الوثيقة القادرية

الوثيقة القادرية
الوثيقة القادرية انحراف عميق في تاريخ الامة

dimanche 24 février 2013

 الفكر الاعتزالي وأثره في الفكر الإسلامي المعاصر[ 5/8]
الفكر الاعتزالي وأثره في الفكر الإسلامي المعاصر[ 5/8]
محمد أحمد الزهراني

الفصل الثاني
المبحث الثالث
تأثير الفكر الاعتزالي على
الفكر الإسلامي المعاصر


أولاً: المدارس

ثانياً: الأفراد
أولا: تأثير الفكر الاعتزالي على الفكر الإسلامي المعاصر

سبق في المبحث الثالث من الفصل الأول ذكر أن اتخاذ منهج المعتزلة العقلي في التعامل مع الوحي وكل مناحي الحياة وإخضاعها للنظر العقلي، هو منهج متكرر عند بني آدم بمجرد ابتعادهم عن الاحتكام إلى الوحي الكريم، ولعل هذه هي السمة الأبرز في المنهج الاعتزالي، حتى صارت هي المعيار في وسم الجماعة أو الفرد بمنهج المعتزلة، فمجرد معرفة إنسان أو جماعة ما أنه يحتكم إلى عقله ويقدمه على كل حاكم آخر كاف في وصفه بأنه معتزلي، ولعل لهذا نصيباً من الصحة كبير، فإن أصول المعتزلة كلها هي في الحقيقة نتيجة لاجتهادات عقلية أبت الانصياع لنصوص الشريعة والتسليم لمنهج السلف في التعامل معها، بداية بالمنزلة بين المنزلتين وانتهاء بآخر أصول المعتزلة التي اشتهرت بها بل وفروعها.

ورغم تأثر الفكر الإسلامي المعاصر بكثير من فروع عقيدة المعتزلة، إلا أن التأثر الأكبر كان هو في إعطاء العقل المنزلة الأولى في التعامل مع النصوص الشرعية من حيث القبول والرد، ومن  حيث الفهم والتنزيل على الواقع، وهو ما سيظهر من خلال كثير من النقولات التي ستمر معنا في هذا المبحث، ومن الله الإعانة والتوفيق.

وسيكون هذا المبحث بالترتيب التالي:

أولاً:  توطئة لا بد منها في تحديد المراد بالفكر الإسلامي والمفكرين الذين نتحدث عنهم.

ثانياً: أهم المدارس الفكرية المعاصرة المتأثرة بالفكر الاعتزالي.

ثالثاً: أهم الأفكار الاعتزالية المنتشرة في الفكر الإسلامي المعاصر.

أولاً: توطئة لا بد منها:

لم يفتأ أعداء هذا الدين منذ ظهور الرسالة وإشراق نورها على العالمين، لم يفتئوا من الكيد له، ومحاولة إبطاله وتغييره وصرف أبناءه عنه، ظهر ذلك جلياً في الكيد الأول منذ زمن ابن سبأ ومن على شاكلته، واستمر على ذلك حتى هذا العصر حين بدأت الأمة تعود إلى دينها في صحوة دينية مباركة أزعجت الأعداء، وحركت قلوب الحاقدين، فعاد الملحدون من أبناء جلدتنا والحاقدون مدافعين عن هذا الدين (زعموا) وهم في الحقيقة كما جاء عن المصطفى عليه الصلاة والسلام (1): من بني جلدتنا يتكلمون بألسنتنا دعاة على أبواب جهنم من أطاعهم قذفوه فيها.

يقول أحدهم في مقال له بعنوان: (أزمة المجتمع العربي وأزمة اليسار) (2):

(أن الإسلام كان ولا يزال، مركز الشرعية الأول والأخير بالنسبة للأغلبية الساحقة من الجماهير العربية التي نتعامل معها، وإن كل الطروحات الايدلوجية الأخرى لم تتمكن من الحصول حتى على بصيص من الوفاء والالتزام، الذي أمكن الوصول إليه عن طريق الاسلام).

وقد تبنى هذا المنهج في تغيير الإسلام وتبديله عدد غير قليل ممن ينتسبون - زورا- إلى الفكر الإسلامي المعاصر، ولم يخفوا هذا المنهج وهذا الشعور، بل ذكروه صراحة في عدة مناسبات لهم، ومن ذلك قول أحدهم في بحث له بعنوان: (الدين وأزمة التطور الحضاري) (3) يقول بعد مطالبته بتنظيم صفوف العلمانيين لابتعاث حملة فكرية إلى المجتمعات المسلمة لتحقق أهدافهم المنشودة، يقول: (إن هدف الحملة الفكرية المطلوبة هو أن نقنع الناس بوجوب الأخذ بالنظرية العلمانية الخالصة في كل ما يختص بأمور معاشهم ودنياهم، وهي لن تفلح في هذا إلا إذا أقنعتهم بأن الإسلام ـ دين كثرتهم ـ لا يتنافى مع النظرة العلمانية، بل ليس من المغالاة أن نقرر أن موقفه من أمور دنيانا هو موقف علماني صرف).

ويقول هذا (المنظِّر) نفسه في بحث سابق له عنوانه:(نحو ثورة في الفكر الديني) (4):(إذا كان الحديث عن الحياة لا عن العقيدة وما يتصل بها من شعائر العبادة، فإن القرآن لم يشرع لنا إلا التشريع الذي يكفل حياة أمة واحدة، هي أمة العرب، في زمن واحد هو زمن الرسول عليه الصلاة والسلام).

ويقول أحد كبار منظريهم مظهراً هدفهم من هذا التوجه (5): (أستطيع أن ألخص رأيي في ذلك… أن ما نأخذ من تراثنا هو الشكل دون المضمون).

فهم يتكلمون باسم الإسلام إذاً، لإلغاء الإسلام وتفريغه من حقيقته وكل ذلك باسم الإسلام والدفاع عنه.

هذه الحملة وهذا التيار في حقيقته لا يعدو أن يكون شرذمة من اليساريين والقوميين العرب والعلمانيين الذين شعروا بتهديد الصحوة الإسلامية لهم، فتنادوا لمحاولة صد نجاحات هذه الصحوة وتغيير مسار المنتسبين لها أو بعضهم على الأقل، فتنادوا لمؤتمر يوحدون فيه الجهود وينظموها، ونجحوا في عقد المؤتمر التأسيسي لجبهة علمانية موحدة في الكويت عام 1974م، نظمته جامعة الكويت تحت عنوان: (أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي) (6) انتهى هذا المؤتمر باعتماد المخطط (اليساري الفرنسي العربي) الذي يعتمد الهدم من الداخل مع تجديد اللوائح والشعارات، حيث استبدلوا: اليسار الإسلامي بشعار جديد هو: الفكر الديني المستنير.

وقد كان كل هذا تنفيذاً لاقتراح تقدم به ثلاثة مفكرين ماركسيين فرنسيين لهم اهتمام بالحركات الفكرية في العالم العربي وهم: (روجيه جارودي) و (مكسيم رودنسون) و (إيف لاكوست) وكانوا قد زاروا بعض بلاد العالم العربي في الستينات، ورأو أثر الصحوة الإسلامية وبداية تأثيرها في المجتمع وإزاحتها كل فكر دخيل، فوجهوا اقتراحهم بنقل مجال عداوة الدين إلى داخل التراث الإسلامي بدلاً من معارضة الدين الصريحة، كما كان حالهم من قبل، ولو اقتضى ذلك إعلان بعضهم تحوله إلى الإسلام بأي سيناريو تمثيلي مناسب، ومن ثم اتخاذهم الشعارات واللافتات المناسبة لكل ما يحقق أهدافهم (7).

وسياق الكلام السابق جميعه القصد منه هو بيان أن هناك فئة أو تياراً ينسب إلى الفكر الإسلامي المعاصر، وربما تكلم باسمه أو انتمى إليه، وليس له من ذلك شيء، وهم هؤلاء العلمانيين والقويميين واليساريين، ولذلك فلن يكونوا في مجال حديثنا هنا، فنحن إنما نتحدث عن الإسلاميين الذين تأثروا بفكر المعتزلة، ولا نتحدث عن من يريدون أن يحرفوا الفكر الإسلامي ويغيروا مضامينه إلى الماركسية والعلمانية.

انظر مثلاً إلى قول بعضهم (8): وهو يتحدث عن إثبات الإمام الأشعري لأركان الإيمان الستة، وأنه استنبطها من القرآن (كما يقول) في عصر الانتصارات وانتشار الإسلام والعلم، قال: (وهذا يحتم علي أنا أيضاً أن استنبط من القرآن عقائد جديدة… وأن أجعل للناس قواعد ستاً للعقيدة أيضاً، مقاومة الاستعمار، مقاومة التخلف، مقاومة الصهيونية، مقاومة التجزئة والتشرذم، مقاومة القهر ومقاومة الفقر والقرآن يمدني بذلك في قوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "لإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ"[سورة قريش].

فليس حديثنا عن هذا وأمثاله ممن يمكن أن يضعوا أركاناً جديدة للإيمان.

ولا يمكن أن نقبل أن يكون حديثنا هنا عن من قال (9):( أن مصدر المعرفة الإنسانية هو العالم المادي خارج الذات الإنسانية).

ويقول: (أن أئمة المتقين في فرقان محمد صلى الله عليه وسلم هم من أئمة العلم المادي وذوي التفكير العلمي البعيد عن الخرافة).

ويقول: (أن التسبيح في كتاب الله، معناه صراع المتناقضين داخلياً الموجودين في كل شيء).

ويقول: (القرآن كتاب الوجود المادي والتاريخي، لذا فإنه لا يحتوي على الأخلاق ولا التقوى ولا اللياقة ولا اللباقة ولا تنطبق عليه عبارة: هكذا أجمع الفقهاء، وإننا في القرآن غير مقيدين بأي شيء قاله السلف، إننا مقيدون فقط بقواعد البحث العلمي والتفكير الموضوعي وبالأرضية العلمية في عصرنا، لأن القرآن حقيقة موضوعية خارج الوعي فهمناها أو لم نفهمها).

وما سبق هو نَفَسٌ ماركسي تلبس لباس تفسير القرآن وقراءته قراءة معاصرة، يذكرك باقتراح الفرنسيين الماركسيين بغزو الإسلام من الداخل.

ولسنا حين نتحدث هنا عن (تأثير المعتزلة في الفكر الإسلامي) نتحدث عن من ينادون بعلمنة الإسلام صراحة ويطالبون بقراءة القرآن من خلال الفكر الغربي الماركسي، مثل من يقول (10): (نلاحظ أن الماركسية لم تعرف بصورتها الإيجابية حتى الآن، لا في الفكر الغربي المعاصر ولا في الفكر الإسلامي بشكل عام، نفس الشيء يمكن أن يقال بخصوص نقد القيم الذي قامبه (نيتشه) تجاه المسيحية، وهذا النقد قابل للتطبيق على الإسلام، وإذا ما نظرنا للتاريخ بكليته ضمن هذا المنظور فإنه يصبح ممكناً تعبيد الطريق وتمهيده نحو ممارسة علمانية للإسلام، يمكن للعلمنة عندئذٍ أن تنتشر في المجتمعات التي اتخذت الإسلام ديناً).

وصاحب هذا الكلام الغريب عن الفكر الإسلامي كله والاعتزالي أيضاً هو القائل (11): (إن إعادة قراءة القرآن من جديد قراءة نقدية متخصصة لا قراءة ايدلوجية تقليدية، هي الخطوة الأولى التي لا بد منها من أجل فهم المناخ الفكري والنفسي للشخصية العربية الإسلامية، أن هذه القراءة مضطرة لأن نأخذ في الاعتبار كل المسار الفلسفي والنقدي الذي قطعه الفكر الغربي ابتداءً من نيتشه وانتهاء بفرويد مروراً بطبيعة الحال بكارل ماركس).

فمثل هذا لا يُبحث في العقلانيين، وإنما في العلمانيين أو الماركسيين، أو سمهم أصحاب الدين العصري أو ما شئت.

ثانياً: أهم المدارس المتأثرة بالفكر الاعتزالي:

سبق الحديث عن (الفرق المتأثرة بالمعتزلة) وهي ما يمكن تسميتها بالمدارس العقدية القديمة، مثل الرافضة والخوارج والأشاعرة وغيرهم، وحديثنا هنا مقصور على المدارس الفكرية المعاصرة، ونقصد بها الجماعات أو المجموعات التي اتخذت لها منهجاً فكرياً أو اسماً مجدداً أو منهجاً تأثرت فيه بالفكر الاعتزالي، وبتقديم العقل على النص خاصة والاحتكام إليه عند التعارض، وسواء كانت جماعة منتشرة مشتهرة، أو كانت منحسرة محدودة بزمان أو مكان ما وصل علمنا إليها، إلا أنه لا بد من التنبيه على أنني هنا أذكر كل مدرسة وصفت بهذا الوصف، (المدارس العقلانية المعاصرة) أو (العصرانية) وسواء كانت قريبة مقبولة الطرح، أو بعيدة يغلب على آراءها الغرابة عن أصول الإسلام ما دامت تدعى العقلانية وتنتمي إلى الإسلام.

وخير أمثلة ذلك (مدرسة السيد أحمد خان) وهي التي سنبدأ بها هنا:

1.    مدرسة السيد أحمد خان في بلاد الهند (12):

أما مؤسسها فهو أحمد خان بن السيد محمد حنفي خان ولد سنة 1817م وخدم الحكومة الإنجليزية التي كانت تستعمر البلاد الهندية في ذلك الوقت وتنقل في عدة وظائف بها، سافر إلى انجلترا وعاد من المدافعين عنها والمطالبين باتباع خطاها في نشر العلوم الحديثة والاهتمام بالثقافة الأوربية، كان من أوائل من نادوا في القارة الهندية بالتوفيق بين الدين والعصر الحديث، وكان يطالب بإعادة تأويل النصوص وتفسير الدين في ضوء المستجدات المعاصرة، توفي سنة 1898م.

أما فكرة مشروعه الإصلاحي: فيمكن أن يكون مر بمراحل ثلاث (13):

المرحلة الأولى:

تبدأ بكتاب (جام جام) تاريخ سلاطين المغول، وقد استغرقت هذه المرحلة سبعة عشر عاماً من حياته، كان خلالها مدافعاً عن العلماء وعن آراءهم ولو ردّ النظريات الحديثة، ومن مؤلفاته في تلك المرحلة رسالة بعنوان: (القول الفصل في إبطال حركة الأرض) كما كان له أكثر من عشر رسائل تدور حول تأييد أقوال علماء الإسلام في مسائل مختلفة ورفض ما يعارضها من الآراء الحديثة.

والمرحلة الثانية من فكره:

تبدأ بفشل حرب التحرير ضد الاستعمار الإنجليزي وتمتد إلى عام 1869م قبل سفره إلى إنجلترا، وكان في هذه المرحلة يحاول التوفيق بين الإسلام والمسيحية، ومن مؤلفاته في هذه المرحلة: (تبيين الكلام في تفسير التوراة والإنجيل على ملة الإسلام) وكتاب آخر بعنوان: (أحكام طعام أهل الكتاب) وكتاب (تحقيق لفظ نصارى).

أما المرحلة الثالثة:

فكانت التحول الأكبر في فكره، وامتدت معه من 1869م إلى وفاته، وأهم ما يميز فكر هذه المرحلة:

1. الكره الشديد للعلوم الشرقية، واعتقاد أنها سبب التخلف، مع الإعجاب بعلوم الغرب وتفضيله المسيحيين على المسلمين.

2.  مناداته بالآخذ بعادات الغربيين وتقاليدهم وطريقة تفكيرهم، وذهب به الحماس إلى اعتبار سبيل أن التقدم هو محاكاة هؤلاء الإنجليز والسير على خطاهم وتعلم لغتهم، فكان منه بعد ذلك تفكير في افتتاح مركز تعليمي يخرج طلاب المستقبل وقيادات المجتمع الذين يديرون المجتمع على الطريقة الحديثة، وما أظن هذه إلا فكرة إنجليزية شريرة. فوضع اقتراحاً لعلاج الأمة والنهوض بها، في إنشاء مشروع (الكلية المحمدية الإنجليزية الشرقية) أو ما سمي فيما بعد: مدرسة العلوم، التي تحول اسمها بعد ذلك إلى: جامعة عليكرة الإسلامية.

وهو مشروع وقف في وجهه عند إنشاءه مجموعة من علماء الدين، ذلك أنه لم يتخذ في تدريس العلوم الحديثة فيه المنهج المادي الإلحادي فحسب، بل جاوز ذلك إلى إلزام طلابه اللباس الغربي والعادات الاجتماعية الإنجليزية.

يقول الأستاذ المودودي عن هذه الجامعة: وفي نظري أن تعليم الجامعة بشقيها الديني وغير الديني يخرج شخصاً لا يؤمن بتعاليم الإسلام).

ويصف الأستاذ محمد إكرام وضع هذه الجامعة بقوله: لو ناح نائح في طرف من أطراف العالم يدعو إلى هدم الإسلام أو القضاء على المسلمين.. لوجد أول الملبين في قاعات عليكرة … ).

ثم يذكر من أحوال تلك الجامعة والمتسبين لها، ويلخص ذلك كله بأن هؤلاء يمكن أن يجمعوا كل ما سبق في قولهم: أن عليكرة جامعة، وليست معبداً) (14).

كما اجتهد (السيد أحمد خان) في إخراج جريدة بمسمى: تهذيب الأخلاق كان ينشر فيها آراءه واجتهاداته العصرية (15).

وكان ممن شدد النكير على (السيد أحمد خان) ومبادئه (جمال الدين الأفغاني) رأس المدرسة العقلانية في مصر وشيخ الأستاذ محمد عبده رحمه الله. فقد وصفه بالزندقة وأن في صدره غل ونفاق وأنه يدعو الناس لنبذ الدين (16)، برغم ما كان يكرره (أحمد خان) من القول أنه يدافع عن الإسلام وأنه ينبغي أن يوجد طريقاً للمسلم المعاصر، يوفق فيه بين إسلامه وتقبله الحياة العصرية التي قامت إثر نهضة العلم الطبيعي.

ولا شك أن هذا الرجل وهذه المدرسة استطاعت أن تخرج أجيالاً متأثرة بفكرها العصراني عد منهم صاحب كتاب (مفهوم تجديد الدين) عدداً من علماء الهند كان من أبرزهم (غلام أحمد برويز) الذي صار من علماء باكستان وهو مؤسس جماعة (طلوع الإسلام) وقد سار على نفس الفكر والطريقة (17).

تأثر هذه المدرسة بالمعتزلة وأهم آراءها:

ظهر في بلاد الهند من المفكرين والمجددين من أمثال المودودي وإقبال الكثير، ولم يتجهوا هذا الاتجاه الغالي في التشبه بالغرب وتحكيم العقل في تأويل الشريعة وتفسير القرآن، بل إن بعضهم درس الفكر الغربي والفلسفة مثل إقبال، لكنه لم يصل إلى الدرجة التي وصل إليها (السيد أحمد خان) في نظره إلى كثير من أحكام الشريعة وتصرفه فيها بعصرانية وعقلانية نسخت كثيراً من أصولها.

ولعلي أزعم هنا أن البيئة التي نشأ فيها (السيد أحمد خان) بحكم انتشار عقائد الشيعة فيها (18)، والشيعة فرقة متأثرة بالمعتزلة في مسائل العقيدة، وتقديم العقليات، أقول أن هذه البيئة ربما كانت هي الأرضية التي جعلت عند (أحمد خان) هذا الاتجاه العقلاني في النظر إلى الحياة، والتعامل مع الأحكام الشرعية بعد ذلك بعقلانية امتزجت معها مادية الفلسفة الأوربية المعاصرة.

أما أهم آراءه فيمكن تلخيصها فيما يلي (19):

1.  اعتقاده أن القرآن هو الأساس لفهم الدين، ولا يقبل من حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام إلا ما يتفق مع العقل والتجربة.

2.  تأويلاته العقلانية لآيات الكتاب العزيز، فقصة إبراهيم عليه السلام مع الطيور الأربعة إنما هي رؤيا منام، ويونس عليه السلام لم يبتلعه الحوت وإنما أمسكه بفمه ثم لفظه، والملائكة هي قوى الطبيعة، والجنة والنار إنما هي إشارات رمزية لحالات نفسية من الألم والعذاب.

3.  كما يرى أن الأحاديث الواردة في الشئون الدينية هي الملزمة، أما أحاديث الدنيا فمتغيرة ولا يراد منها التزام الناس بها بل: أنتم أعلم بأمور دنياكم.

4.    ويرى أن الجهاد إنما هو للدفاع فقط ولا يشرع الجهاد لغير ذلك.

5.    وله آراء فقهية أخرى كثيرة وغريبة أحياناً.

يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي (20) عن هذه المدرسة ومنشئها: (وعاد سيد خان إلى بلاده ونفسه ممتلئة إعجاباً بما شاهد ورأى وأخذ على عاتقه بعد عودته إلى أن مات أن يفتح أعين المسلمين إلى عظمة الحضارة الغربية ويشق لهم طريقاً للاقتباس منها واحتذائها، وكانت وسيلته إلى ذلك ثلاثة مبادئ: التعاون في المجال السياسي، واستيعاب علوم الغرب في المجال الثقافي، وتكييف وإعادة تأويل الإسلام في المجال الفكري).

2. مدرسة الأفغاني ومحمد عبده في البلاد المصرية:

فأما عن المؤسس فهو: محمد صفدر الحسيني ولد سنة 1254هـ قيل أنه أفغاني وقيل إيراني شيعي عاش في أفغانستان وهو الظاهر (21)، كان رجلاً ذكياً يتقن عدداً من اللغات، انتقل إلى مصر ودرس فيها التصوف والفلسفة وشارك بالمحفل الماسوني بها، وكان يظهر عداء الإنجليز ويحرض الناس ضدهم وضد عملائهم كما كان له صلات خفية بهم، تخرج عليه محمد عبده وسعد زغلول، وطرد من مصر فهاجر إلى دول عدة كان منها باريس التي أصدر منها مجلة (العروة الوثقى  وشاركه فيها تلميذه محمد عبده، وقد تضاربت حوله الأقوال والأحكام، لكنه بلا شك كان شخصية غريبة الأطوار والتصرفات توفي في الاستانة سنة 1314هـ.

أما محمد عبده فهو بن حسين خير الله آل التركماني ولد بمصر سنة 1266هـ تخرج من الأزهر سنة 1294هـ، اتصل بالأفغاني لما قدم مصر ولازمه وشارك بعد ذلك في الثورة العرابية فنفي إلى لبنان فسافر إلى شيخه الأفغاني في باريس وأصدرا من هناك مجلة العروة الوثقى، ثم سمح له بالعودة إلى مصر، وترقى به الأمر حتى صار مفتياً لمصر سنة 1317هـ كان ينادي بالإصلاح ويرى أن طريق ذلك الإصلاح التربوي، ولذلك لم يسلم الأزهر من نقده الحار توفي بالاسكندرية سنة 1905هـ (22).

أما مشروعهما الإصلاحي العقلاني:

فلقد نشأ (الأفغاني) في بيئة شيعية كما حقق ذلك بعض من ترجموا له (23) وكان هذا كفيلاً أن يجعله ينهج المنهج العقلي الرافضي في مسائل العقيدة وقضايا الدين، ثم زادته كتب الفلسفة والمنطق التي درسها ودرّسها إيغالاً في ذلك المنهج، وكذلك كان حال تلميذه الذي تأثر به ونشر فكره وهو لابس اللباس الأزهري، إضافة إلى أن عقيدة الإمام محمد عبده هي عقيدة الأزهريين الأشعرية المتأثرة بالمعتزلة.

فخلصنا إلى أن هذه المدرسة هي من أكثر المدارس العقلانية المعاصرة تأثراً بالمعتزلة.

ويمكن تلخيص فكرة هذه المدرسة ومنهجها فيما يلي (24):

أولاً: أنها أعطت العقل أكثر من حقه فقدمته على الوحي وفسرت به القرآن وأخذت به عند معارضة الأحاديث الصحيحة.

ثانياً: تأويل حقائق الدين ومسائله بما لا يعارض العقل من جهة ولا يعارض النظريات العلمية الغربية من جهة أخرى.

وبناء على هذا أولوا المعجزات والخوارق وأنكروا بعضها.

ثالثاً: تبرير الحضارة الغربية والثناء عليها ومجاراتها ولو على حساب جوانب من العقيدة والدين. وهذا مهد السبيل بدوره لسيطرة كثير من الأفكار والتقاليد الغربية في السياسة والمجتمع.

أما تأثرهم بالاعتزال فهو في جوانب منها (25):

ـ إنكار كثير من الأحاديث التي لا يقبلها العقل.

ـ إنكار بعض المعجزات ورد بعضها.

ـ عدم تعديل الصحابة كلهم وربما تنقص بعضهم عدداً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ـ تحكيمهم العقل فيما يعارض الشرع.

ـ إنكار بعض الغيبيات أو تأويلها كالجن والسحر وغيرها.

ذكر الأستاذ أنور الجندي هذه المدرسة وأثرها في قوله (26):  إذا كان جمال الدين هو أول من فتح باب المنطق والفلسفة في الفكر العربي الحديث بحسبانه طريقاً إلى الدفاع عن الإسلام في مواجهة الفلسفات الحديثة، على نفس المنهج الذي اتخذه المعتزلة، فإن محمد عبده هو الذي عمّق هذا الاتجاه حتى أطلق عليهما: اسم (معتزلة العصر الحديث).

وقال اللورد كرومر في كتابه: مصر الحديثة (27): (أن محمد عبده كان مؤسساً لمدرسة فكرية حديثة، قريبة الشبه من تلك التي أسسها السيد أحمد خان في الهند مؤسس جامعة عليكرة).

3. مدرسة اليسار الإسلامي:

نشأت مدرسة اليسار الإسلامي تنفيذا لوصية الشيوعيين الفرنسيين (روجيه جارودي) ورفقاءه الذي رأوا أن غزو الإسلام يكون من داخله، وقد سبق الحديث عن ذلك (28)، فظهر في فترة السبعينات كتابات لأحمد عباس صالح حول (اليمين واليسار في الإسلام) كما نشطت محاولات لإيجاد تيار فكري جديد تحت شعار: اليسار الإسلامي، وفعلاً نشأ هذا التيار على يد: الدكتور حسن حنفي، وأصدر مجلة باسم (اليسار الإسلامي) لكنها لم يصدر منها سوى العدد الأول ثم توقفت.

واستطاع المنتمون لهذا التيار ومن تأثر بهم أن يجدوا مجالاً وفسحة للمشاركة في مجلة المسلم المعاصر، وإن أغلقت عليهم المشاركة بعد ذلك.

وبذل اليسار العربي بمختلف شرائحه محاولات لتثبيت هذا التيار لكنهم فشلوا، فاستبدلوا بهذا الشعار شعارً آخر هو (الفكر الديني المستنير) أو (تجديد الفكر الإسلامي) (29).

أبرز الأفكار والآراء:

لن نجد من يعطينا ما نريد من أفكار هذه المدرسة مثل متزعمها الدكتور حسن حنفي وفي مجلتهم (اليسار الإسلامي) فهو يقول في مقال له في هذه المجلة (30):

ـ ( أن كتابات (اليسار الإسلامي) استمرار لمجلة العروة الوثقى ولجريدة  المنار) (ص5).

ـ أما عن هدف اليسار فيقول: (يأتي اليسار الإسلامي كي يحقق أهداف الثورات الوطنية ومبادئ الثورة الاشتراكية وذلك من خلال تراث الأمة) (ص10) وهذا كان في بيان حقيقة هذه الدعوة التي سبق الإشارة إليها.

ـ يقول: (و (اليسار الإسلامي) أيضاً تطوير الإصلاح الديني الذي بدأ في المائتي سنة الأخيرة) (ص11).

ـ وعن تأثرهم بالمعتزلة يقول: (في علم أصول الدين (اليسار الإسلامي) تيار اعتزالي في الفكر الديني، يرى أن المعتزلة كانت تمثل ثورة العقل وعالم الطبيعة وحرية الإنسان) (ص14).

ـ وعن جهودهم في ذلك يقول: (يتفق (اليسار الإسلامي) مع أصول المعتزلة الخمسة، لذلك يحاول إحياء التراث الاعتزالي بعد أن تم القضاء عليه منذ القرن الخامس  الهجري) (ص14).

ـ وعن مهمتهم يقول: (ومهمة (اليسار الإسلامي) الكشف عن العناصر الثورية في الدين، أو إن شئنا بيان أوجه الاتفاق بين الدين  والثورة، أو بلغة ثالثة تأويل الدين على أنه ثورة) (ص38).

ـ ثم يقول في تمييع للدين وإلغاء لحدوده: (ولا يرى (اليسار الإسلامي) أي حرج في أن يعتبر نفسه إسلامياً أو عربياً أو عالمياً أو قومياً، دينياً أو علمانياً، فالإسلام دين وقومية، عربي وعالمي) (ص45).

4. حزب التحرير الإسلامي (31):

أسسه الشيخ تقي الدين النبهاني (1908-1977) وهو من مواليد فلسطين أزهري تأثر في أول أمره بالإخوان المسلمين عمل معهم في الأردن، لكنه ما لبث أن أعلن إنشاء حزب مستقل سنة (1952م)، عمل أول حياته مدرساً ثم قاضياً، تنقل لنشر آراءه في بلاد الشام حتى توفي في بيروت.

أبرز الآراء والتأثر بالمعتزلة:

ـ إعطاء العقل أهمية زائدة في الجوانب العقدية.

ـ ينفي الحزب عقيدة عذاب القبر وظهور المسيح الدجال رغم وضوح النصوص وتواترها في هذا.

ـ يعطلون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعلقون ذلك بقيام الدولة الإسلامية.

ـ لهم في كتبهم آراء فقهية غريبة قائمة على العقليات وإلغاء النصوص مثل قولهم بسقوط الصلاة عن سكان القطبين، وعن رجل الفضاء المسلم، وجواز أن يكون حاكم الدولة الإسلامية كافراً، وجواز النظر إلى النساء العاريات وغير ذلك.

ـ التركيز على الثقافة والسياسة وأنهما الطريق لإعادة الثقة بالإسلام.

5. الجبهة الإسلامية القومية في السودان (32):

وهي حركة إسلامية خرجت من عباءة (الإخوان المسلمون) وأعلنت عن نفسها رسمياً سنة 1954م واعتمدت في تربوياتها وأدبياتها كثيراً على نتاج حركة (الإخوان المسلمون) الأدبي والتربوي والحركي من مؤلفات البنا والقطبين والغزالي واعتمدت أيضاً على كتب المودودي ومالك بن نبي.

أما مؤسس هذه الحركة فهو الدكتور حسن بن عبد الله الترابي المولود سنة 1932م تلقى الفقه والعربية على والده ثم درس القانون وصار بعد ذلك محاضراً في جامعة الخرطوم، له مؤلفات كثيرة في قضايا الدعوة والمجتمع، وله اجتهادات عقلانية خالف بها النصوص أضرت بسمعته وسمعة الجبهة الإسلامية القومية، وجعلها تصنف من الأحزاب العقلانية باعتبار تنظيرات وآراء مؤسسها وأمينها العام الدكتور الترابي (33).
ثالثاً: أهم الأفكار الاعتزالية في الفكر الإسلامي المعاصر

لعلّ من الأنسب هنا بدل تعيين أشخاص بأعيانهم ثم جمع كلامهم الذي يدل على تأثرهم بالفكر الاعتزالي، لعلّ الأنسب أن نذكر أبرز الآراء والاعتقادات التي تسربت إلى الفكر الإسلامي المعاصر من المعتزلة، ثم يذكر بعض المفكرين والكتاب الذين تأثروا بهذه الأفكار ويذكر كلامهم الدال على ذلك، فإن ذكر الأسماء تبعاً هو أفضل من أن تذكر قصداً وأولاً،  خاصة في ضوء أن كثيراً من هؤلاء ربما لم يقل بهذه المقالة عالماً لما تقتضيه عارفاً أنها من فكر المعتزلة، وإذاً فحري ألا يذكر اسمه إلا تبعاً، ولعل هذا هو المنهج الأسلم في علاج مشكلاتنا اليوم، وهو أولى في واقع الدعوات المسلمة اليوم التي هي بحاجة إلى جمع الشتات أولى من العمل على ما يزيدها فرقة وبعثرة ونسأل الله أن يصلح حال المسلمين، ونحن هنا سنعرض بمشيئة الله تعالى لأبرز الأفكار التي تأثر بها الفكر الإسلامي المعاصر من عقيدة المعتزلة أو تأثراً بمنهجهم.

ولعلّ أشهر وأذكر عقيدة تأثر بها الفكر المعاصر والقديم مما اشتهرت به المعتزلة وعملت به واعتقدته هو قضية (العقلانية) التي تحكمت حتى في نصوص الوحيين، ولذلك فهي أيضاً الفكرة الأكثر انتشاراً وتأثيراً وجاذبية في ساحات الفكر الإسلامي، وسنفردها بإذن الله أولاً، لكننا سنجدها تسير معنا في مسائل العقيدة والأصول والمسائل المعاصرة وتلازم الاجتهاد العقلاني في شأنه كله.

أولاً: العقل ومكانته عند القوم

كان لزعماء المدرسة العقلية المعاصرة قصب السبق في هذا الباب وقد سبق ذكر شواهد من كلام كل من (السيد خان، والأفغاني، وعبده) عند الحديث عن مدارسهم، ونسوق هنا بعض كلامهم وكلام المنتمين لهذه المدرسة في هذه المسألة:

1.  يقول الشيخ محمد عبده رحمه الله (34): (اتفق أهل الملة الإسلامية إلا قليلاً ممن لا يُنظر إليه على أنه إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دلّ عليه العقل).

وقال (35): (اتفق المسلمون إلا قليلاً ممن لا يعتد برأيه فيهم على أن الاعتقاد بالله مقدم على الاعتقاد بالنبوات وأنه لا يمكن الإيمان بالرسل إلا بعد الإيمان بالله فلا يصح أن يؤخذ الإيمان بالله من كلام الرسل ولا من الكتب المنزلة فإنه لا يعقل أن تؤمن بكتاب أنزله الله إلا إذا صدقت قبل ذلك بوجود الله وبأنه يجوز أن ينزل كتاباً ويرسل رسولاً).

ويقول عن منزلة العقل (36): (فأول أساس وضع عليه الإسلام هو النظر العقلي والأصل الثاني للإسلام تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض).

2.  أما الدكتور حسن الترابي وهو من أبرز المحسوبين على التيار العقلاني المعاصر فهو يقول مضخماً لدور العقل في أمور الحياة (37):

(لم تعد بعض صور الأحكام التي كانت تمثل الحق في معيار الدين منذ ألف عام تحقق مقتضى الدين اليوم، ولا توافق المقاصد التي يتوخاها لأن الإمكانات قد تبدلت وأسباب الحياة قد تطورات… وقد تزايد المتداول في العلوم العقلية المعاصرة بأقدار عظيمة وأصبح لزاماً علينا أن نقف في فقه الإسلام وقفة جديدة لنسخر العلم كله لعبادة الله وحده، ولعقد تركيب جديد بين علوم النقل التي نتلقاها كتابة ورواية وقرآناً محفوظاً أو سنة يدعمها الوحي، وبين علوم العقل التي تتجدد كل يوم وتتكامل التجربة والنظر، وبذلك العلم الموحد نجدد فقهاً للدين وما يقتضيه في حياتنا الحاضرة طوراً بعد طور).

3. ويأتي في نفس السياق كلام الدكتور محمد عمارة الذي هو من أعمدة الفكر المعتزلي المعاصر باعترافه هو في كثير من كتبه، يقول عن دور العقل مع الشرع (38):

(إن حدث وبدا أن هناك تعارض بين ظاهر النص وبرهان العقل وجب تأويل النص ـ دون تعسف ـ بما يتفق مع برهان العقل حتى تتوافق في هداية البشر الأدلة النابعة من مصدر واحد).

ويقول محمد عمارة أيضاً:

(لا بد من عرض النصوص المروية على البرهان العقلي فإذا تعارضت معه وجب تأويلها كي تتفق مع برهان العقل) (39).

4. ويقرر فهمي هويدي هذه المسألة ويسوق عليها الشواهد من كلام الأئمة الرازي والغزالي وابن حزم ويستشهد حتى بالجاحظ الذي لا أدري هل يعده من أئمة الدين أو ماذا يريد بالاستشهاد بقوله في مسألة مهمة كهذه.

لكن العجيب أن ينسب هويدي هذا القول لشيخ الإسلام ويزعم أنه يقول به، ثم يورد قول الرازي زاعماً أنه لشيخ الإسلام (40).

5. وقريباً من هذا المنهج سار الدكتور يوسف القرضاوي حين قال (41):

(حمل الكلام على الحقيقة مع وجود المانع العقلي أو الشرعي أو العلمي أو الواقعي مرفوض…).

فالواقع والعلم الحديث والعقل كلها ترد بها النصوص عند القرضاوي عفا الله عنه.

ثانياً: تأويل آيات القرآن الكريم

وهذا هو الدور التطبيقي لتقديم العقل على النص عند التعارض وهو كثير في كتابات المعاصرين ولنسق على ذلك أمثلة:

1.    الموقف من عقيدة الملائكة في القرآن:

أ. يقول الإمام محمد عبده: (وقد بحث أناس في جوهر الملائكة وحاولوا معرفتهم ولكن من وفقهم الله تعالى على هذا السر قليلون والدين إنما شرع للناس كافة، فكان الصواب الاكتفاء بالإيمان بعالم الغيب من غير بحث عن حقيقته لأن تكليف الناس هذا البحث أو العلم يكاد يكون من تكليف ما لا يطاق، ومن خصه الله تعالى بزيادة في العلم فذلك فضله يؤتيه من يشاء) (42).

وكأن هذا الكلام هو تمهيد لذكر الرأي الآخر الذي توسع في ذكره والاستشهاد له ومناقشة مخالفيه في كتاباته الكثيرة فهو يقول:

(ذهب بعض المفسرين مذهباً آخر في فهم معنى الملائكة وهو أن مجموع ما ورد في الملائكة من كونهم موكلين بالأعمال من إنماء نبات وخلقة حيوان وحفظ إنسان وغير ذلك، فيه إيماء إلى الخاصة بما هو أدق من ظاهر العبارة وهو أن هذا النمو في النبات لم يكن إلا بروح خاص نفخه الله في البذرة فكانت به هذه الحياة النباتية المخصوصة، وكذلك يقال في الحيوان والإنسان فكل أمر كلي قائم بنظام مخصوص تمت به الحكمة الإلهية في إيجاده فإنما قوامه بروح إلهي سمي في لسان الشرع (مَلَكاً) ومن لم يبال في التسمية بالتوقيف يسمي هذه المعاني (القوى الطبيعية) إذا كان لا يعرف من عالم الإمكان إلا ما هو طبيعة أو قوة يظهر أثرها في الطبيعة، والأمر الثابت الذي لا نزاع فيه هو أن في باطن الخلقة أمراً هو مناطها، وبه قوامها ونظامها لا يمكن لعاقل أن ينكره وإن أنكر غير المؤمن بالوحي تسميته ملكاً وزعم أنه لا دليل على وجود الملائكة، أو أنكر بعض المؤمنين بالوحي تسميته قوة طبيعية أو ناموساً طبيعياً لأن هذه الأسماء لم ترد في الشرع ـ فالحقيقة واحدة والعاقل من لا تحجبه الأسماء عن المسميات).

ب. وكذلك الشيخ أحمد مصطفى المراغي ينقل هذا القول عن محمد عبده ويؤيده في تفسيره (43).

ج. ويفعل ذلك أيضاً رشيد رضا رحمه الله في تفسير المنار (44).

2.    تأويل المراد بالجن:

فأما محمد عبده فقال (45):

(يصح أن يقال أن الأجسام الخفية التي عرفت في هذا العصر بواسطة النظارات المكبرة وتسمى بالمكروبات يصح أن تكون نوعاً من الجن …).

ورشيد رضا يقول (46):

(ورد أن الجن أنواع منها ما هو من الحشرات وحشائش الأرض).

ويقول (47):

(وفعل جنة الشياطين في أنفس البشر كفعل هذه الجنة التي يسميها الأطباء الميكروبات في أجسادهم وفي غيرها من أجسام الأحياء تؤثر فيها من حيث لا ترى فتتقى).

3.    وفي التأويل للمراد بالجنة في القرآن:

يقول محمد إقبال (48):

(وعلى هذا فإني أميل إلى اعتبار الجنة التي جاء ذكرها في القرآن تصويراً لحالة بدائية يكاد يكون الإنسان فيها مقطوع الصلة بالبيئة التي يعيش فيها ومن ثم فإنه لا يحس بلدغة المطالب البشرية التي تحدد نشأتها دون سواها من العوامل بداية الثقافة الإنسانية).

وهذا هو ذات ما يقرر محمد عبده حين يقول (49) بعد أن تحدث عن قصة آدم وإبليس في الجنة وإخراج آدم منها:

(وأما التمثيل فيما نحن فيه فيصح عليه أن يراد بالجنة الراحة والنعيم..).

وهو قوله (50):

(والخروج من الجنة مثال لما يلاقيه الإنسان من البلاء والعناء بالخروج عن حد الاعتدال الفطري).

ولزعماء المدرسة العقلية وأتباعها تأويلات أخرى في آيات القرآن الكريم مثل تأويلهم لسجود الملائكة لآدم، وتأويلهم لخلق عيسى عليه السلام وقضية الوحي وغيرها من القضايا (51).

ثالثاً: الموقف من قصص القرآن والمراد بها

فإن الأستاذ محمد عبده يقول (52):(بيّنا غير مرة أن القصص جاءت في القرآن لأجل الموعظة والاعتبار لا لبيان التاريخ ولا للحمل على الاعتقاد بجزئيات الأخبار عند الغابرين..).

ويقول رشيد رضا (53):

(ولا يشترط أن تكون القصة في مثل هذا التعبير واقعة بل يصح مثله في القصص التمثيلية، إذ يراد أن من شأن مثلها في وضوحه أن يكون معلوماً حتى كأنه مرئي بالعين..).

ورغم أن ما سبق ليس صريحاً في أن قصص القرآن ليست حقيقة، إلا أن هذا الرأي هو الذي مهد السبيل لأقوال تخرجت على هذه الأقوال أُتهم أصحابها بالكفر، منهم:

محمد أحمد خلف الله الذي ذكر أن ورود الخبر في القرآن لا يقتضي وقوعه، ثم قال (54): (هذه الوقفات الطويلة وهذا التفكير المستمر جعل العقل الإسلامي يقرر أخيراً، ويقرر في قوة أن التاريخ ليس من مقاصد القرآن، وأن التمسك به خطر أي خطر على النبي عليه السلام وعلى القرآن..).

ويقول في كلام أخطر من هذا بعد ذكر قوله تعالى:"وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا … الآية " [الفرقان: 5] يقول (55):

(وإذا كان القرآن لا ينفي ورود الأساطير فيه وإنما ينفي أن تكون هذه الأساطير هي الدليل على أنه من عند محمد عليه السلام وليس من عند الله، إذا كان هذا ثابتاً فإنا لا نتحرج من القول بأن القرآن أساطير، لأنا في ذلك لا نقول قولاً يعارض نصاً من نصوص القرآن..).

وهذا أيضاً هو الذي أسس لقول طه حسين في كتابه: في الشعر الجاهلي الذي قال فيه: (للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا أيضاً، ولكن ورود هذين الإسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي … ) (56).

وهكذا يصبح مجال تأويل وإنكار ما جاء في القرآن ليس مجالاً فقط لهؤلاء العقلانيين، بل صار فعلهم منهجاً يعمل به ويستدل له حتى المحسوبين على غير التيارات الإسلامية والذين لا يعلمون عن أصول الشريعة، مثل طه حسين ومن احتذى حذوه، والله المستعان.

رابعاً: موقفهم من أخبار الغيب وعلامات الساعة وأخبارها

ومن ذلك:

1.    عقيدتهم في نزول عيسى عليه السلام:

وهي عقيدة مستقرة عند أهل السنة جاءت فيها الأحاديث المتواترة معنوياً كما قال ابن كثير رحمه الله (57):  والأدلة عليه من الكتاب والسنة الصحيحة، وحكى الإجماع عليه غير واحد من العلماء منهم السفاريني رحمه الله (58).

أما أصحاب المدرسة العقلية المعاصرة فردوا ذلك:

فمحمد عبده إمام المدرسة يقول (59):

إن في حديث الرفع والنزول لعيسى عليه السلام آخر الزمان تخريجان:

(أحدهما أنه حديث آحاد متعلق بأمر اعتقادي لأنه من أمور الغيب والأمور الاعتقادية لا يؤخذ فيها إلا بالقطعي…، وثانيهما: تأويل نزوله وحكمه في الأرض بغلبة روحه وسر رسالته على الناس).

ويقول محمود شلتوت (60): (ليس في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة مستند يصلح لتكوين عقيدة يطمئن إليها القلب بأن عيسى رفع بجسمه إلى السماء وإنه حي إلى الآن فيها وأنه سينزل آخر الزمان إلى الأرض).

ويقول عبد الوهاب النجار (61):

عن الأحاديث الواردة في شأن رفع عيسى ونزوله آخر الزمان:

(كل تلك الأخبار لا يمكن أن تنهض بإنشاء عقيدة، إذا خالفها إنسان وحاد عن الاعتقاد لها برئ من الإسلام وبرئ الإسلام منه).

وكذلك الدكتور الترابي يقول عن نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان (62):

(أنها تتعارض مع العقل، والعقل يقدم على النقل عند التعارض).

2.    وعن عقيدتهم في الدجال:

وهي عقيدة مجمع عليها عند أهل السنة، قال الإمام النووي (63):

الإيمان بها: (هو مذهب جميع المحدثين والفقهاء والنظار خلافاً لمن أنكره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة …).

ويذكر ابن كثير تواتر الأحاديث فيها (64).

ورشيد رضا يرى (65): أن أحاديث الدجال مشكلة، وأنها متعارضة تعارضاً يوجب إسقاطها) و (أن الدجال رمز للخرافات والدجل والقبائح التي تزول بتقرير الشريعة على وجهها والأخذ بأسرارها وحكمها) (66).

3.    وعن عموم أشراط الساعة:

(لم يكن يثق الإمام محمد عبده إلا بأقل القليل مما روي في الصحاح من أحاديث الفتن) نقل ذلك عنه السيد رشيد رضا (67).

4.    وعن النفخ في الصور:

يقول محمد عبده (68): والنفخ في الصور تمثيل لبعث الله للناس يوم القيامة بسرعة لا يمثلها إلا نفخة في بوق فإذا هم قيام ينظرون …).

ويقول السيد عبد القادر المغربي (69):

(والنفخ في الصور في لسان الشرع قد يكون تمثيلاً وتصويراً لبعث الأموات وانبعاثهم من أرماسهم بسرعة تحكي سرعة المجتمعين وقد هتف بهم من بوق عظيم).

5.  وتورط أيضاً في تأويل بعض أشراط الساعة الدكتور القرضاوي، فقال في شأن بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بفتح روما (70):

(ظني أن هذا الفتح سيكون بالقلم واللسان لا بالسيف والسنان …).

وعن نطق الحجر والشجر قال (71):

(فهل ينطق الشجر والحجر بلسان المقال أو ينطقان بلسان الحال بمعنى أن كل شيء سيكون في صالح المسلمين).

والدكتور القرضاوي أوجب الإيمان والتسليم بأحاديث الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها (72)، فليته سلم بهذه الأخبار أيضاً.

ولكل من رموز مدرسة التفسير العقلية تأويله في أحداث يوم القيامة مثل انشقاق السماء ودك الأرض والجبال ورجف الأرض وتسجير البحار ونشر الصحف وغير ذلك، محاولين تقريب أمر البعث إلى عقولهم ومحاولة جعلها أموراً تقوم على الأصول العلمية التي يرونها ويزعمونها (73).

خامساً: عقيدتهم في الولاء والبراء وتقارب الأديان

قد قرر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كفر اليهود والنصارى كما في قوله: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ …" [البينة: 6].

وروى مسلم رحمه الله: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:

(والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) (74).

ودين الإسلام هو خاتم الأديان، وناسخ لها جميعاً ولا يقبل الله من أحد سواه، على هذا إجماع علماء الأمة والحمد لله. قال الله تعالى: "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " [آل عمران:85].

أما أهل وحدة الوجود قديماً وحديثاً، والماسونيون الجدد ومن تأثر بهم، فإنهم يرون أن الملل الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام إنما هي بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين، وأن كلها يوصل إلى الله تعالى، وتأثر بهذه الدعوة العقلانيون المعاصرون الذين يحكمون العقل في عقيدتهم قبل النص، فقال جمال الدين الأفغاني مثلاً (75):

(إن الأديان الثلاثة كلها أساسها واحد، وإنما يوسع شقة الخلاف بينها اتجار رؤساء الأديان بها …).

وهذا الاعتقاد هو الذي سعى باتجاهه الإمام محمد عبده حين أنشأ جمعية سماها: جمعية التأليف والتقريب بين الأديان (76).

وهو بطبيعة الحال عملٌ يعبر عن اعتقاد.

يقول الكواكبي (77): (يا قوم وأعني بكم الناطقين بالضاد من غير المسلمين، أدعوكم إلى تناسي الإساءات والأحقاد وما جناه الآباء والأجداد).

ويقول الدكتور الترابي  أيضاً بعد أن يطمئن مواطنيه المسيحيين على أن أصول ديننا تسعنا وتسعهم يقول (78):

(نحن وهم سواء في الإيمان بمعاني التوحيد والأخلاق والعبادة لله والمسئولية أمام الله …).

وشارك في هذه القضية وتحمس لها الشيخ أحمد كفتارو أيضاً، واجتهد في نشرها والدعوة لها من خلال المؤتمرات والمقالات في كثير من الصحف، فهو يقول (79):

(أنه لا اختلاف في الجوهر ولا تباين بين الأديان السماوية …).

وهكذا تختلط قضية التمايز بين الإسلام وغيره من الأديان عند هؤلاء، فيذهب تبعاً لذهابها التفكير في الموالاة والمعاداة بحسب الدين والعقيدة، ويمكن أن يكون الملحد أخاً لنا والعلماني عالماً من علمائنا كما ستراه في كلام بعضهم قريباً.

يقول الدكتور القرضاوي عفا الله عنه (80): نحن والعلمانيون متفقون (على احترام الأديان السماوية لغير المسلمين …).

ويقول (81): مخاطباً اليهود:

(أننا لم نحاربكم من أجل عقيدتكم اليهودية، ولا عنصريتكم السامية..).

ويا سبحان الله، إذن لماذا نقاتل اليهود ويقاتلوننا وأين تذهب تصريحاتهم في ذلك، وأين قول الله تعالى: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ " [البقرة: 120].

وانظر أسوأ من هذا الكلام في قول فهمي هويدي وهو يصف مؤتمراً عقد بين الإسلاميين والعلمانيين (82):

(الاكتشاف في الأمر أن الإسلاميين تبينوا أن العلمانيين ليسو كائنات غريبة تنفث الشر والفتنة والإلحاد).

ثم يقول عن المؤتمر (83):

(مثّل العلمانيين فيه أحد علمائنا الأجلاء هو الدكتور فؤاد زكريا..).

فمتى أصبح العلمانيون علماء أجلاء في نظر المسلمين.

ولذلك يدعو هويدي إلى إلغاء الجزية عن أهل الكتاب حين يقول (84):

(من غرائب ما قيل في هذا الصدد تعريف ابن القيم للجزية بأنها هي الخراج المضروب على رؤوس الكفار إذلالاً وصغاراً، وإن هذا يتنافى مع روح الإٍسلام، ودعوته للمسامحة بين الناس جميعاً).

أما عبد الله غزالي فيشرح معنى الإسلام بقوله (85):

(الإسلام هو أن تسلم وجهك لله وأنت محسن، وأي امرئ كان هذا حاله فإنه مسلم سواء كان مؤمناً بمحمد أو كان من اليهود أو النصارى الصابئين).

ويسير في نفس السير  الدكتور محمد عمارة حين يقول (86):

(دين الله واحد وهو الإسلام "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ" [آل عمران: 19] لكن الإسلام الذي هو دين الله الواحد ليس هو فقط كما يظن البعض شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، والمسلمون ليسوا فقط أتباع محمد صلى الله عليه وسلم).

وكذلك قال الدكتور العوا:

(لغير المسلمين من المواطنين من الحقوق العامة والخاصة ومن حق تولي الوظائف، مثل ما للمسلمين بلا زيادة ولا نقصان) (87) وهكذا بإطلاق.

ثم يقول عن تقسيم الدور إلى دار حرب ودار إسلام (88):

(إن الرأي الذي يرجحه الفقه المعاصر أن الاجتهاد القديم بمثل هذا التقسيم قد انقضى زمانه وأن الفقه المعاصر يجب أن يتوجه صوب واقع العلاقات الدولية المعاصرة ويجتهد في بيان الجائز منها والممنوع).

ونكتفي بما نقلنا في هذا الباب هنا، لكثرة النقول عن كثير من الكتاب الإسلاميين الذين يؤيدون هذه العقيدة اليوم عارفين بها، أو متأثرين فيها بالفكر العقلاني المعاصر والله المستعان.

يقول الترابي: (فقد كفى ما فعل ذلك على أيدي المثيرين… دعونا يا هؤلاء نحن ندبر شأننا نتفاهم بالفصحاء ونتراحم بالإخاء ونتواسى في الضراء ونتساوا في السراء دعونا ندبر حياتنا الدنيا ونجعل الأديان تحكم في الأخرى فقط، دعونا نجتمع على كلمة سواء ألا وهي، فلتحي الأمة فليحيى الوطن فلنحي طلقاء أعزاء).

ويقول عبد الله النديم الحسني (89):

(يا بني مصر ليعد المسلم منكم إلى أخيه المسلم تأليفاً للعصبية الدينية وليرجع الاثنان إلى القبطي والإسرائيلي  تأييداً للجامعة الوطنية وليكن المجموع رجلاً واحداً، يسعى خلف شيء واحد هو حفظ مصر للمصريين …).

أما حسن صعب فيقول (90):

(امتازت علاقة محمد بالمسيحيين العرب بالصداقة لا بالعداوة…، والصداقة المسيحية الإسلامية لازمة لسلم العالم وللتفاهم الإنساني الحقيقي).

ويقول فهمي هويدي (91):

(تحتاج قضية المسلمين والناس إلى قدر من المصارحة، وقدر أكبر من المراجعة والتصحيح، إذ ليس صحيحاً أن المسلمين في هذه الدنيا صنف متميز ومتفوق من البشر لمجرد كونهم مسلمين، وليس صحيحاً أن الإسلام يعطي أفضلية للمسلمين ويخص الآخرين بالدونية وليس صحيحاً أن ما كتبه أكثر الفقهاء في هذا الصدد هو دين ملزم وحجج لا ترد، إنما هو اجتهاد يصيب ويخطئ…

إن دعاوى التميز على الآخرين وتكريس هذا التميز من جانب الفقهاء إنما تستخدم لغة ليست مقبولة ديناً فضلاً عن أنها لغة باتت محل إدانة في هذا العصر..).

وهذا كلام واضح في المطالبة بإلغاء تميز دين الإسلام وأهله، وتقرير بأن المسلمين وغيرهم سواسية.

فأين قوله تعالى:" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" [آل عمران: 110].

ويقول د. حسن الترابي (92): (علينا أن نعيد تصنيف التقسيمات السابقة للأديان ونضعها في إطار معادلة جديدة، دينيون وغير دينيين..).

ثم يتابع بقوله: (فالدين عالمي والله للجميع، والله لم يرسم الحدود الطبيعية السياسية لأن الأديان جميعها عالمية..).

سادساً: الموقف من حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام ونقلته إلينا رضي الله عنهم والتشكيك في منهج المحدثين:

وهو باب يطول الحديث فيه لكثرة خوض العقلانيين فيه وكلامهم عنه وإتيانهم بأصول جديدة في هذا الباب.

1.    خذ مثلاً لذلك بتقسيمهم الحديث إلى تشريعي وغير تشريعي:

ومن زعمائهم في ذلك السيد أحمد خان الذي كان يرى أن من السنة ما هو أحاديث خاصة بالأمور الدينية وهي الملزمة، وأحاديث خاصة بالأمور الدنيوية وهي ليست ملزمة للمسلمين ولا داخلة في مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم (93).

ويقول الدكتور محمد سليم العوا، وهو يعلق على حديث [ أنتم أعلم بأمور دنياكم ] (94):

(لو لم يكن غير هذا الحديث الشريف في تبيين أن سنته صلى الله عليه وسلم ليست كلها شرعاً لازماً وقانوناً دائماً لكفى..).

وسبق هؤلاء الدكتور شلتوت حين قال (95) بعد تقسيم السنة إلى تشريعية وغير تشريعية، وبعد تقسيم السنة غير التشريعية يقول: (وكل ما نقل من هذه الأنواع ليس شرعاً يتعلق به طلب الفعل أو الترك، إنما هو من الشئون البشرية التي ليس مسلك الرسول فيها تشريعاً ولا مصدر تشريع..).

والدكتور عمارة كذلك ممن يرى أن من السنة ما هو غير تشريعي، فيقول عن هذا النوع بعد ذكره النوع الأول (96):

(والسنة غير التشريعية وهي تتعلق باجتهاد الرسول في فروع المتغيرات الدنيوية سواء في السياسة أو الحرب أو المال، وكل ما يتعلق بإمامته للدولة الإسلامية أو بقضائه في المنازعات أو … الخ كلامه).

2.     وكذلك مواقفهم من أحاديث الآحاد وأحاديث الصحيحين:

والحق أن لهم موقف مخزٍ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا به كثيراً من سنته وشريعته مرة بوصفها أحاديث آحاد ومرة بأنها لا توافق العقل.. وثالثة بالقدح في نقلتها إلينا كما سيأتي.. فليت شعري ماذا بقي من دين محمد عليه الصلاة والسلام.

يقول الشيخ رشيد رضا([1](97):

(أصول العقائد وقضايا الإيمان التي يكون بها المرء مؤمناً لا يتوقف شيء منها على أحاديث الآحاد).

والشيخ محمد الغزالي يؤيد ذلك بقوله (98):

(العقائد أساسها اليقين الخالص الذي لا يتحمل أثارة من شك، وعلى أي حال فإن الإسلام تقوم عقائده على المتواتر النقلي والثابت العقلي ولا عقيدة لدينا تقوم على خبر واحد).

ورشيد رضا أيضاً يقول (99):

(أن البخاري لا يخلو من أحاديث قليلة في متونها نظر…، وأن في البخاري أحاديث في أمور العادات والغرائز ليست من أصول الدين ولا فروعه…).

ويقول الدكتور الترابي (100):

(لا بد لنا أن نعيد النظر في الضوابط التي وضعها البخاري، فليس هناك داع لهذه الثقة المفرطة في البخاري).

3.    موقفهم من الصحابة ونقلة الشريعة:

منذ  عهد المعتزلة الأوائل وحملة الشريعة تشن عليهم حملات ضارية شديدة، واصلها المستشرقون ثم سايرهم عليها العقلانيون المعاصرون.

يقول محمد أبو ريّة (101):

(أن القول بعدالة جميع الصحابة وتقديس كتب الحديث يرجع إليها كل ما أصاب المسلمين من طعنات أعدائه، وضيق صدور ذوي الفكر من أوليائه، ذلك بأن عدالة جميع الصحابة تستلزم ولا ريب الثقة بما يروون، وما رووه قد حملته كتب الحديث بما فيه من غثاء، وهذا الغثاء هو مبعث الضرر وأصل الداء..).

ويندد الغزالي ببعض الصحابة وما رووه حين يقول (102):

(والواقع أن حديث سلمان (الفارسي) ليس إلا تعبيراً عن حالة نفسية خاصة ولا يعطي حكماً شرعياً عاماً..).

ويقول (103):

(والخطأ غير مستبعد على راو ولو كان في جلالة عمر..).

وكل ما سبق هو في ذكر موقفهم من السنة ونقلتها رضي الله عنهم.

سابعاً: موقفهم من الجهاد

والجهاد ركن من الدين واجب على الكفاية، به عز المسلمين وفلاحهم، وبتركه يذلون ولا ينزع عنهم الذل إلا بمراجعة دينهم.

ومن الجهاد ما هو هجومي ومنه ما هو دفاعي، لكن أصحاب المدرسة العقلية المعاصرة قصروه على جهاد الدفع فقط، ومواقفهم في ذلك أيضاً متفاوتة:

فالسيد أحمد خان كان يرى أن الجهاد لا يشرع إلا للدفاع عن النفس فقط ولا يشرع للدفاع عن الأرض أو غيرها (104).

ويقول محمد عبده (105):

(إذا لم يوجد من يمنع الدعوة ويؤذي المؤمنين أو يقتلهم أو يهدد الأمن ويعتدي على المؤمنين فالله تعالى لا يفرض علينا القتال لأجل سفك الدماء وإزهاق الأرواح ولا لأجل الطمع والكسب).

وكأن الهدف الوحيد للجهاد هو عدم منع الدعوة.

ثم يقول: (وجملة القول في القتال أنه شرع للدفاع عن الحق وأهله، وحماية الدعوة ونشرها).

وعبد الوهاب خلاَّف أيضاً يؤيد هذا الرأي حين يقول (106):

(النظر الصحيح يؤيد أنصار السلم، القائلين بأن الإسلام أسس علاقات المسلمين بغيرهم على المسالمة والأمان لا على الحرب والقتال، إلا إذا أريدوا بسوء لفتنتهم عن دينهم أو صدهم عن دعوتهم، فحينئذٍ يفرض عليهم الجهاد دفعاً للشر).

والدكتور محمد أبو زهرة يرى (107):

(أن الأصل هو السلم وأن الحرب من إغراء الشيطان).

وهو معنى قول الغزالي رحمه الله (108):

(الجهاد حق لتأمين الدعوة وهزيمة الفتانين).

والذي شرحه بعد ذلك  في كلام له طويل معناه هو ما نحن فيه.

وحسن الترابي يرى أن (109):

(القول بأن القتال حكم ماض قول تجاوزه الفكر الإسلامي الحديث في الواقع الحديث..).

وفهمي هويدي كبقية القوم يقول (110):

(منذ البداية سلّح الله المسلمين بالكلمة وكان أول ما أنزل على نبيه هو: "إقرأ" وليس (اضرب أو ابطش) …، كذلك فإن القتال في التصور الإسلامي ينبغي أن يظل منعطفاً يُكره إليه المسلمون، أو نوعاً من الهبوط الاضطراري الذي يعترض المسار الطبيعي لرحلة التبليغ الإسلامية).

ويرى محمد عمارة (111):

إن (الذين يكفون الأيدي عن قتالنا ويلقون حبال السلام إلى عالم الإسلام وأهله لا سبيل لنا عليهم..).

ويقول:

(القتال في الإسلام سبيل يلجأ إليها المسلمون عند الضرورة… ضرورة حماية الدعوة... سيان كان ذلك القتال دفاعياً تماماً أو مبادأة يجهض بها المسلمون عدواناً أكيداً أو محتملاً فهو في كل الحالات صد للعدوان… أما إذا جنح المخالفون إلى السلم وانفتحت السبل أمام دعوة الإسلام ودعاته وتحقق الأمن لدار الإسلام فلا ضرورة للحرب عندئذٍ ولا مجال للحديث عن القتال باسم الدنيا كان ذلك الحديث أو باسم الدين).

ويردد هذا الرأي أيضاً البوطي في كتابه (الجهاد في الإسلام) (112).

والزحيلي في كتابه (آثار الحرب في الفقه الإسلامي) (113).

وفتحي عثمان في (الفكر الإسلامي والتطور) (114).

وشوقي خليل في (التسامح في الإسلام) (115).

ومالك بن نبي في (الفكرة الأفريقية الآسيوية) (116).

وكتابه (في مهب المعركة) (117).

وجودت سعيد في (مذهب بن آدم الأول) (118).

وخالص حلبي في (النقد الذاتي) (119).

وغيرهم كثير.

ثامناً: العلاقة بين الدين والدولة

تقرير العقلانيين المعاصرين أن من الوحي ما هو تشريعي ملزم ومنه ما ليس ملزم، جعلهم يقفون من النصوص الشرعية في شأن الحكم وشؤون الدولة موقف المعارض والرافض.

فهذا محمد خلف الله بصراحة نادرة يرى (120):

(ضرورة انعتاق الأحكام من اسار الشريعة إلى بحبوحة القوانين الوضعية التي تحقق لها الحرية والتقدم المذهلين، وإن خروج المعاملات من نطاق الشرع إلى نطاق القانون قد حقق لها ألواناً من الحرية والانطلاق لم يكن لهم بها عهد من قبل).

ويقول محمد عمارة (121):

(نحن مطالبون حتى نكون متبعين للرسول بالتزام سنته التشريعية أي تفسير القرآن لأنها دين، أما سنته غير التشريعية ومنها تصرفاته السياسة والحرب والسلم والاجتماع والقضاء وما شابهها من أمور الدنيا، فإن إقتداءنا به يتحقق بالتزامنا المعيار الذي حكم تصرفه صلى الله عليه وسلم فهو كقائد للدولة كان يحكم منها على النحو الذي يحقق المصلحة للأمة، فإذا حكمنا (كساسة) بما يحقق المصلحة للأمة كنا مقتدين بالرسول، حتى ولو خالفت نظمنا وقوانينا ما روي عنه في السياسة من أحاديث لأن المصلحة بطبيعتها متغيرة ومتطورة).

ويقول د. عمارة (122):

(أن للدين مفاهيم عليا ومثلاً عليا ثم للناس أن يحددوا ويشرعوا ويطوروا حياتهم وفق المصلحة بعد ذلك).

أما محمد رضا محرم فيقول (123):

(الديمقراطية بلغة العصر والشورى بلغة الشرع.. في المجتمع المعاصر تعمل في تلك المساحة ذاتها التي يعمل فيها الاجتهاد.. أن الإسلام لم يعطنا تصوراً قياسياً لمجتمع يمكن أن نقيمه خارج الزمان والمكان، فنحن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعلم بأمور دنيانا) ….

وأمور الدنيا التي نحن أعلم بها أوسع وأعقد وأجل شأناً من تأبير النخل أو اختيار موقع نزول الجيش في موقعه، وهي الحالات التي حاول البعض أن يوهمنا أنه حدود علمنا بدنيانا).

تاسعاً: تمييع الحدود الشرعية

وهو كسابقه من المواقف الرافضة، بحجة التأويل أو كونها وردت بأحاديث آحاد أو لتغير الزمان والناس أو غير ذلك.

فهذا عبد الله العلايلي يقول (124):

(أن العقوبات المنصوصة ليست مقصودة بأعينها بل بغاياتها، واستأنست بما يروى عن علي: (ادرؤوا الحدود ولا ينبغي للإمام أن يعطلها) وليس معنى هذا الرأي أن عقوبة القطع في السرقة ليست هي الأصل وأنها لا تطبق، بل أعني أن العقوبة المذكورة غايتها الردع الحاسم، وكل ما أدى مؤداها يكون بمثابتها وتظل هي الحد (الأقصى والأقسى) بعد أن لا تفي الروادع الأخرى وتستنفذ، ومثلها الجلد في موجبه).

ثم يقول (125):

(وحق لي من بعد أن انتقل إلى المفاجأة الكبرى وهي أنه لا رجم في الإسلام كما هو مذهب الخوارج عامة ومنهم من يعتد بخلافه فقهياً. فضلاً عن أن القضية هي من باب الرواية فتصدق عليهم قاعدة يؤخذ برواياتهم لا بآرائهم، على أن ما شاع وذاع من قول بالرجم يعتمد على طائفة من الأحاديث لم ترتفع إلى درجة الحسن… والاتفاق قائم بدون منازع على أن الحديث المخالف مخالفة صريحة للقرآن لا يعتد به مهما كانت درجته).

والدكتور محمد سليم العوّا يقول مؤيداً (126):

(وبناء على ما تقدم فإننا نذهب إلى أن العقوبة التي شرعت لجريمة شرب الخمر هي عقوبة تعزيرية المقصود بها ردع الجاني عن العودة لارتكاب الجريمة …، ومن ثم فإن هذه العقوبة يمكن أن تتغير بتغير الأحوال والظروف الفردية والاجتماعية).

ويوافق على هذا الرأي الشيخ محمد أبو زهرة، وينكر حد الرجم كما نقل عنه الشيخ محمد الغزالي (127).

ويكرر هذا الرأي بأن الرجم عقوبة تعزيرية مصطفى الزرقا في فتاويه (128).

ثم يأتي القرضاوي في تعليقه على فتاوى الزرقا ويقول (129):

(إني والشيخ متفقان تماماً على هذه الوجهة).

وخالص جلبي ينقل عن صهره ومعلمه (كما يقول) جودت سعيد أنه يقول (130):

(أن فكرة قتل المرتد تخالف أصلاً عظيماً من القرآن هو: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ " [البقرة: 256].

والشيخ محمود شلتوت يحاول رد أحاديث قتل المرتد بحجة أنها أحاديث آحاد فيقول بعد استعراض كلام أهل العلم في ذلك (131):

(وقد يتغير وجه النظر في هذه المسألة إذا لوحظ أن كثيراً من العلماء يرى أن الحدود لا تثبت بحديث الآحاد وأن الكفر بنفسه ليس مبيحاً للدم).

_____________________________________

(1) رواه البخاري برقم (7084) في كتاب الفتن باب كيف الأمر إذا لم تكن  جماعة . ورواه مسلمبرقم (1847) كتاب الأمارة باب ملازمة جماعة المسلمين عن حذيفة بن اليمان .

(2) د.محمد جوس : في مجلة (الوحدة) عدد (6) مارس 1985م . نقلاً عن كتاب تجديد الفكر الإسلامي لجمال سلطان ص45 . ط الأولى 1412هـ .

(3) د.محمد النويهي . أعمال ندوة (( أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي من 2-9 مارس 1974م.

(4) مجلة ( الآداب ) البيروتية عدد (5) مايو 1970م نقلاً عن تجديد الفكر الإسلامي ص46 .

(5) زكي نجيب محمود في كتابه ( تجديد الفكر العربي ) ص102 ط دار الشروق نقلاً عن جمال سلطان السابق ص47 .

(6) نجح هذا المؤتمر في توحيد قطاعات أصحاب الأفكار الدخيلة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار من فؤاد زكريا إلى محمود العالم ، ومن زكي نجيب محمود إلى طيب تبزيني ومن محمد أحمد خلف الله إلى أدونيس وآخرين من الخليج ، وقد نجحوا في التأثير في قنوات إعلامية كثيرة وسيطروا على بعضها، ونجحوا في وضع خطة (شاملة للثقافة العربية) تنفذ من خلال قناتهم الثقافية في جامعة الدول العربية . انظر في كل ذلك تجديد الفكر الإسلامي لجمال سلطان ص36-37 .

(7) راجع المصدر السابق ص32 .

(8) د. حسن حنفي من كتاب الاجتهاد الكلامي لعبد الجبار الرفاعي ص29 ط دار

الهادي 1423هـ في حوار مع حسن حنفي .

(9) هذا هو : المهندس محمد شحرور . راجع في كل هذه الأقوال كتاب : التيارات الفكرية والعقدية في النصف الثاني من القرن العشرين إعداد محمد الخالدي ص278 وما بعدها ط دار المعالي 1423هـ .

(10) د. محمد اركون : تاريخية الفكر العربي الإسلامي ، نقلاً عن : أعلام وأقزام للسيد العفاني ص136.

(11) د. محمد اركون : اليسار الإسلامي ص41 . وانظر : أعلام وأقزام للسيد العفاني ص137 .

(12)راجع الترجمة والمزيد عنه : زعماء الإصلاح ص121/138 والمجددون في الإسلام ص483-485 .

(13) انظر : أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم بشبه القارة الهندية للدكتور : خادم حسين بخش ص137-138 ط الأولى دار حراء 1408هـ .

(14) راجع فيما سبق نقولات الدكتور خادم بخش في كتابه : أثر الفكر الغربي في شبه القارة الهندية . ص140 وما بعدها .

(15) راجع الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار ص42 .

(16) المرجع السابق ص43 نقلاً عن العروة الوثقى .

(17) مفهوم تجديد الدين ص131 . وانظر الاتجاه العقلاني لدى المفكرين المسلمين ص166 .

(18) انظر : أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع المسلم في القارة الهندية ص38 فقد ذكر انتشار عقائد الشيعة في الهند .

(19)انظر أهم آراءه في أثر الفكر الغربي في القارة الهندية ص137/139 وانظر الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار ص182 ، وانظر الاتجاه العقلاني لدى المفكرين الإسلاميين المعاصرين ص164 .

(20) الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية للندوي ص73 .

(21) راجع في هذا الترجيح : حقيقة جمال الدين الأفغاني د. عبد النعيم حسنين ص28/46/53 . ط دار الوفاء 1408هـ وراجع لترجمته المصدر السابق وجمال الدين الأفغاني حكيم الشرق للدكتور رحاب عكاوي ، وراجع المجددون في الإسلام ص490-495 ، والفكر الإسلام الحديث للدكتور / محمد البهي الخولي وغيرها .

(22) راجع لمعرفة ترجمته : المجددون في الإسلام للصعيدي ص530 ومنهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير ج1 ص124 .

(23) راجع حقيقة جمال الدين الأفغاني ج2ص28/46/53/56 وغيرها ، وراجع منهج المدرسة العقلية الحديثة ج1 ص75 .

[1]، 3) راجع منهج المدرسة العقلية الحديثة ص802/ والفكر الإسلامي المعاصر دراسة وتقويم تأليف غازي التوبة ص54 ط الثالثة 1977م دار القلم . وسيأتي شواهد على ذلك .

(24) اليقظة الإسلامية أنور الجندي ص132 .

(25) انظر العلمانية للدكتور سفر الحوالي ص577 .

(26) راجع للتوسع في هذا التيار : تجديد الفكر الإسلامي للأستاذ جمال سلطان 35 وما بعدها .

(27) سبق الحديث عنهم في ص وقد كتب عن هذا التحول للشيوعيين ورفعهم شعار (اليسار الإسلامي) آخرون منهم الدكتور مصطفى محمود في كتابه (أكذوبة اليسار الإسلامي) ص9 ، ط دار المعارف 1995م .

(28) انظر اليسار الإسلامي ، كتابات في النهضة الإسلامية ، العدد (1) مقال بعنوان : ماذا يعني اليسار الإسلامي ، ربيع الأول 1401هـ/1981م .

(29) راجع عن الحزب وأفكاره : الموسوعة الميسرة ج1 ص341 والاتجاه العقلاني لدى المفكرين المعاصرين ص167 .

(30)  راجع للتوسع الموسوعة الميسرة ج1 ص231 والاتجاه العقلاني لدى المفكرين المعاصرين للزهراني ج1 ص169 .

(31)  سيأتي مزيد حديث عن أفكار الدكتور الترابي بإذن الله ، وقد آثرت ألا أذكر هنا منها شيء لأن الحديث عن الجبهة وليس عن الترابي ، وقد يكون الخلاف الذي حصل بينهما أخيراً وتكوين الترابي لحزب جديد مؤشر على عدم رضا الجبهة عن مجمل أفكاره ولكننا ذكرناها هنا باعتبار التأسيس والسنوات السابقة .

(32)  الإسلام والنصرانية لمحمد عبده ص95 ، نقلاً عن المدرسة العقلية الحديثة في التفسير للرومي ص148 .

(33)  المرجع السابق ص54 .

(34)  الإسلام والنصرانية ص72/75 نقلاً عن محمد عمارة في ميزان أهل السنة ص350 . ط 1413هـ .

(35) تجديد أصول الفقه الإسلامي للدكتور الترابي ص9 ط الأولى 1409هـ الدار السعودية للنشر والتوزيع .

(36)  الدولة الإسلامية لمحمد عمارة ص16 ، نقلاً عن محمد عمارة في ميزان أهل السنة لسليمان الخراشي ص444 .

(37)  من كتاب التراث في ضوء العقل لمحمد عمارة ص270 ، نقلاً عن الخراشي ص73 .

(38)  لا أظن أن الدكتور فهمي هويدي يقصد المغالطة حينما يأخذ كلام الرازي الذي أورده شيخ الإسلام في أول كتاب ( درء تعارض العقل والنقل الذي سماه هويدي (رد تعارض العقل والنقل) ثم ينسبه إلى شيخ الإسلام عمداً . ولكن لعلّ الدكتور سمعه من غيره أو نقله عن من يدلسون في النقول عن شيخ الإسلام رحمه الله . انظر كلام شيخ الإسلام في (الدرء) ج1 ص4 من الطبعة التي حققها الدكتور رشاد سالم . وانظر كلام هويدي هذا الذي نقلناه لك في كتابه القرآن والسلطان ص49 ط الأولى من دار الشروق .

(39) كيف نتعامل مع السنة النبوية للدكتور القرضاوي ص162 . المعهد العالمي للفكر الإسلامي ط الثالثة 1411هـ .

(40)  تفسير المنار ج1 ص254 وهذا النقل وما بعده مأخوذ عن منهج المدرسة العقلية في التفسير للرومي ص620 وانظر أيضاً الفكر الإسلامي المعاصر لغازي التوبة ص46 .

(41)  تفسير المراغي ج1 ص86 .

(42)  تفسير المنار ج1 ص273 .

(43)  نقلاً عن الفكر الإسلامي لغازي التوبة ص49 .

(44)  انظر منهج المدرسة العقلية ص640 حيث نقله عن تفسير المنار ج8 ص319 .

(45)  تفسير المنار ج8 ص364 .

(46)  تجديد الفكر الديني في الإسلام ص197 .

(47)  تفسير المنار ج1 ص280 .

(48)  تفسير المنار ج1 ص284 . نقلاً عن الرومي ص455/456 .

(49)  راجع في ذلك : منهج المدرسة العقلية في التفسير ص479 وما بعدها . وراجع الفكر الإسلامي الحديث لغازي التوبة ص46 وما بعدها .

(50)  تفسير المنار ج1 ص399 .

(51)  المرجع السابق ج2 ص457 .

(52)  الفن القصصي في القرآن : محمد خلف الله ص42 نقلاً عن الرومي ص445 .

(53)  المرجع السابق لخلف الله ص179 .

(54) في الشعر الجاهلي ص26 نقلاً عن الرومي ص447 .

(55)  تفسير ابن كثير 2/417 .

(56)  انظر لوامع الأنوار البهية لمحمد بن أحمد السفاريني رحمه الله ج2 ص94 .

(57) الأعمال الكاملة لمحمد عبده ( 5/32 ) .

(58)  فتاوى محمود شلتوت ص65 نقلاً عن الاتجاه العقلاني لدى المفكرين المعاصرين ص415 .

(59)  دراسات في السيرة لمحمد سرور زين العابدين ص308 .

(60)  النووي على مسلم ج18 / ص58 .

(61)  الفتن والملاحم للحافظ ابن كثير ج1 ص106 .

(62)  تفسير المنار ج9 ص450 .

(63)  المرجع السابق ج9 ص317 .

(64)  المرجع السابق ج9 ص466 .

(65)  تفسير جزء عم للإمام محمد عبده ص6 .

(66) تفسير جزء تبارك لعبد القادر المغربي ص36 وكلاهما منقول عن منهج المدرسة العقلية في التفسير ج2 ص524 .

(67)  السنة مصدراً للمعرفة والحضارة للقرضاوي ص123 نقلاً عن تجديد في الفكر الإسلامي ص399 .

(68)  المصدر السابق ص126 .

(69)  انظر تجديد الفكر الإسلامي ص399 .

(70)  راجع لمعرفة ذلك والتوسع فيه : منهج المدرسة العقلية في التفسير للدكتور فهد الرومي ص525 وما بعده .

(71)  رواه مسلم في كتاب الإيمان باب وجوب الإيمان برسالة النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة برقم (240) .

(72)  انظر الفكر الإسلامي والتطور فتحي عثمان ص246 . نقلاً عن تجديد الفكر الإسلامي د. عدنان أمامة ص403 .

(73)  عن تاريخ الأستاذ الإمام لرشيد رضا 1/817-829 . نقلاً عن د. عدنان أمامة ص403 .

(74)  من كتاب مصر الحديثة للورد كرومر ، نقلاً عن : الاتجاه العقلاني لدى المفكرين المعاصرين د. سعيد الزهراني ص504 .

(75)  الصحوة الإسلامية ص125 نقلاً عن التجديد في الفكر الإسلامي ص408 .

(76)  الشيخ أحمد كفتارو ومنهجه في التجديد لمحمد الحبشي ص334 . نقلاً عن التجديد في الفكر الإسلامي ص409 .

(77)  الإسلام والعلمانية ص101 .

(78)  مجلة البيان العدد (124) .

(79)  التدين المنقوص ص269 .

(80)  المصدر السابق ص273 ، نقلاً عن تجديد الفكر الإسلامي ص420 .

(81)  مواطنون لا ذميون ص131 نقلاً عن العصرانيون لمحمد الناصر ص270 .

(82)  نظرات في الدين ص16 نقلاً عن المعتزلة بين القديم والحديث ص140 .

(83) الإسلام والوحدة ص60 ، نقلاً عن محمد عمارة في ميزان أهل السنة ص371 .

(84)  الفقه الإسلامي في طريق التجديد للدكتور محمد العوا ص76 .

(85)  المرجع السابق ص197 نقلاً عن التجديد في الفكر الإسلامي ص517 .

(86)  نقلاً عن الاتجاهات الوطنية 1/171 .

(87) الإسلام وتحديات العصر ص127 . نقلاً عن الاتجاه العقلاني ص505 .

(88) مجلة العربي عدد (267) ص49 . فبراير 1981م .

(89)  قراءات سياسية العدد 11-12 سنة 1993م . نقلاً عن التجديد في الفكر الإسلامي لعدنان أمامة ص407 .

(90)  انظر مفهوم تجديد الدين لبسطامي سعيد ص135 .

(91)  رواه مسلم في كتاب الفضائل ، باب وجوب امتثال ما قاله الرسول برقم (2363) . والنقل عن الدكتور العوا من مجلة المسلم المعاصر ص32 موضوع : السنة التشريعية وغير التشريعية .

(92)  الإسلام عقيدة وشريعة . محمود شلتوت ص500 . نقلاً عن الاتجاه العقلاني لدى المفكرين المعاصرين ص627 .

(93)  معالم المنهج الإسلامي ص115 نقلاً عن الاتجاه العقلاني ص629 .

(94)  مجلة المنار ج19 ص29 .

(95)  السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ص80 ط السادسة .

(96)  مجلة المنار ج29 ص104 .

(97)  العصرانيون لمحمد الناصر ص224 نقله من كتاب مناقشة هادئة لأفكار الترابي للأمين محمد أحمد ص79 .

(98)  أضواء على السنة المحمدية لأبي ريّة ص312 .

(99)  السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ص140 .

(100)  المصدر السابق ص23 .

(101) انظر العصرانيون ص75 وَ ص319 .

(102)  تفسير المنار ج2 ص215 .

(103)  السياسة الشرعية لعبد الوهاب خلاف ص84 نقلاً عن الاتجاه العقلاني ص713 .

(104)  العلاقات الدولية في الإسلام ص47 .

(105) انظر السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث ص131 . وراجع في إيضاح كلامه هذا كتابه جهاد الدعوة بين عجز الداخل وكيد الخارج ص89،90،91،92 .

(106) الرد القويم لما جاء به الترابي والمجادلون للحاج محمد أحمد ص86 نقلته عن الاتجاه العقلاني للزهراني ص718 .

(107)  مواطنون لا ذميون ص234 .

(108)  الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية ص130 .

[1] ، 2 ، 3 ، 4 ) راجع في كل هذه النقول : التجديد في الفكر الإسلامي ص537/538 .

5 ، 6 ، 7 ، 8 ) راجع في كل هذه النقول : العصرانيون لمحمد الناصر ص323/324 .

(109)  مقال بعنوان : المعاملات بين الشرع والقانون ، الطليعة القاهرية فبراير 1976م نقلاً عن العصرانيون ص274 .

(110) الإسلام وقضايا العصر لمحمد عمارة ص25 .

(111)  المعتزلة وأصول الحكم لمحمد عمارة ص295 .

(112)  مجلة المسلم المعاصر عدد 15 رمضان 1398 مقال (بل المسلمون يمين ويسار) .

(113)  أين الخطأ لعبد الله العلايلي ص77 .

(114)  المرجع السابق وهما نقل عن (العصريون معتزلة اليوم) ليوسف كمال ص86 .

(115)  المرجع السابق ص87 .

(116)  دستور الوحدة الثقافية ص86 .

(117)  فتاوى الزرقا ص394 ، نقلاً عن تجديد الفكر الإسلامي ص502 .

(118)  فتاوى الزرقا بتعليق القرضاوي ص394 .

(119)  انظر كتاب (شخصيات وأفكار) لمجموعة مؤلفين ص219 ، طباعة مركز الراية للتنمية الفكرية .

(120)  الاسلام عقيدة وشريعة لشلتوت ص218 ، دار الشروق ، ط17 ، 1991م .
المصدر
http://islamtoday.net/bohooth/mobile/mobartBoh-86-167988.htm

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire