس كتابا لاهوتيا، وجعلوه كتابا يتذكرونه بالجنائز والقبور، فلم يُحَكِّمُوه في أفكارهم وحياتهم، حتى لا تجد أحدهم إلا ينبري بالاستشهاد بالحديث النبوي في أقواله، بينما تجد آيات القرءان بعيدة عن فكره ومنواله.
وترى الناس إذا ما فكَّروا بالقرءان جعلوا من كُتُب المفسرين وسائط بينهم وبين الله، وفي ذلك تأكيد لموات القرءان في قلوبهم، بل تراهم وقد امتنعوا تقريبا عن التمحور لتدبر القرءان، بينما يتمحورون لقراءة جهد السابقين بلا فكر منهم فيه، وكأن معاني الآيات توقفت عند جهد السابقين وعقولهم، وهو الأمر الذي جعل الدرب العملي لأمة الإسلام الحالية في وادٍ ودستورها ـ القرءان ـ بوادٍٍ آخر.
وترى الناس لا تُدرك عن حياتها في عالم الذَّر شيئا، كما لا يُدركون شيئا عن حياتهم وهم أجِنَّة في بطون أُمهاتهم، لكنهم ترسموا مستقبلهم في قبورهم من خلال مرويات ما أنزل الله بها من سلطان.
ولقد تلونت بعض العقول وانتقت من كتاب الله ما يحلو لها، وتأولته على أنه عذاب قبر، وتركت بالمقابل صريح الآيات التي تؤكد عدم وجوده، فتسببوا في إضلال الأمة، بل في السقوط في هُوَّة التكذيب لكتاب الله، بل دسوا التعوذ من عذاب القبر المبتدع داخل صلوات الناس باسم السُّنة النبوية، والسُّنة بريئة من ذلك التعوذ الدخيل.
وسوف نوالي بالشرح خلال الفصل الثاني من تلك الدراسة كيف ترك مشاهير الدعاة الكثير من الدلائل الواضحة عن عدم وجود مرحلية أو زمن داخل القبور، فارتموا في أودية الوهم، حتى استفحل شرهم وانتشر كالنار في الهشيم بجسد الأمة، وسيثبت للقارئ تناقض كافة أحاديث عذاب القبر مع آيات كتاب الله، وسيتحقق الأمر من مئات الأدلة القرءانية الواضحة، وليس من خلال تأويلاتهم الفاسدة لآيتين أو ثلاث تصوروا بالوهم أنها العذاب المزعوم، وليس للنعيم المزعوم بالقبر أي دليل من القرءان، لذلك اشتهر عذاب القبر ولم يشتهر نعيمه.
السُّنة النبوية القولية وركائز الهداية:
إن الأحاديث النبوية القولية محل خلاف وجدل كبير، وهي كما يقول علماء الحديث ظنية الثبوت وظنية الدلالة، أفستُبنى العقائد والإيمانيات على أُسُسٍ ظنية من الحديث النبوي، أو على أسس تأويلية لمتأولين للآيات ظنية الدلالة بالقرءان؟.
إن فصل الخطاب في الأمر أن الحديث النبوي إن لم يتفق مع ما جاء بكتاب الله فلا يمكن الحكم بصحته حتى وإن خرج البخاري بشخصه من قبره ووقف بجانب الحديث يسانده، فقد نشأ فن تحقير ومصادمة القرءان باسم (حديث صحيح)، وهو ما لا يسمح به أي عاقل غيور على دينه، وأراه إشراكا يصاحب إيمان أولئك المخالفين للقرءان.
وبذلك المصطلح (حديث صحيح)، وببعض العلوم الوضعية، تمت الفُتيا بطلاق الهازل وزواج المازح، ومن السُّنة الصحيحة عندهم إرضاع المرأة للرجل الكبير، وأصبح للقبر عذاب وحساب منسوب للنبي وللأحاديث، وأخذ بذلك العذاب الشيخ الغزالي القديم في كتابه إحياء علوم الدين، وابن تيمية في كتابه العقيدة الواسطية.
وما أرى ذلك إلا تسلطا من الدُّعاة على عقيدة أهل القبلة، وتسلطًا أيضا على القرءان، حيث أصبح حساب الآخرة يخص الله والقرءان، وصارت الدعوة إلى الله بالقتال كما تُريد سُنَنِهم المزيفة، بدلا من الحكمة والموعظة الحسنة، وبدلا من ترك الناس من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، كما أمر الله في كتابه، وجعلوا للرِّدة حدًا يُزهقون به الأنفس بلا سند من علم قويم، والقتل عندهم لترك الصلاة، وللزنا وغيرهم، كل ذلك فعلوه باسم السُّنة النبوية البريئة منهم.
ويمكن للقارئ الذي يستطيع الخروج من شرنقة الجمود الفكري والموروثات أن يجد الحقيقة بتَعَقُّـله لآيات كتاب الله وتَفَهُّمِه وموازنته بين الأقوال، وبذلك يكون ممن نفَّذوا قوله تعالى:
((الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ*)) آية رقمSad١٨.)من سورة الزمر.
فأنت دوما مُكلف بأن توازن بعقلك بين ما يُقال وما يتم النَّصب به والافتراء بالكذب أو الضلال، باسم ما يطلقون عليه أنه من الدين، وحق الاختيار والموازنة بين الأقوال أمر واجب على كل مسلم ومسلمة، مهما قلَّت درجة ثقافته.
وإياك أن تستمع لإفك بعض الدُّعاة بأن للعقل حدودًا، وأنه لا يحق لك التفكير إلا إذا درست بالأزهر وحده، فإنه إن كان الأمر كذلك فلست بمُكنَتِكَ أن تعرف أحسن الكلام من أسوأ الكلام، وبالتالي فلن تُنَفِّذ ما أمرك الله بسورة الزمر، أم تراك تتصور أن الذين سينفذون ذلك التكليف هم الأزهريون وبعض أصحاب اللِّحى فقط!؟، أو أن القرءان يتوجه بالخطاب للمتعلمين من العرب، ولا يحق للإنجليز أو الأميين أن يوازنوا بين ما يقال لهم!؟.
إنني أهيب بكل من تعلَّم القراءة والكتابة أن يرقي بنفسه فكريا من خلال تنفيذ الأمر الإلهي (اقرأ)، وليعلم المسلم أن دعوة النبي كانت عبر تلاوته للنص القرءاني بلا تَزَيُّد ، فلم يكن يشرح للمشركين الإسلام والقرءان ، بل كانوا هم يفهمونه بما يَسَّرَهُ الله للناس لفهم النص القرءاني:
((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ*)).سورة القمر الآيات رقمSad 17،22،32،40) .
وكانوا يؤمنون ، أو يعاندون الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت: ((يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ*)).سورة الأنفال آية رقم:(6) .
فهل نجحد الحق مثلهم؟.
وقرءاننا مُنَزَّل لكل البشرية، سواء أكانوا عربًا أو عجمًا، ولكل الطاقات الفكرية والثقافية، ويسره لكل هؤلاء وغيرهم، لكن الغريب أن أكثر دُعاتنا يُصِرُّون على قصور أدمغتنا حتى عن أدمغة المشركين الأجلاف أيام مهد الدعوة، وقاموا بغرس ذلك في الناس فلا تكاد تجد من يقبل دينا إلا من مُعَمَّمْ، وترى الناس تخاف أن تُفَكِّر، وهم يجعلون مرجعيتهم في تفسير القرءان للطبري والقرطبي وابن كثير وغيرهم من الأقدمين، بعد أن زينها لهم المتخصصون، رغم تيقنهم من تشبع تلك التفاسير بالإسرائيليات، وتجد الناس ترفض أخذ العلم من باحث معاصر يحدوه الإخلاص لدين الإسلام، وهو أحد أهم أسباب فساد أمرهم، وتوقف تقدمهم، ونزوح آخرين منهم إلى ديانات أخرى.
ولينظر القارئ إلى قول الشيخ شلتوت ـ يرحمه الله ـ في حكم الأحاديث النبوية بالنسبة للعقائد، فيرى فضيلته أن العقائد لا تثبت إلا بالدليل العقلي الذي سَلِمَت مقدماته، وانتهت في أحكامها إلى الحس أو الضرورة لأن العقائد مبناها اليقين، واليقين سبيله العقل والنظر الصحيح، أو الدليل النقلي وهو القرءان الكريم المحكم الدلالة، أو السُّنة الصحيحة المتواترة المحكمة في دلالتها، وذلك نادر الوجود في الأحاديث. (المرجع: رسالة الدكتوراة الخاصة بالدكتور/عبد العزيز عزت عبد الحكيم محمود وموضوعها الشيخ شلتوت ومنهجه في التفسير، وأشرف عليها الدكتور/ محمد عبد المنعم القيعي رئيس قسم التفسير بكلية أصول الدين بالقاهرة عام 1989).
ويذكر الشيخ/ محمود محمد خطاب السبكي ـ يرحمه الله ـ وهو الرئيس العام الأسبق للجمعيات الشرعية بمصر، بل هو أول مؤسس لها، وأول إمام لأهل السُّنة بمصر، حيث ذكر بالجزء الأول من كتابه (الدين الخالص) بالصفحة الرابعة ما يلي: [ إن حديث الآحاد لا يكفي لتكوين عقيدة يطمئن المرء إليها ويعلق أمله يوم لقاء الله عليها، لأن رواة الآحاد ليسوا معصومين وليست أخبارهم متواترة المعنى، وهم بشر ليسوا أنبياء وبالتالي فإنه يجوز عليهم النسيان، وحينئذ لا يكون صدقهم معلوما بل مظنونا، فثبت أن خبر الواحد مظنون، ووجب أن لا يجوز التمسك به في العقائد].
إن فكرة عذاب القبر ساندها المُزَوِّرون من الأقدمين بأحاديث نسبوها للنبي الخاتم، وقالوا حديث صحيح، والذين من بعدهم تأثروا بتلك الأحاديث المزيفة لحبهم رسول الله، فتأولوا بغير حق بعض الآيات القرءانية، وتصوروها تدعم ذلك الزيف المزعوم عن عذاب القبر، وبهذا انتشر الزيف في تفسير كتاب الله أيضا.
بل سيجد القارئ تخريج الأحاديث المنسوبة زورًا للنبي، وقد وضعتها بنهاية الكتاب، واشترك في تخريج بعضها جماعة أنصار السُّنة ونَشَرَتْهَا بمجلتها المسماة (التوحيد) بالعدد الصادر في شهر شوال لعام 1430هـ (سبتمبر 2009)، تلك الأحاديث التي تتحدث عن أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، وعن ضمَّة القبر، وعن تحدُّث القبر مع الميت، وجميعها معلولة السند فضلا عن المتن، وعموما فالأمر لا يحتاج لتخريج الأحاديث، لأن جميع روايات عذاب القبر مُخالِفة مُخالَفة صريحة لكتاب الله، وهو ما سنبينه بالفصل الثالث من الكتاب، فضلا عن ملحق تخريج الأحاديث بآخر الكتاب.
لكن لا يجب أن يَفْهَم القارئ أن الجماعة تتبنى رأيي في عدم وجود عذاب بالقبر، فأنا أختلف معهم في كثير مما انتهت إليه فتاويهم وأفكارهم الخاصة، وإن كنت أحمل التقدير لبعض مشايخهم وأتباعهم، وهناك تخريج أيضا لأحاديث صحيحي البخاري ومسلم من واقع كُُتُب الرجال التي وضعها أئمة أهل السُّنة، ليتضح أن الأمر كله يقع بين التدليس والإسفاف والوهم، ولعله بعض إسرائيلياتنا التي نحافظ عليها بتراثنا ولا نريد تصويبه.
أذكر ذلك من باب أمانة العرض العلمي، لذلك يكفيك أن تكون صاحب قراءة في كتاب الله، فالدين لا تُحَدِّدَه لحية السلفية، ولا عمامة أزهرية، ولا مسبحة الصوفية، ولا غيرهم من الفرق الإسلامية، إنما حدده الوحي السماوي في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتجد رواياتهم عن رسول الله وقد فاتها ما فاتها، وتناقض أولها مع آخرها، ومع القرءان، ومع هذا فهم لا ينتهون ولا ينتبهون.
وأما ما يُزَوِّرُونَهُ ثم يُتبعونه بقولهم:
((...وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ...*)).سورة الحشر آية رقم:(7) .
فما أراه إلا استغلالا لبساطة الناس وعدم اطلاعهم، مع تأويـل فاسـد لمعنى ما نزل من الحق، وتصـور منحـرف لمهمة النبي.
وأبسط ما يمكن أن نضرب به المثل في هذا الشأن ليفهمه الناس: [ أن للحكومة أن تأمر وتمنع، لكن للطبيب أن يوصي وينهى ]، فكلمة (ما آتاكم)، وكلمة (وما نهاكم) ليست أحكاما، وهي تختلف عن قوله تعالى: (إن الله يأمركم)، وقوله (ولا تقولوا)، وقوله تعالى (حرمت عليكم)، وغير ذلك من الأوامر واجبة التنفيذ، أو المنع الملزم للعباد.
معنى ذلك أن قوله تعالى: ((...وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ...*)) إنما يعني وصاياه – عليه الصلاة والسلام- ، فضلا عن أن أمر تلك الآية يحكي عن توزيع الفيء وعدم الاعتراض علي قسمة رسول الله للصحابة فيه، وهو أمر خارج الإطار الماثل، وراجع (أول ص75) من هذا الكتاب. لكن من أراد عنه المزيد، وعن معنى (وما ينطق عن الهوى)، فليرجع إلى كتابنا ( كيف كان خُلُقُهُ القرءان) فبه المزيد.
القبر وأوهامه ليست من الإيمانيات:
ومن بين ما ابتلينا به أن كل من سمع كلمة من شيخه فهو يترسم الكفر فيمن قال بغيرها، وذلك من انتشار الجهل بدين الله، وكثرة استحواذ أئمة البدع على فكر الناس، وتعطل العقل عن العمل، فالإيمانيات ذَكَرَها الله في كتابه وحددها، وليس من بينها عذاب القبر أو نعيمه، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى:
((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ*)).سورة البقرة آية رقم:(285) .
ويقول تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا*)).سورة النساء آية رقم:(136) .
فتلكم هي الإيمانيات الواردة بكتاب الله بلا تعقيد، وليس من بينها عذاب القبر المزعوم ونعيمه المغبون.
وبالسُّنة النبوية لا ترى أثرا لعذاب القبر فيما يجب الإيمان به، ففي فهرس الترمذي - حديث رقم: (3738) . - قال: قال عمر بن الخطاب: كنا عند رسول الله – عليه الصلاة والسلام - فجاءه رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى أتى النبي – عليه الصلاة والسلام- ، فألزق ركبته بركبته، ثم قال: يا محمد ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، قال فما الإسلام، قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصوم رمضان. قال: فما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فان لم تكن تراه فإنه يراك......
وهو الأمر الذي حدد الإيمانيات تفصيلا بالقرءان وبالسُّنة، فليس من بينها عذاب القبر، فتلكم هي هداية القرءان والسُّنة في أمر حُكم عذاب القبر والإيمان به أو عدم الإيمان، وذلك حتى لا ينحرف غُرٌّ مفتون بفُتات من بعض القراءات، أو شهادة علمية حصل عليها بليل فينبري بها ويستخرج نعوتا بالكفر يهجو بها المخالفين لرأيه.
خلاصة الفصل:
لذلك يجب على المسلم أن يجعل للقرءان الهيمنة فيما يخص الإيمانيات والعقائد، ويليه السُّنة المتواترة التي ينقلها جماعة مسلمة عن جماعة مسلمة أخرى، فيستحيل على الجميع توافقهم على الكذب، حتى يكون ما يؤمن به لا جدال فيه ولا شك، وأن يستدل بعد ذلك بعقله على ما استخلصه من كتاب وسُنَّة متواترة، فالإيمان يكون بالعقل، والعقيدة يستدل بها العقل القويم من خلال الكتاب والسُّنة المتواترة، فبذلك النهج يثبت إيمان المرء من خلال مرجعية رصينة، فالسقطات تكون من خلال صاحب العقل العاطل، والسُّنة النبوية بكتب الحديث لا يصح استخراج حكم عقائدي منها وحدها، لأنها أحاديث آحاد، وقد سبق ذكر رأي أئمة السُّنة في حكم أحاديث الآحاد (راجع ص17).
فكي تقف على حقيقة أمر عذاب القبر ونعيمه لابد أن تدرس بالتمحيص أعمال الدار الآخرة وأحوالها كلها، وعليك مراجعة معاني آيات كتاب الله ومراميها بدقة، وليس كما يفعل بعض الدعاة فيقتطعون آية واحدة من سياقها، يستدلون بتأويلاتهم المنحرفة عنها لتزكية أفكارهم المريضة بداء تعظيم وتقديم الرواية على حساب الآية.
الفصل الثاني : من الوفاة حتى حساب الآخرة:
أولا:الوفاة وخروج الروح (الموت والوفاة):
يرى الكثيرون أن الإنسان يتكون من روح وجسد، ويرون أن الإنسان حين يموت تخرج روحه، فيقولون صعدت روحه إلى بارئها، وهم بذلك المفهوم يُخرجون النَّفس من حساباتهم، ومن غير المقبول أن نتصور أن النَّفس هي الرُّوح، وذلك لورود الكلمتين بالقرءان (النفس و الروح)، وكُلٍّ لها معناها المُتَفَرِّد، وإذا كان هناك فكر يرى بأن قول المولى عَزَّ وجل :
((فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ*)).سورة ص آية رقم:(72) .
يعنى أن الله نفخ في سيدنا آدم من روحه سبحانه وتعالى، فإنه إفك كبير، وذلك أن المتتبع لكلمة روح هنا وبالآيات السابقة يرى بما لا يدع مجالا للشك، أنها تعني العلم والعقل والمنطق والأداء اللاإرادي لأجزاء الجسم، لكن لا تعني أبدًا أن بالإنسان روح الله سبحانه ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ فالله أزلي لا يموت، وهو الأول فليس قبله شيء ولا واحد، وليس مكونا من أجزاء (جسد ونفس وروح)، بل هو الحي الواحد الأحد جل جلاله.
لذلك لابد أن أصحب القارئ إلى قراءة بتدبر لبعض مما ورد عن النفس بالقرءان، وذلك فيما يلي:ـ
1ـ يقول تعالى:
((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ*)).سورة آل عمران آية رقم:(145) .
يعني أن النفس هي التي تموت .
2ـ ويقول تعالى:
((كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ*)).سورة آل عمران آية رقم:(185) .
فجماع البندين رقم: [1و2]. يعني أن النَّفس هي التي تموت.
3ـ ويقول سبحانه:
((وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ*)).سورة ق آية رقم:(21) .
4ـ ويقول تعالى:
((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً*)).سورة الفجر آية رقم:(27-2Cool .
فجماع البندين:[ 3و4] يعني أن النفس هي التي يبشرها الله بالطمأنينة وهي التي تذهب إليه سبحانه وتعالى.
5ـ ويقول تعالى:
((وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ*)).سورة يوسف آية رقم:(53) .
فذلك يعني أن النفس هي التي تعصى، وأن من المحامد لوم الإنسان نفسه ومحاسبتها قبل لقاء الله.
6ـ ويقول جل وعلا:
((وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ*)).سورة القيامة آية رقم:(2) .
فالنفس هي التي تُعيد النَّظَر في سلوكياتها.
7ـ ويقول سبحانه:
((وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ*)).سورة التكوير آية رقم:(7) .
أي عادت النفوس للأجساد البالية عند البعث، بعد إعادة تشكيل هياكلها الجسدية ثم إحيائها بالنَّفس.
وهكذا نرى من الآيات السابقات أن النَّفس هي التي تموت، وهي التي تُبعث، وهي التي تُزوج بأجسادها يوم القيامة، وهي التي يناديها الله، وهي التي ترجع إلى الله...وهكذا.
والله خَلَقَنا من نفس واحدة، فقال:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا*)).سورة النساء آية رقم:(1) .
والله ألهم كل نفس طريق الفجور وطريق التقوى، فقال سبحانه:
((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*)).سورة الشمس آية رقم:(7-Cool .
والنَّفْس هي التي تجعلك تتحرك الحركات الإرادية، وبغيرها تكون بلا تَعَقُّل، وإذا مات ابن آدم انسلخت منه نفسه وليست روحه، وذلك من قوله تعالى:
((اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ*)).سورة الزمر آية رقم:(42) .
ولكي يرى كل منا عمله، وتتم محاسبته، وليدرك موقفه، فإنه حين تقوم القيامة، يعيد الله له نفسه إلى جسده، حتى تعمل أجهزة الجسم وأعضاؤه، ويَحُس الإنسان ويُدْرِك، وفي ذلك يقول الله تعالى:
((وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ*)). سورة التكوير آية رقم:(7) .
أي يتم تزويج النفوس بأجسادها مرة أخرى عند البعث.
من إجمالي البيان السابق نرى أن نفسك التي بين جنبيك تحتاج منك العناية، كي تنقذها وجسدك من عذاب أليم يوم القيامة، وتستودعها نعيمًا عظيمًا وأبديًا، ولا شأن للروح بالأمر، لذلك يقول تعالى:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*)).سورة المائدة آية رقم:(105) .
أما الروح فهي الفطرة الأصلية التي فطر الله الناس عليها (خوف، فرح، معرفة فطرية للأشياء وأوصافها الأساسية)، وهي حركة الجسد غير الإرادية كالتنفس وحركة القلب، فأنت تنام ونفسك عند الله، بينما جميع أجهزتك وأعضائك الحيوية تعمل، فتلكم هي فطرة الله في جسدك، وتلك الفطرة العلمية والعملية الأساسية تُسمى الروح. والروح هي التي سببت سجود الملائكة لآدم –عليه الصلاة والسلام-، وهي من أمر الله، أي من عالم الأمر(كن فيكون)، ولا نكاد نفقه من كنهها إلا قليلا، لكن الانتباه، والاختيار، والوفاة، كل ذلك من خصائص النَّفْس.
والروح بالنسبة للإنسان كالطاقة الكهربائية بالنسبة للأجهزة الكهربائية، فهي تسري فيك لتكون جاهزا، لكنها لا تُحكم إلا من خلال مفتاح وهو النَّفس التي تجعل للإرادة كيانًا في تصرفات العبد، فيمكن للعبد أن يقطع تيار الحياة بإرادته (بنفسه) بالانتحار، يعني ذلك أن النفس لها سيطرة على الروح والجسد، وجعل الله قانون ذلك في كتاب، فيمكنك صيانة نفسك وجسدك وروحك، ويمكنك أيضا تبديد الجميع، وتلكم هي حرية الاختيار التي منحها الله لك.
بينما الروح التي يعتقد بها الناس، والتي يقول عنها ربنا سبحانه وتعالى:
1ـ ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً*)).سورة الإسراء آية رقم:(85) .
فهي كما ذكرنا القوى المحركة لا إراديا للجسد، أما قوله سبحانه: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) فهي تعني علمنا كُلَّه، سواء أكان عن الروح أو عن غيرها، فعلمنا جميعا في عمومه قليل، وليس الأمر أن الله يطرح غموضا عن الروح بذاتها.
ولكلمة الروح معان أخرى، حيث يقول المولى عز وجل:
2ـ ((نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ *)).سورة الشعراء آية رقم:(193-195) .
فالروح هنا جبريل.
3 ـ ويقول تعالى: ((يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا *)).سورة النبأ آية رقم:(3Cool .
فيعني ذلك أن الرُّوح ستكون أحد الشهود على العبد يوم القيامة.
4ـ ويقول جل وعلا: (( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *)).سورة المجادلة آية رقم:(22)
أي أن التأييد بالروح يكون للعباد المؤمنين دون الآخرين.
ولقد قمنا بالاحتفاء باليوم الأربعين لوفاة موتانا، ظنا منا أن الأرواح تنزل إلى أفنية قبورها في ذلك اليوم، وتزيَّدَ آخرون، فتصوروا الأرواح تنزل كل يوم خميس وليلة الجمعة، وبالأعياد، على أفنية قبورها، لذلك فهم يشُدُّون الرِّحال لزيارة القبور في تلك الأزمان والأوقات، وما ذلك إلا لتغليبهم لدور الروح على دور النفس في الكيان البشري، وهو عكس الحقيقة الواردة بكتاب الله عن النفس والروح.
مرحلة خروج النفس من الجسد:
بعد أن علمنا بأن النفس هي التي تخرج من الجسد وينتج عن ذلك الموت للجسد، والوفاة للنفس، لكن يبقى سؤال: هل تخرج نفس الكافر وتغادر الدنيا كما تخرج نفس المؤمن؟، لا شك أن من عاش لدنياه بلا دين غير كمن عاش بدينه لحسن دنياه، فمن كان يعيش بالدين وللدين ويذكر الله كثيرا فإنه يكون من المبشرين المطمئنين، فتخرج نفسه وتغادر الرداء الطيني (الجسد) بسهولة وطمأنينة، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:
((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً*فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي*)). سورة الفجر آية رقم:(27-30) .
فتخرج روحه سهلة وفي ذلك يقول تعالى:
أما الكافر الذي لم يؤمن بالله وكتبه ورسله، فإنه يفزع ويصيح حين تحضره الوفاة، حيث يقول تعالى:
((حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ*لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*)). سورة المؤمنون آية رقم:(99-100).
وذلك لأنه لم يكن يطمئن إلا للدنيا وعناصرها، وتكون ساعة الاحتضار هي أول مراتب تذكره ما كان يقال له، ويشعر حينها بمذاق الموت، كما فعل فرعون، لكن هيهات له أن يعود، فالفرصة تكون لمرة واحدة، فذاك قوله تعالى: (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا).
وفي شأن وفاة المؤمن والكافر وإخراج الملائكة للنفس من الجسد يقول تعالى:
((وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا *)) .سورة النازعات آية رقم:(1-2) .
ثم يُبعثون وهم يعلمون إن كانت نُشطت نفوسهم أو نُزعت منهم، فالكافر يقول:
((قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ *)).سورة يس آية رقم:(52) .
والكافر يعرف أيضا بسوء مصيره حين يموت من الملائكة، لكنه لا يُعذب ولا يعرف تفاصيل مقعده من النار كما يزعم بذلك من زعم، وذلك من قوله تعالى:
((... وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ *)) .سورة الأنعام آية رقم:(93) . : ٩٣؛
فلذلك فهو ينادي يوم البعث ويقول: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، لأنه علم يقينا بأن القيامة العامة هي يوم الجزاء.
ثانيا: تشييع الجنازة:
لماذا قام رسول الله للجنازة؟، وهل تُكَلِّم الجنازة المُشيعين وتقول لهم (يا ويلها أين تذهبون بها)، وقولهم عن الجنازة التي تكون لأحد الصالحين فإنها تقول ـ وفق زعمهم ـ (أسرعوا بي، أسرعوا بي، والله لو علمتم ما أمامي لأسرعتم)، وجعلوا كل ذلك أحاديث ينسبونها لسيدنا النبي محمد – عليه الصلاة والسلام -.
وأسهبوا في غُسل وتكفين الميت واعتبروهما من السُّنة، وأعجب كل العجب، لكون الدَّفن والكَفَن فيه سُنَّة، وفيه فرض، وفيه واجب، وأرى كل ذلك من تعقيدات الفقهاء، ورفاهية فكرية في غير ما سبب، لكني لا أعني إلغاء التكفين والغُسل، لكن كنت أود أن يكون ذكر الأمر باقتصاد ملائم للموضوع.
وقالوا بضرورة أن تكون جُثث النساء في جانب، وجثث الرجال في الجانب الآخر، أَفَتُرى ذلك لأن الجنس موجود بالقبر في منطقهم، أم أنه نوع من الحجاب بعد الموت؟، ولست بصدد دعوة لدمج الجثث، لكني أعني أن ذلك قد يكون ثقافة تفضيل وليس علم تأصيل، ولا حرمة فيه ولا تحليل، وقد لا يكون علم بالأصل.
فطُرُق غُسل الميت وتنوع الأكفان، وإفراد أبواب بالفقه للجنائز، مع الإسهاب المُسِف في ذلك، لا يقدم في مصيره ولا يؤخر مهما فعل الورثة، فلا أرى للتعاليم الفقهية أية قيمة في ذلك الشأن، إلا في أضيق الحدود، فالناس يموتون منذ آلاف السنين قبل رسالة سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام - ، ويتم تغسيلهم وتكفينهم دون شروط واجبة ولا مستحبة، ولا تكلُّف في ذلك الأمر إلا عند الذين تصوروا ذلك علمًا وتقوى، بينما هم في رفاهية القشور الثقافية.
وقيام رسول الله – عليه الصلاة والسلام - للجنازة إنما هو قيام إجلال لقدر الله بالموت، حين معاينة رحلة النَّفس إلى مستقرها، ورحلة الجسد إلى مستقره يراه يقينا، ويراه مُنَفَّذًا، لذلك فهو يقوم وكله خشوع مناسب للمقام، لذلك فقد قام – عليه الصلاة والسلام - لجنازة يهودي...كما يروي ذلك من رواه.
لكن الجنازة لا تُكَلِّم أحدًا، وليست منوطة بالكلام أصلا، وإذا كانت تتكلم فلا يسمعها أحد، فليس ذلك إلا زراعة الوهم الذي لا فائدة منه، وهو الذي أنشأه فقهاء تزوير الأحاديث، حتى نكون جميعا مرضى بالوهم والعته، وقمنا نحن بتوريث الأجيال ذلك البََلََه على أنه أحاديث نبوية، حتى لا ينفك الناس عنه.
ثالثا: القبـر وعـذابه المزعوم:
سبق لي الكتابة عن ذلك الأمر في كتابنا: (كنوز ورحمات من القرءان)، تحت عنوان المسلم والأوهام، فيمكن الرجوع إليه، لكني سأثير الجدل العقلي والفقهي حوله في الطرح الماثل:
لقد اكتسب الكثير من الدُّعاة شُهرة بلا حق، إلا من جهل كثير من الناس، وذلك بعد أن سحقوا أهداف القرءان وآياته بتأويلاتهم عن وجود عذاب بالقبر، وجمعوا أموالا طائلة من مؤلفات لهم عن ذلك العذاب المسرحي المزعوم، وكثرت مؤلفاتهم باتجاه وجود عذاب للقبر، وانعدمت تقريبا مؤلفاتهم عن نعيم القبر، وساعد على نشر تلك الفكرة النَّكِدَة جهل المسلمين بدينهم وفقدانهم تدبر القرءان، وانعدام التفكر في دين الله، واعتماد الناس على بعض من فئة المحتكرين المسماة بالمتخصصين، مع وجود زيف بالتراث أفقد الناس اتزانهم الفكري، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم الطعن على دين كل من ينبس ببنت شفة يقول بعدم وجود عذاب قبر، وأقام سدنة العذاب على الإنترنت الأعاجيب، فقاموا بتصوير أرض يتصاعد منها دخان، فقالوا إنه عذاب القبر، ورصدوا له الموسيقى التصويرية والتعوذ الذي يصاحبه صدى صوت لزوم الرعب والإجلال.
ومن منبري هذا، أدعو لعدة مناظرات تليفزيونية علنية عامة على الهواء مباشرة لمواجهة أساطين عذاب القبر من المتخصصين، وذلك من خلال مرجعية القرءان والسُّنة، لأُخَلِّص المسلمين من تلك الخُرافة المستنبطة بعقول خرجت عن سوية القرءان إلى بحبوحة روايات دسَّها الشيطان، وأدعو الإعلاميين بالمعاونة في الطرح الإعلامي لتلك المناظرات التي أرجو أن تُخصص لها عدَّة حلقات لتبيان حقيقة التدين والاعتقاد في ذلك الأمر، وذلك عين مهمة الإعلام لتنوير الناس حتى يفيقوا من مُخدِّر الإفك الممنهج.
ولست أدري كيف استساغوا وجود عذاب قبل الحساب؟، وما فائدة وزن الأعمال يوم القيامة؟، والله يقول:
((وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ *)) .سورة الأنبياء آية رقم:(47) .
بما يعني أن العدل يكون حينها.
ولماذا ستجادل كل نفس عن نفسها يوم القيامة
((يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ *)) . سورة النحل آية رقم:(111) .
أيكون بعد العذاب جدال، وهل يكون البعث فاصلاً بين عذابين؟، أهي كما يقول مذيع التلفاز (فاصل ونواصل)!!.
وما فائدة الشهود على العبد طالما تم تنفيذ العذاب مسبقا؟، ولماذا هان أمر عذاب القبر على الله فلم يُصَرِّح به فيما صرَّح؟، وهل تركه لجماعة الفقهاء فقط ليستنبطوه؟، ولماذا سُمِّيَ يوم القيامة بيوم الحساب طالما هناك عذاب قبل الحساب؟.
وماذا بشأن الصدقة الجارية؟، ألن تزيد في حسنات صاحبها بعد موته ويجري أجرها له؟، وماذا بشأن البدع وأصحابها؟، وفتنة الناس لتشخيص الله، ألن يزيد كثرة العمل بها أصحابها بعد موتهم آثاما فوق الآثام؟، فهل سيتعذبون دون أن يُستكمل حصر أعمالهم؟.
ولماذا يستثقل أصحابها أمر البعث ويقولون إنهم كانوا في حالة رُقاد؟. ((قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ *)). سورة يس آية رقمSad 52) .
إن فترة الرقاد تعني فترة غياب عن الوعي والإدراك، فهم حين يقولون بأنهم قاموا من مرقدهم فقد قاموا من سُبات لا إدراك فيه.
وآخرون يُقسمون بأن فترة القبر مرَّت عليهم، وكأنها ساعة واحدةSad( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ *)) . سورة الروم آية رقم:(55) .
أَمرَّت عليهم سنوات عذاب القبر ودهوره وكأنها ساعة واحدة؟، أم أنهم كانوا بحالة رُقاد وسُبات لا يدركون؟.
وحين تسأل الملائكة بني الإنس عـن مـُدَّة مكوثهم في الأرض فإنهم يُقَدِّرونها بيوم أو بعض يوم، وما ذلك إلا لتوقف مرور الزمن بعد الموت، وسرعته قبلها، وفي ذلك يقول تعالى:
((قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ* قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ*قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ***)). سورة المؤمنون آية رقم:(112-114).
فهل تمر سنوات العذاب سريعة على المعذبين ولا يستثقلونها؟.
وكل ذلك الزيف الذي حشوا به أدمغتنا يدحضه الله الذي لا يعاقب الناس إلا يوم القيامة، بل يؤخرهم عمدًا لذلك اليوم، وفي ذلك يقول ربنا:
((وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ*)) . سورة إبراهيم آية رقم:(42) .
فكلهم تم تأخيرهم ليوم واحد بعينه، هو يوم القيامة، وليس يوما قبله.
ولماذا يتمنى الكافر أن يكون تُرابا؟، ءَإذا ما كان يُعَذَّب في قبره أفيتمنى أن يعود مرة أخرى إلى التراب؟، أم أن أصحاب فكرة عذاب القبر سيقولون مرَّة انه عذاب بتراب القبر؟، ومرَّة أخرى يقولون بأنه عذاب بالبرزخ، ومرَّة يقولون بأنه عذاب يقع على الجسد، وآخرون منهم يقولون بأنه يقع على النَّفْس والجسد معا، وصنف ثالث يقول بأن العذاب يقع على النَّفْس فقط، ومع ذلك يتمنى الكافر أن يعود إلى التراب، بل ويكون تُرابًا:
((إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا*)). سورة النبأ آية رقم:(40) .
فيا تُرى هل بعد أن يعلم الكافر حقيقة سوء عمله يتمنى أن يعود إلى عذاب التراب، أم إلى سُبات التُراب، بل هو يريد أن ينقلب ليكون تُرابا!!، وما ذلك إلا لأنه لم يُعاين بالتراب أي عذاب.
ولماذا يتعجب من تَسَلَّمَ كتابه بيمينه من أنه نجا من عذاب الله؟، ألم يكن ينعم في قبره كما يزعمون؟، ولماذا يولول من تَسَلَّمَ كتابه بشماله ويقول بأنه لم يَدْرِ حسابه إلا يوم القيامة؟، هل عجزنا عن إدراك التناقض بين النص وبين ما نعتقد؟، ..(سيأتي تفصيل ذلك لاحقا).
ولماذا يُبَدِّل الله جلود الناس في جهنم ليذوقوا العذاب بينما لا يُبدلها في القبر؟، هـل عذاب القبر يكون بغير طريق الجلد، أما عذاب جهنم فيكون عن طريق الجلد!!، كل ذلك ستتم الإجابة عليه بالدليل من الكتاب والسُّنة الصحيحة، والعقل القويم، لأنه لا إحساس ولا عذاب ولا حساب بالقبور، اللهم إلا مجرد أوهام مزيفة على دين الله، ولا علم لمن يقولون بذلك إلا علم ترديد مغلوط التراث الذي حسبوه دينا، وما هو من الدين في شيء ولا بصيص له من علم.
رابعا:المـوتى والسمع:
ومن بين ما ابتلينا به على أيدي أدعياء السُّنة ومجانين الزيف على النبي، موضوع تصور سماع الموتى للسلام عليهم، وهناك من طوروا الموضوع، فجعلوه مناجاة للموتى، بينما يقول القرءان غير هذا، لذلك سأسرد الآيات لقوم يعقلون فقط، وذلك فيما يلي:
قوله تعالى:
((وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ*)) . سورة فاطر آية رقم:(22) .
والسمع وعدم السمع غير الصمم، فعدم السمع يعني تعطل إدراك الأصوات رغم سلامة أجهزة السمع ووجودها.
وقوله جل شأنه:
((إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ*)) . النمل آية رقم:(80) .
لكن أئمة عذاب القبر يُحددون معنى تلك الآيات أنها عن الكافرين فقط، وهو الأمر المردود عليه بأن التشبيه في البلاغة أن يُضرب المثل بشيء صادق وواضح، لموضع يشبهه ولكن أقل منه وضوحا، فالمُشبه به يكون أقوى من المشبه، فإذا ضرب الله مثلا عن الكافرين بأنهم لا يسمعون كلام الرسول، فإن المثل لابد أن يكون صادقا، والمعنى أن الكفار مثل الموتى فالصنفان لا يسمعان، ويعني ذلك أن سمع الموتى أكثر استحالة.
فهل بعد ذلك نجد من يتوهمون أن الموتى يسمعون قرع النعال والسلام، وينسبون ذلك للنبي، إني أراهم يُكَذِّبون بآيات كتاب الله لذمة الضلال والإفك، فمن العجب أن يعمل السمع دون باقي أعضاء الميت.
بل لقد جعلوا من أهل الإسلام بعضا من المجاذيب الذين يناجون من بالقبور، فلماذا لا تسألون أنفسكم عن إدراك الميتين أهو موجود في السمع فقط؟، أم هو بالبصر أيضا!، وهل هو إدراك للسلام دون باقي الكلام؟، وما فائدته لهم؟، إني أرى ذلك النهج من بقايا الوثنية التي كانت تُلبس الموتى أحلى الحلل، وتضع بجوارهم الحُلِيّ والطعام انتظارا لقيامهم من موتهم مرة أخرى بذات المكان، فما هو إلا محاولة تعظيم لدور وقيمة الجسد حتى بعد الوفاة.
إن الله يجعل برزخا (حائلاً) بين الأحياء والأموات، فلا يسمع هذا عن ذاك، ولا يشعر الأموات بالأحياء، وهو ما سنُبينه بتلك الدّراسة تحت عنوان (الموتى ـ الزمن ـ الشعور) صفحة59 من الكتاب، والله تعالى يقول:
((لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*)) . المؤمنون آية رقم:(100) .
فالذين يُسلِّمون على الموتى بزعم أن الأموات يردون السلام أو يعرفون الزائرين لهم، فهؤلاء في وهم، ولماذا لا يعمل بصر الموتى أيضا؟، بل يمثل ذلك الاعتقاد نوعا من الوثنية في بعض الأحوال.
خامسا: ينقطع الجزاء بالموت إلا من ثلاث:
وإننا نقرأ قول المولى عز وجل:
((مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ*)) . سورة فاطر آية رقم:(10) .
فذلك يعني أن الكلام الطيب يرتفع إلى الله فورا، لكن العمل الصالح يُرفع تدريجيا وبصفة مستمرة كلما أفاد الناس.
فمن أقام مسجدا، ومن أقام ملجأ للأيتام، ومن تبرع لفقير بصدقة، ومن ربَّى أولاده فأحسن تربيتهم، ومن ترك علما يُنتفع به، كل أولئك وغيرهم ممن تمنهجوا بالعمل الصالح، تصعد حسنات أعمالهم حين يقومون بها، وكلما استفاد الناس والمجتمع منها، وهو عمل يجري ثوابه حتى بعد موت صاحبه، فإن كان الميت قد قصَّر به عمله فإنه يجد ثواب صدقته الجارية يُدركه، أو علمه الذي ينتفع الناس به، يخرجه من دائرة المقصرين إلى دائرة الذين أنعم الله عليهم وهكذا، لذلك فالعمل الصالح يرتفع أثره رويدا رويدا كلما أفاد الناس.
وفي شأن توالي الحسنات، واستمرار مضاعفة الثواب، يقول الله تعالى:
((إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ*)) . سورة الحديد آية رقم:(1Cool .
ورسول الله – عليه الصلاة والسلام - يقول فيما رواه مسلم بكتاب الوصية حديث رقم: (1631):[ إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له]، بما يعني أن الأجر يحتسب لصاحب العمل الصالح بعد موته، فكيف يُعذب بقبره ولازالت أعماله تُثْمِر، ولها فوائد للناس، وعلى أي أساس وبأي مقدار سيتنعم؟، وماذا سنفعل في حسنات صدقته الجارية أو علمه الذي ينتفع به الناس أو ولده الصالح الذي رباه فأحسن تربيته فهو يدعو له؟!.
وأصحاب البدع الذين فتنوا الناس، ومن سَنُّوا سُنَنًا سيئة عمل الناس بها، فأضرَّت العباد والبلاد، أولئك تُضاعف لهم الذُّنُوب كلما عمل الناس ببدعهم، فكيف سيتم عقابهم وما زالت شرورهم مستفحلة في الدنيا رغم موتهم؟، والله ـ تعالى ـ يقول:
((لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ*)) .سورة النحل آية رقم:(25) .
فانظر ـ رحمك الله ـ لتعبير (أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً)، إنه يعني أن الذنوب لا تكتمل إلا يوم القيامة، فهل سيتعذبون بالقبر على أشياء دون أخرى؟، وماذا يظن سدنة عذاب القبر قبل اكتمال الحساب؟، ألا يزالون مصرين على وجود العذاب المزعوم بالقبر؟.
ونعيم القبر المزعوم يجب أن يكون بقدر، فهل يكون نعيم القبر بلا حساب؟، هل يتساوى الجميع في النعيم؟، وسأضرب المثل برسول الله – عليه الصلاة والسلام - ، فإننا إن أحصينا عدد المسلمين الذين توفي عنهم رسول الله، لكان ذلك العدد هو حظّه من الثواب الذي ستتم مكافأته عليه، لكن علينا إحصاء عدد المسلمين حتى قيام الساعة لأنهم ثمرة جهده وكفاحه، فلا شك أن جزاءه سيكون أعظم، وذلكم صعود العمل الصالح رويدا رويدا.
سادسا: سـؤال الملـكين:
وسؤال الملكين الذي تأوَّل به المُفَسِّرُون قوله تعالى:
((يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء *)) . سورة إبراهيم آية رقم:(27) .
فتصوروا أنه سؤال الملكين بالقبر، فقاموا بإنشاء ازدواج في السؤال، سؤال بالقبر، وسؤال يوم القيامة، ولست أدري ما فائدة سؤال ينتهي إلى عذاب مُحَتَّم أو إلى نعيم مُحَتَّم بالقبر، وفق تصوُّر أصحاب الأوهام والعذاب؟.
إن سيدنا حزقيال لم يُسأل في قبره وقد مات مائة سنة ثم بعثه الله ليكون للناس آية، فهل هو آية منقوصة؟، إن عدم سؤاله في قبره يضع الروايات الخاصة بوجود زمن وسؤال وجواب في القبر بمأزق شديد،(راجع تخريج ذلك الحديث بنهايات الكتاب ص[135و136].
وهل تصور أصحاب مفهوم السؤال بالقبر أن إجابة الميت الذي فقد الحياة ستُغَيِّر من عمله الأسود أو الأبيض شيئا!!، هل يُمكن للفاسق أن يجيب إجابة صحيحة؟، وهل إذا أجاب إجابة صحيحة فسيتغير مصيره؟، وإذا لم يتغير مصيره فماذا يفيد السؤال؟، وهل تلك الروايات المبتدعة هي التي تُحَفِّز الناس للإيمان بالله!؟.
أعتقد أن مسرحية الأسئلة الثلاثة (من ربك ؟ ما دينك ؟ من الرجل المبعوث فيكم؟) كانت تنطلي على أبناء الأمس لكنها لا تفي بقناعة عقول أهل اليوم، وأن الأحاديث المنسوجة بشريا ومنسوبة زورًا للنبي في هذا الأمر ليست إلا تزويرًا سيحاسب أصحابه بجريمة الكذب على الله ورسوله – عليه الصلاة والسلام - ، ولابد أن الأمر عُرض على البخاري ومسلم فلم يجيزاه.
وعبارة حساب الملكين المشهورة على ألسنة الناس لا وجود لها في أرض الواقع، وما إشاعة الملكين وحسابهم ـ وفق قصصهم ـ إلا مجرد سؤال تقريري ليقرر كل ميت، [ ربَّهُ ـ ودينه ـ ونبيه]، فأين الحساب في هذا، لكن دُعاة عذاب القبر تمكنوا من إنشاء دين موازٍ لدين الله ينبثق من فقههم عن الدار الآخرة، وولعهم المسمى بعذاب القبر، وأصبح منهاجهم هو (التدين الشعبي)، فاستفحلت حكاية حساب الملكين التي لا سند لها من الواقع أو الشرع، وهو ما سيتم تبيانه.
وتبعا لخرافة السؤال بالقبر، فقد كان من الطبيعي أن ينشأ فقه التلقين للميت، وأبدع في التلقين أُناس كُلٌّ يستعرض بضاعته المنبثقة من تقوى مزيفة لا تستند إلى علم صحيح ولا فكر قويم، وآخرون يستجلبون بالتلقين أموال المكلومين من أقارب الموتى، وما التلقين إلا محض خيال من أشخاص أراهم من المرضى نفسيا، وهم في أشد الحاجة لعلاج نفسي عاجل، ولقد فتنوا الناس، وأضلوا الأمة، وهم يقومون بإسماع الميت أمورًا مضحكة، ويزعمون بأنه يسمع ويعي.
ولم يكتف أولئك المضرورون عصبيا وفكريا بذلك، بل تراهم يحملون الناس على الجلوس عند القبر بعد تمام الدفن، بزعم أن الميت يأتنس بهم ، أو قل حتى تأتنس بهم الجثة، ويقولون إن سبب ذلك الائتناس تخفيف هول سؤال الملكين للميت، ويزعمون تلك الحالة المرضية أنها حديث قولي لرسول الله – عليه الصلاة والسلام - ، بل حددوا وقتًا للمكث، وهو قدر ما تُذبح الجزور (الجمل الصغير) ويوزع لحمها.
ثم حين ينصرفون يزعمون بسماع الميت لقرع نعالهم، أرأيت الإخراج المسرحي النابع من أمراض نفسية وبدع أُلصقت بالدين وما هي منه في شيء!؟.
وبالمناسبة أذكر حديثا ينسبونه للنبي حين كانت وفاة إبراهيم نجل الرسول، حيث مات طفلا رضيعا فأورد ابن حجر بكتاب الجنائز بالحديث رقم: ( 1316 ) قوله: لما توفي إبراهيم زاد الإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة بسنده، عن رسول الله – عليه الصلاة والسلام - وله أيضا من طريق معاذ، عن شعبة بسنده عن النبي – عليه الصلاة والسلام - حين توفي ابنه إبراهيم قوله: [إن له مُرضعًا في الجنة]، فهل يتصور أحد العقلاء أن الطفل الذي مات ولم يستكمل الرضاعة سيُعَيِّن الله له مرضعة بالجنة لاستكمال نموه؟، فما بال من مات وهو مشلول هل سيُعَيِّن الله له طبيبا بالجنة يداويه؟، وهل لذلك نجد من تصيح على ميت لها تقول: [ يا للي مُتْ ونِفْسَكْ في القرع يا حبيبي] عسى أن يعطيه الله قرعًا في الجنة.
ومسألة الاعتماد على الحديث النبوي في الإيمانيات، عارضها كثير من العلماء نظرا لظنية ثبوت الحديث النبوي مهما كانت درجة صحته (سبق بيانه بالفصل الأول)، ومع ذلك فقد استغل أصحاب الدسائس حُبنا لرسول الله، فجعلونا نستقي ديننا من الأحاديث وتوارى الاعتماد على تدبر القرءان رغم تيسير الله قراءته، وفرضية تدبره.
إن تثبيت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا يكون حال حياتهم، ويكون التثبيت بالقرءان، وليس بكتاب آخر سواه، وبالإيمان بلا إله إلا الله في الحياة الدنيا، وعناصر الإيمانيات بالحياة وردت بالكتاب والسُّنة على سبيل الحصر فلا يمكن إضافة ترهات إليها، ولا وجود لأسئلة الوهم المكذوبة التي ترويها أساطير الأولين، فالذين تصوروا التثبيت سؤالا موهوما بالقبر عليهم إعادة مراجعة كتاب الله دون أن يتأثروا بمروياتهم التي يظنونها أحاديث نبوية، فليس بالقبر سؤال ولا جواب، فضلا أن القبر من منازل الآخرة وليس من الحياة.(ورد تفنيد ذلك بالفصل الثاني ص 43 وسيرد بالفصل الثالث تحت عنوان تفنيد حُجج أنصار فكرة العذاب بالقبر ببند حججهم من القرءان تحت رقم: (5) صـ(82) وما بعدها).
سابعا: البعث وتسليم الكُتُب....
وسنتناول الأمر على وجهين:ـ
الوجه الأول: البعث:
من بين ما كشفه القرءان من زيف عذاب القبر المزعوم، ما يؤكد عدم مرحلية القبر، وفي ذلك يقول ـ تعالى ـ عن البعث:
1 ـ ((قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ*)) . سورة السجدة آية رقم:(11) .
2 ـ ويقول تعالى:
((وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ*وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ*)).سورة [ ق ] آية رقم:(19-20).
أي من الموت إلى البعث فورا بلا مرحلية.
3 ـ وقوله تعالى:
((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*)) . سورة النحل آية رقم:(32) .
فها هي الآية الثالثة تُـقرر أنه من الوفاة إلى دار السلام مباشرة، فمن يمت تقم عليه وعلى كل الخلائق القيامة العامة فورًا دون إبطاء، ودون فترة يمكث فيها بالقبر، وهو ما سيرد تفصيله تحت عنوان [الموتى. الزمن. الشعور]، فيمكن الرجوع إليه (راجع ص 59 ).
ومن دلائل عدم وجود عذاب بالقبر أنه حين البعث يحلف الكفار ويقسمون لله للدفاع عن موقفهم، أيتم ذلك القَسَم لأُناس تعذبوا أم لمن لم يعاينوا أي عذاب؟، وفي ذلك يقول سبحانه:
((يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ*)) . سورة المجادلة آية رقم:(1Cool .
ومن أدلة عدم وجود عذاب بالقبر، ما قصَّهُ الله علينا من نبأ الكافرين، حيث كانوا يُكذِّبون بالبعث وبوجود حياة أخرى بعد الموت، فلو كان النبي حدَّثَهُم عن وجود عذاب بالقبور لأنكروه أيضا، حيث يقول تعالى:
((إِنَّ هَؤُلَاء لَيَقُولُونَ*إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ*)) . سورة الدخان آية رقم:(34-35) .
وماذا يظن أصحاب فكرة عذاب القبر في البعث؟، هل هو فترة راحة بين عذاب القبر وعذاب الآخرة؟، وهل من مات منذ عشرة آلاف سنة سابقة على القيامة، أسوأ حظا ممن مات قبل القيامة بيوم أو حتى يومها؟، أيكون في ذلك أي نوع من العدالة؟، بل لقد اكتشف في عام 2009 هيكل عظمي لإنسان كان يمشي على الأرض قبل أربعة ملايين وأربعمائة ألف سنة وأسماه العلماء آردي، وكانوا قد اكتشفوا قبلها في عام 1974 هيكلا عظميا أسموه لوسي، عمره ثلاثة ملايين ونصف مليون عام، فهل كان آردي ولوسي يتعذبان منذ ملايين السنين؟، أطرق هذا المثال الحقيقي للهياكل البشرية حتى يفيق المسلمون من النظريات الفكرية السطحية التي برعوا فيها.
الوجه الثاني: تسليم الكُتُب لأصحابها:
ومن بين الضربات القاصمة التي يوجهها القرءان لأصحاب فكرة عذاب القبر مسألة تسليم الكتب، حيث يشرح القرءان ويؤكد عدم سبق البعث بأي عذاب ولا نعيم بالقبر، ولا رؤية مقعد من الجنة ولا من النار.
وتدبر في ذلك قول ربنا، وابحث عن سر الفرحة العارمة التي تصيب الذي تَسَلَّمَ كتابه بيمينه، حيث كان يتصور أن الله مُعَذِّبَهُ، لكنه نجا بكثرة ما وجد بصحائفه من ثواب، لذلك فهو يقول:
((فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ*إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ*فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ*فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*)) . سورة الحاقة آية رقم:(19-22) .
وفرحته العارمة بعد المفاجأة، تدل على أنه لم يتنعم في قبره، ولم يسبق أن رأى مقعده من الجنة ولا من النار، أم تَرى لها تفسيرا آخر عند المضرورين نفسيا وعقليا؟،...نسأل الله لهم الشفاء.
ومن أوتي كتابه بشماله يُصرِّح حين تَسَلَّمَ كتابه بأنه لم يَدْرِ حسابه إلا يوم القيامة، وفي ذلك يقول تعالى:
((وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ*وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ*يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ*)) . سورة الحاقة آية رقم:(25-27) .
إن مقاله يؤكد أنه لم يتعذب بقبره، ولم يعلم حسابه إلا يوم القيامة، ولم يسبق له أن رأى مقعده من النار بالقبر كما يزعمون، أم ترى الفوضى الفكرية يكون لها تفسير آخر وتختلس الطرق لتقويض صريح معاني القرءان واستبدالها عن طريق تأويلات بشرية لآيات ظنية الدلالة للوصول إلى معتقداتهم الشاذة.
وأصحاب الأعراف الذين قال عنهم أصحاب التفاسير إنهم الذين تساوت حسناتهم مع سيئاتهم، تُرى أيعذبهم الله في القبور أم ينعم عليهم؟، أما آن لنا أن ننظر للأمور بشمولية وموضوعية؟.
وبعد ذلك تكون مرحلة المجادلة، فكلٌّ يُجادل دفاعًا عن نفسه، عسى أن يخرج إلى دائرة الأمان، وفي ذلك يقول جل وعلا:
((يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ*)) . سورة النحل آية رقم:(111) .
فإذا كان قد رأى مقعده من النار كما يقول أصحاب مسرحية عذاب القبر ففيم يكون الجدال؟!.
ومن البدهي أن يفزع أُناس لكون كل ما نقضته من فكرة تكلم الجنازة، وعذاب القبر، وغير ذلك من أعمال الدار الآخرة مذكورًا بكتاب صحيح البخاري وغيره من الصحاح على أنه أحاديث صحيحة لرسول الله، فكيف يتم تكذيب كتب الصحاح ونعتمد كتاب محام يشتغل بالقانون وليس له دراية المُحَدِّثين وعلم فقهاء الموت والعذاب؟.
والإجابة عن ذلك التعجب يسيرة، إذ كيف جعل الله من البدو رعاة الأغنام والأجلاف صحابة وفقهاء؟، وهل توقفت رحمته في الهداية عند الصحابة والأئمة الأعلام؟، وأين المتعجب من قوله تعالى بسورة البقرة:
((وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ*)) . سورة البقرة آية رقم : (282) .
بما يعني أنك كلما اتقيت الله هداك.
((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ*)) . سورة يونس آية رقم : (9) .
فأين المعاهد الدينية وكُتبها الأكاديمية من الهداية؟، إن الإيمان والتقوى هما أساس الهداية، وما المعاهد الدينية إلا عوامل مساعدة لمن أراد الهداية، وهذا هو سر هداية الصحابة ومن بعدهم ممن ساروا على نهج نبيهم، أعني بذلك أن الإخلاص في عبادة الله عمليا إنما هو أساس الهداية لمن أرادها، سواء أكان متخصصًا أم لا، وسواء أكان يعرف القراءة والكتابة أم لا، وإلا فماذا يصنع المغول وغيرهم من المسلمين من غير العرب، وهم أضعاف عدد العرب المسلمين، أليسوا بمهتدين؟!، أرى أن علينا مراجعة الكثير من توجهاتنا لتنضبط وكتاب الله.
والهداية تكمن في كتاب الله الذي تَرَكَهُ الناس ورحلوا عنه إلى السُّنة النبوية الصحيحة والسقيمة، التي لم يتعهد الله بحفظها، فقالوا بأن فقهاء السُّنة حفظوها كأفضل ما يكون الحفظ، فهم في رياح تذهب بهم بعيدا عن كتاب الله حتى ضلوا السبيل، لأنهم تركوا كلمات الله إلى كلمات غير الله:
((تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ*)) . سورة الجاثية آية رقم : (6) .
وقوله تعالى:
((أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا*)) . سورة النساء آية رقم : (82) .
ثامنا: الـيوم ويومـئذ:
إن القرءان حين يورد كلمة ( اليوم ) أو كلمة ( يومئذ )، فإنما يعني في غالب الأمر يوم القيامة، ولم يعن أبدًا يوم الوفاة ولا يوم النزول إلى القبر، والله ـ تعالى ـ يؤكد أن أجور الناس موكولة إلى يوم القيامة وليس للقبر، وفي ذلك يقول سبحانه:
((كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ*)) . سورة آل عمران آية رقم : (185) .
فهل يُكذب أصحاب عذاب القبر معنى: (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، فهم يتصورون حدوث ذلك يوم الموت وليس يوم القيامة، وما يوم القيامة عندهم إلا مجرد استكمال لما بالقبر من نعيم أو عذاب، وأتعجب من عدم فهمهم لمعنى كلمة (وَإِنَّمَا)، إنها تفيد حصر الجزاء في يوم القيامة فقط.
إن الله يَسَّرَ القرءان للذاكرين، فلسنا بحاجة إلى فهَّامة من متخصصين، ولن نخاف تهديداتهم أننا سندخل جهنم إن لم نوقف تفكيرنا ونعتمد عليهم، إنهم يُقدِّمون لنا بضاعة البَلَه حتى نكون وذرارينا من البُلَهاء، وأرى أنه تم لهم ما أرادوا فعلا إلا من نفر منا قليل.
إن الله ـ تعالى ـ يقول:
((وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ *)) . سورة البقرة آية رقم : (281) .
أيختلف اليوم الذي توفى فيه كل نفس ما كسبت من شخص لآخر؟، فأنا اليوم، وأنت غدا، وهو بعد غد؟، بينما يقرر القرءان أنه يوم واحد، هو يوم القيامة (185 آل عمران)، أم أن زيف المُتسننين وجمودهم الفكري، يطغى علينا وعلى القرءان وآياته؟؛ أم تراهم فشلوا في تبديل كلمات القرءان، فاستبدلوه بزيف في السُّنة.
ويقول جل شأنه:
((يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ *)). سورة النورآية رقم : (24-25) .
فماذا يقول المُتسننون بلا سُنَّة في قوله تعالى وتحديده ليوم القيامة لمسألة شهادة أعضاء الظالم عليه، وتوفية الناس أُجُورهم فيه؟ (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) هل يحتاج الأمر لفهامة من المتخصصين أو من الملتحين؟.
وكيف سيتعذب الإنسان في قبره ولا يزال هناك تعليق للفصل بين الناس بعضهم البعض إلى يوم القيامة، فلربما تكون هناك للميت حقوق لم تُدرج له، وقد تكون عليه أوزار، ويؤكد القرءان أن ذلك الأمر يكون يوم القيامة وليس في يوم آخر، فيقول تعالى:
((اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ *)) . سورة الحج آية رقم : (69) .
أم أن مليونيرات عذاب القبر سينكرون استخدام العقل من أجل سواد أحاديث كُتِبَت بمداد الإفساد والإفك؟.
ويؤكد القرءان أن مصير الناس مؤجل إلى يوم القيامة، فيقول تعالى:
((لأيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ *)). سورة المرسلات آية رقم : (12-15) .
فهل مصير الناس مؤجل ليوم قبل القيامة عند أصحاب فكرة عذاب القبر ونعيمه؟، أم تراهم يكفرون بآيات كتاب الله لصالح موروثاتهم البشرية المزيفة!!، بينما الله الجليل يقول أيضا:
((وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ*)) . سورة ابراهيم آية رقم : (42) .
فما رأي سدنة عذاب القبر وأشياعهم في أن الله يؤخر الحساب إلى يوم القيامة تحديدا وليس يوما قبله كما يزعمون؟.
والناس سيختصم بعضهم البعض أمام الله يوم القيامة، فإذا تخيلنا عذاب القبر الموهوم أنه حقيقة واقعة، ففيم سيكون الاختصام أمام الله يوم القيامة؟، وفي ذلك يقول تعالى:
((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ*ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ*)). سورة الزمر آية رقم : (30-31) .
فالفصل بين الحق والباطل، وبين الصالحين في الجنة والظالمين في النار يكون يوم القيامة.
وقد عمرت سورة المرسلات بتكرار قوله تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ)؛ فالويل يكون فقط يوم القيامة، وهو المحدد بلفظ (يَوْمَئِذٍ).
ويقـول تعالى:
((يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ *)). سورة الزلزلة آية رقم : (6-Cool .
فرؤية وتحديد المصير يكون يوم القيامة، فذلك معنى كلمة (يَوْمَئِذٍ) في غالب أمر ورودها.
ويقول سبحانه: ((فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ *)) . سورة سبأ آية رقم : (42) .
فتذوق النار يكون بذلك اليوم، والتذوق أول أي أمر فيه إطعام أو تجرع، سواء أكان إراديا أم إرغاميا، ويوم الدين هو اليوم الموعود للناس جميعا، سواء أكانوا من فئة المنعمين أم من المعذبين، حيث يقول تعالى:
((يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ *)). سورة الذاريات آية رقم : (12-14) .
فلو كانوا سبق تعذيبهم ما قال لهم الله يوم القيامة:
(هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ).
ومن أدلة فساد قولهم على أن الميت يعرض عليه عمله بقبره وأنه يطَّلع على مقعده من الجنة أو النار، ما ذكرناه من تطاير الكتب وأثبتنا به عدم معرفة كل إنسان مصيره إلا بعد أن يلقى كتابه، لكن نضيف لهذه الأدلة العقلية أدلة من صريح آيات كتاب الله، حيث قرأت في كتاب الله أن العبد لا يعرف إحصاء ما عمله إلا بعد أن تُنشر الصحائف {الكتب} وذلك من قوله تعالى بسورة التكوير:
((وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ *)). سورة التكوير آية رقم : (10-14) .
ففي ذلك دليل دامغ على ترتيب الأحداث، وأن الموتى لا يعلمون حقيقة أمرهم إلا بعد أن يتسلموا الصحائف، وبعد حضور الجنة والنار.

.مستشار أحمد عبده ماهر...

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire